فصل: (مسألة: الصلاة على ولد الزنا)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[مسألة: الصلاة على الغائب]

وتجوز الصلاة على الميت الغائب عن البلد، فيتوجه المصلي إلى القبلة، ويصلي عليه بالنية، سواء كان الميت في جهة القبلة أو لم يكن، وبه قال أحمد بن حنبل رحمة الله عليه.
وقال مالك، وأبو حنيفة: (لا تجوز الصلاة على الغائب).
دليلنا ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نعى النجاشي لأصحابه يوم مات، وخرج بهم إلى المصلى، وصف بهم، وكبر أربعًا».
هذا إذا كان الميت في بلد أخرى، أو قرية أخرى، وبينهما مسافة، سواء كان ما بينهما قريبًا أو بعيدًا.
فإن كان الميت في طرف البلد... لم يجز أن يصلي عليه حتى يحضر عنده؛ لأنه يمكنه ذلك.
وإن كان بحضرة الجنازة، فتقدم عليها، وصلى، وهي خلفه ظهره... ففيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق\107]:
أحدهما: يجوز، كما لو كان الميت غائبًا.
والثاني: لا يجوز؛ لأن الأصول فرقت بين حال الضرورة والإمكان، وهاهنا: أمكنه أن تكون الجنازة أمامه.

.[مسألة: وجود جزء من الميت]

إذا وجد بعض الميت... فإنه يجب غسله والصلاة عليه، سواء وجد أكثر البدن أو أقله، حتى لو وجد منه أصبع بعد أن علم أنه انفصل من ميت، وبه قال أحمد رحمة الله عليه، وإن وجد منه الظفر أو الشعر... ففيه وجهان:
أحدهما: يغسل، ويصلى عليه، كسائر أعضائه. والثاني: لا يغسل، ولا يصلى عليه؛ لأن ذلك يوجد منه في حال الحياة.
وقال مالك، وأبو حنيفة رحمة الله عليهما: (إن وجد أكثر البدن... صلي عليه، وإن وجد الأقل لا يغسل، ولا يصلى عليه).
دليلنا: ما روي: (أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأرضاه صلى على عظام بالشام).
و: (صلى أبو عبيدة بن الجراح - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأرضاه على رؤوس من المسلمين).
و: (صلت الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - على يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، ألقاها طائر بمكة من وقعة الجمل، فعرفوها بخاتم).
ولأنه بعض من البدن لا يزال منه في حال السلامة، انفصل من البدن بعد وجوب الصلاة على الجملة، فصلي عليها، كما لو كان أكثر البدن.
وفيه: احتراز من الظفر والشعر، ومن العضو المقطوع في حال الحياة.

.[مسألة: الصلاة على السقط]

إذا استهل السقط صارخًا، أو تحرك ثم مات... فإنه يغسل، ويصلى عليه.
وقال سعيد بن جبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يصلى عليه حتى يبلغ.
وقال بعض الناس: إن كان قد صلى... صُلي عليه، وإلا فلا.
دليلنا: ما روى جابر، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا استهل السقط... صلي عليه».
وروى المغيرة بن شعبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي على المولود، ويدعو لوالديه بالمغفرة والرحمة».
وإن لم يستهل... نظرت:
فإن كان قد نفخ فيه الروح بأن يولد لأربعة أشهر فما زاد... فهل تجب الصلاة عليه؟
فيه قولان:
أحدهما: تجب الصلاة عليه؛ لأنه قد نفخ فيه الروح، بدليل: ما روى ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «يمكث أحدكم في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم أربعين يومًا علقة، ثم أربعين يومًا مضغة، ثم ينفخ فيه الروح، ويأتيه ملكان، فيقال لهما: اكتبا رزقه، وعمله، وأجله شقيًا أو سعيد». وإذا ثبت: أنه نفخ فيه الروح... صلي عليه.
فعلى هذا: يجب غسله.
والثاني: لا تجب الصلاة عليه، وبه قال مالك، وأبو حنيفة رحمة الله عليهما، وهو الصحيح، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا استهل السقط... صلي عليه»، فدليل خطابه: أنه إذا لم يستهل لا يصلى عليه.
فعلى هذا: هل يجب غسله؟ ذكر الشيخ أبو إسحاق، وابن الصباغ، والمحاملي فيه قولين:
أحدهما: لا يغسل؛ لأن من لا يصلى عليه لا يغسل، كالشهيد.
والثاني: يغسل؛ لأن الغسل آكد من الصلاة، بدليل: أن الكافر يغسل، ولا يصلى عليه.
وذكر الشيخ أبو حامد في "التعليق"، وسلم في "الفروع": أنه يجب غسله، قولاً واحدًا، وقالا: وإنما القولان في وجوب غسله، إذا وضعته لدون أربعة أشهر، وقد بان فيه شيء من خلق الآدمي... فإنه يجب كفنه، قولاً واحدًا، وفي وجوب غسله قولان.
والطريقة الأولى أشهر.

