الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: إظهار الحق (نسخة منقحة)
بسم اللّه الرحمن الرحيم
.تمهيد: الحمد للّه الذي لم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريك في ملكه أبدًا، فسبحان الذي أنزل على عبده الكتاب، وجعله تبصرةً وَذكرى لأولي الألباب، وكشف نقاب الحق عن وجه اليقين بدلائل آياته، ونصب على منصته أعلام الهداية ليحق الحق بكلماته، حتى انقطعت دون محجته حجج أقوام بظواهر شبهِها يتظاهرون، وهم {يريدونَ لِيُطْفئِوا نورَ اللّه بأفواهِهِم ويَأبَى اللّه إلاَّ أَنْ يُتِمَّ نورَه ولو كَرِه الكافرون} والصلاة والسلام على مَن سفرت معجزات نبوّته بأَحسنِ المطالع، وظهرت شعائر شريعته، فنسختْ معالِمَ الأديانِ والشرائع، أرسله مولاه بالهدى ودين الحق ليظهرَه على الدين كله، وأيده بمحكم كتابٍ أعجزَ البلغاءَ عن أنْ يأتوا بسورة من مثلِه سيدنا محمد الذي بشَّر بظهوره التوراةُ والإنجيل، وتحققت بوجوده دعوة أبيه إبراهيم الخليل، صلى اللّه عليه وعلى آله، الفائزين باتباع شريعته، السالكين منهج الإصابة في اقتفاء طريقته، وصحبه الذين وصل اللّه بالإسلام بينهم، حتى صاروا أشدّاء على الكفار رحماء بينهم.(أما بعد) فيقول العبدُ الراجي إلى رحمة ربه المنان، رحمة اللّه بن خليل الرحمن، غفر اللّه له ولوالديه، وأحسن إليهما وإليه: أن الدولة الإنكليزية لما تسلطت على مملكة الهند تسلطًا قويًّا، وبسطوا بساط الأمن والانتظام بسطًا مرضيًا، ومن ابتداء سلطنتهم إلى ثلاث وأربعين سنة، ما ظهرت الدعوة من علمائهم إلى مذهبهم، وبعدها أخذوا في الدعوة وكانوا يتدرجون فيها، حتى ألفوا الرسائل والكتب في رد أهل الإسلام، وقسموها في الأمصار بين العوام، وشرعوا في الوعظ في الأسواق، ومجامع الناس، وشوارع العامة وكان عوام أهل الإسلام إلى مدة متنفرين عن استماع وعظهم ومطالعة رسائلهم، فلم يلتفت أحد من علماء الهند إلى رد تلك الرسائل، لكن تطرق الوهن بعد مدة، في نفور بعض العوام، وحصل خوف مزلة أقدام بعض الجهال الذين هم كالأنعام، فعند ذلك توجه بعض علماء أهل الإسلام إلى ردهم، وإني وإن كنت منزويًا في زاوية الخمول، وما كنت معدودًا في زمرة العلماء الفحول، ولم أكن أهلًا لهذا الخَطبْ العظيم الشأن، لكني لما اطلعت على تقريراتهم، وتحريراتهم، ووصلت إليَّ رسائل كثيرة من مؤلفاتهم، استحسنت أن أجتهد أيضًا، بقدر الوَسع والإمكان، فألفت أولًا الكتب والرسائل، ليظهر الحال على أولي الألباب، واستدعيت ثانيًا من القسيس الذي كان بارعًا وأعلى كعبًا من العلماء المسيحية الذين كانوا في الهند مشتغلين بالطعن والجرح على الملة الإسلامية، تحريرًا وتقريرًا، أعني مؤلف (ميزان الحق) أن يقع بيني وبينه مناظرة، في المجلس العام، ليتضح حق الاتضاح أن عدم توجه العلماء الإسلامية ليس لعجزهم عن رد رسائل القسيسين كما هو مزعوم بعض المسيحيين، فتقررت المناظرة في المسائل الخمس التي هي أمهات المسائل المتنازعة بين المسيحيين والمسلمين أعني: التحريف والنسخ، والتثليث، وحقية القرآن، ونبوّة محمد صلى اللّه عليه وسلم؛ فانعقد المجلس العام في شهر رجب سنة ألف ومائتين وسبعين من هجرة سيد الأولين والآخرين صلى اللّه عليه وسلم في بلدة أكْبَر أبادْ.