فصل: (مسألة: نعي الموتى)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[مسألة: أقل الكفن]

وأقل ما يجب في الكفن ما يستر به عورة الميت.
ومن أصحابنا من قال: يجب ثوب في الرجل والمرأة؛ لأن ما دونه لا يسمى كفنًا.
والأول أصح؛ لما روي: «أن مصعب بن عمير قتل يوم أحد، ولم يكن له إلا نمرة، إذا غطي بها رأسه... بدت رجلاه، وإذا غطي بها رجلاه بدا رأسه، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: غطوا بها رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر» و (النمرة): الشملة المخططة.
وأما المستحب في كفن الرجل: فثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة.
وقال أبو حنيفة: (يستحب القميص فيها).
دليلنا: ما روي عن عائشة: أنها قالت: «كفن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة» وروي: (أن عمر كفن في ثلاثة أثواب، بردتين سحوليتين، وثوب كان يلبسه).
قال ابن الصباغ: و (سحول) - بفتح السين -: مدينة بناحية اليمن يعمل فيها، و (السحول) - بضم السين -: هي الثياب الشديدة البياض.
وقد روى الترمذي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كفن في ثلاثة أثواب بيض يمانية».
وروى أبو عبيد الهروي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كفن في ثوبين صحاريين».
وأما الجائز في كفن الرجل: فخمسة أثواب؛ لما روي: (أن ابن عمر كان يكفن أهله في خمسة أثواب فيها قميص وعمامة).
فإن كان في الكفن قميص وعمامة... جُعلا تحت الثياب؛ لأن إظهارهما زينة، وليس حاله حال زينة، ويكره الزيادة على ذلك؛ لأنه سرف.
ويستحب أن يكفن الصغير في ثلاثة أثواب.
وقال أبو حنيفة: (يكفن في خرقتين).
دليلنا: أنه لما ساوى الكبير في صفة الكفن... ساواه في قدره، كحال الحياة.
وأما صفة الكفن: فإن الشافعي قال: (أستحب أن يكون ثلاثة أثواب بيض رياط).
وقال أبو حنيفة: (يكون فيهما برد حبرة).
دليلنا: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كفن في ثلاثة أثواب بيض»، وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «البسوا البياض، وكفنوا فيها موتاكم، فإنها أطيب وأطهر».
وأما (الرياط): فواحدتها: ريطة، وهي الملاءة البيضاء التي ليست ملفقة من ثوبين.
وإن اختلف الورثة في قدر الكفن... قال بعضهم: يكفن بثلاثة أثواب، وقال بعضهم: يكفن بثوب، وقال بعضهم: يكفن بما يستر عورته ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه يقدم قول من دعا إلى الثلاث؛ لأنه هو الكفن المسنون.
والثاني: يقدم قول من دعا إلى ثوب؛ لأنه يعم ويستر البدن.
والثالث - حكاه في "الفروع" -: أنه يقدم قول من دعا إلى ما يستر العورة إذا قلنا: إنه الواجب؛ لأنه هو الواجب.
فإن كان الميت موسرًا... كفن في ثياب مرتفعة، وإن كان متوسطًا ففي ثياب متوسطة، وإن كان معسرًا... ففي ثياب أدنى من المتوسطة، اعتبارًا بحاله في الحياة.
وتكره المغالاة في الكفن؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تغالوا في الكفن، فإنه يسلب سلبًا سريعًا، فإما يبدل خيرًا منه، أو شرًا منه».
ويستحب أن يبخر الكفن على مشجب أو عود؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا جمرتم الميت... فجمروه ثلاثًا».
ولأنه ربما ظهر من الميت شيء، فيغلبه ريح البخور، ولهذا قال بعض أصحابنا: يستحب أن يبخر عند الميت من حين يموت؛ لهذه العلة.

.[مسألة: بسط أوسع وأحسن الثياب أولاً في الكفن]

