فصل: باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ

وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ لَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا شخص أغير من الله‏)‏ كذا لهم ووقع عند ابن بطال بلفظ ‏"‏ أحد ‏"‏ بدل شخص وكأنه من تغييره‏.‏

قوله ‏(‏عبد الملك‏)‏ هو ابن عمير ‏"‏ والمغيرة ‏"‏ هو ابن شعبة كما تقدم التنبيه عليه في أواخر الحدود والمحاربين، فإنه ساق من الحديث هناك بهذا السند إلى قوله ‏"‏ والله أغير مني ‏"‏ وتقدم شرح القول المذكور هناك، وتقدم الكلام على غيرة الله في شرح حديث ابن مسعود، وأن الكلام عليه تقدم في شرح حديث أسماء بنت أبي بكر في ‏"‏ كتاب الكسوف ‏"‏ قال ابن دقيق العيد المنزهون لله إما ساكت عن التأويل وإما مؤول، والثاني يقول المراد بالغيرة المنع من الشيء والحماية وهما من لوازم الغيرة فأطلقت على سبيل كالملازمة، وغيرها من الأوجه الشائعة في لسان العرب‏.‏

قوله ‏(‏وقال عبيد الله بن عمرو‏)‏ هو الرقي الأسدي ‏(‏عن عبد الملك‏)‏ هو ابن عمير‏.‏

قوله ‏(‏ولا شخص أغير من الله‏)‏ يعني أن عبيد الله بن عمرو روى الحديث المذكور عن عبد الملك بالسند المذكور أولا فقال ‏"‏ لا شخص ‏"‏ بدل قوله لا أحد، وقد وصله الدارمي عن زكريا بن عدي عن عبيد الله ابن عمرو عن عبد الملك بن عمير عن وراد مولى المغيرة قال‏:‏ ‏"‏ بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن سعد بن عبادة يقول ‏"‏ فذكره بطوله، وساقه أبو عوانة يعقوب الإسفرايني في صحيحه عن محمد بن عيسى العطار عن زكريا بتمامه وقال في المواضع الثلاثة لا شخص، قال الإسماعيلي بعد أن أخرجه من طريق عبيد الله بن عمر القواريري، وأبي كامل فضيل بن حسين الجحدري، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ثلاثتهم عن أبي عوانة الوضاح البصري بالسند الذي أخرجه البخاري، لكن قال في المواضع الثلاثة لا شخص بدل لا أحد، ثم ساقه من طريق زائدة بن قدامة عن عبد الملك كذلك، فكأن هذه اللفظة لم تقع في رواية البخاري في حديث أبي عوانة عن عبد الملك، فلذلك علقها عن عبيد الله بن عمرو‏.‏

قلت‏:‏ وقد أخرجه مسلم عن القواريري وأبي كامل كذلك، ومن طريق زائدة أيضا قال ابن بطال‏:‏ أجمعت الأمة على أن الله تعالى لا يجوز أن يوصف بأنه شخص لأن التوقيف لم يرد به، وقد منعت منه المجسمة مع قولهم بأنه جسم لا كالأجسام كذا قال، والمنقول عنهم خلاف ما قال‏.‏

وقال الإسماعيلي ليس في قوله لا شخص أغير من الله إثبات أن الله شخص بل هو كما جاء ‏"‏ ما خلق الله أعظم من آية الكرسي ‏"‏ فإنه ليس فيه إثبات أن آية الكرسي مخلوقة، بل المراد أنها أعظم من المخلوقات، وهو كما يقول من يصف امرأة كاملة الفضل حسنة الخلق ما في الناس رجل يشبهها، يريد تفضيلها على الرجال لا أنها رجل‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ اختلفت ألفاظ هذا الحديث فلم يختلف في حديث ابن مسعود أنه بلفظ لا أحد، فظهر أن لفظ شخص جاء موضع أحد فكأنه من تصرف الراوي، ثم قال على أنه من باب المستثنى من غير جنسه كقوله تعالى ‏(‏وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن‏)‏ وليس الظن من نوع العلم‏.‏

قلت‏:‏ وهذا هو المعتمد وقد قرره ابن فورك ومنه أخذه ابن بطال فقال بعدما تقدم من التمثيل بقوله ‏(‏إن يتبعون إلا الظن‏)‏ فالتقدير أن الأشخاص الموصوفة بالغيرة لا تبلغ غيرتها وإن تناهت غيرة الله تعالى، وإن لم يكن شخصا بوجه، وأما الخطابي فبنى على أن هذا التركيب يقتضي إثبات هذا الوصف لله تعالى فبالغ في الإنكار وتخطئة الراوي، فقال‏:‏ إطلاق الشخص في صفات الله تعالى غير جائز لأن الشخص لا يكون إلا جسما مؤلفا فخليق أن لا تكون هذه اللفظة صحيحة، وأن تكون تصحيفا من الراوي ودليل ذلك أن أبا عوانة روى هذا الخبر عن عبد الملك فلم يذكرها، ووقع في حديث أبي هريرة وأسماء بنت أبي بكر بلفظ ‏"‏ شيء ‏"‏ والشيء والشخص في الوزن سواء، فمن لم يمعن في الاستماع لم يأمن الوهم وليس كل من الرواة يراعى لفظ الحديث حتى لا يتعداه، بل كثير منهم يحدث بالمعنى وليس كلهم فهما بل في كلام بعضهم جفاء وتعجرف، فلعل لفظ شخص جرى على هذا السبيل إن لم يكن غلطا من قبيل التصحيف يعني السمعي قال ثم إن عبيد الله بن عمرو انفرد عن عبد الملك فلم يتابع عليه واعتوره الفساد من هذه الأوجه ‏"‏ وقد تلقى هذا عن الخطابي أبو بكر بن فورك فقال لفظ الشخص غير ثابت من طريق السند فإن صح فبيانه في الحديث الآخر؛ وهو قوله ‏"‏ لا أحد ‏"‏ فاستعمل الراوي لفظ شخص موضع أحد ثم ذكر نحو ما تقدم عن ابن بطال ومنه أخذ ابن بطال، ثم قال ابن فورك وإنما منعنا من إطلاق لفظ الشخص أمور أحدها أن اللفظ لم يثبت من طريق السمع، والثاني الإجماع على المنع منه، والثالث أن معناه الجسم المؤلف المركب، ثم قال ومعنى الغيرة الزجر والتحريم، فالمعنى أن سعدا الزجور عن المحارم وأنا أشد زجرا منه، والله أزجر من الجميع انتهى، وطعن الخطابي ومن تبعه في السند مبني على تفرد عبيد الله بن عمرو به وليس كذلك، كما تقدم وكلامه ظاهر في أنه لم يراجع صحيح مسلم ولا غيره من الكتب التي وقع فيها هذا اللفظ من غير رواية عبيد الله بن عمرو، ورد الروايات الصحيحة والطعن في أئمة الحديث الضابطين مع إمكان توجيه ما رووا من الأمور التي أقدم عليها كثير من غير أهل الحديث، وهو يقتضي قصور فهم من فعل ذلك منهم، ومن ثم قال الكرماني لا حاجة لتخطئة الرواة الثقاة بل حكم هذا حكم سائر المتشابهات، إما التفويض وإما التأويل‏.‏

وقال عياض بعد أن ذكر معنى قوله ‏"‏ لا أحد أحب إليه العذر من الله ‏"‏ أنه قدم الإعذار والإنذار قبل أخذهم بالعقوبة، وعلى هذا لا يكون في ذكر الشخص ما يشكل كذا قال، ولم يتجه أخذ نفي الإشكال مما ذكر، ثم قال ويجوز أن يكون لفظ الشخص وقع تجوزا من شيء أو أحد، كما يجوز إطلاق الشخص على غير الله تعالى، وقد يكون المراد بالشخص المرتفع لأن الشخص هو ما ظهر وشخص وارتفع، فيكون المعنى لا مرتفع أرفع من الله، كقوله لا متعالي أعلى من الله، قال ويحتمل أن يكون المعنى لا ينبغي لشخص أن يكون أغير من الله تعالى، وهو مع ذلك لم يعجل ولا بادر بعقوبة عبده لارتكابه ما نهاه عنه، بل حذره وأنذره وأعذر إليه وأمهله، فينبغي أن يتأدب بأدبه ويقف عند أمره ونهيه، وبهذا تظهر مناسبة تعقيبه بقوله، ولا أحد أحب إليه العذر من الله‏.‏

وقال القرطبي أصل وضع الشخص يعني في اللغة لجرم الإنسان وجسمه، يقال شخص فلان وجثمانه، واستعمل في كل شيء ظاهر، يقال شخص الشيء إذا ظهر، وهذا المعنى محال على الله تعالى فوجب تأويله، فقيل معناه لا مرتفع، وقيل لا شيء، وهو أشبه من الأول، وأوضح منه لا موجود أو لا أحد وهو أحسنها، وقد ثبت في الرواية الأخرى، وكأن لفظ الشخص أطلق مبالغة في إثبات إيمان من يتعذر على فهمه موجود لا يشبه شيئا من الموجودات، لئلا يفضي به ذلك إلى النفي والتعطيل، وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم للجارية ‏"‏ أين الله‏؟‏ قالت في السماء ‏"‏ فحكم بإيمانها مخافة أن تقع في التعطيل لقصور فهمها عما ينبغي له من تنزيهه مما يقتضي التشبيه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ لم يفصح المصنف بإطلاق الشخص على الله، بل أورد ذلك على طريق الاحتمال، وقد جزم في الذي بعده فتسميته شيئا لظهور ذلك فيما ذكره من الآيتين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ عَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏ولا أحد أحب إليه العذر من الله ومن أجل ذلك بعث المنذرين والمبشرين‏)‏ يعني الرسل، وقد وقع في رواية مسلم ‏"‏ بعث المرسلين مبشرين ومنذرين ‏"‏ وهي أوضح، وله من حديث ابن مسعود ‏"‏ ولذلك أنزل الكتب والرسل ‏"‏ أي وأرسل الرسل، قال ابن بطال هو من قوله تعالى ‏(‏وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات‏)‏ فالعذر في هذا الحديث التوبة والإنابة كذا قال‏.‏

