فصل: باب عِيَادَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب عِيَادَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب عيادة المغمى عليه‏)‏ أي الذي يصيبه غشى تتعطل معه قوته الحساسة‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ فائدة الترجمة أن لا يعتقد أن عيادة المغمى عليه ساقطة الفائدة لكونه لا يعلم بعائده، ولكن ليس في حديث جابر التصريح بأنهما علما أنه مغمى عليه قبل عيادته، فلعله وافق حضورهما‏.‏

قلت‏:‏ بل الظاهر من السياق وقوع ذلك حال مجيئهما وقبل دخولهما عليه، ومجرد علم المريض بعائده لا تتوقف مشروعية العيادة عليه، لأن وراء ذلك جبر خاطر أهله، وما يرجى من بركة دعاء العائد ووضع يده على المريض والمسح على جسده والنفث عليه عند التعويذ إلى غير ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ مَرِضْتُ مَرَضاً فَأَتَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا مَاشِيَانِ فَوَجَدَانِي أُغْمِيَ عَلَيَّ فَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَبَّ وَضُوءَهُ عَلَيَّ فَأَفَقْتُ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي كَيْفَ أَقْضِي فِي مَالِي فَلَمْ يُجِبْنِي بِشَيْءٍ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ

الشرح‏:‏

تقدم شرح حديث جابر المذكور في كتاب الطهارة وفي تفسير سورة النساء‏.‏

*3*باب فَضْلِ مَنْ يُصْرَعُ مِنْ الرِّيحِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل من يصرع من الريح‏)‏ انحباس الريح قد يكون سببا للصرع، وهي علة تمنع الأعضاء الرئيسة عن انفعالها منعا غير تام، وسببه ريح غليظة تنحبس في منافذ الدماغ، أو بخار رديء يرتفع إليه من بعض الأعضاء، وقد يتبعه تشنج في الأعضاء فلا يبقى الشخص معه منتصبا بل يسقط ويقذف بالزبد لغلظ الرطوبة، وقد يكون الصرع من الجن، ولا يقع إلا من النفوس الخبيثة منهم، إما لاستحسان بعض الصور الإنسية وإما لإيقاع الأذية به، والأول هو الذي يثبته جميع الأطباء ويذكرون علاجه، والثاني يجحده كثير منهم، وبعضهم يثبته ولا يعرف له علاجا إلا بمقاومة الأرواح الخيرة العلوية لتندفع آثار الأرواح الشريرة السفلية وتبطل أفعالها‏.‏

وممن نص على ذلك أبقراط فقال لما ذكر علاج المصروع‏:‏ هذا إنما ينفع في الذي سببه أخلاط، وأما الذي يكون من الأرواح فلا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عِمْرَانَ أَبِي بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي قَالَ إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ فَقَالَتْ أَصْبِرُ فَقَالَتْ إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ رَأَى أُمَّ زُفَرَ تِلْكَ امْرَأَةً طَوِيلَةً سَوْدَاءَ عَلَى سِتْرِ الْكَعْبَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏يحيى‏)‏ هو ابن سعيد القطان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمران أبي بكر‏)‏ هو المعروف بالقصير، واسم أبيه مسلم، وهو بصري تابعي صغير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألا أريك‏)‏ ألا بتخفيف اللام قبلها همزة مفتوحة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذه المرأة السوداء‏)‏ في رواية جعفر المستغفري في ‏"‏ كتاب الصحابة ‏"‏ وأخرجه أبو موسى في ‏"‏ الذيل ‏"‏ من طريقه ثم من رواية عطاء الخراساني عن عطاء بن أبي رباح في هذا الحديث ‏"‏ فأراني حبشية صفراء عظيمة فقال‏:‏ هذه سعيرة الأسدية‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقالت إن بي هذه المؤتة‏)‏ وهو بضم الميم بعدها همزة ساكنة‏:‏ الجنون، وأخرجه ابن مردويه في التفسير من هذا الوجه فقال في روايته ‏"‏ إن بي هذه المؤتة يعني الجنون ‏"‏ وزاد في روايته وكذا ابن منده أنها كانت تجمع الصوف والشعر والليف، فإذا اجتمعت لها كبة عظيمة نقضتها فنزل فيها ‏"‏ ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها ‏"‏ الآية وقد تقدم في تفسير النحل أنها امرأة أخرى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإني أتكشف‏)‏ بمثناة وتشديد المعجمة من التكشف، وبالنون الساكنة مخففا من الانكشاف، والمراد أنها خشيت أن تظهر عورتها وهي لا تشعر‏.‏

قوله في الطريق الأخرى ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ هو ابن سلام وصرح به في ‏"‏ الأدب المفرد‏"‏، ومخلد هو ابن يزيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه رأى أم زفر‏)‏ بضم الزاي وفتح الفاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تلك المرأة‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ تلك امرأة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على ستر الكعبة‏)‏ بكسر المهملة أي جالسة عليها معتمدة، ويجوز أن يتعلق بقوله ‏"‏ رأى‏"‏‏.‏

ثم وجدت الحديث في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ للبخاري وقد أخرجه بهذا السند المذكور هنا بعينه وقال ‏"‏ على سلم الكعبة ‏"‏ فالله أعلم‏.‏