ويستحب أن تبسط أحسن الثياب وأوسعها، ويذر عليه الحنوط، ثم يبسط الذي بعده، ويذر عليه الحنوط ثم الذي دونها، اعتبارًا بالحي، فإنه يجعل أحسن ثيابه ظاهرًا، ثم يذر عليه الحنوط.
قال ابن الصباغ: وظاهر ما نقله المزني يقتضي: ألا يذر على الثالث الحنوط؛ لأنه قال: يذر فيما بينهما الحنوط، إلا أن أصحابنا لا يختلفون أنه يذر عليه الحنوط؛ لأنه أولى بذلك، فإنه يلي الميت.
ثم يحمل الميت مستورًا، حتى يوضع على الأكفان ملقى على قفاه، ويؤخذ قطن منزوع الحب، ويذر عليه الحنوط والكافور، ويدخل بين أليتيه إدخالاً بليغًا؛ ليرد شيئًا إن خرج منه.
وقد ظن المزني أن الشافعي أراد: أنه يدخل في دبره، وقال أصحابنا: ليس كما ظن، وإنما أراد الشافعي: أنه يجعل كالموزة، ويدخل بين إليتيه؛ لأنه قال: (ليرد شيئًا إن خرج منه)، فلو كان أراد إدخاله في دبره، لكان يقول: ليمنع شيئًا إن خرج.
قال الشافعي: (ويشد عليه خرقة مشقوقة الطرفين بإحدى أليتيه وعانته، ثم تشد عليه كما يشد التبان الواسع).
قال الشيخ أبو حامد: وهذا الشد لا يحتاج إليه في الميت إلا إن كان به علة قيام، أو خشي عليه أن يخرج منه، فيؤخذ لبد، فيشد عليه من فوق أليتيه، فإن لم يكن لبد، فخرقة، فأما شق الطرف: فلا يحتاج إليه في الميت، وإنما ذكره الشافعي في (المستحاضة)؛ لأنها تنصرف وتمشي، وأما الميت: فلا يحتاج أن يشد ذلك عليه.
قال ابن الصباغ: وقد قيل: يشد ذلك بخيط، والتبان: السراويل بلا تكة. ويؤخذ قطن منزوع الحب، ويذر عليه الحنوط والكافور، ويترك على الفم، والمنخرين، والعينين، والأذنين، وعلى جراح نافذة إن كانت فيه؛ ليخفى ما يظهر من الرائحة من هذه المواضع.
ويذر الحنوط والكافور على قطن منزوع الحب، ويجعل على مواضع السجود من بدنه؛ لما روي عن ابن مسعود: أنه قال: (يتبع بالطيب مساجده)، ولأنها شرفت بالسجود، فاستحب تطييبها.
ويستحب أن يطيب رأسه ولحيته؛ لأن الحي يطيبهما إذا تطيب، وإن حنط جميع بدنه بالكافور والحنوط... فلا بأس؛ لأنه يقويه.
قال الشافعي: (وإن حنط بالمسك والعنبر... فلا بأس).
وقال عطاء، وطاووس: لا يطيب بالمسك.
دليلنا: ما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المسك من أطيب الطيب»، وروي: عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قال: (اجعلوا في حنوطي المسك، فإنه من بقية حنوط رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -). وهل يجب الحنوط والكافور؟ فيه قولان، وقيل: هما وجهان:
أحدهما: يجب؛ لأن العادة جرت به.
والثاني: لا يجب، كما لا يجب الطيب في حق المفلس.
فإذا فرغ من ذلك... أدرج في ثوب.
قال الشافعي في موضع: (يثني صنفة الثوب من جانبه الأيمن، ويمده إلى جانبه الأيسر، ثم يأخذ صنفة الثوب من جانبه الأيسر، ويمده إلى جانبه الأيمن).
وقال في موضع آخر: (بل يأخذ حاشية الثوب من جانبه الأيسر، ويمده إلى جانبه الأيمن، ثم يأخذ حاشية الثوب من جانبه الأيمن، ويمده إلى جانبه الأيسر، ويكون العالي ما على كتفه الأيسر).
فمن أصحابنا من قال: فيه قولان:
ومنهم من قال: هي على قول واحد، وأنه يبتدأ بالأيسر على الأيمن، ثم بالأيمن على الأيسر، وهو الأصح؛ لأن هذا عادة الحي في الرداء أو الطيلسان.
ثم يفعل ببقية الأكفان كذلك، ويجعل ما يلي الرأس من زيادة الأكفان أكثر مما يلي الرجلين، كالحي ما على رأسه أكثر، ويرد ما بقي عند رأسه على وجهه، وما بقي عند رجليه على ظهر قدميه، فإن خافوا أن تنتشر الأكفان... عقدوها عليه، فإذا أدخلوه القبر حلوها؛ لأنه يكره أن يكون معه في القبر شيء معقود، ولهذا استحب ألا يكون معه شيء مخيط، ولأن الانتشار قد أمن منه.
وإن كان الكفن قصيرًا لا يعم بدنه... ستر به عورته، وما بقي من ستر عورته غطي به صدره ورأسه؛ لما ذكرناه في حديث مصعب بن عمير.

