فصل: باب فِي الْهِبَةِ وَالشُّفْعَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَا يُنْهَى مِنْ الِاحْتِيَالِ لِلْوَلِيِّ فِي الْيَتِيمَةِ الْمَرْغُوبَةِ وَأَنْ لَا يُكَمِّلَ لَهَا صَدَاقَهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ما ينهى عن الاحتيال للولي في اليتيمة المرغوبة وأن لا يكمل لها صداقها‏)‏ ذكر فيه حديث عائشة في تفسير قوله تعالى ‏(‏إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى‏)‏ ولم يسقه بتمامه وقد تقدم بهذا السند في النكاح تاما، قال ابن بطال‏:‏ فيه أنه لا يجوز للولي أن يتزوج يتيمة بأقل من صداقها ولا أن يعطيها من العروض في صداقها مالا يفي بقيمة صداق مثلها واختلف في سبب نزول الآية المذكورة كما تقدم عند شرح الحديث المذكور في تفسير سورة النساء‏.‏

وفي قوله ‏(‏في اليتامى‏)‏ حذف تقديره في نكاح اليتامى، وقوله ‏(‏ما طاب لكم من النساء‏)‏ أي من سواهن، قال القاضي أبو بكر بن الطيب‏:‏ معنى الآية وإن خفتم أن لا تعدلوا في اليتامى الأطفال اللاتي لا أولياء لهن يطالبونكم بحقوقهن ولا تأمنوا من ترك القيام بحقوقهن لعجزهن عن ذلك فتزوجوا من النساء القادرات على تدبير أمورهن أو من لهن أولياء يمنعونكم من الحيف عليهن، وقوله ‏"‏ثم استفتى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله‏:‏ يستفتونك في النساء ‏"‏ فذكر الحديث، كذا في الأصل وقد تقدم سياقه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ كَانَ عُرْوَةُ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ قَالَتْ هِيَ الْيَتِيمَةُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا فَيَرْغَبُ فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا فَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ نِسَائِهَا فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ ثُمَّ اسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في تفسير قوله تعالى ‏(‏إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى‏)‏ قد تقدم بهذا السند في النكاح تاما‏.‏

*3*باب إِذَا غَصَبَ جَارِيَةً فَزَعَمَ أَنَّهَا مَاتَتْ

فَقُضِيَ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ الْمَيِّتَةِ ثُمَّ وَجَدَهَا صَاحِبُهَا فَهِيَ لَهُ وَيَرُدُّ الْقِيمَةَ وَلَا تَكُونُ الْقِيمَةُ ثَمَنًا وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ الْجَارِيَةُ لِلْغَاصِبِ لِأَخْذِهِ الْقِيمَةَ وَفِي هَذَا احْتِيَالٌ لِمَنْ اشْتَهَى جَارِيَةَ رَجُلٍ لَا يَبِيعُهَا فَغَصَبَهَا وَاعْتَلَّ بِأَنَّهَا مَاتَتْ حَتَّى يَأْخُذَ رَبُّهَا قِيمَتَهَا فَيَطِيبُ لِلْغَاصِبِ جَارِيَةَ غَيْرِهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْوَالُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ وَلِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إذا غصب جارية فزعم أنها ماتت فقضى‏)‏ بالضم على البناء للمجهول أي حكم، ويجوز بناؤه للمعلوم أي حكم القاضي على الغاصب، قوله ‏(‏بقيمة الجارية الميتة ثم وجدها صاحبها‏)‏ أي اطلع على أنها لم تمت ‏(‏فهي له‏)‏ أي لصاحبها المغصوبة منه ‏(‏وترد القيمة‏)‏ أي على الغاصب ‏(‏ولا تكون القيمة ثمنا‏)‏ أي لعدم جريان بيع بينهما، وإنما أخذ القيمة بناء على عدم الجارية فإذا زال ذلك وجب الرجوع إلى الأصل‏.‏

قوله ‏(‏وقال بعض الناس‏:‏ الجارية للغاصب لأخذه القيمة‏)‏ أي من الغاصب‏.‏

قوله ‏(‏وفي هذا احتيال لمن اشتهى جارية رجل لا يبيعها فغصبها واعتل‏)‏ أي احتج، أي وكذلك لو كانت الصورة في غير الجارية من مأكول أو غيره وادعى فساده، وكذا لو غصب حيوانا مأكولا فذبحه‏.‏

قوله ‏(‏فتطيب للغاصب جارية غيره‏)‏ أي وكذا قال غيره‏.‏

قوله ‏(‏قال النبي صلى الله عليه وسلم أموالكم عليكم حرام‏)‏ هذا طرف من حديث وصله من حديث أبي بكرة مطولا في أواخر الحج وأحلت بشرحه على كتاب الفتن‏.‏

قال الكرماني‏:‏ ظاهر قوله ‏"‏ أموالكم عليكم ‏"‏ مقابلة الجمع بالجمع فيفيد التوزيع فيلزم أن يكون مال كل شخص على كل شخص حراما فيلزم أن يكون ماله عليه حراما، وليس كذلك وإنما هو مثل قولهم قتل بنو فلان أنفسهم أي قتل بعضهم بعضا، ففيه مجاز للقرينة الصارفة عن الظاهر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏ولكل غادر لواء‏)‏ أي وقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لكل غادر لواء إلخ ‏"‏ وقد وصله في الباب عن ابن عمر، وسفيان في سنده هو الثوري، ومضى شرحه مستوفي في الجهاد، والاحتجاج به ظاهر لأن دعوى الغاصب أنها ماتت خيانة وغدر في حق أخيه المسلم، قال ابن بطال‏:‏ خالف أبا حنيفة الجمهور في ذلك فاحتج هو بأنه لا يجتمع الشيء وبدله في ملك شخص واحد، واحتج للجمهور بأنه لا يحل مال المسلم إلا عن طيب نفسه، ولأن القيمة إنما وجبت بناء على صدق دعوى الغاصب أن الجارية ماتت فلما تبين أنها لم تمت فهي باقية على ملك المغصوبة منه لأنه لم يجر بينهما عقد صحيح فوجب أن ترد إلى صاحبها، قال‏:‏ وفرقوا بين الثمن والقيمة بأن الثمن في مقابلة الشيء القائم والقيمة في الشيء المستهلك وكذا في البيع الفاسد، والفرق بين الغصب والبيع الفاسد أن البائع رضي بأخذ الثمن عوضا عن سلعته وأذن للمشتري بالتصرف فيها، فإصلاح هذا البيع أن يأخذ قيمة السلعة إن فاتت، والغاصب لم يأذن له المالك فلا يحل له أن يتملكه الغاصب إلا أن رضي المغصوب منه بقيمته‏.‏

