الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ شَيْءٌ. فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ: فَأَخَذَ بِعُمُومِ الْأَلْفَاظِ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي النَّقْدَيْنِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حُلِيٍّ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا عُلَمَاؤُنَا فَقَالُوا: إنْ قَصَدَ التَّمَلُّكَ لِمَا أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الْعُرُوضِ، وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِإِيجَابِ الزَّكَاةِ، كَذَلِكَ قَصْدُ قَطْعِ النَّمَاءِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِاِتِّخَاذِهِمَا حُلِيًّا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ، فَإِنَّ مَا أَوْجَبَ مَا لَمْ يَجِبْ يَصْلُحُ لِإِسْقَاطِ مَا وَجَبَ، وَتَخْصِيصِ مَا عَمَّ وَشَمَلَ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ كَنْزٌ، وَعَزَوْهُ إلَى عَلِيٍّ. وَلَيْسَ بِشَيْءٍ يُذْكَرُ، لِبُطْلَانِهِ. أَمَا إنَّهُ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ الْأَكْثَرِينَ هُمْ الْأَقَلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا، وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُفَرِّقُهَا». قَالَ أَبُو ذَرٍّ: الْأَكْثَرُونَ أَصْحَابُ عَشَرَةِ آلَافٍ، يُرِيدُ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ مَالًا هُمْ الْأَقَلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوَابًا، إلَّا مَنْ فَرَّقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَهَذَا بَيَانٌ لِنُقْصَانِ الْمَرْتَبَةِ بِقِلَّةِ الصَّدَقَةِ، لَا لِوُجُوبِ التَّفْرِقَةِ بِجَمِيعِ الْمَالِ، مَا عَدَا الصَّدَقَةَ الْوَاجِبَةَ، يُبَيِّنُهُ مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أُنْزِلَتْ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. لَوْ عَلِمْنَا أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ فَنَتَّخِذَهُ؟ فَقَالَ: أَفْضَلُهُ لِسَانٌ ذَاكِرٌ، وَقَلْبٌ شَاكِرٌ، وَزَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُعِينُهُ عَلَى إيمَانِهِ. فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا جَوَابًا لِمَنْ عَلِمَ رَغْبَتَهُ فِي الْمَالِ فَرَدَّهُ إلَى مَنْفَعَةِ الْمَالِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَرَاغِ، وَعَدَمِ الِاشْتِغَالِ. وَقَدْ بَيَّنَ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ: أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ فِي حَالَةٍ أَمْ أُخْرَى لِقَوْمٍ آخَرِينَ؟ فَقَالَ: «خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتَّبِعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ، وَمَوَاقِعَ الْقُطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ».
وَعَنْهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ: {وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ} جَمَاعَةٌ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ كَنْزٌ، فَمُرَجِّعُ قَوْلِهِ: هَا إلَى جَمَاعَةِ الْكُنُوزِ. الثَّانِي: أَنَّ ذِكْرَ أَحَدِ الضَّمِيرَيْنِ يَكْفِي عَنْ الثَّانِي، كَمَا قال تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْهَا}. وَهُمَا شَيْئَانِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: إنَّ شَرْخَ الشَّبَابِ وَالشَّعْرِ الْأَسْ وَدِ مَا لَمْ يُعَاصَ كَانَ جُنُونَا وَطَرِيقُ الْكَلَامِ الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ مَا لَمْ يُعَاصَيَا، وَلَكِنَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ.
وَهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ وَخُصُوصَهُ لَا يُؤْثِرُ فِي آخَرَ الْكَلَامِ وَعُمُومِهِ، لاسيما إذَا كَانَ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ. الثَّانِي: أَنَّ هَذَا إنَّمَا كَانَ يَظْهَرُ لَوْ قَالَ: وَيَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ. أَمَا وَقَدْ قَالَ: وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَقَدْ اسْتَأْنَفَ مَعْنًى آخَرَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ عَطْفُ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ، لَا وَصْفًا لِجُمْلَةٍ عَلَى وَصْفٍ لَهَا. وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ قَالَ: جَلَسْت إلَى مَلَأٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ أَخْشَنُ الشَّعْرِ وَالثِّيَابِ وَالْهَيْئَةِ، حَتَّى قَامَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: «بَشِّرْ الْكَانِزِينَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، يُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ يَتَزَلْزَلُ». ثُمَّ وَلَّى فَجَلَسَ إلَى سَارِيَةٍ، وَجَلَسْت إلَيْهِ، وَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ، فَقُلْت لَهُ: لَا أَرَى الْقَوْمَ إلَّا قَدْ كَرِهُوا مَا قُلْت لَهُمْ. قَالَ: إنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا قَالَ لِي خَلِيلِي. قُلْت: مَنْ خَلِيلُك؟ قَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا ذَرٍّ؛ أَتُبْصِرُ أَحَدًا؟ فَنَظَرْت إلَى الشَّمْسِ مَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ، وَأَنَا أَرَى رَسُولَ اللَّهِ يُرْسِلُنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ. قُلْت: نَعَمْ. قَالَ لِي: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ، إلَّا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ، وَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْقِلُونَ، إنَّمَا يَجْمَعُونَ لِلدُّنْيَا، وَاَللَّهِ لَا أَسْأَلُهُمْ دُنْيَا، وَلَا أَسْتَفْتِيهِمْ عَنْ دِينٍ، حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ. قَالَ الْقَاضِي: الْحَلَمَةُ: طَرَفُ الثَّدْيِ، وَالنُّغْضُ، بَارِزُ عَظْمِ الْكَتِفِ الْمُحَدَّدِ. وَرِوَايَةُ أَبِي ذَرٍّ لِهَذَا الْحَدِيثِ صَحِيحَةٌ، وَتَأْوِيلُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ أَبَا ذَرٍّ حَمَلَهُ عَلَى كُلِّ جَامِعٍ لِلْمَالِ مُحْتَجِزٍ لَهُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ مَنْ احْتَجَنَهُ وَاكْتَنَزَهُ عَنْ الزَّكَاةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ، يُطَوِّفُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي بِشَدْقَيْهِ يَقُولُ: أَنَا مَالُك، أَنَا كَنْزُك. ثُمَّ قَرَأَ: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ}. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. قَالَ الْقَاضِي: قَوْلُهُ: مَا لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ، يُرِيدُ أَوْ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِهِ، كَفَّكِ الْأَسِيرِ، وَحَقِّ الْجَائِعِ، وَالْعَطْشَانِ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْحُقُوقَ الْعَارِضَةَ كَالْحُقُوقِ الْأَصْلِيَّةِ. وَقَوْلُهُ: مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ شُجَاعًا يَعْنِي حَيَّةً. وَهَذَا تَمْثِيلُ حَقِيقَةٍ؛ لِأَنَّ الشُّجَاعَ جِسْمٌ وَالْمَالَ جِسْمٌ، فَتَغَيُّرُ الصِّفَاتِ وَالْجِسْمِيَّةِ وَاحِدَةٌ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: يُؤْتَى بِالْمَوْتِ فَإِنَّ تِلْكَ طَرِيقَةٌ أُخْرَى. وَإِنَّمَا خَصَّ الشُّجَاعَ؛ لِأَنَّهُ الْعَدُوُّ الثَّانِي لِلْخَلْقِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِنَّ: «مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حَارَبْنَاهُنَّ». وَقَوْلُهُ: أَقْرَعُ، يَعْنِي الَّذِي ابْيَضَّ رَأْسُهُ مِنْ السُّمِّ. وَالزَّبِيبَتَانِ: زُبْدَتَانِ فِي شِدْقَيْ الْإِنْسَانِ إذَا غَضِبَ وَأَكْثَرَ مِنْ الْكَلَامِ، قَالَتْ أُمُّ غَيْلَانَ بِنْتُ جَرِيرٍ: رُبَّمَا أَنْشَدْت أَبِي حَتَّى تَزَبَّبَ شَدْقَايَ. ضَرَبَ مَثَلًا لِلشُّجَاعِ الَّذِي يَتَمَثَّلُ كَهَيْئَةِ الْمَالِ، فَيَلْقَى صَاحِبَهُ غَضْبَانَ. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: هُمَا نُقْطَتَانِ سَوْدَاوَانِ فَوْقَ عَيْنَيْهِ. وَقِيلَ: هُوَ الشُّجَاعُ الَّذِي كَثُرَ سُمُّهُ حَتَّى ظَهَرَ عَلَى شَدْقَيْهِ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزَّبِيبَتَيْنِ. وَكَتَبَ أَهْلِ الْحَدِيثِ شُجَاعٌ بِغَيْرِ أَلِفٍ بَعْدَ الْعَيْنِ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ كَتَبُوهُ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَقَرَءُوهُ مَنْصُوبًا لِئَلَّا يُشْكِلَ بِالْمَمْدُودِ، وَكَذَلِكَ نُظَرَاؤُهُ. وَاللِّهْزِمَةُ: الشَّدْقَانِ. وَفِي رِوَايَةٍ: يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ. وَقِيلَ: هُمَا فِي أَصْلِ الْحَنَكِ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «إنَّهُ يَمْثُلُ لَهُ مَالُهُ شُجَاعًا يَتَّبِعُهُ فَيَضْطَرُّهُ فَيُعْطِيهِ يَدَهُ فَيَقْضِمَهَا كَمَا يَقْضِمُ الْفَحْلُ». فَأَمَّا حَبْسُهُ لِيَدِهِ فَلِأَنَّهُ شَحَّ بِالْمَالِ وَقَبَضَ بِهَا عَلَيْهِ، وَأَمَّا أَخْذُهُ بِفَمِهِ فَلِأَنَّهُ أَكَلَهُ، وَأَمَّا خُرُوجُهُ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ إلَى نُغْضِ كَتِفِهِ فَلِتَعْذِيبِ قَلْبِهِ وَبَاطِنِهِ حِينَ امْتَلَأَ بِالْفَرَحِ بِالْكَثْرَةِ فِي الْمَالِ وَالسُّرُورِ فِي الدُّنْيَا؛ فَعُوقِبَ فِي الْآخِرَةِ بِالْهَمِّ وَالْعَذَابِ.