وعند البزار من وجه آخر عن ابن عباس في نحو هذه القصة أنها قالت ‏"‏ إني أخاف الخبيث أن يجردني، فدعا لها فكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتي أستار الكعبة فتتعلق بها ‏"‏ وقد أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج هذا الحديث مطولا، وأخرجه ابن عبد البر في ‏"‏ الاستيعاب ‏"‏ من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم أنه سمع طاوسا يقول ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى بالمجانين فيضرب صدر أحدهم فيبرأ، فأتي بمجنونة يقال لها أم زفر، فضرب صدرها فلم تبرأ، قال ابن جريج وأخبرني عطاء ‏"‏ فذكر كالذي هنا، وأخرجه ابن منده في ‏"‏ المعرفة ‏"‏ من طريق حنظلة بن أبي سفيان عن طاوس فزاد ‏"‏ وكان يثني عليها خيرا ‏"‏ وزاد في آخر ‏"‏ فقال‏:‏ إن يتبعها في الدنيا فلها في الآخرة خير ‏"‏ وعرف مما أوردته أن اسمها سعيرة وهي بمهملتين مصغر، ووقع في رواية ابن منده بقاف بدل العين، وفي أخرى للمستغفري بالكاف، وذكر ابن سعد وعبد الغني في ‏"‏ المبهمات ‏"‏ من طريق الزبير أن هذه المرأة هي ماشطة خديجة التي كانت تتعاهد النبي صلى الله عليه وسلم بالزيارة كما سيأتي ذكرها في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى، وقد يؤخذ من الطرق التي أوردتها أن الذي كان بأم زفر كان من صرع الجن لا من صرع الخلط‏.‏

وقد أخرج البزار وابن حبان من حديث أبي هريرة شبيها بقصتها ولفظه ‏"‏ جاءت امرأة بها لمم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ ادع الله‏.‏

فقال‏:‏ إن شئت دعوت الله فشفاك وإن شئت صبرت ولا حساب عليك‏.‏

قالت‏:‏ بل أصبر ولا حساب علي ‏"‏ وفي الحديث فضل من يصرع، وأن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة، وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن التزام الشدة، وفيه دليل على جواز ترك التداوي، وفيه أن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير، وأن تأثير ذلك وانفعال البدن عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنية، ولكن إنما ينجع بأمرين‏:‏ أحدهما من جهة العليل وهو صدق القصد، والآخر من جهة المداوي وهو قوة توجهه وقوة قلبه بالتقوى والتوكل، والله أعلم‏.‏

*3*باب فَضْلِ مَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل من ذهب بصره‏)‏ سقطت هذه الترجمة وحديثها من رواية النسفي، وقد جاء بلفظ الترجمة حديث أخرجه البزار عن زيد بن أرقم بلفظ ‏"‏ ما ابتلي عبد بعد ذهاب دينه بأشد من ذهاب بصره، ومن ابتلي ببصره فصبر حتى يلقى الله لقي الله تعالى ولا حساب عليه ‏"‏ وأصله عند أحمد بغير لفظه بسند جيد، وللطبراني من حديث ابن عمر بلفظ ‏"‏ من أذهب الله بصره ‏"‏ فذكر نحوه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ قَالَ إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ يُرِيدُ عَيْنَيْهِ تَابَعَهُ أَشْعَثُ بْنُ جَابِرٍ وَأَبُو ظِلَالِ بْنُ هِلَالٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثني ابن الهاد‏)‏ في رواية المصنف في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ عن عبد الله بن صالح عن الليث ‏"‏ حدثني يزيد بن الهاد ‏"‏ وهو يزيد بن عبد الله بن أسامة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو‏)‏ أي ابن أبي عمرو ميسرة ‏(‏مولى المطلب‏)‏ أي ابن عبد الله بن حنطب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه‏)‏ بالتثنية، وقد فسرهما آخر الحديث بقوله ‏"‏ يريد عينيه ‏"‏ ولم يصرح بالذي فسرهما، والمراد بالحبيبتين المحبوبتان لأنهما أحب أعضاء الإنسان إليه، لما يحصل له بفقدهما من الأسف على فوات رؤية ما يريد رؤيته من خير فيسر به، أو شر فيجتنبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصبر‏)‏ زاد الترمذي في روايته عن أنس ‏"‏ واحتسب ‏"‏ وكذا لابن حبان والترمذي من حديث أبي هريرة، ولابن حبان من حديث ابن عباس أيضا، والمراد أنه يصبر مستحضرا ما وعد الله به الصابر من الثواب، لا أن يصبر مجردا عن ذلك، لأن الأعمال بالنيات، وابتلاء الله عبده في الدنيا ليس من سخطه عليه بل إما لدفع مكروه أو لكفارة ذنوب أو لرفع منزلة، فإذا تلقى ذلك بالرضا تم له المراد وإلا يصير كما جاء في حديث سلمان ‏"‏ أن مرض المؤمن يجعله الله له كفارة ومستعتبا، وإن مرض الفاجر كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه فلا يدري لم عقل ولم أرسل ‏"‏ أخرجه البخاري في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ موقوفا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عوضته منهما الجنة‏)‏ وهذا أعظم العوض، لأن الالتذاذ بالبصر يفنى بفناء الدنيا والالتذاذ بالجنة باق ببقائها، وهو شامل لكل من وقع له ذلك بشرط المذكور‏.‏

ووقع في حديث أبي أمامة فيه قيد آخر أخرجه البخاري في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ بلفظ ‏"‏ إذا أخذت كريمتيك فصبرت عند الصدمة واحتسبت ‏"‏ فأشار إلى أن الصبر النافع هو ما يكون في أول وقوع البلاء فيفوض ويسلم، وإلا فمتى تضجر وتقلق في أول وهلة ثم يئس فيصبر لا يكون حصل المقصود، وقد مضى حديث أنس في الجنائز ‏"‏ إنما الصبر عند الصدمة الأولى ‏"‏ وقد وقع في حديث العرباض فيما صححه ابن حبان فيه بشرط آخر ولفظه ‏"‏ إذا سلبت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين لم أرض له ثوابا دون الجنة إذا هو حمدني عليهما ‏"‏ ولم أر هذه الزيادة في غير هذه الطريق، وإذا كان ثواب من وقع له ذلك الجنة فالذي له أعمال صالحة أخرى يزاد في رفع الدرجات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه أشعث بن جابر وأبو ظلال بن هلال عن أنس‏)‏ أما متابعة أشعث بن جابر وهو ابن عبد الله بن جابر نسب إلى جده وهو أبو عبد الله الأعمى البصري الحداني بضم الحاء وتشديد الدال المهملتين، وحدان بطن من الأزد، ولهذا يقال له الأزدي، وهو الحملي بضم المهملة وسكون الميم وهو مختلف فيه‏.‏

