فصل: باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب إِذَا أَذِنَ إِنْسَانٌ لِآخَرَ شَيْئًا جَازَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا أذن إنسان لآخر شيئا جاز‏)‏ قال ابن التين‏:‏ نصب ‏"‏ شيئا ‏"‏ على نزع الخافض، والتقدير في شيء كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واختار موسى قومه سبعين رجلا‏)‏ وأورد المصنف فيه حديثين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ جَبَلَةَ كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فِي بَعْضِ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَأَصَابَنَا سَنَةٌ فَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَرْزُقُنَا التَّمْرَ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَمُرُّ بِنَا فَيَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْإِقْرَانِ إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ أَخَاهُ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في النهي عن القران، والمراد به أن لا يقرن تمرة بتمرة عند الأكل لئلا يجحف برفقته، فإن أذنوا له في ذلك جاز لأنه حقهم فلهم أن يسقطوه، وهذا يقوي مذهب من يصحح هبة المجهول، وسيأتي الكلام على الحديث مستوفى في كتاب الأطعمة مع بيان حال قوله‏:‏ ‏"‏ إلا أن يستأذن ‏"‏ ومن قال إنه مدرج إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو شُعَيْبٍ كَانَ لَهُ غُلَامٌ لَحَّامٌ فَقَالَ لَهُ أَبُو شُعَيْبٍ اصْنَعْ لِي طَعَامَ خَمْسَةٍ لَعَلِّي أَدْعُو النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَامِسَ خَمْسَةٍ وَأَبْصَرَ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُوعَ فَدَعَاهُ فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ لَمْ يُدْعَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذَا قَدْ اتَّبَعَنَا أَتَأْذَنُ لَهُ قَالَ نَعَمْ

الشرح‏:‏

حديث أبي مسعود في قصة الجزار الذي عمل الطعام والرجل الذي تبعهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أتأذن له ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه في الأطعمة أيضا، وقوله فيه‏:‏ ‏"‏ وأبصر في وجه النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ هي جملة حالية أي أنه قال لغلامه ‏"‏ اصنع لي ‏"‏ في حال رؤيته تلك، وقوله‏:‏ ‏"‏ فتبعهم رجل فقال إن هذا اتبعنا ‏"‏ بتشديد التاء، قال ابن التين‏:‏ هو افتعل من تبع وهو بمعناه، وخبط الداودي هنا لظنه أنها همزة قطع فقال‏:‏ معنى اتبعنا سار معنا، وتبعهم أي لحقهم، وأطال ابن التين في تعقب كلامه‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى‏:‏ وهو ألد الخصام‏)‏ الألد الشديد اللدد أي الجدال، مشتق من اللديدين وهما صفحتا العنق، والمعنى أنه من أي جانب أخذ من الخصومة قوي، وقيل غير ذلك في معناه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ

الشرح‏:‏

حديث عائشة ‏"‏ أن أبغض الرجال الألد الخصم ‏"‏ بفتح المعجمة وكسر المهملة أي الشديد الخصومة، وسيأتي مستوفى في تفسير سورة البقرة إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب إِثْمِ مَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه‏)‏ أورد فيه حديث أم سلمة ‏"‏ فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض ‏"‏ وفيه ‏"‏ فإنما هي قطعة من النار ‏"‏ وهو ظاهر فيما ترجم به، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّهَا أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَمِعَ خُصُومَةً بِبَابِ حُجْرَتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَدَقَ فَأَقْضِيَ لَهُ بِذَلِكَ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ فَلْيَتْرُكْهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه‏)‏ أورد فيه حديث أم سلمة ‏"‏ فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض ‏"‏ وفيه ‏"‏ فإنما هي قطعة من النار ‏"‏ وهو ظاهر فيما ترجم به، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب إِذَا خَاصَمَ فَجَرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا خاصم فجر‏)‏ أي ذم من إذا خاصم فجر أو إثمه، أورد فيه حديث عبد الله بن عمرو في صفة المنافقين، وفيه ‏"‏ وإذا خاصم فجر ‏"‏ وقد تقدم شرحه في كتاب الإيمان‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا أَوْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا خاصم فجر‏)‏ أي ذم من إذا خاصم فجر أو إثمه، أورد فيه حديث عبد الله بن عمرو في صفة المنافقين، وفيه ‏"‏ وإذا خاصم فجر ‏"‏ وقد تقدم شرحه في كتاب الإيمان‏.‏

