الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.مطلب مقام الأبرار والفجار، وشراب كل منهما، والجنة والنار: قال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ} 22 جمع بار وهم المتصفون بطاعة اللّه المنتهون عن مخالفته، المؤمنون بالبعث، الموفون الكيل والميزان، وهذا بمقابلة قوله تعالى: {إِنَّ الْفُجَّارَ} بما يدل على أن المراد بهم الكفار لا غير، فهؤلاء الكرام مقرهم عند اللّه في نعيم الجنة الدائم، وهذا بيان اللّه تعالى بحسن أحوالهم في الآخرة جزاء أعمالهم الطاهرة، كأنه قيل قد علمنا كتابهم فما هو حالهم، فيقال نعيم الجنان تراهم {على الْأَرائِكِ} الأسرة في الحجال {يَنْظُرُونَ} 23 إلى عظمة ربهم جل جلاله وإلى ما أعده إليهم في داره الباقية، وإلى ما شاءوا من رغائب مناظر الجنة، وهم في محلهم لا يحجب أبصارهم الحجال التي هم فيها ولا غيرها، وفي قوله تعالى ينظرون إشارة إلى أنه لا نوم في الجنة، كما وردت بذلك الأخبار، لما في النوم من زوال الشعور وغفلة الحواس، وهذا لا يناسب ذلك المقام.قال تعالى: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ} الباهية الحسنة اللامعة النضرة {نَضْرَةَ النَّعِيمِ} 24 بهجته ورونقه لما ترى من النور الساطع عليها الحاصل من سرور قلوبهم، وفيها أيضا رمز لعدم النوم لأنه يسلب نور الوجه ويغير بهجته كما هو مشاهد في الدنيا، والخطاب لكل من له حظ من الخطاب إيذانا بأن ما لهم من آثار النعمة واضحة لا يختصّ بها راء دون راء {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ} 25 لم تمسه يد البتة، والرحيق اسم نوع من أشربة الجنة أبيض اللون طيب الطعم كريم الرائحة لا غول فيها ولا إثم، وقد ختم عليها لشرفها وبفاستها بكلمة كن فكانت، كما أنها تفتح عند شربها بالإرادة، ولذلك فلا يفض ختمها لمن يشربها إلا عند إرادة الشرب، قال حسان:وهذه الخمرة غير الأنهار الجارية في الجنة، ولها أناس مخصوصون، فكما أن أهل الجنة درجات متفاوتون في السكنى والمقام والنزهة، فكذلك هم درجات في المأكل والمشرب والملبس، متفاوتون متفاضلون بنسبة تفاضلهم في الأعمال، والفرق بينهما لا يقاس بالفرق بين تفاضل أهل الدنيا، كما لا تقاس الدنيا بالآخرة، وهذا الشراب {ختامه مسك} خالص لا بضاهيه مسك الدنيا باللون والرائحة والطعم، وانك أيها الشارب له تجد طعمه فيها عند شربها من غير طوح الشدادة لأنها ليست من خشب أو شمع أو غيره مما يفعله أهل الدنيا لخمرتهم الخبيثة، بل هي بحيث عند ما تضعها بين الشفتين تصمحل في الشراب كأنها لم تكن، ولهذا بقول اللّه تعالى لأهل الدنيا {وَفِي ذلِكَ} الشراب المختص للأبرار والكرام {فَلْيَتَنافَسِ} وليرغب فيه لا في خمرة الدنيا الدنسة المزيلة للعقل، ولا في شهواتها المنافية للعزة والمهابة والكرامة، {الْمُتَنافِسُونَ} 26 الراغبون، ويتباهى به المتباهون، فعلى العاقل أن يبادر لطاعة اللّه في دنياه ليتوصل إلى هذا النعيم المقيم، لأنه مما يحرص عليه ويطمع فيه ويريده كل أحد لنفسه، وينفس به أي يعز عليه ويبخل به ويفضله على غيره، ويستأثر به، وأصل التنافس التغالب في الشيء، والنفيس مأخوذ من النفس لعزّتها، كأن كلّا من الشخصين يريد أن يختص به لنفسه، وقال البغوي: أصله من النفيس الذي تحرص عليه النفوس وتشح به على غيرها {وَمِزاجُهُ} مخلوط ذلك الشراب المسمى بالرحيق ليس ماء عاديا مثل ما يخلط أهل الدنيا شرابهم البدي ليخفف نتنه وحدته، بل يشاب {مِنْ تَسْنِيمٍ} 27 علم لماء عين بالجنة على غاية من الصفاء والحلاوة والبهاء والرقة، خلقه اللّه تعالى خاصة لمزج شراب أهل الجنة الذي هو من ذلك النوع.روي عن ابن مسعود وابن عباس وحذيفة بن اليمان أنها عين من عيون إحدى الجنان العالية.