وقال الدار قطني يعتد به وليس له في البخاري إلا هذا الموضع فأخرجها أحمد بلفظ ‏"‏ قال ربكم من أذهبت كريمتيه ثم صبر واحتسب كان ثوابه الجنة‏"‏‏.‏

وأما متابعة أبي ظلال فأخرجها عبد بن حميد عن يزيد بن هارون عنه قال ‏"‏ دخلت على أنس فقال لي‏:‏ أدنه، متى ذهب بصرك‏؟‏ قلت‏:‏ وأنا صغير‏.‏

قال‏:‏ ألا أبشرك‏؟‏ قلت‏:‏ بلى ‏"‏ فذكر - الحديث بلفظ ‏"‏ ما لمن أخذت كريمتيه عندي جزاء إلا الجنة ‏"‏ وأخرج الترمذي من وجه آخر عن أبي ظلال بلفظ ‏"‏ إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أبو ظلال بكسر الظاء المشالة المعجمة والتخفيف اسمه هلال، والذي وقع في الأصل أبو ظلال بن هلال صوابه إما أبو ظلال هلال بحذف ‏"‏ ابن ‏"‏ وإما أبو ظلال بن أبي هلال بزيادة ‏"‏ أبي ‏"‏ واختلف في اسم أبيه فقيل ميمون وقيل سويد وقيل يزيد وقيل زيد، وهو ضعيف عند الجميع، إلا أن البخاري قال إنه مقارب الحديث، وليس له في صحيحه غير هذه المتابعة‏.‏

وذكر المزي في ترجمته أن ابن حبان ذكره في الثقات، وليس بجيد، لأن ابن حبان ذكره في الضعفاء فقال‏:‏ لا يجوز الاحتجاج به، وإنما ذكر في الثقات هلال بن أبي هلال آخر روى عنه يحيى بن المتوكل، وقد فرق البخاري بينهما، ولهم شيخ ثالث يقال له هلال بن أبي هلال تابعي أيضا روى عنه ابنه محمد، وهو أصلح حالا في الحديث منهما، والله أعلم‏.‏

*3*باب عِيَادَةِ النِّسَاءِ الرِّجَالَ وَعَادَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ مِنْ الْأَنْصَارِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب عيادة النساء الرجال‏)‏ أي ولو كانوا أجانب بالشرط المعتبر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعادت أم الدرداء رجلا من أهل المسجد من الأنصار‏)‏ قال الكرماني‏:‏ لأبي الدرداء زوجتان كل منهما أم الدرداء، فالكبرى اسمها خيرة بالخاء المعجمة المفتوحة بعدها تحتانية ساكنة صحابية، والصغرى اسمها هجيمة بالجيم والتصغير وهي تابعية، والظاهر أن المراد هنا الكبرى، والمسجد مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة‏.‏

قلت‏:‏ وما ادعى أنه الظاهر ليس كذلك، بل هي الصغرى، لأن الأثر المذكور أخرجه البخاري في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ من طريق الحارث بن عبيد، وهو شامي تابعي صغير لم يلحق أم الدرداء الكبرى، فإنها ماتت في خلافة عثمان قبل موت أبي الدرداء، قال‏:‏ رأيت أم الدرداء على رحالة أعواد ليس لها غشاء تعود رجلا من الأنصار في المسجد، وقد تقدم في الصلاة أن أم الدرداء كانت تجلس في الصلاة جلسة الرجل، وكانت فقيهة، وبينت هناك أنها الصغرى والصغرى عاشت إلى أواخر خلافة عبد الملك بن مروان وماتت في سنة إحدى وثمانين بعد الكبرى بنحو خمسين سنة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا قُلْتُ يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ وَيَا بِلَالُ كَيْفَ تَجِدُكَ قَالَتْ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلَالٌ إِذَا أَقْلَعَتْ عَنْهُ يَقُولُ أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْماً مِيَاهَ مِجَنَّةٍ وَهَلْ تَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ اللَّهُمَّ وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّهَا وَصَاعِهَا وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ

الشرح‏:‏

حديث عائشة قالت ‏"‏ لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال، قالت‏:‏ فدخلت عليهما ‏"‏ الحديث، وقد اعترض عليه بأن ذلك قبل الحجاب قطعا‏.‏

وقد تقدم أن في بعض طرقه ‏"‏ وذلك قبل الحجاب‏"‏، وأجيب بأن ذلك لا يضره فيما ترجم له من عيادة المرأة الرجل فإنه يجوز بشرط التستر، والذي يجمع بين الأمرين ما قبل الحجاب وما بعده الأمن من الفتنة وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في أبواب الهجرة من أوائل المغازي، وقوله في البيت الذي أوله ‏"‏ ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد ‏"‏ كذا هو بالتنكير والإبهام، والمراد به وادي مكة‏.‏

وذكر الجوهري في الصحاح ما يقتضي أن الشعر المذكور ليس لبلال، فإنه قال‏:‏ كان بلال يتمثل به، وأورده بلفظ ‏"‏ هل أبيتن ليلة بمكة حولي ‏"‏ وقوله ‏"‏ شامة وطفيل ‏"‏ هما جبلان عند الجمهور، وصوب الخطابي أنهما عينان، وقوله ‏"‏كيف تجدك ‏"‏‏؟‏ أي تجد نفسك، والمراد به الإحساس، أي كيف تعلم حال نفسك‏.‏

