فصل: (فرع: المسابقة على مركوبين معينين):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[مسألة: يشترط اتحاد جنس المركوب]

وهل تصح المسابقة على مركوبين من جنسين؟ اختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال: لا يصح أن يسابق بين الخيل والإبل، ولا بين البغال والحمير؛ لأن فضل أحد الجنسين على الآخر معلوم.
فعلى هذا: يجوز أن يسابق بين نوعين من جنس، كالهجين والعتيق من الخيل، والبخاتي والعراب من الإبل.
وقال أبو إسحاق: يجوز أن يسابق بين جنسين إذا تقاربا في الجري، كالخيل والنجب، والخيل والبغال، والبغال والحمير؛ لأن المقصود معرفة جودة المركوب، فإذا علم تقاربهما في الجري.. جازت المسابقة عليهما، كما لو كانا من جنس واحد.
فعلى هذا: لو سابق بين فرسين يعلم أن أحدهما يسبق الآخر.. لم يصح؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «من أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبقهما.. فهو قمار».

.[فرع: المسابقة على مركوبين معينين]:

ولا يصح عقد المسابقة إلا على مركوبين معينين؛ لأن المقصود معرفة جودتهما. وذلك لا يحصل إلا بتعيينهما.

.[مسألة: معرفة المسافة التي يسابق عليها]

ولا يصح عقد المسابقة حتى تكون المسافة التي يستبقان فيها معلومة الابتداء والانتهاء؛ لما روى ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سابق بين الخيل المضمرة من الحفياء إلى ثنية الوداع، وبين ما لم يضمر منها من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق».
و(الخيل المضمرة): هي التي تسقى اللبن، وتعلف المنعقد من العلف، وتجري في طرفي النهار، فإذا نزل الفارس عن الفرس وهو عرق.. أزال ذلك العرق، وتجلل بالأجلة، يفعل ذلك أربعين يومًا، فيشتد لحم الفرس وعصبه، ويكثر جريه. ولأن بعض الخيل قد يكون مقصرًا في ابتداء عدوه، سريعًا في انتهائه، وبعضها بضد ذلك.
ولا بد من بيان غاية معلومة الابتداء والانتهاء ليجمع لفرسه حاليه، فيظهر جودته، فإن شرط السبق في بعض الطريق إلى الغاية.. ففيه وجهان، حكاهما الطبري في (العدة):
أحدهما: يصح؛ لأنه قد يسبق في بعض الطريق، فصار كالغاية.
والثاني: لا يصح؛ لأن الفرس قد يسبق في أول الطريق، ثم يسبق في آخرها، فكان الاعتبار بالغاية المشروطة.

.[مسألة: مكان الانطلاق واحد]

ويطلق المركوبان في مكان واحد؛ لأن المقصود معرفة جودة المركوبين في السبق، ولا يعلم إلا بذلك، فإن كان بينهما محلل وتنازعا في مكانه.. جعل بينهما؛ لأنه أعدل، وإن اختلفا في اليمين واليسار.. أقرع بينهما؛ لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر، ولا يجلب وراء الفرس بشيء؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أجلب على الخيل يوم الرهان.. فليس منا». و(الجلب): هو أن يضرب بعد الفرس بشيء يابس أو غيره مما يفزع منه الفرس، فيسرع في الجري لذلك. وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا جلب ولا جنب».
فأما (الجلب): فله تأويلان:
أحدهما: الجلب وراء الفرس في المسابقة على ما ذكرناه
والثاني: قيل: بل هو في الصدقة، وهو أن يقدم المصدق بلدًا، فينزل في موضع، ثم يرسل إلى أهل المواشي ليجلبوا مواشيهم إليه.
وأما (الجنب): فهو في خيل السباق أيضًا، وهو أن يجنب الرجل خلف فرسه الذي سابق عليه فرسًا آخر، فإذا بلغ قريبًا من الغاية.. نزل عن الذي هو راكب عليه، وركب الآخر فيسبق؛ لأنه أقل كلالا من الأول.

