فصل: باب قول الله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت} الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القول المفيد على كتاب التوحيد (نسخة منقحة)



.باب قول الله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت} الآية:

* مناسبة هذا الباب لما قبله:
مناسبته أنه نوع من الباب الذي قبله، فإذا كان لا أحد يستطيع أن ينفع أحدًا بالشفاعة والخلاص من العذاب، كذلك لا يستطيع أحد أن يهدي أحدًا، فيقوم بما أمر الله به.
قوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت} [القصص: 56]، الخطاب للنبي، وكان يحب هداية عمه أبي طالب أو من هو أعم.
فأنت يا محمد المخاطب بكاف الخطاب، وله المنزلة الرفيعة عند الله لا تستطيع أن تهدي من أحببت هدايته، ومعلوم أنه إذا أحب هدايته، فسوق يحرص عليه، ومع ذلك لا يتمكن من هذا الأمر، لأن الأمر كله بيد الله، قال تعالى: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم} [آل عمران: 128]، وقال تعالى: {ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله} [هود: 123]، فأتى بـ: (أل) الدالة على الاستغراق، لأن (أل) في قوله: (الأمر) للاستغراق، فهي نائبة مناب كل، أي: وإليه يرجع كل الأمر، ثم جاءت مؤكدة بكل، وذلك توكيدان.
والهداية التي نفاها الله عن رسوله هداية التوفيق، والتي أثبتها له هداية الدلالة والإرشاد، ولهذا أتت مطلقة لبيان أن الذي بيده هو هداية الدلالة فقط، لا أن يجعله مهتديًا، قال تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} [الشورى: 52]، فلم يخصص سبحانه فلانًا وفلانًا ليبين أن المراد: أنك تهدي هداية دلالة، فأنت تفتح الطريق أمام الناس فقط وتبين لهم وترشدهم، وأما إدخال الناس في الهداية، فهذا أمر ليس إلى الرسول، إنما هو مما تفرد الله به سبحانه، فنحن علينا أن نبين وندعو، وأما هداية التوفيق أي أن الإنسان يهتدي، فهذا إلى الله- سبحانه وتعالى-، وهذا هو الجمع بين الآيتين.
وقوله: {إنك لا تهدي من أحببت} ظاهره أن النبي يحب أبا طالب، فكيف يؤول ذلك؟
والجواب: إما أن يقال: إنه على تقدير أن المفعول محذوف، والتقدير: من أحببت هدايته لا من أحببته هو.
أو يقال: إنه أحب عمه محبة طبيعية كمحبة الابن أباه ولو كان كافرًا.
أو يقال: إن ذلك قبل النهي عن محبة المشركين.
والأول أقرب، أي: من أحببت هدايته لا عينه، وهذا عام لأبي طالب وغيره.
ويجوز أن يحبه محبة قرابة، لا ينافي هذه المحبة الشرعية، وقد أحب أن يهتدي هذا الإنسان، وإن كنت أبغضه شخصيًّا لكفره، ولكن لأني أحب أن الناس يسلكون دين الله.
وفي (الصحيح) عن ابن المسيب، عن أبيه، قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهلٍ، فقال له: «يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله».
قوله: (في الصحيح)، سبق الكلام على مثل هذه العبارة في باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله.
قوله: (أبا)، بالألف: مفعول به منصوب بالألف، لأنه من الأسماء الخمسة، و: (الوفاة) يعني: الموت، فاعل حضرت.
قوله: «فقال: يا عم! قل لا إله إلا الله»، أتى بهذه الكنية الدالة على العطف، لأن العم صنو الأب، أي: كالغصن معه.
والصنو: الغصن الذي أصله واحد، فكأنه معه كالغصن.
قوله: «يا عم» فيها وجهان:
يا عم، بكسر الميم: على تقدير أنها مضافة إلى الياء.
ويا عم، بضم الميم: على تقدير قطعها عن الإضافة.
قوله: (قل: لا إله إلا الله) يجوز أنه قال على سبيل الأمر والإلزام، لأنه يجب أن يأمر كل أحد أن يقول: لا إله إلا الله.
ويجوز أنه قاله على سبيل الترجي والتلطف معه، وأبو طالب والذين عنده يعرفون هذه الكلمة ويعرفون معناها، ولهذا بادر بالإنكار.
قوله: (كلمة)، منصوبة، لأنها بدل لا إله إلا الله، ويجوز إذا لم تكن الرواية بالنصب أن تكون بالرفع، أي: هي كلمة، ولكن النصب أوضح.