*3*باب عِيَادَةِ الصِّبْيَانِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب عيادة الصبيان‏)‏ ذكر فيه حديث أسامة بن زيد في قصة ولد بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم شرحه مستوفى في أوائل كتاب الجنائز‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَاصِمٌ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ ابْنَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ وَهُوَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَعْدٌ وَأُبَيٌّ نَحْسِبُ أَنَّ ابْنَتِي قَدْ حُضِرَتْ فَاشْهَدْنَا فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا السَّلَامَ وَيَقُولُ إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ مُسَمًّى فَلْتَحْتَسِبْ وَلْتَصْبِرْ فَأَرْسَلَتْ تُقْسِمُ عَلَيْهِ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُمْنَا فَرُفِعَ الصَّبِيُّ فِي حَجْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَفْسُهُ جُئِّثُ فَفَاضَتْ عَيْنَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَذِهِ رَحْمَةٌ وَضَعَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ وَلَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ إِلَّا الرُّحَمَاءَ

الشرح‏:‏

قوله في هذه الطريق ‏"‏ أن ابنة ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أن بنتا ‏"‏ وقوله ‏"‏ فأشهدنا ‏"‏ كذا للأكثر وعند الكشميهني ‏"‏ فأشهدها ‏"‏ والمراد به الحضور، وقوله ‏"‏هذه الرحمة ‏"‏ في رواية الكشميهني أيضا ‏"‏ هذه رحمة ‏"‏ بالتنكير‏.‏

*3*باب عِيَادَةِ الْأَعْرَابِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب عيادة الأعراب‏)‏ بفتح الهمزة هم سكان البوادي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ قَالَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ فَقَالَ لَهُ لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ قُلْتَ طَهُورٌ كَلَّا بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ أَوْ تَثُورُ عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ تُزِيرُهُ الْقُبُورَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَعَمْ إِذاً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏خالد‏)‏ هو الحذاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عكرمة عن ابن عباس‏)‏ قال الإسماعيلي‏:‏ رواه وهيب بن خالد عن خالد الحذاء عن عكرمة فأرسله‏.‏

قلت‏:‏ قد وصله أيضا عبد العزيز بن مختار كما تقدم قريبا هنا، وتقدم أيضا في علامات النبوة، ووصله أيضا الثقفي كما سيأتي في التوحيد، فإذا وصله ثلاثة لم يضره إرسال واحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دخل على أعرابي‏)‏ تقدم في علامات النبوة بيان اسمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا بأس‏)‏ أي أن المرض يكفر الخطايا، فإن حصلت العافية فقد حصلت الفائدتان، وإلا حصل ربح التكفير‏.‏

وقوله ‏"‏طهور ‏"‏ هو خبر مبتدأ محذوف أي هو طهور لك من ذنوبك أي مطهرة، ويستفاد منه أن لفظ الطهور ليس بمعنى الطاهر فقط، وقوله ‏"‏إن شاء الله ‏"‏ يدل على أن قوله طهور دعاء لا خبر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قلت‏)‏ بفتح التاء على المخاطبة وهو استفهام إنكار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بل هي‏)‏ أي الحمى‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ بل هو ‏"‏ أي المرض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تفور أو تثور‏)‏ شك من الراوي هل قالها بالفاء أو بالمثلثة وهما بمعنى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تزيره‏)‏ بضم أوله من أزاره إذا حمله على الزيارة بغير اختياره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنعم إذا‏)‏ الفاء فيه معقبة لمحذوف تقديره إذا أبيت فنعم، أي كان كما ظننت، قال ابن التين‏:‏ يحتمل أن يكون ذلك دعاء عليه ويحتمل أن يكون خبرا عما يؤول إليه أمره‏.‏

وقال غيره يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه سيموت من ذلك المرض فدعا له بأن تكون الحمى له طهرة لذنوبه، ويحتمل أن يكون أعلم بذلك لما أجابه الأعرابي بما أجابه، وقد تقدم في علامات النبوة أن عند الطبراني من حديث شرحبيل والد عبد الرحمن أن الأعرابي المذكور أصبح ميتا‏.‏

وأخرجه الدولابي في ‏"‏ الكنى ‏"‏ وابن السكن في ‏"‏ الصحابة ‏"‏ ولفظه ‏"‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما قضى الله فهو كائن ‏"‏ فأصبح الأعرابي ميتا‏.‏

وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم مرسلا نحوه‏.‏

قال المهلب‏:‏ فائدة هذا الحديث أنه لا نقص على الإمام في عيادة مريض من رعيته ولو كان أعرابيا جافيا ولا على العالم في عيادة الجاهل ليعلمه ويذكره بما ينفعه، ويأمره بالصبر لئلا يتسخط قدر الله فيسخط عليه، ويسليه عن ألمه بل يغبطه بسقمه، إلى غير ذلك من جبر خاطره وخاطر أهله‏.‏

وفيه أنه ينبغي للمريض أن يتلقى الموعظة بالقبول، ويحسن جواب من يذكره بذلك‏.‏

*3*باب عِيَادَةِ الْمُشْرِكِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب عيادة المشرك‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ إنما تشرع عيادته إذا رجي أن يجيب إلى الدخول في الإسلام، فأما إذا لم يطمع في ذلك فلا‏.‏

انتهى‏.‏

والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف المقاصد، فقد يقع بعيادته مصلحة أخرى‏.‏

قال الماوردي‏:‏ عيادة الذمي جائزة، والقربة موقوفة على نوع حرمة تقترن بها من جوار أو قرابة‏.‏

ثم ذكر المصنف حديث أنس في قصة الغلام اليهودي، وتقدم شرحها مستوفى في كتاب الجنائز، وذكر قول من زعم أن اسمه عبد القدوس‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ غُلَاماً لِيَهُودَ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَالَ أَسْلِمْ فَأَسْلَمَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ لَمَّا حُضِرَ أَبُو طَالِبٍ جَاءَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال سعيد بن المسيب عن أبيه‏)‏ تقدم موصولا في تفسير سورة القصص وفي الجنائز أيضا، وتقدم شرحه مستوفى في الجنائز‏.‏