.[مسألة: تقييد السبق بأقدام]

وإذا تسابقا واشترطا في السبق أن يسبق أحدهما الآخر بخمسة أقدام وما أشبهه.. فقد قال أبو علي الطبري في (الإفصاح): يجوز ذلك؛ لأنهما يتحاطان فيما استويا فيه، وينفرد أحدهما بالأقدام المشروطة، فصح، كما قلنا في الرمي.
وحكى فيه وجها آخر: أنه لا يصح. وليس بشيء.
فإذا قلنا بالأول.. لم نحكم للسابق بالسبق حتى يسبق بما شرطا، وإن لم يشرطا شيئًا.. قال الشافعي: (فالسبق: أن يسبق أحدهما صاحبه، وأقل السبق بالهادي أو ببعضه، أو بالكتد أو ببعضه).
قال أصحابنا: إن كان المركوبان متساويين في (الهادي) ـ وهو: العنق ـ اعتبر السبق أن يسبق أحدهما الآخر ببعض العنق أو ببعض الكتد، و(الكتد): الكاهل: وهو العالي بين أصل العنق والظهر ـ وهو مجتمع الكتفين ـ وهو من الخيل مكان السنام من الإبل.
وإن كانا مختلفين في العنق، بأن كان طول عنق أحدهما ذراعا وشبرًا، وطول عنق الآخر ذراعًا لا غير.. فإن سبق صاحب العنق القصير ببعض عنقه أو ببعض كتده. حكم له بالسبق، وإن سبق صاحب العنق الطويل بقدر شبر.. لم يحكم له بالسبق؛ لأن ذلك قدر زيادة الخلقة، وإن سبق بأكثر من شبر من عنقه.. حكم له بالسبق؛ لأنه سبق بذلك، فإن سبق صاحب العنق الطويل بأكثر من زيادة الخلقة من عنقه، وسبق الآخر ببعض كتده.. ففيه وجهان، حكاهما الطبري في (العدة):
أحدهما: أن السابق هو المتقدم بعنقه؛ لأن سبق الخيل هو هكذا.
والثاني: أن السابق هو المتقدم ببعض كتده؛ لأن القصد من وصول العنق وصول البدن، ومن سبق ببعض كتده.. فقد وصل ببدنه، فكان أولى.
فإن قيل: فلم قال الشافعي: (أقل السبق أن يسبق بالهادي أو ببعضه، أو بالكتد أو ببعضه)، ونحن نعلم أن من سبق بأحدهما.. فقد سبق الآخر؟ فأجاب أصحابنا عن هذا بأجوبة:
فمنهم من قال: أراد إذا تساوى المركوبان بالعنق، اعتبر السبق بالعنق. وإن اختلفا في طول العنق.. اعتبر السبق بالكتد؛ لأنه لا يختلف.
ومنهم من قال: أراد: إذا كانت المسابقة بين الخيل والإبل.. فيكون الاعتبار بالتقدم ببعض الكتد؛ لأن من عادة الخيل أن تمد أعناقها إذا عدت، ومن عادة الإبل أن ترفع أعناقها.
ومنهم من قال: أراد بذلك: بالمسابقة في الخيل؛ لأن منها ما يمد أعناقها إذا عدت، ومنها ما يرفع أعناقها، فلا يعتبر السابق منهما بالعنق، وإنما يعتبر بالكتد. هذا مذهبنا.
وقال الثوري: إذا سبق أحد الفرسين صاحبه بأذنه.. حكم له بالسبق؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بعثت أنا والساعة كفرسي رهان، كاد أن يسبق أحدهما الآخر بأذنه».
ودليلنا: أن الاعتبار: هو السبق بسرعة العدو، وقد يكون أحدهما أسرع، وأذن الآخر أسبق؛ بأن يرفع السريع رأسه قليلًا، والآخر يمد عنقه، فيسبق بأذنه. وأما الخبر: فالمقصود به ضرب المثل، وقد يضرب المثل بما لا يكاد يوجد، كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاة.. بنى الله له بيتا في الجنة». ولا يمكن ذلك، أو نحمله على الفرسين إذا تساويا في طول العنق ومدها.

