فصل: كِتَابُ الْجِنَايَاتِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العقود الدرية في تنقيح الفتاوي الحامدية



.كِتَابُ الْجِنَايَاتِ:

(سُئِلَ) فِيمَا إذَا ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا بِسِكِّينٍ فَقَطَعَ مِفْصَلَيْنِ مِنْ خِنْصَرِ يَدِهِ وَشُلَّتْ بِسَبَبِهَا بَقِيَّةُ أَصَابِعِهِ مَعَ مَا بَقِيَ مِنْ خِنْصَرِهِ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ): لَا يَجِبُ الْقَوَدُ فِيمَا ذُكِرَ لِمَا فِي التَّنْوِيرِ مِنْ فَصْلِ الشِّجَاجِ: وَلَا بِقَطْعِ إصْبَعٍ شُلَّ جَارُهُ، وَقَالَ أَيْضًا: وَلَا إصْبَعٍ قُطِعَ مِفْصَلُهُ الْأَعْلَى وَشُلَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَصَابِعِ بَلْ دِيَةُ الْمِفْصَلِ وَالْحُكُومَةُ فِيمَا بَقِيَ. اهـ.
فَيَجِبُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مِفْصَلٍ مِنْ مَفَاصِلِ الْخِنْصَرِ ثُلُثُ دِيَةِ الْإِصْبَعِ وَهِيَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ مِائَةٌ مِنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ أَلْفٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ الْإِصْبَعَ الْوَاحِدَةَ فِيهَا عُشْرُ الدِّيَةِ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ أَصَابِعِهِ الْمَشْلُولَةِ مَعَ مَا بَقِيَ مِنْ خِنْصَرِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَقْطُوعِ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ فَيَجِبُ فِي كُلِّ إصْبَعٍ عُشْرُ الدِّيَةِ وَفِيمَا بَقِيَ مِنْ خِنْصَرِهِ ثُلُثُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ فَفِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا فَاتَ وَإِلَى مَا بَقِيَ فَيَحْكُمَ بِحِسَابِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَفِي غَيْرِهَا مِنْ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ.
(أَقُولُ) فَقَوْلُ التَّنْوِيرِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَالْحُكُومَةُ فِيمَا بَقِيَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ يُنْتَفَعُ بِهِ وَإِلَّا فَفِيهِ الدِّيَةُ أَيْضًا لِمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: إذَا قُطِعَ مِنْ إصْبَعٍ مِفْصَلٌ وَاحِدٌ فَشُلَّ الْبَاقِي مِنْ الْإِصْبَعِ أَوْ الْكَفِّ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَكِنْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِيمَا شُلَّ مِنْهُ إنْ كَانَ إصْبَعًا فَدِيَةُ الْإِصْبَعِ، وَإِنْ كَانَ كَفًّا فَدِيَةُ الْكَفِّ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَنَحْوُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَتَمَامُ بَيَانِ هَذَا الْمَحَلِّ فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِزَيْدٍ طَبَقَةٌ أَخْشَابُهَا بَارِزَةٌ فِي دَارِ جَارِهِ عَمْرٍو فَعَمَدَ عَمْرٌو وَسَلَقَ تَحْتَ الْأَخْشَابِ الْمَزْبُورَةِ قَمْحَهُ فِي مِيقَدَةٍ عَمِلَهَا وَأَوْقَدَ فِيهَا نَارًا لَا يُوقَدُ مِثْلُهَا وَلَا تَتَحَمَّلُهَا الْمِيقَدَةُ وَالْعِلْمُ مُحِيطٌ بِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ النَّارِ تُحْرِقُ الْأَخْشَابَ الْمَذْكُورَةَ فَسَرَتْ النَّارُ إلَى الْأَخْشَابِ فَأَحْرَقَتْهَا وَأَحْرَقَتْ الطَّبَقَةَ وَمَا فِيهَا مِنْ الْأَمْتِعَةِ بَعْدَمَا نَهَاهُ جَارُهُ عَنْ ذَلِكَ مِرَارًا فَهَلْ يَضْمَنُ قِيمَةَ ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ إذَا أَلْقَى فِي التَّنُّورِ مِنْ الْحَطَبِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ التَّنُّورُ فَأَحْرَقَ بَيْتَهُ وَتَعَدَّى إلَى بَيْتِ غَيْرِهِ فَأَحْرَقَهُ ضَمِنَ تَتَارْخَانِيَّةٌ مِنْ الْفَصْلِ وَمِثْلُهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّمَانَاتِ وَكَذَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الْمُؤَيَّدِ عَنْ الْمُنْيَةِ وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّةِ مِنْ الْفَصْلِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا وَفِي الْكُبْرَى: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ قُطْنٌ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ وَتِلْكَ الْأَرْضُ لَصِيقَةٌ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى فَأَوْقَدَ صَاحِبُ الْأَرْضِ الْأُخْرَى نَارًا عَلَى طَرَفِ أَرْضِهِ إلَى جَانِبِ ذَلِكَ الْقُطْنِ وَالْعِلْمُ مُحِيطٌ بِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ النَّارِ تُحْرِقُ مِثْلَ هَذَا الْقُطْنِ فِي قُرْبِهِ مِنْ النَّارِ فَاحْتَرَقَ ذَلِكَ الْقُطْنُ، فَإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ ضَامِنٌ مِثْلَ ذَلِكَ. اهـ.
الْوَاجِبُ لَا يَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ وَالْمُبَاحُ يَتَقَيَّدُ بِهِ نَهْجُ النَّجَاةِ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَمِثْلُهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالدُّرِّ الْمُخْتَارِ.
(سُئِلَ) فِي امْرَأَةٍ حُرَّةٍ حُبْلَى مِنْ زَوْجِهَا زَيْدٍ ضَرَبَتْ بَطْنَ نَفْسِهَا عَمْدًا فَأَلْقَتْ جَنِينًا ذَكَرًا مَيِّتًا بَعْدَ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ بِلَا إذْنِ زَوْجِهَا فَهَلْ تَضْمَنُ عَاقِلَةُ الْمَرْأَةِ الْغُرَّةَ وَلَا تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْهَا وَمَا قَدْرُ الْغُرَّةِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ تَضْمَنُ عَاقِلَتُهَا غُرَّةً؛ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْهُ مُتَعَدِّيَةً وَتَتَحَمَّلُ عَنْهَا الْعَاقِلَةُ وَلَا تَرِثُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْقَاتِلُ لَا يَرِثُ وَالْغُرَّةُ قَدْرُهَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَيَجِبُ الْمِقْدَارُ الْمَذْكُورُ فِي سَنَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ وَضَمِنَ الْغُرَّةَ عَاقِلَةُ امْرَأَةٍ أَسْقَطَتْهُ مَيِّتًا عَمْدًا بِدَوَاءٍ أَوْ فِعْلٍ بِلَا إذْنِ زَوْجِهَا، فَإِنْ أَذِنَ لَا تَنْوِيرٌ مِنْ الْجِنَايَاتِ مِنْ فَصْلِ ضَرَبَ امْرَأَةً. (أَقُولُ) قَوْلُهُ: فَإِنْ أَذِنَ لَا بَحْثَ فِيهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة بَحْثًا أَجَبْنَا فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ ضَرَبَ آخَرَ عَمْدًا عَلَى فَمِهِ فَأَسْقَطَ سِنَّيْنِ مِنْ أَسْنَانِهِ فَمَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ الثُّبُوتِ؟
(الْجَوَابُ): حَيْثُ كَانَ عَمْدًا فَلَهُ طَلَبُ الْقِصَاصِ السِّنُّ بِالسِّنِّ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً يَجِبُ عَنْ كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفِضَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(أَقُولُ) لَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ الْقِصَاصِ فِي السِّنِّ إذَا قُلِعَتْ فَقِيلَ تُقْلَعُ سِنُّ الْجَانِي وَقِيلَ تُبْرَدُ بِالْمِبْرَدِ إلَى اللَّحْمِ كَمَا لَوْ كُسِرَتْ قَالَ الْعَلَائِيُّ وَبِهِ أَخَذَ صَاحِبُ الْكَافِي قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ التَّنْوِيرِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَبِهِ يُفْتَى. اهـ.
كَلَامُ الْعَلَائِيِّ لَكِنْ رَاجَعْت الْمِنَحَ الَّذِي هُوَ شَرْحُ التَّنْوِيرِ لِلْمُصَنِّفِ وَرَاجَعْت الْمُجْتَبَى فَلَمْ أَرَ فِيهِمَا ذَلِكَ، نَعَمْ كَتَبْت فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ أَنَّهُ مَشَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَعَزَوْهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ وَتَبِعَهُمْ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهَا لَا تُقْلَعُ وَمَشَى عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي الْهِدَايَةِ وَمُخْتَصَرِ الْوِقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَالِاخْتِيَارِ وَالدُّرَرِ وَغَيْرِهَا وَنَقَلَ الطُّورِيُّ فِي تَكْمِلَةِ الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمَقْدِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي اخْتِيَارُ الْبَرْدِ وَفِي شَرْحِ مُنْلَا مِسْكِينٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ النَّزْعُ مَشْرُوعٌ وَالْأَخْذُ بِالْمِبْرَدِ احْتِيَاطٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ عَمَدَ إلَى امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ وَضَرَبَهَا بِيَدِهِ الْعَادِيَةِ عَلَى فَمِهَا فَأَسْقَطَ سِنَّيْنِ مِنْ أَسْنَانِهَا الْعُلْيَا فَهَلْ عَلَى الرَّجُلِ دِيَةُ سِنَّيْهَا وَمَا مِقْدَارُهَا؟
(الْجَوَابُ): عَلَى الرَّجُلِ دِيَةُ سِنَّيْهَا وَقَدْرُهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ خَمْسُونَ دِينَارًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَشَرْحِهِ: وَفِي كُلِّ سِنٍّ يَعْنِي مِنْ الرَّجُلِ إذًا، دِيَةُ سِنِّ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ سِنِّ الرَّجُلِ جَوْهَرَةٌ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُونَ دِينَارًا أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ} يَعْنِي نِصْفَ عُشْرِ دِيَتِهِ لَوْ حُرًّا وَنِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ عَبْدًا. اهـ.
وَفِيهِ مِنْ بَابِ الْقَوَدِ: وَلَا قَوَدَ عِنْدَنَا فِي طَرَفَيْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَطَرَفَيْ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَطَرَفَيْ عَبْدَيْنِ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ بِدَلِيلِ اخْتِلَافِ دَيْنِهِمْ وَقِيمَتِهِمْ وَالْأَطْرَافُ كَالْأَمْوَالِ إلَخْ. اهـ.
(أَقُولُ) قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَقَدْرُهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ إلَخْ أَيْ قَدْرُ دِيَةِ سِنَّيْ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ دِيَةُ سِنِّ الرَّجُلِ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ وَكَانَتْ دِيَةُ سِنِّ الْمَرْأَةِ نِصْفَ دِيَةِ سِنِّ الرَّجُلِ تَكُونُ دِيَةُ السِّنَّيْنِ فِي الْمَرْأَةِ كَدِيَةِ سِنٍّ وَاحِدَةٍ فِي الرَّجُلِ.
وَقَوْلُهُ وَفِيهِ مِنْ بَابِ الْقَوَدِ إلَخْ اسْتِدْلَالٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُنَا الدِّيَةُ لَا الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَطْرَافِ مَا دُونَ النَّفْسِ فَيَدْخُلُ فِيهَا السِّنُّ وَعِبَارَةُ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ انْتَهَتْ وَهِيَ أَصْرَحُ فِي الْمُرَادِ.
(سُئِلَ) فِي امْرَأَةٍ أَصَابَ فَمَهَا حَجَرٌ خَطَأً مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى فَأَسْقَطَ ثَمَانِيَةً مِنْ أَسْنَانِهَا فَهَلْ يَجِبُ فِي كُلِّ سِنٍّ رُبْعُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَمَا قَدْرُهَا؟
(الْجَوَابُ): يَجِبُ فِي كُلِّ سِنٍّ رُبْعُ عُشْرِ الدِّيَةِ لِكَوْنِهَا امْرَأَةً وَالدِّيَةُ مِنْ الْإِبِلِ مِائَةٌ وَمِنْ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَمِنْ الْوَرَقِ أَيْ الْفِضَّةِ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ أَمَرَ آخَرَ بِقَلْعِ ضِرْسِهِ لِوَجَعٍ أَصَابَهُ وَعَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ الضِّرْسَ فَنَزَعَ الْمَأْمُورُ ضِرْسًا آخَرَ ثُمَّ اخْتَلَفَا وَحَلَفَ الْآمِرُ عَلَى مَا عَيَّنَ لَهُ فَهَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْمَأْمُورِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ قَالَ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَلَوْ أَمَرَ رَجُلًا بِنَزْعِ سِنِّهِ لِوَجَعٍ أَصَابَهُ وَعَيَّنَ السِّنَّ وَالْمَأْمُورُ نَزَعَ سِنًّا آخَرَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيهِ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ، فَإِنْ حَلَفَ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ أَيْ الْمَأْمُورِ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ وَمِثْلُهُ فِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ وَالْقُنْيَةِ وَصُوَرِ الْمَسَائِلِ عَنْ الْفَتَاوَى وَدِيَةُ السِّنِّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُونَ دِينَارًا أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ الْحُرَّةَ عَلَى يَدِهَا عَمْدًا فَشُلَّتْ بَعْضُ أَصَابِعِ يَدِهَا بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَهَلْ فِي كُلِّ إصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ؟
(الْجَوَابُ): يَجِبُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ إصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ الْمَذْكُورَةِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ فِي التَّنْوِيرِ مِنْ الدِّيَاتِ: وَفِي كُلِّ إصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ عُشْرُهَا. اهـ.
وَفِيهِ أَيْضًا وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي دِيَةِ النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا. اهـ.
وَفِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ الدِّيَاتِ ضِمْنَ سُؤَالٍ مَا نَصُّهُ: ثُمَّ نَنْظُرُ إلَى مَا شُلَّ مِنْ الْمَفَاصِلِ الْبَاقِيَةِ، فَإِنْ كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَقْطُوعِ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ. اهـ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ ضَرَبَ آخَرَ عَلَى يَدِهِ بِبُنْدُقَةٍ أَصَابَتْ إصْبَعَهُ السَّبَّابَةَ فَشُلَّتْ مَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ الثُّبُوتِ؟
(الْجَوَابُ): حَيْثُ شُلَّتْ، فَإِنْ كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَقْطُوعِ وَدِيَةُ الْإِصْبَعِ عَشْرَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ مِائَةٌ مِنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ أَلْفٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَكُلُّ عُضْوٍ ذَهَبَ نَفْعُهُ فَفِيهِ دِيَةٌ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا كَيَدٍ شُلَّتْ وَعَيْنٍ ذَهَبَ ضَوْءُهَا مُلْتَقًى قُبَيْلَ الشِّجَاجِ وَمِثْلُهُ فِي التَّنْوِيرِ وَقَدْ أَفْتَى بِمِثْلِهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ.