وكان بعض الأحباء المكرَّم أطال اللّه بقاءه، معينًا لي في هذا المجلس، وكان بعض القسيسين معينًا للقسيس الموصوف، فظهرت الغلبة لنا بفضل اللّه في مسألتي النسخ والتحريف اللتين كانتا من أدق المسائل وأقدمها في زعم القسيس، كما تدل عليه عبارته في كتاب حل الإشكال، فلما رأى ذلك سَدَّ باب المناظرة في المسائل الثلاث الباقية. ثم وقع لي الاتفاق أن وصلت إلى مكة شرفها اللّه تعالى وحضرت عتبة الأستاذ العلامة والنحرير الفهامة، عين العلم والدراية، ينبوع الحكم والرواية، شمس الأدباء، تاج البلغاء، مقدام المحققين، سند المدققين، إمام المحدثين، قدوة الفقهاء والمتكلمين، فلذة كبد البتول، سمي الرسول المقبول، سيدي وسندي ومولاي السيد أحمد بن زيني دحلان، أدام اللّه فيضه إلى يوم القيام، فأمرني أن أترجم باللسان العربي هذه المباحث الخمسة من الكتب التي ألفت في هذا الباب، لأنها كانت إما بلسان الفرس، وإما بلسان مسلمي الهند.وكان سبب تأليفي في هذين اللسانين أن اللسان الأول مألوف المسلمين في تلك المملكة، واللسان الثاني لسانهم، وأن القسيسين الواعظين المقيمين في تلك المملكة ماهرون في اللسان الثاني يقينًا، وواقفون على اللسان الأول أيضًا قليلًا، سيما القسيس الذي ناظرني فإنه كانت مهارته في الأول أشد من الثاني، ورأيت إطاعة أمر مولاي بمنزلة الواجب، وشمرت عن ساق الجد لامتثال أمره فأرجو ممن سلك مسلك الإنصاف، وتنكب عن طريق الاعتساف، أن يستر خطآتي، ويجر قلم الإصلاح على هفواتي، وأسأل اللّه الميسر لكل صعاب أن يمن عليَّ بما يرشدني إلى الحق والصواب، ويجعل هذا الكتاب مقبولًا لدى الأنام، منتفعًا به الخاص والعام، ويصونه عن شبهات المبطلين، وأوهام المنكرين، وهو الولي للتوفيق، وبيده أزمة التحقيق، وهو على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وسميته (إظهار الحق) ورتبته على مقدمة وستة أبواب..المقدمة في بيان الأمور التي يجب التنبيه عليها: .(الأمر الأول): أني إذا أطلقت الكلام في هذا الكتاب في موضع من المواضع فهو منقول عن كتب علماء (البروتستنت) بطريق الإلزام والجدل، فإن رآه الناظر مخالفًا لمذهب أهل الإسلام فلا يقع في الشك، وإذا نقلت عن الكتب الإسلامية أشرت إليه غالبًا إلا أن يكون مشهورًا..(الأمر الثاني): أن النقل غالبًا في هذا الكتاب من كتب فرقة البروتستنت سواء كانت تراجم أو تفاسير أو تواريخ، لأن هذه الفرقة هي المتسلطة على مملكة الهند، ومن علمائها وقعت المناظرة والمباحثة، ووصلت إلى كتبها، وقليلًا ما يكون عن كتب فرقة الكاثوليك أيضًا..