الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قوله تعالى: {لا يحسبن الذين يفرحون} يقرأ بالياء على الغيبة، وكذلك {فلا يحسبنهم} بالياء وضم الباء، وفاعل الأول الذين يفرحون، وأما مفعولاه فمحذوفان اكتفاء بمفعولى يحسبأنهم، لإن الفاعل فيهما واحد، فالفعل الثاني تكرير للأول وحسن لما طال الكلام المتصل بالأول، والفاء زائدة فليست للعطف ولا للجواب.وقال بعضهم {بمفازة} هو مفعول حسب الأول، ومفعوله الثاني محذوف دل عليه مفعول حسب الثاني، لإن التقدير: لا يحسبن الذين يفرحون أنفسهم بمفازة وهم في فلا يحسبنهم هو أنفسهم: أي فلا يحسبن أنفسهم، وأغنى بمفازة الذي هو مفعول الأول عن ذكره ثانيا لحسب الثاني، وهذا وجه ضعيف متعسف عنه مندوحة بما ذكرنا في الوجه الأول.ويقرأ بالتاء فيهما على الخطاب، وبفتح الباء منهما والخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم، والقول فيه أن الذين يفرحون هو المفعول الأول، والثانى محذوف لدلالة مفعول حسب الثاني عليه، وقيل التقدير: لا تحسبن الذين يفرحون بمفازة، وأغنى المفعول الثاني هنا عن ذكره لحسب الثاني.وحسب الثاني مكرر أو بدل لما ذكرنا في القراءة بالياء فيهما، لأن الفاعل فيهما واحد أيضا وهو النبي صلى الله عليه وسلم، ويقرأ بالياء في الأول، وبالتاء في الثاني، ثم في التاء في الفعل الثاني وجهان: أحدهما الفتح على أنه خطاب لواحد، والضم على أنه لجماعة، وعلى هذا يكون مفعولا الفعل الأول محذوفين لدلالة مفعولي الثاني عليهما، والفاء زائدة أيضا، والفعل الثاني ليس ببدل ولا مكرر، لأن فاعله غير فاعل الأول والمفازة مفعلة من الفوز، و{من العذاب} متعلق بمحذوف لأنه صفة للمفازة، لأن المفازة مكان والمكأن لا يعمل، ويجوز أن تكون المفازة مصدرا فتتعلق من به، ويكون التقدير: فلا تحسبنهم فائزين، فالمصدر في موضع اسم الفاعل.قوله تعالى: {الذين يذكرون الله} في موضع جر نعتا لأولى، أو في موضع نصب بإضمار أعنى أو رفع على إضمارهم، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف تقديره: يقولون ربنا {قياما وقعودا} حالان من ضمير الفاعل في يذكرون {وعلى جنوبهم} حال أيضا، وحرف الجر يتعلق بمحذوف هو الحال في الأصل تقديره: ومضطجعين على جنوبهم {ويتفكرون} معطوف على يذكرون، ويجوز أن يكون حالا أيضا: أي يذكرون الله متفكرين {باطلا} مفعول من أجله، والباطل هنا فاعل بمعنى المصدر مثل العاقبة والعافية، والمعنى ما خلقتهما عبثا، ويجوز أن يكون حالا تقديره ماخلقت هذا خاليا عن حكمة، ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف: أي خلقا باطلا.فإن قيل: كيف قال هذا والسابق ذكر السموات والأرض والإشارة إليها بهذه؟ ففى ذلك ثلاثة أوجه: أحدها أن الإشارة إلى الخلق المذكور في قوله: {خلق السموات}.وعلى هذا يجوز أن يكون الخلق مصدرا، وأن يكون بمعنى المخلوق، ويكون من إضافة الشيء إلى ما هو هو في المعنى.والثانى أن السموات والأرض بمعنى الجمع، فعادت الإشارة إليه.والثالث أن يكون المعنى ماخلقت هذا المذكور أو المخلوق {فقنا} دخلت الفاء لمعنى الجزاء فالتقدير إذا نزهناك أو وحدناك فقنا {من تدخل النار} في موضع نصب بتدخل، وأجاز قوم أن يكون منصوبا بفعل دل عليه جواب الشرط، وهو {فقد أخزيته} وأجاز قوم أن يكون من مبتدأ والشرط وجوابه الخبر، وعلى جميع الأوجه الكلام كله في موضع رفع خبر إن.قوله تعالى: {ينادى} صفة لمناديا أو حال من الضمير في مناديا.فإن قيل: ما الفائدة في ذكر الفعل مع دلالة الاسم الذي هو مناد عليه؟ قيل: فيه ثلاثة أوجه: أحدها هو توكيد كما تقول قم قائما، والثانى أنه وصل به ما حسن التكرير، وهو قوله: {للإيمان} والثالث أنه لو اقتصر على الاسم لجاز أن يكون سمع معروفا بالنداء يذكر ما ليس بنداء، فلما قال ينادى ثبت أنهم سمعوا نداءه في تلك الحال، ومفعول ينادى محذوف: أي ينادى الناس {أن آمنوا} أن هنا بمعنى أي، فيكون النداء قوله آمنوا، ويجوز أن تكون أن المصدرية وصلت بالأمر فيكون التقدير: على هذا ينادى للإيمان بأن آمنوا {مع الأبرار} صفة للمفعول المحذوف تقديره: أبرارا مع الأبرار، وأبرارا على هذا حال، والأبرار جمع بر وأصله برر ككتف وأكتاف، ويجوز الإمالة في الإبرار تغليبا لكسرة الراء الثانية.قوله تعالى: {على رسلك} أي على ألسنة رسلك، وعلى متعلقة بوعدتنا، ويجوز أن يكون بآتنا و{الميعاد} مصدر بمعنى الوعد.قوله تعالى: {عامل منكم} منكم صفة لعامل و{من ذكر أو أنثى} بدل من منكم، وهو بدل الشيء من الشيء وهما لعين واحدة، ويجوز أن يكون من ذكر أو أنثى صفة أخرى لعامل يقصد بها الأيضاح، ويجوز أن يكون من ذكر حالا من الضمير في منكم تقديره: استقر منكم كائنا من ذكر أو أنثى، و{بعضكم من بعض} مستأنف، ويجوز أن يكون حالا أو صفة {فالذين هاجروا} مبتدأ، و{لاكفرن} وما اتصل به الخبر وهو جواب قسم محذوف {ثوابا} مصدر، وفعله دل عليه الكلام المتقدم، لأن تكفير السيئات إثابة فكأنه قال: لأثيبنكم ثوابا، وقيل هو حال، وقيل تمييز، وكلا القولين كوفى، والثواب بمعنى الإثابة، وقد يقع بمعنى الشيء المثاب به كقولك: هذا الدرهم ثوابك، فعلى هذا يجوز أن يكون حالا من الجنات: أي مثابا بها أو حالا من ضمير المفعول في لأدخلنهم أي مثابين، ويجوز أن يكون مفعولا به لأن معنى أدخلنهم أعطينهم، فيكون على هذا بدلا من جنات، ويجوز أن يكون مستأنفا: أي يعطيهم ثوابا.قوله تعالى: {متاع قليل} أي تقلبهم متاع فالمبتدأ محذوف.قوله تعالى: {لكن الذين اتقوا} الجمهور على تخفيف النون.وقرئ بتشديدها والإعراب ظاهر {خالدين فيها} حال من الضمير في لهم، والعامل معنى الاستقرار، وارتفاع جنات بالابتداء وبالجار {نزلا} مصدر، وانتصابه بالمعنى لأن معنى لهم جنات: أي ننزلهم، وعند الكوفيين هو حال أو تمييز، ويجوز أن يكون جمع نازل كما قال الأعشى:
وقد ذكر ذلك أبو علي في التذكرة، فعلى هذا يجوز أن يكون حالا من الضمير في خالدين، ويجوز إذا جعلته مصدرا أن يكون بمعنى المفعول، فيكون حالا من الضمير المجرور في فيها أي منزولة {من عند الله} إن جعلت نزلا مصدرا كان من عند الله صفة له، وإن جعلته جمعا ففيه وجهان: أحدهما هو حال من المفعول المحذوف لأن التقدير: نزلا إياها.والثانى أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي ذلك من عند الله: أي بفضله {وما عند الله} ما بمعنى الذى، وهو مبتدأ، وفى الخبر وجهان: أحدهما هو {خير} و{للأبرار} نعت لخير.والثانى أن يكون الخبر للأبرار، والنية به التقديم: أي والذى عند الله مستقر للأبرار، وخير على هذا خبر ثان.وقال بعضهم للإبرار حال من الضمير في الظرف، وخبر خير المبتدإ، وهذا بعيد لإن فيه الفصل بين المبتدإ والخبر بحال لغيره، والفصل بين الحال وصاحب الحال بخير المبتدإ وذلك لا يجوز في الاختيار.قوله تعالى: {لمن يؤمن} من في موضع نصب اسم إن، ومن نكرة موصوفة أو موصولة، و{خاشعين} حال من الضمير في يؤمن، وجاء جمعا على معنى من.ويجوز أن يكون حالا من الهاء والميم في إليهم، فيكون العامل أنزل، و{لله} متعلق بخاشعين، وقيل هو متعلق بقوله: {لا يشترون} وهو في نية التأخير: أي لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا لأجل الله {أولئك} مبتدأ، و{لهم أجرهم} فيه أوجه: أحدها أن قوله لهم خبر أجر، وبالجملة خبر الأول، و{عند ربهم} ظرف للأجر لأن التقدير: لهم أن يؤجروا عند ربهم، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في لهم وهو ضمير الاجر.والآخر أن يكون الأجر مرتفعا بالظرف ارتفاع الفاعل بفعله، فعلى هذا يجوز أن يكون عند ظرفا للأجر وحالا منه.والوجه الثالث أن يكون أجرهم مبتدأ، وعند ربهم خبره، ويكون لهم يتعلق بما دل عليه الكلام من الاستقرار والثبوت لأنه في حكم الظرف. اهـ.
|