*3*باب إِذَا عَادَ مَرِيضاً فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى بِهِمْ جَمَاعَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا عاد مريضا فحضرت الصلاة فصلى‏)‏ أي المريض ‏(‏بهم‏)‏ أي بمن عاده‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ يَعُودُونَهُ فِي مَرَضِهِ فَصَلَّى بِهِمْ جَالِساً فَجَعَلُوا يُصَلُّونَ قِيَاماً فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ اجْلِسُوا فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ إِنَّ الْإِمَامَ لَيُؤْتَمُّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِنْ صَلَّى جَالِساً فَصَلُّوا جُلُوساً قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرَ مَا صَلَّى صَلَّى قَاعِداً وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏يحيى‏)‏ هو القطان، وهشام هو ابن عروة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه ناس يعودونه‏)‏ تقدم شرحه في أبواب الإمامة من كتاب الصلاة، وكذا قول الحميدي المذكور في آخره‏.‏

*3*باب وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْمَرِيضِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وضع اليد على المريض‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ في وضع اليد على المريض تأنيس له وتعرف لشدة مرضه ليدعو له بالعافية على حسب ما يبدو له منه، وربما رقاه بيده ومسح على ألمه بما ينتفع به العليل إذا كان العائد صالحا‏.‏

قلت‏:‏ وقد يكون العائد عارفا بالعلاج فيعرف العلة فيصف له ما يناسبه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا الْجُعَيْدُ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ أَنَّ أَبَاهَا قَالَ تَشَكَّيْتُ بِمَكَّةَ شَكْواً شَدِيداً فَجَاءَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أَتْرُكُ مَالاً وَإِنِّي لَمْ أَتْرُكْ إِلَّا ابْنَةً وَاحِدَةً فَأُوصِي بِثُلُثَيْ مَالِي وَأَتْرُكُ الثُّلُثَ فَقَالَ لَا قُلْتُ فَأُوصِي بِالنِّصْفِ وَأَتْرُكُ النِّصْفَ قَالَ لَا قُلْتُ فَأُوصِي بِالثُّلُثِ وَأَتْرُكُ لَهَا الثُّلُثَيْنِ قَالَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِي وَبَطْنِي ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْداً وَأَتْمِمْ لَهُ هِجْرَتَهُ فَمَا زِلْتُ أَجِدُ بَرْدَهُ عَلَى كَبِدِي فِيمَا يُخَالُ إِلَيَّ حَتَّى السَّاعَةِ

الشرح‏:‏

حديث سعيد بن أبي وقاص، وقد تقدم شرحه في الوصايا، وأورده هنا عاليا من طريق الجعيد وهو ابن عبد الرحمن، وقوله فيه ‏"‏ تشكيت بمكة شكوى شديدة ‏"‏ في رواية المستملي ‏"‏ شديدا ‏"‏ بالتذكير على إرادة المرض والشكوى بالقصر المرض وقوله‏:‏ ‏"‏ وأترك لها الثلثين ‏"‏ قال الداودي‏:‏ إن كانت هذه الزيادة محفوظة فلعل ذلك كان قبل نزول الفرائض‏.‏

وقال غيره‏:‏ قد يكون من جهة الرد، وفيه نظر لأن سعدا كان له حينئذ عصبات وزوجات فيتعين تأويله، ويكون فيه حذف تقديره‏:‏ وأترك لها الثلثين، أي ولغيرها من الورثة‏.‏

وخصها بالذكر لتقدمها عنده‏.‏

وأما قوله ‏"‏ ولا يرثني إلا ابنة لي ‏"‏ فتقدم أن معناه من الأولاد، ولم يرد ظاهر الحصر‏.‏

وقوله ‏"‏ثم وضع يده على جبهته ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ على جبهتي ‏"‏ وبها يتبين أن في الأول تجريدا، وقوله ‏"‏فما زلت أجد برده ‏"‏ أي برد يده، وذكر باعتبار العضو أو الكف أو المسح‏.‏

وقوله ‏"‏فيما يخال إلي ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ صوابه فيما يخيل إلي بالتشديد لأنه من التخيل، قال الله تعالى ‏(‏يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى‏)‏ ‏.‏

قلت‏:‏ وأقره الزركشي، وهو عجيب‏.‏

فإن الكلمة صواب، وهو بمعنى يخيل قال في ‏"‏ المحكم ‏"‏‏:‏ خال الشيء يخاله يظنه وتخيله ظنه، وساق الكلام على المادة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ فَقُلْتُ ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَلْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ إِلَّا حَطَّ اللَّهُ لَهُ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا

الشرح‏:‏

حديث ابن مسعود، وقد تقدم شرحه في أوائل كفارة المرضى‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ فمسسته بيدي ‏"‏ بكسر السين الأولى وهي موضع الترجمة، وجاء عن عائشة قالت ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضا يضع يده على المكان الذي يألم ثم يقول‏:‏ بسم الله ‏"‏ أخرجه أبو يعلى بسند حسن‏.‏

وأخرج الترمذي من حديث أبي أمامة بسند لين رفعه ‏"‏ تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده على جبهته فيسأله كيف هو ‏"‏ وأخرجه ابن السني ولفظه ‏"‏ فيقول‏:‏ كيف أصبحت أو كيف أمسيت ‏"‏‏؟‏ ‏.‏

*3*باب مَا يُقَالُ لِلْمَرِيضِ وَمَا يُجِيبُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يقال للمريض وما يجيب‏)‏ ذكر فيه حديث ابن مسعود المذكور في الباب قبله وحديث ابن عباس في قصة الأعرابي الذي قال حمى تفور وقد تقدم أيضا قريبا، وفيه بيان ما ينبغي أن يقال عند المريض وفائدة ذلك‏.‏

وأخرج ابن ماجة والترمذي من حديث أبي سعيد رفعه ‏"‏ إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل فإن ذلك لا يرد شيئا وهو يطيب نفس المريض ‏"‏ وفي سنده لين‏.‏

وقوله نفسوا أي أطمعوه في الحياة ففي ذلك تنفيس لما هو فيه من الكرب وطمأنينة لقلبه، قال النووي هو معنى قوله في حديث ابن عباس للأعرابي لا بأس‏.‏