وقال عياض‏:‏ المعنى بعث المرسلين للإعذار والإنذار لخلقه قبل أخذهم بالعقوبة، وهو كقوله تعالى ‏(‏لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل‏)‏ وحكى القرطبي في المفهم عن بعض أهل المعاني قال‏:‏ إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لا أحد أحب إليه العذر من الله ‏"‏ عقب قوله ‏"‏ لا أحد أغير من الله ‏"‏ منبها لسعد بن عبادة على أن الصواب خلاف ما ذهب إليه، ورادعا له على الإقدام على قتل من يجده مع امرأته، فكأنه قال إذا كان الله مع كونه أشد غيرة منك يحب الإعذار، ولا يؤاخذ إلا بعد الحجة، فكيف تقدم أنت على القتل في تلك الحالة‏؟‏ ‏.‏

قوله ‏(‏ولا أحد أحب إليه‏)‏ يجوز في ‏"‏ أحب ‏"‏ الرفع والنصب كما تقدم في الحدود‏.‏

قوله ‏(‏المدحة من الله‏)‏ بكسر الميم مع هاء التأنيث وبفتحها مع حذف الهاء، والمدح الثناء بذكر أوصاف الكمال والأفضال، قال القرطبي‏.‏

قوله ‏(‏ومن أجل ذلك وعد الله الجنة‏)‏ كذا فيه بحذف أحد المفعولين للعلم به، والمراد به من أطاعه وفي رواية مسلم ‏"‏ وعد الجنة ‏"‏ بإضمار الفاعل وهو الله، قال ابن بطال‏:‏ أراد به المدح من عباده بطاعته وتنزيهه عما لا يليق به والثناء عليه بنعمه ليجازيهم على ذلك‏.‏

وقال القرطبي ذكر المدح مقرونا بالغيرة، والعذر تنبيها لسعد على أن لا يعمل بمقتضى غيرته، ولا يعجل بل يتأنى ويترفق ويثبت، حتى يحصل على وجه الصواب فينال كمال الثناء والمدح والثواب لإيثاره الحق وقمع نفسه وغلبتها عند هيجانها، وهو نحو قوله ‏"‏ الشديد من يملك نفسه عند الغضب ‏"‏ وهو حديث صحيح متفق عليه‏.‏

وقال عياض‏:‏ معنى قوله ‏"‏ وعد الجنة ‏"‏ أنه لما وعد بها ورغب فيها كثر السؤال له والطلب إليه والثناء عليه، قال ولا يحتج بهذا على جواز استجلاب الإنسان الثناء على نفسه فإنه مذموم ومنهي عنه بخلاف حبه له في قلبه إذا لم يجد من ذلك بدأ فإنه لا يذم بذلك، فالله سبحانه وتعالى مستحق للمدح بكماله؛ والنقص للعبد لازم ولو استحق المدح من جهة ما لكن المدح يفسد قلبه ويعظمه في نفسه حتى يحتقر غيره، ولهذا جاء ‏"‏ احثوا في وجوه المداحين التراب ‏"‏ وهو حديث صحيح أخرجه مسلم‏.‏

*3*باب قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ

فَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ شَيْئًا وَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ شَيْئًا وَهُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ وَقَالَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب‏)‏ بالتنوين ‏(‏قل أي شيء أكبر شهادة‏؟‏ قل الله‏.‏

فسمى الله تعالى نفسه شيئا‏)‏ كذا لأبي ذر والقابسي وسقط لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ لغيرهما من رواية الفربري، وسقطت الترجمة من رواية النسفي وذكر قوله ‏"‏ قل أي شيء أكبر شهادة ‏"‏ وحديث سهل بن سعد بعد أثرى أبي العالية ومجاهد في تفسير ‏(‏استوى على العرش‏)‏ ووقع عند الأصيلي وكريم ‏"‏ قل أي شيء أكبر شهادة‏؟‏ - سمى الله نفسه شيئا - قل الله ‏"‏ والأول أولى وتوجيه الترجمة أن لفظ ‏"‏ أي ‏"‏ إذا جاءت استفهامية اقتضى الظاهر أن يكون سمى باسم ما أضيف إليه، فعلى هذا يصح أن يسمى الله شيئا وتكون الجلالة خبر مبتدأ محذوف أي ذلك الشيء هو الله، ويجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر، والتقدير الله أكبر شهادة والله أعلم‏.‏

قوله ‏(‏وسمى النبي صلى الله عليه وسلم القرآن شيئا وهو صفة من صفات الله‏)‏ يشير إلى الحديث الذي أورده من حديث سهل بن سعد وفيه ‏"‏ أمعك من القرآن شيء ‏"‏ وهو مختصر من حديث طويل في قصة الواهبة تقدم بطوله مشروحا في ‏"‏ كتاب النكاح ‏"‏ وتوجيهه أن بعض القرآن قرآن وقد سماه الله شيئا‏.‏

قوله ‏(‏وقال كل شيء هالك إلا وجهه‏)‏ الاستدلال بهذه الآية للمطلوب ينبني على أن الاستثناء فيها متصل، فإنه يقتضي اندراج المستثنى في المستثنى منه وهو الراجح، على أن لفظ شيء يطلق على الله تعالى وهو الراجح أيضا، والمراد بالوجه الذات وتوجيهه أنه عبر عن الجملة بأشهر ما فيها، ويحتمل أن يراد بالوجه ما يعمل لأجل الله أو الجاه، وقيل إن الاستثناء منقطع والتقدير‏:‏ لكن هو سبحانه لا يهلك، والشيء يساوي الموجود لغة وعرفا، وأما قولهم فلان ليس بشيء فهو على طريق المبالغة في الذم، فلذلك وصفه بصفة المعدوم، وأشار ابن بطال إلى أن البخاري انتزع هذه الترجمة من كلام عبد العزيز بن يحيى المكي فإنه قال في ‏"‏ كتاب الحيدة ‏"‏ سمى الله تعالى نفسه شيئا إثباتا لوجوده ونفيا للعدم عنه، وكذا أجرى على كلامه ما أجراه على نفسه ولم يجعل لفظ شيء من أسمائه بل دل على نفسه أنه شيء تكذيبا للدهرية ومنكري الإلهية من الأمم، وسبق في علمه أنه سيكون من يلحد في أسمائه ويلبس على خلقه ويدخل كلامه في الأشياء المخلوقة، فقال ‏(‏ليس كمثله شيء‏)‏ فأخرج نفسه وكلامه من الأشياء المخلوقة ثم وصف كلامه بما وصف به نفسه فقال ‏(‏وما قدروا الله حق قدره، إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء‏)‏ وقال تعالى ‏(‏أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء‏)‏ فدل على كلامه بما دل على نفسه ليعلم أن كلامه صفة من صفات ذاته فكل صفة تسمى شيئا بمعنى أنها موجودة وحكى ابن بطال أيضا أن في هذه الآيات والآثار ردا على من زعم أنه لا يجوز أن يطلق على الله شيء، كما صرح به عبد الله الناشئ المتكلم وغيره، وردا على من زعم أن المعدوم شيء، وقد أطبق العقلاء على أن لفظ شيء يقتضي إثبات موجود، وعلى أن لفظ لا شيء يقتضي نفي موجود إلا ما تقدم من إطلاقهم ليس بشيء في الذم فإنه بطريق المجاز‏.‏

*3*باب وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ

قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ارْتَفَعَ فَسَوَّاهُنَّ خَلَقَهُنَّ وَقَالَ مُجَاهِدٌ اسْتَوَى عَلَا عَلَى الْعَرْشِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمَجِيدُ الْكَرِيمُ وَ الْوَدُودُ الْحَبِيبُ يُقَالُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ كَأَنَّهُ فَعِيلٌ مِنْ مَاجِدٍ مَحْمُودٌ مِنْ حَمِدَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم‏)‏ كذا ذكر قطعتين من آيتين، وتلطف في ذكر الثانية عقب الأولى، لرد من توهم من قوله في الحديث ‏"‏ كان الله ولم يكن شيء قبلة، وكان عرشه على الماء ‏"‏ أن العرش لم يزل مع الله تعالى وهو مذهب باطل، وكذا من زعم من الفلاسفة أن العرش هو الخالق الصانع، وربما تمسك بعضهم وهو أبو إسحاق الهروي بما أخرجه من طريق سفيان الثوري ‏"‏ حدثنا أبو هشام ‏"‏ هو الرماني بالراء والتشديد عن مجاهد عن ابن عباس قال ‏"‏ إن الله كان على عرشه قبل أن يخلق شيئا فأول ما خلق الله القلم ‏"‏ وهذه الأولية محمولة على خلق السموات والأرض وما فيهما، فقد أخرج عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ‏(‏وكان عرشه على الماء‏)‏ قال هذا بدء خلقه قبل أن يخلق السماء وعرشه من ياقوتة حمراء فأردف المصنف بقوله ‏(‏رب العرش العظيم‏)‏ إشارة إلى أن العرش مربوب وكل مربوب مخلوق، وختم الباب بالحديث الذي فيه ‏"‏ فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ‏"‏ فإن في إثبات القوائم للعرش دلالة على أنه جسم مركب له أبعاض وأجزاء، والجسم المؤلف محدث مخلوق‏.‏

وقال البيهقي في ‏"‏ الأسماء والصفات ‏"‏ اتفقت أقاويل هذا التفسير على أن العرش هو السرير وأنه جسم خلقه الله وأمر ملائكته بحمله وتعبدهم بتعظيمه والطواف به كما خلق في الأرض بيتا وأمر بني آدم بالطواف به واستقباله في الصلاة، وفي الآيات - أي التي ذكرها - والأحاديث والآثار دلالة على صحة ما ذهبوا إليه‏.‏

قوله ‏(‏قال أبو العالية استوى إلا السماء ارتفع فسوى خلق‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فسواهن خلقهن ‏"‏ وهو الموافق للمنقول عن أبي العالية لكن بلفظ ‏"‏ فقضاهن ‏"‏ كما أخرجه الطبري من طريق أبي جعفر الرازي عنه في قوله تعالى ‏(‏ثم استوى إلى السماء‏)‏ قال ارتفع‏.‏

وفي قوله ‏"‏ فقضاهن ‏"‏‏:‏ خلقهن وهذا هو المعتمد والذي وقع ‏"‏ فسواهن ‏"‏ تغيير، ووقع لفظ سوى أيضا في سورة النازعات في قوله تعالى ‏(‏رفع سمكها فسواها‏)‏ وليس المراد هنا وقد تقدم في تفسير سورة فصلت في حديث ابن عباس الذي أجاب به عن الأسئلة التي قال السائل إنها اختلفت عليه في القرآن فإن فيها ‏"‏ أنه خلق الأرض قبل خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ثم دحا الأرض ‏"‏ ثم إن في تفسير سوى بخلق نظرا لأن في التسوية قدرا زائدا على الخلق كما في قوله تعالى ‏(‏الذي خلق فسوى‏)‏ ‏.‏

