الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي
ثوبين مصبوغين وهو محرم، فقال: (لا يلبسن أحدكم من هذه الثياب المصبغة في الإحرام شيئا). ويكره له أن يحمل بازيا، أو كلبا معلما؛ لأنه ينفر به الصيد، وربما قتل صيدا. وينبغي له أن ينزه إحرامه عن الخصومة، والشتم، والكلام القبيح؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197]. قال ابن عباس: (الفسوق: المنابزة بالألقاب، والجدال: المماراة). وروى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من حج لله، فلم يرفث ولم يفسق.. رجع كهيئة ولدته أمه». وبالله التوفيق.
والأصل فيه قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]، فوردت الآية بوجوب ذلك مجملا، وبين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك في حديث كعب بن عجرة، حيث قال: «احلق رأسك، وانسك شاة، أو طعم ستة مساكين ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع، أو صم ثلاثة أيام». وإن حلق رأسه ثلاث شعرات.. وجب فيه ما يجب في حلق جميع الرأس وقال أبو حنيفة: (إن حلق ربع رأسه.. وجب عليه الدم، وإن حلق أقل من الربع.. فعليه صدقة)، ويريدون بالصدقة نصف صاع من طعام. وقال أبو يوسف: لا يجب الدم إلا بحلق النصف. وقال مالك: (إن حلق من رأسه ما أماط عنه الأذى.. فعليه الفدية. وإن حلق منه ما لا يحصل به إماطة الأذى.. فلا فدية عليه). وعن أحمد روايتان: أحدهما: مثل قولنا. والثانية: (لا تجب الفدية إلا بحلق أربع شعرات).. دليلنا: أن الثلاث أقل الجمع، فوجب فيها الدم، قياسا على الربع عند أبي حنيفة، والنصف عند أبي يوسف. وإن حلق من رأسه أقل من ثلاث شعرات.. فهو مضمون. وقال مجاهد وعطاء: ليس بمضمون. دليلنا: أن ما ضمنت جملته.. ضمنت أبعاضه، كالصيد. إذا ثبت هذا: ففيما يجب في الشعرة والشعرتين؟ ثلاثة أقوال: أحدها: يجب في الشعرة ثلث دم، وفي الشعرتين ثلثا دم؛ لأنه لما وجب في الثلاث دم كامل.. وجب فيما دونها بالقسط من ذلك. والثاني: يجب في الشعرة درهم، وفي الشعرتين درهمان؛ لأن تبعيض الحيوان يشق، فقومت الشاة بثلاثة دراهم، نحو قيمتها في زمن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فرجع في التقويم إلى النقد، كما يرجع في سائر المقومات. والثالث: يجب في الشعرة مد، وفي الشعرتين مدان؛ لأن التعديل في الشرع، إنما كان في الحيوان بالإطعام، فإذا عدل عن الحيوان في جزاء الصيد إلى غيره.. فكذلك هاهنا، وأقل ما يجب للمسكين مد، فوجب ذلك في أقل الشعر. وإن حلق شعر رأسه وشعر بدنه في مجلس واحد.. وجبت عليه فدية واحدة وقال أبو القاسم الأنماطي: تجب عليه فديتان؛ لأنهما جنسان، بدليل أن التحلل يقع بشعر الرأس دون شعر البدن. وهذا ليس بصحيح؛ لأن الشعر كله جنس واحد وإن اختلفا في التحلل، ألا ترى أن شعر الرأس يختلف في المسح في الطهارة ولا يختلف في الفدية.