.[فرع: توقف أحد الفرسين]

فإن عثر أحد المركوبين أو وقف لعلة، فسبقه الآخر.. لم يحكم له بالسبق؛ لأنه سبقه لعلة طارئة لا بجودة جريه.
وإن مات أحد المركوبين قبل بلوغ الغاية.. بطل العقد؛ لأن العقد تعلق بعينه وقد فات.
وإن مات الراكب، فإن قلنا: إنه كالجعالة.. بطل العقد، وإن قلنا: إنه كالإجارة.. لم يبطل، وقام وارثه مقامه.

.[مسألة: أقل المناضلة يكون بين اثنين]

وإن كان العقد على الرمي.. لم يجز بأقل من نفسين؛ لأن المقصود معرفة حذق الراميين وذلك لا يبين بأقل من اثنين.
فإن قال رجل لرجل: ارم عشرين سهمًا، فإن كان صوابك فيها أكثر من خطئك فلك علي كذا.. فنقل المزني: (أنه لا يجوز). واختلف أصحابنا فيها:
فمنهم من قال: إذا قال: ارم عشرين سهماُ، فإن كان صوابك فيها أكثر من خطئك فلك علي كذا.. صح ذلك فإن كان صوابه أحد عشر من عشرين.. استحق المسمى، ويكون ذلك جعالة؛ لأنه شرط له عوضا بما له فيه غرض صحيح، ولا يكون نضالا. فأما ما نقله المزني.. فله تأويلان:
أحدهما: أنه أراد به: إذا قال له: ناضل نفسك، فإن كان صوابك أكثر فلك كذا.. فلا يصح؛ لأنه لا يناضل نفسه.
والتأويل الثاني: أن يقول: فإن كان صوابك أكثر فقد نضلتني.. فلا يصح أيضا؛ لأنه لا يجوز أن ينضله إذا لم يرم معه.
ومن أصحابنا من قال مثل ما نقله المزني، وأنه لا يصح، واختلفوا في تعليله: فمنهم من قال: إنما لم يجز؛ لأنه جعل له الجعالة على العشرين، ومنها صواب ومنها خطأ، والخطأ لا تجوز له جعالة.
وقال أبو جعفر الأستراباذي: إنما لم يجز؛ لأنه جعل له عوض على الإصابة وهي مجهولة، فلو قال: إن أصبت من العشرين عشرة أو اثني عشر.. صح ذلك، واستحق المسمى بإصابة المشروط.
والوجه الأول أصح: وقد نص الشافعي على ذلك في "الأم"، فقال: (ولو قال: ناضل نفسك) فأخل المزني بذلك.
وقول من قال: فقد نضلتني، خلاف ما قال الشافعي.
وقول من قال: إنه جعل الجعالة في مقابلة الخطأ والصواب، فليس بصحيح؛ لأنه إنما جعله في مقابلة إصابة الأكثر دون الجميع.
وقول الأستراباذي ليس بصحيح؛ لأن أكثر العشرين أحد عشر.

.[فرع: لا يناضل واحد عن اثنين]

فلو قال لرجل: ارم عن نفسك عشرة أسهم وعني عشرة أسهم، فمن كانت الإصابة في عدده أكثر فهو الناضل.. لم يصح؛ لأنه يجتهد في نوبة نفسه دون نوبة صاحبه.

.[مسألة: جواز الجعل من السلطان وغيره]

وأما إخراج المال في المناضلة في الرمي.. فعلى ما ذكرناه في إخراجه بالمسابقة: يجوز أن يكون من السلطان، أو من رجل من الرعية، أو من أحد المتناضلين، أو منهما وبينهما محلل مكافئ لهما.
قال الطبري: فإن تناضل رجلان، وكان المال من أحدهما، فجاء رجل إلى المخرج، وقال: أن شريكك فيما بذلت، فإن نضل صاحبك غرمت معك، وإن نضلته أخذت منك نصف ما بذلته.. لم يجز. وهكذا: لو أخرجا المال وأدخلًا بينهما محللًا، فجاء رجل إلى أحدهما أو إليهما، فقال: أنا شريككما في ذلك ولا أرمي،
فإن نضلكما المحلل غرمت معكما نصف ما أخرجتما، وإن نضلتماه أخذت منكما النصف.. لم يجز؛ لأن الذي يغنم ويغرم في عقد النضال من يرمي، وهذا لا يرمى.