.[مسألة: تكفين المرأة]

وأما المرأة: فإنه يستحب أن تكفن في خمسة أثواب.
قال القاضي أبو الفتوح: وكذلك الخنثى يستحب أن يكفن في خمسة أثواب، كالمرأة، وهل يستحب أن يكون أحدها درعا؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يستحب؛ لأنها ميتة، فلم يستحب في كفنها المخيط، كالرجل، ولأن الدرع إنما تحتاج إليه المرأة؛ لتستتر به في تصرفها، والميت لا يتصرف.
فعلى هذا: تؤزر بإزار، وتخمر بخمار، وتدرج في ثلاثة أثواب.
والثاني: يستحب أن يكون أحدها درعًا.
قال الشيخ أبو حامد: وهو الصحيح؛ لما روي عن أم عطية: أنها قالت: «لما غسلنا ابنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان جالسًا على الباب يناولنا الأكفان واحدًا واحدًا، فناولنا إزارًا، ودرعًا، وخمارًا، وثوبين».
ولأن أفضل حال الإنسان، إذا كان محرمًا، فلما كان للمرأة المحرمة لبس المخيط، فكذلك بعد الموت.
فعلى هذا: تؤزر بإزار، وتلبس الدرع، وتخمر بخمار، وتدرج بثوبين.
قال الشافعي: (ثم يشد على صدرها ثوب؛ ليجمع أثوابها).
فقال الشيخ أبو إسحاق: هذا ثوب سادس ليس من جملة الأكفان، فيحل عنها في القبر.
وقال أبو العباس: هو من جملة الأكفان، ولكن يكون فوق اللفافة؛ لأن الشافعي لم يذكر أنه يحل.
والأول أشبه بقول الشافعي؛ لأنه قال: (يجمع عليها الثياب). وهذا يقتضي أن يكون أعلاها.

.[فرع: كراهة المعصفر للمرأة]

ويكره أن تكفن المرأة في المعصفر والمزعفر.
وقال أبو حنيفة: (لا يكره). وبه قال بعض أصحابنا.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الثياب البيض: «وكفنوا فيها موتاكم». وهذا يعم الرجال والنساء.
قال الصيمري: ولا يستحب أن يعد الرجل كفنه في حياته، لئلا يحاسب عليه.

.[مسألة: تكفين المحرم]

إذا مات محرم... لم ينقطع إحرامه بموته، فلا يلبس المخيط، ولا يخمر رأسه، ولا يقرب طيبًا في بدنه، ولا في ثيابه، ولا يجعل الكافور في الماء الذي يغسل به. هذا مذهبنا، وبه قال من الصحابة: عثمان، وعلي، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وأرضاهم، ومن التابعين: عطاء، ومن الفقهاء: الثوري، وأحمد، وإسحاق.
وذهبت طائفة إلى: أن بموته ينقطع حكم إحرامه، فيلبس المخيط، ويخمر رأسه، ويطيب. ذهب إليه من الصحابة: ابن عمر، وعائشة، ومن الفقهاء: الأوزاعي، ومالك، وأبو حنيفة وأصحابه.
دليلنا: ما روى ابن عباس: «أن رجلاً محرمًا خر من بعيره، فوقص، فمات،
فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما، ولا تخمروا رأسه، ولا تقربوه طيبًا، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا».
وروي: "ملبدًا". فإن طيبه إنسان... لم تجب الفدية على الذي طيبه؛ لأن الطيب في الإحرام يتعلق به حقان: حق لله، وحق للآدمي، فحق الآدمي: هو الانتفاع بالطيب، وحق الله: التحريم، والفدية تجب في مقابلة الانتفاع به، وإذا مات زال انتفاعه بالطيب، فسقطت الفدية، وحق الله لم يزل بموت المحرم، فلم يسقط التحريم.
وهذا كما نقول في الجناية على الآدمي: يتعلق بها حقان: حق الله تعالى، وهو التحريم، وحق الآدمي، وهو القصاص، أو الأرش.
فإذا مات إنسان، ثم جنى عليه إنسان... لم يلزمه القصاص ولا الأرش؛ لزوال حقه بموته، وكان عليه الإثم، لحق الله تعالى.