قوله: (أحاج)، بضم الجيم وفتحها، فعلى ضم الجيم فهي صفة لكلمة، وإذا كانت بالفتح فهي مجزومة جوابًا للأمر: (قل)، أي: قل أحاج.
وقال بعض المعربين: إنها جواب لشرط مقدر، أي: إن تقل أحاج، وبعضهم يرى أنها جواب للأمر مباشرة، وهذا والأول أسهل، لأن الأصل عدم التقدير.
والمعنى: أذكرها حجة لك عند الله، وليس أخاصم وأجادل لك بها عند الله، وإن كان بعض أهل العلم قال: إن معناها أجادل الله بها، ولكن الذي يظهر لي أن المعنى: أحاج لك بها عند الله، أي: أذكرها حجة لك كما جاء في بعض الروايات: (أشهد لك بها عند الله).
قوله: (فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟)، القائلان هما: عبد الله بن أبي أمية، وأبو جهل، والاستفهام للإنكار عليه، لأنهما عرفا أنه إذا قالها- أي كلمة الإخلاص- وحد، وملة عبد المطلب الشرك، وذكرا له ما تهيج به نعرته، وهي ملة عبد المطلب حتى لا يخرج عن ملة آبائه.
وقد مات أبو جهل على ملة عبد المطلب، أما عبد الله بن أبي أمية والمسيب الذي روى الحديث، فأسلما، فأسلم من هؤلاء الثلاثة رجلان، رضي الله عنهما.
قوله: (ملة عبد المطلب)، أي: دين عبد المطلب.
قوله: (فأعاد عليه النبي)، أي: قوله قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله.
قوله: (فأعادا عليه)، أي قولهما: أترغب عن ملة عبد المطلب.
فقال النبي: «لأستغفرن لك ما لم أنه عنك».
فأنزل الله عز وجل: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} [التوبة: 113].
قوله: «فقال النبي: لأستغفرن لك.... إلخ» جملة: «لأستغفرن لك» مؤكدة بثلاث مؤكدات: القسم، والسلام، ونون التوكيد الثقيلة.
والاستغفار: طلب المغفرة، وكأن النبي في نفسه شيء من القلق، حيث قال: «ما لم أنه عنك»، فوقع الأمر كما توقع ونهى عنه.
قوله: «ما لم أنه عنك»، فعل مضارع مبني للمجهول، والناهي عنه هو الله.
قوله: {ما كان}، ما: نافية، وكان: فعل ماض وناقص.
قوله: {أن يستغفروا}، أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر اسم كان مؤخر.
قوله: {للنبي}، خبر مقدم، أي: ما كان استغفاره.
واعلم أن ما كان أو ما ينبغي أو لا ينبغي ونحوها إذا جاءت في القرآن والحديث، فالمراد أن ذلك ممتنع غاية الامتناع، كقوله تعالى: {ما كان لله أن يتخذ من ولد} [مريم: 35]، وقوله: {وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدًا} [مريم: 92]، وقوله: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر} [يس: 40]، وقوله: «إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام».
وقوله: {أن يستغفروا}، أي: يطلبوا المغفرة للمشركين.
قوله: {ولو كانوا أولي قربى}، أي: حتى ولو كانوا أقارب لهم، ولهذا لما اعتمر النبي، ومر بقبر أمه استأذن الله أن يستغفر لها فما أذن الله له، فاستأذنه أن يزور قبرها فأذن له، فزاره للاعتبار وبكى وأبكى من حوله من الصحابة.
فالله منعه من طلب المغفرة للمشركين، لأن هؤلاء المشركين ليسوا أهلًا للمغفرة لأنك إذا دعوت الله أن يفعل ما لا يليق، فهو اعتداء في الدعاء.
وأنزل الله في أبي طالب: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}.
قوله: (وأنزل الله في أبي طالب)، أي: في شأنه.
قوله: {إنك لا تهدي من أحببت}، الخطاب للرسول، أي لا توفق من أحببت للهداية.
قوله: {ويهدي من يشاء}، أي يهدي هداية التوفيق من يشاء. واعلم أن كل فعل يضاف إلى مشيئة الله تعالى، فهو مقرون بالحكمة، أي: من اقتضت حكمته أن يهديه فإنه يهتدي، ومن اقتضت حكمته أن يضله أضله.
وهذا الحديث يقطع وسائل الشرك بالرسول وغيره، فالذين يلجئون إليه ويستنجدون به مشركون، فلا ينفعهم ذلك لأنه لم يؤذن له أن يستغفر لعمه، مع أنه قد قام معه قيامًا عظيمًا، ناصره وآزره في دعوته، فكيف بغيره ممن يشركون بالله؟!
