فصل: غزوة العشيرة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدرر في اختصار المغازي والسير



.بِنَاءُ مسجد رسول الله:

فبنى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجده، وجعل عضادتيه الحجارة، وَسَوَارِيَهُ جُذُوعَ النخل، وسقفه جريدها بعد أن نبش قبور المشركين وسواها، وسوى الخرب، وقطع النخل، وعمل فيه المسلمون حسبة، ومات أَبُو أمامة أسعد بْن زرارة في الأيام التي كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبني فيها مسجده وبيوته، فوجد عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجدا شديدا، وقد كان كواه من ذبحة نزلت به، وكان نقيبا في بني النجار، فلم يجعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعده عليهم نقيبا.

.مؤاخاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم أجمعين:

وآخى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد بنائه المسجد بين الأنصار والمهاجرين، وقد قيل: إن المؤاخاة كانت والمسجد يبنى بين المهاجرين والأنصار على المواساة والحق، فكانوا يتوارثون بذلك دون القرابات حتى نزلت: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ}، رَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: آخَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَوَرَّثَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى نَزَلَتْ: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} وذكر سعيد بْن داود، قَالَ: بَلَغَنَا وَكَتَبْنَا عن شيوخنا أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخى يومئذ بين أبي بكر الصديق وخارجة بْن زيد بْن أبي زهير، وبين عمر بْن الخطاب وعويم بْن ساعدة، قَالَ: ويقال: بين عمر بْن الخطاب ومعاذ بْن عفراء، قَالَ: وقيل أيضا: بين عمر وعتبان بْن مالك، وبين عثمان بْن عفان وأوس بْن ثابت، وبين علي بْن أبي طالب وسهل بْن حنيف، وبين زيد بْن حارثة وأسيد بْن الحضير، وبين أبي مرثد الغنوي وعبادة بْن الصامت، وبين الزبير وكعب بْن مالك، وبين طلحة وأبي بْن كعب، وبين سعد بْن أبي وقاص وسعد بْن معاذ، وبين عَبْد الرحمن بْن عوف وسعد بْن الربيع، وبين عَبْد اللهِ بْن جحش وعاصم بْن ثابت، وبين أبي حذيفة بْن عتبة وعباد بْن بشر، وبين عتبة بْن غزوان وأبي دجانة، وبين مصعب بْن عمير وأبي أيوب، وبين ابن مسعود ومعاذ بْن جبل، وبين أبي سلمة بْن عَبْد الأسد وسعد بْن خيثمة، وبين عمار وحذيفة بْن اليمان، وبين أبي عبيدة ومحمد بْن مسلمة، وبين عثمان بْن مظعون وأبي الهيثم بْن التيهان، وبين سلمان الفارسي وأبي الدرداء، قَالَ الحافظ أَبُو عمر رضي الله عنه: ذكر هذا سنيد ولم يسنده إلى أحد، إلا أنه بلغه، والصحيح عند أهل السير والعلم بالآثار والخبر في المؤاخاة التي عقدها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين المهاجرين والأنصار في حين قدومه إلى المدينة، أنه آخى بين أبي بكر الصديق وخارجة بْن زيد بْن أبي زهير، وبين عمر بْن الخطاب وعتبان بْن مالك، وبين عثمان بْن عفان وأوس بْن ثابت بْن المنذر أخي حسان بْن ثابت، وآخى بين علي بْن أبي طالب وبين نفسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: أنت أخي في الدنيا والآخرة، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِعَلِيٍّ: «أَنْتَ أَخِي وَصَاحِبِي» أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُورِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، قَالا: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ طَلْحَةَ-، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَسْبَاطٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقُولُ: وَاللهِ إِنِّي لأَخُو رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَلِيُّهُ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: أَنَا عَبْدُ اللهِ، وَأَخُو رَسُولِهِ، وَلا يَقُولُهَا بَعْدِي إِلا كَذَّابٌ مُفْتَرٍ وَحَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: أَنْبَأَنَا قَاسِمٌ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حُضَيْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سُلَيْمَانَ الْجُهَنِيُّ، يَعْنِي زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: أَنَا عَبْدُ اللهِ، وَأَخُو رَسُولِهِ، لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ قَبْلِي، وَلا يَقُولُهَا أَحَدٌ بَعْدِي إِلا كَذَّابٌ مُفْتَرٍ وآخى بين جعفر بْن أبي طالب وهو بأرض الحبشة ومعاذ بْن جبل، وبين عَبْد الرحمن بْن عوف وسعد بْن الربيع، وبين الزبير وسلمة بْن سلامة بْن وقش، وبين طلحة وكعب بْن مالك، وبين أبي عبيدة وسعد بْن معاذ، وبين سعد ومحمد بْن مسلمة، وبين سعيد بْن زيد وأبي بْن كعب، وبين مصعب بْن عمير وأبي أيوب، وبين عمار وحذيفة بْن اليمان حليف بني عَبْد الأشهل، وقد قيل: بين عمار وثابت بْن قيس، وبين أبي حذيفة بْن عتبة وعباد بْن بشر، وبين أبي ذر والمنذر بْن عمرو، وبين ابن مسعود وسهل بْن حنيف، وبين سلمان الفارسي وأبي الدرداء، وبين بلال وأبي رويحة الخثعمي حليف الأنصار، وبين حاطب بين أبي بلتعة وعويم بْن ساعدة، وبين عَبْد اللهِ بْن جحش وعاصم بْن ثابت، وبين عبيدة بْن الحارث وعمير بْن الحمام، وبين الطفيل بْن الحارث أخيه وسفيان بْن بشر بْن زيد من بني جشم بْن الحارث بْن الخزرج، وبين الحصين بْن الحارث أخيهما وعبد الله بْن جبير، وبين عثمان بْن مظعون والعباس بْن عبادة، وبين عتبة بْن غزوان ومعاذ بْن ماعص، وبين صفوان بْن بيضاء ورافع بْن المعلى، وبين المقداد بْن عمرو وعبد الله بْن رواحة، وبين ذي الشمالين ويزيد بْن الحارث من بني حارثة بْن ثعلبة بْن كعب بْن الخزرج، وبين أبي سلمة بْن عَبْد الأسد وسعيد بْن خيثمة، وبين عمير بْن أبي وقاص وخبيب بْن عدي، وبين عَبْد اللهِ بْن مظعون وقطبة بْن عامر بْن حديدة، وبين شماس بْن عثمان وحنظلة بْن أبي عامر، وبين الأرقم بْن أبي الأرقم وطلحة بْن زيد الأنصاري، وبين زيد بْن الخطاب ومعن بْن عدي، وبين عمرو بْن سراقة وسعيد بْن زيد من بني عَبْد الأشهل، وبين عاقل بْن البكير ومبشر بْن عَبْد المنذر، وبين عَبْد اللهِ بْن مخرمة وفروة بْن عمرو البياضي، وبين خنيس بْن حذافة والمنذر بْن مُحَمَّد بْن عقبة بْن أحيحة بْن الجلاح، وبين أبي سبرة بْن أبي رهم وعبادة بْن الخشخاش، وبين مسطح بْن أثاثة وزيد بْن المزين، وبين أبي مرثد الغنوي وعبادة بْن الصامت، وبين عكاشة بْن محصن والمجذر بْن زياد البلوي حليف الأنصار، وبين عامر بْن فهيرة والحارث بْن الصمة، وبين مهجع مولى عمر وسراقة بْن عمرو بْن عطية من بني غنم بْن مالك بْن النجار، وقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخى بين المهاجرين بعضهم وبعض قبل الهجرة على الحق والمواساة أيضا، فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين حمزة وزيد بْن حارثة، وبين عثمان وعبد الرحمن بْن عوف، وبين الزبير وعبد الله بْن مسعود، وبين عبيدة بْن الحارث وبلال، وبين مصعب بْن عمير وسعد بْن أبي وقاص، وبين أبي عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة، وبين سعيد بْن زيد وطلحة بْن عبيد الله، فلما نزل المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار على ما تقدم ذكرنا له.