.[فرع: النضال بين الماهر والمخطئ]

فإن كان أحد المتناضلين كثير الإصابة والآخر كثير الخطأ.. فهل يصح عقد النضال بينهما؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يصح؛ لأن فضل أحدهما على الآخر معلوم.
والثاني: يصح؛ لأن المناضلة تبعثه على الاجتهاد في الرمي.

.[مسألة: مناضلة مختلفي آلة الرمي]

قال الشافعي: (ولا بأس أن يناضل أهل النشاب أهل العربية).
وجملة ذلك: أنهما إذا عقدا عقد النضال وأطلقا، ولم يذكرا قوسًا عربية ولا قوسًا عجمية، فإن كان في البلد نوع متعارف من القسي، إما العربية، أو العجمية.. صح العقد، وحملًا على ذلك النوع، كما قلنا فيمن باع بنقد مطلق ببلد فيه نقد غالب. وإن لم يكن فيه نوع متعارف.. فذكر الشيخ أبو حامد: أنه يصح، ويستويان في القوس، إما العربية، وإما العجمية.
وقال أبو العباس بن القاص: لا بد من بيان القوس التي يرميان عنها في الابتداء؛ لأنه قد يكون أحدهما أحذق في أحد النوعين دون الآخر. قال ابن الصباغ: وهذا أصح.
وإن اتفقا على أن يرمي أحدهما بالعربية والآخر بالعجمية.. جاز؛ لأن النوعين من جنس واحد يتقاربان، فإن أراد أحدهما أن ينتقل من النوع الذي عينه إلى النوع الآخر.. لم يلزم الآخر إجابته إلى ذلك؛ لأن الأغراض تختلف؛ لأنه قد يكون رميه بأحدهما أجود من رميه بالنوع الآخر، وإن عين قوسًا من نوع، وأراد أن ينتقل إلى قوس آخر من ذلك النوع.. جاز؛ لأن المقصود معرفة حذق الرامي، وحذقه
لا يختلف فيما بين القوسين من نوع واحد اختلافًا متباينًا فإن شرطا في العقد على أنه لا ينتقل من ذلك القوس إلى قوس أخرى من ذلك النوع.. فهل يصح؟ فيه ثلاثة أوجه، كما قلنا فيمن اكترى دابة ليركبها في طريق ولا يركبها مثله، ولا في مثل تلك الطريق.
وإن عقدا النضال على الرمي بجنسين، بأن يرمي أحدهما بالنبل، والآخر بالحراب.. لم يصح؛ لأن فضل أحدهما على الآخر لا يعلم بذلك.

.[مسألة: شروط عقد المناضلة]