(سُئِلَ) فِي صَبِيٍّ عُمْرُهُ نَحْوُ عَشْرِ سِنِينَ دَفَعَهُ أَبُوهُ إلَى حَائِكٍ لِيُعَلِّمَهُ الْحِيَاكَةَ فَمَكَثَ عِنْدَ الْحَائِكِ أَيَّامًا يَشْتَغِلُ فِي النَّهَارِ ثُمَّ يَذْهَبُ عَشِيًّا إلَى أَبِيهِ فَفُقِدَ الصَّبِيُّ وَلَمْ يُعْلَمْ مَكَانُهُ بِدُونِ صُنْعٍ مِنْ الْحَائِكِ فَقَامَ أَبُوهُ يُطَالِبُ الْحَائِكَ بِإِحْضَارِهِ بِدُونِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَهَلْ لَا يَلْزَمُهُ إحْضَارُهُ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ فِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ الْإِجَارَةِ وَتُؤْخَذُ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا مِنْ الْأَشْبَاهِ مِنْ أَحْكَامِ الصِّبْيَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِهِنْدٍ بُنْدُقَةٌ مَجَرِيَّةٌ مَمْلُوءَةٌ بِرَصَاصٍ وَطَلَبَهَا رَجُلٌ لِيَشْتَرِيَهَا فَأَرْسَلَتْهَا لَهُ مَعَ صَغِيرٍ فَأَخَذَهَا الرَّجُلُ بِيَدِهِ فَأَوْرَتْ وَخَرَجَتْ الرَّصَاصَةُ مِنْهَا لَا بِفِعْلِ أَحَدٍ فَقَتَلَتْهُ فَهَلْ لَا ضَمَانَ عَلَى هِنْدٍ وَالصَّغِيرِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ لَهُ بُنْدُقَةٌ مَجَرِيَّةٌ عَلَّقَهَا فِي بَيْتِهِ وَبَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا وَقَعَ مِشْخَاصُهَا عَلَى خِزَانَتِهَا لَا بِحَرَكَةِ أَحَدٍ وَلَا بِفِعْلِهِ فَأَوْرَى وَخَرَجَتْ وَأَصَابَتْ صَاحِبَهَا وَجَمَاعَةً فَقَتَلَتْ وَاحِدًا مِنْ الْجَمَاعَةِ وَجَرَحَتْ الْبَاقِينَ قَامَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ يَطْلُبُونَ دِيَتَهُ مِنْ الْمَجْرُوحِينَ فَهَلْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَيْسَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِمْ دِيَةٌ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا بِرَصَاصَةٍ جَارِحَةٍ عَمْدًا فَأَصَابَتْ وَجْهَهُ وَجَرَحَتْهُ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ عَنْ وَرَثَةٍ طَلَبُوا الْقِصَاصَ مِنْ زَيْدٍ الضَّارِبِ الْمَذْكُورِ بَعْدَمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ ثُبُوتًا شَرْعِيًّا لَدَى حَاكِمِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ فَهَلْ تُجَابُ الْوَرَثَةُ إلَى ذَلِكَ وَيُقْتَصُّ مِنْ زَيْدٍ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ حَيْثُ الْحَالُ مَا ذُكِرَ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ وَيَجِبُ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ ضَاعَفَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ الْأُجُورَ إقَامَةُ حُدُودِ الدِّينِ وَنُصْرَةُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} وَقَالَ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ} وَيُثَابُ وُلَاةُ الْأُمُورِ عَلَى ذَلِكَ جَزِيلَ الثَّوَابِ مِنْ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَأَمَّا الْآلَةُ الَّتِي تُوجِبُ الْقِصَاصَ إذَا حَصَلَ الْقَتْلُ بِآلَةٍ جَارِحَةٍ كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَالرُّمْحِ وَالسَّهْمِ حَدِيدًا كَانَتْ الْآلَةُ أَوْ غَيْرَ حَدِيدٍ كَمَا لَوْ ذَبَحَ بِلِيطَةِ الْقَصَبِ وَالرُّمْحِ الَّذِي لَا سِنَانَ لَهُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مَحْدُودًا وَالْعَمُودِ وَالنُّشَّابَةِ وَالسَّهْمِ الَّذِي لَا نَصْلَ فِيهِ إذَا رَمَاهُ فَجَرَحَهُ أَوْ ضَرَبَهُ بِعَمُودِ حَدِيدٍ أَوْ مَا يُشْبِهُ الْحَدِيدَ كَالنُّحَاسِ وَالشَّبَهِ وَالرَّصَاصِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إذَا ضَرَبَهُ فَجَرَحَهُ أَوْ شَقَّ بَطْنَهُ بِخَشَبٍ مَحْدُودٍ أَوْ رَمَاهُ بِصَنْجَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَجَرَحَهُ أَوْ لَمْ يَجْرَحْهُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ يُقْتَلُ. اهـ.
قَاضِي خَانْ مِنْ بَابِ الْقَتْلِ. (أَقُولُ) كَتَبْت فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ أَوَّلَ الْجِنَايَاتِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ الْعَمْدُ مَا تَعَمَّدَ قَتْلَهُ بِالْحَدِيدِ كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَالرُّمْحِ وَالْخِنْجَرِ وَالنُّشَّابَةِ وَالْإِبْرَةِ وَالْأَشْفَى وَجَمِيعِ مَا كَانَ مِنْ الْحَدِيدِ سَوَاءٌ كَانَ يَقْطَعُ أَوْ يُبْضِعُ كَالسَّيْفِ وَمِطْرَقَةِ الْحَدَّادِ وَالزُّبْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الْغَالِبُ مِنْهُ الْهَلَاكَ أَمْ لَا.
وَلَا يُشْتَرَطُ الْجُرْحُ فِي الْحَدِيدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ وَضْعٌ لِلْقَتْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} وَكَذَا كُلُّ مَا يُشْبِهُ الْحَدِيدَ كَالصُّفْرِ وَالرَّصَاصِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ سَوَاءٌ كَانَ يُبْضِعُ أَوْ يَرُضُّ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ بِالْمُثْقِلِ مِنْهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَمَا إذَا ضَرَبَهُ بِعَمُودٍ مِنْ صُفْرٍ أَوْ رَصَاصٍ. اهـ.
كَلَامُ الْجَوْهَرَةِ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ الْإِمَامِ اعْتِبَارَ الْجُرْحِ فِي الْحَدِيدِ وَنَحْوِهِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَرَجَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي فِي مَسْأَلَةِ الْمَرِّ قُلْت وَعَلَى كُلٍّ فَالْقَتْلُ بِالْبُنْدُقَةِ الرَّصَاصِ عَمْدٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْحَدِيدِ وَتَجْرَحُ فَيُقْتَصُّ بِهِ لَكِنْ إذَا لَمْ تَجْرَحْ لَا يُقْتَصُّ بِهِ عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ.
مَا كَتَبْتُهُ.
(سُئِلَ) فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ أَنَّ فِي الْوَرَثَةِ صِغَارًا وَكِبَارًا، الْكِبَارُ: أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَزَوْجَتُهُ، وَالصِّغَارُ: ابْنُهُ وَابْنَتُهُ وَالْوَصِيُّ عَلَيْهِمَا جَدُّهُمَا وَالِدُهُ الْمَذْكُورُ، هَلْ لِوَالِدِهِ وَأُمِّهِ وَزَوْجَتِهِ الْقِصَاصُ قَبْلَ كِبَرِ أَوْلَادِهِ أَمْ لَا؟
(الْجَوَابُ): قَالَ فِي التَّنْوِيرِ وَلِلْكِبَارِ الْقَوَدُ قَبْلَ كِبَرِ الصِّغَارِ إلَّا إذَا كَانَ الْكَبِيرُ أَجْنَبِيًّا عَنْ الصَّغِيرِ فَلَا حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ. اهـ.
وَفِي الدُّرَرِ وَيَسْتَوْفِي الْكَبِيرُ قَبْلَ كِبَرِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَا يَتَجَزَّأُ لِثُبُوتِهِ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْقَرَابَةُ وَاحْتِمَالُ الْعَفْوِ وَالصُّلْحِ مِنْ الصَّغِيرِ مُنْقَطِعٌ فَثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَمَا فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ. اهـ.
وَفِي الْمُلْتَقَى وَمَنْ قُتِلَ وَلَهُ أَوْلِيَاءُ كِبَارٌ وَصِغَارٌ فَلِلْكِبَارِ الِاقْتِصَاصُ مِنْ قَاتِلِهِ قَبْلَ كِبَرِ الصِّغَارِ خِلَافًا لَهُمَا وَمِثْلُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ وَفِي مَنْظُومَةِ الْكَوَاكِبِيِّ وَجَازَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْكَبِيرُ مِنْ قَبْلِ مَا أَنْ يَكْبُرَ الصَّغِيرُ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ قَتَلَ آخَرَ عَمْدًا بِآلَةِ مَرٍّ وَجَرَحَهُ بِحَدِيدَتِهِ وَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ مِنْ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ صَغِيرٍ وَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ فَادَّعَتْ الْأُمُّ بِالْوِصَايَةِ عَلَى الصَّغِيرِ وَجَدَّةُ الصَّغِيرِ عَلَى الْقَاتِلِ وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ فَكَيْفَ الْحُكْمُ؟
(الْجَوَابُ): قَالَ فِي الْمُلْتَقَى مَنْ قَتَلَ بِحَدِيدَةِ الْمَرِّ اُقْتُصَّ مِنْهُ إنْ جَرَحَهُ بِحَدِّهِ، وَإِنْ كَانَ بِظَهْرِهِ فَلَا وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ. اهـ.
فَلْيُنْظَرْ ذَلِكَ وَفِي غَالِبِ الْمُتُونِ لِلْكِبَارِ الْقَوَدُ قَبْلَ كِبَرِ الصِّغَارِ وَخَصَّهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا إذَا كَانَ الْكَبِيرُ لَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ عَنْ الصَّغِيرِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا فِي مَالِهِ كَالْعَمِّ وَالْأَخِ فَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى خِلَافًا لَهُمَا، فَإِنَّهُ عِنْدَهُمَا يَنْتَظِرُ بُلُوغَ الصِّغَارِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ خُصُوصِ الشُّهُودِ يَنْبَغِي التَّفَحُّصُ عَنْهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، فَإِنَّهُ يُحْتَاطُ فِي الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ مَا لَا يُحْتَاطُ فِي غَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ.
(أَقُولُ) الَّذِي فِي السُّؤَالِ أَنَّهُ جَرَحَهُ بِحَدِيدَةِ الْمَرِّ فَحَيْثُ وُجِدَ الْجُرْحُ بِالْحَدِيدِ وَجَبَ الْقِصَاصُ اتِّفَاقًا سَوَاءٌ جَرَحَهُ بِحَدِّهِ أَوْ بِظَهْرِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا ضَرَبَهُ بِالْحَدِيدِ وَلَمْ يَجْرَحْهُ كَمَا إذَا ضَرَبَهُ بِظَهْرِ الْمَرِّ وَلَمْ يَحْصُلْ جُرْحٌ وَتَقَدَّمَ آنِفًا أَنَّ الْأَصَحَّ اعْتِبَارُ الْجُرْحِ فِي الْحَدِيدِ وَنَحْوِهِ مِنْ الرَّصَاصِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَأَقَرَّهُ شُرَّاحُهَا عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ ثُبُوتِ الْقَوَدِ لِلْكِبَارِ قَبْلَ بُلُوغِ الصِّغَارِ فَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْمُتُونِ وَاسْتَثْنَى مِنْهَا فِي التَّنْوِيرِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ مَا إذَا كَانَ الْكَبِيرُ أَجْنَبِيًّا عَنْ الصَّغِيرِ وَهَذَا بِعُمُومِهِ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ زَوْجَةً بَالِغَةً وَابْنًا صَغِيرًا مِنْ زَوْجَةٍ غَيْرِهَا، فَإِنَّ الزَّوْجَةَ هُنَا أَجْنَبِيَّةٌ عَنْ الِابْنِ الصَّغِيرِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجَةِ الْقَوَدُ قَبْلَ بُلُوغِ الصَّغِيرِ وَبِهِ أَفْتَى الْحَانُوتِيُّ وَقَالَ إنَّهُ لَمْ يَجِدْ هَذَا الْقَيْدَ لِغَيْرِ الزَّيْلَعِيِّ وَلَكِنَّهُ ثِقَةٌ ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ وَقَالَ فَيَنْتَظِرُ عَلَى هَذَا إلَى بُلُوغِ الصَّغِيرِ. اهـ.
لَكِنَّ الزَّيْلَعِيَّ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذَا الْقَيْدِ فَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَا نَصُّهُ: وَفِي الْأَصْلِ إنْ كَانَ الْكَبِيرُ أَبًا اسْتَوْفَى الْقَوَدَ بِالْإِجْمَاعِ.
، وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا بِأَنْ قُتِلَ عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ أَجْنَبِيَّيْنِ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَخْ. اهـ.
وَكَتَبْت فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ عِنْدَ قَوْلِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْكَبِيرُ أَجْنَبِيًّا عَنْ الصَّغِيرِ: قَالَ فِي النِّهَايَةِ بِأَنْ كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ صَغِيرٍ وَأَجْنَبِيٍّ فَقُتِلَ عَمْدًا لَيْسَ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ قَبْلَ بُلُوغِهِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ أَبٌ فَيَسْتَوْفِيَانِهِ حِينَئِذٍ: ثُمَّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ نَاقِلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمِلْكُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَكَامِلٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ يَحْتَمِلُ التَّجَزِّيَ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ السَّبَبَ فِيهِ الْقَرَابَةُ وَهِيَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزِّيَ وَتَمَامُهُ فِيهِ.
وَظَاهِرُ هَذَا التَّصْوِيرِ وَالتَّعْلِيلِ وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَا آنِفًا عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْأَصْلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَجْنَبِيِّ مَنْ كَانَ شَرِيكًا فِي الْمِلْكِ لَا فِي الْقَرَابَةِ فَلَوْ قُتِلَ رَجُلٌ وَلَهُ ابْنُ عَمَّةٍ كَبِيرٌ وَابْنُ خَالَةٍ صَغِيرٌ وَهُمَا أَجْنَبِيَّانِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمَا فَلِلْكَبِيرِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْقَرَابَةُ لِلْمَقْتُولِ وَهِيَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّى.
