فصل: مستحبات الوضوء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الطهارة والصلاة



.قضاء الحاجة:

لقد أباح الله لعباده الطيبات من الرزق، وحذرهم من الإسراف فقال تعالى: {كُلُوا واَشْرَبُوُا وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف:31] ويلزم من الأكل والشراب احتياج الإنسان إلى الاستفراغ، فجاء الإسلام ليعلمنا مكارم الأخلاق في جميع الأحوال، قال بعض الصحابة: لقد علمنا رسول الله ً كل شيء حتى كيفية قضاء الحاجة.
ونذكر من الآداب التي حثَّ عليها الشارع ما يلي:
التواري والبعد عن الناس: لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رملٍ فليفعل، فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم».
التعوّذ قبل أن يدخل محل قضاء الحاجة: فيقول: «اللهم إني أعوذ بك من الخُبثِ والخبائث» والخبث جمع خبيث من الجن، والخبائث جمع خبيثة من الجن.
تنحية ما فيه ذكر الله: كالمصحف والخاتم وغيرهما، لما روي أن النبي ً كان يضع خاتمه عند قضاء الحاجة، وكان مكتوباً فيه: محمد رسول الله.
الاستتار حال قضاء الحاجة: لحديث: «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض».
تجنب المواضع التي نُهي عن قضاء الحاجة فيها: وقد جمعها من قال:
ملاعِنها نهرٌ وسُبْلٌ ومسجدٌ ** ومسقط أثمارٍ وقبر ومجلس

وذلك لما ورد عن جابر -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله ً أن يبال في الماء الجاري وقال: «اتقوا الملاعِن الثلاث: البراز في الموارد، والظل، وقارعة الطريق».
ونهى عن البول بأبواب المساجد، ونهى عن الجلوس على القبر لحرمته، والبول عليه منافٍ لحرمته.
ويكره للرجل أن يبول قائماً إلاّ من عذر: لحديث عائشة قالت: «من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يبول قائماً فلا تصدقوه إنما كان يبول قاعداً».
يكره استقبال القبلة واستدبارها: لحديث: «إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبلن القبلة ولا يستدبرها».
يكره الكلام حال قضاء الحاجة: لحديث: «لا يخرج الرجلان يضربان الغائط (أي يطلبانه) كاشفين عن عورتهما يتحدثان فإن الله يمقت على ذلك» ويكره أيضاً الأكل والشرب عند ذلك؛ لمنافاته للأدب.
وجوب الاستنجاء بعد قضاء الحاجة بالماء إن أمكن: وإن لم يجد استجمر بثلاثة أحجار، أو ما يقوم مقامها من المناديل والورق والقراطيس الخالية من أسماء الله، أو أسماء الأنبياء قال أنس: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي أداوة من ماء وعنزة، فيستنجي بالماء» ولحديث: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهنَّ فإنها تجزي».
يندب بعد ذلك حمد الله تعالى، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقول إذا خرج من الخلاء: «غفرانك»، وروي أنه كان يقول: «الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني».
ويجب على المسلم أن يبالغ في التنزه من البول، والتخلص منه، لحديث: «إذا بال أحدكم فلينتر ذَكَرَهُ ثلاثاً».

.الوضوء:

الوضوء شطر الإيمان أي نصفه، وهو شرط في صحة الصلاة فرضه الله تعالى بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6].
وقد ورد في فضله الأحاديث النبوية منها: «إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه، وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من رأسه، حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من أظفار رجليه، ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة» وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «تحشر أمتي يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء».