وإن قلم ظفرا، أو ظفرين.. فعلى الأقوال الثلاثة في الشعرة والشعرتين، سواء كان ذلك من يد أو يدين. وقال أبو حنيفة: (إن قلم خمسة أظفار من يد، فعليه دم، وإن قلم أقل من خمسة من يدين فعليه صدقة، وكذلك إن قلم خمسة من يدين فعليه صدقة). وبه قال أبو يوسف. وقال محمد بن الحسن: إذا قلم خمسة أظفار.. فعليه دم، سواء كان ذلك من يد أو يدين. دليلنا: أنه قطع من أظفاره الممنوع منها لحرمة الإحرام دفعة واحدة ما يقع عليه اسم الجمع المطلق، فوجب عليه الدم، كما لو قلم خمسة أظفار من يد واحدة
وقال أبو حنيفة: (إن طيب عضوا كاملا.. فعليه الفدية. وإن طيب أقل من عضو.. فعليه صدقة: وهي نصف صاع، وإن لبس المخيط يوما كاملا.. فعليه الفدية. وإن لبس أقل من يوم.. فعليه صدقة). وقد روي عنه: (إن لبس أكثر النهار.. فعليه الفدية. ورجع عنه إلى اليوم - فإن ستر ربع رأسه يوما كاملا.. فعليه الفدية. وإن ستر أقل من الربع أقل من اليوم.. فعليه صدقة). وقال محمد بن الحسن: إن ستر نصف الرأس يوما. فعليه الفدية. وإن ستر أقل من النصف فعليه صدقة. دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]. وتقدير الآية: فمن كان منكم مريضًا فلبس أو تطيب.. ففدية. ولم يفرق بين أن يلبس يوما، أو أقل من يوم، فهو على العموم فيما يقع عليه أثم الطيب واللباس. ولأن ما كان مضمونا بالفدية.. تعلقت بعينه، ولا تعتبر فيه الاستدامة، كالوطء. إذا ثبت هذا: فإن الفدية التي تجب في الطيب، أو اللباس، أو تغطية الرأس، أو دهنه، أو دهن اللحية.. هي الفدية التي تجب بحلق الرأس، وهي: شاة، أو إطعام ستة مساكين ثلاثة آصع، أو صوم ثلاثة أيام؛ لأنه زينة وترفه، فهو كحلق الرأس هذا هو المشهور في المذهب. وحكى أبو علي في "الإفصاح" قولين آخرين: أحدهما: أنه كدم التمتع، فإن لم يجد الهدي.. صام عشرة أيام على ما مضى. والثاني: أنه إذا لم يجد الهدي.. قوم الهدي دراهم، والدراهم طعاما. ثم يصوم عن كل مد يوما.
أحدها: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة -: أن عليه فدية واحدة؛ لأنهما نوعا استمتاع، فهو كما لو لبس القميص والعمامة. والثاني: وهو قول أبي سعيد الإصطخري -: إن كان السبب واحدا، مثل: أن تصيبه شجة فيحتاج إلى مداواتها بالطيب وسترها.. فعليه فدية واحدة؛ لأن سببها واحد. وإن كانت أسبابها مختلفة.. فلكل جنس منها فدية؛ لأنها أجناس. الثالث: وهو المذهب -: أنه يجب لكل واحد فدية؛ لأنهما جنسان مختلفان؛ فهو كما لو حلق الشعر، وقلم الظفر. فإن لبس مخيطا مطيبا، أو طلا رأسه بطيب، بحيث غطى بعض الشعر، فإن قلنا: إن الطيب واللباس جنس واحد.. لزمه هاهنا فدية واحدة. وإن قلنا بالمذهب وأنهما جنسان.. فهاهنا وجهان: أحدهما: يلزمه فديتان؛ لأنه حصل اللباس والطيب، أو التغطية والطيب. والثاني: يلزمه فدية واحدة؛ لأن الطيب تابع للثوب أو التغطية. وإن تطيب في مجلس، ولبس المخيط في مجلس آخر.. قال المسعودي [في "الإبانة" ق\193] لزمه لكل واحد منهما كفارة؛ لافتراق المجلسين.