.[فرع: تطييب المعتدة]

وإن ماتت معتدة عن الوفاة... فهل يسقط تحريم الطيب؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يسقط، كالمحرمة.
والثاني: يسقط؛ لأن المعتدة إنما حرم عليها الطيب؛ لئلا يدعوها ذلك إلى النكاح، وذلك لا يوجد بعد الموت، فسقط التحريم. وبالله التوفيق.

.[باب الصلاة على الميت]

الصلاة على الميت فرض على الكفاية، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا على من قال: لا إله إلا الله». وفرض الكفاية كفرض الأعيان في ابتداء الوجوب؛ لأن فرض الأعيان يجب على كل واحد بعينه، وفرض الكفاية أيضًا يجب على كل أحد علم بالميت إلا أنهما يختلفان في الفعل، ففرض الكفاية إذا قام به بعض الناس... سقط الفرض عنهم وعن غيرهم، وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره.
إذا ثبت هذا: ففي أدنى ما يسقط به فرض الصلاة على الميت قولان، حكاهما أصحابنا البغداديون.
أحدهما: ثلاثة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا على من قال: لا إله إلا الله». وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا» خطاب للجمع، وأقل الجمع ثلاثة.
والثاني: يسقط الفرض بواحد؛ لأنها صلاة لا تفتقر إلى الجماعة، فلم تفتقر إلى العدد، كسائر الصلوات.
وقولنا: (لا تفتقر إلى الجماعة) احتراز من الجمعة، فإنها لا تصح فرادى، فلذلك اشترط العدد فيها.
وأصحابنا الخراسانيون يحكون فيها ثلاثة أوجه:
أحدها: ثلاثة.
والثاني: واحد.
والثالث أربعة.
وهل يسقط الفرض بصلاة النساء؟ فيه وجهان، قال صاحب "الإبانة" [ق \ 108] لا يسقط الفرض بفعلهن، واختار القاضي أبو الفتوح؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا على من قال: لا إله إلا الله». وهذا خطاب للذكور.
فعلى هذا: إذا صلى عليه الخنثى المشكل... لم يسقط الفرض.
وقال صاحب " المجموع ": يسقط الفرض بفعلهن، كالغسل.
وذكر الشيخ أبو حامد: أن الرجال إذا كانوا موجودين، فالفرض لا يتوجه على النساء، وهذا يدل من قوله: إذا عدم الرجال... توجه الفرض عليهن.
والسنة: أن تصلى في جماعة؛ لنقل الخلف عن السلف.
ويستحب أن يكونوا ثلاثة صفوف؛ لما روي «عن مالك بن هبيرة: أنه كان إذا صلى على ميت، فتقال الناس، جزأهم ثلاثة صفوف، ثم قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من صلى عليه ثلاثة صفوف... فقد أوجب».
وروت عائشة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يموت من المسلمين ميت فيصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا مائة، فيشفعون له، إلا شفعوا له».
قال الشيخ أبو إسحاق: وإن اجتمع نسوة، ولا رجل معهن... صلين على الميت فرادى؛ لأن النساء لا يسن لهن الجماعة في الصلاة على الميت، فإن صلين جماعة فلا بأس.

.[مسألة: نعي الموتى]

ويكره نعي الميت، وهو: أن ينادى في الناس: إن فلانًا قد مات؛ ليشهدوا جنازته، وحكى الصيدلاني وجهًا آخر: أنه لا يكره؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نعى النجاشي للناس».
وقال النخعي: لا بأس أن تعرف قرابة الميت.
دليلنا: ما روى عبد الله بن مسعود: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إياكم والنعي، فإنه من عمل الجاهلية». قال عبد الله: والنعي: أذان بالميت.
وقال حذيفة: (إذا مت، فلا تؤذنوا بي أحدًا، فإني أخاف أن يكون نعيًا).

.[مسألة: الأولى بالصلاة على الميت]

وأولى الناس بالصلاة على الميت: الأب، ثم الجد وإن علا، ثم الابن، ثم ابن الابن وإن سفل، ثم الأخ ثم بنوه، ثم العم، ثم بنوه، ثم يقدم الأقرب فالأقرب.
وقال مالك رحمة الله عليه: (يقدم الابن على الأب)؛ لأنه أقوى تعصيبًا منه في الميراث.
دليلنا: أن المقصود من الصلاة على الميت الدعاء له، والأب يساوي الابن في الإدلاء إلى الميت، ويزيد على الابن بأنه أحنى على الميت، وأكثر شفقة منه، فقدم؛ لأن دعاءه أرجى إجابة.

