الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{لَّوْلاَ} هلا. {إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المؤمنون والمؤمنات بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا} بالذين منهم من المؤمنين والمؤمنات كقوله تعالى: {وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ} وإنما عدل فيه من الخطاب إلى الغيبة مبالغة في التوبيخ وإشعارًا بأن الإِيمان يقتضي ظن الخير بالمؤمنين والكف عن الطعن فيهم وذب الطاعنين عنهم كما يذبونهم عن أنفسهم. وإنما جاز الفصل بين {لَوْلاَ} وفعله بالظرف لأنه منزل منزلته من حيث إنه لا ينفك عنه وذلك يتسع فيه ما لا يتسع في غيره، وذلك لأن ذكر الظرف أهم فإن التحضيض على أن لا يخلوا بأوله. {وَقَالُواْ هذا إِفْكٌ مُّبِينٌ} كما يقول المستيقن المطلع على الحال.{لَّوْلاَ جَاءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَاء فأولئك عِندَ الله هُمُ الكاذبون} من جملة المقول تقريرًا لكونه كذبًا فإن ما لا حجة عليه كذب عند الله أي في حكمه، ولذلك رتب الحد عليه.{وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدنيا والأخرة} لولا هذه لامتناع الشيء لوجود غيره، والمعنى لولا فضل الله عليكم في الدنيا بأنواع النعم التي من جملتها الإِمهال للتوبة {وَرَحْمَتُهُ} في الآخرة بالعفو والمغفرة المقدران لكم. {لَمَسَّكُمْ} عاجلًا. {فِيمَا أَفَضْتُمْ} خضتم. {فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} يستحقر دونه اللوم والجلد.{إِذْ} ظرف {لَمَسَّكُمْ} أو {أَفَضْتُمْ}. {تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} يأخذه بعضكم من بعض بالسؤال عنه يقال تلقى القول كتلقفه وتلقنه، قرئ {تتلقونه} على الأصل و{تَلَقَّوْنَهُ} من لقيه إذا لقفه و{تَلَقَّوْنَهُ} بكسر حرف المضارعة و{تَلَقَّوْنَهُ} من إلقائه بعضهم على بعض، و{تَلَقَّوْنَهُ} وتألقونه من الألق والألق وهو الكذب، وتثقفونه من ثقفته إذا طلبته فوجدته وتقفونه أي تتبعونه. {وَتَقُولُونَ بأفواهكم} أي وتقولون كلامًا مختصًا بالأفواه بلا مساعدة من القلوب. {مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} لأنه ليس تعبيرًا عن علم به في قلوبكم كقوله تعالى: {يَقُولُونَ بأفواههم مَّا لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ} {وَتَحْسَبُونَهُ هَيّنًا} سهلًا لا تبعة له. {وَهُوَ عِندَ الله عَظِيمٌ} في الوزر واستجرار العذاب، فهذه ثلاثة آثام مترتبة علق بها مس العذاب العظيم، تلقي الإِفك بألسنتهم والتحدث به من غير تحقق واستصغارهم لذلك وهو عند الله عظيم.{وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَا} ما ينبغي وما يصح لنا. {أَن نَّتَكَلَّمَ بهذا} يجوز أن تكون الإِشارة إلى القول المخصوص وأن تكون إلى نوعه، فإن قذف آحاد الناس محرم شرعًا فضلًا عن تعرض الصديقة ابنة الصديق حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. {سبحانك} تعجب من ذلك الإِفك أو ممن يقول ذلك، وأصله أن يذكر عند كل متعجب تنزيهًا لله تعالى من أن يصعب عليه مثله ثم كثر فاستعمل لكل متعجب، أو تنزيه لله تعالى من أن تكون حرمة نبيه فاجرة فإن فجورها ينفر عنه ويخل بمقصود الزواج بخلاف كفرها فيكون تقريرًا لما قبله وتمهيدًا لقوله: {هذا بهتان عَظِيمٌ} لعظمة المبهوت عليه فإن حقارة الذنوب وعظمها باعتبار متعلقاتها.{يَعِظُكُمُ الله أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ} كراهة أن تعودوا أو في أن تعودوا. {أَبَدًا} ما دمتم أحياء مكلفين. {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} فإِن الإِيمان يمنع عنه وفيه تهييج وتقريع.{وَيُبَيّنُ لَكُمُ الأيات} الدالة على الشرائع ومحاسن الآداب كي تتعظوا وتتأدبوا. {والله عَلِيمٌ} بالأحوال كلها. {حَكِيمٌ} في تدابره ولا يجوز الكشخنة على نبيه ولا يقرره عليها.{إِنَّ الذين يُحِبُّونَ} يريدون. {أَن تَشِيعَ} أن تنتشر. {الفاحشة فِي الذين ءَامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ في الدنيا والأخرة} بالحد والسعير إلى غير ذلك. {والله يَعْلَمُ} ما في الضمائر. {وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} فعاقبوا في الدنيا على ما دل عليه الظاهر والله سبحانه يعاقب على ما في القلوب من حب الإِشاعة.{وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} تكرير للمنة بترك المعاجلة بالعقاب للدلالة على عظم الجريمة ولذا عطف قوله: {وَأَنَّ الله رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} على حصول فضله ورحمته عليهم وحذف الجواب وهو مستغنى عنه بذكره مرة. اهـ.
|