وهو مصدر مأخوذ من سنم إذا ارتفع ومنه سنام البعير. وهذه العين هي ارفع شراب أهل الجنة، ومن خواصها أنها تأتي أهلها الذين يشربون منها أو يمزجون شرابهم منها من جهة الفوق، لأنها تجري بالهواء بلا أخدود، ماؤها كريم لكونه {عَيْناً} حال من {تسنيم}، وضح يجيء الحال منه مع أنه جامد، لتأويله بمشتق، كجارية مثلا، أو لأنه وصف بقوله تعالى: {يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} 28 من اللّه تعالى الدانون عنده بتفضله عليهم لما أسلفوه من أعمال طيبة، وهذه هي المدامة التي تواصى بها أهل الذوق من أهل الحقيقة الكاملين، وقد أطنبوا في مدحها ووصفها، ولم أقف على أفضل من أقوال ابن الفارض رحمه اللّه فيها بقصيدته الرنانة التي لم يسبق بمثلها واللّه أعلم وأولها: وآخرها: وأحسن بيت فيها قوله فيها: وكل بيت فيها أحسن من الآخر وأبلغ وأفصح، وفيها من أنواع البديع ما لا يستغني عنه البديع.هذا وقدمنا في الآية 46 من الصافات ما يتعلق في هذا البحث فراجعه.قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} من عامة الخلق وخاصة الرؤساء منهم كأبي جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأشباههم في كل عصر {كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} كعمار وخباب وصهيب وبلال وسليمان وشبههم من فقراء المسلمين الصادقين المخلصين في الدنيا {يَضْحَكُونَ} 29 منهم لمّا يرونهم استهزاء بهم وسخرية {وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ} 30 أيضا بأن يشير بعضهم إلى بعض بأعينهم وجوارحهم وشفاههم إشارات وحركات تدل على استحقارهم وإهانتهم والطعن بهم، والسب والشتم والتغيير بما هم عليه من الفقر والكآبة، فنزلت هذه الآية بهم.وجاء في البحر أن عليا كرم اللّه وجهه وجماعة من المؤمنين معه مروا بجمع من كفار مكة فصاروا يضحكون منهم ويستخفون بهم فنزلت قبل أن يصل على وجماعته لحضرة الرسول ليخبروه بذلك، وعند وصولهم إليه تلاها عليهم، وهي صالحة للوجهين وعامة في كل من يفعل فعلهم إلى يوم القيامة، لأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.وهنا الآية واقعة حال من أولئك الكفرة قبل نزول هذه الآية بدليل قوله تعالى: {كانُوا} وجيء بها هنا تمهيدا لذكر بعض أحوال أولئك الأشرار مع هؤلاء الأبرار.قال تعالى: {وَإِذَا انقلبوا} في مجالسهم ورجعوا {إِلى أَهْلِهِمُ انقلبوا فكهين} 31 متلذذين فرحين مستبشرين بما فعلوه من الاستخفاف بأولئك الكرام، معجبين بما ذكروهم فيه في غيبتهم عن أهلهم ويتفكهون به لما له من الوقع في قلوبهم الخبيثة {وَإِذا رَأَوْهُمْ} رأى الكافرون المؤمنين {قالوا} بعضهم لبعض على مسمع منهم {إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ} 32 في انتسابهم إلى محمد وإيمانهم به، يريدون جنس المؤمنين لا الذين مروا بهم فقط، وجاء التأكيد بأن واللام لمزيد الاعتناء بسبهم فيقولون إنه خدعهم بقوله وتركوا هذه اللذائذ المحسوسة لما يرجيهم به من شهوات الآخرة الموهومة، فهم قوم تركوا الحقيقة أملا بالخيال، وهذا هو عين الضلال لأنهم يظنون أنهم على شيء والحال ليس هم على شيء أصلا، قاتلهم اللّه أتى يؤفكون، ألم يعلموا أنهم هم الظالمون الضالون، ولكن السيء لا يرى إلا السيء، فالمؤمن مرآة أخيه، والكافر مرآة نفسه، والدن ينضح بما فيه، فلماذا يقولون هذا، واللّه تعالى يقول {وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ} 33 لهم يراقبون أعمالهم، ولم يتوكلوا عليهم، بل أمروا بإصلاح أنفسهم وتهذيبها مما يضرها، وتطهيرها مما يدنسها، فاشتغالهم بها أولى من تتبع أحوال غيرهم وتسفيه أحلامهم وترك أنفسهم تمرح في هواها وتحارب مولاها، ألا يحملون أنفسهم على قبول الحق، وينهونها عن الضلال؟ قال تعالى: {فَالْيوم} أي يوم القيامة يوم البعث والحساب والجزاء ترى {الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} 34 بمقابلة ضحكهم عليهم بالدنيا حين كانوا يرونهم أذلاء مهانين بأعينهم بسبب تسلطهم عليهم وإيقاع الهوان بهم بعد العزة والرفاه، وإرهاقهم بأنواع العذاب بعد التنعم والترف إذ انقلب الأمر بالعكس عند ما أفضى المؤمنون إلى الآخرة، فصاروا يسخرون من الكفار كما كانوا يستهزئون بهم في الدنيا حالة عزّهم وكبريائهم، إذ غاب عنهم ما كانوا فيه، وتباعد عنهم ما كانوا يأملون، وزجوا في العذاب، ولاقوا من الأسى ما لم يكن بالحسبان، وذلك سبب ضحك المؤمنين منهم، لأن ما لا قوه في الدنيا من الوبال قد زال وانقلبوا إلى رضاء ربهم ورحمته، كما أن أولئك زال عنهم نعيم الدنيا، وغشيهم عذاب الآخرة الدائم، فاستوجبوا الضحك عليهم لما هم فيه من البلاء، والمؤمنون في السرور والهناءة، وهناك الضحك لا هنا: قال تعالى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا على وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيا علي صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} الآية 33 من تبارك، فأولئك في الجحيم وهؤلاء {على الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ} 35 هذه الجملة حال من فاعل {يضحكون} أي يضحكون منهم حالة كونهم ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من الهوان وهم متكئون على سررهم، وأرائك الجنة من الدر والياقوت، قال أبو صالح: تفتح للكافرين أبواب النار وهم فيها ويقال لهم أخرجوا فإذا انتهوا إليها أغلقت دونهم، فيفعل فيهم ذلك مرارا، والمؤمنون ينظرون إليهم ويضحكون منهم. .مطلب معني ثوب وفضل الفقر والفقراء وما يتعلق بهم: قال تعالى: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ} بعمل اللّه هذا بهم في الموقف وفي الجحيم، وهل جوزوا في الآخرة جزاء {ما كانُوا يَفْعَلُونَ} 36 بالمؤمنين في الدنيا من الأذى والاستهتار والضحك وغيره، وهذا الاستفهام استفهام تقرير، أي بل إنهم جوزوا حق جزائهم على إجرامهم في الدنيا، وحق لهم أن يفعل بهم هذا لأنهم لم يحسبوا لهذا اليوم حسابا.واعلم أن ثوّب وأثيب بمعنى واحد، قال أوس:ومثاله في الشر قول أبى عبدة: وقال المبرّد هو فعل من الثواب يثوب إلى من علم جزاء عمله خيرا أو شرا، ويعرف بالقرينة، والثواب والتثويب والإثابة سواء، وفعل ثوب يطلق على المجازات بالخير والشر، ولكن اشتهر بالخير وجاء هنا مرادا به الشر على طريق التهكم كقوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ} الآية 31 من آل عمران، وقوله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} الآية 49 من سورة الدخان، فكأنه تعالى شأنه يقول للمؤمنين هل كافيناكم على عملكم الدنيوي وأثبناكم جزاءه خيرا، وهل جازينا الكفرة على أفعالهم وعاقبناهم عليها، أم لا، فيكون هذا القول من اللّه للمؤمنين زائدا في سرورهم وحبورهم لما فيه من تعظيمهم وإكرامهم، وزائدا للكافرين في أسفهم وحزنهم لما فيه من هوانهم وشقائهم، وما حل بهم هذا إلا بسبب تكبرهم على الفقراء وإهانتهم لهم مع كفرهم وجحودهم، وما كان استخفافهم بفقراء المؤمنين إلا بسبب غناهم وكثرة اتباعهم التي هي من نعم اللّه عليهم، فبدلا من أن يشكروها ويخبتوا للذي خصّهم بها، طغوا وبغوا، قال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى} الآية 7 من سورة العلق، وقد سئل أبو حنيفة رحمه اللّه عن الغنى والفقر، فقال وهل طعى من طغى من خلق اللّه إلا بالغنى، وتلا هذه الآية.وإن المحققين يرون الغنى والفقر من قبل النفس لا من كثرة الأموال والأولاد والعشيرة، ولهذا كان الأصحاب رضوان اللّه عليهم يرون الفقر فضيلة، وقد حدث الحسن رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «يدخل فقراء أمتي الجنة قبل الأغنياء بأربعين عاما»، فقال جليس الحسن أمن الأغنياء أنا أم من الفقراء؟ فقال تغديت اليوم؟ قال نعم، قال فهل عندك ما تتعشى به؟ قال نعم، قال فإذا أنت من الأغنياء.وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيت طاريا ليالي ماله ولا لأهله عشاء، وكان عامة طعامه الشعير، وكان يعصب على بطنه الحجر من الجوع، وكان يأكل خبز الشعير غير منخول، وقد عرضت عليه مفاتيح كنوز الأرض فأبى أن يقبلها، وكان صلى الله عليه وسلم يقول «اللهم توفني فقيرا ولا تتوفني غنيا، واحشرني في زمرة المساكين».وقال جابر رضي اللّه عنه: دخل النبي صلى الله عليه وسلم علي ابنته فاطمة الزهراء رضي اللّه عنها وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من وبر الإبل، فبكى وقال: «تجرعي يا فاطمة مرارة الدنيا لنعيم الآخرة».قال تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى} الآية 3 من سورة والضحى، وقال صلى الله عليه وسلم: «الفقر موهبة من مواهب الآخرة وهبها اللّه تعالى لمن اختاره ولا يختاره إلا أولياء اللّه».وقال صلى الله عليه وسلم: «هل تنصرون إلا بفقرائكم وضعفائكم، والذي نفسي بيده ليدخلن فقراء أمتي الجنة قبل اغنيائها بخمسمائة عام والأغنياء يحاسبون على زكاتهم».وقال صلى الله عليه وسلم: «رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه به (أي ثوبين خلقين أو كساءين باليبن من غير الصوف) لو أقسم على اللّه لأبرّه».أي لو قال اللهم إني أسألك الجنة لأعطاه إياها، ولم يعطه من الدنيا شيئا، ولو أقسم على اللّه تعالى بإعطائه لأعطاه إياها، ولكنه لا يفعل.وقال صلى الله عليه وسلم: «إن أهل الجنة كل أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه به (ثم بين صفة الذين لا يؤبه بهم بقوله) الذين إذا استأذنوا على الأمير لا يؤذن لهم، وإن خطبوا النساء لم ينكحوا، وإذا قالوا لم ينصت لهم، حوائج أحدهم تلجلج في صدره، لو قسم نوره على الناس يوم القيامة لوسعهم».هؤلاء الفقراء الذين كانوا ولا يزالون أهل الدنيا يسخرون منهم، وهم خير منهم عند اللّه تعالى.وقال صلى الله عليه وسلم: «اتخذوا عند الفقراء أيادي (في الدنيا) فإن لهم دولة يوم القيامة»، أي يحتاج إليهم الأغنياء والأمراء، فإذا أكرموهم بالدنيا فإنهم يشفعون لهم في الآخرة، اللهم وفقنا لرضاك، ومتعنا بالعافية، واسبل علينا سترك، واجعلنا أهلا لعفوك، واجعل رزقنا كفافا، ولا تحوجنا إلى شرار خلقك، واغرس في قلوبنا حب الفقراء والمساكين من عبادك الصالحين، ووفقنا للتصدّق عليهم من كرمك وفضلك وجودك المسبل علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.هذا أيها الناس حال الفقراء في الآخرة الدائمة، فما هو حال الأغنياء فيها لأن حالهم في الدنيا ليس بشيء مهما كان إذا لم يكن لهم عند اللّه مقام في الآخرة، لأن هذه الدنيا مهما بلغ العبد فيها من الثراء في المال والجاه فمصيرها الزوال، فاسعوا رحمكم اللّه لما يبقى، وأكرموا الفقراء لأنهم سيسخرون من الأغنياء يوم القيامة كما كان الأغنياء يسخرون منهم في الدنيا.هذا واللّه أعلم، وأستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وصلّى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد للّه رب العالمين.وهذا آخر ما نزل في مكة المكرمة من سور القرآن الكريم ولم يبق من القسم المكي إلا آيات أثبتناها ضمن سورها المدنية كما سنأتي على ذكرها في محلها إن شاء اللّه، وسنشير إليها كما أشرنا في القسم المكي إلى الآيات المدنيات المثبتة ضمن سورها المكية، وقد ذكرنا شيئا من هجرة الرسول بعد نزول سورة المطففين واجتماع قريش على الصورة المبينة في الآية 40 من سورة العنكبوت، وقد وعدنا بإكمال قصة الهجرة بعد تفسير الآية 60 منها، وهانذا أوفي بذلك فأقول ومن اللّه التوفيق:
|