(الأمر الثالث): أن التبديل والإصلاح بمنزلة الأمر الطبيعي لفرقة البروتستنت، ولذلك ترى أنه إذا طبع كتاب من كتبهم مرة أخرى يقع غالبًا فيه تغيير كثير بالنسبة إلى المرة الأولى، إما بتبديل بعض المضامين أو بزيادتها أو نقصانها، أو تقديم المباحث وتأخيرها فإذا قوبل المنقول عن كتبهم بالكتب المنقول عنها، فإن كانت تلك الكتب مطبوعة من جنس الكتب التي نقل عنها الناقل فيخرج النقل مطابقًا وإلا فخرج غير مطابق غالبًا، فمن لم يكن واقفًا على عادتهم يظن أن الناقل أخطأ والحال أنه مصيب، وحصل هذا الأمر من عادات هؤلاء القسيسين، ووقعت أنا أيضًا في المغالطة مرتين قبل العلم بعادتهم، فلا بد أن يكون الناظر في هذا الأمر على تنبه تام؛ لئلا يقع في الغلط أو يوقعه أحد فيه، ولئلا يتهم الناقل. وأنا أبين الكتب التي أنقل عنها فأقول: الكتب المذكورة هذه:(1) ترجمة الكتب الخمسة لموسى عليه السلام في اللسان العربي التي طبعها وليم واطس في لندن سنة 1848 من الميلاد على النسخة المطبوعة في الرومية العظمى سنة 1264.(2) ترجمة كتب العهد العتيق والجديد كلها في اللسان العربي التي طبعها وليم واطس المذكور أيضًا سنة 1844 وجعل في هذه الترجمة الزبور التاسع والعاشر زبورًا واحدًا، وقسم الزبور المائة والسابع والأربعين إلى قسمين وجعله زبورين، فصار فيها عدد الزبورات ما بين العاشر والمائة والسابع والأربعين أقل منها بواحد بالقياس إلى التراجم الأخرى وفيما عداها متفقة، فلو وجد الناظر الاختلاف في هذا الأمر بالنسبة إلى التراجم الأخرى فلا بد أن يحمل على ما ذكرت.(3) ترجمة العهد الجديد باللسان العربي وطبعت في بيروت سنة 1860 ونقلت عبارة العهد الجديد غالبًا عن هذه الترجمة لأن عبارتها ليست ركيكة مثل عبارة الترجمة الأولى.(4) تفسير آدم كلارك على العهد العتيق والجديد الذي طبع في لندن سنة 1851.(5) تفسير هورن الذي طبع في لندن سنة 1882 في المرة الثالثة.(6) تفسير هنري واسكات الذي طبع في لندن.(7) تفسير لاردنر الذي طبع في لندن سنة 1717 في عشرة مجلدات.(8) تفسير دوالي ورجردمينت الذي طبع في لندن سنة 1848.(9) تفسير هارسلي.(10) كتاب واتسن.(11) ترجمة فرقة البروتستنت بلسان الإنكليز المثبت عليها الخاتم المطبوعة سنة 1819 وسنة 1830 وسنة 1821 وسنة 1836.(12) ترجمة العهد العتيق والجديد لرومن كاثلك بلسان الإنكليز وطبعت في دبلن سنة 1840، وما سواها من كتب أخرى أيضًا يجيء ذكرها في مواضعها وهذه الكتب في بلاد تسلط عليها الإنكليز، كثيرة الوجود فمن شك فليطابق النقل بأصله..(الأمر الرابع): إن صدر عن قلمي في موضع من المواضع لفظ يوهم بسوء الأدب بالنسبة إلى كتاب من كتبهم المسلّمة عندهم، أو إلى نبي من الأنبياء عليهم السلام، فلا يحمل الناظر عليَّ سوء اعتقادي بالنسبة إلى الكتب الإلهية، والأنبياء عليهم السلام؛ لأن إساءة الأدب إلى كتاب من كتب اللّه أو إلى نبي من الأنبياء عليهم السلام من أقبح المحذورات عندي أعاذني اللّه وجميع أهل الإسلام منها. لكن لما لم يثبت كون الكتب المسلمة عندهم المنسوبة إلى الأنبياء بحسب زعمهم كتبًا إلهية بل ثبت عكسه وثبت أن بعض مضامين هذه الكتب يجب على كل مسلم أن ينكره أشد الإنكار، وثبت أن الغلط والاختلاف والتناقض والتحريف واقعة فيها جزمًا فإني معذور في أن أقول: إن هذه الكتب ليست كتبًا إلهية وأن أنكر بعض القصص مثل: أن لوطًا شرب الخمر وزنى بابنتيه وحملتا بالزنا منه، أو أن داود عليه السلام زنا بامرأة أوريا