.[مسألة: لا يصلى على الكافر]

إذا مات كافر... لم تجز الصلاة عليه؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84].
ولأن الصلاة للرحمة، والكافر لا يرحم.
ويجوز غسله وكفنه ودفنه؛ لما ذكرناه من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأرضاه في موت أبيه، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى قميصه؛ ليكفن فيه عبد الله بن أبي، ابن سلول، وكان منافقًا، وقال: " إنه لا يعذب ما بقي عليه منه سلكة "، يعني: خيطًا.
فإن اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار، ولم يتميزوا... فإنه يصلي على واحد واحد، وينوي الصلاة عليه إن كان مسلمًا، سواء كان المسلمون أكثر أو أقل، وبه قال مالك، وأحمد رحمة الله عليهما، وكذلك إذا صلى صلاة واحدة، ونوى بها الصلاة على المسلمين منهم... صح.
وقال أبو حنيفة: (إن كان المسلمون أكثر... صلى عليهم - كما قلنا - وإن كانوا أقل من المشركين لم يصل عليهم).
دليلنا: أنه اختلط من يصلى عليه بمن لا يصلى عليه، ولم يتميزوا، فوجبت الصلاة بالقصد، كما لو كان المسلمون أكثر.

.[مسألة: لا يصلى على الشهيد]

المقتول من المسلمين في معركة الكفار لا يغسل، ولا يصلى عليه، وكذلك من مات من المسلمين هناك بسبب من أسباب القتال، بأن وقع من دابته، أو من جبل، أو رجع عليه سلاحه، أو رفسته دابة، فمات... فهو شهيد، وحكمه حكمه، وبه قال مالك، وأحمد، وإسحاق رحمة الله عليهم.
وقال الثوري، وأبو حنيفة: (لا يغسل الشهيد، وإنما يصلى عليه). واختاره المزني.
وقال الحسن وسعيد بن المسيب: يغسل، ويصلى عليه.
دليلنا: ما روى جابر، وأنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أنه «قتل من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يوم أحد اثنان وسبعون قتيلاً، فـأمر بهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تنزع عنهم الجلود والفرى، وأن يدفنوا بثيابهم ودمائهم، ولم يغسلوا، ولم يصل عليهم» إذا ثبت هذا: فإنه ينزع عنه ما لم يكن من عامة لباس الناس، مثل: الجلود، والفرى، والخفاف، ووليه بالخيار: بين أن ينزع ثيابه التي قتل فيها، ويكفنه بغيرها، وبين أن يدفنه بثيابه التي قتل فيها.
وقال مالك رحمة الله عليه: (لا ينزع عنهم الخفاف والجلود والفرى).
وقال أبو حنيفة: (ليس لوليه نزع تلك الثياب، بل يدفن بها).
دليلنا على مالك: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أمر أن ينزع عن قتلى أحد الحديد والجلود».
وعلى أبي حنيفة: ما روي: «أن صفية أرسلت إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بثوبين؛ ليكفن بهما حمزة بن عبد المطلب، فكفنه بأحدهما، وكفن بالآخر رجلا آخر». فدل على جواز ذلك.

.[فرع: جرح في الحرب ثم مات بعد انقضائها]

فإن جرح في الحرب، فمات بعد انقضاء الحرب... فالمشهور من المذهب: أن حكمه حكم الموتى يغسل ويصلى عليه.
وحكى في "الإبانة" [ق\109] قولاً آخر: أن حكمه حكم الشهيد.
وقال أبو حنيفة: (إن أكل، أو شرب، أو أوصى... لم يثبت له حكم الشهادة، وإن مات قبل ذلك ثبت له حكم الشهادة).
وقال مالك: (إن أكل، أو شرب، أو بقي يومين أو ثلاثة... فحكمه حكم الموتى، وإن لم يأكل، ولم يشرب، ولم يبق فحكمه حكم الشهيد).
دليلنا: أنه مات بعد انقضاء الحرب، فهو كما لو أكل، أو شرب، أو بقي ثلاثًا.