قلت ومحل الصورة المذكورة أولا عند الحنفية أن يدعي المستحق على الغاصب بالجارية فيجيب بأنها ماتت فيصدقه أو يكذبه فيقيم الغاصب البينة أو يستحلفه فينكل عن اليمين فيكون المستحق حينئذ على الغاصب القيمة لرضا المدعي بالمبادلة بهذا القدر حيث ادعاه، أما لو أخذ القيمة بقول الغاصب مع خلفه أنها ماتت فالمدعي حينئذ بالخيار إذا ظهر كذب الغاصب إن شاء أمضى الضمان وإن شاء استعاد الجارية ورد العوض، واستدلوا بأن المالك ملك بدل المغصوب رقبة وبدنا فزال ملكه عن المبدل لكونه قابلا للنقل فلم يقع الحكم للتعدي محضا بل للضمان المشروط ولو نشأ منه فوات الجارية على صاحبها بالحيلة ولو ترتب الإثم على الغاصب بذلك لأنه لا ينافي صحة العقد والله أعلم وقال ابن المنير ما ملخصه‏:‏ ألزم بعض الحنفية مالكا بأنه يقول في الآبق إذا أخذ المالك قيمته ممن وجده فغصبه أن الغاصب يملكه، فلو موه الغاصب بأنه مستمر الإباق أو أوهم موته ثم ظهر خلاف ذلك فللمالك أخذه، والحديث يتناول التمويه وغيره يقتضي أن يعود العبد للمالك، والقيمة إن كانت ثمنا لم يعد العبد مطلقا وإن لم تكن ثمنا عاد العبد مطلقا، وأجيب بأن معنى قوله ‏"‏ أموالكم عليكم حرام ‏"‏ إذا لم يقع التراضي ومع وجود التمويه لم يحصل الرضا بالعوض بخلاف، ما إذا لم يكن هناك تمويه فإنه يدل على الرضا بالعوض وتقدر القيمة ثمنا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب‏)‏ كذا للأكثر بغير ترجمة ‏"‏ وحذفه ابن بطال والنسفي والإسماعيلي، وأضاف ابن بطال حديث أم سلمة للباب الذي قبله، وتعلقه به ظاهر جدا لدلالته على أن حكم الحاكم لا يحل ما حرمه الله ورسوله ولنهيه عن أخذه إذا كان يعلم أنه في نفس الأمر لغريمه، وعلى الأول هو كالفصل من الباب الذي قبله وإنما أفرده لأنه يشمل الحكم المذكور وغيره، وسيأتي شرحه مستوفي في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى‏.‏

وقوله ‏"‏سفيان ‏"‏ هو الثوري، وقوله ‏"‏عن هشام ‏"‏ هو ابن عروة، ووقع في رواية أبي داود عن محمد بن كثير شيخ البخاري فيه ‏"‏ حدثنا سفيان حدثنا هشام ‏"‏ وقوله عن عروة وقع في رواية أبي داود ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ وقوله عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة هي أمها، ووقع في شرح ابن بطال حديث زينب فأوهم أنه من مسندها على ما جرت به عادته من الاقتصار على صحابي الحديث‏.‏

قول ‏(‏إنما أنا بشر‏)‏ أي كواحد من البشر في عدم علم الغيب، وقوله ‏"‏ولعل ‏"‏ هي هنا بمعنى عسى، وقوله ‏"‏ألحن ‏"‏ تقدم في المظالم بلفظ ‏"‏ أبلغ ‏"‏ وهو بمعناه لأنه من لحن بمعنى فطن وزنه ومعناه، والمراد أنه إذا كان أفطن كان قادرا على أن يكون أبلغ في حجته من الآخر‏.‏

وقوله ‏"‏على نحو مما أسمع ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ما أسمع ‏"‏ وهي موصولة‏.‏

وقوله ‏"‏من أخيه ‏"‏ أي من حق أخيه، وثبت كذلك في الطريق الآتي في الأحكام، وقوله ‏"‏فلا يأخذ ‏"‏ كذا للأكثر بحذف المفعول وللكشميهني ‏"‏ فلا يأخذه ‏"‏ وقوله ‏"‏ فإنما أقطع له قطعة من النار ‏"‏ أي إن أخذها مع علمه بأنها حرام عليه دخل النار‏.‏

*3*باب فِي النِّكَاحِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب في النكاح‏)‏ تقدم قريبا ‏"‏ باب الحيلة في النكاح ‏"‏ وذكر فيه الشغار والمتعة، وذكر هنا ما يتعلق بشهادة الزور في النكاح، وأورد فيه حديث أبي هريرة واستئذان المخطوبة من وجهين، وقد مضى شرحه مستوفي في كتاب النكاح، ثم أورد بعده حديث خنساء بذكر البكر والثيب جميعا وقد تقدما في ‏"‏ باب لا يجوز نكاح المكره ‏"‏ قريبا وحديث عائشة نحو حديث أبي هريرة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ وَلَا الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ إِذَا سَكَتَتْ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إِنْ لَمْ تُسْتَأْذَنْ الْبِكْرُ وَلَمْ تَزَوَّجْ فَاحْتَالَ رَجُلٌ فَأَقَامَ شَاهِدَيْ زُورٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا فَأَثْبَتَ الْقَاضِي نِكَاحَهَا وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَطَأَهَا وَهُوَ تَزْوِيجٌ صَحِيحٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏هشام‏)‏ هو الدستوائي‏.‏

قوله ‏(‏لا تنكح البكر‏)‏ أي لا تزوج‏.‏

قوله ‏(‏وقال بعض الناس‏:‏ إذا لم تستأذن‏)‏ في رواية الكشميهني إن بدل إذا‏.‏

قوله ‏(‏فأقام شاهدين زورا‏)‏ أي شهدا زورا أو زورا متعلق بأقام‏.‏

قوله ‏(‏فأثبت القاضي نكاحها‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ نكاحه أي بشهادتهما‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فلا بأس أن يطأها‏)‏ أي لا يأثم بذلك مع علمه بأن شاهديه كذبا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ وَلَدِ جَعْفَرٍ تَخَوَّفَتْ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلِيُّهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَأَرْسَلَتْ إِلَى شَيْخَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ جَارِيَةَ قَالَا فَلَا تَخْشَيْنَ فَإِنَّ خَنْسَاءَ بِنْتَ خِذَامٍ أَنْكَحَهَا أَبُوهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ قَالَ سُفْيَانُ وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ عَنْ أَبِيهِ إِنَّ خَنْسَاءَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏علي‏)‏ هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، ويحيى بن سعيد الأنصاري‏.‏

