فصل: الكتاب الثالث في الإجماع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: غاية الوصول إلى شرح لب الأصول



.(مسألة الصحابي):

أي صاحب النبي صلى الله عليه وسلّم. (من اجتمع مؤمنا) مميزا (بالنبي) في حياته (وإن لم يرو) عنه شيئا (ولم يطل) أي اجتماعه به أو كان أنثى أو أعمى كابن أم مكتوم، فخرج من اجتمع به كافرا أو غير مميز أو بعد وفاة النبي، لكن قال البرماوي في غير المميز إنه صحابي وإن اختار جماعة خلاف ذلك، وقيل يشترط في صدق اسم الصحابي الرواية ولو لحديث وإطالة الاجتماع نظرا في الإطالة إلى العرف، وفي الرواية إلى أنها المقصود الأعظم من صحبة النبي صلى الله عليه وسلّم لتبليغ الأحكام، وقيل يشترط الغزو معه ومضى على الاجتماع به لأن لصحبته شرفا عظيما فلا ينال إلا باجتماع طويل يظهر فيه الخلق المطبوع عليه الشخص كالغزو المشتمل على السفر الذي هو قطعة من العذاب، والعام المشتمل على الفصول الأربعة التي تختلف فيها الأمزجة، واعترض التعريف بأنه يصدق على من مات مرتدًّا كعبد الله بن خطل، ولا يسمى صحابيا بخلاف من مات بعد ردته مسلما كعبد الله بن سرح. وأجيب بأنه كان يسماه قبل الردة، ويكفي ذلك في صحة التعريف إذ لا يشترط فيه الاحتراز عن المنافي العارض. (كالتابعي معه) أي مع الصحابي فيكفي في صدق اسم التابعي على الشخص اجتماعه مؤمنا بالصحابي في حياته، وهذا ما رجحه ابن الصلاح والنووي وغيرهما. وقيل لا يكفي ذلك من غير إطالة للاجتماع به وبه جزم الأصل تبعا للخطيب البغدادي، وفرق بأن الاجتماع بالنبي يؤثر من النور القلبي أضعاف ما يؤثره الاجتماع الطويل بالصحابي وغيره من الأخيار.
(والأصح أنه لو ادّعى معاصر) للنبي صلى الله عليه وسلّم (عدل صحبة قبل) لأن عدالته تمنعه من الكذب في ذلك، وقيل لا يقبل لادّعائه لنفسه رتبة هو فيها متهم كما لو قال أنا عدل. (و) الأصح (أن الصحابة عدول) فلا يبحث عن عدالتهم في رواية ولا شهادة لأنهم خير الأمة لقوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} وقوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} فإن المراد بهم الصحابة، ولخبر الصحيحين: «خير أمتي قرني» وقيل هم كغيرهم فيبحث عن عدالتهم في ذلك إلا من كان ظاهر العدالة أو مقطوعها كالشيخين رضي الله عنهما، وقيل هم عدول إلى حين قتل عثمان رضي الله عنه فيبحث عن عدالتهم بعده لوقوع الفتن بينهم من حينئذ مع إمساك بعضهم عن خوضها. وقيل هم عدول إلا من قاتل عليا رضي الله عنه فهم فسقة لخروجهم على الإمام الحق وردّ بأنهم مجتهدون في قتالهم له فلا يأثمون وإن أخطئوا بل يؤجرون كما سيأتي على كل قول من طرأ له منهم قادح كسرقة أو زنا عمل بمقتضاه، لأنهم وإن كانوا عدولًا غير معصومين.