.فروض الوضوء:

وهي عشرة:
غسل الفرجين من النجاسة: لقوله صلى الله عليه وآله وسلم حين سُئل: هل يجزئ المرأة أن تستنجي بغير الماء؟ قال: «لا إلا أن لا تجد الماء». وحكم الرجل كحكم المرأة في الأحكام الشرعية كلها إلا ما خصه الدليل، وهو من فروض الوضوء على الأحوط، ويستثنى من ذلك إذا كان الفرج طاهراً ولم يخرج منه خارج فإن المتوضئ يبتدئ بالمضمضة والاستنشاق ولا يحتاج إلى غسل الفرجين، وهذا مذهب الأئمة زيد والقاسم والهادي ٍ فإنهم لم يقولوا بغسل الفرجين إلا عند النجاسة، أو عند وجود الخارج منه، وهو الصحيح.
النية: لحديث: «إنما الأعمال بالنيات» وهي القصد والإرادة، ومحلها القلب. ومعنى النية: قصد القربة بالوضوء، وأنه للصلاة.
التسمية: فرض على الذاكر، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا وضوء لمن لا يذكر اسم الله عليه» وأما من نسي التسمية في الوضوء حتى خرج من الوضوء فوضوءه صحيح لحديث: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
المضمضة والاستنشاق: لملازمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليها طيلة حياته، ولقوله: «تمضمضوا واستنشقوا والأذنان من الرأس»، وقوله: «بالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائماً» ؛ ولأن الفم والأنف داخلان في الوجه وهما جزء منه، وهنا أودُّ الإشارة إلى عظمة الدين الحنيف في تشديده على نظافة الفم والأنف، وقد عرف في هذا العصر أن الأنف والفم يحملان جراثيم عديدة، وأوساخ تفتك بالأسنان والجسم، وتسبب الأمراض العديدة، والأطباء اليوم يوصون بالتشديد على نظافة الفم والأنف، وقد سبقهم الإسلام إلى ذلك فجعل غسل الفم والأنف من فرائض الوضوء، فحصل من ذلك النظافة والسلامة من الآفات.
غسل الوجه: كما دلت عليه الآية، وحدّ الوجه من مقاصّ الشعر إلى منتهى الذقن، ويجب تخليل اللحية والشارب بالماء، لحديث ابن عمر قال: كان رسول اله صلى الله عليه وآله وسلم إذا توضأ خلل لحيته بالماء
غسل اليدين مع المرفقين: للآية ولفعله صلى الله عليه وآله وسلم فقد جاء في الحديث: أنه كان يدير الماء على مرفقيه عند الوضوء، وينبغي لمن كان في أصبعه خاتم أن يديره في أصبعه لكي يصل الماء إلى البشرةِ، وهو مروي عن زيد بن عليٍ، وجعفر بن محمد -عليهما السلام- وكذلك من كان عليها صباغ صناعي في أصابع يديها ورجليها من النساء فعليها أن تزيله؛ لأنه مانع من وصول الماء إلى البشرة.
مسح جميع الرأس: لقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة:6] وكما في آية التيمم قال تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [المائدة:6]، ولم ينقل عن أحد جواز مسح بعض الوجه في التيمم، بل دلالة الآية على مسح جميع الوجه، مع أن فعل المسح متعدٍ بالباء وآية الوضوء كذلك في الدلالة على وجوب مسح جميع الرأس، ويجب مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما مع الرأس، للحديث: «الأُذنان من الرأس» ومعنى ذلك أنه يجب مسحهما مع الرأس.
غسل الرجلين مع الكعبين: للآية الكريمة: {وَأَرْجَلَكم} وهي مروية بالنصب عطفاً على الأيدي، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ويلٌ للأعقاب من النار» وقد ورد في جميع الروايات أنه ً كان يغسل رجليه بالماء، ولم ينقل عنه أنه مسح البتة، بل شدد في وجوب استقصائهما بالغسل كما في الحديث السابق. وأما المسح على الخفين، فقد أجمع أهل البيت على أنه منسوخ بآية المائدة التي في الوضوء، وهي متأخرةٌ، يعني سورة المائدة، وورد عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال: (سبق الكتاب الخفين)، وروى الإمام زيد بن علي عليه السلام عن أبيه عن جده الحسين السبط عليه السلام أنه قال: نحن بني فاطمة لا نمسح على الخفين، ولا عمامة ولا كمة ولا خمار ولا جهاز.
الترتيب: للآية؛ لأنها عقبت القيام إلى الصلاة بغسل الأعضاء مرتبة، وذلك بـ(الفاء) التي تفيد الترتيب، فذكرت الوجه مقدماً على اليدين وهو يعني الترتيب، ولقوله ًحين سعى بين الصفا والمروة: «أبدأُ بما بدأ الله به» إشارة إلى قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158].
فذكر الله تعالى الصفا قبل المروة، وقد روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يغسل أعضاءه مرتبة.
تخليل الأصابع والأظفار والشجج: لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لابن عباس: «إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك».