قوله ‏(‏عن القاسم‏)‏ في رواية محمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد ‏"‏ حدثنا القاسم ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي ‏"‏ والقاسم هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏أن امرأة من ولد جعفر‏)‏ في رواية ابن أبي عمر عن سفيان ‏(‏أن امرأة من آل جعفر‏)‏ أخرجه الإسماعيلي ولم أقف على اسمها ولا على المراد بجعفر ويغلب على الظن أنه جعفر بن أبي طالب، وتجاسر الكرماني فقال‏:‏ المراد به جعفر الصادق بن محمد الباقر وكان القاسم بن محمد جد جعفر الصادق لأمه انتهى، وخفي عليه أن القصة المذكورة وقعت وجعفر الصادق صغير لأن مولده سنة ثمانين وكانت وفاة عبد الرحمن بن يزيد بن جارية في سنة ثلاث وتسعين من الهجرة، وقد وقع في تفسير الحديث أنه أخبر المرأة بحديث خنساء بنت خدام فكيف تكون المرأة المذكورة في مثل تلك الحالة وأبوها ابن ثلاث عشرة سنة أو دونها‏.‏

قوله ‏(‏فأرسلت إلى شيخين من الأنصار‏)‏ زاد ابن أبي عمر ‏"‏ تخبرهما أنه ليس لأحد من أمري شيء‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏ابني جارية‏)‏ كذا نسبهما في هذه الرواية إلى جدهما، وتقدم في النكاح عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية وهو بجيم وراء، ووقع هنا لبعضهم بمهملتين ومثلثة وهو تصحيف‏.‏

قوله ‏(‏قالا فلا تخشين‏)‏ كذا لهم على أنه خطاب للمرأة ومن معها، وظن ابن التين أنه خطاب للمرأة وحدها فقال‏:‏ الصواب فلا تخشين بكسر الياء وتشديد النون، قال ولو كان بلا تأكيد لحذفت النون‏.‏

قلت‏:‏ ووقع في رواية ابن أبي عمر ‏"‏ فأرسلا إليها أن لا تخافي ‏"‏ فدل على أنهما خاطبا من كانت أرسلته إليهما أو من أرسلا وعلى الحالين فكان من أرسلا في ذلك جماعة نسوة‏.‏

قوله ‏(‏فإن خنساء بنت خذام‏)‏ بكسر المعجمة ودال مهملة خفيفة تقدم في كتاب النكاح بيان نسبها وحالها‏.‏

قوله ‏(‏قال سفيان فأما عبد الرحمن‏)‏ يعني ابن القاسم محمد بن أبي بكر‏.‏

قوله ‏(‏فسمعته يقول عن أبيه إن خنساء‏)‏ يعني أنه أرسله فلم يذكر فيه عبد الرحمن بن يزيد ولا أخاه‏.‏

قلت‏:‏ وأخرجه ابن أبي عمر في مسند ومن طريقه الإسماعيلي فقال ‏"‏ عن سفيان عن يحيى بن سعيد وعبد الرحمن ابن القاسم أن خنساء ‏"‏ فذكره وقصر في سنده، وقد تقدم في النكاح من رواية مالك عن يحيى موصولا وبيان من أرسله والاختلاف فيه وشرح الحديث مستوفي ورواية من قال فيه إنها كانت بكرا وبيان الصواب من ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ قَالُوا كَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ أَنْ تَسْكُتَ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إِنْ احْتَالَ إِنْسَانٌ بِشَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ بِأَمْرِهَا فَأَثْبَتَ الْقَاضِي نِكَاحَهَا إِيَّاهُ وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا قَطُّ فَإِنَّهُ يَسَعُهُ هَذَا النِّكَاحُ وَلَا بَأْسَ بِالْمُقَامِ لَهُ مَعَهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏وقال بعض الناس‏:‏ إن احتال إنسان بشاهدي زور على تزويج امرأة ثيب بأمرها إلخ‏)‏ قال المهلب‏:‏ اتفق العلماء على وجوب استئذان الثيب والأصل فيه قوله تعالى ‏(‏فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا‏)‏ فدل على أن النكاح يتوقف على الرضا من الزوجين، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم باستئذان الثيب ورد نكاح من زوجت وهي كارهة، فقول الحنفية خارج عن هذا كله انتهى ملخصا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ قُلْتُ إِنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحْيِي قَالَ إِذْنُهَا صُمَاتُهَا وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إِنْ هَوِيَ رَجُلٌ جَارِيَةً يَتِيمَةً أَوْ بِكْرًا فَأَبَتْ فَاحْتَالَ فَجَاءَ بِشَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فَأَدْرَكَتْ فَرَضِيَتْ الْيَتِيمَةُ فَقَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَةَ الزُّورِ وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏البكر تستأذن‏)‏ تقدم في الإكراه من طريق سفيان عن ابن جريح بهذا الإسناد ‏"‏ قلت يا رسول الله البكر تستأمر‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وقال بعض الناس إن هوى‏)‏ بكسر الواو أي أحب ‏(‏إنسان‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ رجل‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏جارية يتيمة أو بكرا‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ثيبا ‏"‏ ووقع عند ابن بطال كذلك، ويؤيد الأول قوله في بقية الكلام ‏"‏ فأدركت اليتيمة ‏"‏ فظاهره أنها كانت غير بالغ، ويحتمل أن قوله ‏"‏ جاء بشاهدين ‏"‏ أي يشهدان على أنها مدركة ورضيت‏.‏

قوله ‏(‏فقبل القاضي بشهادة الزور‏)‏ كذا لهم بموحدة وللكشميهني شهادة بحذف الموحدة من أوله‏.‏

قوله ‏(‏حل له الوطء‏)‏ أي مع علمه بكذب الشهادة المذكورة‏:‏ وقال ابن بطال‏:‏ لا يحل هذا النكاح عند أحد من العلماء، وحكم القاضي بما ظهر له من عدالة الشاهدين في الظاهر لا يحل للزوج ما حرم الله عليه‏.‏

وقد اتفقوا على أنه لا يحل له أكل مال غيره بمثل هذه الشهادة، ولا فرق بين أكل مال الحرام ووطء الفرج الحرام‏.‏

وقال المهلب‏:‏ قاس أبو حنيفة في هذه المسألة والتي قبلها على مسألة اتفاقية وهي ما لو حكم القاضي بشهادة من ظن عدالتهما أن الزوج طلق امرأته وكانا شهدا في ذلك بالزور أنه يحل تزويجها لمن لا يعلم باطن تلك الشهادة قال‏:‏ وكذلك لو علم، وتعقب بأن الذي يقدم على الشيء جاهلا ببطلانه لا يقاس بمن يقدم عليه مع علمه ببطلانه، ولا خلاف بين الأئمة أن رجلا لو أقام شاهدي زور على ابنته أنها أمته وحكم الحاكم بذلك ظانا عدالتهما أنه لا يحل له وطؤها، وكذا لو شهدا في ابنة غيره من حرة أنها أمة المشهود له وهو يعلم بطلان شهادتهما أنه لا يحل له وطؤها‏.‏