فَكَذَا مَا يَثْبُتُ بِهَا وَهُوَ الْقِصَاصُ فَيَثْبُتُ لَهُمَا غَيْرَ مُتَجَزٍّ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ اسْتِيفَاؤُهُ بِانْفِرَادِهِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ، فَإِنَّهُ مُتَجَزٍّ فَلَا يَثْبُتُ الْقِصَاصُ بِسَبَبِهِ لِكُلٍّ بِانْفِرَادِهِ مَا لَمْ يَجْتَمِعَا وَيَطْلُبَا الْقِصَاصَ وَالصَّغِيرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ أَبٌ فَيَسْتَوْفِيهِ الْأَبُ مَعَ شَرِيكِ ابْنِهِ فِي الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ وَكَذَا لَوْ قُتِلَ عَنْ زَوْجَةٍ وَابْنٍ صَغِيرٍ مِنْ غَيْرِهَا فَلِلزَّوْجَةِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْقَرَابَةِ مَا يَشْمَلُ الزَّوْجِيَّةَ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ بِالْقَرَابَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّةِ أَوَاخِرَ الْبَابِ السَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ: الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَإِنْ كَانَ خَطَأً، فَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ الْكَبِيرُ وَلِيَّ الصَّغِيرِ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الدِّيَةِ حِصَّةَ نَفْسِهِ بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَحِصَّةَ الصَّغِيرِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ، وَإِنْ كَانَ الْكَبِيرُ أَخًا أَوْ عَمًّا لَيْسَ وَصِيًّا لِلصَّغِيرِ يَسْتَوْفِي حِصَّةَ نَفْسِهِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا إنْ كَانَ الْكَبِيرُ أَبًا لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا بِأَنْ قُتِلَ عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ أَجْنَبِيَّيْنِ أَحَدُهُمَا صَغِيرٌ وَالْآخَرُ كَبِيرٌ لَيْسَ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ أَبٌ فَيَسْتَوْفِيَانِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ كَانَ الْكَبِيرُ أَخًا أَوْ عَمًّا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ قَبْلَ بُلُوغِ الصَّغِيرِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا: لَا حَتَّى يَبْلُغَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ أَبٌ فَيَسْتَوْفِي الْأَبُ نَصِيبَ الصَّغِيرِ مَعَ الْكَبِيرِ وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا كَانَ شَرِيكُ الْكَبِيرِ مَعْتُوهًا أَوْ مَجْنُونًا. اهـ.
وَتَمَامُهُ فِيهَا مِنْ الْفَصْلِ الْمَذْكُورِ.
فَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ كُلُّهَا قَدْ حَصَرَتْ تَصْوِيرَ الْأَجْنَبِيِّ بِالشَّرِيكِ فِي الْمِلْكِ دُونَ الشَّرِيكِ فِي الْإِرْثِ.
وَتَعْلِيلُ الْمَسْأَلَةِ الَّذِي مَرَّ عَنْ الْمَبْسُوطِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَحِينَئِذٍ فَلَا تَدْخُلُ مَسْأَلَةُ الزَّوْجَةِ مَعَ الِابْنِ مِنْ غَيْرِهَا تَحْتَ الْأَجْنَبِيِّ الْمُسْتَثْنَى هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَدْ نَقَلَ الْمُؤَلِّفُ عَنْ فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ الشَّلَبِيِّ مَسْأَلَةً وَهِيَ سُئِلَ عَنْ شَخْصٍ قَتَلَ امْرَأَةً عَمْدًا عُدْوَانًا وَثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَالْحَالُ أَنَّ الْمَقْتُولَةَ خَلَّفَتْ مِنْ الْوَرَثَةِ زَوْجًا بَالِغًا وَوَلَدًا مُرَاهِقًا صَغِيرًا مِنْ شَخْصٍ غَيْرِ الزَّوْجِ الَّذِي قُتِلَتْ فِي عِصْمَتِهِ فَهَلْ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ قَبْلَ بُلُوغِ الْوَلَدِ الْمَذْكُورِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَجُوزُ لِوَالِدِ الْوَلَدِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ لِوَلَدِهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ أَوْ لَا؟
(الْجَوَابُ):؟ لِلزَّوْجِ الْمَذْكُورِ الْقِصَاصُ قَبْلَ بُلُوغِ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ فِي الْكَنْزِ وَلِلْكِبَارِ الْقَوَدُ قَبْلَ بُلُوغِ الصِّغَارِ. اهـ.
وَلِوَالِدِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ الْقِصَاصُ لِوَلَدِهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ قَالَ قَاضِي خَانْ لِلْأَبِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَيَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ مَنْ يَسْتَحِقُّ مِيرَاثَهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ وَكَذَا الدِّيَةُ. اهـ.
وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ وَالْمُسْتَحِقُّ لِلْقِصَاصِ مَنْ يَسْتَحِقُّ مَالَ الْقَتِيلِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ وَكَذَا الدِّيَةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ كَازَرُونِيٌّ مِنْ الْجِنَايَاتِ عَنْ فَتَاوَى الشَّلَبِيِّ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ عَمَدَ إلَى رَجُلٍ وَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ وَثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَدَى قَاضٍ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ وَلِلْمَقْتُولِ زَوْجَةٌ وَأَوْلَادٌ صِغَارٌ مِنْهَا وَأَبٍ وَأُمٌّ هِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِأَبِيهِ الْمَزْبُورِ وَلَهُ تَرِكَةٌ وَيُرِيدُ الْأَبُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ مَعَ الزَّوْجَةِ مِنْ الْمَقْتُولِ قَبْلَ كِبَرِ الصِّغَارِ فَهَلْ يَسُوغُ لِلْأَبِ وَالزَّوْجَةِ ذَلِكَ وَلَا تَرِثُ الْأُمُّ مِنْ تَرِكَتِهِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ إذَا اجْتَمَعَ الْأَبُ وَالزَّوْجَةُ لَهُمَا ذَلِكَ قَبْلَ كِبَرِ الصِّغَارِ أَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى الْأَبِ فَبِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى الزَّوْجَةِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَعَالَى خِلَافًا لَهُمَا وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا أُمُّ الْمَقْتُولِ فَلَا تَرِثُ مِنْ تَرِكَتِهِ حَيْثُ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ وَلَا تَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَيَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ مَنْ يَسْتَحِقُّ مِيرَاثَهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ كَانَ الْكَبِيرُ وَلِيًّا لِلصَّغِيرِ مِمَّنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ يَسْتَوْفِيهِ الْكَبِيرُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الصَّغِيرُ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْوِلَايَةُ لَهُمَا بِالْمِلْكِ أَوْ بِالْقَرَابَةِ، وَإِنْ كَانَ وَلِيًّا لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ فَعَلَى الْخِلَافِ، فَإِنْ كَانَ الْكَبِيرُ أَجْنَبِيًّا عَنْ الصَّغِيرِ لَا يَمْلِكُ الْكَبِيرُ الِاسْتِيفَاءَ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَمْلِكُ الْكَبِيرُ الِاسْتِيفَاءَ فِي الْكُلِّ زَيْلَعِيٌّ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَلَيْسَ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ إذَا كَانُوا كِبَارًا حَتَّى يَجْتَمِعُوا وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يُوَكِّلَ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَلَوْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا وَكِبَارًا كَانَ لِلْكِبَارِ وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ قَبْلَ بُلُوغِ الصِّغَارِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي قَوْلِ صَاحِبَيْهِ وَالشَّافِعِيِّ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ الصِّغَارُ خَانِيَّةٌ وَفِيهَا: وَلِوَلِيِّ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَوَلَدِهِمَا اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ كَمَا فِي الْقِنِّ. اهـ.
وَفِي الْأَشْبَاهِ مِنْ النِّكَاحِ مَا ثَبَتَ لِجَمَاعَةٍ فَهُوَ بَيْنَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ إلَّا فِي مَسَائِلَ: الْأُولَى وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ لِلصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ ثَابِتَةٌ لِلْأَوْلِيَاءِ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ لِكُلٍّ.
الثَّانِيَةُ الْقِصَاصُ الْمَوْرُوثُ يَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى الْكَمَالِ حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ لِلْوَارِثِ الْكَبِيرِ اسْتِيفَاؤُهُ قَبْلَ بُلُوغِ الصَّغِيرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِبَالِغَيْنِ، فَإِنَّ الْحَاضِرَ لَا يَمْلِكُهُ فِي غَيْبَةِ الْآخَرِ اتِّفَاقًا لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ إلَخْ. اهـ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا حُرًّا عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ بِسِكِّينٍ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى وَكَتِفِهِ الْأَيْسَرِ فَجَرَحَهُ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ وَثَبَتَ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُزَكَّاةِ ثُبُوتًا شَرْعِيًّا ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ عَنْ وَرَثَةٍ كِبَارٍ حَاضِرِينَ وَأُمٍّ غَائِبَةٍ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى فَهَلْ لَا يُقْضَى عَلَى الرَّجُلِ بِالْقِصَاصِ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْغَائِبَةُ؟
(الْجَوَابُ): لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ حَتَّى تَحْضُرَ الْأُمُّ حَيْثُ كَانُوا كِبَارًا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ لَكِنَّهُ يُحْبَسُ قَالَ فِي الْمِنَحِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِالْقِصَاصِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْغَائِبُ وَقَالَ قَبْلَهُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ يُحْبَسُ إذَا أَقَامَ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالْقَتْلِ. اهـ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا اُتُّهِمَ زَيْدٌ بِقَتِيلٍ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ وَغَابَ وَلَهُ أَخٌ غَيْرُ مُتَّهَمٍ بِذَلِكَ يَزْعُمُ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ أَنَّ لَهُمْ حَبْسَ غَيْرِ الْمُتَّهَمِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُتَّهَمُ فَهَلْ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.
(سُئِلَ) فِي بَالِغٍ عَاقِلٍ ضَرَبَ صَبِيًّا خَطَأً بِعُودٍ ذِي شَوْكَةٍ أَصَابَتْ عَيْنَهُ الْيُمْنَى فَذَهَبَ ضَوْءُهَا وَلَا بَيِّنَةَ لِأَبِي الصَّبِيِّ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا عُلِمَ ذَلِكَ بِاعْتِرَافِ الضَّارِبِ وَلَمْ تُصَدِّقْهُ الْعَاقِلَةُ فَهَلْ يَلْزَمُ فِي ذَلِكَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَمَا قَدْرُ ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ): وَفِي الْعَيْنَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَالشَّفَتَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْأُنْثَيَيْنِ أَيْ الْخُصْيَتَيْنِ وَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهَا رُبْعُهَا كَنْزٌ وَتَنْوِيرٌ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَبْدًا وَلَا عَمْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا} حَتَّى لَوْ أَقَرَّ الْحُرُّ بِالْقَتْلِ خَطَأً لَمْ يَكُنْ إقْرَارُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْ إلَّا أَنْ يُصَدِّقُوهُ وَكَذَا قَرَّرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي الْمَعَاقِلِ فَتَنَبَّهْ عَلَائِيٌّ عَلَى التَّنْوِيرِ مِنْ بَابِ الْقَوَدِ وَفِيهِ مِنْ الدِّيَاتِ: وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ أَخْمَاسٌ مِنْهَا وَمِنْ ابْنِ مَخَاضٍ أَوْ أَلْفِ دِينَارٍ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ عَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ مِنْ الْوَرَقِ. اهـ.
وَفِي التَّنْوِيرِ مِنْ الدِّيَاتِ أَيْضًا: وَتَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فِي كُلِّ عُضْوٍ ذَهَبَ نَفْعُهُ كَيَدٍ شُلَّتْ وَعَيْنٍ ذَهَبَ ضَوْءُهَا. اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الْكَنْزِ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ ضَرَبَ آخَرَ بِعَصًا عَلَى أَجْنَابِهِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ الثُّبُوتِ؟
(الْجَوَابُ): عَلَيْهِ الْإِثْمُ وَالْكَفَّارَةُ وَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْأَصْلِ شِبْهُ الْعَمْدِ مَا تَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِالْعَصَا أَوْ السَّوْطِ أَوْ الْحَجَرِ أَوْ الْيَدِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا بِعَصًا فَقَتَلَهُ أَنَّ ذَلِكَ شِبْهُ الْعَمْدِ وَكَذَلِكَ لَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ فَشَجَّهُ صُوَرُ الْمَسَائِلِ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَفِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: الثَّانِي شِبْهُهُ وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ أَيْ بِمَا لَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ وَلَوْ بِحَجَرٍ وَخَشَبٍ كَبِيرَيْنِ عِنْدَهُ خِلَافًا لِغَيْرِهِ. اهـ.
(قُلْت) الَّذِي فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَهُ بِعَصًا أَوْ سَوْطٍ أَوْ حَجَرٍ صَغِيرٍ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الضَّرْبُ بِالْحَجَرِ أَوْ الْخَشَبِ الْكَبِيرِ كَخَشَبِ الْمَرِّ فَلَا قَوَدَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْعَمْدُ الْمَحْضُ إذَا أَوْجَبَ الدِّيَةَ أَوْجَبَ فِي مَالِهِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَالْخَطَأِ فِيهِمَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَشِبْهُ الْعَمْدِ فِي النَّفْسِ يُوجِبُ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ يَجِبُ عَلَى الْجَانِي، وَإِنْ بَلَغَ دِيَةً تَامَّةً خُلَاصَةٌ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ.
وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَعِبَارَتُهَا: الْمَالُ الْوَاجِبُ بِالْعَمْدِ الْمَحْضِ يَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَفِي النَّفْسِ وَفِي الْخَطَأِ فِيهِمَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ لَوْ نَفْسًا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَفِيمَا دُونَهَا وَإِنْ بَلَغَ الدِّيَةَ عَلَى الْقَاتِلِ. (أَقُولُ) لَمْ يُبَيِّنْ الْمُؤَلِّفُ دِيَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ وَقَدْ قَالَ فِي التَّنْوِيرِ وَشَرْحِهِ أَوَّلَ كِتَابِ الدِّيَاتِ: دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ إلَى جَذَعَةٍ بِإِدْخَالِ الْغَايَةِ وَهِيَ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ لَا غَيْرُ، ثُمَّ قَالَ: وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ أَخْمَاسٌ: مِنْهَا وَمِنْ ابْنِ مَخَاضٍ أَوْ أَلْفِ دِينَارٍ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ عَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ مِنْ الْوَرَقِ. اهـ.
