الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال القرطبي: فلما حوّله الله تعالى إلى المدينة أمره بالقتال فكفّوا، فنزلت الآية، أخرجه النسائي في سننه، وقاله الكَلْبي. وقال مجاهد: هم يهود. قال الحسن: هي في المؤمنين؛ لقوله: {يَخْشَوْنَ الناس} أي مشركي مكة {كَخَشْيَةِ الله} فهي على ما طبع عليه البشر من المخافة لا على المخالفة. قال السُّدِّي: هم قوم أسلموا قبل فرض القتال فلما فُرض كرِهوه. وقيل: هو وصف للمنافقين؛ والمعنى يخشون القتل من المشركين كما يخشون الموت من الله. {أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} أي عندهم وفي اعتقادهم. قلت: وهذا أشبه بسياق الآية، لقوله: {وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القتال لولا أَخَّرْتَنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ} أي هَلاّ، ولا يَلِيها إلا الفعل. ومعاذ الله أن يصدر هذا القول من صحابيّ كريم يعلم أن الآجال محدودة والأرزاق مقسومة، بل كانوا لأوامر الله ممتثلين سامعين طائعين، يرون الوصول إلى الدار الآجلة خيرًا من المقام في الدار العاجلة، على ما هو معروف من سيرتهم رضي الله عنهم. اللَّهُم إلا أن يكون قائله ممن لم يرسخ في الإيمان قدمه، ولا انشرح بالإسلام جَنانه، فإن أهل الإيمان متفاضلون فمنهم الكامل ومنهم الناقص، وهو الذي تنفر نفسه عما يؤمر به فيما تلحقه فيه المشقة وتدركه فيه الشدّة. والله أعلم. اهـ. .قال الفخر: .قال الألوسي: .قال الفخر: وفيه وجوه من التأويل: الأول: المراد منه الابهام على المخاطب، بمعنى أنهم على إحدى الصفتين من المساواة والشدة، وذلك لأن كل خوفين فأحدهما بالنسبة إلى الآخر إما أن يكون أنقص أو مساويا أو أزيد فبين تعالى بهذه الآية أن خوفهم من الناس ليس أنقص من خوفهم من الله، بل بقي إما أن يكون مساويا أو أزيد، فهذا لا يوجب كونه تعالى شاكا فيه، بل يوجب إبقاء الابهام في هذين القسمين على المخاطب. الثاني: أن يكون أو بمعنى الواو، والتقدير: يخشونهم كخشية الله وأشد خشية، وليس بين هذين القسمين منافاة، لأن من هو أشد خشية فمعه من الخشية مثل خشيته من الله وزيادة. الثالث: أن هذا نظير قوله: {وأرسلناه إلى مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] يعني أن من يبصرهم يقول هذا الكلام، فكذا ههنا. والله أعلم. اهـ. قال الفخر: اعلم أن هؤلاء القائلين إن كانوا مؤمنين فهم إنما قالوا ذلك لا اعتراضا على الله، لكن جزعا من الموت وحبا للحياة، وإن كانوا منافقين فمعلوم أنهم كانوا منكرين لكون الرب تعالى كاتبا للقتال عليهم، فقالوا ذلك على معنى أنه تعالى كتب القتال عليهم في زعم الرسول عليه الصلاة والسلام وفي دعواه، ثم قالوا: {لَوْلا أَخَّرْتَنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ} وهذا كالعلة لكراهتهم لإيجاب القتال عليهم، أي هلا تركتنا حتى نموت بآجالنا. اهـ. .قال الألوسي: {لَوْلا أَخَّرْتَنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ} وهو الأجل المقدر؛ ووصف بالقريب للاستعطاف أي أنه قليل لا يمنع من مثله، والجملة كالبيان لما قبلها ولذا لم تعطف عليه، وقيل: إنما لم تعطف عليه للإيذان بأنهما مقولان مستقلان لهم، فتارة قالوا الجملة الأولى، وتارة الجملة الثانية، ولو عطفت لتبادر أنهم قالوا مجموع الكلامين بعطف الثانية على الأولى. اهـ. .