*3*باب قِصَاصِ الْمَظْلُومِ إِذَا وَجَدَ مَالَ ظَالِمِهِ

وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ يُقَاصُّهُ وَقَرَأَ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه‏)‏ أي هل يأخذ منه بقدر الذي له ولو بغير حكم حاكم‏؟‏ وهي المسألة المعروفة بمسألة الظفر، وقد جنح المصنف إلى اختياره، ولهذا أورد أثر ابن سيرين على عادته في الترجيح بالآثار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن سيرين يقاصه‏)‏ هو بالتشديد، وأصله يقاصصه ‏(‏وقرأ‏)‏ أي ابن سيرين ‏{‏وإن عاقبتم فعاقبوا‏}‏ الآية، وهذا وصله عبد بن حميد في تفسيره من طريق خالد الحذاء عنه بلفظ ‏"‏ أن أخذ أحد منك شيئا فخذ مثله ‏"‏ ثم أورد فيه المصنف حديثين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ جَاءَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنْ الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا فَقَالَ لَا حَرَجَ عَلَيْكِ أَنْ تُطْعِمِيهِمْ بِالْمَعْرُوفِ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في قصة هند بنت عتبة وفيه ‏"‏ أذن النبي صلى الله عليه وسلم لها بالأخذ من مال زوجها بقدر حاجتها ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب النفقات إن شاء الله تعالى، قال ابن بطال‏:‏ حديث هند دال على جواز أخذ صاحب الحق من مال من لم يوفه أو جحده قدر حقه‏.‏

قوله فيه ‏(‏رجل مسيك‏)‏ بكسر الميم والتشديد للأكثر قاله عياض، قال وفي رواية كثير من أهل الإتقان بالفتح والتخفيف، وقيده بعضهم بالوجهين‏.‏

وقال ابن الأثير‏:‏ المشهور في كتب اللغة الفتح والتخفيف، والمشهور عند المحدثين الكسر والتشديد والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قُلْنَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ لَا يَقْرُونَا فَمَا تَرَى فِيهِ فَقَالَ لَنَا إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأُمِرَ لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني يزيد‏)‏ هو ابن أبي حبيب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي الخير‏)‏ بالمعجمة والتحتانية ضد الشر واسمه مرثد بالمثلثة، والإسناد كله مصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يقروننا‏)‏ بفتح أوله وسكون القاف، ووقع في رواية الأصيلي وكريمة ‏"‏ لا يقرونا ‏"‏ بنون واحدة ومنهم من شددها، وللترمذي ‏"‏ فلا هم يضيفوننا ولا هم يؤدون ما لنا عليهم من الحق‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن أبوا فخذوا منهم حق الضيف‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فخذوا منه ‏"‏ أي من مالهم، وظاهر هذا الحديث أن قرى الضيف واجب، وأن المنزول عليه لو امتنع من الضيافة أخذت منه قهرا‏.‏

وقال به الليث مطلقا، وخصه أحمد بأهل البوادي دون القرى‏.‏

وقال الجمهور‏:‏ الضيافة سنة مؤكدة، وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة أحدها حمله على المضطرين، ثم اختلفوا هل يلزم المضطر العوض أم لا‏؟‏ وقد تقدم بيانه في أواخر أبواب اللقطة‏.‏

وأشار الترمذي إلى أنه محمول على من طلب الشراء محتاجا فامتنع صاحب الطعام فله أن يأخذه منه كرها‏.‏