قوله ‏(‏وقال مجاهد استوى‏:‏ علا على العرش‏)‏ وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه قال ابن بطال اختلف الناس في الاستواء المذكور هنا فقالت المعتزلة معناه الاستيلاء بالقهر والغلبة واحتجوا بقول الشاعر‏:‏ قد استوى بشر على العراق من غير ودم مهراق وقالت الجسمية معناه الاستقرار‏.‏

وقال بعض أهل السنة معناه ارتفع، وبعضهم معناه علا، وبعضهم معناه الملك والقدرة ومنه استوت له الممالك، يقال لمن أطاعه أهل البلاد، وقيل معنى الاستواء التمام والفراغ من فعل الشيء، ومنه قوله تعالى ‏(‏ولما بلغ أشده واستوى‏)‏ فعلى هذا فمعنى استوى على العرش أتم الخلق، وخص لفظ العرش لكونه أعظم الأشياء وقيل إن ‏"‏ على ‏"‏ في قوله على العرش بمعنى‏:‏ إلى، فالمراد على هذا انتهى إلى العرش أي فيما يتعلق بالعرش لأنه خلق الخلق شيئا بعد شيء، ثم قال ابن بطال‏:‏ فأما قول المعتزلة فإنه فاسد لأنه لم يزل قاهرا غالبا مستوليا، وقوله ‏"‏ثم استوى ‏"‏ يقتضي افتتاح هذا الوصف بعد أن لم يكن، ولازم تأويلهم أنه كان مغالبا فيه فاستولى عليه بقهر من غالبه، وهذا منتف عن الله سبحانه، وأما قول المجسمة ففاسد أيضا، لأن الاستقرار من صفات الأجسام ويلزم منه الحلول والتناهي، وهو محال في حق الله تعالى، ولائق بالمخلوقات لقوله تعالى ‏(‏فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك‏)‏ وقوله ‏(‏لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه‏)‏ قال وأما تفسير استوى‏:‏ علا فهو صحيح وهو المذهب الحق، وقول أهل السنة لأن الله سبحانه وصف نفسه بالعلي‏.‏

وقال ‏(‏سبحانه وتعالى عما يشركون‏)‏ وهي صفة من صفات الذات، وأما من فسره‏:‏ ارتفع ففيه نظر لأنه لم يصف به نفسه، قال واختلف أهل السنة هل الاستواء صفة ذات أو صفة فعل، فمن قال معناه علا قال هي صفة ذات، ومن قال غير ذلك قال هي صفة فعل، وإن الله فعل فعلا سماه استوى على عرشه، لا أن ذلك قائم بذاته لاستحالة قيام الحوادث به انتهى ملخصا‏.‏

وقد ألزمه من فسره بالاستيلاء بمثل ما ألزم هو به من أنه صار قاهرا بعد أن لم يكن، فيلزم أنه صار غالبا بعد أن لم يكن؛ والانفصال عن ذلك للفريقين بالتمسك بقوله تعالى ‏(‏وكان الله عليما حكيما‏)‏ فإن أهل العلم بالتفسير قالوا معناه لم يزل كذلك، كما تقدم بيانه عن ابن عباس في تفسير فصلت، وبقي من معاني استوى ما نقل عن ثعلب استوى الوجه اتصل، واستوى القمر امتلأ واستوى فلان وفلان تماثلا، واستوى إلى المكان أقبل، واستوى القاعد قائما والنائم قاعدا، ويمكن رد بعض هذه المعاني إلى بعض، وكذا ما تقدم عن ابن بطال، وقد نقل أبو إسماعيل الهروي في كتاب الفاروق بسنده إلى داود بن علي بن خلف قال‏:‏ كنا عند أبي عبد الله بن الأعرابي يعني محمد بن زياد اللغوي فقال له رجل ‏(‏الرحمن على العرش استوى‏)‏ فقال هو على العرش كما أخبر، قال يا أبا عبد الله إنما معناه استولى، فقال اسكت لا يقال استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاد، ومن طريق محمد بن أحمد بن النضر الأزدي سمعت ابن الأعرابي يقول أرادني أحمد بن أبي داود أن أجد له في لغة العرب ‏(‏الرحمن على العرش استوى‏)‏ بمعنى استولى فقلت والله ما أصبت هذا‏.‏

وقال غيره لو كان بمعنى استولى لم يختص بالعرش، لأنه غالب على جميع المخلوقات، ونقل محيي السنة البغوي في تفسيره عن ابن عباس وأكثر المفسرين أن معناه ارتفع وقال أبو عبيدة والفراء وغيرهما بنحوه‏.‏

وأخرج أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنة من طريق الحسن البصري عن أمه عن أم سلمة أنها قالت ‏"‏ الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر ‏"‏ ومن طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سئل كيف استوى على العرش‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏ الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، وعلى الله الرسالة، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التسليم ‏"‏ وأخرج البيهقي بسند جيد عن الأوزاعي قال كنا والتابعون متوافرون نقول إن الله على عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته‏.‏

وأخرج الثعلبي من وجه آخر عن الأوزاعي أنه سئل عن قوله تعالى ‏(‏ثم استوى على العرش‏)‏ فقال‏:‏ هو كما وصف نفسه‏.‏

وأخرج البيهقي بسند جيد عن عبد الله بن وهب قال كنا عند مالك فدخل رجل فقال يا أبا عبد الله ‏"‏ الرحمن على العرش استوى، كيف استوى‏؟‏ فأطرق مالك فأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال‏:‏ الرحمن على العرش استوى وصف به نفسه ولا يقال كيف، وكيف عنه مرفوع، وما أراك إلا صاحب بدعة أخرجوه ‏"‏ ومن طريق يحيى بن يحيى عن مالك نحو المنقول عن أم سلمة لكن قال فيه ‏"‏ والإقرار به واجب، والسؤال عنه بدعة ‏"‏ وأخرج البيهقي من طريق أبي داود الطيالسي قال‏:‏ كان سفيان الثوري وشعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وشريك وأبو عوانة لا يحددون لا يشبهون ويروون هذه الأحاديث ولا يقولون كيف، قال أبو داود وهو قولنا، قال البيهقي وعلى هذا مضى أكابرنا وأسند اللالكائي عن محمد بن الحسن الشيباني قال‏:‏ اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن وبالأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب من غير تشبيه ولا تفسير، فمن فسر شيئا منها وقال بقول جهم فقد خرج عما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وفارق الجماعة، لأنه وصف الرب بصفة لا شيء، ومن طريق الوليد بن مسلم سألت الأوزاعي ومالكا والثوري والليث بن سعد عن الأحاديث التي فيها الصفة فقالوا‏:‏ أمروها كما جاءت بلا كيف ‏"‏ وأخرج ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن يونس بن عبد الأعلى سمعت الشافعي يقول‏:‏ لله أسماء وصفات لا يسع أحدا ردها، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر، وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الرؤية والفكر، فثبت هذه الصفات وننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه، فقال ‏(‏ليس كمثله شيء‏)‏ وأسند البيهقي بسند صحيح عن أحمد بن أبي الحواري عن سفيان بن عيينة قال ‏"‏ كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عنه ‏"‏ ومن طريق أبي بكر الضبعي قال‏:‏ مذهب أهل السنة في قوله ‏(‏الرحمن على العرش استوى‏)‏ قال بلا كيف والآثار فيه عن السلف كثيرة، وهذه طريقة الشافعي وأحمد بن حنبل‏.‏

وقال الترمذي في الجامع عقب حديث أبي هريرة في النزول وهو على العرش كما وصف به نفسه في كتابه، كذا قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبهه من الصفات‏.‏

وقال في باب فضل الصدقة قد ثبتت هذه الروايات فنؤمن بها ولا نتوهم ولا يقال كيف، كذا جاء عن مالك وابن عيينة وابن المبارك أنهم أمروها بلا كيف، وهذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية فأنكروها وقالوا هذا تشبيه‏.‏

وقال إسحاق بن راهويه إنما يكون التشبيه لو قيل‏:‏ يد كيد وسمع كسمع‏.‏

وقال في تفسير المائدة قال الأئمة نؤمن بهذه الأحاديث من غير تفسير، منهم الثوري ومالك وابن عيينة وابن المبارك وقال ابن عبد البر أهل السنة مجمعون على الإقرار بهذه الصفات الواردة في الكتاب والسنة، ولم يكيفوا شيئا منها؛ وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج فقالوا من أقر بها فهو مشبه فسماهم من أقر بها معطلة‏.‏

وقال إمام الحرمين في الرسالة النظامية اختلفت مسالك العلماء في هذه الظواهر فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن، وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الله تعالى والذي نرتضيه رأيا وندين الله به عقيدة اتباع سلف الأمة للدليل القاطع على أن إجماع الأمة حجة فلو كان تأويل هذه الظواهر حتما لأوشك أن يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الإضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع انتهى‏.‏