ولا يصح عقد النضال على الرمي إلا بشروط:
أحدها: أن يكون عدد الرشق معلومًا، وهو عدد ما يرميان من السهام؛ لأنهما إذا لم يذكرا عددًا محدودًا.. لم يعلم متى ينتهي الرمي، ولا يظهر فضل أحدهما على الآخر.
و(الرشق) ـ بكسر الراء ـ: هو عدد الرمي، ويسمى: الوجه، واليد، والدست.
وأما (الرشق) ـ بفتح الراء ـ: فهو عبارة عن الرمي نفسه، يقول: رشقت رشقًا، أي: رميت رميًا.
الشرط الثاني: أن يكون عدد الإصابة من الرشق معلومًا؛ ليعلم تفاضلهما، فإن شرطا أن يصيب عشرة من عشرة أو تسعة من عشرة.. ففيه وجهان:
أحدهما: يصح؛ لأنه قد يصيب ذلك، فهو كما لو شرط إصابة ثمانية من عشرة.
والثاني: لا يصح؛ لأن ذلك يندر، فلا يحصل المقصود.
الشرط الثالث: أن تكون المسافة التي بين الرامي وبين الغرض معلومة؛ لأن الإصابة تختلف بالقرب من الغرض والبعد منه، فإن كان هناك غرض معلوم المدى.. قال الشيخ أبو إسحاق: صح إطلاق العقد، ويحمل عليه، كما قلنا في البيع بنقد مطلق ببلد فيه نقد غالب.
ولا يجوز أن تكون المسافة مما لا يصيب مثلهما في مثلها غالبًا، وإنما يجوز في المسافة التي يصيب مثلهما في مثلها غالبًا، وهل يجوز في المسافة التي يصيب مثلهما في مثلها نادرًا؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز؛ لأن إصابتهما في ذلك تندر، فلا يحصل المقصود.
والثاني: يجوز؛ لأن ذلك يبعثهما على الاجتهاد في الرمي.
وقدر أصحابنا ما يصاب في مثله بمائتين وخمسين ذراعًا؛ لما روي عن بعض أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه قيل له: كيف تقاتلون العدو؟ فقال: (إذا كانوا على مائتين وخمسين ذراعًا.. قاتلناهم بالنبل، وإذا كانوا على أقل من ذلك.. قاتلناهم بالرماح، وإذا كانوا على أقل من ذلك.. قاتلناهم بالسيوف). وما لا يصاب في مثله ما زاد على ثلاثمائة وخمسين ذراعًا، وقيل: (إنه ما رمى إلى أربعمائة إلا عقبة بن عامر الجهني).
وفيما بين مائتين وخمسين إلى ثلاثمائة وخمسين وجهان:
أحدهما: يجوز العقد عليه، وهو ظاهر النص؛ لأن الإصابة معتادة فيه.
والثاني: لا يجوز؛ لأن الإصابة فيه لا توجد غالبًا.
وإن تناضلا على أن يكون السابق من بعد وقوع سهمه من غير تحديد الغاية.. فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز، كما لا يجوز السباق إلى غير غاية محدودة.
والثاني: يجوز؛ لأن الإبعاد في الرمي مقصود، كالإصابة، فصح العقد عليه.
الشرط الرابع: أن يكون قدر الغرض معلومًا، إما بالمشاهدة، أو بالصفة، وأنه شبر أو أكثر أو أقل؛ لأن الحاذق يصيب الصغير والكبير، وغير الحاذق لا يصيب الصغير.
قال أصحابنا: و(الغرض): هو ما ينصب في الهدف، وهو التراب المجموع، أو البناء المرتفع من رق أو شن أو قرطاس. و(الشن): الجلد البالي الذي ينصب.
وقال الأزهري: (القرطاس): ما ينصب في الهدف. و(الغرض): ما ينصب في الهواء. والمستحب: أن يكون الرمي بين غرضين، وقد روي ذلك عن ابن عمر وأنس؛ لأنه أبعد من التنافر.
الشرط الخامس ـ ذكره الشيخ أبو إسحاق ـ: أن يكون موضع الإصابة معلومًا، بأن يشرطا أن يصيبا الهدف أو البناء أو الغرض أو الدارة التي في الغرض، أو الخاتم التي في الدارة؛ لأن الغرض يختلف بذلك. قال: فإن أطلقا.. حمل على إصابة الغرض؛ لأن المتعارف في الرمي إصابة الغرض، فحمل الإطلاق عليه.
الشرط السادس: أن تكون صفة الإصابة معلومة.
قال المحاملي: وقد ذكر الشافعي في صفة الإصابة أربعة أوصاف، بأن يقول:
حوابي، أو خواصر، أو خوازق، أو خواسق. قال ابن الصباغ: أو خواصل.
فأما (الحوابي): فقال المحاملي، والطبري: هو أن يمر السهم مع الأرض، فيصيب الغرض. وقال ابن الصباغ: هو أن يقع السهم بين يدي الغرض، ثم يحبو إليه، ومنه يقال: حبا الصبي.
وأما (الخواصر): قال المحاملي: فهو السهم الذي يصيب الغرض ولا يؤثر فيه، وسماه في "المهذب" وقال ابن الصباغ: الخواصر: ما كان في جانبي الغرض، ومنه قيل: الخاصرة؛ لأنها من جانبي الإنسان.
وما قال المحاملي أقيس؛ لأنه تفسير لصفة الإصابة. وما قاله ابن الصباغ تفسير لموضع الإصابة، وإن كان صحيحًا في اللغة.
وأما (الخوازق): فهي ما أصاب الغرض، وخدش فيه، وسقط عنه، ولم يثبت فيه.
وأما (الخواسق): فهي ما أصاب الغرض، وخدش فيه، وثبت.
وأما (الخواصل): فحكى ابن الصباغ عن الأزهري: أنه قال: هي ما أصاب القرطاس، يقال: خصلت مناضلي أخصله خصلًا.
قال ابن الصباغ: وللإصابة أسماء غير هذه، وليست من شرائط المناضلة، وهي: (المارق): وهو السهم الذي ينفذ في الغرض، ويقع من الجانب الآخر، ويسمى: الصارد.
و(الخارم): وهو السهم الذي يصيب الغرض ويقطعه، ويخرج طرفه من الجانب الآخر لا غير.
و(المزدلف): وهو السهم الذي يقع على الأرض دون الغرض، ويثب إليه.
وذكر الشيخ أبو إسحاق: أن المرق والخرم كالخزق والخسق في وجوب بيانه في الإصابة.