فَإِنْ قِيلَ وَهِيَ:
قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ قَدْ كَانَتْ شُرِعَتْ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَغْنِيَاءً، وَبَعْضُهُمْ فُقَرَاءً، وَقَدْ كَانَ الْفَقِيرُ مِنْهُمْ يَرْبِطُ بَطْنَهُ بِالْحِجَارَةِ مِنْ الْجُوعِ، وَبُيُوتُ الصَّحَابَةِ الْأَغْنِيَاءِ مَمْلُوءَةٌ مِنْ الرِّزْقِ، يَشْبَعُ أُولَئِكَ، وَيَجُوعُ هَؤُلَاءِ، فَيَنْدُبَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الصَّدَقَةِ، وَيُرَغِّبَهُمْ فِي الْمُوَاسَاةِ، وَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِمْ الْخُرُوجَ عَنْ جَمِيعِ أَمْوَالِهِمْ. اهـ.
قال السدي: الأحبار اليهود، والرهبان النصارى؛ وقال ابن عباس: الأحبار العلماء، والرهبان أصحاب الصوامع. {لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الناس بالباطل}، يعني: بالظلم بغير الحق، {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله}؛ يعني: يصرفون الناس عن دين الله. ثم بيّن الله تعالى حالهم للمؤمنين، لكي يحذروا منهم ولا يطيعوهم. قوله تعالى: {والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله}، أي يجمعونها ويمنعون زكاتها؛ قال بعضهم: هذا نعت للأحبار والرهبان، وقال بعضهم: هذا ابتداء في كل من جمع المال ومنع منه حق الله تعالى، وقال ابن عباس: الكنز الذي لا يؤدى عنه زكاته. وروى نافع، عن ابن عمر أنه قال: أي مال كان على وجه الأرض لا تؤدى زكاته، فهو كنز يعذب صاحبه يوم القيامة؛ وما كان في بطن الأرض يؤدى زكاته، فليس بكنز. وروي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: أربعة آلاف فما دونها نفقة، وما كان أكثر منها فهو كنز. ثم قال: {فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}، يعني: أهل هذه الصفة الذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله، يعني: لا يؤدون حقها في طاعة الله تعالى؛ وقال: ولا ينفقونها ولم يقل: ينفقونها، لأنه انصرف إلى المعنى، يعني: لا ينفقون الكنوز؛ ويقال: لا ينفقون الأموال؛ ويقال: يعني الفضة. وقال بعضهم: نزلت في شأن الكفار، وقال بعضهم: كان هذا في أول الإسلام ووجب عليهم أن يؤدوا الفضل، ثم نسخ بآية الزكاة؛ وقال بعضهم: كل مؤمن لا يؤدي الزكاة فهو من أهل هذه الآية؛ وهو قوله تعالى: {يَوْمَ يحمى عَلَيْهَا في نَارِ جَهَنَّمَ}. اهـ.
سمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا الحسن المظفر بن محمد بن غالب الهمذاني يقول: سمعت إبراهيم بن محمد بن عرفة الايجي بن نفطويه يقول: سمّي ذهبًا لأنه يذهب فلا يبقى، وسمّيت فضة لأنها تنفض أي تتفرق ولا تبقى، وحسبك الأسمان دلالة على فنائهما، والله أعلم فيها.
|