قال وروي نحو ذلك في بعض الحديث مفسرا‏.‏

ثانيها أن ذلك كان في أول الإسلام وكانت المواساة واجبة، فلما فتحت الفتوح نسخ ذلك، ويدل على نسخه قوله في حديث أبي شريح عند مسلم في حق الضيف ‏"‏ وجائزته يوم وليلة، والجائزة تفضل لا واجبة ‏"‏ وهذا ضعيف لاحتمال أن يراد بالتفضل تمام اليوم والليلة لا أصل الضيافة، وفي حديث المقدام بن معد يكرب مرفوعا ‏"‏ أيما رجل ضاف قوما فأصبح الضيف محروما فإن نصره حق على كل مسلم حتى يأخذ بقرى ليلته من زرعه وماله ‏"‏ أخرجه أبو داود، وهو محمول على ما إذا لم يظفر منه بشيء‏.‏

ثالثها أنه مخصوص بالعمال المبعوثين لقبض الصدقات من جهة الإمام، فكان على المبعوث إليهم إنزالهم في مقابلة عملهم الذي يتولونه لأنه لا قيام لهم إلا بذلك حكاه الخطابي، قال‏:‏ وكان هذا في ذلك الزمان إذ لم يكن للمسلمين بيت مال، فأما اليوم فأرزاق العمال من بيت المال، قال وإلى نحو هذا ذهب أبو يوسف في الضيافة على أهل نجران خاصة‏.‏

وقال ويدل له قوله‏:‏ ‏"‏ إنك بعثتنا ‏"‏ وتعقب بأن في رواية الترمذي ‏"‏ إنا نمر بقوم‏"‏‏.‏

رابعها أنه خاص بأهل الذمة، وقد شرط عمر حين ضرب الجزية على نصارى الشام ضيافة من نزل بهم، وتعقب بأنه تخصيص يحتاج إلى دليل خاص، ولا حجة لذلك فيما صنعه عمر لأنه متأخر عن زمان سؤال عقبة، أشار إلى ذلك النووي‏.‏

خامسها تأويل المأخوذ، فحكى المازري عن الشيخ أبي الحسن من المالكية أن المراد أن لكم أن تأخذوا من أعراضهم بألسنتكم وتذكروا للناس عيبهم‏.‏

وتعقبه المازري بأن الأخذ من العرض وذكر العيب ندب في الشرع إلى تركه لا إلى فعله‏.‏

وأقوى الأجوبة الأول، واستدل به على مسألة الظفر وبها قال الشافعي، فحزم بجواز الأخذ فيما إذا لم يمكن تحصيل الحق بالقاضي كأن يكون غريمه منكرا ولا بينة له عند وجود الجنس فيجوز عنده أخذه إن ظفر به وأخذ غيره بقدره إن لم يجده ويجتهد في التقويم ولا يحيف، فإن أمكن تحصيل الحق بالقاضي فالأصح عند أكثر الشافعية الجواز أيضا، وعند المالكية الخلاف، وجوزه الحنفية في المثلي دون المتقوم لما يخشى فيه من الحيف، واتفقوا على أن محل الجواز في الأموال لا في العقوبات البدنية لكثرة الغوائل في ذلك، ومحل الجواز في الأموال أيضا ما إذا أمن الغائلة كنسبته إلى السرقة ونحو ذلك‏.‏

*3*باب مَا جَاءَ فِي السَّقَائِفِ

وَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في السقائف‏)‏ جمع سقيفة وهي المكان المظلل كالساباط أو الحانوت بجانب الدار، وكأنه أشار إلى أن الجلوس في الأمكنة العامة جائز، وأن اتخاذ صاحب الدار ساباطا أو مستظلا جائز إذا لم يضر المارة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وجلس النبي صلى الله عليه وسلم في سقيفة بني ساعدة‏)‏ هو طرف من حديث لسهيل بن سعد أسنده المؤلف في الأشربة في أثناء حديث، وخفي ذلك على الإسماعيلي فقال‏:‏ ليس في الحديث - يعني حديث عمر - أنه صلى الله عليه وسلم جلس في السقيفة انتهى‏.‏