.سنن الوضوء:

والفرق بين فروض الوضوء وسننه، أن الفرض واجب ولا يصح الوضوء إلا به، ومن أخلَّ بشيء منه أعاد الوضوء.
وأما سننه فهي ما أمر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم على سبيل الندب، وينبغي المحافظة عليها؛ لأن في فعلها زيادة في الأجر والثواب، ولا يبطل الوضوء بتركها وهي:-
غسل الكفّين قبل الشروع في الوضوء: لحديث الحسين بن علي عليهما السلام قال: دعا أبي علي بوضوء فقرّبته له، فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم تمضمض ثلاثاً، واستنثر ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثاً، ثم اليسرى كذلك، ثم مسح برأسه مسحة واحدة، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاثاً، ثم اليسرى كذلك.
الجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة: لحديث علي عليه السلام في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «..ثم تمضمض واستنثر ثلاثاً؛ يمضمض وينثر من الكف الذي يأخذ منه الماء».
غسل كل عضو ثلاث مرات: لما روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم توضأ مرةً مرةً وقال: «هذا وضوءٌ لا يقبل الله الصلاة إلا به»، ثم توضأ مرتين مرتين وقال: «من توضأ مرتين مرتين أعطاه الله أجره مرتين» ثم توضأ ثلاثاً ثلاثاً وقال: «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي».
مسح الرقبة مرة واحدة: لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من توضأ ثم مسح على سالفتيه وقفاه أمن من الغُلِّ يوم القيامة».
السواك عند الوضوء: لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة».
وفيه من الفوائد الصحيّة ما يجعل المسلم يحافظ عليه دائماً من تنظيف الأسنان وتنقيتها من فضلات الطعام والروائح الكريهة، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب».

.مستحبات الوضوء:

الدعاء حال الوضوء: بعد أن ينتقل من محل قضاء الحاجة إلى محل لا نجاسة فيه لغسل أعضاء الوضوء، والدعاء مشروع لقوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] والوضوء عبادة شرعت فيه التسمية وهي من أفضل الذكر، والدعاء فيه فضل عظيم، وهو من جملة الذكر، وهو مروي من طريق أهل البيت النبوي، فعن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه كان إذا وضع طهوره أمامه يقول: (بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم يغسل فرجه فيقول: اللهم حصّن فرجي برحمتك من معاصيك، ثم يتمضمض فيقول: اللهمَّ لَقِّنِّي حجتي يوم ألقاك، ثم يستنشق فيقول: اللهم لا تحرمني رائحة الجنة برحمتك، ثم يغسل وجهه فيقول: اللهم بيّض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، ثم يغسل يده اليمنى فيقول: اللهم أعطني كتابي بيميني واغفر ذنبي، ثم يغسل يده اليسرى فيقول: اللهم لا تؤتني كتابي بشمالي وتجاوز عن سيء أفعالي، ثم يمسح رأسه فيقول: اللهم غَشِّنِي برحمتك وأتمم عليَّ نعمتك، ثم يجيل يده على رقبته فيقول: اللهم قني الأغلال في يوم الحساب، ثم يغسل رجليه إلى الكعبين فيقول: اللهم ثبت قدميَّ على الصراط المستقيم يوم تزلّ الأقدام، يا ذا الجلال والإكرام.
الدعاء بعد الوضوء: لحديث: «ما من مسلم يتوضأ ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، واغفر لي إنك على كل شيء قدير، إلا كتبت في رقٍ ثم ختم عليها، ثم وضعت تحت العرش حتى تدفع إليه بخاتمها يوم القيامة».
تجديد الوضوء بعد كل مباح: كالأكل والشرب والعمل، لقوله ً: «الوضوء على الوضوء نور على نور».
أخذ حفنة من الماء وإرسالها على الجبهة: لما روي عن علي عليه السلام أنه توضأ فأخذ غرفة بيده فأسالها على جبهته، وهو لا يفعل إلا ما هو مأثور.
إسباغ الوضوء: وهو إكماله لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط».