قَوْلُهُ وَهِيَ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ لَا غَيْرُ أَيْ لَا يُخَيَّرُ الْقَاتِلُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ بَيْنَ دَفْعِ الْوَرَقِ أَوْ الْعَيْنِ أَيْ الذَّهَبِ أَوْ الْإِبِلِ بَلْ اللَّازِمُ عَلَيْهِ الْإِبِلُ وَكَلَامُ الْهِدَايَةِ يُشِيرُ إلَى هَذَا وَهُوَ صَرِيحُ مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ شِبْهِ الْعَمْدِ الْإِثْمُ وَالْكَفَّارَةُ وَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ. اهـ.
فَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ ابْتِدَاءً مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْإِبِلِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّغْلِيظِ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَارُ الْأَخَفَّ فَتَفُوتُ حِكْمَةُ التَّغْلِيظِ نَصًّا فَلْيَكُنْ عَلَى ذِكْرٍ مِنْك لِتُحَرِّرَهُ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الشُّرُنْبُلَالِيّ عَلَى الدُّرَرِ وَاَلَّذِي حَرَّرْتُهُ فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ أَنَّ عِبَارَاتِ الْمُتُونِ مُخْتَلِفَةُ الْمَفْهُومِ، فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ عِبَارَةِ التَّنْوِيرِ السَّابِقَةِ وَغَيْرِهَا كَالْهِدَايَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَالْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى أَنَّ الدِّيَةَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ لَا تَكُونُ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ فَمَعْنَى التَّغْلِيظِ أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْجَانِي مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ الدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ دَفْعِهَا مِنْ الْإِبِلِ أَوْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ: وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْوِقَايَةِ وَالْإِصْلَاحِ وَالْغُرَرِ أَنَّهَا تَكُونُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ وَعَلَيْهِ فَمَعْنَى التَّغْلِيظِ فِيهَا أَنَّهَا إذَا دُفِعَتْ مِنْ الْإِبِلِ تُدْفَعُ أَرْبَاعًا بِخِلَافِ دِيَةِ الْخَطَأِ، فَإِنَّهَا أَخْمَاسٌ وَهِيَ أَخَفُّ مِنْ الْأَرْبَاعِ.
وَبِذَلِكَ صَرَّحَ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَثْبُتُ التَّغْلِيظُ إلَّا فِي الْإِبِلِ خَاصَّةً، فَإِنْ قَضَى مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ لَمْ تَتَغَلَّظْ. اهـ.
وَفِي الْمَجْمَعِ:
تَتَغَلَّظُ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ فِي الْإِبِلِ، قَالَ شَارِحُهُ: حَتَّى لَوْ قَضَى بِالدِّيَةِ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ لَمْ تُغَلَّظْ وَكَذَا فِي دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِهِ غُرَرِ الْأَذْكَارِ وَفِي جِنَايَاتِ غَايَةِ الْبَيَانِ: وَتُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فِي الْإِبِلِ إذَا فُرِضَتْ الدِّيَةُ فِيهَا فَأَمَّا غَيْرُ الْإِبِلِ فَلَا يُغَلَّظُ فِيهَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ حَتَّى أَنَّهُ لَا يُزَادُ فِي الْفِضَّةِ عَلَى عَشْرَةِ آلَافٍ وَلَا فِي الذَّهَبِ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ. اهـ.
وَفِي دُرَرِ الْبِحَارِ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ مِنْ الذَّهَبِ فِي الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ أَلْفُ دِينَارٍ فَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ دِيَةَ شِبْهِ الْعَمْدِ لَا تَخْتَصُّ بِالْإِبِلِ بَلْ تَكُونُ مِنْهُ وَمِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَدِيَةِ الْخَطَأِ، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ أَنَّهَا إذَا دُفِعَتْ مِنْ الْإِبِلِ، فَإِنْ كَانَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ تَغَلَّظَتْ بِأَنْ تُدْفَعَ أَرْبَاعًا، وَإِنْ كَانَ فِي الْخَطَأِ فَلَا بَلْ تُدْفَعُ أَخْمَاسًا.
وَهَلْ الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ لِلْقَاتِلِ أَمْ لِلْقَاضِي؟ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمَجْمَعِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ تُفِيدُ الثَّانِيَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) فِيمَنْ اُتُّهِمَ بِقَتْلِ رَجُلٍ وَلِلرَّجُلِ صِغَارٌ وَزَوْجَةٌ وَجَدٌّ أَبُو أَبٍ فَعَجَزَ الْجَدُّ عَنْ إثْبَاتِ ذَلِكَ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ لِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ فَصَالَحَ وَلِيُّ الصِّغَارِ الْمَذْكُورُ عَنْ إنْكَارٍ بِمَبْلَغٍ مَعْلُومٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ مَعَ ثُبُوتِ الْحَظِّ وَالْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ لِلصِّغَارِ فَهَلْ يَكُونُ الصُّلْحُ الْمَزْبُورُ صَحِيحًا؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ أَجَابَ: حَيْثُ كَانَتْ الْأُمُّ وَصِيَّةً عَلَى وَلَدَيْهَا اللَّذَيْنِ هُمَا أَخَوَا الْمَيِّتِ كَانَ لَهَا الصُّلْحُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لَكِنْ قَالُوا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُجَوِّزَةِ لِلصُّلْحِ أَنَّ الصُّلْحَ إذَا كَانَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّيَةِ لَا يَجُوزُ. (أَقُولُ) الظَّاهِرُ حَمْلُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْقَتْلُ ثَابِتًا أَمَّا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ فَيَجُوزُ قِيَاسًا عَلَى دَعْوَى مَالِ الْمَيِّتِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ حَيْثُ قَالَ: الْوَصِيُّ إذَا صَالَحَ عَنْ حَقِّ الْمَيِّتِ أَوْ عَنْ حَقِّ الصَّغِيرِ عَلَى رَجُلٍ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرًّا بِالْمَالِ أَوْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الْحَقِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يَجُوزُ. اهـ.
فَجُعِلَ الصُّلْحُ مِنْ الْوَصِيِّ جَائِزًا عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ كَازَرُونِيٌّ عَنْ الْحَانُوتِيِّ مِنْ كِتَابِ الصُّلْحِ.
(سُئِلَ) فِي صَبِيٍّ عَمَدَ إلَى صَبِيٍّ وَضَرَبَهُ بِقَدُومٍ عَلَى أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُمْنَى فَقَطَعَ مِفْصَلًا مِنْ سَبَّابَتِهِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ثُلُثُ دِيَةِ الْإِصْبَعِ فِي مَالِهِ بَعْدَ الثُّبُوتِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ وَفِي كُلِّ إصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ عُشْرُهَا وَمَا فِيهَا مَفَاصِلُ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْإِصْبَعِ وَنِصْفُهَا لَوْ فِيهَا مِفْصَلَانِ تَنْوِيرٌ مِنْ الدِّيَاتِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتُونِ، وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ عِنْدَنَا وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْحَالَيْنِ وَتَكُونُ فِي مَالِهِ فِي فَصْلِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ عِنْدَنَا أَحْكَامُ الصِّغَارِ مِنْ مَسَائِلِ الْجِنَايَاتِ وَمِثْلُهُ فِي التَّنْوِيرِ. (أَقُولُ) الَّذِي فِي التَّنْوِيرِ هَكَذَا: وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ. اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي مَتْنِ الْمَجْمَعِ وَشَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ وُجُوبَهَا فِي مَالِهِ قَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ قَبْلَ الْعِبَارَةِ الَّتِي نَقَلَهَا الْمُؤَلِّفُ عَنْهُ مَا نَصُّهُ: عَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ وَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْمَعْتُوهُ كَالْمَجْنُونِ. اهـ.
فَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ وَتَكُونُ فِي مَالِهِ وَقَدْ يُوَفَّقُ بِمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ عَنْ الدُّرَرِ بِقَوْلِهِ: وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ إنْ بَلَغَ نِصْفَ الْعُشْرِ فَأَكْثَرَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ عَجَمٍ وَإِلَّا فَفِي مَالِهِ دُرَرٌ. اهـ.
فَيُحْمَلُ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ أَحْكَامِ الصِّغَارِ مِنْ أَنَّ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْوَاجِبُ بِالْجِنَايَةِ لَمْ يَبْلُغْ نِصْفَ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّهُ يَسْلُكُ فِيهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ مِنْ الْعَجَمِ؛ لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُمْ لَكِنْ يُنَافِيهِ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ فَتَأَمَّلْ:
قَالَ الْمُؤَلِّف وَفِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ إذَا وَقَعَ الدَّعْوَى عَلَى الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ فَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ إحْضَارِهِ وَلَكِنْ يَحْضُرُ أَبُوهُ حَتَّى إذَا لَزِمَ الصَّبِيَّ شَيْءٌ يُؤَدِّي عَنْهُ أَبُوهُ مِنْ مَالِهِ وَفِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ أَنَّ إحْضَارَ الصَّبِيِّ فِي الدَّعَاوَى شَرْطٌ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِ زَمَانِنَا مَنْ شَرَطَ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الصَّغِيرُ مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَى ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ وَصِيٌّ وَطَلَبَ الْمُدَّعِي مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ عَنْهُ وَصِيًّا أَجَابَهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي ظَهِيرِ الدِّينِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْأَطْفَالِ الرُّضَّعِ عِنْدَ الدَّعْوَى. اهـ.
أَحْكَامُ الصِّغَارِ مِنْ الْجِنَايَاتِ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ ضَرَبَ آخَرَ بِحَجَرٍ فَأَصَابَ امْرَأَةً حُرَّةً حَامِلًا فَأَلْقَتْ جَنِينًا بِسَبَبِ الضَّرْبِ وَكَانَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ سَاعَةٍ فَهَلْ تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ، وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاتِلًا، وَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ فَفِيهِ دِيَتُهَا وَالْغُرَّةُ لِمَا رَوَيْنَا. اهـ.
وَفِي الْمِنَحِ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ وَلَوْ كِتَابِيَّةً أَوْ مَجُوسِيَّةً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَجَبَ غُرَّةٌ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ فِي سَنَةٍ، فَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ أَيْ تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ عَلَى الضَّارِبِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ آدَمِيًّا خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَتَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ وَالْجَنِينُ الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ كَالْجَنِينِ التَّامِّ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا. اهـ.
قَوْلُهُ عَلَى الضَّارِبِ أَيْ وَتُؤْخَذُ مِنْ عَاقِلَتِهِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الِاخْتِيَارِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْبَزَّازِيَّةِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْمَجْمُوعَةِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْقَوْلِ بِسُقُوطِ الْعَاقِلَةِ فِي زَمَانِنَا كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَائِيُّ وَالْحَانُوتِيُّ؛ لِأَنَّ التَّنَاصُرَ مُنْتَفٍ الْآنَ لِغَلَبَةِ الْحَسَدِ وَالْبُغْضِ وَتَمَنِّي كُلِّ وَاحِدٍ الْمَكْرُوهَ لِصَاحِبِهِ وَحَيْثُ لَا قَبِيلَةَ وَلَا تَنَاصُرَ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ فَقَدْ حَصَلَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ.
وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ عَنْ فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ صِبْيَانٌ يَلْعَبُونَ بِالرَّمْيِ فَمَرَّتْ بِهِمْ امْرَأَةٌ فَرَمَى صَبِيٌّ ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ أَوْ نَحْوُهُ سَهْمًا فَأَذْهَبَ عَيْنَهَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ إنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لِلْعَجَمِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ.
وَفِي جِنَايَاتِ الْمُلْتَقَطِ صَبِيٌّ رَمَى سَهْمًا فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ لَا ضَمَانَ عَلَى وَالِدِهِ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَا عَاقِلَةَ لِلْعَجَمِ لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ، وَإِنَّمَا الْعَاقِلَةُ لِلْعَرَبِ لِلتَّنَاصُرِ، فَإِنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ عَاقِلَةٌ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَلَا يَجِبُ بِإِقْرَارِ الصَّبِيِّ وَلَا بِشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ شَيْءٌ. اهـ.
أَحْكَامُ الصِّغَارِ.
مِنْ مَسَائِلِ الْجِنَايَاتِ بخ انْقَلَبَ فَأْسٌ مِنْ يَدِ قَصَّابٍ كَانَ يَكْسِرُ الْعَظْمَ فَأَتْلَفَ عُضْوَ إنْسَانٍ يَضْمَنُ وَهُوَ خَطَأٌ وَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لِلْعَجَمِ أَجْمَعَ؛ لِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ وَلَا يَتَنَاصَرُونَ وَالْعَاقِلَةُ جَاءَتْ فِي الْعَرَبِ وَهُوَ مُخْتَارُ أَبِي جَعْفَرٍ وَبِهِ يُفْتِي الْإِمَامُ الْمَرْغِينَانِيُّ وَفِي الْخُلَاصَةِ مِثْلُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَطَشَ رَجُلٌ امْرَأَةَ غَيْرِهِ فَضَرَبَهَا عَلَى الْأَرْضِ وَفِي يَدِهَا صَبِيٌّ فَمَاتَ بِذَلِكَ السَّبَبِ يَضْمَنُ الضَّارِبُ دِيَةَ الصَّبِيِّ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْعَرَبِ وَإِلَّا تَضْمَنْ عَاقِلَتُهُ كَوَاضِعِ الْحَجَرِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَتَلِفَ إنْسَانٌ حَاوِي الزَّاهِدِيِّ فِي التَّسَبُّبِ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَفِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ لِلْعَلَائِيِّ صَرَّحَ شَيْخُ شَيْخِنَا الْحَانُوتِيُّ أَنَّ التَّنَاصُرَ مُنْتَفٍ الْآنَ لِغَلَبَةِ الْحَسَدِ وَالْبُغْضِ وَتَمَنِّي كُلِّ وَاحِدٍ الْمَكْرُوهَ لِصَاحِبِهِ فَتَنَبَّهْ قُلْت وَحَيْثُ لَا تَنَاصُرَ وَلَا قَبِيلَةَ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ. اهـ.