وقد تقدم النقل عن أهل العصر الثالث وهم فقهاء الأمصار كالثوري والأوزاعي ومالك والليث ومن عاصرهم، وكذا من أخذ عنهم من الأئمة، فكيف لا يوثق بما اتفق عليه أهل القرون الثلاثة، وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة، وقسم بعضهم أقوال الناس، في هذا الباب إلى ستة أقوال قولان لمن يجريها على ظاهرها أحدهما من يعتقد أنها من جنس صفات المخلوقين وهم المشبهة ويتفرع من قولهم عدة آراء، والثاني من ينفي عنها شبه صفة المخلوقين لأن ذات الله لا تشبه الذوات فصفاته لا تشبه الصفات فإن صفات كل موصوف تناسب ذاته وتلائم حقيقته، وقولان لمن يثبت كونها صفة ولكن لا يجريها على ظاهرها، أحدهما يقول لا نؤول شيئا منها بل نقول الله أعلم بمراده، والآخر يؤول فيقول مثلا معنى الاستواء الاستيلاء، واليد القدرة ونحو ذلك، وقولان لمن لا يجزم بأنها صفة أحدهما يقول يجوز أن تكون صفة وظاهرها غير مراد، ويجوز أن لا تكون صفة، والآخر يقول لا يخاض في شيء من هذا بل يجب الإيمان به لأنه من المتشابه الذي لا يدرك معناه‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن عباس المجيد الكريم، والودود الحبيب‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ‏(‏ذو العرش المجيد‏)‏ قال المجيد الكريم، وبه عن ابن عباس في قوله تعالى ‏(‏وهو الغفور الودود‏)‏ قال الودود الحبيب وإنما وقع تقديم المجيد قبل الودود هنا لأن المراد تفسير لفظ المجيد الواقع في قوله ‏(‏ذو العرش المجيد‏)‏ فلما فسره استطرد لتفسير الاسم الذي قبله إشارة إلى أنه قرئ مرفوعا بالاتفاق، وذو العرش بالرفع صفة له واختلفت القراء في المجيد بالرفع، فيكون من صفات الله، وبالكسر فيكون صفة العرش، قال ابن المنير جميع ما ذكره البخاري في هذا الباب يشتمل على ذكر العرش إلا أثر ابن عباس، لكنه نبه به على لطيفة وهي أن المجيد في الآية على قراءة الكسر ليس صفة للعرش، حتى لا يتخيل أنه قديم بل هي صفة الله، بدليل قراءة الرفع، وبدليل اقترانه بالودود فيكون الكسر على المجاورة لتجتمع القراءتان على معنى واحد انتهى‏.‏

ويؤيد أنها عند البخاري صفة الله تعالى ما أردفه به، وهو يقال حميد مجيد إلخ، ويؤيده حديث أبي هريرة الذي أخرجه الدار قطني بلفظ ‏"‏ إذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى مجدني عبدي ‏"‏ ذكره ابن التين قال ويقال المجد في كلام العرب‏:‏ الشرف الواسع، فالماجد من له آباء متقدمون في الشرف، وأما الحسب والكرم فيكونان في الرجل وإن لم يكن له آباء شرفاء، فالمجيد صيغة مبالغة من المجد وهو الشرف القديم‏.‏

وقال الراغب المجد السعة في الكرم والجلالة، وأصله قولهم مجدت الإبل أي وقعت في مرعى كثير واسع وأمجدها الراعي، ووصف القرآن بالمجيد لما يتضمن من المكارم الدنيوية والأخروية انتهى‏.‏

ومع ذلك كله فلا يمتنع وصف العرش بذلك لجلالته وعظيم قدره كما أشار إليه الراغب، ولذلك وصف بالكريم في سورة قد أفلح، وأما تفسير الودود بالحبيب فإنه يأتي بمعنى المحب والمحبوب لأن أصل الود محبة الشيء، قال الراغب الودود يتضمن ما دخل في قوله تعالى ‏(‏فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه‏)‏ وقد تقدم معنى محبة الله تعالى لعباده ومحبتهم له‏.‏

قوله ‏(‏يقال حميد مجيد كأنه فعيل من ماجد محمود من حمد‏)‏ كذا لهم بغير ياء فعلا ماضيا ولغير أبي ذر عن الكشميهني محمود من حميد، وأصل هذا قول أبي عبيدة في ‏"‏ كتاب المجاز ‏"‏ في قوله ‏(‏عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد‏)‏ أي محمود ماجد‏.‏

وقال الكرماني غرضه منه أن مجيدا بمعنى فاعل كقدير بمعنى قادر وحميدا بمعنى مفعول، فلذلك قال مجيد من ماجد وحميد من محمود، قال وفي بعض النسخ محمود من حميد، وفي أخرى من حمد مبني للفاعل والمفعول أيضا، وذلك لاحتمال أن يكون حميد بمعنى حامد ومجيد بمعنى ممجد، ثم قال وفي عبارة البخاري تعقيد‏.‏

قلت‏:‏ وهو في قوله محمود من حمد، وقد اختلف الرواة فيه والأولى فيه ما وجد في أصله وهو كلام أبي عبيدة، ثم ذكر في الباب تسعة أحاديث لبعضها طريق، أخرى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ إِنِّي عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ قَالُوا بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا فَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ قَالُوا قَبِلْنَا جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ مَا كَانَ قَالَ كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ ثُمَّ أَتَانِي رَجُلٌ فَقَالَ يَا عِمْرَانُ أَدْرِكْ نَاقَتَكَ فَقَدْ ذَهَبَتْ فَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُهَا فَإِذَا السَّرَابُ يَنْقَطِعُ دُونَهَا وَايْمُ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّهَا قَدْ ذَهَبَتْ وَلَمْ أَقُمْ

الشرح‏:‏

حديث عمران بن حصين وقوله في السند ‏"‏ أنبأنا أبو حمزة ‏"‏ هو السكري، وقد تقدم قريبا في باب‏:‏ ويحذركم الله نفسه ووقع في رواية الكشميهني عن أبي حمزة، وقوله عن جامع بن شداد تقدم في بدء الخلق في رواية حفص بن غياث عن الأعمش ‏"‏ حدثنا جامع ‏"‏ وجامع هذا يكنى أبا صخرة‏.‏

قوله ‏(‏إني عند النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية حفص ‏"‏ دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعقلت ناقتي بالباب فأتاه ناس من بني تميم ‏"‏ وهذا ظاهر في أن هذه القصة كانت بالمدينة، ففيه تعقب على من وحد بين هذه القصة وبين القصة التي تقدمت في المغازي من حديث أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه قال‏:‏ ‏"‏ كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال، فأتاه أعرابي فقال ألا تنجز لي ما وعدتني‏؟‏ فقال له أبشر، فقال‏:‏ قد أكثرت علي من أبشر فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان فقال‏:‏ رد البشرى، فاقبلا أنتما، قالا قبلنا ‏"‏ الحديث ففسر القائل مع بني تميم ‏"‏ بشرتنا ‏"‏ فأعطنا بهذا الأعرابي، وفسر أهل اليمن بأبي موسى ووجه التعقب التصريح في قصة أبي موسى بأن القصة كانت بالجعرانة، وظاهر قصة عمران أنها كانت بالمدينة فافترقا وزعم ابن الجوزي أن القائل ‏"‏ أعطنا ‏"‏ هو الأقرع بن حابس التميمي‏.‏

قوله ‏(‏إذ جاءه قوم من بني تميم‏)‏ في رواية أبي عاصم عن الثوري في المغازي ‏"‏ جاءت بنو تميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وهو محمول على إرادة بعضهم وفي رواية محمد بن كثير عنه في بدء الخلق ‏"‏ جاء نفر من بني تميم ‏"‏ والمراد وقد تميم جاء صريحا عند ابن حبان من طريق مؤمل بن إسماعيل عن سفيان ‏"‏ جاء وفد بني تميم‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏اقبلوا البشرى يا بني تميم‏)‏ في رواية أبي عاصم ‏"‏ أبشروا يا بني تميم ‏"‏ والمراد بهذه البشارة أن من أسلم نجا من الخلود في النار، ثم بعد ذلك يترتب جزاؤه على وفق عمله إلا أن يعفو الله‏.‏

وقال الكرماني بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يقتضى دخول الجنة حيث عرفهم أصول العقائد التي هي المبدأ والمعاد وما بينهما كذا قال، وإنما وقع التعريف هنا لأهل اليمن وذلك ظاهر من سياق الحديث، ونقل ابن التين عن الداودي قال في قول بني تميم جئناك لنتفقه في الدين دليل على أن إجماع الصحابة لا ينعقد بأهل المدينة وحدها، وتعقبه بأن الصواب أنه قول أهل اليمن لا بني تميم، وهو كما قال ابن التين لكن وقع عند ابن حبان من طريق أبي عبيدة بن معن عن الأعمش بهذا السند ما نصه‏:‏ ‏"‏ دخل عليه نفر من بني تميم فقالوا‏:‏ يا رسول الله جئناك لنتفقه في الدين ونسألك عن أول هذا الأمر ‏"‏ ولم يذكر أهل اليمن وهو خطأ من هذا الراوي كأنه اختصر الحديث فوقع في هذا الوهم‏.‏

قوله ‏(‏قالوا بشرتنا فأعطنا‏)‏ زاد في رواية حفص ‏"‏ مرتين ‏"‏ وزاد في رواية الثوري عن جامع في المغازي ‏"‏ فقالوا أما إذا بشرتنا فأعطنا ‏"‏ وفيها ‏"‏ فتغير وجهه ‏"‏ وفي رواية أبي عوانة عن الأعمش عند أبي نعيم في المستخرج ‏"‏ فكأن النبي صلى الله عليه وسلم كره ذلك ‏"‏ وفي أخرى في المغازي من طريق سفيان أيضا ‏"‏ فرؤي ذلك في وجهه ‏"‏ وفيها ‏"‏ فقالوا يا رسول الله بشرتنا ‏"‏ وهو دال على إسلامهم وإنما راموا العاجل، وسبب غضبه صلى الله عليه وسلم استشعاره بقلة علمهم لكونهم علقوا آمالهم بعاجل الدنيا الفانية وقدموا ذلك على التفقه في الدين الذي يحصل لهم ثواب الآخرة الباقية‏.‏

قال الكرماني دل قولهم ‏"‏ بشرتنا ‏"‏ على أنهم قبلوا في الجملة لكن طلبوا مع ذلك شيئا من الدنيا، وإنما نفى عنهم القبول المطلوب لا مطلق القبول، وغضب حيث لم يهتموا بالسؤال عن حقائق كلمة التوحيد والمبدأ والمعاد ولم يعتنوا بضبطها ولم يسألوا عن موجباتها والموصلات إليها، قال الطيبي لما لم يكن جل اهتمامهم إلا بشأن الدنيا، قالوا ‏"‏ بشرتنا فأعطنا ‏"‏ فمن ثم قال إذ لم يقبلها بنو تميم‏.‏

قوله ‏(‏فدخل ناس من أهل اليمن‏)‏ في رواية حفص ‏"‏ ثم دخل عليه ‏"‏ وفي رواية أبي عاصم ‏"‏ فجاءه ناس من أهل اليمن‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏قالوا قبلنا‏)‏ زاد أبو عاصم وأبو نعيم ‏"‏ يا رسول الله ‏"‏ وكذا عند ابن حبان من رواية شيبان بن عبد الرحمن عن جامع‏.‏