.[فرع: المقتول خارج الصف]

إذا انكشف الصف عن مقتول من المسلمين... فإنه لا يغسل، ولا يصلى عليه، سواء كان به أثر أو لم يكن.
وقال أبو حنيفة، وأحمد رحمة الله عليهما: (إن لم يكن به أثر... غسل، وصلي عليه).
وقال أبو حنيفة: (إن كان به دم يخرج من عينه أو أذنه... لم يغسل، وإن كان يخرج من أنفه أو ذكره أو دبره غسل).
دليلنا: أن الظاهر أنه مقتول بسبب الحرب، فلم يغسل، ولم يصل عليه، كما لو كان به أثر.

.[فرع: الصغير يقتل في المعركة]

وإن كان المقتول صغيرًا... ثبت له حكم الشهداء.
وقال أبو حنيفة: (لا يثبت حكم الشهادة لغير البالغ).
دليلنا: أنه مسلم قتل في معركة الكفار، بقتالهم، فهو كالبالغ.

.[فرع: الشهيد الجنب]

وإن كان الشهيد جنبًا... فاختلف أصحابنا فيه:
فقال أكثرهم: لا يغسل.
وقال أبو العباس، وأبو علي بن أبي هريرة: يغسل. وهو قول أحمد رحمة الله عليه.
وقال أبو حنيفة: (يغسل، ويصلى عليه).
والدليل على وجوب غسله: ما روي: «أن حنظلة بن الراهب قتل، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأهله: ما شأن حنظلة؟ فإني رأيت الملائكة تغسله، فقالوا: إنه كان جنبًا، فسمع هيعة، فخرج إلى القتال، فقتل».
والأول أصح؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قتلى أحد: «زملوهم بكلومهم ودمائهم، فإنه ليس أحد يكلم في الله، إلا وهو يأتي يوم القيامة بدم، لونه لون الدم، وريحه ريح المسك». وهذا عام في الجنب وغيره.
وأما حديث حنظلة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فلا حجة فيه؛ لأن غسله لو كان واجبًا... لما سقط الفرض بغسل الملائكة.
وإن كان على الشهيد نجاسة قبل القتال... فهل يجب غسلها؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجب غسلها؛ لأنه غسل واجب، فسقط بالشهادة، كغسل الموت.
والثاني: يجب غسلها؛ لأن هذا غسل وجب بغير الموت، فلم يسقط بالشهادة، بخلاف غسل الموت.

.[مسألة: قتل أهل البغي عدلاً]

ًإذا قتل أهل البغي رجلاً من أهل العدل... فهل يجب غسله والصلاة عليه؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يجب؛ لما روي: (أن عليًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأرضاه لم يغسل أحدًا ممن قتل معه)، و: (أوصى عمار بن ياسر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ألا يغسل)؛ لأنه يذب عن الدين، فهو كالمقتول في معترك الكفار.
والثاني: يجب غسله، والصلاة عليه، لما روي: (أن أسماء بنت أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأرضاه غسلت عبد الله بن الزبير). ولم ينكر ذلك منكر.
ولأنه مقتول في غير معركة الكفار، فهو كمن قتل غيلة في المصر.
ومن قتله قطاع الطريق من أهل المصر أو القافلة... فهل يجب غسله والصلاة عليه؟ فيه وجهان، بناءً على القولين فيمن قتله أهل البغي من أهل العدل؟
وأما من قتله اللصوص من أهل القافلة: فاختلف أصحابنا فيه:
فقال ابن الصباغ: فيه وجهان، كمن قتله قطاع الطريق.
وقال الشيخ أبو إسحاق: يجب غسله، والصلاة عليه، وجهًا واحدًا، هذا مذهبنا.
وقال أبو حنيفة: (من قتل ظلمًا بحديدة... فإنه لا يغسل، وإن قتل بمثقل غسل).
دليلنا: (أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأرضاه قتل بحديدة ظلمًا، فغسل، وصلي عليه) فدل على: إنه إجماع بين الصحابة.
ومن قتل قصاصًا، أو رجم بالزنا... فوجب غسله، والصلاة عليه.
وقال الزهري: (المرجوم لا يصلى عليه).
وقال مالك رحمة الله عليه: (لا يصلي عليه الإمام الأعظم، ويصلي عليه غيره).
دليلنا: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجم الغامدية، وصلى عليها».
وإن قتل أهل العدل رجلاً من أهل البغي... وجب غسله، والصلاة عليه.
وقال أبو حنيفة: (لا يغسل، ولا يصلى عليه؛ عقوبة له).
دليلنا: أنه مسلم قتل في غير معركة الكفار، فهو كما لو قتل غيلة.