والسبب في غفلته عن ذلك أنه حذف الحديث المعلق الذي أشرت إليه واقتصر على الحديث المرفوع عن عمر الموصول، مع أن البخاري لم يترجم بجلوس النبي صلى الله عليه وسلم إنما ترجم بما جاء في السقائف، ثم ذكر الحديث المصرح بجلوس النبي صلى الله عليه وسلم وأورده معلقا، ثم بالحديث الذي فيه أن الصحابة جلسوا فيها وأورده موصولا، فكأن الإسماعيلي ظن أن قوله‏:‏ ‏"‏ وجلس ‏"‏ من كلام البخاري لا أنه حديث معلق، وسقيفة بني ساعدة كانوا يجتمعون فيها؛ وكانت مشتركة بينهم، وجلس النبي صلى الله عليه وسلم معهم فيها عندهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْأَنْصَارَ اجْتَمَعُوا فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا فَجِئْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني مالك وأخبرني يونس‏)‏ أي ابن يزيد عن ابن شهاب، يعني أن كلا منهما رواه لابن وهب عن ابن شهاب، وكان ابن وهب حريصا على التفرقة بين التحديث والإخبار مراعاة للاصطلاح، ويقال إنه أول من اصطلح على ذلك بمصر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة‏)‏ هو مختصر من قصة بيعة أبي بكر الصديق، وسيأتي في الهجرة وفي كتاب الحدود بطوله ونستوفي شرحه هناك إن شاء الله تعالى، والغرض منه أن الصحابة استمروا على الجلوس في السقيفة المذكورة‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ مطابقة الحديث للترجمة أن الجلوس في السقيفة العامة ليس ظلما‏.‏

*3*باب لَا يَمْنَعُ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره‏)‏ كذا لأبي ذر بالتنوين على إفراد الخشبة، ولغير بصيغة الجمع وهو الذي في حديث الباب، قال ابن عبد البر‏.‏

روي اللفظان في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ والمعنى واحد لأن المراد بالواحد الجنس انتهى‏.‏

وهذا الذي يتعين للجمع بين الروايتين، وإلا فالمعنى قد يختلف باعتبار أن أمر الخشبة الواحدة أخف في مسامحة الجار بخلاف الخشب الكثير، وروى الطحاوي عن جماعة من المشايخ أنهم رووه بالإفراد، وأنكر ذلك عبد الغني بن سعيد فقال‏:‏ الناس كلهم يقولونه بالجمع إلا الطحاوي، وما ذكرته من اختلافه الرواة في الصحيح يرد على عبد الغني بن سعيد إلا إن أراد خاصا من الناس كالذين روى عنهم الطحاوي فله اتجاه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن شهاب‏)‏ كذا في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ وقال خالد بن مخلد عن مالك ‏"‏ عن أبي الزناد ‏"‏ بدل الزهري‏.‏

وقال بشر بن عمرو عن مالك ‏"‏ عن الزهري عن أبي سلمة ‏"‏ بدل الأعرج، ووافقه هشام بن يوسف عن مالك ومعمر عن الزهري، ورواه الدار قطني في ‏"‏ الغرائب ‏"‏ وقال‏:‏ المحفوظ عن مالك الأول‏.‏

وقال في ‏"‏ العلل ‏"‏‏:‏ رواه هشام الدستوائي عن معمر ‏"‏ عن الزهري عن سعيد بن المسيب ‏"‏ بدل الأعرج، وكذا قال عقيل عن الزهري‏.‏