.[فرع: شرط المحاطة والمبادرة]

وهل يشترط في صحة عقد المناضلة أن يذكر أن الرمي محاطة أو مبادرة؟ فيه وجهان، هكذا قال عامة أصحابنا، وأضاف صاحب "المهذب" [1/424] الحوابي إلى ذلك:
أحدهما: أن ذكر ذلك شرط، فإن لم يذكر.. بطل العقد؛ لأن غرض الرماة يختلف، فإن منهم من تكثر إصابته في ابتداء الرمي، ومنهم من تكثر إصابته في الانتهاء.
والثاني: أن ذلك ليس بشرط؛ لأن مقتضى المناضلة المبادرة.. فصح العقد مع الإطلاق، ويحمل على المبادرة؛ لأنه مقتضى العقد.
إذا ثبت هذا: (فالمحاطة): أن يتفقا على أن يحطا ما يتساويان فيه من الإصابة، ويفضل لأحدهما إصابة معلومة.
وأما (المبادرة): فأن يشترطا إصابة معلومة من الرشق، وأن من بدر إليها منهما كان ناضلًا.
وحكى ابن الصباغ: أن أبا يعقوب البويطي قال: قيل في المبادرة: هو أن يفرقا جميعًا سهميهما، وأيهما وقع سهمه أولًا.. بدر بالسبق. والأول هو الصحيح.

.[فرع: شرط من يبدأ الرمي]

وهل من شرط صحة عقد المناضلة أن يذكرا عند العقد من يبدأ بالرمي؟ فيه وجهان، وحكاهما ابن القاص قولين:
أحدهما: لا يصح العقد حتى يذكر ذلك، وهو ظاهر النص؛ لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر بالبداية، وإذا قدمنا أحدهما بالقرعة.. انكسر قلب الآخر، وفسد رميه.
والثاني: يصح العقد؛ لأن ذلك من توابع العقد.
قال المحاملي: فعلى هذا: إن كان السبق منهما.. أقرع بينهما، وإن كان السبق من أحدهما.. كانت البداية له. وإن كان المال من أجنبي.. كان للمخرج أن يجعل البداية لأحدهما. وقال في "المهذب": فيه وجهان:
أحدهما: إن كان المال من أحدهما.. قدم، وإن كان منهما.. أقرع بينهما.
والثاني: يقرع بينهما بكل حال.
وإن كان الرمي بين غرضين، فبدأ أحدهما من أحد الغرضين.. بدأ الثاني من الغرض الثاني؛ لأن ذلك أعدل.
وإن كانت البداية لأحدهما، فبدأ الآخر ورمى.. لم يعتد له إن أصاب ولا عليه إن أخطأ؛ لأنه رمى من غير عقد.