انتهى ملخصا‏.‏

وليس الذي نسبه إلى أبي حنيفة من هذا القياس مستقيما، وإنما حجتهم أن الاستئذان ليس بشرط في صحة النكاح ولو كان واجبا، وإذا كان كذلك فالقاضي أنشأ لهذا الزوج عقدا مستأنفا فيصح، وهذا قول أبي حنيفة وحده واحتج بأثر عن علي في نحو هذا قال فيه ‏"‏ شاهداك زوجاك ‏"‏ وخالفه صاحباه‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ اعتمد الحنفية أمرين أحدهما قوله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين ‏"‏ أحدكما كاذب ‏"‏ ففرق بينهما على قول تحقق أنه باطل، فكذلك البناء على شهادة الزور‏.‏

والثاني أن الفرج يقبل إنشاء الحل فيه كتزويج الرجل ابنته بمال لظان من لا ولي لها، والمال إنما ينشئ الحل فيها بالقبول من المالك‏.‏

قال‏:‏ وحاصل الجواب عن ذلك أن المجتهد إنما يحمل الحكم الذي لا أثر فيه على النظير لا على الضد، فلا يصح حمل شهادة الزور على اللعان والفرج إنما ينشأ الحل فيه بوجه يستوي ظاهره وباطنه، وأما بأمر يظهر باطنه فلا‏.‏

انتهى ملخصا‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ قال أبو حنيفة إذا شهدا بزور على الطلاق فحكم القاضي بها تصير المرأة مطلقة بحكم الحاكم ويجوز لها أن تتزوج حتى بأحد الشاهدين‏.‏

وقال فيما لو أقام شاهدي زور على محرم أنها زوجته‏:‏ أن الحكم لا ينفذ في الباطن ولا يحل له وطؤها وهو يعلم، وكذا لو شهدا له بمال‏.‏

قال‏:‏ وفرق بين الموضعين فإن كل شيء جاز أن يكون للحاكم فيه ولاية ابتداء أنه ينفذ حكمه فيه ظاهرا وباطنا ومالا فإنه ينفذ في الظاهر دون الباطن، فلما أن كان للحاكم فيه ولاية في عقد النكاح وولاية في أنه يطلق على غيره نفذ حكمه ظاهرا وباطنا، ولما لم يكن له ولاية في تزويج ذوات المحارم ولا في نقل الأموال نفذ ظاهرا لا باطنا، قال‏:‏ والحجة للجمهور قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه ‏"‏ وهذا عام في الأموال والأبضاع فلو كان حكم الحاكم يحيل الأمور عما هي عليه لكان حكم النبي صلى الله عليه وسلم أولى‏.‏

قلت‏:‏ وبهذا احتج الشافعي كما سيأتي بيانه عند شرحه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى، وقد احتج لأبي حنيفة أيضا بأن الفرقة في اللعان تقع بقضاء القاضي ولو كان الملاعن في الباطن كاذبا، وبأن البيعين إذا اختلفا تحالفا وترادا السلعة، ولا يحرم انتقاع بائع السلعة بها بعد ذلك ولو كان في نفس الأمر كاذبا، وأجيب بأن الأثر المتقدم عن علي لا يثبت وبأنه موقوف، وإذا اختلف الصحابة لم يكن قول بعضهم حجة بغير مرجح، وبأن الفرقة في اللعان ثبتت بالنص والذي حكم بالملاعنة لا يعلم أن الملاعن حلف كاذبا، وأما مسألة البيعين فإنما كان الحكم فيها كذلك للتعارض‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ذكر البخاري في هذا الباب ثلاثة فروع مبنية على اشتراط الاستئذان وينظمها صحة النكاح بشهادة الزور وحجة الحنفية فيها ما تقدم، وعبر في الأولى بقوله ‏"‏ فلا بأس أن يطأها ‏"‏ وهو تزويج صحيح، وفي الثانية بقوله ‏"‏ فإنه يسعه هذا النكاح ولا بأس بالمقام معها ‏"‏ وفي الثالثة بقوله ‏"‏ حل له الوطء ‏"‏ وهو تفنن في العبارة والمفاد واحد‏.‏

ثم يحتمل أن يكون ذلك وقع في كلام من نقل عنه ويحتمل أن يكون من تصرفه والله أعلم‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ صور الأول في البكر، والثاني في الثيب، والثالث في الصغيرة إذ لا يتم بعد احتلام، وفي الأولين ثبت الرضا بالشهادة إذا كان ذلك قبل العقد، وفي الثالث ثبت بالاعتراف أو أنه بعد العقد وقع ذلك، فحاصل الفروع الثلاثة واحد وهو أن حكم الحاكم ينفذ ظاهرا وباطنا ويحلل ويحرم، وفائدة إيرادها المبالغة في التشنيع لما فيه من حمل الزوج في الثلاثة على الإقدام على الإثم العظيم مع العلم بالتحريم والله أعلم‏.‏

*3*باب مَا يُكْرَهُ مِنْ احْتِيَالِ الْمَرْأَةِ مَعَ الزَّوْجِ وَالضَّرَائِرِ

وَمَا نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ما يكره من احتيال المرأة مع الزوج والضرائر وما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك‏)‏ قال ابن التين معنى الترجمة ظاهر‏.‏

إلا أنه لم يبين ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وهو قوله تعالى ‏(‏لم تحرم ما أحل الله لك‏)‏ ‏.‏

قلت‏:‏ وقد ذكرت في التفسير الخلاف في المراد بذلك، وأن الذي في الصحيح هو العسل، وهو الذي وقع في قصة زينب بنت جحش، وقيل في تحريم مارية، وأن الصحيح أنه نزل في كلا الأمرين‏.‏

ثم وجدت في الطبراني وتفسير ابن مردويه من طريق أبي عامر الخزاز عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب عسلا عند سودة ‏"‏ فذكر نحو حديث الباب وفي آخره ‏"‏ فأنزلت ‏(‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك‏)‏ ورواته موثقون‏:‏ إلا أن أبا عامر وهم في قوله سودة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَيُحِبُّ الْعَسَلَ وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ أَجَازَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْهُنَّ فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَاحْتَبَسَ عِنْدَهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَحْتَبِسُ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِي أَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةَ عَسَلٍ فَسَقَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ شَرْبَةً فَقُلْتُ أَمَا وَاللَّهِ لَنَحْتَالَنَّ لَهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَوْدَةَ قُلْتُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْكِ فَإِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ فَقُولِي لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَا فَقُولِي لَهُ مَا هَذِهِ الرِّيحُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الرِّيحُ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ فَقُولِي لَهُ جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ وَسَأَقُولُ ذَلِكِ وَقُولِيهِ أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى سَوْدَةَ قُلْتُ تَقُولُ سَوْدَةُ وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدْ كِدْتُ أَنْ أُبَادِرَهُ بِالَّذِي قُلْتِ لِي وَإِنَّهُ لَعَلَى الْبَابِ فَرَقًا مِنْكِ فَلَمَّا دَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ قَالَ لَا قُلْتُ فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ قَالَ سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ قُلْتُ جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ قُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَدَخَلَ عَلَى صَفِيَّةَ فَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ قَالَتْ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَسْقِيكَ مِنْهُ قَالَ لَا حَاجَةَ لِي بِهِ قَالَتْ تَقُولُ سَوْدَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ قَالَتْ قُلْتُ لَهَا اسْكُتِي