وقال ابن أبي حفصة ‏"‏ عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن ‏"‏ بدل الأعرج والمحفوظ عن الزهري عن الأعرج وبذلك جزم ابن عبد البر أيضا، ثم أشار إلى أنه يحتمل أن يكون عند الزهري عن الجميع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا يمنع‏)‏ بالجزم على أن ‏"‏ لا ‏"‏ ناهية، ولأبي ذر بالرفع على أنه خبر بمعني النهي، ولأحمد ‏"‏ لا يمنعن ‏"‏ بزيادة نون التوكيد وهي تؤيد رواية الجزم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جار جاره إلخ‏)‏ استدل به على أن الجدار إذا كان لواحد وله جار فأراد أن يضع جذعه عليه جاز سواء أذن المالك أم لا، فإن امتنع أجبر وبه قال أحمد وإسحاق وغيرهما من أهل الحديث وابن حبيب من المالكية والشافعي في القديم، وعنه في الجديد قولان أشهرهما اشتراط إذن المالك فإن امتنع لم يجبر وهو قول الحنفية، وحملوا الأمر في الحديث على الندب والنهي على التنزيه جمعا بينه وبين الأحاديث الدالة على تحريم مال المسلم إلا برضاه وفيه نطر كما سيأتي، وجزم الترمذي وأبي عبد البر عن الشافعي بالقول القديم وهو نصه في البويطي، قال البيهقي‏:‏ لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا يستنكر أن نخصها، وقد حمله الراوي على ظاهره، وهو أعلم بالمراد بما حدث به، يشير إلى قول أبي هريرة ‏"‏ ما لي أراكم عنها معرضين‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم يقول أبو هريرة‏)‏ في رواية ابن عيينة عند أبي داود ‏"‏ فنكسوا رءوسهم ‏"‏ ولأحمد ‏"‏ فلما حدثهم أبو هريرة بذلك طأطؤوا رءوسهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عنها‏)‏ أي عن هذه السنة أو عن هذه المقالة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأرمينها‏)‏ في رواية أبي داود ‏"‏ لألقينها ‏"‏ أي لأشيعن هذه المقالة فيكم ولأقرعنكم بها كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه ليستيقظ من غفلته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بين أكتافكم‏)‏ قال ابن عبد البر‏:‏ رويناه في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ بالمثناة وبالنون‏.‏

والأكناف بالنون جمع كنف بفتحها وهو الجانب، قال الخطابي‏:‏ معناه إن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين لأجعلنها أي الخشبة على رقابكم كارهين، قال وأراد بذلك المبالغة، وبهذا التأويل جزم إمام الحرمين تبعا لغيره وقال‏:‏ إن ذلك وقع من أبي هريرة حين كان يلي إمرة المدينة، وقد وقع عند ابن عبد البر من وجه آخر ‏"‏ لأرمين بها بين أعينكم وإن كرهتم ‏"‏ وهذا يرجح التأويل المتقدم، واستدل المهلب من المالكية بقول أبي هريرة ‏"‏ ما لي أراكم عنها معرضين ‏"‏ بأن العمل كان في ذلك العصر على خلاف ما ذهب إليه أبو هريرة، قال‏:‏ لأنه لو كان على الوجوب لما جهل الصحابة تأويله ولا أعرضوا عن أبي هريرة حين حدثهم به، فلولا أن الحكم قد تقرر عندهم بخلافه لما جاز عليهم جهل هذه الفريضة فدل على أنهم حملوا الأمر في ذلك علي الاستحباب انتهى‏.‏

وما أدري من أين له أن المعرضين كانوا صحابة وأنهم كانوا عددا لا يجهل مثلهم الحكم، ولم لا يجوز أن يكون الذين خاطبهم أبو هريرة بذلك كانوا غير فقهاء، بل ذلك هو المتعين، وإلا فلو كانوا صحابة أو فقهاء ما واجههم بذلك‏.‏

وقد قوى الشافعي في القديم القول بالوجوب بأن عمر قضى به ولم يخالفه أحد من أهل عصره فكان اتفاقا منهم على ذلك انتهى‏.‏

ودعوى الاتفاق هنا أولى من دعوى المهلب، لأن أكثر أهل عصر عمر كانوا صحابة، وغالب أحكامه منتشرة لطول ولايته، وأبو هريرة إنما كان يلي إمرة المدينة نيابة عن مروان في بعض الأحيان، وأشار الشافعي إلى ما أخرجه مالك ورواه هو عنه بسند صحيح أن الضحاك بن خليفة سأل محمد بن مسلمة أن يسوق خليجا له فيمر به في أرض محمد بن مسلمة، فكلمه عمر في ذلك فأبى، فقال‏:‏ والله ليمرن به ولو على بطنك، فحمل عمر الأمر على ظاهره وعداه إلى كل ما يحتاج الجار إلى الانتفاع به من دار جاره وأرضه‏.‏

وفي دعوى العمل على خلافه نظر، فقد روى ابن ماجة والبيهقي من طريق عكرمة بن سلمة أن أخوين من بني المغيرة أعتق أحدهما إن غرز أحد في جداره خشبا، فأقبل مجمع بن جارية ورجال كثير من الأنصار فقالوا‏:‏ شهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏.‏