.فرض الزكاة:

ثم فرضت الزكاة، وأسلم عَبْد اللهِ بْن سلام وطائفة من اليهود.

.كفار اليهود والمنافقون:

وكفر جمهور اليهود، ونافق قوم من الأوس والخزرج، فأظهروا الإسلام مداراة لقومهم من الأنصار، وأبطنوا الكفر، ففضحهم الله عز وجل بالقرآن، وممن ذكر منهم من بني عمرو بْن عوف أهل قباء: الحارث بْن سويد بْن الصامت منافق، وكان أخوه خلاد بْن سويد من فضلاء الأنصار، وكان أخوهما الخلاس بْن سويد ممن اتهم بالنفاق لنزغة نزغ بها ثم لم يظهر بعد منه إلا النصح للمسلمين والخير والصلاح، ونبتل بْن الحارث، وبجاد بْن عثمان بْن عامر، وأبو حبيبة بْن الأزعر وهو أحد الذين بنوا مسجد الضرار، وعباد بْن حنيف أخو سهل بْن حنيف، وكان أخواه سهل وعثمان من فضلاء الأنصار وصالحيهم، وجارية بْن عامر بْن العطاف، وابناه زيد ومجمع، وقد قيل: إن مجمع بْن جارية لم يصح عنه النفاق، بل صح عنه الإسلام، وَحَمَلَ القرآن، وإنما ذكر منهم، لأن قومه الذين بنوا مسجد الضرار اتخذوه إماما فيه، ومن بني أمية بْن زيد: وديعة بْن ثابت وهو من أصحاب مسجد الضرار اتخذوه إماما، وبشر بْن زيد، وأخوه رافع بْن زيد، ومن النبيت من بني حارثة: مربع بْن قيظي، وأخوه أوس بْن قيظي، وحاطب بْن أمية بْن رافع، وكان ابنه يزيد بْن حاطب من الفضلاء، وقزمان حليف لهم قتل نفسه يوم أحد بعد أن أنكى في المشركين، ولم يكن في بني عَبْد الأشهل منافق ولا منافقة رجل ولا امرأة، إلا أن الضحاك بْن ثابت اتهم بشيء لم يصح عليه، ومن الخزرج من بني النجار: رافع بْن وديعة، وزيد بْن عمرو، وعمرو بْن قيس، ومن بني جشم بْن الخزرج: الجد بْن قيس، ومن بني عوف بْن الخزرج: عَبْد اللهِ بْن أبي بْن سلول، كان رئيس المنافقين وكهفا لهم يأوون إليه، وكان ابنه عَبْد اللهِ بْن عَبْد اللهِ من صلحاء المسلمين وفضلائهم، ووديعة، وسويد، وداعس، ومالك، وهؤلاء من القواقل، وقيس بْن فهر ممن اتهم بالنفاق والله أعلم، وكان قوم من اليهود نافقوا بعد أن أظهروا الإيمان بالله ورسوله واستبطنوا الكفر منهم: سعد بْن حنيف، وزيد بْن اللصيت، ورافع بْن حريملة، ورفاعة بْن زيد بْن التابوت، وكنانة بْن صوريا.

.مغازي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعوثه:

.غزوة ودان، ويقال لها: غزوة الأبواء:

وأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ داعيا بالمدينة إلى الله، ومعلما مما علمه الله باقي شهر ربيع الأول، الشهر الذي قدم فيه المدينة، وباقي العام كله إلى صفر من سنة اثنتين من الهجرة، ثم خرج غازيا في صفر المؤرخ، واستعمل على المدينة سعد بْن عبادة حتى بلغ ودان، فوادع بني ضمرة بْن عَبْد مناة بْن كنانة، وعقد ذلك معه سيدهم مخشي بْن عمرو، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا، وهي أول غزوة غزاها بنفسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

.باب بعث حمزة، وبعث عبيدة:

ولما انصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غزوة الأبواء أقام بالمدينة بقية صفر وربيع الأول وصدرا من ربيع الآخر، وفي هذه المدة بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمه حمزة بْن عَبْد المطلب في ثلاثين راكبا من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد إلى سيف البحر من ناحية العيص، فلقي أبا جهل في ثلاث مائة راكب من كفار أهل مكة، فحجز بينهم مجدي بْن عمرو الجهني، وتوادع الفريقان على يديه، فلم يكن بينهما قتال، وبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه المدة أيضا عبيدة بْن الحارث بْن عَبْد المطلب بْن عَبْد مناف في ستين راكبا من المهاجرين أو ثمانين ليس فيهم من الأنصار أحد، فنهض حتى بلغ أحياء وهي ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة، فتلقى بها جمعا من قريش عليهم عكرمة بْن أبي جهل، وقيل: كان عليهم مكرز بْن أبي حفص، فلم يكن بينهم قتال، إلا أن سعد بْن أبي وقاص، وكان في ذلك البعث، رَمَى بسهم، فكان أول سهم رُمِيَ به في سبيل الله، وفر من الكفار يومئذ إلى المسلمين: المقداد بْن عمرو، وعقبة بْن غزوان، وكانا قديمي الإسلام إلا أنهما لم يجدا السبيل إلى اللحاق بالنبي عليه السلام إلى يومئذ، واختلف أهل السير في أي البعثين كان أول، أبعث حمزة، أو بعث عبيدة؟ فقال ابن إسحاق: أول راية عقدها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأول سرية بعثها عبيدة بْن الحارث، قَالَ ابن إسحاق: وبعض الناس يزعمون أن راية حمزة أول راية عقدها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال المدائني: أول سرية بعثها رسول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمزة بْن عَبْد المطلب في ربيع الأول من سنة اثنتين إلى سيف البحر من أرض جهينة.

.فرض صوم رمضان:

ثم فرض صوم رمضان سنة إحدى قبل صرف القبلة بعام.

.غزوة بواط:

ثم خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ربيع الآخر إلى تمام عام من مقدمه المدينة، واستعمل على المدينة السائب بْن عثمان بْن مظعون، حتى بلغ بواط من ناحية رضوى، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا.