الشرح‏:‏

حديث عائشة ‏"‏ كان يجب الحلواء والعسل وكان إذا صلى العصر دخل على نسائه فيدنو منهن ‏"‏ الحديث بطوله، وقد تقدم في كتاب الطلاق مشروحا وذكر معه حديث عائشة معه طريق عبيد بن عمير عنها وفيه أن التي سقته العسل زينب بنت جحش، واستشكلت قصة حفصة بأن في الآية ما يدل على أن نزول ذلك كان في حق عائشة وحفصة فقط لتكرار الثنية في قوله‏:‏ ‏(‏إن تتوبا، وإن تظاهرا‏)‏ وهنا جاء فيه ذكر ثلاثة، وجميع الكرماني بينهما بأن قصة حفصة سابقة وليس فيها سبب نزول ولا تثنية بخلاف قصة زينب ففيها ‏"‏ تواطأت أنا وحفصة ‏"‏ وفيها‏.‏

التصريح بأن الآية نزلت في ذلك‏.‏

وحكى ابن التين عن الداودي أن قوله في هذا الحديث أن التي سقته العسل حفصة غلط لأن صفية هي التي تظاهرت مع عائشة في هذه القصة وإنما شربه عند صفية وقيل عند زينب، كذا قال، وجزمه بأن الرواية التي فيها حفصة غلط مردود فإنها ليست غلطا بل هي قصة أخرى، والحديث الصحيح لا يرد بمثل هذا، ويكفي في الرد عليه أنه جعل قصة زينب لصفية وأشار إلى أن نسبة ذلك لزينب ضعيف، والواقع أنه صحيح وكلاهما متفق على صحته، وللداودي عجائب في شرحه ذكرت منها شيئا كثرا ومنها في هذا الحديث أنه قال في قوله ‏"‏ جرست نحله العرفط ‏"‏ جرست معناه تغير طعم العسل لشيء يأكله النحل والعرفط موضع وتفسير الجرس بالتغير والعرفط بالموضوع مخالف للجميع وقد تقدم بيانه مع شرح الحديث، وقوله في هذه الرواية ‏"‏ أجاز ‏"‏ ثبت هكذا لهم، وهو صحيح يقال أجزت الوادي إذا قطعته والمراد أنه يقطع المسافة التي بين كل واحدة والتي تليها‏.‏

ووقع في رواية مسلم والإسماعيلي هنا ‏"‏ جاز ‏"‏ وحكى ابن التين جاز على نسائه أي مر أو سلك، ووقع في رواية علي بن مسهر الماضية في الطلاق ‏"‏ إذا صلى العصر دخل ‏"‏ وقوله فيها ‏"‏ أبادئه ‏"‏ بهمزة وموحدة وفيه اختلاف ذكرته فيما مضى، وقوله ‏"‏فرقا ‏"‏ بفتح الراء أي خوفا‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ إنما ساغ لهن أن يقلن ‏"‏ أكلت مغافير ‏"‏ لأنهن أوردنه على طريق الاستفهام بدليل جوابه بقوله ‏"‏ لا ‏"‏ وأردن بذلك التعريض لا صريح الكذب، فهذا وجه الاحتيال التي قالت عائشة ‏"‏ لتحتالن له ‏"‏ ولو كان كذبا محضا لم يسم حيلة إذ لا شبهة لصاحبه‏.‏

*3*باب مَا يُكْرَهُ مِنْ الِاحْتِيَالِ فِي الْفِرَارِ مِنْ الطَّاعُونِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ما يكره من الاحتيال في الفرار من الطاعون‏)‏ ذكر فيه حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عمر خرج إلى الشام فذكر حديث عبد الرحمن بن عوف في النهي عن الخروج من البلد الذي يقع به الطاعون وعن القدوم على البلد التي وقع بها، وحديث سالم بن عبد الله يعني ابن عمر أن عمر إنما انصرف من حديث عبد الرحمن بن عوف وحديث عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه سمع أسامة بن زيد يحدث سعدا بمعنى حديث عبد الرحمن بن عوف وفيه زيادة في أوله، وقد تقدم كل ذلك مشروحا في كتاب الطب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ سَمِعَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ سَعْدًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْوَجَعَ فَقَالَ رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ عُذِّبَ بِهِ بَعْضُ الْأُمَمِ ثُمَّ بَقِيَ مِنْهُ بَقِيَّةٌ فَيَذْهَبُ الْمَرَّةَ وَيَأْتِي الْأُخْرَى فَمَنْ سَمِعَ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا يُقْدِمَنَّ عَلَيْهِ وَمَنْ كَانَ بِأَرْضٍ وَقَعَ بِهَا فَلَا يَخْرُجْ فِرَارًا مِنْهُ

الشرح‏:‏

وقع في حديث أسامة هنا الوجع بدل الطاعون، وقوله ‏"‏فيذهب المرة ويأتي الأخرى ‏"‏ قال المهلب‏:‏ يتصور التحيل في الفرار من الطاعون بأن يخرج في تجارة أو لزيارة مثلا وهو ينوي بذلك الفرار من الطاعون، واستدل ابن الباقلاني بقصة عمر على أن الصحابة كانوا يقدمون خبر الواحد على القياس لأنهم اتفقوا على الرجوع اعتمادا على خبر عبد الرحمن بن عوف وحده بعد أن ركبوا المشقة في المسير من المدينة إلى الشام ثم رجعوا ولم يدخلوا الشام‏.‏

*3*باب فِي الْهِبَةِ وَالشُّفْعَةِ

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إِنْ وَهَبَ هِبَةً أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى مَكَثَ عِنْدَهُ سِنِينَ وَاحْتَالَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِيهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَخَالَفَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِبَةِ وَأَسْقَطَ الزَّكَاةَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب في الهبة والشفعة‏)‏ أي كيف تدخل الحيلة فيهما معا ومنفردين‏.‏

قوله ‏(‏وقال بعض الناس‏:‏ إن وهب هبة ألف درهم أو أكثر حتى مكث عنده سنين واحتال في ذلك‏)‏ أي بأن تواطأ مع الموهوب له على ذلك وإلا فالهبة لا تتم إلا بالقبض وإذا قبض كان بالخيار في التصرف فيها ولا يتهيأ للواهب الرجوع فيها بعد التصرف فلا بد من المواطأة بأن لا يتصرف فيها ليتم الحيلة‏.‏

قوله ‏(‏ثم رجع الواهب فيها فلا زكاة على واحد منهما فخالف الرسول صلى الله عليه وسلم في الهبة وأسقط الزكاة‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ إذا قبض الموهوب له هبة فهو مالك لها فإذا حال عليها الحول عنده وجبت عليه الزكاة فيها عند الجميع وأما الرجوع فلا يكون عند الجمهور إلا فيما يوهب للولد فإن رجع فيها الأب بعد الحول وجبت فيها الزكاة على الابن‏.‏

