الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
بجرّ حاتم على أنه بدل من ضمير جوده فالمعنى وذكر بارتهان النفوس وحبسها بما كسبت وقوله تعالى: {لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ الله وَلِىٌّ وَلاَ شَفِيعٌ} استئنافٌ مَسوقٌ للإخبار بذلك وقيل: في محل النصب على أنه حالٌ من ضمير {كسبت} وقيل: في محل الرفع على أنه وصفٌ لـ {نفسٌ} والأظهرُ أنه حالٌ من {نفسٌ} فإنه في قوة نفسٌ كافرةٌ أو نفوسٌ كثيرة كما في قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} و{من دون الله} متعلقٌ بمحذوف هو حال من {وليٌّ} كما بُيِّن في تفسير قوله تعالى: {وَأَنذِرْ بِهِ} الآية، وقيل: هو خبرٌ لليس فيكون {لها} حينئذٍ متعلقًا بمحذوفٍ على البيان {وَإِن تَعْدِلْ} أي إن تَفْدِ تلك النفسُ {كُلَّ عَدْلٍ} أي كلَّ فِداءٍ على أنه مصدرٌ مؤكد {لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا} على إسنادِ الفعلِ إلى الجار والمجرور لا إلى ضمير العدل كما في قوله تعالى: {وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} فإنه المَفْدِيُّ به لا المصدرُ كما نحن فيه {أولئك} إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد درجتهم في سوء الحال، ومحلُه الرفعُ على الابتداء والخبرُ قوله تعالى: {الذين أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ} والجملةُ مستأنفةٌ سيقت إثرَ تحذيرِهم من الإبسال المذكور لبيان أنهم المبتَلَوْن بذلك أي أولئك المتخِذون دينَهم لعبًا ولهوًا المغترون بالحياة الدنيا هم الذين أُبسِلوا بما كسبوا، وقولُه تعالى: {لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ} استئناف آخَرُ مُبينٌ لكيفية الإبسال المذكور وعاقبتِه، مبنيٌّ على سؤال نشأ من الكلام كأنه قيل: ماذا لهم حين أُبسلوا بما كسبوا؟ فقيل: لهم شرابٌ من ماءٍ مغليَ يتجَرْجَرُ في بطونهم وتتقطَّعُ به أمعاؤهم {وَعَذَابٌ أَلِيمٌ} بنار تشتعل بأبدانهم {بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} أي بسبب كفرهم المستمر في الدنيا وقد جُوِّز أن يكون {لهم شراب} الخ، حالًا من ضمير {أبسلوا} وترتيبُ ما ذُكر من العذابَيْن على كفرهم مع أنهم معذبون بسائر معاصيهم أيضًا حسبما ينْطق به قولُه تعالى: {بِمَا كَسَبُواْ} لأنه العُمدةُ في إيجاب العذاب والأهمُ في باب التحذير، أو أريد بكفرهم ما هو أعمُّ منه ومن مستتْبِعاته من المعاصي والسيئات هذا، وقد جوِّز أن يكون أولئك إشارةً إلى النفوس المدلولِ عليها (بنفسٌ) محلُه الرفعُ بالابتداء والموصولُ الثاني صفتُه أو بدلٌ منه ولهم شراب إلخ خبرُه والجملة مَسوقةٌ لبيان تَبِعةِ الإبسال. اهـ.
{وَذَكّرْ بِهِ} أي بالقرآن.وقد جاء مصرحًا به في قوله سبحانه: {فَذَكّرْ بالقرءان مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45] والقرآن يفسر بعضه بعضًا.وقيل: الضمير لحسابهم، وقيل: للدين.وقيل: إنه ضمير يفسره قوله سبحانه: {أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} فيكون بدلًا منه واختاره أبو حيان.وعلى الأوجه الأخر هو مفعول لأجله أي لئلا تبسل أو مخافة أو كراهة أن تبسل.ومنهم من جعله مفعولًا به لذكر.ومعنى {تُبْسَلَ} تحبس كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.وأنشد له قول زهير: وفي رواية ابن أبي حاتم عنه تسلم.وروي ذلك أيضًا عن الحسن ومجاهد والسدى واختاره الجبائي والفراء، وفي رواية ابن جرير وغيره تفضح.وقال الراغب: {تُبْسَلَ} هنا بمعنى تحرَمَ الثواب.وذكر غير واحد أن الإبسال والبسل في الأصل المنع، ومنه أسد باسل لأن فريسته لا تفلت منه أو لأنه متمنع، والباسل الشجاع لامتناعه من قرنه، وجاء البسل بمعنى الحرام.وفرق الراغب بينهما بأن الحرام عام لما منع منه بحكم أو قهر والبسل الممنوع (منه) بالقهر، ويكون بسل بمعنى أجل ونعم، واسم فعل بمعنى أكفف.وتنكير {نَفْسٌ} للعموم مثله في قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} [التكوير: 14] أي لئلا تحبس وترهن كل نفس في الهلاك أو في النار أو تسلم إلى ذلك أو تفضح أو تحرم الثواب بسبب عملها السوء أو ذكر بحبس أو حبس كل نفس بذلك، وحمل النكرة على العموم مع أنها في الإثبات لاقتضاء السياق له، وقيل: إنها هنا في النفي معنى، وفيما اختاره أبو حيان من التفخيم وزيادة التقرير ما لا يخفى.وقوله تعالى: {لَيْسَ لَهَا} أي النفس {مِن دُونِ الله وَلِىٌّ وَلاَ شَفِيعٍ} إما استئناف للإخبار بذلك أو في محل رفع صفة {نَفْسٌ} أو في محل نصب على الحالية من ضمير {كَسَبَتْ} أو من {نَفْسٌ} فإنه في قوة نفس كافرة أو نفوس كثيرة واستظهر بعض الحالية.