.(مسألة المرسل):

المشهور عند الأصوليين والفقهاء وبعض المحدثين. (مرفوع غير صحابي) تابعيا كان أو من بعده (إلى النبي) صلى الله عليه وسلّم مسقطا لواسطة بينه وبين النبي، وعند أكثر المحدّثين مرفوع تابعي إلى النبي، وعندهم المعضل ما سقط منه راويان فأكثر، والمنقطع ما سقط منه من غير الصحابة راوٍ وقيل ما سقط منه راوٍ فأكثر. (والأصح أنه لا يقبل) أي لا يحتج به للجهل بعدالة الساقط وإن كان صحابيا لاحتمال أن يكون ممن طرأ له قادح. (إلا إن كان مرسله من كبار التابعين) كقيس بن أبي حازم وأبي عثمان النهدي (وعضده كون مرسله لا يروي إلا عن عدل) كأن عرف ذلك من عادته كأبي سلمة بن عبد الرحمن يروي عن أبي هريرة (وهو) حينئذ (مسند) حكما لأن إسقاط العدل كذكره. (أو عضده قول صحابي أو فعله أو قول الأكثر) من العلماء لأصحابي فيهم. (أو مسند) سواء أسنده المرسل أم غيره (أو مرسل) أن يرسله آخر يروي عن غير شيوخ الأوّل. (أو انتشار) له من غير نكير (أو قياس أو عمل) أهل (العصر) على وفقه (أو نحوها) ككون مرسله إذا شارك الحفاظ في أحاديث وافقهم فيها ولم يخالفهم إلا بنقص لفظ من ألفاظهم بحيث لا يختل به المعنى، فإن المرسل حينئذ يقبل لانتقاء المحذور، وقيل يقبل مطلقا لأن العدل لا يسقط الواسطة إلا وهو عدل عنده، وإلا كان ذلك تلبيسا قادحا فيه، وقيل لا مطلقا لما مر، وقيل يقبل إن كان المرسل من أئمة النقل كسعيد بن المسيب والشعبي، بخلاف من لم يكن منهم فقد يظن من ليس بعدل عدلًا فيسقطه لظنه.
(والمجموع) من المرسل وعاضده (حجة) لا مجرد المرسل ولا مجرد عاضده لضعف كل منهما منفردا، ولا يلزم من ذلك ضعف المجموع، لأنه يحصل من اجتماع الضعيفين قوة مفيدة للظن هذا (إن لم يحتجّ بالعاضد) وحده، (وإلا) بأن كان يحتج به كمسند صحيح (فـ)ـهما (دليلان)، إذ العاضد حينئذ دليل برأسه والمرسل لما اعتضد به صار دليلًا آخر فيرجح بهما عند معارضة حديث واحد لهما والتقييد بكبار التابعين من زيادتي. (و) الأصح (أنه) أي المرسل بقيد زدته بقولي (باعتضاده) أي مع اعتضاده (بضعيف أضعف من المسند) المحتج به، وقيل أقوى منه لأن العدل لا يسقط إلا من يجزم بعدالته، بخلاف من يذكره فيحيل الأمر فيه على غيره. قلنا لا نسلم ذلك أما إذا اعتضد بصحيح، فلا يكون أضعف من مسند يعارضه بل هو أقوى منه، كما علم مما مر أما مرسل صغار التابعين كالزهري فباق على عدم قبوله مع عاضده لشدة ضعفه، وقيد القبول بكبار التابعين، لأن غالب رواياتهم عن الصحابة فيغلب على الظن أن الساقط صحابي، فإذا انضم إليه عاضد كان أقرب إلى القبول وعليه ينبغي ضبط الكبير بمن أكثر رواياته عن الصحابة والصغير بمن أكثر رواياته عن التابعين على أن ابن الصلاح والنووي لم يقيدا بالكبار وهو قوي، وهذا كله في مرسل غير صحابي كما عرفت، أما مرسله فمحكوم بصحته على المذهب لأن أكثر رواية الصحابة عن الصحابة وكلهم عدول كما مرّ. (فإن تجرد) هذا المرسل عن عاضد (ولا دليل) في الباب (سواه) ومدلوله المنع من شيء، (فالأصح) أنه يجب (الانكفاف) عن ذلك الشيء (لأجله) أي المرسل احتياطا لأن ذلك يحدث شبهة توجب التوقف، وقيل لا يجب لأنه ليس بحجة حينئذ، أما إذا كان ثم دليل سواه فيجب الانكفاف قطعا إن وافقه وإلا عمل بمقتضى الدليل.