وأخرج ابن ماجه أيضا بسند حسن لكن فيه انقطاع عن عمر رفعه إذا دخلت على مريض فمره يدعو لك فإن دعاءه كدعاء الملائكة‏.‏

وقد ترجم المصنف في الأدب المفرد ما يجيب به المريض وأورد قول ابن عمر للحجاج لما قال له من أصابك قال‏:‏ ‏"‏ أصابني من أمر بحمل السلاح في يوم لا يحل فيه حمله ‏"‏ وقد تقدم هذا في العيدين‏.‏

*3*باب عِيَادَةِ الْمَرِيضِ رَاكِباً وَمَاشِياً وَرِدْفاً عَلَى الْحِمَارِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب عيادة المريض راكبا وماشيا وردفا على الحمار‏)‏ ذكر فيه حديث أسامة بن زيد ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب على الحمار ‏"‏ وفيه أنه أردفه يعود سعد بن عبادة، وقد تقدم شرح الحديث مستوفى في أواخر تفسير آل عمران‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى إِكَافٍ عَلَى قَطِيفَةٍ فَدَكِيَّةٍ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فَسَارَ حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ وَفِي الْمَجْلِسِ أَخْلَاطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ وَفِي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلَمَّا غَشِيَتْ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ قَالَ لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا فَسَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَفَ وَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ إِنَّهُ لَا أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ إِنْ كَانَ حَقّاً فَلَا تُؤْذِنَا بِهِ فِي مَجْلِسِنَا وَارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاغْشَنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ فَلَمْ يَزَلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَكَتُوا فَرَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ أَيْ سَعْدُ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ قَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ فَلَقَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ مَا أَعْطَاكَ وَلَقَدْ اجْتَمَعَ أَهْلُ هَذِهِ الْبَحْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُوهُ فَلَمَّا رَدَّ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ شَرِقَ بِذَلِكَ فَذَلِكَ الَّذِي فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ

الشرح‏:‏

قوله ‏"‏على حمار على إكاف على قطيفة‏"‏، ‏"‏ على ‏"‏ الثالثة بدل من الثانية وهي بدل من الأولى‏.‏

والحاصل أن الإكاف يلي الحمار والقطيفة فوق الإكاف والراكب فوق القطيفة، والإكاف بكسر الهمزة وتخفيف الكاف ما يوضع على الدابة كالبرذعة، والقطيفة كساء، وقوله ‏"‏فدكية ‏"‏ بفتح الفاء والدال وكسر الكاف نسبة إلى فدك القرية المشهورة، كأنها صنعت فيها، وحكى بعضهم أن في رواية ‏"‏ فركبه ‏"‏ بفتح الراء والموحدة الخفيفة من الركوب والضمير للحمار وهو تصحيف بين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ المُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي لَيْسَ بِرَاكِبِ بَغْلٍ وَلَا بِرْذَوْنٍ

الشرح‏:‏

قوله في حديث جابر ‏"‏ جاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني ليس براكب بغل ولا برذون ‏"‏ هذا القدر أفرده المزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ وجعله الحميدي من جملة الحديث الذي أوله ‏"‏ مرضت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما ماشيان ‏"‏ وأظن الذي صنعه هو الصواب‏.‏

*3*باب قَوْلِ الْمَرِيضِ إِنِّي وَجِعٌ أَوْ وَا رَأْسَاهْ أَوْ اشْتَدَّ بِي الْوَجَعُ وَقَوْلِ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَام أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما رخص للمريض أن يقول إني وجع أو وارأساه أو اشتد بي الوجع، وقول أيوب عليه السلام‏:‏ مسني الضر وأنت أرحم الراحمين‏)‏ أما قوله ‏"‏ إني وجع ‏"‏ فترجم به في كتاب الأدب المفرد وأورده فيه من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال ‏"‏ دخلت أنا وعبد الله بن الزبير على أسماء - يعني بنت أبي بكر وهي أمهما - وأسماء وجعة، فقال لها عبد الله‏:‏ كيف تجدينك‏؟‏ قالت‏:‏ وجعت ‏"‏ الحديث‏.‏

وأصرح منه ما روى صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال ‏"‏ دخلت على أبي بكر رضي الله عنه في مرضه الذي توفي فيه، فسلمت عليه وسألته‏:‏ كيف أصبحت‏؟‏ فاستوى جالسا، فقلت‏:‏ أصبحت بحمد الله بارئا‏؟‏ قال‏:‏ أما إني على ما ترى وجع ‏"‏ فذكر القصة، أخرجه الطبراني‏.‏

وأما قوله ‏"‏ وارأساه ‏"‏ فصريح في حديث عائشة المذكور في الباب، وأما قوله ‏"‏ اشتد بي الوجع ‏"‏ فهو في حديث سعد الذي في آخر الباب، وأما قول أيوب عليه السلام فاعترض ابن التين ذكره في الترجمة فقال‏:‏ هذا لا يناسب التبويب، لأن أيوب إنما قاله داعيا ولم يذكره للمخلوقين‏.‏

قلت‏:‏ لعل البخاري أشار إلى أن مطلق الشكوى لا يمنع ردا على من زعم من الصوفية أن الدعاء بكشف البلاء يقدح في الرضا والتسليم، فنبه على أن الطلب من الله ليس ممنوعا، بل فيه زيادة عبادة، لما ثبت مثل ذلك عن المعصوم وأثنى الله عليه بذلك وأثبت له اسم الصبر مع ذلك، وقد روينا في قصة أيوب في فوائد ميمونة وصححه ابن حبان والحاكم من طريق الزهري عن أنس رفعه ‏"‏ أن أيوب لما طال بلاؤه رفضه القريب والبعيد، غير رجلين من إخوانه، فقال أحدهما لصاحبه‏:‏ لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين، فبلغ ذلك أيوب - يعني فجزع من قوله - ودعا ربه فكشف ما به‏"‏‏.‏