.[فرع: لا ولاية للزوج في التقدم]

ولا ولاية للزوج في التقدم بالصلاة على زوجته.
وقال الشعبي، وعطاء، وعمر بن عبد العزيز، وإسحاق رحمة الله عليهم: هو أولى من القريب. وروي ذلك عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
وقال أبو حنيفة: (لا ولاية له، إلا أنه يكره لابنه أن يتقدم عليه، فيقدم الزوج هاهنا).
دليلنا: أنه لا ولاية له، فلم يقدم على العصبات، كتزويج الزوج جارية زوجته. وما قاله أبو حنيفة يبطل بتقديم الأب مع الجد.
وإن اجتمع أخ لأب وأم، وأخ لأب... فمن أصحابنا من قال: فيهما قولان:
أحدهما: أنهما سواء.
والثاني: يقدم الأخ للأب والأم، كما قلنا فيهما إذا اجتمعا في ولاية النكاح، وتحمل العقل.
ومنهم من قال: يقدم هاهنا الأخ للأب والأم، قولاً واحدًا، لأن للأم مدخلاً في الصلاة على الميت؛ لأنها تصلي عليه مأمومة ومنفردة، فقدم من يدلي بها، كما يقدم من يدلي بها في الميراث، حين كان لها مدخل في الميراث.
وإن لم يكن من العصبة، ولا مدخل لها في ولاية النكاح، ولا في تحمل العقل، فإن قلنا: إنهما سواء... فأولادهما سواء، وإن قلنا: يقدم ذو القرابتين قدم ابنه على ابن الآخر.
وإن اجتمع عمان، أحدهما: يدلي بالأب والأم، والآخر: يدلي بالأب. فعلى الطريقين.
وكذلك: إذا كان هناك ابنا عم، أحدهما: أخ لأم، فعلى الطريقين.
وإن اجتمع أخوان، أحدهما: حر، والآخر: مملوك... فالحر أولى.
وإن كان هناك أخ هو عبد، وعم حر... ففيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق\107]:
أحدهما: العبد أولى؛ لأنه أقرب.
والثاني - وهو المنصوص، ولم يذكر أصحابنا البغداديون غيره -: (أن العم أولى)؛ لأنه أكمل.
قال أصحابنا: وقد سها المزني في نقله، حيث قال: (والولي الحر أولى من الولي المملوك)، وقالوا: لا يسمى المملوك وليًا، بل قد قال الشافعي في "الأم" [1/244] (والولي الحر أولى من المملوك).
قال صاحب "الإبانة" [ق\107]والقريب المملوك أولى من الأجنبي الحر؛ لأنه أرجى إجابة.

.[فرع: اجتماع وليين في رتبة]

فإن اجتمع وليان في درجة واحدة... ففيه وجهان:
أحدهما: يقدم الأفقه، كما قلنا في الصلاة المفروضة.
والثاني - وهو المنصوص -: (أنه يقدم الأسن)، والفرق بينهما: أن الحق في الصلاة المفروضة لله، فقدم الأفقه؛ لأنه أعرف بحق الله، والحق - هاهنا - للميت، فقدم الأسن؛ لأنه أرجى إجابة، ولهذا قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله يستحيي أن يرد للشيخ دعوة».
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن من إجلال الله وكرمه إكرام ذي الشيبة المسلم».
فإن لم يكن الأسن محمود الطريقة... قدم الأفقه، وكذلك إذا استويا في السن... قدم الأفقه؛ لأن له مزية بالفقه، فإن استويا في ذلك أقرع بينهما؛ لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر.
وإن اجتمع الولي والوالي... ففيه قولان:
الأول: قال في القديم: (يقدم الوالي). وهو قول مالك، وأبي حنيفة، وأحمد، وإسحاق؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يؤم الرجل في سلطانه».
وروي: أن الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما مات... دفع الحسين بن علي في قفا سعيد بن العاص، وهو وال يومئذ بالمدينة، وقال: (تقدم، فلولا السنة ما قدمتك).
والثاني: قال في الجديد: (الولي أولى). وهو الصحيح؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كتاب اللَّهِ} [الأحزاب: 6]، وهذا عام في الصلاة وغيرها، ولأنها ولاية مستحقة بالنسب، فقدم الولي فيها على الوالي، كولاية النكاح.
وأما الخبر: فمحمول على صلاة الفرض.
وأما تقديم الحسين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فخاف إن منعه ذلك أن تكون فتنة، والسنة: إطفاء الشر، ويحتمل أن يكون الحسين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قد صلى عليه قبل ذلك.