.(مسألة الأصح جواز نقل الحديث بالمعنى لعارف):

بمعاني الألفاظ ومواقع الكلام الذي أريد به إنشاء أو خبر بأن يأتي بلفظ بدل آخر مساو له في المراد والفهم، وإن لم ينس اللفظ الآخر أو لم يرادفه، لأن المقصود المعنى واللفظ آلة، وقيل لا يجوز إن لم ينس لفوت الفصاحة في كلام النبي، وقيل إنما يجوز بلفظ مرادف بخلاف غير المرادف، لأنه قد لا يوفي بالمقصود، وقيل لا يجوز مطلقا حذرا من التفاوت، وإن ظن الناقل عدمه فإن العلماء كثيرا ما يختلفون في معنى الحديث المراد. قلنا الكلام في المعنى الظاهر لا فيما يختلف فيه كما أنه ليس الكلام فيما نعبد بألفاظ كالأذان والتشهد والسلام والتكبير، وقيل غير ذلك أما غير العارف فلا يجوز له تغيير اللفظ قطعا. (و) الأصح (أنه يحتج بقول الصحابي قال النبي) صلى الله عليه وسلّم، لأنه ظاهر في سماعه منه، وقيل لا. لاحتمال أن يكون بينهما واسطة من تابعي أو صحابي، وقلنا نبحث عن عدالة الصحابة (فـ)ـبقوله (عنه) أي عن النبي لما مر، وقيل لا لظهوره في الواسطة. (فـ)ـبقوله (سمعته أمر ونهى) لظهوره في صدور أمر ونهي منه، وقيل لا لجواز أن يطلقهما الراوي على ما ليس بأمر ولا نهي تسمحا (أو) بقوله (أمرنا أو نحوه) مما بني للمفعول كنهينا أو أوجب أو حرّم علينا أو رخص لنا لظهور أن فاعلها النبي، وقيل لا. لاحتمال أن يكون الآمر والناهي بعض الولاة والإيجاب والتحريم والترخيص استنباط من قائله. (و) بقوله (من السنة) كذا لظهوره في سنة النبي، وقيل لا لجواز إرادة سنة البلد (فكنا معاشر الناس) نفعل في عهده صلى الله عليه وسلّم (وكان الناس يفعلون) في عهده صلى الله عليه وسلّم. (فكنا نفعل في عهده صلى الله عليه وسلّم) لظهوره في تقرير النبي عليه، وقيل لا لجواز أن لا يعلم به. (فكان الناس يفعلون فكانوا لا يقطعون في) الشيء (التافه). قالته عائشة رضي الله عنها لظهور ذلك في جميع الناس الذي هو إجماع، وقيل لا لجواز إرادة ناس مخصوصين وعطف الصور بالفاء إشارة إلى أن كل صورة دون ما قبلها رتبة، ولهذا كان تعبيري في عنه، وسمعته بالفاء أولى من تعبيره فيهما بالواو، ووجه كون الأخيرتين دون ما قبلهما عدم التصريح بكون ذلك في عهده صلى الله عليه وسلّم، ووجه كون الأخيرة دون ما قبلها عدم التصريح بما يعود عليه ضمير كانوا.

.(خاتمة) في مراتب التحمل:

(مستند غير الصحابي) في الرواية إحدى عشرة (قراءة الشيخ) عليه (إملاء) من حفظه أو من كتابه. (فتحديثا) بلا إملاء. (فقراءته عليه) أي على الشيخ (فسماعه) بقراءة غيره على الشيخ ويسمى هذا والذي قبله بالعرض. (فمناولة أو مكاتبة مع إجازة) كأن يدفع له الشيخ أصل سماعه أو فرعا مقابلًا به أو يكتب شيئا من حديثه لحاضر عنده أو غائب عنه، ويقول له أجزت لك روايته عني. (فإجازة) بلا مناولة ولا مكاتبة (لخاص في خاص) كأجزت لك رواية البخاري. (فخاص في عام) كأجزت لك رواية جميع مسموعاتي. (فعام في خاص) كأجزت لمن أدركني رواية مسلم. (فـ)ـعام (في عام) كأجزت لمن عاصرني رواية جميع مروياتي. (فلفلان ومن يوجد من نسله) تبعا له (فمناولة أو مكاتبة) بلا إجازة إن قال معها هذا من سماعي (فإعلام) بلا إجازة كأن يقول هذا الكتاب من مسموعاتي على فلان. (فوصية) كأن يوصي بكتاب إلى غيره ليرويه عنه عند سفره أو موته. (فوجادة) كأن يجد حديثا أو كتابا بخط شيخ معروف.