* الإشكالات الواردة في الحديث:
الإشكال الأول: الإثبات والنفي في الهداية، وقد سبق بيان ذلك.
الإشكال الثاني: قوله لما حضرت أبا طالب الوفاة يشكل مع قوله تعالى: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} [النساء: 18]، وظاهر الحديث قبول توبته.
والجواب عن ذلك من أحد وجهين:
الأول: أن يقال لما حضرت أبا طالب الوفاة، أي ظهر عليه علامات الموت ولم ينزل به، ولكن عرف موته لا محالة، وعلى هذا، فالوصف لا ينافي الآية.
الثاني: أن هذا خاص بأبي طالب مع النبي، ويستدل لذلك بوجهين:
أ- أنه قال: «كلمة أحاج لك بها عند الله»، ولم يجزم بنفعها له، ولم يقل: كلمة تخرجك من النار.
ب- أنه سبحانه أذن للنبي بالشفاعة لعمه مع كفره، وهذا لا يستقيم إلا له، والشفاعة له ليخفف عنه العذاب.
ويضعف الوجه الأول أن المعنى ظهرت عليه علامات الموت: بأن قوله: (لما حضرت أبا طالب الوفاة) مطابقًا تمامًا لقوله تعالى: {حتى إذا حضر أحدهم الموت}، وعلى هذا يكون الأوضح في الجواب أن هذا خاص بالنبي مع أبي طالب نفسه.
الإشكال الثالث: أن قوله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} [التوبة: 113] في سورة التوبة، وهي متأخرة مدنية، وقصة أبي طالب مكية، وهذا يدل على تأخر النهي عن الاستغفار للمشركين، ولهذا استأذن النبي للاستغفار لأمه وهو ذاهب للعمرة.
ولا يمكن أن يستأذن بعد نزول النهي، فدل على تأخر الآية، وأن المراد بيان دخولها في قوله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}، وليس المعنى أنها نزلت في ذلك الوقت.
وقيل: إن سبب نزول الآية هو استئذانه ربه في الاستغفار لأمه، ولا مانع من أن يكون للآية سببان.
الإشكال الرابع: أن أهل العلم قالوا: يسن تلقين المحتضر لا إله إلا الله، لكن بدون قول قل، لأنه ربما مع الضجر يقول: لا، لضيق صدره مع نزول الموت، أو يكره هذه الكلمة أو معناها، وفي هذا الحديث قال: (قل).
والجواب: إن أبا طالب كان كافرًا، فإذا قيل له: قل وأبي، فهو باق على كفره، لم يضره التلقين بهذا، فإما أن يبقى على كفره ولا ضرر عليه بهذا التلقين، وإما أن يهديه الله، بخلاف المسلم، فهو على خطر لأنه ربما يضره التلقين على هذا الوجه.
* فيه مسائل:
الأولى: تفسير قوله: {إنك لا تهدي من أحببت} الآية. الثانية: تفسير قوله: {ما كان للنبي} الآية. الثالثة: وهي المسألة الكبيرة، تفسير قوله: (قل لا إله إلا الله)، بخلاف ما عليه من يدعي العلم.
فيه مسائل:
* الأولى: تفسير قوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت}، أي: من أحببت هدايته، وسبق تفسيرها، وبينا أن الرسول إذا كان لا يستطيع أن يهدي أحدًا وهو حي، فكيف يستطيع أن يهدي أحدًا وهو ميت؟! وأنه كما قال الله تعالى في حقه: {قل إني لا أملك لكم ضرًا ولا رشدًا} [الجن: 21].
* الثانية: تفسير قوله: {ما كان للنبي} الآية، وقد سبق تفسيرها وبيان تحريم استغفار المسلمين للمشركين ولو كانوا أولي قربى.
والخطر من قول بعض الناس لبعض زعماء الكفر إذا مات: المرحوم، فإنه حرام لأن هذا مضادة لله- سبحانه وتعالى-، وكذلك يحرم إظهار الجزع والحزن على موتهم بالإحداد أو غيره، لأن المؤمنين يفرحون بموتهم، بل لو كان عندهم القدرة والقوة لقاتلوهم حتى يكون الدين كله لله.
* الثالثة: وهي المسألة الكبيرة، أي: الكبير من هذا الباب، وقوله: (أي قول النبي) لعمه: «قل: لا إله إلا الله»، وعمه عرف المعنى أنه التبرؤ من كل إله سوى الله، ولهذا أبى أن يقولها لأنه يعرف معناها ومقتضاها وملزوماتها.