قوله ‏(‏جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان‏)‏ هذه الرواية أتم الروايات الواقعة عند المصنف، وحذف ذلك كله في بعضها أو بعضه، ووقع في رواية أبي معاوية عن الأعمش عند الإسماعيلي ‏"‏ قالوا قد بشرتنا فأخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان ‏"‏ ولم أعرف اسم قائل ذلك من أهل اليمن، والمراد بالأمر في قولهم ‏"‏ هذا الأمر ‏"‏ تقدم بيانه في بدء الخلق‏.‏

قوله ‏(‏كان الله ولم يكن شيء قبله‏)‏ تقدم في بدء الخلق بلفظ ‏"‏ ولم يكن شيء غيره ‏"‏ وفي رواية أبي معاوية ‏"‏ كان الله قبل كل شيء ‏"‏ وهو بمعنى ‏"‏ كان الله ولا شيء معه ‏"‏ وهي أصرح في الرد على من أثبت حوادث لا أول لها من رواية الباب، وهي من مستشنع المسائل المنسوبة لابن تيمية، ووقفت في كلام له على هذا الحديث يرجح الرواية التي في هذا الباب على غيرها، مع أن قضية الجمع بين الروايتين تقتضي حمل هذه على التي في بدء الخلق لا العكس، والجمع يقدم على الترجيح بالاتفاق، قال الطيبي‏:‏ قوله ولم يكن شيء قبله حال، وفي المذهب الكوفي خبر، والمعنى يساعده إذ التقدير كان الله منفردا، وقد جوز الأخفش دخول الواو في خبر كان وأخواتها نحو‏:‏ كان زيد وأبوه قائم، على جعل الجملة خبرا مع الواو تشبيها للخبر بالحال، ومال التوربشتي إلى أنهما جملتان مستقلتان، وقد تقدم تقريره في بدء الخلق‏.‏

وقال الطيبي لفظة ‏"‏ كان ‏"‏ في الموضعين بحسب حال مدخولها، فالمراد بالأول الأزلية والقدم، وبالثاني الحدوث بعد العدم، ثم قال فالحاصل أن عطف قوله ‏(‏وكان عرشه على الماء‏)‏ على قوله ‏"‏ كان الله ‏"‏ من باب الإخبار عن حصول الجملتين في الوجود وتفويض الترتيب إلى الذهن قالوا وفيه بمنزلة ثم‏.‏

وقال الكرماني قوله ‏(‏وكان عرشه على الماء‏)‏ معطوف على قوله كان الله ولا يلزم منه المعية إذ اللازم من الواو العاطفة الاجتماع في أصل الثبوت وإن كان هناك تقديم وتأخير، قال غيره ومن ثم جاء شيء غيره ومن ثم جاء قوله ‏"‏ ولم يكن شيء غيره ‏"‏ لنفي توهم المعية قال الراغب كان عبارة عما مضى من الزمان، لكنها في كثير من وصف الله تعالى تنبئ عن معنى الأزلية كقوله تعالى ‏(‏وكان الله بكل شيء عليما‏)‏ قال وما استعمل منه في وصف شيء متعلقا بوصف له هو موجود فيه فللتنبيه على أن ذلك الوصف لازم له أو قليل الانفكاك عنه، كقوله تعالى ‏(‏وكان الشيطان لربه كفورا‏)‏ وقوله ‏(‏وكان الإنسان كفورا‏)‏ وإذا استعمل في الزمن الماضي جاز أن يكون المستعمل على حاله، وجاز أن يكون قد تغير، نحو‏:‏ كان فلان كذا ثم صار كذا، واستدل به على أن العالم حادث لأن قوله ‏"‏ ولم يكن شيء غيره ‏"‏ ظاهر في ذلك فإن كل شيء سوى الله وجد بعد أن لم يكن موجودا‏.‏

قوله ‏(‏أدرك ناقتك فقد ذهبت‏)‏ في رواية أبي معاوية ‏"‏ انحلت ناقتك من عقالها ‏"‏ وزاد في آخر الحديث ‏"‏ فلا أدري ما كان بعد ذلك ‏"‏ أي مما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم تكملة لذلك الحديث‏.‏

قلت‏:‏ ولم أقف في شيء من المسانيد عن أحد من الصحابة على نظير هذه القصة التي ذكرها عمران، ولو وجد ذلك لأمكن أن يعرف منه ما أشار إليه عمران، ويحتمل أن يكون اتفق أن الحديث انتهى عند قيامه‏.‏

قوله ‏(‏وأيم الله‏)‏ تقدم شرحها في ‏"‏ كتاب الأيمان والنذور‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم‏)‏ الود المذكور تسلط على مجموع ذهابها وعدم قيامه لا على أحدهما فقط، لأن ذهابها كان قد تحقق بانفلاتها، والمراد بالذهاب الفقد الكلي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ يَمِينَ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْفَيْضُ أَوْ الْقَبْضُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ إن يمين الله ملأى ‏"‏ وقد تقدم شرحه قبل بابين، وقوله هنا ‏"‏ وعرشه على الماء ‏"‏ وقع في رواية إسحاق بن راهويه ‏"‏ والعرش على الماء ‏"‏ وظاهره أنه كذلك حين التحديث بذلك؛ وظاهر الحديث الذي قبله أن العرش كان على الماء قبل خلق السموات والأرض، ويجمع بأنه لم يزل على الماء وليس المراد بالماء ماء البحر بل هو ماء تحت العرش كما شاء الله تعالى، وقد جاء بيان ذلك في حديث ذكرته في أوائل الباب، ويحتمل أن يكون على البحر، بمعنى أن أرجل حملته في البحر كما ورد في بعض الآثار، مما أخرجه الطبري والبيهقي من طريق السدي عن أبي مالك في قوله تعالى ‏(‏وسع كرسيه السموات والأرض‏)‏ قال إن الصخرة التي الأرض السابعة عليها وهي منتهى الخلق على أرجائها أربعة من الملائكة، لكل أحد منهم أربعة أوجه وجه إنسان وأسد وثور ونسر، فهم قيام عليها قد أحاطوا بالأرضين والسموات رءوسهم تحت الكرسي والكرسي تحت العرش، وفي حديث أبي ذر الطويل الذي صححه ابن حبان ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا أبا ذر ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة ‏"‏ وله شاهد عن مجاهد أخرجه سعيد بن منصور في التفسير بسند صحيح عنه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشْكُو فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ قَالَ أَنَسٌ لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ قَالَ فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ وَعَنْ ثَابِتٍ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ زَيْنَبَ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا أحمد‏)‏ كذا للجميع غير منسوب وذكر أبو نصر الكلاباذي أنه أحمد بن يسار المروزي‏.‏

وقال الحاكم هو أحمد بن نصر النيسابوري، يعني المذكور في سورة الأنفال وشيخه فيه محمد بن أبي بكر المقدمي قد أخرج عنه البخاري في ‏"‏ كتاب الصلاة ‏"‏ بغير واسطة، وجزم أبو نعيم في المستخرج بأن البخاري أخرج هذا الحديث عن محمد بن أبي بكر المقدمي ولم يذكر واسطة، والأول هو المعتمد، وقد أخرج البخاري طرفا منه في تفسير سورة الأحزاب من وجه آخر عن حماد بن زيد، وتقدم الكلام على قصة زينب بنت جحش وزيد بن حارثة هناك مبسوطا‏.‏

قوله ‏(‏قال أنس لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا لكتم هذه‏)‏ ظاهره أنه موصول بالسند المذكور، لكن أخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة والإسماعيلي عنه نزلت ‏(‏وتخفى في نفسك ما الله مبديه‏)‏ في شأن زينب بنت جحش وكان زيد يشكو وهم بطلاقها يستأمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ‏(‏أمسك عليك زوجك واتق الله‏)‏ وهذا القدر هو المذكور في آخر الحديث هنا بلفظ ‏"‏ وعن ثابت وتخفي في نفسك ‏"‏ إلخ، ويستفاد منه موصول أنه بالسند المذكور وليس بمعلق، وأما قوله ‏"‏ لو كان كاتما ‏"‏ إلخ، فلم أره في غير هذا الموضع موصولا عن أنس، وذكر ابن التين عن الداودي أنه نسب قوله ‏"‏ لو كان كاتما لكتم قصة زينب ‏"‏ إلى عائشة، قال وعن غيرها ‏"‏ لكتم عبس وتولى‏"‏، قلت‏:‏ قد ذكرت في تفسير سورة الأحزاب حديث عائشة قالت ‏"‏ لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي ‏"‏ الحديث، وأنه أخرجه مسلم والترمذي ثم وجدته في مسند الفردوس من وجه آخر عن عائشة من لفظه صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لو كنت كاتما شيئا من الوحي ‏"‏ الحديث، واقتصر عياض في الشفاء على نسبتها إلى عائشة والحسن البصري وأغفل حديث أنس هذا وهو عند البخاري، وقد قال الترمذي بعد تخريج حديث عائشة، وفي الباب عن ابن عباس، وأشار إلى ما أخرجه وأما الرواية الأخرى في عبس وتولى فلم أرها إلا عند عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أحد الضعفاء، أخرجه الطبري وابن أبي حاتم عنه قال ‏"‏ كان يقال لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي لكتم هذا عن نفسه ‏"‏ وذكر قصة ابن أم مكتوم ونزول عبس وتولى انتهى، وقد أخرج القصة الترمذي وأبو يعلى والطبري والحاكم موصولة عن عائشة وليس فيها هذه الزيادة، وأخرجها مالك في الموطأ عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلة وهو المحفوظ عن هشام، وتفرد يحيى بن سعيد الأموي بوصله عن هشام، وأخرجها ابن مردويه من وجه آخر عن عائشة كذلك بدونها، وكذا من حديث أبي أمامة، وأوردها عبد بن حميد والطبراني وابن أبي حاتم من مرسل قتادة ومجاهد وعكرمة وأبي مالك الغفاري والضحاك والحكم وغيرهم، وليس في رواية أحد منهم هذه الزيادة، والله تعالى أعلم‏.‏