(والمختار جواز الرواية بالمذكورات) التصريح بهذا من زيادتي والقول بامتناع الرواية بالأربعة التي قبل الوجادة مردود بأنها أرفع من الوجادة والرواية بها جائزة عند الشافعي وغيره، فالأربعة أولى. (لا إجازة من يوجد من نسل فلان) فلا يجوز، وقيل تجوز، وقيل لا تجوز الرواية بالإجازة بأقسامها، وقيل لا تجوز في العامة، أما إجازة من توجد من غير قيد فممنوعة كما فهم بالأولى وصرح به الأصل، ونقل في الإجماع. (وألفاظ الأداء من صناعة المحدثين) فلتطلب منهم ومنها على ترتيب ما مر أملى عليّ حدثني قرأت عليه قرئ عليه، وأنا أسمع أخبرني إجازة ومناولة أو مكاتبة أخبرني إجازة أنبأني مناولة أو مكاتبة، أخبرني إعلاما أوصى إليّ وجدت بخطه وقد أوضحت الكلام على ذلك مع مراتب التحمل في شرح ألفية العراقي، وقولي أو مكاتبة في الموضعين مع إفادة تأخر الحديث عن الإملاء من زيادتي.

.الكتاب الثالث في الإجماع:

وهو اتفاق مجتهدي الأمة بالقول أو الفعل أو التقرير. (بعد وفاة محمد) صلى الله عليه وسلّم (في عصر على أي أمر) كان من ديني ودنيوي وعقلي ولغوي كما سيأتي بيانه. (ولو بلا إمام معصوم). وقالت الروافض لابد منه ولا يخلو الزمان عنه وإن لم تعلم عينه والحجة في قوله فقط وغيره تبع له. (أو) بلا (بلوغ عدد تواتر) لصدق مجتهد الأمة بدونه، وقيل يشترط نظرا للعادة. (أو) بلا (عدول) بناء على أن العدالة ليست ركنا في المجتهد وهو الأصح، وقيل يعتبرون بناء على أنها ركن فيه فعليه لا يعتبر وفاق الفاسق، وقيل يعتبر في حق نفسه دون غيره، وقيل يعتبر إن بين مأخذه في مخالفته، بخلاف ما إذا لم يبينه إذ ليس عنده ما يمنعه أن يقول شيئا من غير دليل. (أو) كان المجتهد (غير صحابي) فلا يختصّ الإجماع بالصحابة لصدق مجتهدي الأمة في عصر بغيرهم. وقالت الظاهرية يختص بهم لكثرة غيرهم كثرة لا تنضبط فيبعد اتفاقهم على شيء. (أو قصر الزمن) كأن مات المجمعون عقب إجماعهم بخرور سقف عليهم، وقيل يشترط طوله في الإجماع الظني بخلاف القطعي. (فعلم) من الحد زيادة على ما مر. (اختصاصه) أي الإجماع (بالمجتهدين) بأن لا يتجاوزهم إلى غيرهم. (فلا عبرة باتفاق غيرهم قطعا ولا بوفاقه لهم في الأصح). وقيل يعتبر مطلقا، وقيل يعتبر في المشهور دون الخفيّ كدقائق الفقه، وقيل يعتبر وفاق الأصولي لهم في الفروع لتوقف استنباطها على الأصول. قلنا هو غير مجتهد بالنسبة إليها. (و) علم اختصاصه (بالمسلمين) لأن الإسلام شرط في المجتهد المأخوذ في حده فلا عبرة بوفاق الكافر ولو ببدعة ولا