.[مسألة: الصلاة على ولد الزنا]

ولد الزنا إذا مات... وجب غسله، والصلاة عليه.
وقال قتادة: لا يغسل، ولا يصلى عليه.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا على من قال: لا إله إلا الله»، ولأنه مسلم مات في غير حرب الكفار... فوجب غسله والصلاة عليه، كثابت النسب.

.[مسألة: الصلاة على النفساء]

والنفساء إذا ماتت... وجب غسلها والصلاة عليها.
وقال الحسن: لا يصلى عليها.
دليلنا: ما ذكرناه في ولد الزنا.
وإن قتل نفسه، أو مات الغال من الغنيمة... وجب غسلهما والصلاة عليهما.
وقال أحمد رحمة الله عليه: (لا يصلي عليهما الإمام).
وقال الأوزاعي: (من قتل نفسه... لا يغسل، ولا يصلى عليه).
دليلنا: ما ذكرناه في ولد الزنا.
وقال الشيخ أبو حامد: وأما سائر الشهداء، مثل: من مات بحريق، أو غرق، أو بطن، أو تحت الهدم، وما أشبه ذلك... فإنهم يغسلون، ويصلى عليهم، بلا خلاف؛ لعموم الخبر، ولأنه مسلم مات في غير معترك الكفار فوجب غسله، والصلاة عليه، كما لو مات بغير هذه الأمراض. وبالله التوفيق.

.[باب حمل الجنازة والدفن]

الحمل - بفتح الحاء -: المصدر، وما كان غير منفصل، كحمل البطن، وحمل الشجرة، وبكسر الحاء: ما كان بائنًا، كالحمل على الظهر وغيره.
والجنازة - بكسر الجيم -: السرير، وبفتحها: الميت.
قال الشيخ أبو حامد، والمحاملي: الأفضل إذا أراد حمل الجنازة أن يجمع في الحمل بين العمودين والتربيع، وإذا أراد الاقتصار على أحدهما... فالحمل بين العمودين أفضل.
وذكر الشيخ أبو إسحاق في "المهذب"، وابن الصباغ في "الشامل": أن الحمل بين العمودين أفضل.
وقال الثوري، وأبو حنيفة، وأحمد رحمة الله عليهم: (أن التربيع أفضل).
وقال النخعي، والحسن: (يكره الحمل بين العمودين).
وقال مالك رحمة الله عليه: (هما سواء).
دليلنا: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين».
وروي ذلك عن عثمان، وسعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وأرضاهم.
إذا ثبت هذا: فكيفية الحمل بين العمودين، وهو أن يحمل النعش ثلاثة: واحد من مقدم النعش، فيضع كل عمود على كتف ورأسه بينهما، ومن المؤخر اثنان، لا يتأتى غير ذلك.
وأما التربيع: فيستحب لكل من أراد أن يحمل الجنازة أن يأخذ بجوانبها الأربعة، فيبدأ بياسرة المقدمة، فيضع العمود على عاتقه الأيمن، ثم بياسرة المؤخرة، فيضعها على عاتقه الأيمن، ثم يرجع إلى يامنة المقدمة، فيضعها على عاتقه الأيسر، ثم يامنة المؤخرة، فيضعها على عاتقه الأيسر.
وقال سعيد بن جبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يبدأ، فيأخذ بياسرة المقدمة، ثم بياسرة المؤخرة، كما قلنا، ثم يأخذ بيامنة المؤخرة، ثم بيامنة المقدمة. وهذا ليس بصحيح، بل الأولى أن يبدأ بالمقدم؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ابدؤوا بميامنكم».
ويحمل على سرير أو لوح أو خشب، فإن خيف عليه الانفجار قبل أن يهيأ له ما يحمل عليه... فلا بأس بحمله على الأيدي والرقاب، فإن ثقل فلا بأس أن يحمل في جنبي السرير من يخففه على الحاملين، وإن أدخلوا عمودًا آخر، ليكونوا ستة أو ثمانية... لم يكن في ذلك بأس، وإن كان الميت امرأة اتخذ لها خيمة تسترها؛ لما روي: (أن فاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بنت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: إني لضئيلة، فإذا مت... فلا يراني الناس)، يعني: أنها مهزولة. فلما ماتت قالت أم سلمة، أو أسماء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: (إني رأيت في أرض الحبشة يعمل للنساء نعش يحملن فيه، عليه خيمة، فاتخذت لها نعشًا عليه خيمة، فكانت أول من حمل بنعش عليه خيمة فاطمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -).
ويستحب الإسراع بالمشي في الجنازة.
قال أصحابنا: وهو إجماع.
والدليل عليه: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أسرعوا بالجنازة، فإن تكن صالحة... فخير تقدمونها إليه، وإن تكن سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم».
ولا يبلغ به الخبب، وإنما يزيد فوق سجية مشي العادة، بحيث لا يشق على ضعفاء الناس معها.
وقال أبو حنيفة: (يبلغ به الخبب).
دليلنا: ما روي عن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قال: «سألنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المشي بالجنازة، فقال: دون الخبب، فإن يكن خيرًا... قدمتموها إليه، وإن يكن شرًا فبعدًا لأصحاب النار».
فإن خيف الانفجار، إذا كان المشي فوق سجية المشي... مشوا به أسرع من ذلك. فإن خيف الانفجار من الإسراع فإنه يمشي به على سجية المشي.
ويستحب اتباع الجنازة؛ لما روي عن البراء بن عازب: أنه قال: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باتباع الجنازة، وعيادة المريض، وتشميت العاطس، وإجابة الداعي، ونصرة المظلوم».
ويكره له الركوب في الذهاب مع الجنازة من غير عذر؛ لـ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما ركب في عيد ولا جنازة».
وروي عن ثوبان: أنه قال: «خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جنازة، فرأى ناسًا ركبانًا، فقال: ألا تستحيون؟! إن ملائكة الله يمشون على أقدامهم، وأنتم على ظهور الدواب».
فإن كان عاجزًا عن المشي... لم يكره له الركوب في الذهاب؛ لأن ذلك عذر.
وإن ركب في الانصراف... لم يكره؛ لما روي عن جابر بن سمرة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتبع جنازة أبي الدحداح ماشيًا، ورجع على فرس»، ولأنه غير قاصد إلى قربة.