قوله ‏(‏قال فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم - إلى قولها - وزوجني الله عز وجل من فوق سبع سماوات‏)‏ أخرجه الإسماعيلي من طريق عارم بن الفضل عن حماد بهذا السند بلفظ ‏"‏ نزلت في زينب بنت جحش‏:‏ فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها الآية؛ وكانت تفخر ‏"‏ إلخ ثم ذكر رواية عيسى بن طهمان عن أنس في ذلك وهو آخر ما وقع في الصحيح من ثلاثيات البخاري، وقد تقدم لعيسى حديث آخر في اللباس لكنه ليس ثلاثيا ولفظه هنا ‏"‏ وكانت تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وكانت تقول إن الله أنكحني في السماء ‏"‏ وزاد الإسماعيلي من طريق الفريابي وأبي قتيبة عن عيسى ‏"‏ أنتن أنكحكن آباؤكن ‏"‏ وهذا الإطلاق محمول على البعض، وإلا فالمحقق أن التي زوجها أبوها منهن عائشة وحفصة فقط، وفي سودة وزينب بنت خزيمة وجويرية احتمال، وأما أم سلمة وأم حبيبة وصفية وميمونة فلم يزوج واحدة منهن أبوها، ووقع عند ابن سعد من وجه آخر عن أنس بلفظ ‏"‏ قالت زينب يا رسول الله إني لست كأحد من نسائك، ليست منهن امرأة إلا زوجها أبوها أو أخوها أو أهلها غيري ‏"‏ وسنده ضعيف من وجه آخر موصول عن أم سلمة ‏"‏ قالت زينب ما أنا كأحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم إنهن زوجهن بالمهور زوجهن الأولياء، وأنا زوجني الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله في الكتاب ‏"‏ وفي مرسل الشعبي ‏"‏ قالت زينب يا رسول الله أنا أعظم نسائك عليك حقا، أنا خيرهن منكحا وأكرمهن سفيرا وأقربهن رحما فزوجنيك الرحمن من فوق عرشه، وكان جبريل هو السفير بذلك، وأنا ابنة عمتك وليس لك من نسائك قريبة غيري ‏"‏ أخرجه الطبري وأبو القاسم الطحاوي في ‏"‏ كتاب الحجة والتبيان ‏"‏ له‏.‏

قوله ‏(‏من فوق سبع سماوات‏)‏ في رواية عيسى بن طهمان عن أنس المذكورة عقب هذا ‏"‏ وكانت تقول إن الله عز وجل أنكحني في السماء ‏"‏ وسنده هذه آخر الثلاثيات التي ذكرت في البخاري، وتقدم لعيسى بن طهمان حديث آخر غير ثلاثي تكلم فيه ابن حبان بكلام لم يقبلوه منه، وقوله في هذه الرواية ‏"‏ وأطعم عليها يومئذ خبزا ولحما ‏"‏ يعني في وليمتها، وقد تقدم بيانه واضحا في تفسير سورة الأحزاب‏.‏

قوله ‏(‏في رواية حماد بن زيد، بعد قوله سبع سماوات، وعن ثابت وتخفي في نفسك إلخ‏)‏ كذا وقع مرسلا ليس فيه أنس، وقد تقدم من رواية يعلى بن منصور عن حماد بن زيد موصولا بذكر أنس فيه، وكذلك وقع في رواية أحمد بن عبدة موصولا، وأخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن سليمان لوين عن حماد موصولا أيضا وقد بين سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس كيفية تزويج زينب ‏"‏ قال‏:‏ لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد أذكرها علي ‏"‏ فذكر الحديث، وقد أورده في تفسير سورة الأحزاب‏.‏

قال الكرماني قوله ‏"‏ في السماء ‏"‏ ظاهره غير مراد، إذ الله منزه عن الحلول في المكان، لكن لما كانت جهة العلو أشرف من غيرها أضافها إليه إشارة إلى علو الذات والصفات، وبنحو هذا أجاب غيره عن الألفاظ الواردة من الفوقية ونحوها، قال الراغب ‏"‏ فوق ‏"‏ يستعمل في المكان والزمان والجسم والعدد والمنزلة والقهر، فالأول‏:‏ باعتبار العلو ويقابله تحت نحو ‏(‏قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم‏)‏ والثاني‏:‏ باعتبار الصعود والانحدار، نحو ‏(‏إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم‏)‏ ، والثالث‏:‏ في العدد نحو ‏(‏فإن كن نساء فوق اثنتين‏)‏ ، الرابع في الكبر والصغر، كقوله ‏(‏بعوضة فما فوقها‏)‏ ، والخامس‏:‏ يقع تارة باعتبار الفضيلة الدنيوية، نحو ‏(‏ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات‏)‏ ، أو الأخروية نحو ‏(‏والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة‏)‏ ، والسادس‏:‏ نحو قوله ‏(‏وهو القاهر فوق عباده - يخافون ربهم من فوقهم‏)‏ انتهى ملخصا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ إن الله تعالى لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه إن رحمتي غلبت غضبي ‏"‏ وقد تقدم في باب ‏(‏ويحذركم الله نفسه‏)‏ ويأتي بعض الكلام عليه في باب قوله تعالى ‏(‏في لوح محفوظ‏)‏ قال الخطابي المراد بالكتاب أحد شيئين‏:‏ إما القضاء الذي قضاه كقوله تعالى ‏(‏كتب الله لأغلبن أنا ورسلي‏)‏ أي قضى ذلك، قال ويكون معنى قوله ‏"‏ فوق العرش ‏"‏ أي عنده علم ذلك فهو لا ينساه ولا يبدله، كقوله تعالى ‏(‏في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى‏)‏ ‏.‏

وإما اللوح المحفوظ الذي فيه ذكر أصناف الخلق وبيان أمورهم وآجالهم وأرزاقهم وأحوالهم، ويكون معنى ‏"‏ فهو عنده فوق العرش ‏"‏ أي ذكره وعلمه وكل ذلك جائز في التخريج، على أن العرش خلق مخلوق تحمله الملائكة، فلا يستحيل أن يماسوا العرش إذا حملوه، وإن كان حامل العرش وحامل حملته هو الله، وليس قولنا إن الله على العرش أي مماس له أو متمكن فيه أو متحيز في جهة من جهاته بل هو خبر جاء به التوقيف، فقلنا له به ونفينا عنه التكييف إذ ليس كمثله شيء وبالله التوفيق‏.‏

وقوله ‏"‏فوق عرشه ‏"‏ صفة الكتاب، وقيل إن فوق هنا بمعنى دون، كما جاء في قوله تعالى ‏(‏بعوضة فما فوقها‏)‏ وهو بعيد‏.‏

وقال ابن أبي جمرة يؤخذ من كون الكتاب المذكور فوق العرش أن الحكمة اقتضت أن يكون العرش حاملا لما شاء الله من أثر حكمة الله وقدرته وغامض غيبه ليستأثر هو بذلك من طريق العلم والإحاطة، فيكون من أكبر الأدلة على انفراده بعلم الغيب، قال‏:‏ وقد يكون ذلك تفسيرا لقوله ‏(‏الرحمن على العرش استوى‏)‏ أي ما شاءه من قدرته وهو كتابه الذي وضعه فوق العرش‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي هِلَالٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ هَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُنَبِّئُ النَّاسَ بِذَلِكَ قَالَ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة الذي فيه ‏"‏ إن في الجنة مائه درجة أعدها الله للمجاهدين ‏"‏ وقد تقدم شرحه في الجهاد مع الكلام على قوله ‏(‏كان حقا على الله‏)‏ وأن معناه معنى قوله تعالى ‏(‏كتب ربكم على نفسه الرحمة‏)‏ وليس معناه أن ذلك لازم له لأنه لا آمر له ولا ناهي يوجب عليه ما يلزمه المطالبة به، وإنما معناه إنجاز ما وعد به من الثواب، وهو لا يخلف الميعاد، وأما قوله ‏"‏ مائة درجة ‏"‏ فليس في سياقه التصريح بأن العدد المذكور هو جميع درج الجنة من غير زيادة إذ ليس فيه ما ينفيها ويؤيد ذلك أن في حديث أبي سعيد المرفوع الذي أخرجه أبو داود وصححه الترمذي وابن حبان، ويقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها وعدد أي القرآن أكثر من ستة آلاف ومائتين، والحلف فيما زاد على ذلك من الكسور، وقوله فيه ‏"‏ كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض ‏"‏ اختلف الخبر الوارد في قدر مسافة ما بين السماء والأرض، وذكر هناك ما ورد في الترمذي أنها مائة عام وفي الطبراني خمسمائة، ويزاد هنا ما أخرجه ابن خزيمة في التوحيد من صحيحه وابن أبي عاصم في ‏"‏ كتاب السنة ‏"‏ عن ابن مسعود قال‏:‏ بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام‏.‏

وفي رواية ‏"‏ وغلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وبين السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي وبين الماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء والله فوق العرش ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم ‏"‏ وأخرجه البيهقي من حديث أبي ذر مرفوعا نحوه دون قوله، وبين السابعة والكرسي إلخ، وزاد فيه ‏"‏ وما بين السماء السابعة إلى العرش مثل جميع ذلك ‏"‏ وفي حديث العباس بن عبد المطلب عند أبي داود وصححه ابن خزيمة والحاكم مرفوعا ‏"‏ هل تدرون بعدما بين السماء والأرض‏؟‏ قلنا لا، قال‏:‏ إحدى أو اثنتان أو ثلاث وسبعون، قال وما فوقها مثل ذلك حتى عد سبع سموات، ثم فوق السماء السابعة البحر أسفله من أعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوقه ثمانية أو عال ما بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء ثم العرش فوق ذلك بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم الله فوق ذلك ‏"‏ والجمع بين اختلاف هذا العدد في هاتين الروايتين أن تحمل الخمسمائة على السير البطيء كسير الماشي على هينته، وتحمل السبعين على السير السريع كسير السعاة، ولولا التحديد بالزيادة على السبعين لحملنا السبعين على المبالغة، فلا تنافي الخمسمائة، وقد تقدم الجواب عن الفوقية في الذي قبله‏.‏

وقوله فيه وفوقه عرش الرحمن كذا للأكثر بنصب فوق على الظرفية، ويؤيده الأحاديث التي قبل هذا، وحكى في المشارق أن الأصيلي ضبطه بالرفع بمعنى أعلاه وأنكر ذلك في المطالع‏.‏