بخلافه. (و) علم (أنه لابد من الكل) أي وفاقهم لأن إضافة مجتهد إلى الأمة تفيد العموم (وهو الأصح) فيضر مخالفة الواحد ولو تابعيا بأن كان مجتهدا وقت اتفاق الصحابة، وقيل يضر مخالفة الاثنين دون الواحد، وقيل مخالفة الثلاثة دون الأقل منهم، وقيل من بلغ عدد التواتر دون من لم يبلغه إذا كان غيرهم أكثر منه، وقيل يكفي اتفاق كل من أهل مكة وأهل المدينة وأهل الحرمين، وقيل غير ذلك. فعلم أن اتفاق كل من هؤلاء ليس بحجة في الأصح وهو ما صرح به الأصل، لأنه اتفاق بعض مجتهدي الأمة لا كلهم. (و) علم (عدم انعقاده في حياة محمد) صلى الله عليه وسلّم، لأنه إن وافقهم فالحجة في قوله وإلا فلا اعتبار بقولهم دونه. (و) علم (أنه لو لم يكن) في العصر (إلا) مجتهد (واحد لم يكن قوله إجماعا) إذ أقل ما يصدق به اتفاق مجتهد الأمة اثنان. (وليس) قوله (حجة على المختار) لانتفاء الإجماع عن الواحد، وقيل حجة وإن لم يكن إجماعا لانحصار الاجتهاد فيه. (و) علم (أن انقراض) أهل (العصر) بموتهم (لا يشترط) في انعقاد الإجماع لصدق حده مع بقاء المجمعين ومعاصريهم وهو الأصح كما سيأتي، وقيل يشترط انقراضهم، وقيل غالبهم، وقيل علماؤهم، وقيل غير ذلك. (و) علم (أنه) أي الإجماع (قد يكون عن قياس) لأن الاجتهاد المأخوذ في حد لابدّ له من مستند كما سيأتي، والقياس من جملته. (وهو الأصح). وقيل لا يجوز أن يكون عن قياس، وقيل يجوز في الجلي دون الخفي، وقيل يجوز لكنه لم يقع، وذلك لأن القياس لكونه ظنيا في الأغلب يجوز مخالفته لأرجح منه، فلو جاز الإجماع عنه لجاز مخالفة الإجماع. قلنا إنما يجوز مخالفة القياس إذا لم يجمع على ما ثبت به، وقد أجمع على تحريم أكل شحم الخنزير قياسا على لحمه. (فيهما) أي ما ذكر هو الأصح في المسألتين كما تقرر. (و) علم (أن اتفاق) الأمم (السابقين) على أمة محمد صلى الله عليه وسلّم (غير إجماع وليس حجة) في ملته (في الأصح) لاختصاص دليل حجية الإجماع بأمته لخبر ابن ماجة وغيره: «إن أمتي لا تجتمع على ضلالة». وقيل إنه حجة بناء على أن شرعهم شرع لنا وسيأتي بيانه. (و) علم (أن اتفاقهم) أي المجتهدين في عصر. (على أحد قولين) لهم (قبل استقرار الخلاف) بينهم بأن قصر الزمن بين الاختلاف والاتفاق (جائز ولو) كان الاتفاق (من الحادث بعد ذوي القولين) بأن ماتوا ونشأ غيرهم لصدق حد الإجماع بكل من الاتفاقين، ولجواز أن يظهر مستند جلي يجتمعون عليه، وقد أجمعت الصحابة على دفنه صلى الله عليه وسلّم في بيت عائشة بعد اختلافهم الذي لم يستقر.