.[مسألة: المشي أمام الجنازة]

والمشي أمام الجنازة أفضل للماشي والراكب، وبه قال الزهري، ومالك، وأحمد رحمة الله عليهم، وروي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وابن عمر، وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وأرضاهم.
وقال أبو حنيفة: (المشي خلف الجنازة أفضل). وبه قال الأوزاعي.
وقال الثوري: (الراكب خلفها، والماشي أمامها).
دليلنا: ما روى ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأبا بكر، وعمر، وعثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كانوا يمشون أمام الجنازة»، ويقولون: هو أفضل؛ لأنهم شفعاء الميت... فاستحب أن يتقدموا عليه.
ويستحب أن يمشي قريبًا منها؛ لأنه إذا بعد منها... لم يكن معها، فإن سبق إلى المقبرة لم يجب عليه القيام، بل هو بالخيار إن شاء... قام، وإن شاء قعد.
وحكي عن أبي مسعود البدري، وجماعة معه: أنهم قالوا: (يجب القيام لها).
وقال أبو حنيفة، وأحمد: (يكره له الجلوس حتى يوضع في اللحد).
دليلنا: ما روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: أنه قال: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نقوم للجنازة، ثم أمرنا بالجلوس».
وروى الحسن، عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن جنازة اليهودي مرت بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لها رائحة، فقام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لرائحتها حتى جازت، ثم قعد». فرؤي: أنه قام لذلك.
وقيل أيضًا: إنه قام، لكي لا تعلوه جنازة المشرك.
وروى عبادة بن الصامت، قال: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان في جنازة... لم يجلس حتى توضع في اللحد، فاعترض بعض اليهود، وقال: إنا لنفعل ذلك، فجلس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال: خالفوهم».
ولا يكره للمسلم اتباع جنازة قريبه الكافر؛ لما روي: «أن عليًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأرضاه لما مات أبوه... أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: إن عمك الضال قد مات، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اذهب فواره».

.[فرع: لا تتبع الجنائز بنار ولا نائحة]

ولا تتبع الجنازة بنار ولا نائحة.
والدليل عليه: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تتبع الجنازة بنار ولا صوت»، يعني: نوحًا.
وروي: أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رأى مجمرة على قبر، فقال: (لا تتشبهوا باليهود).
ولأنها إذا أتبعت بالنار... يفأل بذلك فأل السوء.