وعند ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عبيد بن نمير موقوفا عليه نحوه وقال فيه ‏"‏ فجزع من قولهما جزعا شديدا ثم قال‏:‏ بعزتك لا أرفع رأسي حتى تكشف عني، وسجد، فما رفع رأسه حتى كشف عنه‏"‏‏.‏

فكأن مراد البخاري أن الذي يجوز من شكوى المريض ما كان على طريق الطلب من الله، أو على غير طريق التسخط للقدر والتضجر، والله أعلم‏.‏

قال القرطبي‏:‏ اختلف الناس في هذا الباب، والتحقيق أن الألم لا يقدر أحد على رفعه، والنفوس مجبولة على وجدان ذلك فلا يستطاع تغييرها عما جبلت عليه، وإنما كلف العبد أن لا يقع منه في حال المصيبة ما له سبيل إلى تركه كالمبالغة في التأوه والجزع الزائد كأن من فعل ذلك خرج عن معاني أهل الصبر، وأما مجرد التشكي فليس مذموما حتى يحصل التسخط للمقدور، وقد اتفقوا على كراهة شكوى العبد ربه، وشكواه إنما هو ذكره للناس على سبيل التضجر، والله أعلم‏.‏

وروى أحمد في ‏"‏ الزهد ‏"‏ عن طاوس أنه قال‏:‏ أنين المريض شكوى، وجزم أبو الطيب وابن الصباغ وجماعة من الشافعية أن أنين المريض وتأوهه مكروه، وتعقبه النووي فقال‏:‏ هذا ضعيف أو باطل، فإن المكروه ما ثبت فيه نهي مقصود، وهذا لم يثبت فيه ذلك‏.‏

ثم احتج بحديث عائشة في الباب، ثم قال‏:‏ فلعلهم أرادوا بالكراهة خلاف الأولى، فإنه لا شك أن اشتغاله بالذكر أولى ا هـ‏.‏

ولعلهم أخذوه بالمعنى من كون كثرة الشكوى تدل على ضعف اليقين، وتشعر بالتسخط للقضاء، وتورث شماتة الأعداء‏.‏

وأما إخبار المريض صديقه أو طبيبه عن حاله فلا بأس به اتفاقا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ وَأَيُّوبَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ الْقِدْرِ فَقَالَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ قُلْتُ نَعَمْ فَدَعَا الْحَلَّاقَ فَحَلَقَهُ ثُمَّ أَمَرَنِي بِالْفِدَاءِ

الشرح‏:‏

حديث كعب بن عجرة في حلق المحرم رأسه إذا آذاه القمل، وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الحج، وقوله‏:‏ ‏"‏ أيؤذيك هوام رأسك ‏"‏ هو موضع الترجمة لنسبة الأذى للهوام، وهي بتشديد الميم اسم للحشرات لأنها تهم أن تدب، وإذا أضيفت إلى الرأس اختصت بالقمل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَبُو زَكَرِيَّاءَ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ وَا رَأْسَاهْ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرَ لَكِ وَأَدْعُوَ لَكِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَا ثُكْلِيَاهْ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي وَلَوْ كَانَ ذَاكَ لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّساً بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَنَا وَا رَأْسَاهْ لَقَدْ هَمَمْتُ أَوْ أَرَدْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ وَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ ثُمَّ قُلْتُ يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى بن يحيى أبو زكريا‏)‏ هو النيسابوري الإمام المشهور وليس له في البخاري سوى مواضع يسيرة في الزكاة والوكالة والتفسير والأحلام، وأكثر عنه مسلم، ويقال إنه تفرد بهذا الإسناد وإن أحمد كان يتمنى لو أمكنه الخروج إلى نيسابور ليسمع منه هذا الحديث، ولكن أخرجه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من وجهين آخرين عن سليمان بن بلال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وارأساه‏)‏ هو تفجع على الرأس لشدة ما وقع به من ألم الصداع، وعند أحمد والنسائي وابن ماجه من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة ‏"‏ رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنازة من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول‏:‏ وارأساه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذاك لو كان وأنا حي‏)‏ ذاك بكسر الكاف إشارة إلى ما يستلزم المرض من الموت، أي لو مت وأنا حي، ويرشد إليه جواب عائشة، وقد وقع مصرحا به في رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ولفظه ‏"‏ ثم قال‏:‏ ما ضرك لو مت قبلي فكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك ‏"‏ وقولها ‏"‏ واثكلياه ‏"‏ بضم المثلثة وسكون الكاف وفتح اللام وبكسرها مع التحتانية الخفيفة وبعد الألف هاء للندبة، وأصل الثكل فقد الولد أو من يعز على الفاقد، وليست حقيقته هنا مرادة، بل هو كلام كان يجري على ألسنتهم عند حصول المصيبة أو توقعها‏.‏

وقولها ‏"‏ والله إني لأظنك تحب موتي ‏"‏ كأنها أخذت ذلك من قوله لها ‏"‏ لو مت قبلي ‏"‏ وقولها ‏"‏ ولو كان ذلك ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ذاك ‏"‏ بغير لام أي موتها ‏"‏ لظللت آخر يومك معرسا ‏"‏ بفتح العين والمهملة وتشديد الراء المكسورة وسكون العين والتخفيف، يقال أعرس وعرس إذا بنى على زوجته، ثم استعمل في كل جماع، والأول أشهر، فإن التعريس النزول بليل‏.‏

ووقع في رواية عبيد الله ‏"‏ لكأني بك والله لو قد فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست ببعض نسائك‏.‏