(أَقُولُ) قَدْ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ الْحَانُوتِيُّ بِذَلِكَ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ فَتَاوَاهُ فَنَذْكُرُ عِبَارَتَهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لِتَوْضِيحِ الْمَقَامِ وَنَصُّهُ: الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَهِيَ أَهْلُ الدِّيوَانِ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فَعَاقِلَتُهُ قَبِيلَتُهُ وَيَدْخُلُ فِيهَا مَنْ كَانَ عَصَبَةً، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْقَاتِلُ كَأَحَدِهِمْ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّةِ عَنْ السِّغْنَاقِيِّ وَغَيْرِهِمَا: وَتُؤْخَذُ الدِّيَةُ مِنْ الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فِي كُلّ سَنَةٍ إلَّا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَثُلُثٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
فَإِنْ لَمْ تَتَّسِعْ الْقَبِيلَةُ لِذَلِكَ ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ نَسَبًا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ نَاقِلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ الْمَشَايِخُ: هَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي حَقِّ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ حَفِظُوا أَنْسَابَهُمْ فَأَمْكَنَ إيجَابُ الْعَقْلِ عَلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ مِنْ حَيْثُ النَّسَبُ أَمَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ فِي حَقِّ الْعَجَمِ؛ لِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَهْلَ الْأَمْصَارِ الْآنَ قَدْ صَارُوا كَالْعَجَمِ؛ لِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ وَلَا يَتَنَاصَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَصَرَّحَ الْمَشَايِخُ أَنَّ التَّنَاصُرَ شَرْطٌ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ مَا نَصُّهُ: وَأَفْتَى أَبُو اللَّيْثِ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ وَظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لِلْعَجَمِ؛ لِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ وَلَا يَتَنَاصَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَعَاقِلَةُ كُلِّ إنْسَانٍ مَنْ يَتَنَاصَرُ هُوَ بِهِ إنْ مِنْ الدِّيوَانِ فَعَاقِلَتُهُ أَهْلُ دِيوَانِهِ وَالصُّنَّاعُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إنْ كَانُوا يَتَنَاصَرُونَ بِالدِّيوَانِ وَالصِّنَاعَةِ. اهـ.
وَحَيْثُ عُلِمَ أَنَّ التَّنَاصُرَ شَرْطٌ وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي هَذَا الزَّمَانِ لِغَلَبَةِ الْحَسَدِ وَبُغْضِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَتَمَنِّي كُلِّ وَاحِدٍ الْمَكْرُوهَ لِصَاحِبِهِ فَتَكُونُ الدِّيَةُ حِينَئِذٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ قَالَ ابْنُ فَرْشَتَةَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَزَّازِيَّةِ مَا نَصُّهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَشِيرَةٌ وَلَا دِيوَانٌ فَعَاقِلَتُهُ بَيْتُ الْمَالِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِهِ هَذَا مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
كَلَامُ الْعَلَّامَةِ الْحَانُوتِيِّ ثُمَّ إنَّ وُجُوبَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ كَانَ مُنْتَظِمًا وَإِلَّا فَفِي مَالِ الْجَانِي قَالَ فِي الْمُجْتَبَى مَا نَصُّهُ: قُلْت وَفِي زَمَانِنَا بِخُوَارِزْمَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي مَالِ الْجَانِي إلَّا إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ أَوْ مَحَلَّةٍ يَتَنَاصَرُونَ؛ لِأَنَّ الْعَشَائِرَ فِيهَا قَدْ وَهَتْ وَرَحْمَةُ التَّنَاصُرِ مِنْ بَيْنِهِمْ قَدْ رُفِعَتْ وَبَيْتُ الْمَالِ قَدْ انْهَدَمَ نَعَمْ أَسَامِي أَهْلِهَا مَكْتُوبَةٌ فِي الدِّيوَانِ أُلُوفًا وَمِئَاتٍ لَكِنْ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَجِبَ فِي مَالِهِ. اهـ.
وَفِي النُّقَايَةِ وَشَرْحِهَا لِلْقُهُسْتَانِيِّ وَمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ أَيْ مِنْ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ يُعْطِي الدِّيَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ مَضْبُوطًا وَإِلَّا أَيْ إلَّا يَكُنْ كَذَلِكَ فَعَلَى الْجَانِي. اهـ.
وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الدِّيَةَ حَيْثُ وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ تُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَبَقِيَ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ وَوَجَبَتْ فِي مَالِهِ فَكَيْفَ تُؤْخَذُ؟ نَصَّ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ النَّاطِفِيِّ أَنَّهُ يُؤَدِّي فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةً وَقَالَ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى قُلْت وَهَذَا أَحْسَنُ لَا بُدَّ مِنْ حِفْظِهِ فَقَدْ رَأَيْت فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. اهـ.
وَارْتَضَاهُ الْعَلَائِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ وَقَالَ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ. اهـ.
لَكِنَّ هَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ يُؤَدِّي فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةً إنْ كَانَ الْمُرَادُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ مُدَّةِ عُمْرِهِ فَمَتَى تَنْقَضِي الدِّيَةُ، وَإِذَا مَاتَ الْجَانِي فَمِمَّنْ يُؤْخَذُ الْبَاقِي وَكَيْفَ يُؤْخَذُ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ مِنْ وُجُوبِهَا فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فَإِنَّهُ لَا إشْكَالَ فِيهِ.
وَقَدْ صَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الذِّمِّيَّ الَّذِي لَا عَاقِلَةَ لَهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْمُسْلِمِ. اهـ.
لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا حَقَّ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ ابْتِدَاءً، وَإِذَا فُقِدَ بَيْتُ الْمَالِ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي مَالِهِ صَارَ كَالذِّمِّيِّ فَتَجِبُ عَلَيْهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ يَوْمِ الْقَضَاءِ لَا مِنْ يَوْمِ الْجِنَايَةِ فَاغْتَنِمْ هَذَا الْمَقَامَ، فَإِنَّهُ مِمَّا لَمْ أُسْبَقْ إلَى تَحْرِيرِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى تَيْسِيرِهِ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا حُرًّا عَلَى إحْدَى عَيْنَيْهِ عَمْدًا فَذَهَبَ بِذَلِكَ ضَوْءُهَا فَهَلْ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الدِّيَةِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ قَالَ فِي التَّنْوِيرِ وَتَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فِي كُلِّ عُضْوٍ ذَهَبَ نَفْعُهُ بِضَرْبِ ضَارِبٍ كَيَدٍ شُلَّتْ وَعَيْنٍ ذَهَبَ ضَوْءُهَا وَصُلْبٍ انْقَطَعَ مَاؤُهُ. اهـ.
وَفِيهِ أَيْضًا وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمُزْدَوِجَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ. اهـ.
(أَقُولُ) قَوْلُهُ وَتَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ أَيْ دِيَةُ ذَلِكَ الْعُضْوِ الَّذِي ذَهَبَ نَفْعُهُ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْعَيْنِ نِصْفُ دِيَةِ النَّفْسِ ثُمَّ إنَّ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ لَا الدِّيَةُ حَيْثُ كَانَ الضَّرْبُ عَمْدًا وَكَانَ الذَّاهِبُ مُجَرَّدَ الضَّوْءِ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ قَالَ فِي التَّنْوِيرِ وَشَرْحِهِ فِي بَابِ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ: وَكَذَا عَيْنٌ ضُرِبَتْ فَزَالَ ضَوْءُهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ غَيْرُ مُنْخَسِفَةٍ فَيُجْعَلُ عَلَى وَجْهِهِ قُطْنٌ رَطْبٌ وَتُقَابَلُ عَيْنُهُ بِمِرْآةٍ مُحْمَاةٍ وَلَوْ قُلِعَتْ لَا قِصَاصَ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ. اهـ.
(سُئِلَ) فِي امْرَأَةٍ ضَرَبَتْ بِنْتًا بِمِخْيَاطٍ عَمْدًا فَفَقَأَتْ عَيْنَهَا فَمَا يَلْزَمُهَا بَعْدَ الثُّبُوتِ الشَّرْعِيِّ؟
(الْجَوَابُ): يَلْزَمُهَا بَعْدَ الثُّبُوتِ الشَّرْعِيِّ رُبْعُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةَ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفَ الدِّيَةِ وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ حَالَهَا أَنْقَصُ مِنْ حَالِ الرَّجُلِ وَمَنْفَعَتُهَا أَقَلُّ وَقَدْ ظَهَرَ أَمْرُ النُّقْصَانِ بِالتَّنْصِيفِ فِي النَّفْسِ فَكَذَا فِي أَطْرَافِهَا وَأَجْزَائِهَا اعْتِبَارًا بِهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهَا رُبْعُ الدِّيَةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ دِينَارًا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفِضَّةِ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا بِقَضِيبٍ عَمْدًا فَأَصَابَ خَدَّهُ فَأَسْقَطَ اثْنَتَيْنِ مِنْ أَسْنَانِهِ الْعُلْيَا فَمَا يَلْزَمُهُ شَرْعًا؟
(الْجَوَابُ): إذَا طَلَبَ الرَّجُلُ الْمَضْرُوبُ مِنْ الضَّارِبِ الْقِصَاصَ حَيْثُ كَانَ عَمْدًا يُقْتَصُّ مِنْهُ بَعْدَ الثُّبُوتِ الشَّرْعِيِّ السِّنُّ بِالسِّنِّ، وَإِنْ أَرَادَ الدِّيَةَ فَفِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفِضَّةِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي الشِّجَاجِ مِنْ التَّنْوِيرِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ الْجِنَايَاتِ أَيْضًا. (أَقُولُ) ظَاهِرُ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ مَعَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي السُّؤَالِ أَنَّ الْجِنَايَةَ هُنَا عَمْدٌ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مُوجِبَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْإِثْمُ وَالْقَوَدُ عَيْنًا فَلَا يَصِيرُ مَالًا إلَّا بِالتَّرَاضِي فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَخْذُ الدِّيَةِ إلَّا بِرِضَا الْقَاتِلِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ حَيْثُ أَثْبَتَ الْخِيَارَ لِلْوَلِيِّ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ سَوَاءٌ رَضِيَ الْقَاتِلُ أَوْ لَا، وَهَذَا وَإِنْ صَرَّحُوا بِهِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى مَا دُونَهَا كَمَا يَظْهَرُ مِنْ فُرُوعِهِمْ الْكَثِيرَةِ.
مِنْهَا لَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَيَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءُ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمَقْطُوعِ يَدُهُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ، وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْخِيَارُ لَهُ بِسَبَبِ الْعَيْبِ فَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ مُطْلَقًا لَمَا صَوَّرُوهُ فِي الْمَعِيبِ.
وَفِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ: وَعَلَى هَذَا فِي السِّنِّ وَسَائِرِ الْأَطْرَافِ الَّتِي تُقَادُ إذَا كَانَ طَرَفُ الضَّارِبِ وَالْقَاطِعِ مَعِيبًا يَتَخَيَّرُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَيْنَ أَخْذِ الْمَعِيبِ وَالْأَرْشِ كَامِلًا إلَخْ. اهـ.
وَفِي أَوَّلِ الْجِنَايَاتِ مَا نَصُّهُ: وَهُوَ أَيْ شِبْهُ الْعَمْدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْأَطْرَافِ عَمْدٌ مُوجِبٌ لِلْقِصَاصِ فَقَوْلُهُ مُوجِبٌ لِلْقِصَاصِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا خِيَارَ فِيهِ.
وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ عِنْدَ الِاسْتِدْلَالِ لِمَذْهَبِنَا بِأَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ لَا الْخِيَارُ مَا نَصُّهُ: وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَمَّتَهُ الرُّبَيِّعَ لَطَمَتْ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَهَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ اخْتَصَمُوا إلَيْهِ: كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ وَاجِبًا بِهِ لَخُيِّرَ إذْ مَنْ وَجَبَ لَهُ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ عَلَى الْخِيَارِ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِأَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا، وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِأَنْ يَخْتَارَ أَيَّهُمَا شَاءَ. اهـ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ يَلْزَمُهُ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ هَذَا إذَا كَانَ خَطَأً، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَفِيهِ الْقِصَاصُ السِّنُّ بِالسِّنِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَبِمَا تَرَكْنَا ذِكْرَهُ خَوْفَ التَّطْوِيلِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ عِنْدَنَا فِي الْعَمْدِ وَلَوْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ بَلْ مُوجِبُهُ الْقَوَدُ حَيْثُ أَمْكَنَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا جَرَحَ رَجُلٌ آخَرَ ثُمَّ عَفَا الْمَجْرُوحُ عَنْ الْجَارِحِ قَبْلَ مَوْتِهِ عَنْ الْجِرَاحَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ فَهَلْ يَكُونُ الْعَفْوُ جَائِزًا؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ وَفِي الدُّرَرِ عَنْ الْمَسْعُودِيَّةِ لَوْ عَفَا الْمَجْرُوحُ أَوْ الْأَوْلِيَاءُ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ جَازَ الْعَفْوُ اسْتِحْسَانًا عَلَائِيٌّ عَلَى التَّنْوِيرِ مِنْ فَصْلٍ فِي الْقَوَدِ، وَإِنْ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ، فَإِنْ كَانَ الْعَفْوُ بِلَفْظِ الْجِنَايَةِ أَوْ بِلَفْظِ الْجِرَاحَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا صَحَّ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْجِرَاحَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ الْعَفْوُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَصِحُّ الْعَفْوُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ هَذَا إذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَأَمَّا إذَا كَانَ خَطَأً، فَإِنْ بَرِئَ مِنْ ذَلِكَ صَحَّ الْعَفْوُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الْجِنَايَةِ أَوْ الْجِرَاحَةِ وَذُكِرَ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ لَمْ يُذْكَرْ، وَإِنْ سَرَى إلَى النَّفْسِ، فَإِنْ كَانَ الْعَفْوُ بِلَفْظِ الْجِنَايَةِ أَوْ الْجِرَاحَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا صَحَّ أَيْضًا ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَفْوُ فِي حَالِ صِحَّةِ الْمَجْرُوحِ بِأَنْ كَانَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ وَلَمْ يَصِرْ ذَا فِرَاشٍ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي حَالِ الْمَرَضِ بِأَنْ صَارَ ذَا فِرَاشٍ يُعْتَبَرُ عَفْوُهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ تَبَرُّعٌ مِنْهُ وَتَبَرُّعُ الْمَرِيضِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْرُ الدِّيَةِ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ يَسْقُطُ ذَلِكَ الْقَدْرُ عَنْ الْعَاقِلَةِ.