.نواقض الوضوء:

كل ما خرج من الفرجين: من بول أو غائط، أو ريح أو مذي أو غيره، ولا خلاف في البول والغائط والريح أنها ناقضة، وأما المذي فلقول علي عليه السلام: كنت رجلاً مَذَّاءً فأمرت المقداد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «فيه الوضوء». والمني ناقض لخروجه من مخرج البول؛ ولأنه يوجب الغسل، والوضوء مترتب على الغسل، ولاتصاله أيضاً بناقض آخر وهو المذي.
النوم المزيل للعقل: على أي صفة كان من قعود أو اضطجاع أو سجود أو غيرها، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ»، وفي رواية: «فإذا نامت العينان استطلق الوكاء»؛ لأن الإنسان إذا استغرق في نومه تراخت أعضاؤه وخرج منه الخارج وهو لا يشعر، والإغماء والجنون أكثر تأثيراً في زوال العقل، فكانا ناقضين بالأولى.
الدم السائل: لقول علي عليه السلام: قلت: يا رسول الله، آلوضوء كتبه الله علينا من الحدث فقط؟ فقال: «بل من سبع: من حدث، وتقطار بول، ودسعة تملأ الفم، وقيء ذارع، ودم سائل، وقهقهة في الصلاة، ونوم مضطجع».
القيء الخارج من المعدة: لحديث علي عليه السلام السابق، ولما روي عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «قاء فتوضأ». وقال معدان راوي الحديث: فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت له ذلك، قال: صدقت وأنا صببت له وضوءه.
والمراد بالدسعة في الحديث السابق هي الدفعة التي تملأ الفم فقط،والقيء الذارع هو القيء الغالب وهو أكثر من الدسعة.
كبائر المعاصي: لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] ولحديث أبي هريرة أن رجلاً صلى وهو مسبل إزاره، فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإعادة الوضوء والصلاة.
ولحديث أنس قال: كان يأمرنا ً بإعادة الوضوء من الغيبة وأذى المسلم، وإنما كانت المعاصي ناقضة للوضوء؛ لأن العبد قد تأهب واستعد للوقوف بين يدي رب العالمين، ليؤكد على توحيد الله سبحانه وتعالى وتمجيده والثناء عليه، راجياً من مولاه الإعانة والهداية إلى صراطه المستقيم، ومتوسلاً بإخلاص توحيده وطاعته.وقد كان علي بن الحسين عليه السلام إذا توضأ اصفر لونه وارتعدت فرائصه، فسُئل عن ذلك؟ فقال: أتدرون بين يدي من سأقف؟ وهكذا كان زين العابدين، وغيره من أئمة أهل البيت ٍ إذا ذكر الله وجلت قلوبهم.
فأما من يجاهر بعصيان رب العالمين أثناء استعداده للمثول أمامه، فلاشك أنه لا يستحي من ربه فلا ينال الرضا والقبول من الله سبحانه وتعالى، ولو أن رجلاً يطلب حاجة من ملك وذهب إلى قصره وحظي بمقابلة الملك في وقت معلوم، وعند ذلك الوقت تأهب للقائه، وسمح له بالدخول، وفي أثناء دخوله شتم بعض حرس الملك واعتدى على بعض أملاكه عمداً.. فهل سيرضى عنه الملك، ويقضي حاجته بعد ذلك؟! أعتقد أنه سيُحرَم من بر الملك وإحسانه بسبب ما اقترفته يداه، فكذلك من توضأ ثم تجرأ على انتهاك حرمات الله، فإنه سيحق عليه غضب الله، ويفسد وضوءه كما صرَّح بذلك الحديث السابق.