وحملت بالزنا منه، وأشار إلى أمير العسكر لأن يدبر أمرًا يقتل به أوريا فأهلكه بالحيلة، وتصرف في زوجته، وأن هارون صنع عجلًا وبنى له مذبحًا فعبده هارون مع بني إسرائيل وسجدوا له وذبحوا الذبائح أمامه، وأن سليمان ارتد في آخر العمر وعبد الأصنام وبنى المعابد لها، ولا يثبت من كتبهم المقدسة أنه تاب بل الظاهر أنه مات مرتدًا مشركًا. فإن هذه القصص وأمثالها يجب علينا أن ننكرها ونقول إنها غير صحيحة جزمًا، ونعتقد اعتقادًا يقينيًّا أن ساحة النبوة بريئة من أمثال هذه الأمور القبيحة.وكذا معذور في أن أقول للغلط إنه غلط، وهكذا فلا يناسب لعلماء البروتستنت أن يشكوا في هذا الباب، ألا يرون إلى أنفسهم كيف يتجاوزون الحد في مطاعنهم على القرآن المجيد والأحاديث النبوية والنبي صلى اللّه عليه وسلم؟ وكيف يصدر عن أقلامهم ألفاظ غير ملائمة؟ لكن الإنسان لا يرى عيب نفسه ولو كان عظيمًا ويتعرض لعيب غيره ولو كان صغيرًا، إلا من فتح اللّه عين بصيرته ولنعم ما قال المسيح عليه السلام: (لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟ أم كيف تقول لأخيك دعني أخرج القذى من عينك، وها الخشبة في عينك يا مرائي. أخرج أوّلًا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدًا أن تخرج القذى من عين أخيك) كما هو مصرح في الباب السابع من إنجيل متى..(الأمر الخامس): قد تخرج كلمة تثقل على المخالف ألا ترى أن المسيح عليه السلام كيف خاطب الكتبة والفريسيين مشافهة بهذه الألفاظ (ويل لكم أيها الكتبة الفريسيون المراءون وويل لكم أيها القادة العميان، وأيها الجهال العميان، وأيها الفريسي الأعمى، وأيها الحيات والأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم) وأّظْهَرَ قبائحهم على رؤوس الأشهاد حتى شكا بعضهم بأنك تشتمنا، كما هو مصرح في الباب الثالث والعشرين من إنجيل مَتَّى، والباب الحادي عشر من إنجيل لوقا، وكيف أطلق لفظ الكلاب على الكنعانيين الذين كانوا كافرين، كما هو مصرح في الباب الخامس عشر من إنجيل متى، وكيف خاطب يحيى عليه السلام اليهود بقوله: (يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي)، كما هو مصرح في الباب الثالث من إنجيل متى، سيما في مناظرات العلماء الظاهرية تقع أمثال هذه الكلمات بمقتضى البشرية، ألا ترى إلى مُقْتَدى فرقة البروتستنت ورئيس المصلحين جناب لوطر كيف يقول في حق الذي كان مقتدى المسيحيين وفي عهده أعني البابا معاصِرَه وكيف يقول في حق السلطان الأعظم والملك الأفخم هنري الثامن ملك لندن، وأنقل بعض أقواله بطريق الترجمة عن الصفحة 277 من المجلد التاسع من (كاثُلك هرلد) وادعى صاحبه أنه نقل هذه الأقوال عن المجلد الثاني والسابع من المجلدات السبعة التي لجناب رئيس المصلحين.