ومن {دُونِ الله} متعلق بمحذوف وقع حالا من {وَلِيُّ}، وقيل: خبرًا لليس، و{لَهَا} حينئذ متعلق بمحذوف على البيان، ومن جعلها زائدة لم يعلقها بشيء، والمراد أنه لا يحول بينها وبين الله تعالى بأن يدفع عقابه سبحانه عنها ولي ولا شفيع.{وَإِن تَعْدِلْ} أي إن تفد تلك النفس {كُلَّ عَدْلٍ} أي كل فداء.وكل نصب على المصدرية لأنه بحسب ما يضاف إليه لا مفعول به، وقيل: إنه صفة لمحذوف وهو بمعنى الكامل كقولك: هو رجل كل رجل أي كامل في الرجولية والتقدير عدلًا كل عدل.ورد بأن كلا بهذا المعنى يلزم التبعية والإضافة إلى مثل المتبوع نعتًا لا توكيدًا كما في التسهيل ولا يجوز حذف موصوفة.وقوله تعالى: {لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا} جواب الشرط، والفعل مسند إلى الجار والمجرور كسير من البلد لا إلى ضمير العدل لأن العدل كما علمت مصدر وليس بمأخوذ بخلافه في قوله تعالى: {لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا عَدْلٍ} [البقرة: 48] فإنه فيه بمعنى المفدى به، وجوز كون الإسناد إلى ضميره مرادًا به الفدية على الاستخدام إلا أنه لا حاجة إليه مع صحة الإسناد إلى الجار والمجرور، وبذلك يستغنى أيضًا عن القول بكونه راجعًا إلى المعدول به المأخوذ من السياق.وقيل: معنى الآية وإن تقسط تلك النفس كل قسط في ذلك اليوم لا يقبل منها لأن التوبة هناك غير مقبولة وإنما تقبل في الدنيا.{أولئك} أي المتخذون دينهم لعبًا ولهوًا المغترون بالحياة الدنيا {الذين أُبْسِلُواْ} أي حرموا الثواب وسلموا للعذاب أو بأحد المعاني الباقية للإبسال {بِمَا كَسَبُواْ} أي بسبب أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائغة.واسم الإشارة مبتدأ، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد درجة المشار إليهم في سوء الحال، وخبره الموصول بعده، والجملة استئناف سيق إثر تحذير أولئك من الإبسال المذكور لبيان أنهم المبتلون بذلك.وقوله سبحانه: {لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ} استئناف آخر مبين لكيفية الإبسال المذكور مبنى على سؤال نشأ من الكلام كأنه قيل: ماذا لهم حين أبسلوا؟ فقيل: لهم شراب من حميم أي ماء حار يتجرجر ويتردد في بطونهم ويتقطع به أمعاؤهم {وَعَذَابٌ أَلِيمٌ} بنار تشتعل بأبدانهم كما هو المتبادر من العذاب {بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} أي بسبب كفرهم المستمر في الدنيا، ويطلق الحميم على الماء البارد فهو ضد كما في القاموس.وجوز أبو البقاء أن تكون جملة {لَهُمْ شَرَابٌ} حالًا من ضمير {أُبْسِلُواْ} وان تكون خيرًا لاسم الإشارة ويكون {الذين} نعتًا له أو بدلًا منه.وأن تكون خبرًا ثانيًا.واختار كما يشير إليه كلامه أن تكون الإشارة إلى النفوس المدلول عليها بنفس وجعلت الجملة لبيان تبعة الإبسال.واختار كثير من المحققين ما أشرنا إليه.وترتيب ما ذكر من العذابين على كفرهم مع أنهم معذبون بسائر معاصيهم أيضًا حسبما ينطق به قوله سبحانه: {بِمَا كَسَبُواْ} لأنه العمدة في أيجاب العذاب والأهم في باب التحذير أو أريد كما قيل بكفرهم ما هو أعم منه ومن مستتبعاته من المعاصي. اهـ.
أي فهلك، والدرداء: كتيبة كانت لهم معروفة بهذا الاسم، فالمعنى: وذكر به خشية أو مخافة أو كراهة أن تهلك نفس بما كسبت، أي ترتهن وتسلم للهلكة، وأصل الإبسال: المنع، ومنه شجاع باسل، أي ممتنع من قرنه.قوله: {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا} العدل هنا: الفدية.والمعنى: وإن بذلت تلك النفس التي سلمت للهلاك كل فدية لا يؤخذ منها ذلك العدل حتى تنجو به من الهلاك، وفاعل {يُؤْخَذْ} ضمير يرجع إلى العدل، لأنه بمعنى المفدى به كما في قوله: {وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} [البقرة: 48].وقيل: فاعله {منها}، لأن العدل هنا مصدر لا يسند إليه الفعل.وكل عدل منصوب على المصدر، أي عدلًا كل عدل، والإشارة بقوله: {أولئك} إلى المتخذين دينهم لعبًا ولهوًا، وحبره {الذين أبسلوا بما كسبوا} أي هؤلاء الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا هم الذين سلموا للهلاك بما كسبوا، و{لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ} جواب سؤال مقدّر كأنه قيل: كيف حال هؤلاء؟ فقيل: لهم شراب من حميم، وهو الماء الحارّ، ومثله قوله تعالى: {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءوسِهِمُ الحميم} [الحح: 19] وهو هنا: شراب يشربونه فيقطع أمعاءهم. اهـ.
|