.غزوة العشيرة:

فأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة بقية ربيع الآخر وبعض جمادى الأولى، ثم خرج غازيا واستخلف على المدينة أبا سلمة بْن عَبْد الأسد، وأخذ على طريق إلى العشيرة فأقام هنالك بقية جمادى الأولى وليالي من جمادى الآخرة، ووادع فيها بني مدلج، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا.

.غزوة بدر الأولى:

ولما انصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من العشيرة، لم يُقِمْ بالمدينة إلا عشر ليال أو نحوها حتى أغار كرز بْن جابر الفهري على سرح المدينة، فخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طلبه حتى بلغ واديا يقال له سفوان في ناحية بدر، وفاته كرز فرجع إلى المدينة.

.بَعْثُ سعد بْن أبي وقاص:

وقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث في حين خروجه لطلب كرز بْن جابر سعد بْن أبي وقاص في ثمانية رهط من المهاجرين، فبلغ إلى الخرار، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا، وقيل: إنما بعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طلب كرز بْن جابر الفهري.

.بَعْثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جحش وسَرِيَّتِهِ:

ولما رجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من طلب كرز بْن جابر، وَتُعْرَفُ تلك الْخَرْجَةُ ببدر الأولى، أقام بالمدينة بقية جمادى الآخرة ورجبا، وبعث في رجب عَبْد اللهِ بْن جحش بْن رئاب، ومعه ثمانية رجال من المهاجرين وهم: أَبُو حذيفة بْن عتبة، وعكاشة بْن محصن، وعتبة بْن غزوان، وسهيل بْن بيضاء الفهري، وسعد بْن أبي وقاص، وعامر بْن ربيعة، وواقد بْن عَبْد اللهِ التميمي، وخالد بْن البكير الليثي، وكتب لعبد الله بْن جحش كتابا، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه، ولا يستكره أحدا من أصحابه وكان أميرهم، ففعل عَبْد اللهِ بْن جحش ما أمره به، فلما فتح الكتاب وقرأه وجد فيه: إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم، فلما قرأ الكتاب، قَالَ: سمعا وطاعة، ثم أخبر أصحابه بذلك، وأنه لا يستكره أحدا منهم، وأنه ناهض لوجهه مع من طاوعه، وأنه إن لم يطعه أحد مضى وحده، فمن أحب الشهادة فلينهض، ومن كره الموت فليرجع، فقالوا: كلنا نرغب فيما ترغب، وما منا أحد إلا وهو سامع مطيع لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونهض ونهضوا معه، فسلك على الحجاز، وشرد لسعد بْن أبي وقاص وعتبة بْن غزوان جمل كانا يعتقبانه، فتخلفا في طلبه، وَنَفَذَ عَبْدُ اللهِ بْن جحش مع سائرهم لوجهه حتى نزل بنخلة، فمرت بهم عير لقريش تحمل زبيبا وتجارة فيها عمرو بْن الحضرمي، واسم الحضرمي عَبْد اللهِ بْن عباد من الصدف، والصدف بطن من حضرموت، وعثمان بْن عَبْد اللهِ بْن المغيرة، وأخوه نوفل بْن عَبْد اللهِ بْن المغيرة المخزوميان، والحكم بْن كيسان مولى بني المغيرة، فتشاور المسلمون، وقالوا: نحن في آخر يوم من رجب الشهر الحرام، فَإِنْ نحن قتلناهم هتكنا حرمة الشهر الحرام، وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم، ثم اتفقوا على لقائهم، فرمى واقد بْن عَبْد اللهِ التميمي عمرو بْن الحضرمي بسهم فقتله، وأسروا عثمان بْن عَبْد اللهِ، والحكم بْن كيسان، وَأَفْلَتَ نوفل بْن عَبْد اللهِ، ثم قدموا بالعير والأَسِيرَيْنِ، وقال لهم عَبْد اللهِ بْن جحش: اعزلوا مما غنمنا الخمس لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففعلوا، فكان أول خمس في الإسلام، ثم نزل القرآن: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} فَأَقَرَّ الله ورسوله فِعْلَ عَبْد اللهِ بْن جحش في ذلك ورضيه وسنه للأمة إلى يوم القيامة، وهي أول غنيمة غنمت في الإسلام، وأول أسيرين، وعمرو بْن الحضرمي أول قتيل، وأنكر رسول الله قتل عمرو بْن الحضرمي في الشهر الحرام، فَسُقِطَ في أيدي القوم، فأنزل الله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ الله ِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفداء في الأسيرين، فأما عثمان بْن عَبْد اللهِ فمات بمكة كافرا، وأما الحكم بْن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى استشهد ببئر معونة، ورجع سعد وعتبة إلى المدينة سَالِمَيْنِ.