وَإِنْ كَانَ لَا يَخْرُجُ كُلُّهُ مِنْ الثُّلُثِ فَثُلُثُهُ يَسْقُطُ عَنْ الْعَاقِلَةِ وَثُلُثَاهُ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ،
وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْجِرَاحَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَحْدُثُ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ الْعَفْوُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ الْعَفْوُ وَهَذَا كَقَوْلِهِ عَفَوْت عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ الْجِرَاحَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا سَوَاءٌ مِنْ جِنَايَاتِ الْبَدَائِعِ مُلَخَّصًا أَنْقِرْوِيٌّ. (أَقُولُ) وَالْفَرْقُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بَيْنَ قَوْلِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَفَوْت عَنْ الْجِنَايَةِ وَقَوْلِهِ عَفَوْت عَنْ الْجِرَاحَةِ أَوْ عَنْ الْقَطْعِ أَنَّ لَفْظَ الْجِنَايَةِ يَشْمَلُ السَّارِيَ مِنْهَا وَغَيْرَهُ فَالْقَتْلُ يُسَمَّى جِنَايَةً بِخِلَافِ الْقَطْعِ وَالْجِرَاحَةِ، فَإِنَّهُ يَشْمَلُ السَّارِيَ مَا لَمْ يَزِدْ قَوْلَهُ: وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ، فَإِذَا قَالَ الْمَجْرُوحُ أَوْ الْمَقْطُوعُ عَفَوْت عَنْ الْجِنَايَةِ يَكُونُ عَفْوًا عَنْ الْجُرْحِ وَالْقَطْعِ وَعَنْ الْقَتْلِ إذَا سَرَتْ الْجِنَايَةُ إلَيْهِ، وَإِذَا قَالَ عَفَوْت عَنْ الْجِرَاحَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ صَرِيحٌ فِي شُمُولِ السِّرَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُهَا وَعِنْدَهُمَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِالْعَفْوِ عَنْ الْجِرَاحَةِ وَنَحْوِهَا الْعَفْوُ عَنْ مُوجِبِهَا فَيَشْمَلُ النَّفْسَ كَالْجِنَايَةِ وَالْمُتُونُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ بِآلَةٍ جَارِحَةٍ مِنْ حَدِيدٍ وَثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِوَجْهِهِ الشَّرْعِيِّ ثُمَّ عَفَا عَنْهُ بَعْضُ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْوَارِثِينَ لَهُ فَهَلْ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِعَفْوِهِ وَلِمَنْ بَقِيَ مِنْ الْوَرَثَةِ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ وَيَسْقُطُ بِصُلْحِ أَحَدِهِمْ وَعَفْوِهِ وَلِلْبَاقِي حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ دُرَرٌ مِنْ بَابِ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَلَا حِصَّةَ لِلْعَافِي لِإِسْقَاطِ حَقِّهِ. اهـ.
وَالْمَسْأَلَةُ فِي التَّنْوِيرِ وَالْمِنَحِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهَا وَالدِّيَةُ تُورَثُ اتِّفَاقًا أَشْبَاهٌ مِنْ الْفَرَائِضِ وَعَفْوُ الْأَوْلِيَاءِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ عَفْوُ الْمَجْرُوحِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَصِحَّةُ الْإِبْرَاءِ تَعْتَمِدُ وُجُودَ السَّبَبِ بَزَّازِيَّةٌ قُبَيْلَ الشِّجَاجِ: عَفَا الْوَلِيُّ عَنْ نِصْفِ الْقِصَاصِ سَقَطَ الْكُلُّ وَلَا يَنْقَلِبُ الْبَاقِي مَالًا حَاوِي الزَّاهِدِيِّ مِنْ فَصْلِ أَمْرِ الْغَيْرِ بِالْجِنَايَةِ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا عَفَا وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَنْ الْقَاتِلِ عَمْدًا عَنْ الْقِصَاصِ فَهَلْ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِعَفْوِهِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ بِمَوْتِ الْقَاتِلِ وَبِعَفْوِ الْأَوْلِيَاءِ وَبِصُلْحِهِمْ عَنْ مَالٍ وَلَوْ قَلِيلًا وَيَجِبُ حَالًّا وَبِصُلْحِ أَحَدِهِمْ وَعَفْوِهِ وَلِمَنْ بَقِيَ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى الْقَاتِلِ تَنْوِيرُ الْأَبْصَارِ مِنْ بَابِ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَمِثْلُهُ فِي الْمُلْتَقَى. (أَقُولُ) وَمَا وَقَعَ فِي الِاخْتِيَارِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، رَدَّهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَوْلٍ لِأَحَدٍ مُطْلَقًا، وَرَدَّهُ أَيْضًا فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ الْكُتُبِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ قَالَ وَهُوَ الثَّابِتُ دِرَايَةً وَرِوَايَةً وَتَمَامُهُ فِيمَا حَرَّرْنَاهُ فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ وَكَتَبْت فِيهِ مَا نَصُّهُ.
تَتِمَّةٌ:
عَفَا الْوَلِيُّ عَنْ أَحَدِ الْقَاتِلَيْنِ أَوْ صَالَحَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ غَيْرُهُ كَمَا فِي جَوَاهِرِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ أَنَّ لَهُ اقْتِصَاصَهُ قُهُسْتَانِيٌّ قُلْت وَبِالثَّانِي أَفْتَى الرَّمْلِيُّ كَمَا فِي أَوَّلِ الْجِنَايَاتِ مِنْ فَتَاوَاهُ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ ضَرَبَ آخَرَ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عَمْدًا بِسَيْفٍ فَشُلَّتْ يَدُهُ وَذَهَبَ نَفْعُهَا ثُمَّ أَقَرَّ الْمَضْرُوبُ بِالْإِكْرَاهِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا أَنَّهُ أَبْرَأَ الضَّارِبَ مِنْ دِيَةِ يَدِهِ الْمَزْبُورَةِ فَهَلْ إذَا ثَبَتَ مَا ذُكِرَ بِوَجْهِهِ الشَّرْعِيِّ يَكُونُ الْإِبْرَاءُ الْمَذْكُورُ غَيْرَ صَحِيحٍ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ إذَا ثَبَتَ إكْرَاهُهُ بِذَلِكَ لَهُ الرُّجُوعُ عَمَّا أَبْرَأَ مِنْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لَا يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ إبْرَاؤُهُ مَدْيُونَهُ أَوْ إبْرَاؤُهُ كَفِيلَهُ بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ شَرْحُ التَّنْوِيرِ لِلْعَلَائِيِّ مِنْ الْإِكْرَاهِ وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الدِّيَةَ مِنْ الدُّيُونِ الضَّعِيفَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ بَابِ زَكَاةِ الْمَالِ وَيَجِبُ عَلَى الضَّارِبِ نِصْفُ الدِّيَةِ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ بِسَيْفٍ عَلَى مِفْصَلِ يَدِهِ الْيُسْرَى فَقَطَعَهَا مِنْ مِفْصَلِ الرُّسْغِ فَهَلْ يُقْتَصُّ مِنْ زَيْدٍ بِقَطْعِ يَدِهِ الْيُسْرَى مِنْ مِفْصَلِ الرُّسْغِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ قَالَ فِي الْمُلْتَقَى الْقَوَدُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ هُوَ فِيمَا يَكُونُ فِيهِ حِفْظُ الْمُمَاثَلَةِ إذَا كَانَ عَمْدًا فَيُقْتَصُّ بِقَطْعِ الْيَدِ مِنْ الْمِفْصَلِ، وَإِنْ كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ أَكْبَرَ مِنْ الْمَقْطُوعِ. اهـ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ دَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ قَرَوِيَّةٍ وَأَرَادَ ضَرْبَهَا وَخَوَّفَهَا بِالضَّرْبِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ذَكَرًا حُرًّا مُخَلَّقًا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهَلْ تَضْمَنُ عَاقِلَتُهُ نِصْفَ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ. (أَقُولُ) وَفِي الْخَيْرِيَّةِ وَقَدْ أَفْتَى وَالِدُ شَيْخِنَا أَمِينُ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ الْعَالِ إذَا صَاحَ عَلَى امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا لَا يَضْمَنُ، وَإِذَا خَوَّفَهَا بِالضَّرْبِ يَضْمَنُ (وَأَقُولُ) وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ مَوْتَهَا بِالتَّخْوِيفِ وَهُوَ فِعْلٌ صَادِرٌ مِنْهُ نُسِبَ إلَيْهِ وَبِالصِّيَاحِ مَوْتُهَا بِالْخَوْفِ الصَّادِرِ مِنْهَا وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ صَاحَ عَلَى كَبِيرٍ فَمَاتَ لَا يَضْمَنُ وَأَنَّهُ لَوْ صَاحَ عَلَيْهِ فَجْأَةً فَمَاتَ مِنْهَا تَجِبُ الدِّيَةُ (وَأَقُولُ) لَا مُخَالَفَةَ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَوَّلِ مَاتَ بِالْخَوْفِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ وَفِي الثَّانِي بِالصَّيْحَةِ فَجْأَةً الْمَنْسُوبَةِ إلَى الصَّائِحِ وَالْقَوْلُ لِلْفَاعِلِ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ الْخَوْفِ وَعَلَى الْأَوْلِيَاءِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ التَّخْوِيفِ وَعَلَى هَذَا فَلَوْ صَاحَ عَلَى امْرَأَةٍ فَجْأَةً فَأَلْقَتْ مِنْ صَيْحَتِهِ يَضْمَنُ وَلَوْ أَلْقَتْ امْرَأَةٌ غَيْرَهَا لَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ عَلَيْهَا فَتَأَمَّلْهُ، فَإِنَّهُ تَحْرِيرٌ جَيِّدٌ. اهـ.
مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ مُلَخَّصًا.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا دَخَلَ اللُّصُوصُ بَيْتَ زَيْدٍ فِي غَيْبَتِهِ وَسَرَقُوا أَمْتِعَتَهُ لَيْلًا فَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ عَمْرًا جَارُهُ مِنْهُمْ وَرُفِعَ أَمْرُهُ لِحَاكِمِ الْعُرْفِ فَأَحْضَرَ الْحَاكِمُ عَمْرًا وَسَأَلَهُ فَأَنْكَرَ فَضَرَبَهُ فَأَقَرَّ وَذَكَرَ أَنَّ لَهُ شُرَكَاءَ عَيَّنَهُمْ لِلْحَاكِمِ فَحَبَسَهُ مُدَّةً حَتَّى مَاتَ فِي الْحَبْسِ عَنْ وَرَثَةٍ يَزْعُمُونَ أَنَّ زَيْدًا يَضْمَنُ دِيَتَهُ فَهَلْ لَا يَضْمَنُ زَيْدٌ دِيَتَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِزَعْمِ الْوَرَثَةِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ مِنْ الْغَصْبِ مِنْ بَابِ ضَمَانِ السَّاعِي وَالنَّمَّامِ بخ: شَكَا عِنْدَ الْوَالِي بِغَيْرِ حَقٍّ وَأَتَى بِقَائِدٍ فَضَرَبَ الْمَشْكُوَّ عَنْهُ فَكَسَرَ سِنَّهُ أَوْ يَدَهُ يَضْمَنُ الشَّاكِي أَرْشَهُ كَالْمَالِ وَقِيلَ إنْ حُبِسَ بِسِعَايَةٍ فَهَرَبَ وَتَسَوَّرَ جِدَارَ السِّجْنِ فَأَصَابَ بَدَنَهُ تَلَفٌ يَضْمَنُ السَّاعِي فَكَيْفَ هُنَا؟ فَقِيلَ: أَتُفْتِي بِالضَّمَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْهَرَبِ؟ فَقَالَ: لَا وَلَوْ مَاتَ الْمَشْكُوُّ عَلَيْهِ بِضَرْبِ الْقَائِدِ لَا يَضْمَنُ الشَّاكِي؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ فِيهِ نَادِرٌ فَسِعَايَتُهُ لَا تُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا. اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ مِنْ الْبَابِ الْمَرْقُومِ وَمِثْلُهُ بِالْحَرْفِ فِي الْفُصُولَيْنِ فِي ضَمَانِ السَّاعِي وَنَقَلَهُ فِي غَصْبِ الْمِنَحِ عَنْ الْقُنْيَةِ وَمِثْلُهُ فِي الْعَلَائِيِّ، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُبَاشِرُ وَالْمُتَسَبِّبُ أُضِيفَ الْحُكْمُ إلَى الْمُبَاشِرِ كَمَا فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةَ عَشَرَ مِنْ الْأَشْبَاهِ. (أَقُولُ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا شَكَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ الْوَالِي أَوْ أَعْوَانُهُ مِنْ عُضْوٍ أَوْ مِنْ مَالٍ دُونَ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الشِّكَايَةَ لَا تُفْضِي إلَى الْمَوْتِ غَالِبًا بِخِلَافِ الْعُضْوِ أَوْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ إفْضَاؤُهَا إلَيْهِ فَلِذَا ضَمِنَهُ السَّاعِي وَهَذَا خَارِجٌ عَنْ قَاعِدَةِ الْأَشْبَاهِ الْمَذْكُورَةِ أَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ زَجْرًا عَنْ السِّعَايَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا أَخَذَ رَجُلٌ سِكِّينَ عَمْرٍو بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَجَرَحَ بِهَا آخَرَ فَهَلْ لَا ضَمَانَ عَلَى عَمْرٍو؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ دَفَعَ سِكِّينًا إلَى صَبِيٍّ فَضَرَبَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الدَّافِعِ لَا يَضْمَنُ الدَّافِعُ شَيْئًا خَانِيَّةٌ مِنْ فَصْلِ الْقَتْلِ الَّذِي يُوجِبُ الدِّيَةَ وَمَنْ دَفَعَ سِكِّينًا إلَى رَجُلٍ فَقَتَلَ بِهِ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّافِعِ شَيْءٌ تَتَارْخَانِيَّةٌ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا جَرَحَ زَيْدٌ عَمْرًا بِبُنْدُقَةٍ عَمْدًا فِي فَخِذِهِ جُرْحًا لَا تُمْكِنُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ وَصَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَمَا يَلْزَمُ زَيْدًا بَعْدَ بُرْئِهِ؟
(الْجَوَابُ): يَلْزَمُهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ وَهِيَ هُنَا أَنْ يُقَوِّمَ عَبْدًا بِلَا هَذَا الْأَثَرِ ثُمَّ مَعَهُ فَقَدْرُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ الدِّيَةِ وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَقِيلَ تَفْسِيرُ الْحُكُومَةِ هُوَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَالْأَدْوِيَةِ إلَى أَنْ يَبْرَأَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(أَقُولُ) اعْلَمْ أَنَّ الْجِنَايَةَ بِالْجُرْحِ إنْ كَانَتْ فِي الْوَجْهِ أَوْ الرَّأْسِ تُسَمَّى شَجَّةً، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِهِمَا تُسَمَّى جِرَاحَةً وَالشِّجَاجُ عَشْرَةٌ بَعْضُهَا لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ بِالنَّصِّ وَبَعْضُهَا فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَلَا شَيْءَ مِنْ الْجِرَاحِ لَهُ أَرْشٌ مَعْلُومٌ إلَّا الْجَائِفَةُ وَهِيَ جِرَاحَةٌ تَصِلُ إلَى جَوْفِ الرَّأْسِ أَوْ الْبَطْنِ وَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَعَدُّوهَا مَعَ الشِّجَاجِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ فِي الرَّأْسِ وَهَذِهِ الشِّجَاجُ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ فِيهَا بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ إلَّا الْمُوضِحَةُ وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ أَيْ تُظْهِرُهُ، فَإِنَّهَا إنْ كَانَتْ خَطَأً فَفِيهَا الْأَرْشُ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا فَفِيهَا الْقِصَاصُ وَلَا قِصَاصَ فِي غَيْرِهَا عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي التَّنْوِيرِ لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَهَا وَهُوَ سِتَّةٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ شَارِحُهُ ثُمَّ إنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ حُكُومَةِ الْعَدْلِ الْوَاجِبَةِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ مُقَدَّرٍ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: تَفْسِيرُهَا أَنْ يَقُومَ مَمْلُوكًا بِدُونِ هَذَا الْأَثَرِ ثُمَّ يَقُومُ وَبِهِ هَذَا الْأَثَرُ ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ ثُلُثَ عُشْرِ الْقِيمَةِ مَثَلًا يَجِبُ ثُلُثُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ رُبْعَ عُشْرِ الْقِيمَةِ يَجِبُ رُبْعُ عُشْرِ الدِّيَةِ.