الحديث، فقال الآخر‏:‏ يا أخي قد علمت أنك مقضي لك علي وقد حلفت، فاجعل أسطوانا دون جداري فاجعل عليه خشبك‏.‏

وروى ابن إسحاق في مسنده والبيهقي من طريقه عن يحيى بن جعدة أحد التابعين قال‏:‏ أراد رجل أن يضع خشبة على جدار صاحبه بغير إذنه فمنعه، فإذا من شئت من الأنصار يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهاه أن يمنعه، فجبر على ذلك‏.‏

وقيد بعضهم الوجوب بما إذا تقدم استئذان الجار في ذلك مستندا إلى ذكر الأذن في بعض طرقه، وهو في رواية ابن عيينة عند أبي داود وعقيل أيضا وأحمد عند عبد الرحمن بن مهدي عن مالك ‏"‏ من سأله جاره ‏"‏ وكذا لابن حبان من طريق الليث عن مالك، وكذا لأبي عوانة من طريق زياد بن سعد عن الزهري، وأخرجه البزار من طريق عكرمة عن أبي هريرة، ومنهم من حمل الضمير في جداره على صاحب الجذع أي لا يمنعه أن يضع جذعه على جدار نفسه ولو تضرر به من جهة منع الضوء مثلا ولا يخفى بعده، وقد تعقبه ابن التين بأنه إحداث قول ثالث في معنى الخبر، وقد رده أكثر أهل الأصول، وفيما قال نظر لأن لهذا القائل أن يقول‏:‏ هذا مما يستفاد من عموم النهي لا أنه المراد فقط والله أعلم‏.‏

ومحل الوجوب عند من قال به أن يحتاج إليه الجار ولا يضع عليه ما يتضرر به المالك ولا يقدم على حاجة المالك، ولا فرق بين أن يحتاج في وضع الجذع إلى نقب الجدار أو لا، لأن رأس الجذع يسد المنفتح ويقوي الجدار‏.‏

*3*باب صَبِّ الْخَمْرِ فِي الطَّرِيقِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب صب الخمر في الطريق‏)‏ أي المشتركة، إذا تعين ذلك طريقا لإزالة مفسدة تكون أقوى من المفسدة الحاصلة بصبها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَبُو يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْفَضِيخَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ قَالَ فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ اخْرُجْ فَأَهْرِقْهَا فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ قَدْ قُتِلَ قَوْمٌ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا الْآيَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن عبد الرحيم‏)‏ هو المعروف بصاعقة، وشيخه عفان من كبار شيوخ البخاري وأكثر ما يحدث عنه في الصحيح بواسطة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنت ساقي القوم‏)‏ سيأتي تسمية من عرف منهم في كتاب الأشربة مع الكلام عليه إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجرت في سكك المدينة‏)‏ أي طرقها، وفي السياق حذف تقديره حرمت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإراقتها فأريقت فجرت، وسيأتي مزيد بيان لذلك في تفسير المائدة‏.‏

قال المهلب‏:‏ إنما صبت الخمر في الطريق للإعلان برفضها وليشهر تركها، وذلك أرجح في المصلحة من التأذي بصبها في الطريق‏.‏

*3*باب أَفْنِيَةِ الدُّورِ وَالْجُلُوسِ فِيهَا وَالْجُلُوسِ عَلَى الصُّعُدَاتِ

وَقَالَتْ عَائِشَةُ فَابْتَنَى أَبُو بَكْرٍ مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب أفنية الدور والجلوس فيها والجلوس على الصعدات‏)‏ أما الأفنية فهي جمع فناء بكسر الفاء والمد وقد تقصر، وهو المكان المتسع أمام الدور، والترجمة معقودة لجواز تحجيره بالبناء، وعليه جرى العمل في بناء المساطب في أبواب الدور، والجواز مقيد بعدم الضرر للجار والمار، والصعدات بضمتين جمع صعد بضمتين أيضا وقد يفتح أوله، وهو جمع صعيد كطريق وطرقات وزنا ومعنى، والمراد به ما يراد من الفناء‏.‏