قال الرئيس الممدوح في الصفحة 274 من المجلد السابع المطبوع سنة 1558 في حق البابا: (هكذا أنا أول من طلبه اللّه لإظهار الأشياء التي يوعظ بها فيما بينكم، وإني أعلم أن كلام اللّه المقدس عندكم، امش مشيًا هينًا يا بولسي الصغير، واحفظ نفسك يا حماري من السقوط احفظ نفسك يا حماري البابا، ولا تقدم يا حماري الصغير لعلك تسقط وتنكسر الرجل؛ لأن الهواء في هذا العام قليل جدًّا حتى أن الثلج يوجد فيه دسومة كثيرة، وتزل فيه الأقدام، فإن سقطت فيستهزئ الخلق، إن أي أمر شيطاني هذاأبعدوا عني، أيها الأشرار الغير المبالين الحمقاء الأذلاء الحمير، أأنتم تخيلون أنفسكم أنكم أفضل من الحمير، إنك أيها البابا حمار بل حمار أحمق وتبقى حمارًا دائمًا)، ثم قال في الصفحة 474 من المجلد المسطور هكذا: (لو كنتُ حاكمًا لحكمت أن يكتّف الأشرار البابا ومتعلقوه ثم يغرقوا في استيا الذي من الروم على ثلاثة أميال وههنا غدير عظيم) يعني البحر (لأنه حَّمام جيد لحصول الشفاء للبابا، وجميع متعلقيه من جميع الأمراض والضعف، وإني أعطي قولي بل أعطي المسيح كفيلًا على أني لو أغرقتهم إغراقًا لينًا إلى نصف ساعة لبروءا من جميع الأمرض اهـ)، وقال في الصفحة 451 من المجلد المذكور: (إن البابا ومتعلقيه زمرة الأشرار المفسدين الخادعين الكاذبين وكنيف الأشرار الذي هو مملوء من أعظم الشياطين الجهنميين، وهو مملوء بحيث يخرج من بصاقه ومخاطه الشياطين) وقال في الصفحة 109 من المجلد الثاني المطبوع سنة 1562 (قلت أولًا إن بعض مسائل جان هس مسائل الإنجيليين، والآن أرجع عن هذا القول وأقول: ليس البعض بل كل مسائله التي ردها الدجال وحواريه في محفل كون ستس، وأقول لك مشافهة أيها النائب المقدس للّه: إن جميع مسائل جان هس المردودة واجبة التسليم، وكل مسألة من مسائلك شيطانية كفرية، فلذلك أسلم مسائل جان هس المردودة وأستعد لتأييدها بفض اللّه).وكان من مسائل جان هس (أن السلطان أو القسيس إذا ارتكب كبيرة من الكبائر لا يبقى سلطانًا وقسيسًا) فلما كانت جميع مسائله مسلّمة عند رئيس المصلحين كانت هذه المسألة أيضًا مسلمة فعلى هذا لا يخرج أحد من مقتديه أهلًا للسلطنة والقسيسية، لأنه لا يوجد أحد منهم لا يصدر عنه كبيرة من الكبائر، والعجب كل العجب أن العصمة ليست شرطًا للأنبياء، وهم ما كانوا معصومين عند الرئيس، وتشترط للسلطان والقسيس. لعل منصب النبوة أدون من منصب القسيسية عنده.وأما ألفاظ الرئيس المذكور في حق السلطان الأعظم هنري الثامن فهذه: قال في الصفحة 277 من المجلد السابع المطبوع سنة 1558 هكذا:(1) لا ريب أن لوطر يخاف إذا بذل السلطان هذا القدر من ريقه في الكذب واللغو (2) إني أتكلم مع الكاذب الديوث ولما لم يراع هو لأجل الحمق منصبه السلطاني فلم لم أرد كذبه في حلقومه (3) أيها الحوض الخشبي الجاهل أنت تكذب وسلطان أحمق سارق الكفن (4) كذا بلغو هذا السلطان الأحمق الْمُصِرُّ.والظاهر أن أمثال هذه الألفاظ يكون إطلاقها على الخصم جائزًا عند علماء البروتستنت إلا أن يقولوا إنها وقعت منهم بمقتضى البشرية، فأقول إني إن شاء اللّه لا أذكر عمدًا لفظًا يوازن لفظًا من ألفاظ مقتداهم في حق العلماء المسيحية، لكن لو صدر من غير العمد لفظ لا يكون مناسبًا لشأنهم في زعمهم أرجو منهم المسامحة والدعاء؛ قال المسيح عليه السلام: (باركوا لأعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم) كما هو مصرح في الباب الخامس من إنجيل متى. |