قلت‏:‏ فإن رجع فيها قبل الحول صح الرجوع ويستأنف الحول فإن كان فعل ذلك ليريد إسقاط الزكاة سقطت وهو آثم مع ذلك، وعلى طريقة من يبطل الحيل مطلقا لا يصح رجوعه لثبوت النهي عن الرجوع في الهبة ولا سيما إذا قارن ذلك التحيل في إسقاط الزكاة، وقوله ‏"‏فخالف الرسول صلى الله عليه وسلم ‏"‏ يعني خالف ظاهر حديث الرسول وهو النهي عن العود في الهبة‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ مراده أن مذهب أبي حنيفة أن من سوى الوالدين يرجع في هبته ولا يرجع الوالد فيما وهب لولده، وهو خلاف قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لا يحل لرجل أن يعط عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الذي يرجع في عطيته كالكلب يعود في قيئه‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ فعلي هذا إنما أخرج البخاري حديث ابن عباس للإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث، وهو مخرج عند أبي داود عن ابن عباس من وجه آخر كما تقدم بيانه في كتاب الهبة، وذهب الجمهور ومنهم الشافعي إلى أن الزكاة تجب على المتهب مدة مكث المال عنده‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏سفيان‏)‏ هو الثوري وقد تقدم شرح حديث ابن عباس في كتاب الهبة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ إِنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ الشُّفْعَةُ لِلْجِوَارِ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى مَا شَدَّدَهُ فَأَبْطَلَهُ وَقَالَ إِنْ اشْتَرَى دَارًا فَخَافَ أَنْ يَأْخُذَ الْجَارُ بِالشُّفْعَةِ فَاشْتَرَى سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ ثُمَّ اشْتَرَى الْبَاقِيَ وَكَانَ لِلْجَارِ الشُّفْعَةُ فِي السَّهْمِ الْأَوَّلِ وَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِي بَاقِي الدَّارِ وَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ فِي ذَلِكَ

الشرح‏:‏

حديث جابر في الشفعة وقد تقدم شرحه في كتاب الشفعة، وظاهره أنه لا شفعة للجار لأنه نفي الشفعة في كل مقسوم كما تقدم تقريره‏.‏

قوله ‏(‏وقال بعض الناس‏:‏ الشفعة للجوار‏)‏ بكسر الجيم من المجاورة أي تشرع الشفعة للجار كما تشرع للشريك‏.‏

قوله ‏(‏ثم عمد إلى ما شدده‏)‏ بالشين المعجمة ولبعضهم بالمهملة‏.‏

قوله ‏(‏فأبطله‏)‏ أي حيث قال لا شفعة للجار في هذه الصورة‏.‏

وقال‏:‏ إن اشترى دارا أي أراد شراءها كاملة فخاف أن يأخذ الجار بالشفعة فاشترى سهما من مائة سهم ثم اشترى الباقي كان للجار الشفعة في السهم الأول ولا شفعة له في باقي الدار قال ابن بطال‏:‏ أصل هذه المسألة أن رجلا أراد شراء دار فخاف أن يأخذها جاره بالشفعة، فسأل أبا حنيفة كيف الحيلة في إسقاط الشفعة‏؟‏ فقال له‏:‏ اشتر منها سهما واحدا من مائة سهم فتصير شريكا لمالكها، ثم اشتر منه الباقي فتصير أنت أحق بالشفعة من الجار لأن الشريك في المشاع أحق من الجار، وإنما أمره بأن يشتري سهما من مائة سهم لعدم رغبة الجار شراء السهم الواحد لحقارته وقلة انتفاعه به، قال‏:‏ وهذا ليس فيه شيء من خلاف السنة، وإنما أراد البخاري إلزامهم التناقض لأنهم احتجوا في شفعة الجار بحديث ‏"‏ الجار أحق بسقبه ‏"‏ ثم تحيلوا في إسقاطها بما يقتضي أن يكون غير الجار أحق بالشفعة من الجار انتهى‏.‏

والمعروف عند الحنفية أن الحيلة المذكورة لأبي يوسف، وأما محمد بن الحسن فقال‏:‏ يكره ذلك أشد الكراهية لأن الشفعة شرعت لدفع الضرر عن الشفيع فالذي يحتال لإسقاطها بمنزلة القاصد إلى الإضرار بالغير وذلك مكروه، ولا سيما إن كان بين المشتري وبين الشفيع عداوة ويتضرر من مشاركته، ثم إن محل هذا إنما هو فيمن احتال قبل وجوب الشفعة أما بعده كمن قال للشفيع خذ هذا المال ولا تطالبني بالشفعة فرضي وأخذ فإن شفعته تبطل اتفاقا انتهى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الشَّرِيدِ قَالَ جَاءَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبِي فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى سَعْدٍ فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ لِلْمِسْوَرِ أَلَا تَأْمُرُ هَذَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنِّي بَيْتِي الَّذِي فِي دَارِي فَقَالَ لَا أَزِيدُهُ عَلَى أَرْبَعِ مِائَةٍ إِمَّا مُقَطَّعَةٍ وَإِمَّا مُنَجَّمَةٍ قَالَ أُعْطِيتُ خَمْسَ مِائَةٍ نَقْدًا فَمَنَعْتُهُ وَلَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ مَا بِعْتُكَهُ أَوْ قَالَ مَا أَعْطَيْتُكَهُ قُلْتُ لِسُفْيَانَ إِنَّ مَعْمَرًا لَمْ يَقُلْ هَكَذَا قَالَ لَكِنَّهُ قَالَ لِي هَكَذَا وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ الشُّفْعَةَ فَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ حَتَّى يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ فَيَهَبَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي الدَّارَ وَيَحُدُّهَا وَيَدْفَعُهَا إِلَيْهِ وَيُعَوِّضُهُ الْمُشْتَرِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَا يَكُونُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا شُفْعَةٌ

الشرح‏:‏

ذكر البخاري حديث أبي رافع مختصرا من طريق سفيان وهو الثوري عن إبراهيم بن ميسرة وساقه في آخر كتاب الحيل أتم منه، وفيه تصريح سفيان بتحديث إبراهيم له به‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ سَعْدًا سَاوَمَهُ بَيْتًا بِأَرْبَعِ مِائَةِ مِثْقَالٍ فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ لَمَا أَعْطَيْتُكَ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إِنْ اشْتَرَى نَصِيبَ دَارٍ فَأَرَادَ أَنْ يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ وَهَبَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ يَمِينٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏وقال بعض الناس‏:‏ إن اشترى نصيب دار فأراد أن يبطل الشفعة وهب‏)‏ أي ما اشتراه ‏(‏لابنه الصغير ولا يكون عليه يمين‏)‏ أي لأن الهبة لو كانت للكبير وجب عليه اليمين فتحيل في إسقاطها بجعلها للصغير، قال ابن بطال‏:‏ إنما قال ذلك لأن من وهب لابنه شيئا فعل ما يباح له فعله، والهبة للابن الصغير يقبلها الأب لولده من نفسه، وأشار باليمين إلى ما لو وهب لأجنبي فإن للشفيع أن يحلف الأجنبي أن الهبة حقيقية وأنها جرت بشروطها، والصغير لا يحلف لكن عند المالكية أن أباه الذي يقبل له يحلف بخلاق ما إذا وهب للغريب، وعن مالك لا تدخل الشفعة في الموهوب مطلقا وهو الذي في المدونة‏.‏