(وكذا اتفاق هؤلاء) أي ذوي القولين (لا من بعدهم بعده) أي بعد استقرار الخلاف بأن طال زمنه فإنه جائز لا اتفاق من بعدهم. (في الأصح) أما الأول فلصدق حد الإجماع به وهذا ما صححه النووي في شرح مسلم، وقيل لا لأن استقرار الخلاف بينهم يتضمن اتفاقهم على جاز الأخذ بكل من شقي الخلاف باجتهاد أو تقليد، فيمتنع اتفاقهم على أحدهما. قلنا تضمن ما ذكر مشروط بعدم الاتفاق على أحدهما فإذا وجد فلا اتفاق قبله، وقيل يجوز إلا أن يكون مستندهم في الاختلاف قاطعا، فلا يجوز حذرا من إلغاء القاطع والخلاف مبني على أنه لا يشترط انقراض العصر، فإن اشترط جاز الاتفاق مطلقا قطعا والترجيح من زيادتي، وأما الثاني فلأنه لو انقدح وجه في سقوط الخلاف لظهر للمختلفين لطول زمنه، وقيل يجوز لجواز ظهور سقوطه لغير المختلفين دونهم. (و) علم (أن التمسك بأقل ما قيل) من أقوال العلماء حيث لا دليل سواه (حق) لأنه تمسك بما أجمع عليه مع كون الأصل عدم وجوب ما زاد عليه كاختلاف العلماء في دية الذمي الكتابي، فقيل كدية المسلم، وقيل كنصفها، وقيل كثلثها فأخذ به الشافعي لذلك، فإن دل دليل على وجوب الأكثر أخذ به كغسلات ولوغ الكلب قيل إنها ثلاث، وقيل سبع ودل عليه خير الصحيحين فأخذ به. (و) علم (أنه) أي الإجماع قد (يكون في ديني) كصلاة وزكاة (ودنيوي) كتدبير الجيوش وأمور الرعية. (وعقلي لا تتوقف صحته) أي الإجماع (عليه) كحدوث العالم ووحدة الصانع، فإن توقفت صحة الإجماع عليه كثبوت الباري والنبوة لم يحتج فيه بالإجماع وإلا لزم الدور. (ولغوي) من زيادتي ككون الفاء للتعقيب. (و) علم (أنه) أي الإجماع (لابد له من مستند) أي دليل، وإلا لم يكن لقيد الاجتهاد المأخوذ في حده معنى. (وهو الأصح) لأن القول في الأحكام بلا مستند خطأ، وقيل يجوز حصوله بغير مستند بأن يلهموا الاتفاق على صواب هذا كله في الإجماع القولي. (أما السكوتي بأن يأتي بعضهم) أي بعض المجتهدين. (بحكم ويسكت الباقون عنه وقد علموا به وكان السكوت مجردا عن أمارة رضا وسخط) بضم السين وإسكان الخاء وبفتحهما خلاف الرضا. (والحكم اجتهادي تكليفي ومضى مهلة النظر عادة فإجماع وحجة في الأصح) لأن سكوت العلماء في مثل ذلك يظن منه الموافقة عادة، وقيل ليس بإجماع ولا حجة لاحتمال السكوت لغير الموافقة كالخوف والمهابة والتردد في الحكم، وعزى هذا للشافعي، وقيل ليس بإجماع بل حجة لاختصاص مطلق اسم الإجماع عند هذا القائل بالقطعي، أي المقطوع فيه بالموافقة وإن كان هو عنده إجماعا حقيقة كما يفيده كونه حجة عنده، وقيل حجة بشرط الانقراض، وقيل حجة إن كان فتيا لا حكما لأن الفتيا يبحث فيها عادة فالسكوت عنها رضا بخلاف الحكم، وقيل عكسه لصدور الحكم عادة بعد البحث مع العلماء واتفاقهم بخلاف الفتيا، وقيل حجة إن كان الساكتون أقل من القائلين، وقيل غير ذلك وخرج بما ذكر ما لو لم يعلم الساكتون بالحكم، فليس من محل الإجماع السكوتي وليس بحجة لاحتمال أن لا يكون خاضوا في الخلاف، وقيل حجة لعدم ظهور خلاف فيه، وقيل غير ذلك وترجيح عدم حجيته من زيادتي وهو ما عليه الأكثر، وإن اقتضى كلام الأصل ترجيح حجته، وخرج أيضا ما لو اقترن السكوت بأمارة الرضا فإجماع قطعا أو بأمارة السخط فليس بإجماع قطعا، وما لو كان الحكم قطعيا لا اجتهاديا أو لم يكن تكليفيا نحو عمار أفضل من حذيفة أو عكسه فالسكوت على القول، بخلاف المعلوم في الأولى وعلى ما قيل في الثانية لا يدل على شيء وما لم يمض زمن مهلة النظر عادة فلا يكون ذلك إجماعا.