قالت‏:‏ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقولها ‏"‏ بل أنا وارأساه ‏"‏ هي كلمة إضراب، والمعنى‏:‏ دعي ذكر ما تجدينه من وجع رأسك واشتغلي بي، وزاد في رواية عبيد الله ‏"‏ ثم بدئ في وجعه الذي مات فيه صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لقد هممت أو أردت‏)‏ شك من الراوي، ووقع في رواية أبي نعيم ‏"‏ أو وددت ‏"‏ بدل ‏"‏ أردت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن أرسل إلى أبي بكر وابنه‏)‏ كذا للأكثر بالواو وألف الوصل والموحدة والنون، ووقع في رواية مسلم ‏"‏ أو ابنه ‏"‏ بلفظ أو التي للشك أو للتخيير، وفي أخرى ‏"‏ أو آتيه ‏"‏ بهمزة ممدودة بعدها مثناة مكسورة ثم تحتانية ساكنة من الإتيان بمعنى المجيء، والصواب الأول، ونقل عياض عن بعض المحدثين تصويبها وخطأه‏.‏

وقال‏:‏ ويوضح الصواب قولها في الحديث الآخر عند مسلم ‏"‏ ادعي لي أباك وأخاك ‏"‏ وأيضا فإن مجيئه إلى أبي بكر كان متعسرا لأنه عجز عن حضور الصلاة مع قرب مكانها من بيته‏.‏

قلت‏:‏ في هذا التعليل نظر، لأن سياق الحديث يشعر بأن ذلك كان في ابتداء مرضه صلى الله عليه وسلم، وقد استمر يصلي بهم وهو مريض ويدور على نسائه حتى عجز عن ذلك وانقطع في بيت عائشة‏.‏

ويحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لقد هممت الخ ‏"‏ وقع بعد المفاوضة التي وقعت بينه وبين عائشة بمدة، وإن كان ظاهر الحديث بخلافه‏.‏

ويؤيد أيضا ما في الأصل أن المقام كان مقام استمالة قلب عائشة، فكأنه يقول‏:‏ كما أن الأمر يفوض لأبيك فإن ذلك يقع بحضور أخيك، هذا إن كان المراد بالعهد العهد بالخلافة، وهو ظاهر السياق كما سيأتي تقريره في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى، وإن كان لغير ذلك فلعله أراد إحضار بعض محارمها حتى لو احتاج إلى قضاء حاجة أو الإرسال إلى أحد لوجد من يبادر لذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأعهد‏)‏ أي أوصي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يقول القائلون‏)‏ أي لئلا يقول، أو كراهة أن يقول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو يتمنى المتمنون‏)‏ بضم النون جمع متمني بكسرها، واصل الجمع المتمنيون فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت فاجتمعت كسرة النون بعدها الواو فضمت النون، وفي الحديث ما طبعت عليه المرأة من الغيرة، وفيه مداعبة الرجل أهله والإفضاء إليهم بما يستره عن غيرهم، وفيه أن ذكر الوجع ليس بشكاية، فكم من ساكت وهو ساخط، وكم من شاك وهو راض، فالمعول في ذلك على عمل القلب لا على نطق اللسان، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي فَقُلْتُ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً قَالَ أَجَلْ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ قَالَ لَكَ أَجْرَانِ قَالَ نَعَمْ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ إِلَّا حَطَّ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا

الشرح‏:‏

حديث ابن مسعود، وقد تقدم شرحه قريبا‏.‏

وقوله في هذه الرواية ‏"‏ فمسسته ‏"‏ وقع في رواية المستملي ‏"‏ فسمعته ‏"‏ وهو تحريف، ووجهت بأن هناك حذفا والتقدير فسمعت أنينه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي زَمَنَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقُلْتُ بَلَغَ بِي مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ لَا قُلْتُ بِالشَّطْرِ قَالَ لَا قُلْتُ الثُّلُثُ قَالَ الثُّلُثُ كَثِيرٌ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ وَلَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ

الشرح‏:‏

حديث عامر بن سعد عن أبيه وهو سعد بن أبي وقاص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من وجع اشتد بي‏)‏ تقدم شرحه مستوفى في كتاب الوصايا، وقوله‏:‏ ‏"‏ زمن حجة الوداع ‏"‏ موافق لرواية مالك عن الزهري، وتقدم أن ابن عيينة قال في روايته ‏"‏ أن ذلك في زمن الفتح ‏"‏ والأول أرجح والله أعلم‏.‏

*3*باب قَوْلِ الْمَرِيضِ قُومُوا عَنِّي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول المريض قوموا عني‏)‏ أي إذا وقع من الحاضرين عنده ما يقتضي ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ و حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمْ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ فَاخْتَصَمُوا مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَاباً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالِاخْتِلَافَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُومُوا قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏هشام‏)‏ هو ابن يوسف الصنعاني، وقوله ‏"‏حدثنا عبد الله بن محمد ‏"‏ هو المسندي، وساقه المصنف هنا على لفظ هشام، وسبق لفظ عبد الرزاق في أواخر المغازي، وتقدم شرحه هناك، ووقع هنا ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ قوموا ‏"‏ وقد تقدم الحديث في كتاب العلم من رواية يونس بن يزيد عن الزهري بلفظ ‏"‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ قوموا عني ‏"‏ وهو المطابق للترجمة، ولم أستحضره عند الكلام عليه في المغازي فنسبت هذه الزيادة لابن سعد، وعزوها للبخاري أولى‏.‏

ويؤخذ من هذا الحديث أن الأدب في العيادة أن لا يطيل العائد عند المريض حتى يضجره، وأن لا يتكلم عنده بما يزعجه‏.‏

وجملة آداب العيادة عشرة أشياء، ومنها ما لا يختص بالعيادة‏:‏ أن لا يقابل الباب عند الاستئذان، وأن يدق الباب برفق، وأن لا يبهم نفسه كأن يقول أنا، وأن لا يحضر في وقت يكون غير لائق بالعيادة كوقت شرب المريض الدواء، وأن يخفف الجلوس، وأن يغض البصر، ويقلل السؤال، وأن يظهر الرقة، وأن يخلص الدعاء، وأن يوسع للمريض في الأمل، ويشير عليه بالصبر لما فيه من جزيل الأجر، ويحذره من الجزع لما فيه من الوزر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عباس يقول إن الرزية‏)‏ سبق الكلام علبه في الوفاة النبوية‏.‏