وإن كان ذلك في مجالس، مثل: أن لبس القميص في مجلس، وتسرول في مجلس آخر، أو تبخر بالعود في مجلس وبالند في مجلس آخر، فإن فعل الثاني بعد أن كفر عن الأول.. لزمه للثاني كفارة أخرى؛ لأن حكم الأول قد استقر بالتكفير كما لو زنا فحد، ثم زنا.. فإنه يحد للثاني. وإن فعل الثاني قبل أن يكفر من الأول نظرت: فإن كان السبب واحدا، مثل: أن يلبس للبرد فيهما، أو يتطيب لمرض واحد.. ففيه قولان: الأول: قال في القديم: (يجزئه فدية واحدة)؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحدود كفارات» والحدود إذا ترادفت تداخلت، فكذلك الكفارة. ولأنها جنس استمتاع متكرر منع المحرم منها، ولم يتخللها تكفير فتداخلت، كما لو اتصل فعلها. والثاني: قال في الجديد: يلزمه لكل واحد كفارة وهو الصحيح لأنها أفعال متكررة في مجالس يجب لكل واحد منها فدية إذا تفرد، فوجب لكل واحد فدية وإن اجتمع مع غيره، كما لو كفر عن الأول. وإن تكرر الفعلان بسببين مختلفين مثل: أن يلبس بكرة لأجل البرد فينزعه، ثم لبس عشية لأجل الحر.. ففيه طريقان، حكاهما الشيخ أبو حامد: الأول: من أصحابنا من قال: يجب عليه فديتان قولا واحدا؛ لأن اختلاف الأسباب يجري مجرى الأجناس. والثاني: منهم من قال: هي على قولين كالأولى، وهو الصحيح؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لم يعتبر اختلاف الأسباب، وإنما اعتبر اختلاف الأجناس. فإذا قلنا: يكفيه للجميع فدية واحدة فارتكب محظورا وأخرج الفدية، ونوى بإخراجها الفدية عما ارتكبه وعما سيرتكبه من جنسه. فهل يجزئه ذلك؟ فيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق\ 193]: أحدهما: يجزئه، كما يجزئه تقديم إخراج كفارة التمتع قبل وقت وجوبها. والثاني: لا يجزئه؛ لأن في ذلك سببا إلى ارتكاب المحظور، فصار كتقديم كفارة الجماع في رمضان على الجماع.
الأول: قال الشيخ أبو حامد: يجب لكل حلق كفارة قولا واحدا؛ لأن هذا إتلاف، فلم يتداخل كقتل الصيد. والثاني: قال القاضي أبو الطيب: هو على قولين كالطيب واللباس، وهو اختيار الشيخ أبي إسحاق في "المهذب". فإن حلق ثلاث شعرات في ثلاثة أوقات.. فعلى ما ذكر الشيخ أبو حامد: يكون فيها ثلاثة أقوال: أحدها: يجب في الجميع دم. والثاني: يجب ثلاثة دراهم. والثالث: يجب ثلاثة أمداد. وعلى ما حكاه القاضي والشيخ أبو إسحاق: إن قلنا: يتداخل.. لزمه دم قولا واحدا. وإن قلنا: لا يتداخل.. ففيه ثلاثة أقوال. وذكر في "الإبانة" [ق \ 192] إذا نتف ثلاث شعرات من ثلاثة مواضع في وقت واحد.. ففيه وجهان: أحدهما: حكمه حكم ما لو نتفها من موضع واحد، فيلزمه دم واحد. والثاني: حكمه حكم ما لو نتفها في ثلاثة أوقات، فيكون على ما مضى. وإن حلق تسع شعرات في ثلاثة أوقات، في كل وقت ثلاثا.. فعلى ما قال الشيخ أبو حامد: يجب عليه ثلاثة دماء قولا واحدا. وعلى ما حكاه القاضي والشيخ أبو إسحاق: إن قلنا: يتداخل.. لزمه دم واحد، وإن قلنا: لا يتداخل.. لزمه ثلاثة دماء. إذا ثبت هذا: فلا فرق بين أن يحلق الشعر، أو ينتفه، أو يحرقه بالنار، فإن عليه الفدية؛ لأن الفدية وجبت لإزالته عن البدن، وهذا موجود فيه بهذه الأفعال.