وقوله: (بخلاف ما عليه من يدعي العلم) كأنه يشير إلى تفسير المتكلمين لمعنى لا إله إلا الله، حيث يقولون: إن الإله هو القادر على الاختراع، وإنه لا قادر على الاختراع والإيجاد والإبداع إلا الله، وهذا تفسير باطل.
نعم، هو حق لا قادر على الاختراع إلا الله، لكن ليس هذا معنى لا إله إلا الله، ولكن المعنى: لا معبود حق إلا الله، لأننا لو قلنا: إن معنى لا إله إلا الله: لا قادر على الاختراع إلا الله، صار المشركون الذين قاتلهم الرسول واستباح نساءهم وذريتهم وأموالهم مسلمين، فالظاهر من كلامه رحمه الله أنه أراد أهل الكلام الذين يفسرون لا إله إلا الله بتوحيد الربوبية، وكذلك الذين يعبدون الرسول والأولياء ويقولون: نحن نقول لا إله إلا الله.
الرابعة: أن أبا جهل ومن معه يعرفون مراد النبي إذا دخل قال للرجل: «قل: لا إله إلا الله»، فقبح الله أبا جهل! من أعلم منه بأصل الإسلام.
الرابعة: أن أبا جهل ومن معه يعرفون مراد النبي، أبو جهل ومن معه يعرفون مراد النبي بقول: لا إله إلا الله، ولذا ثاروا وقالوا له: (أترغب عن ملة عبد المطلب؟)، وهو أيضًا أبى أن يقولها لأنه يعرف مراد النبي بهذه الكلمة، قال تعالى: {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون} [الصافات: 36].
فالحاصل أن الذين يدعون أن معنى لا إله إلا الله، أي: لا قادر على الاختراع إلا هو، أو يقولونها وهم يعبدون غيره كالأولياء هم أجهل من أبي جهل.
واحترز المؤلف في عدم ذكر من مع أبي جهل لأنهم أسلموا، وبذلك صاروا أعلم ممن بعدهم، خاصة من هم في العصور المتأخرة في زمن المؤلف رحمه الله.
الخامسة: جده ومبالغته في إسلام عمه. السادسة: الرد على من زعم إسلام عبد المطلب وأسلافه.
* الخامسة: جده ومبالغته في إسلام عمه، حرصه وكونه يتحمل أن يحاج بالكلمة عند الله واضح من نص الحديث، لسببين هما:
1- القرابة.
2- لما أسدى للرسول والإسلام من المعروف، فهو على هذا مشكور، وإن كان على كفره مأزورًا وفي النار، ومن مناصرة أبي طالب أنه هجر قومه من أجل معاضدة النبي ومناصرته، وكان يعلن على الملأ صدقه ويقول قصائد في ذلك ويمدحه، ويصبر على الأذى من أجله، وهذا جدير بأن يحرص على هدايته، لكن الأمر بيد مقلب القلوب كما في الحديث: «إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد، يصرفه حيث يشاء»، ثم قال في نفس الحديث: «اللهم! مصرف القلوب! صرف قلوبنا على طاعتك».
* السادسة: الرد على من زعم إسلام عبد المطلب، بدليل قولهما: (أترغب عن ملة عبد المطلب؟) حين أمره النبي أن يقول لا إله إلا الله، فدل على أن ملة عبد المطلب الكفر والشرك.
وفي الحديث رد على من قال بإسلام أبي طالب أو نبوته كما تزعمه الرافضة، قبحهم الله، لأن آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله.
السابعة: كونه استغفر له فلم يغفر له، بل نهي عن ذلك. الثامنة: مضرة أصحاب السوء على الإنسان.
* السابعة: كونه استغفر له فلم يغفر له، الرسول أقرب الناس أن يجيب الله دعاءه، ومع ذلك اقتضت حكمة الله أن لا يجيب دعاءه لعمه أبي طالب، لأن الأمر بيد الله لا بيد الرسول ولا غيره، قال تعالى: {قل إن الأمر كله لله} [آل عمران: 154]، وقال تعالى: {وإليه يرجع الأمر كله} [هود: 123] ليس لأحد تصرف في هذا الكون إلا رب الكون.
وكذا أمه لم يؤذن له في الاستغفار لها، فدل على أن أهل الكفر ليسوا أهلًا للمغفرة بأي حال، ولا يجاب لنا فيهم، ولا يحل الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة، وإنما يدعى لهم بالهداية وهم أحياء.