قال ابن عاشور: (والأجلُ القريب) مدّة متأخّرة ريثما يتمّ استعدادهم، مثل قوله: {فيقول ربّ لولا أخّرتني إلى أجل قريب فأصدّق} [المنافقون: 10]. وقيل: المراد من (الأجل) العمر،. بمعنى لولا أخرّتنا إلى أن تنقضي آجالنا دون قتال، فيصير تمنّيا لانتفاء فرض القتال، وهذا بعيد لعدم ملائمته لسياق الكلام، إذ ليس الموت في القتال غير الموت بالأجل، ولعدم ملاءمته لوصفه بقريب، لأنّ أجل المرء لا يعرف أقريب هو أم بعيد إلاّ إذا أريد تقليل الحياة كلّها. وعلى كلا الوجهين فالقتال المشار إليه هنا هو أوّل قتال أمروا به، والآية ذكّرتهم بذلك في وقت نزولها حين التهيُّؤ للأمر بفتح مكة. وقال السديّ: أريد بالفريق بعض من قبائل العرب دخلوا في الإسلام حديثًا قبل أن يكون القتال من فرائضه وكانوا يتمنّون أن يقاتلوا فلّما كتب عليهم القتال جبُنوا لضعف إيمانهم، ويكون القتال الذين خافوه هو غزو مكة، وذلك أنّهم خشوا بأس المشركين. وقولهم: {ربّنا لم كتبت علينا القتال} يحتمل أن يكون قولًا في نفوسهم، ويحتمل أنّه مع ذلك قول بأفواههم، ويبدو هو المتعيّن إذا كان المراد بالفريق فريق المنافقين؛ فهم يقولون: ربّنا لم كتبت علينا القتال بألسنتهم علنًا ليوقعوا الوهن في قلوب المستعدّينَ له وهم لا يعتقدون أنّ الله كتب عليهم القتال. اهـ. .قال الألوسي: {والآخرة} أي ثوابها المنوط بالأعمال التي من جملتها القتال {خَيْرٌ} لكم من ذلك المتاع القليل لكثرته وعدم انقطاعه وصفائه عن الكدورات، وفي اختلاف الأسلوب ما لا يخفى، وإنما قال سبحانه: {لِمَنِ اتقى} حثًا لهم وترغيبًا على الاتقاء والإخلال بموجب التكليف. وقيل: المراد أن نفس الآخرة خير ولكن للمتقين، لأن للكافر والعاصي هنالك نيرانًا وأهوالًا، ولذا قيل: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، ولا يخفى أن الأول أنسب بالسياق. اهـ. .قال ابن عاشور: .قال القرطبي: وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلي ومثَلُ الدنيا كراكبٍ قال قَيْلُولة تحت شجرة ثم راح وتركها». اهـ. .قال الثعالبي: وهذا إخبارٌ منه سبحانه يتضمَّن تحقيرَ الدُّنْيا، قلْتُ: ولِمَا عَلِمَ اللَّهُ في الدنيا مِنَ الآفات، حمى منها أولياءه، ففِي الترمذيِّ عن قتادة بن النُّعْمَان، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أنَّهُ قَالَ: «إذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا، حَمَاهُ الدُّنْيَا؛ كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي سَقِيمَهُ المَاءَ»، قال أبو عيسى: وفي البابِ عَنْ صُهَيبٍ، وأُمِّ المُنْذِرِ، وهذا حديثٌ حسنٌ، وفي الترمذيِّ عن ابن مسعودٍ قال: «نَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على حَصِيرٍ، فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اتخذنا لَكَ فِرَاشًا؟! فَقَالَ: مَالِي ومَا لِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إلاَّ كَرَاكِبٍ استظل تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا»، وفي الباب عن ابنِ عُمَر، وابن عبَّاس، قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. انتهى. اهـ. .قال الفخر: الأول: أن نعم الدنيا قليلة، ونعم الآخرة كثيرة. والثاني: أن نعم الدنيا منقطعة ونعم الآخرة مؤبدة. والثالث: أن نعم الدنيا مشوبة بالهموم والغموم والمكاره، ونعم الآخرة صافية عن الكدرات. والرابع: أن نعم الدنيا مشكوكة فإن أعظم الناس تنعما لا يعرف أنه كيف يكون عاقبته في اليوم الثاني، ونعم الآخرة يقينية، وكل هذه الوجوه تجب رجحان الآخرة على الدنيا، إلا أن هذه الخيرية إنما تحصل للمؤمنين المتقين، فلهذا المعنى ذكر تعالى هذا الشرط وهو قوله: {لِمَنِ اتقى} وهذا هو المراد من قوله عليه الصلاة والسلام: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر». اهـ. قال الفخر: قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: {يَظْلِمُونَ} بالياء على أنه راجع إلى المذكورين في قوله: {ألم تَرَ إِلَى الذين قِيلَ} والباقون بالتاء على سبيل الخطاب، ويؤيد التاء قوله: {قُلْ متاع الدنيا قَلِيلٌ} فإن قوله: {قُلْ} يفيد الخطاب. اهـ. .قال أبو حيان: .قال الفخر: .قال الألوسي:
|