وقال أبو حنيفة: (إن وطئ قبل الوقوف بعرفة.. فسد حجه، ووجبت عليه شاة، وإن وطئ بعد الوقوف.. لم يفسد حجه ووجبت عليه بدنة). دليلنا - على فساد الحج -: قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197]. و(الرفث): الجماع، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، ولم يفرق بين أن يكون قبل الوقوف بعرفة أو بعده، ولأنه وطئ في الحج - قبل التحلل ففسد حجه، كالوطء قبل الوقوف. والدليل - على وجوب الكفارة: أن كل عبادة حرمت الوطء، وغيره.. كان للوطء مزية على غيره، كالصوم. والدليل على أنها بدنة -: ما روي عن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أنهما قالا: (إذا وطئ امرأته قبل عرفة.. فسد حجه وعليه بدنة) ولا مخالف لهما في الصحابة. ولأن هذا وطء صادف إحراما لم يتحلل منه فوجبت فيه بدنة، كالوطء بعد الوقوف.
وقال أبو حنيفة: (إذا وطئ قبل أن يطوف أربعة أشواط.. فسدت عمرته، ووجبت عليه شاة. وإن وطئ بعد أن طاف أربعة أشواط، لم تفسد عمرته وجبت عليه شاة). دليلنا - على وجوب البدنة -: أنها عبادة تشتمل على طواف وسعي فوجب بإفسادها البدنة قياسا على الحج. والدليل - على أنها تفسد بعد طواف أربعة أشواط -: أنه وطئ قبل التحلل من عمرته فأفسدها، كما لو وطئ قبل أربعة أشواط.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فأمر بإتمامهما، ولم يفرق بين الفاسد والصحيح. ويجب عليه القضاء؛ لما روي عن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس: أنهم قالوا: (يمضي في فاسده، ويقضي من قابل) وهل يجب القضاء على الفور، أو يجوز على التراخي؟ فيه وجهان: أحدهما: يجوز على التراخي؛ لأن الأداء على التراخي، فكذلك القضاء. والثاني - وهو المذهب -: أنه يجب على الفور؛ لما روي عن عمر وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أنهما قالا: (يقضي من قابل) ولا مخالف لهما في الصحابة. ولأن هذا القضاء وجب بدلا عن حجة وجب المضي فيها على الفور. فإذا قلنا: يجب على الفور، فلم يحج على الفور.. أثم بالتأخير، ولا يسقط القضاء عن ذمته.
فإن قلنا: إن القضاء يجب على الفور.. فإنه يجب عليه هاهنا أن يحرم بالحج عن القضاء؛ لأنه أقرب من العام القابل.
وقال أبو حنيفة: (يقضي الحج من الميقات، ويقضي العمرة من أدنى الحل بكل حال). دليلنا: أن كل ما لزم الإنسان المضي فيه بالدخول في الإحرام إذا أفسده.. لزمه قضاؤه، كحجة التطوع. فإن سلك طريقا آخر.. لزمه أن يحرم إذا حاذى الموضع الذي لزمه الإحرام منه، كما قلنا فيمن سلك طريقا لا ميقات فيه.