*3*باب احْتِيَالِ الْعَامِلِ لِيُهْدَى لَهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب احتيال العامل ليهدى له‏)‏ ذكر فيه حديث أبي حميد الساعدي في قصة ابن اللتبية، وقد تقدم بعض شرحه في الهبة وتقدمت تسميته وضبط اللتبية في كتاب الزكاة، ويأتي استيفاء شرحه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ الْلَّتَبِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ قَالَ هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ فَيَأْتِي فَيَقُولُ هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ وَاللَّهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطِهِ يَقُولُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ بَصْرَ عَيْنِي وَسَمْعَ أُذُنِي

الشرح‏:‏

حديث أبي حميد الساعدي في قصة ابن اللتبية، وقد تقدم بعض شرحه في الهبة وتقدمت تسميته وضبط اللتبية في كتاب الزكاة، ويأتي استيفاء شرحه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى، ومطابقته للترجمة من جهة أن تملكه ما أهدي له إنما كان لعلة كونه عاملا فاعتقد‏.‏

أن الذي أهدي له يستبد به دون أصحاب الحقوق التي عمل فيها، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن الحقوق التي عمل لأجلها هي السبب في الإهداء له وأنه لو أقام في منزله لم يهد له شيء، فلا ينبغي له أن يستحلها بمجرد كونها وصلت إليه على طريق الهدية فإن ذاك إنما يكون حيث يتمحض الحق له، وقوله في آخره ‏"‏ بصر عيني وسمع أذني ‏"‏ بفتح الموحدة وضم الصاد المهملة وفتح السين المهملة وكسر الميم، قال المهلب‏:‏ حيلة العامل ليهدى له تقع بأن يسامح بعض من عليه الحق فلذلك قال ‏"‏ هلا جلس في بيت أمه لينظر هل يهدى له ‏"‏ فأشار إلي أنه لولا الطمع في وضعة من الحق ما أهدي له، قال فأوجب النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الهدية وضمها إلى أموال المسلمين، كذا قال ولم أقف على أخذ ذلك منه صريحا، قال ابن بطال‏:‏ دل الحديث على أن الهدية للعامل تكون لشكر معروفه أو للتحبب إليه أو للطمع في وضعه من الحق، فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه فيما يهدى له من ذلك كأحد المسلمين لا فضل له عليهم فيه وأنه لا يجوز الاستئثار به انتهى‏.‏

والذي يظهر أن الصورة الثالثة إن وقعت لم تحل للعامل جزما وما قبلها في طرف الاحتمال، وسيأتي مزيد لهذا في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إِنْ اشْتَرَى دَارًا بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْتَالَ حَتَّى يَشْتَرِيَ الدَّارَ بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَيَنْقُدَهُ تِسْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَتِسْعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَيَنْقُدَهُ دِينَارًا بِمَا بَقِيَ مِنْ الْعِشْرِينَ الْأَلْفَ فَإِنْ طَلَبَ الشَّفِيعُ أَخَذَهَا بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَإِلَّا فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الدَّارِ فَإِنْ اسْتُحِقَّتْ الدَّارُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِمَا دَفَعَ إِلَيْهِ وَهُوَ تِسْعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَتِسْعُ مِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَدِينَارٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ حِينَ اسْتُحِقَّ انْتَقَضَ الصَّرْفُ فِي الدِّينَارِ فَإِنْ وَجَدَ بِهَذِهِ الدَّارِ عَيْبًا وَلَمْ تُسْتَحَقَّ فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ فَأَجَازَ هَذَا الْخِدَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعُ الْمُسْلِمِ لَا دَاءَ وَلَا خِبْثَةَ وَلَا غَائِلَةَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان إلخ‏)‏ كذا وقع للأكثر هذا الحديث وما بعده متصلا بباب احتيال العامل، وأظنه وقع هنا تقديم وتأخير فإن الحديث وما بعده يتعلق بباب الهبة والشفعة، فلما جعل الترجمة مشتركة جمع مسائلها، ومن ثم قال الكرماني إنه من تصرف النقلة، وقد وقع عند ابن بطال هنا ‏"‏ باب ‏"‏ بلا ترجمة ثم ذكر الحديث وما بعده ثم ذكر ‏"‏ باب احتيال العامل ‏"‏ وعلى هذا فلا إشكال لأنه حينئذ كالفصل من الباب، ويحتمل أن يكون في الأصل بعد قصة ابن اللتبية ‏"‏ باب ‏"‏ بلا ترجمة فسقطت الترجمة فقط أو بيض لها في الأصل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال بعض الناس إن اشترى دارا‏)‏ أي أراد شراء دار ‏(‏بعشرين ألف درهم فلا بأس أن يحتال‏)‏ أي على إسقاط الشفعة، ‏(‏حتى يشتري الدار بعشرين ألف درهم وينقده‏)‏ أي ينقد البائع ‏(‏تسعة آلاف درهم وتسعمائة وتسعة وتسعين وينقده دينارا بما بقي من العشرين ألف‏)‏ أي مصارفة عنها‏.‏

‏(‏فإن طالبه الشفيع أخدها بعشرين ألف درهم‏)‏ أي إن رضي بالثمن الذي وقع عليه العقد ‏(‏وإلا فلا سبيل له على الدار‏)‏ أي لسقوط الشفعة لكونه امتنع من بدل الثمن الذي وقع به العقد‏.‏

قوله ‏(‏فإن استحقت الدار‏)‏ بلفظ المجهول أي ظهرت مستحقة لغير البائع ‏(‏رجع المشتري على البائع بما دفع إليه وهو تسعة آلاف إلخ‏)‏ أي لكون القدر الذي تسلمه منه ولا يرجع عليه بما وقع عليه العقد ‏(‏لأن المبيع حين استحق‏)‏ أي للغير ‏(‏انتقض الصرف‏)‏ أي الذي وقع بين البائع والمشتري في الدار المذكورة ‏(‏بالدينار‏)‏ ووقع في رواية الكشميهني، ‏"‏ في الدينار ‏"‏ وهو أوجه‏.‏