وقال إنما قيده الأصيلي بالنصب كغيره، والضمير في قوله فوقه للفردوس‏.‏

وقال ابن التين بل هو راجع إلى الجنة كلها، وتعقب بما في آخر الحديث هنا ومنه ‏"‏ تفجر أنهار الجنة ‏"‏ فإن الضمير للفردوس جزما ولا يستقيم أن يكون للجنان كلها وإن كان وقع في رواية الكشميهني ‏"‏ ومنها تفجر ‏"‏ لأنها خطأ فقد أخرج الإسماعيلي عن الحسن وسفيان عن إبراهيم بن المنذر شيخ البخاري فيه بلفظ ‏"‏ ومنه ‏"‏ بالضمير المذكر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فَلَمَّا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ هَلْ تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ تَسْتَأْذِنُ فِي السُّجُودِ فَيُؤْذَنُ لَهَا وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا ثُمَّ قَرَأَ ذَلِكَ مُسْتَقَرٌّ لَهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

حديث أبي ذر وقد تقدم شرحه في بدء الخلق وفي تفسير سورة يس، والمراد منه هنا إثبات أن العرش مخلوق لأنه ثبت أن له فوقا وتحتا وهما من صفات المخلوقات وقد تقدم صفة طلوع الشمس من المغرب في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ بعثت أنا والساعة كهاتين ‏"‏ من كتاب الرقاق قال ابن بطال استئذان الشمس معناه أن الله يخلق فيها حياة يوجد القول عندها لأن الله قادر على إحياء الجماد والموات‏.‏

وقال غيره يحتمل أن يكون الاستئذان أسند إليها مجازا، والمراد من هو موكل بها من الملائكة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ قَالَ أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ بِهَذَا وَقَالَ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ

الشرح‏:‏

حديث زيد بن ثابت في جمع القرآن وقد تقدم شرحه في فضائل القرآن، والمراد منه آخر سورة براءة المشار إليه بقوله تعالى ‏(‏لقد جاءكم رسول من أنفسكم - إلى قوله - وهو رب العرش العظيم‏)‏ لأنه أثبت أن للعرش ربا فهو مربوب وكل مربوب مخلوق، وموسى شيخه فيه هو ابن إسماعيل وإبراهيم شيخ شيخه في السند الأول هو ابن سعد، ورواية الليث المعلقة تقدم ذكر من وصلها في تفسير سورة براءة، وروايته المسندة تقدم سياقها في فضائل القرآن مع شرح الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَلِيمُ الْحَلِيمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس في دعاء الكرب وقد تقدم شرحه في ‏"‏ كتاب الدعوات‏"‏، و ‏"‏ سعيد ‏"‏ في سنده هو ابن أبي عروبة ‏"‏ وأبو العالية ‏"‏ هو الرياحي بكسر ثم تحتانية خفيفة واسمه رفيع بفاء مصغر، وأما ‏"‏ أبو العالية البراء ‏"‏ بفتح الموحدة وتشديد الراء فاسمه زياد بن فيروز، وروايته عن ابن عباس في أبواب تقصير الصلاة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ وَقَالَ الْمَاجِشُونُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ

الشرح‏:‏

حديث أبي سعيد ذكره مختصرا، وتقدم بهذا السند الذي هنا تاما في ‏"‏ كتاب الأشخاص ‏"‏ وقوله ‏"‏ وقال الماجشون ‏"‏ بكسر الجيم وضم المعجمة، هو عبد العزيز بن أبي سلمة ‏"‏ وعبد الله بن الفضل ‏"‏ أي ابن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي‏.‏

قوله ‏(‏عن أبي سلمة‏)‏ هو ابن عبد الرحمن بن عوف قال أبو مسعود الدمشقي في الأطراف وتبعه جماعة من المحدثين، إنما روى الماجشون هذا عن عبد الله ابن الفضل عن الأعرج لا عن أبي سلمة، وحكموا على البخاري بالوهم في قوله عن أبي سلمة، وحديث الأعرج الذي أشير إليه تقدم في أحاديث الأنبياء من رواية عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون كما قالوا، وكذا أخرجه مسلم في الفضائل والنسائي في التفسير من طريقه، ولكن تحرر لي أن لعبد الله بن الفضل في هذا الحديث شيخين، فقد أخرج أبو داود الطيالسي في مسنده عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة طرفا من هذا الحديث، وظهر لي أن قول من قال ‏"‏ عن الماجشون عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج ‏"‏ أرجح، ومن ثم وصلها البخاري وعلق الأخرى، فإن سلكنا سبيل الجمع استغنى عن الترجيح وإلا فلا استدراك على البخاري في الحالين، وكذا لا تعقب على ابن الصلاح في تفرقته بين ما يقول فيه البخاري‏:‏ قال فلان جازما، فيكون محكوما بصحته بخلاف ما لا يجزم به فإنه لا يكون جازما بصحته، وقد تمسك بعض من أعترض عليه بهذا المثال فقال‏:‏ جزم بهذه الرواية وهي وهم، وقد عرف مما حررته الجواب عن هذا الاعتراض، وتقدم شرح المتن في أحاديث الأنبياء في قصة موسى، وقد ساقه هناك بتمامه بسند الحديث هنا‏.‏

تكملة‏:‏ وقع في مرسل قتادة أن العرش من ياقوتة حمراء، أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه في قوله ‏(‏وكان عرشه على الماء‏)‏ قال هذا بدء خلقه قبل أن يخلق السماء وعرشه من ياقوتة حمراء، وله شاهد عن سهل بن سعد مرفوع لكن سنده ضعيف‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ

وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَقَالَ أَبُو جَمْرَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِأَخِيهِ اعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنْ السَّمَاءِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ يُقَالُ ذِي الْمَعَارِجِ الْمَلَائِكَةُ تَعْرُجُ إِلَى اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول الله تعالى تعرج الملائكة والروح إليه، وقوله تعالى‏:‏ إليه يصعد الكلم الطيب‏.‏

وقال أبو جمرة‏)‏ بالجيم والراء ‏(‏عن ابن عباس بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ الحديث، ‏(‏وقال مجاهد العمل الصالح يرفع الكلم الطيب يقال ذي المعارج الملائكة تعرج إلى الله‏)‏ أما الآية الأولى فأشار إلى ما جاء في تفسيرها في الكلام الأخير، وهو قول الفراء ‏"‏ والمعارج ‏"‏ من نعت الله تعالى وصف بذلك نفسه لأن الملائكة تعرج إليه، وحكى غيره أن معنى قوله ‏"‏ ذي المعارج ‏"‏ أي الفواضل العالية، وأما الآية الثانية فأشار إلى تفسير مجاهد لها في الأثر الذي قبله، وقد وصله الفريابي من رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد‏.‏

وأخرج البيهقي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسيرها ‏"‏ الكلم الطيب ‏"‏ ذكر الله، و ‏"‏ العمل الصالح ‏"‏ أداء فرائض الله، فمن ذكر الله ولم يؤد فرائضه رد كلامه‏.‏

وقال الفراء معناه أن العمل الصالح يرفع الكلام الطيب أي يتقبل الكلام الطيب إذا كان معه عمل صالح، وأما التعليق عن أبي جمرة فمضى موصولا في باب إسلام أبي ذر وساقه هناك بطوله، والغرض منه قول أبي ذر لأخيه‏:‏ اعلم لي علم هذا الذي يأتيه الخبر من السماء، وتقدم شرحه ثمة، قال الراغب‏:‏ العروج ذهاب في صعود‏.‏

وقال أبو علي القالي في كتابه البارع‏:‏ المعارج جمع معرج بفتحتين كالمصاعد جمع مصعد والعروج الارتقاء، يقال عرج بفتح الراء يعرج بضمها عروجا ومعرجا والمعرج المصعد، والطريق التي تعرج فيها الملائكة إلى السماء، والمعراج شبيه السلم أو درج تعرج فيه الأرواح إذا قبضت، وحيث تصعد أعمال بني آدم وقال ابن دريد هو الذي يعانيه المريض عند الموت فيشخص فيما زعم أهل التفسير، ويقال إنه بالغ في الحسن بحيث إن النفس إذا رأته لا تتمالك أن تخرج، قال البيهقي‏:‏ صعود الكلام الطيب والصدقة الطيبة عبارة عن القبول، وعروج الملائكة هو إلى منازلهم في السماء، وأما ما وقع من التعبير في ذلك بقوله ‏"‏ إلى الله ‏"‏ فهو على ما تقدم عن السلف في التفويض، وعن الأئمة بعدهم في التأويل‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ غرض البخاري في هذا الباب الرد على الجهمية المجسمة في تعلقها بهذه الظواهر، وقد تقرر أن الله ليس بجسم فلا يحتاج إلى مكان يستقر فيه فقد كان ولا مكان، وإنما أضاف المعارج إليه إضافة تشريف، ومعنى الارتفاع إليه اعتلاؤه مع تنزيهه عن المكان انتهى‏.‏

وخلطه المجسمة بالجهمية من أعجب ما يسمع، ثم ذكر فيه أربعة أحاديث لبعضها زيادة على الطريق الواحدة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ فَيَقُولُ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَقَالَ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا الطَّيِّبُ فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فُلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ وَرَوَاهُ وَرْقَاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا الطَّيِّبُ

الشرح‏:‏

عن أبي هريرة ‏"‏ يتعاقبون فيكم ملائكة ‏"‏ وقد تقدم شرحه في أوائل ‏"‏ كتاب الصلاة ‏"‏ ‏"‏ إسماعيل ‏"‏ شيخه هو ابن أبي أويس، والمراد منه قوله فيه ثم يعرج الذين باتوا فيكم، وقد تمسك بظواهر أحاديث الباب من زعم أن الحق سبحانه وتعالى في جهة العلو، وقد ذكرت معنى العلو في حقه جل وعلا في الباب الذي قبله‏.‏

قوله ‏(‏وقال خالد بن مخلد‏)‏ كذا للجميع، ووقع عند الخطابي في شرحه قال أبو عبد الله البخاري ‏"‏ حدثنا خالد بن مخلد‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏حدثنا سليمان‏)‏ هو ابن بلال المدني المشهور، وقد وصله أبو بكر الجوزقي في الجمع بين الصحيحين، قال ‏"‏ حدثنا أبو العباس الدغولي حدثنا محمد بن معاذ السلمي قال حدثنا خالد بن مخلد ‏"‏ فذكره مثل رواية البخاري سواء وكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن محمد بن معاذ وبيض له أبو نعيم في المستخرج، ثم قال ‏"‏ رواه ‏"‏ فقال ‏"‏ وقال خالد بن مخلد ‏"‏ وأخرجه مسلم عن أحمد بن عثمان عن خالد بن مخلد عن سليمان ابن بلال، لكن خالف في شيخ سليمان فقال ‏"‏ عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه ‏"‏ كما أوضحت ذلك في أوائل الزكاة، وقد ضاق مخرجه عن الإسماعيلي وأبي نعيم مستخرجيهما فأخرجاه من طريق عبد الرحمن بن عبد الله ابن دينار عن أبيه عن أبي صالح، وهذه الرواية هي التي تقدمت للبخاري في ‏"‏ كتاب الزكاة ‏"‏ ودلت الرواية المعلقة وموافقة الجوزقي لها على أن لخالد فيه شيخين، كما أن لعبد الله بن دينار فيه شيخين على ما دل عليه التعليق الذي بعده‏.‏