فمن أصحابنا من احتج بظاهر هذه اللفظة، وقال: يجب على الزوج نفقة زوجته في القضاء، وهو الصحيح؛ لأن هذا مال تعلق بالوطء، فكان على الزوج كالمهر. ومنهم من قال: تجب نفقتها في مالها، كنفقة الأداء. قال القاضي أبو الطيب: وينبغي أن يكون في ثمن الماء الذي تغتسل به المرأة هذان الوجهان. فإذا بلغا إلى الموضع الذي جامعها فيه.. فرق بينهما، وهل هو مستحب أو واجب؟ فيه وجهان: أحدهما: أنه مستحب، وبه قال أبو حنيفة، كما لا يجب التفريق بينهما في غيره من المواضع، ولا في الموضع الذي جامعها فيه في نهار رمضان في نهار القضاء. والثاني: يجب، وبه قال مالك؛ لما روي عن عثمان، وابن عباس: أنهما قالا: (إذا بلغا إلى ذلك الموضع.. فرق بينهما). ولأنه إذا لم يفرق بينهما.. ربما تذكرا ما جرى بينهما، فدعاهما ذلك إلى مثله. فإذا قلنا بهذا: فلم يفعلا.. أثما بذلك لا غير.
أحدهما: لا يجب؛ لأن نسكه لم يصح قرانه.. فلم يجب عليه دم القران. والثاني: يجب عليه دم، وهو قول الشيخ أبي حامد والبغداديين من أصحابنا؛ لأنه قد وجب عليه بالإحرام، فلا يسقط بالوطء. وعليه أن يقضي قارنا، فإن قضى مفردا.. صح؛ لأنه أفضل من القران، ولا يسقط عنه دم القران الواجب بالقضاء؛ لأنه لما أفسد القران.. لزمه أن يقضي بالقران، ومن حكم القران: أنه يجب فيه الدم، فإذا قضى مفردا.. صح، ولم يسقط عنه الدم الذي كان يلزمه في القضاء، هذا مذهبنا. وقال أبو حنيفة: (إذا وطئ، القارن قبل الطواف والسعي للعمرة.. فسد إحرامه وعليه قضاء الحج والعمرة، وشاة لفساد الحج، وشاة لفساد العمرة، وشاة لفساد القران. وإن وطئ بعد ما طاف أربعة أشواط للعمرة.. لم تفسد عمرته ولزمه شاة، وفسد حجه وعليه شاة، وشاة للقران. وإن وطئ بعد أن طاف وسعى.. فعليه بدنة وشاة). وبنى ذلك على أصله: أن القارن كالمفرد في الطواف والسعي، وعلى: أن المفسد للنسك يلزمه شاة، وإذا لم يفسد.. فعليه بدنة بالوطء وقد مضى الكلام معه.
المنصوص: (أنها تجب على الترتيب) فيجب عليه بدنة، فإن لم يجد البدنة.. أجزأته بقرة، فإن لم يجد البقرة.. أجزأه سبع من الغنم، فإن لم يجد الغنم.. قومت البدنة بمكة بدراهم واشترى بالدراهم طعاما وتصدق به، فإن لم يمكنه ذلك.. صام عن كل مد يوما. وبهذا قال ابن عباس. وخرج أبو إسحاق قولا آخر: أنه مخير بين البدنة والبقرة والسبع من الغنم. فإن لم يجد واحدا من هذه الثلاثة.. قوم أي الثلاثة شاء بدراهم، واشترى بالدراهم طعاما وتصدق به، فإن لم يجد.. صام عن كل مد يوما. وبه قال ابن عمر، ولأن هذه بدنة وجبت لهتك حرمة الإحرام، فوجب أن يكون على التخيير، كالبدنة الواجبة بقتل النعامة. ووجه المنصوص: أنها كفارة وجبت لإفساد عبادة، فكانت على الترتيب، ككفارة إفساد الصوم، ولأن البقرة دون البدنة، فلا تقوم مقامها. إذا ثبت هذا: فإن الكلام فيمن يجب عليه الكفارة كالكلام في الكفارة في إفساد الصوم على قولين: أحدهما: يجب على كل واحد منهما بدنة. والثاني - وهو الصحيح -: أنه يجب على الزوج بدنة. وهل يجب عليه دونها، أو عنه وعنها؟ فيه وجهان، وقد مضى دليل ذلك في الصوم. |