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ هُوَ أَنْ يَنْظُرَ كَمْ مِقْدَارُ هَذِهِ الشَّجَّةِ مِنْ الْمُوضِحَةِ فَيَجِبُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ وَالْمُفْتَى بِهِ هُوَ الْأَوَّلُ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ وَالنُّقَايَةِ وَغَيْرِهِمَا وَنَقَلَهُ الْعَلَائِيُّ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إنَّهُ قَوْلُ كُلِّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ لَكِنْ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عَنْ الْخُلَاصَةِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ لَوْ الْجَنَابَةُ فِي وَجْهٍ وَرَأْسٍ أَيْ لِأَنَّهُمَا مَوْضِعُ الْمُوضِحَةِ فَحِينَئِذٍ يُفْتَى بِهِ وَلَوْ فِي غَيْرِهِمَا أَوْ تَعَسَّرَ عَلَى الْمُفْتِي يُفْتِي بِقَوْلِ الطَّحَاوِيِّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ. اهـ.
وَنَحْوُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ إلَخْ وَكَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ وَكَانَ الْمَرْغِينَانِيُّ يُفْتِي بِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ بِالْوَجْهِ أَوْ بِالرَّأْسِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَهُوَ قَيْدٌ لِقَوْلِهِ أَوْ تَعَسَّرَ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا بَقِيَ لِلْجِرَاحَةِ أَثَرٌ وَإِلَّا فَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ قَدْرُ مَا أَنْفَقَ إلَى أَنْ يَبْرَأَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ حُكُومَةُ الْعَدْلِ فِي الْأَلَمِ وَتَمَامُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ أَنَّهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَسَّرَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَرْشَ الْأَلَمِ بِأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَالْمُدَاوَاةِ قَالَ فَعَلَيْهِ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا وَفِي تَصْحِيحِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ اعْتَمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ وَالنَّسَفِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَكِنْ قَالَ فِي الْعُيُونِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ قِيَاسًا وَقَالَا: يُسْتَحْسَنُ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ مِثْلُ أُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَهَكَذَا جِرَاحَةٌ بَرِئَتْ. اهـ.
وَقَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيُّ وَيَظْهَرُ لِي رُجْحَانُ الِاسْتِحْسَانِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُشَاحَحَةِ. اهـ.
وَقَالَ أَيْضًا فِي مَجْمُوعَتِهِ الَّتِي بِخَطِّهِ إذَا ضَرَبَ يَدَ غَيْرِهِ فَكَسَرَهَا وَعَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ فَعَلَى الضَّارِبِ الْمُدَاوَاةُ وَالنَّفَقَةُ إلَى أَنْ يَبْرَأَ، وَإِذَا بَرَأَ وَتَعَطَّلَتْ يَدُهُ وَشُلَّتْ وَجَبَ دِيَتُهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحْسَبُ الْمَصْرُوفُ مِنْ الدِّيَةِ. اهـ.
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ جَرَحَ زَيْدًا بِسِكِّينٍ فِي ظَهْرِهِ وَعَجَزَ الْمَجْرُوحُ عَنْ الْكَسْبِ فَقَامَ يُكَلِّفُ أُخْتَ الْجَارِحِ وَزَوْجَهَا بِالْإِنْفَاقِ وَالْمُدَاوَاةِ فَهَلْ تَكُونُ النَّفَقَةُ وَالْمُدَاوَاةُ عَلَى الْجَارِحِ دُونَهُمَا؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ رَجُلٌ جَرَحَ رَجُلًا فَعَجَزَ الْمَجْرُوحُ عَنْ الْكَسْبِ تَجِبُ عَلَى الْجَارِحِ النَّفَقَةُ وَالْمُدَاوَاةُ جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ فِي بَابِ الْقَوَدِ نَقْلًا عَنْهُ.
(أَقُولُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفَقَةِ غَيْرُ الْمُدَاوَاةِ وَهِيَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْمَجْرُوحِ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَكِسْوَةٍ إلَى أَنْ يَبْرَأَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَجْرُوحُ فَقِيرًا يُنْفِقُ مِنْ كَسْبِهِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فَعَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ فَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَمْ يَلْزَمْ الْجَارِحَ سِوَى الْمُدَاوَاةِ وَهَلْ الْمُرَادُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ فَقَطْ إذَا كَانَ فَقِيرًا أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى عِيَالِهِ؟ لَمْ أَرَهُ فَلْيُرَاجَعْ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا مُسْلِمًا بِعَصًا صَغِيرَةٍ عَلَى ظَهْرِهِ وَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ مِنْ تِلْكَ الضَّرْبَةِ حَتَّى مَاتَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ شِبْهَ الْعَمْدِ وَفِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ قَالَ فِي الدُّرَرِ مِنْ الْجِنَايَاتِ، وَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ وَهُوَ قَتْلُهُ قَصْدًا بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ فِي الْعَمْدِ كَالْعَصَا وَالسَّوْطِ وَالْحَجَرِ الصَّغِيرِ، وَأَمَّا الضَّرْبُ بِالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ الْكَبِيرَيْنِ فَمِنْ شِبْهِ الْعَمْدِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِغَيْرِهِ إلَخْ ثُمَّ قَالَ وَحُكْمُهُ الْإِثْمُ وَالْكَفَّارَةُ وَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِلَا قَوَدٍ. اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي التَّنْوِيرِ وَغَيْرِهِ. (أَقُولُ) قَدَّمْنَا بَيَانَ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ وَالْعَاقِلَةِ أَيْضًا فَرَاجِعْهُ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا عَمَدَ رَجُلٌ وَضَرَبَ رَجُلًا آخَرَ بِغَيْرِ حَقٍّ بِسِكِّينٍ عَلَى بَطْنِهِ وَجَرَحَهُ وَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ مِنْ ذَلِكَ عَنْ أَبٍ يُرِيدُ الْأَبُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ بَعْدَ الثُّبُوتِ الشَّرْعِيِّ عَلَيْهِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِشَيْءٍ جَارِحٍ فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ يُقْتَصُّ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَلَا يَحْتَاجُ الشَّاهِدُ أَنْ يَقُولَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِرَاحَتِهِ بَزَّازِيَّةٌ كَذَا فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ لِلْعَلَائِيِّ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ وَاعْتِبَارُ حَالَتِهِ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ، فَإِنْ قَالَا عَمْدًا أَوْ سَكَتَا تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِالْقِصَاصِ، وَإِنْ قَالَا خَطَأً يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ قَالَا لَا نَدْرِي قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِالدِّيَةِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ مُحِيطُ الْبُرْهَانِيِّ مِنْ الْجِنَايَاتِ رَجُلٌ قَالَ قَتَلْت فُلَانًا وَلَمْ يُسَمِّ عَمْدًا وَلَا خَطَأً قَالَ أَسْتَحْسِنُ أَنْ أَجْعَلَ دِيَتَهُ فِي مَالِهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ رَجُلٌ قَالَ أَنَا ضَرَبْت فُلَانًا بِالسَّيْفِ فَقَتَلْته قَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ خَطَأٌ حَتَّى يَقُولَ عَمْدًا فَتَاوَى مُؤَيَّدُ زَادَهْ عَنْ الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْقَتْلِ بِسَبَبٍ.
(أَقُولُ)، وَإِنَّمَا اُقْتُصَّ مِنْهُ، وَإِنْ سَكَتَ الشُّهُودُ عَنْ ذِكْرِ الْعَمْدِ لِمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الْكَافِي فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ بِالْقَلْبِ وَهُوَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ.
وَلَكِنْ يُعْرَفُ بِدَلِيلِهِ وَهُوَ الضَّرْبُ بِآلَةٍ قَاتِلَةٍ عَادَةً قَالَ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا وَأَنَّهُ مَاتَ بِهِ فَهُوَ أَحْوَطُ. اهـ.
لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ حَيْثُ حُمِلَ الْإِقْرَارُ بِالْقَتْلِ عَلَى الْخَطَأِ مَا لَمْ يُذْكَرْ الْعَمْدُ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِجِنَايَتِهِ وَظُلْمِهِ ظَهَرَ لَنَا صِدْقُهُ وَحُسْنُ حَالِهِ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى الْأَدْنَى وَلَا يُؤْخَذُ بِالْقَرِينَةِ وَهِيَ الضَّرْبُ بِالْآلَةِ الْقَاتِلَةِ عَادَةً إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ عَمْدًا لَذَكَرَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْكَرَ الْقَتْلَ أَصْلًا وَظَهَرَ كَذِبُهُ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ الْمُنَزَّلَةِ مَنْزِلَةَ الْمُعَايَنَةِ، فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْعَمْدِ لِوُجُودِ دَلِيلِهِ وَهُوَ الضَّرْبُ بِالْآلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلِهَذَا قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ بَعْدَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْقَتْلِ بِالْآلَةِ الْجَارِحَةِ بِالْبَيِّنَةِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ: لَمْ أَقْصِدْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ وَقَالَ أَرَدْت غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ جِهَتِهِ مُطْلَقًا عَنْ قَيْدِ الْعَمْدِيَّةِ وَالْخَطَئِيَّةِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَيُحْمَلُ عَلَى الْأَدْنَى قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّةِ.
وَفِي الْمُجَرَّدِ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا بِحَدِيدَةٍ أَوْ سَيْفٍ ثُمَّ قَالَ أَرَدْت غَيْرَهُ فَقَتَلْته لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ وَيُقْتَلُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ ضَرَبْت فُلَانًا بِالسَّيْفِ فَقَتَلْته قَالَ هَذَا خَطَأٌ حَتَّى يَقُولَ عَمْدًا. اهـ.
مُلَخَّصًا لَكِنَّ التَّفْرِقَةَ الْمَذْكُورَةَ إنَّمَا تَظْهَرُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْمُجَرَّدِ فَلَا وَلَعَلَّ رِوَايَةَ الْمُجَرَّدِ قِيَاسٌ وَالْأَوْلَى اسْتِحْسَانٌ كَمَا يُفِيدُهُ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّةِ تَأَمَّلْ.
(سُئِلَ) فِي قَاصِرَةٍ أَجِيرَةٍ عِنْدَ امْرَأَةٍ نَامَتْ الْقَاصِرَةُ لَيْلًا فِي بَيْتِ الْمَرْأَةِ فَاحْتَرَقَ بَعْضُ ثِيَابِهَا الَّتِي عَلَيْهَا وَشَيْءٌ مِنْ فَخِذِهَا بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ بِدُونِ صُنْعٍ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ مَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ أَيَّامٍ فَهَلْ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ دِيَةٌ أَمْ لَا؟
(الْجَوَابُ): حَيْثُ الْحَالُ مَا ذُكِرَ لَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ دِيَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَقَدْ أَفْتَى بِمِثْلِ ذَلِكَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي فَتَاوِيهِ الْخَيْرِيَّةِ مِنْ الْجِنَايَاتِ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ بِيَدِهِ بُنْدُقَةٌ مُجَرَّبَةٌ يُرِيدُ إصْلَاحَهَا فَأَوْرَتْ بِحَرَكَتِهِ نَارًا فَخَرَجَتْ وَأَصَابَتْ بِمَا كَانَ فِيهَا رَجُلًا آخَرَ فَقَتَلَتْهُ فَادَّعَى وَلِيُّ الْقَتِيلِ عَلَى الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا وَأَقَرَّ الْقَاتِلُ أَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً وَلَمْ يُثْبِتْ الْوَلِيُّ الْعَمْدَ فَهَلْ تَكُونُ دِيَةُ الْمَقْتُولِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ حَيْثُ الْحَالُ مَا ذُكِرَ لِمَا قَالَ قَاضِي خَانْ إذَا أَقَرَّ الْقَاتِلُ أَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً وَادَّعَى وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْعَمْدَ فَالدِّيَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ كَذَا فِي فَصْلِ الْقَتْلِ الْمُوجِبِ لِلدِّيَةِ وَكَذَا فِي فَصْلِ الْمَعَاقِلِ مِنْ جِنَايَاتِ الْخَانِيَّةِ وَكَذَا فِي الضَّمَانَاتِ فِي بَيَانِ مَنْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَالدِّيَةُ نَقْلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنْقِرْوِيٌّ مِنْ الْجِنَايَاتِ اُتُّهِمَ بِقَتْلٍ فَقِيلَ لِمَ قَتَلْت فُلَانًا فَقَالَ كَذَا كَانَ مَكْتُوبًا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ قَالَ قَتَلْت عَدُوِّي فَهَذَانِ اللَّفْظَانِ مِنْهُ إقْرَارٌ بِالْقَتْلِ فَتَلْزَمُهُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ إنْ لَمْ يُقِرَّ بِالْعَمْدِ مُنْيَةُ الْمُفْتِي مِنْ الْإِقْرَارِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَتَبْت عَلَى صُورَةِ دَعْوَى وَرَدَتْ فِي جُمَادَى الثَّانِيَةِ سَنَةَ 1146 مَا صُورَتُهُ شَرْطُ صِحَّةِ الدَّعْوَى الْعِلْمُ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي صُورَةِ الدَّعْوَى أَنَّ الْبُنْدُقَةَ الَّتِي بِهَا الرَّصَاصَةُ قَتَلَتْهُ وَلَمْ يُعَيِّنُوا الْقَاتِلَ، وَإِنْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا تُسْمَعُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الدَّعْوَى الْعِلْمُ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
فَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الضَّارِبِ وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِوَجْهِهَا الشَّرْعِيِّ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمْ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ حَيْثُ قَالَ فِي فَتَاوِيهِ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ سُئِلَ فِي جَمَاعَةٍ بَوَارِدِيَّةٍ وَغَيْرِ بَوَارِدِيَّةٍ أَحْدَقُوا بِطَيْرٍ خَرَجَ مِنْ الْبَحْرِ فَخَرَجَتْ بُنْدُقَةٌ مِنْ بُنْدُقِ أَحَدِهِمْ قَتَلَتْ رَجُلًا مِنْهُمْ وَلَا يُعْلَمُ مَنْ هُوَ وَوَلِيُّ الْقَتِيلِ يَقُولُ حَقِّي عِنْدَ هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْبَوَارِدِيَّةَ يُعَيِّنُونَهُ عِنْدَ أَحَدِهِمْ وَإِلَّا كُلُّهُمْ غُرَمَائِي فَهَلْ إذَا أَقَامُوا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيِّنَةً أَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَرَجَتْ بُنْدُقَتُهُ فَقَتَلَتْهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُمْ وَيَثْبُتُ الْقَتْلُ عَلَيْهِ وَتَنْتَفِي دَعْوَى الْقَتْلِ عَنْهُمْ أَمْ لَا؟ الْجَوَابُ؟ لَا يَثْبُتُ الْقَتْلُ عَلَيْهِ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُمْ عَلَيْهِ وَلَا تَنْتَفِي الدَّعْوَى عَنْهُمْ إذْ الدَّعْوَى لَا تُسْمَعُ إلَّا مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ وَالْبَيِّنَةُ لَا تُقْبَلُ إلَّا لِإِثْبَاتِهِ أَوْ دَفْعِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمْ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى حَقٌّ لِيَدْفَعُوهُ بِهَا وَبَابُ الدَّعْوَى مَفْتُوحٌ، فَإِنْ عَيَّنَ الْمُدَّعِي وَاحِدًا لِلدَّعْوَى عَلَيْهِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَقُبِلَتْ، وَإِنْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا تُسْمَعُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الدَّعْوَى الْعِلْمُ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ ادَّعَى عَلَى الْجَمِيعِ أَنَّهُمْ اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِهِ بِبَوَارِدِهِمْ أَوْ غَيْرِهَا صَحَّتْ الدَّعْوَى وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ طِبْقَ مَا يَدَّعِي حَتَّى يَثْبُتَ مُدَّعَاهُ وَقَدْ عُلِمَ تَفْصِيلُ الْمَسْأَلَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(أَقُولُ) وَرَأَيْت فَرْعًا فِي الْبَابِ السَّادِسِ مِنْ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ حَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ سَهْمٌ مِنْ بَيْنِ جَمَاعَةٍ فَأَصَابَ رَجُلًا وَشَهِدَ شَاهِدَانِ بِأَنَّ هَذَا سَهْمُ فُلَانٍ لَمْ تُقْبَلْ حَتَّى يَشْهَدُوا بِأَنَّ فُلَانًا هُوَ الَّذِي ضَرَبَ السَّهْمَ. اهـ.