.ما يكره في الوضوء:

الإسراف بالماء حال الوضوء: لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لسعد بن معاذ حين رآه يتوضأ: «لا تُسرف، فقال سعد: أو في الماء إسراف يا رسول الله؟‍‍‍! فقال: نعم وإن كنت على نهر جار» ومن الإسراف، الزيادة على الثلاث الغسلات.
الشك والوسوسة في الوضوء: لأن ذلك من عمل الشيطان، ومنشأه الجهل بتعاليم الشريعة السمحة، والعُجب والتنطع الذي يوقع الإنسان في الحرج، وقد لا يسلم من الوزر والمخالفة لهدي من بعثه الله رحمة للعالمين.

.مسألتان:

لا ينقض الوضوء مسّ الذكر: لما روي أن رجلاً سأل رسول الله ً عن مسِّ الذكر هل ينقض الوضوء؟ فقال ً: «هل هو إلا بضعة منك». وقال علي عليه السلام: «ما أبالي أنفي مسست أم أذني أو ذكري» وهذا إجماع أهل البيت ٍ وجمهور الصحابة.
وأما حديث بسرة: «من مسَّ ذكره فليتوضأ» فقد قال الحافظ ابن حبان -رحمه الله- بعد أن روى حديث بسرة من طريق مروان: عائذاً بالله أن نحتج بحديث مروان بن الحكم وذووه في شيء من كتبنا؛ لأنا لا نحتج بغير الصحيح من سائر الأخبار، وإن طابق مذهبنا.
وقال الإمام يحيى بن حمزة والقاضي زيد وأبو جعفر في حديث بسرة: ظلمات بعضها فوق بعض؛ لأن الراوي امرأة، وعنها مروان وهو من هو في خبثه وسوء عمله، وممن لعنه رسول الله ً مع أبيه الحكم بن أبي العاص الطريد، ومما يقدح في الحديث المذكور أن بسرة روت شيئاً يختص بالرجال، وأيضا قد عارضه حديث علي بن طلق وهو أصح.
لا ينقص الوضوء مسّ المرأة: لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يُقبِّل بعض نسائه ولا يتوضأ.
وأما قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة:6] فالمقصود بالملامسة هو الجماع، وكنى الله عن الجماع بالملامسة تعليماً لخلقه الأدب، كقوله تعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة:236].

.الغُسْل:

جاءت الشرائع السماوية هاديةً للإنسان إلى مصالحه ومنافعه الدينية والدنيوية، فما من فريضة من فرائض الإسلام إلا ولها حكمة ظاهرة ومنافع محسوسة، فقد شرع الله الغسل من الجنابة، وجعله من الأمانات التي كلّف الإنسان بحملها، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «اتقوا الله وأحسنوا في الغسل فإنها من الأمانة التي حملتم بها والسرائر التي استودعتم»، وقد قيل: إنه لم يبقَ من شريعة إبراهيم عند العرب قبل البعثة إلا الغُسل من الجنابة، وحرمة الحرم، وبعض مناسك الحج، وكم في الغُسل من الفوائد الصحية والروحية، وهو مع ذلك عبادة وقربة وامتثال لأمر الله سبحانه.

.موجبات الغسل:

خروج المني لشهوة: والشهوة هي اللذة سواء كان خروجه في يقظة أو احتلام، قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6]، والمرأة إذا رأت شيئاً في منامها وظهر الماء إلى خارج الفرج وجب عليها الغسل بالاتفاق.
انقطاع الحيض والنفاس: ولا خلاف في وجوب ذلك على الحائض والنفساء.
الجِمَاع: وإن لم يكن معه إنزال المني، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا أجهد الرجل زوجته وجلس بين شعبها الأربع وجب الغسل وإن لم ينزل».
وقال عليٌّ عليه السلام: «إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل أنزل أو لم ينزل». وقال: «كيف يجب الحد ولا يجب الغسل».
موت المسلم: وهو واجب بالإجماع.
الإسلام: فإذا أسلم الكافر وجب عليه الغسل، لما روي أن النبي ً كان يأمر من أسلم أن يغتسل».