قوله ‏(‏فإن وجد بهذه الدار عيبا ولم تستحق‏)‏ أي لم تخرج مستحقة ‏(‏فإنه يردها عليه بعشرين ألفا‏)‏ أي وهذا تناقض بين ومن ثم عقبه ب قوله ‏(‏فأجاز هذا الخداع بين المسلمين‏)‏ والفرق عندهم أن البيع في الأول كان مبنيا على شراء الدار وهو منفسخ‏.‏

ويلزم عدم التقابض في المجلس فليس له أن يأخذ إلا ما أعطاه وهو الدراهم والدينار بخلاف الرد بالعيب فإن البيع صحيح وإنما ينفسخ باختيار المشتري‏.‏

وأما بيع الصرف فكان وقع صحيحا فلا يلزم من فسخ هذا بطلان هذا‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ إنما خص القدر من الذهب والفضة بالمثال لأن بيع الفضة بالذهب متفاضلا إذا كان يدا بيد جائز بالإجماع فبنى القائل أصله على ذلك فأجاز صرف عشرة دراهم ودينار بأحد عشر درهما جعل العشرة دراهم بعشرة دراهم وجعل الدينار بدرهم، ومن جعل في الصورة المذكورة الدينار بعشرة آلاف ليستعظم الشفيع الثمن الذي انعقدت عليه الصيغة فيترك الأخذ بالشفعة فتسقط شفعته ولا التفات إلى ما أنقده لأن المشتري تجاوز للبائع عند النقد، وخالف مالك في ذلك فقال‏:‏ المراعي في ذلك النقد الذي حصل في يد البائع فبه يأخذ الشفيع بدليل الإجماع على أنه في الاستحقاق والرد بالعيب لا يرجع إلا بما نقده، وإلى ذلك أشار البخاري إلى تناقض الذي احتال في إسقاط الشفعة حيث قال ‏"‏ فإن استحقت الدار ‏"‏ أي إن ظهر أنها مستحقة لغير البائع إلخ فدل على أنه موافق للجماعة في أن المشتري عند الاستحقاق لا يرد إلا ما قبضه، وكذلك الحكم في الرد بالعيب انتهى ملخصا موضحا‏:‏ وقال الكرماني‏:‏ النكتة في جعله الدينار في مقابلة عشرة آلاف ودرهم ولم يجعله في مقابلة العشرة آلاف فقط لأن الثمن في الحقيقة عشرة آلاف بقرينة نقده هذا المقدار، فلو جعل العشرة والدينار في مقابلة الثمن الحقيقي للزم الربا، بخلاف ما إذا نقص درهما فإن الدينار في مقابلة ذلك الواحد والألف إلا واحدا في مقابلة الألف إلا واحدا بغير تفاضل‏.‏

وقال المهلب‏:‏ مناسبة هذا الحديث لهذه المسألة أن الخبر لما دل على أن الجار أحق بالمبيع من غيره مراعاة لحقه لزم أن يكون أحق أن يرفق به في الثمن ولا يقام عليه عروض بأكثر من قيمتها، وقد فهم الصحابي راوي الخبر هذا القدر فقدم الجار في العقد بالثمن الذي دفعه إليه على من دفع إليه أكثر منه بقدر ربعه مراعاة لحق الجار الذي أمر الشارع بمراعاته‏.‏

قوله ‏(‏فأجاز هذا الخداع‏)‏ أي الحيلة في إيقاع الشريك في الغبن الشديد إن أخذ بالشفعة أو إبطال حقه إن ترك خشية من الغبن في الثمن بالزيادة الفاحشة، وإنما أورد البخاري مسألة الاستحقاق التي مضت ليستدل بها على أنه كان قاصدا للحيلة في إبطال الشفعة، وعقب بذكر مسألة الرد بالعيب ليبين أنه تحكم، وكان مقتضاه أنه لا يرد إلا ما قبضه لا زائدا عليه‏.‏

قوله ‏(‏قال النبي صلى الله عليه وسلم بيع المسلم لا داء‏.‏

لا خبثة‏)‏ قال ابن التين‏:‏ ضبطناه بكسر الخاء المعجمة وسكون الموحدة بعدها مثلثة، وقيل هو بضم أوله لغتان، قال أبو عبيد‏:‏ هو أن يكون البيع غير طيب كأن يكون من قوم لم يحل سبيهم لعهد تقدم لهم، قال ابن التين‏:‏ وهذا في عهدة الرقيق‏.‏

قلت‏:‏ إنما خصه بذلك لأن الخبر إنما ورد فيه‏.‏

قال‏:‏ والغائلة أن يأتي أمرا سرا كالتدليس ونحوه‏.‏

قلت‏:‏ والحديث المذكور طرف تقدم بكماله في أوائل كتاب البيوع من حديث العداء بفتح العين وتشديد الدال المهملتين مهموزا ابن خالد أنه اشترى من النبي صلى الله عليه وسلم عبدا أو أمة وكتب له العهدة ‏"‏ هذا ما اشترى العداء من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا أو أمة لا داء ولا غائلة ولا خبثة بيع المسلم للمسلم‏"‏‏.‏

وسنده حسن، وله طرق إلى العداء وذكر هناك تفسير الغائلة بالسرقة والإباق ونحوهما من قول قتادة، قال ابن بطال‏.‏

‏:‏ فيستفاد من هذا الخبر أنه لا يجوز الاحتيال في شيء من بيوع المسلمين بالصرف المذكور ولا غيره‏.‏

قلت‏:‏ ووجهه أن الحديث وإن كان لفظه لفظ الخبر لكن معناه النهي، ويؤخذ من عمومه أن الاحتيال في كل بيع من بيوع المسلمين لا يحل، فيدخل فيه صرف دينار بأكثر من قيمته ونحو ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ أَنَّ أَبَا رَافِعٍ سَاوَمَ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ بَيْتًا بِأَرْبَعِ مِائَةِ مِثْقَالٍ وَقَالَ لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ مَا أَعْطَيْتُكَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا مسدد حدثنا يحيى‏)‏ هو القطان وسفيان هو الثوري، وقوله ‏"‏أن أبا رافع ساوم سعد ابن مالك ‏"‏ هو ابن أبي وقاص، وعند أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري بالشك أن سعدا ساوم أبا رافع أو أبو رافع ساوم سعدا، ولا أثر لهذا الشك، وقوله ‏"‏بيتا بأربعمائة مثقال ‏"‏ فيه بيان الثمن المذكور‏.‏

قوله ‏(‏قال‏:‏ وقال لولا أن سمعت إلخ‏)‏ القائل الأول عمرو بن الشريد والثاني أبو رافع، وقد بينه عبد الرحمن ابن مهدي في روايته ولفظه ‏"‏ فقال أبو رافع لولا أني سمعت إلخ ‏"‏ وقد تقدمت مباحثه ولله الحمد‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتمل كتاب الحيل من الأحاديث المرفوعة على أحد وثلاثين حديثا، المعلق منها واحد وسائرها موصول وكلها مكررة فيه وفيما تقدم، وفيه أثر واحد عن أيوب‏.‏

والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