قوله ‏(‏وقال ورقاء‏)‏ يعني ابن عمر ‏(‏عن عبد الله بن دينار عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصعد إلى الله إلا الطيب‏)‏ يريد أن رواية ورقاء موافقة لرواية سليمان إلا في شيخ شيخهما، فعند سليمان أنه عن أبي صالح وعند ورقاء أنه عن سعيد بن يسار هذا في السند، وأما في المتن فظاهره أنهما سواء، إلا في قوله ‏"‏ الطيب ‏"‏ فإنه في رواية ورقاء ‏"‏ طيب ‏"‏ بغير ألف ولام وقد وصلها البيهقي من طريق أبي النضر هاشم بن القاسم عن ورقاء فوقع عنده الطيب‏.‏

وقال في آخره ‏"‏ مثل أحد ‏"‏ عوض قوله في الرواية المعلقة ‏"‏ مثل الجبل ‏"‏ وقوله في الرواية المعلقة ‏"‏ يتقبلها ‏"‏ وقع في رواية الكشميهني ‏"‏ يقبلها ‏"‏ مخففا بغير مثناة وهي رواية البيهقي، وقوله ‏"‏يربيها لصاحبه ‏"‏ وقع في رواية المستملي ‏"‏ يربيها لصاحبها ‏"‏ وهي رواية البيهقي والباقي سواء، وقد ذكرت في الزكاة أني لم أقف على رواية ورقاء هذه المعلقة ثم وجدتها بعد ذلك عند كتابتي هنا وقد تقدم شرح المتن له ‏"‏ كتاب الزكاة ‏"‏ وله الحمد، قال الخطابي ذكر اليمين في هذا الحديث معناه حسن القبول فإن العادة قد جرت من ذوي الأدب بأن تصان اليمين عن مس الأشياء الدنيئة وإنما تباشر بها الأشياء التي لها قدر ومزية وليس فيما يضاف إلى الله تعالى من صفة اليدين شمال لأن الشمال لمحل النقص في الضعيف وقد روى ‏"‏ كلتا يديه يمين ‏"‏ وليس اليد عندنا الجارحة إنما هي صفة جاء بها التوقيف فنحن نطلقها على ما جاءت ولا نكيفها وهذا مذهب أهل السنة والجماعة انتهى‏.‏

وقد مضى بعض ما يتعقب به كلامه في باب ‏"‏ قوله لما خلقت بيدي‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو بِهِنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس في دعاء الكرب‏.‏

وقد تقدمت الإشارة إليه في الباب الذي قبله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ أَوْ أَبِي نُعْمٍ شَكَّ قَبِيصَةُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ بُعِثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَةٍ فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةٍ و حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ بَعَثَ عَلِيٌّ وَهُوَ بِالْيَمَنِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا فَقَسَمَهَا بَيْنَ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي مُجَاشِعٍ وَبَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ وَبَيْنَ عَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْعَامِرِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلَابٍ وَبَيْنَ زَيْدِ الْخَيْلِ الطَّائِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ فَتَغَيَّظَتْ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ فَقَالُوا يُعْطِيهِ صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا قَالَ إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ نَاتِئُ الْجَبِينِ كَثُّ اللِّحْيَةِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اتَّقِ اللَّهَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُهُ فَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَا تَأْمَنُونِي فَسَأَلَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ قَتْلَهُ أُرَاهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَمَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ

الشرح‏:‏

حديث أبي سعيد ذكره من وجهين، عن سفيان وهو الثوري وأبوه هو سعيد بن مسروق وابن أبي نعم هو بضم النون وسكون المهملة، اسمه عبد الرحمن والذي وقع عند قبيصة شيخ البخاري فيه من الشك، هل هو أبو نعم أو ابن أبي نعم‏؟‏ لم يتابع عليه قبيصة وإنما أورد طريق عبد الرزاق عقب رواية قبيصة مع نزولها وعلو رواية قبيصة لخلو رواية عبد الرزاق من الشك، وقد مضى في أحاديث الأنبياء عن محمد بن كثير عن سفيان بالجزم، ومضى شرح الحديث مستوفى في ‏"‏ كتاب الفتن ‏"‏ وقوله ‏"‏ بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة ‏"‏ كذا فيه ‏"‏ بعث ‏"‏ على البناء للمجهول، وبينه في رواية عبد الرزاق بقوله بعث علي وهو ابن أبي طالب ‏(‏وهو في اليمن‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ باليمن‏"‏‏.‏

وقوله ‏"‏فقسمها بين الأقرع بن حابس الحنظلي ثم أحد بني مجاشع ‏"‏ بجيم خفيفة وشين معجمة مكسورة ‏(‏وبين عيينة‏)‏ بمهملة ونون مصغر، ابن بدر الفزاري وبين علقمة بن علاثة بضم المهملة وتخفيف اللام بعدها مثلثة ‏(‏العامري ثم أحد بني كلاب وبين زيد الخيل الطائي ثم أحد بني نبهان‏)‏ وهؤلاء الأربعة كانوا من المؤلفة، وكل منهم رئيس قومه ‏"‏ فأما الأقرع ‏"‏ فهو ابن حابس بمهملتين وبموحدة، ابن عقال بكسر المهملة وقاف خفيفة، وقد تقدم نسبه في تفسير سورة الحجرات وله ذكر في قسم الغنيمة يوم حنين قال المبرد كان في صدر الإسلام رئيس خندف وكان محله فيها محل عيينة بن حصن في قيس وقال المرزباني، هو أول من حرم القمار وقيل كان سنوطا أعرج مع قرعه وعوره وكان يحكم في المواسم وهو آخر الحكام من بني تميم ويقال إنه كان ممن دخل من العرب في المجوسية، ثم أسلم وشهد الفتوح واستشهد باليرموك، وقيل بل عاش إلى خلافة عثمان فأصيب بالجوزجان‏.‏

وأما ‏"‏ عيينة بن بدر ‏"‏ فنسب إلى جد أبيه، وهو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ابن عمرو بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة وكان رئيس قيس في أول الإسلام وكنيته أبو مالك، وقد مضى له ذكر في أوائل الاعتصام وسماه النبي صلى الله عليه وسلم الأحمق المطاع، وارتد مع طليحة ثم عاد إلى الإسلام، وأما علقمة فهو ابن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وكان رئيس بني كلاب مع عامر بن الطفيل، وكانا يتنازعان الشرف فيهم ويتفاخران، ولهما في ذلك أخبار شهيرة، وقد مضى في باب بعث علي رضي الله عنه على اليمن من كتاب المغازي بلفظ ‏"‏ والرابع ‏"‏ إما قال علقمة بن علاثة وإما قال عامر بن الطفيل، وكان علقمة حليما عاقلا، لكن كان عامر أكثر من عطاء، وارتد علقمة مع من ارتد ثم عاد ومات في خلافة عمر بحوران، ومات عامر بن الطفيل على شركه في الحياة النبوية‏.‏

وأما زيد الخيل فهو ابن مهلهل بن زيد بن منهب بن عبد بن رضا بضم الراء وتخفيف المعجمة وقيل له زيد الخيل لعنايته بها، ويقال لم يكن في العرب أكثر خيلا منه، وكان شاعرا خطيبا شجاعا جوادا، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم زيد الخير بالراء بدل اللام لما كان فيه من الخير، وقد ظهر أثر ذلك، فإنه مات على الإسلام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ويقال بل توفي في خلافة عمر، قال ابن دريد كان من الخطاطين يعني من طوله، وكان على صدقات بني أسد فلم يرتد مع من ارتد‏.‏

قوله ‏(‏فتغيظت قريش‏)‏ كذا للأكثر من الغيظ‏.‏

وفي رواية أبي ذر عن الحموي ‏"‏ فتغضبت ‏"‏ بضاد معجمة بغير ألف بعدها موحدة من الغضب وكذا للنسفي، وقد مضى في قصة عاد من وجه آخر عن سفيان بلفظ ‏"‏ فغضبت قريش والأنصار‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏إنما أتألفهم‏)‏ في الرواية التي في المغازي ‏"‏ ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء ‏"‏ وبهذا تظهر مناسبة هذا الحديث للترجمة، لكنه جرى على عادته في إدخال الحديث في الباب للفظة ‏"‏ تكون ‏"‏ في بعض طرقه هي المناسبة لذلك الباب يشير إليها ويريد بذلك شحذ الأذهان والبعث على كثرة الاستحضار، وقد حكى البيهقي عن أبي بكر الضبعي قال‏:‏ العرب تضع ‏"‏ في ‏"‏ موضع ‏"‏ على ‏"‏ كقوله ‏(‏فسيحوا في الأرض‏)‏ وقوله ‏(‏ولأصلبنكم في جذوع النخل‏)‏ فكذلك قوله ‏(‏من في السماء‏)‏ أي على العرش فوق السماء كما صحت الأخبار بذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا قَالَ مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ

الشرح‏:‏

حديث أبي ذر في قوله تعالى ‏(‏والشمس تجري لمستقر لها‏)‏ أورده مختصرا وقد تقدمت الإشارة إليه في الباب الذي قبله، قال ابن المنير جميع الأحاديث في هذه الترجمة مطابقة لها إلا حديث ابن عباس فليس فيه إلا قوله ‏"‏ رب العرش ‏"‏ ومطابقته والله أعلم من جهة أنه نبه على بطلان قول من أثبت الجهة أخذا من قوله ‏(‏ذي المعارج‏)‏ ففهم أن العلو الفوقي مضاف إلى الله تعالى، فبين المصنف أن الجهة التي يصدق عليها أنها سماء والجهة التي يصدق عليها أنها عرش كل منهما مخلوق مربوب محدث، وقد كان الله قبل ذلك وغيره، فحدثت هذه الأمكنة، وقدمه يحيل وصفه بالتحيز فيها والله أعلم‏.‏