وزعم ثعلب أن المراد بالصعدات وجه الأرض، ويلتحق بما ذكر ما في معناه من الجلوس في الحوانيت وفي الشبابيك المشرفة على المار حيث تكون في غير العلو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقالت عائشة‏:‏ فابتنى أبو بكر مسجدا‏.‏

الحديث‏)‏ هو طرف من حديث طويل وصله المؤلف في الهجرة بطوله، ومضى في أبواب المساجد، وترجم له ‏"‏ المسجد يكون بالطريق من غير ضرر بالناس‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ فَقَالُوا مَا لَنَا بُدٌّ إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا قَالَ فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا قَالُوا وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ قَالَ غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إياكم والجلوس‏)‏ بالنصب على التحذير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الطرقات‏)‏ ترجم بالصعدات ولفظ المتن ‏"‏ الطرقات ‏"‏ إشارة إلى تساويهما في المعنى، وقد ورد بلفظ ‏"‏ الصعدات ‏"‏ من حديث أبي هريرة عند ابن حبان، وهو عند أبي داود بلفظ ‏"‏ الطرقات‏"‏، وزاد في المتن ‏"‏ وإرشاد السبيل وتشميت العاطس إذا حمد‏"‏، ومن حديث عمر عند الطبري وزاد في المتن ‏"‏ وإغاثة الملهوف‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالوا ما لنا من مجالسنا بد‏)‏ القائل ذلك هو أبو طلحة، وهو بين من روايته عند مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا أتيتم إلى المجالس‏)‏ كذا للأكثر بالمثناة وبإلى التي للغاية‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ فإذا أبيتم ‏"‏ بالموحدة وقال‏:‏ ‏"‏ ألا ‏"‏ بالتشديد، وهكذا وقع في كتاب الاستئذان بالموحدة، ‏"‏ وإلا ‏"‏ التي هي حرف استثناء وهو الصواب، والمجالس فيها استعمال المجالس بمعنى الجلوس، وقد تبين من سياق الحديث أن النهي عن ذلك للتنزيه لئلا يضعف الجالس عن أداء الحق الذي عليه، وأشار بغض البصر إلى السلامة من التعرض للفتنة بمن يمر من النساء وغيرهن، وبكف الأذى إلى السلامة من الاحتقار والغيبة ونحوها، وبرد السلام إلى إكرام المار، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى استعمال جميع ما يشرع وترك جميع ما لا يشرع، وفيه حجة لمن يقول بأن سد الذرائع بطريق الأولى لا على الحتم لأنه نهى أولا عن الجلوس حسما للمادة، فلما قالوا‏:‏ ‏"‏ ما لنا منها بد ‏"‏ ذكر لهم المقاصد الأصلية للمنع‏.‏

فعرف أن النهي الأول للإرشاد إلى الأصلح، ويؤخذ منه أن دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة، لندبه أولا إلى ترك الجلوس مع ما فيه من الأجر لمن عمل بحق الطريق، ودلك أن الاحتياط لطلب السلامة آكد من الطمع في الزيادة، وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في كتاب الاستئذان مع الإشارة إلى بقية الخصال التي ورد ذكرها في غير هذا الحديث إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب الْآبَارِ عَلَى الطُّرُقِ إِذَا لَمْ يُتَأَذَّ بِهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الآبار‏)‏ بمدة وتخفيف الموحدة، ويجوز بغير مد وتسكين الموحدة بعدها همزه وهو الأصل في هذا الجمع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏التي على الطريق إذا لم يتأذ بها‏)‏ بضم أول ‏"‏ يتأذ ‏"‏ على البناء للمجهول، أي إن حفرها جائز في طرق المسلمين لعموم النفع بها إذا لم يحصل بها تأذ لأحد منهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ الرَّجُلُ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَا خُفَّهُ مَاءً فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّه وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا فَقَالَ فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في الذي وجد بئرا في الطريق فنزل فيها فشرب ثم سقى الكلب، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الشرب، وقوله في هذه الرواية ‏"‏ يلهث يأكل الثرى ‏"‏ يجوز أن يكون خبرا ثانيا وأن يكون حالا، وقوله‏:‏ ‏"‏ في كل ذات كبد ‏"‏ أي في إرواء كل ذات كبد‏.‏