(سُئِلَ) فِي صَغِيرٍ لَا يَعْقِلُ التَّصَرُّفَاتِ اسْتَعْمَلَهُ رَجُلٌ فِي تَعْمِيرِ سَقْفِهِ وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ كُلُّ ذَلِكَ بِدُونِ إذْنِ وَلِيِّهِ وَلَا وَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَسَقَطَ السَّقْفُ عَلَى الصَّغِيرِ فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَقَتَلَهُ فَهَلْ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ تَجِبُ دِيَةُ الصَّغِيرِ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّجُلِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ أَمَرَ الصَّبِيَّ الْمَحْجُورَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ التَّصَرُّفَاتِ وَنَحْوَهُ بِأَخْذِ الْفَرَسِ السَّائِرِ أَوْ الْكَلْبِ الْعَقُورِ أَوْ الْجَمَلِ الْهَائِجِ أَوْ قَالَ لَهُ: اصْعَدْ السَّطْحَ فَاكْنُسْ الثَّلْجَ أَوْ أَمَرَهُ بِتَطْيِينِ سَطْحِهِ وَنَحْوِهِ أَوْ أَمَرَهُ بِدُخُولِ الْبِئْرِ لِطَلَبِ الدَّلْوِ وَنَحْوِهِ فَتَلِفَ الصَّبِيُّ بِعَقْرِ الْكَلْبِ أَوْ بِضَرْبِ الْفَرَسِ بِرِجْلِهِ أَوْ بِذَنَبِهِ أَوْ وَقَعَ مِنْ السَّطْحِ أَوْ زَلَقَ فَمَاتَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْآمِرِ فِي كُلِّهِ جَمِيعًا وَبِهِ يُفْتَى كَذَا لَوْ كَانَ هَذَا كُلُّهُ فِي الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَذَا فِي بَابِ حُكْمِ الْجَنِينِ مِنْ جِنَايَاتِ الْمُنْيَةِ فَتَاوَى أَنْقِرْوِيٌّ مِنْ السَّابِعِ فِي جِنَايَاتِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَعَلَيْهِمْ وَتَمَامُ فَوَائِدِهِ فِيهَا وَفِي جِنَايَةِ كِتَابِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا.
(سُئِلَ) فِي ذِمِّيٍّ قَتَلَ شَقِيقَتَهُ الْمُسْلِمَةَ عَمْدًا بِآلَةٍ جَارِحَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهَلْ يَكُونُ الْإِسْلَامُ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ إيجَابِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ دُونَ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ كَالْقِصَاصِ كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَحْكَامِ الذِّمِّيِّ فَلِوَلِيِّهَا طَلَبُ ذَلِكَ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ وَلَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ مَجَّانًا كَذَا فِي الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْأَشْبَاهِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلَيْنِ ضَرَبَا زَيْدًا بِيَدِهِمَا وَبِعَصًا عَمْدًا ضَرْبًا مُبَرِّحًا مُوجِعًا عَلَى سَائِرِ بَدَنِهِ وَرَبَطَاهُ وَأَرَادَا ذَبْحَهُ وَخَوَّفَاهُ بِالْقَتْلِ فَذَهَبَ عَقْلُهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَهَلْ إذَا ثَبَتَ ذَهَابُ عَقْلِهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ عَلَيْهِمَا؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ كَمَا فِي غَالِبِ مُتُونِ الْمَذْهَبِ أَنَّ فِي الْعَقْلِ الدِّيَةَ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا اجْتَمَعَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَبَكْرٌ مَعَ جَمَاعَةٍ عِنْدَ بِئْرِ مَاءٍ وَنَزَحَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنْ مَائِهَا الْمُنْتِنِ ثُمَّ وَقَعَ الدَّلْوُ فِي الْبِئْرِ فَنَزَلَ زَيْدٌ لِإِخْرَاجِهِ مِنْهَا بَعْدَمَا أَمَرَ عَمْرًا وَبَكْرًا بِرَبْطِهِ بِحَبْلٍ، وَإِنْزَالِهِ فِيهَا فَأَنْزَلَاهُ بِحَبْلٍ مَسَكَاهُ بِهِ فَلَمَّا وَصَلَ حَصَلَ لَهُ غَشْيٌ فَنَزَلَ عَمْرٌو لِيُخْرِجَهُ فَحَصَلَ لَهُ كَمَا حَصَلَ لِزَيْدٍ فَنَزَلَ بَكْرٌ وَأَخْرَجَهُمَا لِخَارِجِ الْبِئْرِ فَمَاتَ زَيْدٌ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ بِدُونِ تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ وَلَا صُنْعٍ مِنْ عَمْرٍو وَبَكْرٍ فَقَامَ وَرَثَةُ زَيْدٍ يُطَالِبُونَ عَمْرًا وَبَكْرًا بِدِيَتِهِ بِدُونِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَهَلْ لَا تَلْزَمُهُمَا دِيَتُهُ؟
(الْجَوَابُ): حَيْثُ الْحَالُ مَا ذُكِرَ لَا تَلْزَمُهُمَا دِيَتُهُ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو مَاشِيَيْنِ فِي طَرِيقٍ وَمَعَ زَيْدٍ بُنْدُقَةٌ مُجَرَّبَةٌ حَامِلٌ لَهَا فَوَقَعَ مِشْخَاصُهَا عَلَى خِزَانَتِهَا لَا بِحَرَكَتِهِ وَفِعْلِهِ وَخَرَجَتْ رَصَاصَتُهَا فَأَصَابَتْ عَمْرًا فَجَرَحَتْهُ ثُمَّ بَرِئَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ وَبَعْدَ أَيَّامٍ تَمَرَّضَ مُدَّةً بِدَاءٍ أَصَابَهُ وَمَاتَ مِنْهُ عَنْ وَرَثَةٍ يَزْعُمُونَ أَنَّ زَيْدًا يَلْزَمُهُ دِيَةٌ أَوْ قِصَاصٌ فِي ذَلِكَ فَهَلْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؟
(الْجَوَابُ): حَيْثُ الْحَالُ مَا ذُكِرَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) فِي طَبِيبٍ ذِمِّيٍّ غَيْرِ جَاهِلٍ طَلَبَتْ مِنْهُ امْرَأَةٌ مَرِيضَةٌ دَوَاءً لَهَا فَأَعْطَاهَا دَوَاءً شَرِبَتْهُ بِنَفْسِهَا فِي بَيْتِهَا فَزَعَمَ ابْنُهَا أَنَّهُ ازْدَادَ مَرَضُهَا بِالدَّوَاءِ الْمَذْكُورِ وَأَنَّ الطَّبِيبَ يَلْزَمُهُ دِيَتُهَا إذَا مَاتَتْ مِنْ الْمَرَضِ الْمَرْقُومِ فَهَلْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَا عِبْرَةَ بِزَعْمِهِ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ الْجِنَايَاتِ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ جَمَاعَةٌ يَضْرِبُونَ الْمُسْلِمِينَ وَيُؤْذُونَهُمْ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ وَالسَّعْيِ بِهِمْ إلَى الْحُكَّامِ وَتَوَعَّدُوا رَجُلَيْنِ بِالْقَتْلِ ثُمَّ دَخَلُوا عَلَيْهِمَا وَضَرَبُوهُمَا بِالسُّيُوفِ وَجَرَحَهُمَا كُلٌّ مِنْهُمْ جُرْحًا مُهْلِكًا مَاتَا بِهِ وَنَهَبُوا أَمْوَالَهُمَا ظُلْمًا وَعُدْوَانًا فَمَا يَلْزَمُهُمْ؟
(الْجَوَابُ): يَلْزَمُهُمْ الْقِصَاصُ بَعْدَ الثُّبُوتِ عَلَيْهِمْ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَرَدُّ مَا أَخَذُوهُ إنْ كَانَ قَائِمًا أَوْ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا هَالِكًا بَعْدَ الثُّبُوتِ الشَّرْعِيِّ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(أَقُولُ) فِي الْجَوْهَرَةِ إذَا جَرَحَهُ جِرَاحَةً لَا يَعِيشُ مَعَهَا وَجَرَحَهُ آخَرُ أُخْرَى فَالْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَتَانِ عَلَى التَّعَاقُبِ فَلَوْ مَعًا فَهُمَا قَاتِلَانِ. اهـ.
زَادَ فِي الْخُلَاصَةِ وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ عَشْرَ جِرَاحَاتٍ وَالْآخَرُ وَاحِدَةً فَكِلَاهُمَا قَاتِلَانِ لِأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ يَمُوتُ بِوَاحِدَةٍ وَيَسْلَمُ مِنْ الْكَثِيرِ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَتَلَا رَجُلًا أَحَدُهُمَا بِعَصًا وَالْآخَرُ بِحَدِيدٍ عَمْدًا لَا قِصَاصَ وَعَلَيْهِمَا الدِّيَةُ مُنَاصَفَةً وَفِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ مُحَمَّدٍ أَبِي السُّعُودِ الْأَزْهَرِيِّ عَلَى شَرْحِ مُنْلَا مِسْكِينٍ وَلَوْ جُرِحَ جِرَاحَاتٍ مُتَعَاقِبَةً وَمَاتَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُثْخِنَ مِنْهَا وَغَيْرَ الْمُثْخِنِ يَقْتَصُّ مِنْ الْجَمِيعِ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى الْمُثْخِنِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي فَتَاوَى أَبِي السُّعُودِ مُفْتِي الرُّومِ وَأَمَّا إذَا وَقَفَ عَلَى الْمُثْخِنِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ إلَّا قُبَيْلَ مَوْتِهِ فَالْقِصَاصُ عَلَى الَّذِي جَرَحَ جُرْحًا مُهْلِكًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ. اهـ.
كَذَا فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ فَاحْفَظْ هَذِهِ الْفَوَائِدَ الْفَرَائِدَ.
(سُئِلَ) فِي جَمَاعَةٍ فِي بَلْدَةِ كَذَا دَأْبُهُمْ وَاجْتِمَاعُهُمْ عَلَى ضَرَرِ الْمُسْلِمِينَ وَالسَّعْيِ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بَيْنَ الْمُوَحِّدِينَ وَبِالْعَوَانِ لِلْحُكَّامِ وَقَتْلِ النُّفُوسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَأَذَى الْمُسْلِمِينَ وَتَغْرِيمِهِمْ أَمْوَالًا لِلسِّيَاسَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهَلْ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ لِلْحَاكِمِ قَتْلُهُمْ؟
(الْجَوَابُ): نَعَمْ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) فِيمَنْ شَهَرَ سِلَاحًا عَلَى مُسْلِمٍ خَارِجَ الْمِصْرِ فَضَرَبَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ بِسِلَاحٍ حَالَ كَوْنِهِ شَاهِرًا فَقَتَلَهُ وَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِهِ فَهَلْ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ شَرْعًا لَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ؟
(الْجَوَابُ): إذَا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَعْدَمَا ذُكِرَ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ دَفْعِ الصَّائِلِ. (أَقُولُ) التَّقْيِيدُ بِخَارِجِ الْمِصْرِ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ وَالْمَسْأَلَةُ مُفَصَّلَةٌ فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ قُبَيْلَ بَابِ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ.
(سُئِلَ) فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بِقُرْبِ قَرْيَةٍ يُسْمَعُ مِنْ أَهْلِهَا الصَّوْتُ فِيهِ وَبِهِ أَثَرُ جُرْحٍ وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ وَادَّعَى وَلِيُّهُ الْقَتْلَ عَمْدًا عَلَى أَهْلِهَا فَمَا الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فِي ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ): حَيْثُ وُجِدَ فِي مَكَان غَيْرِ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ قَرِيبٍ لِقَرْيَةٍ بِحَيْثُ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ وَادَّعَى وَلِيُّهُ الْقَتْلَ عَلَى أَهْلِهَا وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ وَبِالْقَتِيلِ أَثَرُ الْقَتْلِ حَلَفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ يَخْتَارهُمْ الْوَلِيُّ: بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَمَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا ثُمَّ قَضَى عَلَى جَمِيعِ أَهْلِهَا بِالدِّيَةِ.