* الثامنة: مضرة أصحاب السوء على الإنسان، المعنى أنه لولا هذان الرجلان، لربما وفق أبو طالب القبول ما عرضه النبي، لكن هؤلاء- والعياذ بالله- ذكراه نعرة الجاهلية ومضرة رفقاء السوء، ليس خاصًا بالشرك، ولكن في جميع سلوك الإنسان، وقد شبه النبي جليس السوء بنافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، أو تجد منه رائحة كريهة، وقال: «فأبواه يهوادنه أو ينصرانه أو يمجسانه»، وذلك لما بينهما من الصحبة والاختلاط، وكذلك روي عن النبي بسند لا بأس به: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل»، فالمهم أنه يجب على الإنسان أن يفكر في أصحابه: هل هم أصحاب سوء؟ فليبعد عنهم لأنهم أشد عداء من الجرب، أو هم أصحاب خير: يأمرونه بالمعروف، وينهونه عن المنكر، ويفتحون له أبواب الخير، فعليه بهم.
التاسعة: مضرة تعظيم الأسلاف والأكابر.
* التاسعة: مضرة تعظيم الأسلاف والأكابر، لأن أبا طالب اختار أن يكون على ملة عبد المطلب حين ذكروه بأسلافه مع مخالفته لشريعة النبي.
وهذا ليس على إطلاقه، فتعظيمهم إن كانوا أهلًا لذلك فلا يضر، بل هو خير، فأسلافنا من صدر هذه الأمة لا شك أن تعظيمهم وإنزالهم منازلهم خير لا ضرر فيه.
وإن كان تعظيم الأكابر لما هم عليه من العلم والسن، فليس فيه مضرة، وإن كان تعظيمهم لما هم عليه من الباطل، فهو ضرر عظيم على دين المرء، فمثلًا: من يعظم أبا جهل لأنه سيد أهل الوادي، وكذلك عبد المطلب وغيره فهو ضرر عليه، ولا يجوز أن يرى الإنسان في نفسه لهؤلاء أي قدر، لأنهم أعداء الله- عز وجل-، وكذلك لا يظم الرؤساء من الكفار في زمانه، فإن فيه مضره لأنه قد يورث ما يضاد الإسلام، فيجب أن يكون التعظيم حسب ما تقتضيه الأدلة من الكتاب والسنة.
العاشرة: الشبهة للمبطلين في ذلك، لاستدلال أبي جهل بذلك.
* العاشرة: الشبهة للمبطلين في ذلك لاستدلال أبي جهل بذلك، شبه المبطلين في تعظيم الأسلاف هي استدلال أبي جهل بذلك في قوله: (أترغب عن ملة عبد المطلب؟)، وهذه الشبهة ذكرها الله في القرآن في قوله تعالى: {وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} [الزخرف: 23].
فالمبطلون يقولون في شبهتهم: إن أسلافهم على الحق وسيقتدون بهم، ويقولون: كيف نسفه أحلامهم، ونضلل ما هم عليه؟
وهذا يوجد في المتعصبين لمشايخهم وكبرائهم ومذاهبهم، حيث لا يقبلون قرآنًا ولا سنة في معارضة الشيخ أو الإمام، حتى إن بعضهم يجعلن معصومين، كالرافضة، والتيجانية، والقاديانية، وغيرهم، فهم يرون أن إماماهم لا يخطئ، والكتاب والسنة يمكن أن يخطئا.
فالواجب على المرء أن يكون تابعًا لما جاء به الرسول، وأما من خالفه من الكبراء والأئمة، فإنهم لا يحتج بهم على الكتاب والسنة، لكن يعتذر لهم عن مخالفة الكتاب والسنة إن كانوا أهلًا للاعتذار، بحيث لم يعرف عنهم معارضة للنصوص، فيعتذر لهم بما ذكره أهل العلم، ومن أحسن ما ألف كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية: (رفع الملام عن الأثمة الأعلام)، أما من يعرف بمعارضة الكتاب والسنة، فلا يعتذر له.
الحادية عشرة: الشاهد لكون الأعمال بالخواتيم، لأنه لو قالها لنفعته. الثانية عشرة: التأمل في كبر هذه الشبهة في قلوب الضالين، لأن في القصة أنهم لم يجادلوه إلا بها، مع مبالغته وتكريره، فلأجل عظمتها ووضوحها عندهم اقتصروا عليها.
* الحادية عشرة: الشاهد لكون الأعمال بالخواتيم، وهذا مبني على القول بأن معنى حضرته الوفاة، أي: ظهرت عليه علاماتها ولم ينزل به كما سبق.
* الثانية عشرة: التأمل في كبر هذه الشبهة في قلوب الضالين.... إلخ، وهذه الشبهة هي تعظيم الأسلاف والأكابر.