الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***
وهي خمس: السنة الأولى: قال سند: اتصاله بالطواف إلا اليسير، وله أن يطوف بعد الصبح ويسعى بعد الشمس، وكذلك بعد العصر قال مالك: إن طاف ليلا وأخره حتى أصبح أجزأه إن كان بوضوء، وإلا أعاد الطواف والسعي والحلاق، فإن خرج من مكة أهدى وأجزأه تأكيدا للتفريق بالحدث. السنة الثانية: الطهارة قال ابن القاسم في (الكتاب): إن سعى جنبا أجزأه، قال سند: يستحب الوضوء أو الطهارة لاتصاله بالطواف كخطبة العيد قاله مالك في (الكتاب): والأصل قوله عليه السلام في الصحيحين لعائشة - رضي الله عنها - لما حاضت: (اقضي ما يقضي الحاج غير ألا تطوفي بالبيت) فخص الطهارة بالطواف. السنة الثالثة: المشي لأنه قربة كما تقدم في الطواف، وفي (الكتاب): لا يسعى راكبا إلا من عذر، وقد سعى راكبا للعذر بالاستفتاء. سؤال: كيف يصح عنه أنه ركب في السعي وأنه رمل؟ جوابه رمل بزيادة تحريك دابته، ويجوز أن يكون ركب في حجه ومشى في عمرته أو بالعكس، والكلام في المشي ههنا كالكلام في المشي في الطواف. السنة الرابعة: قال سند: أن يتقدمه طواف واجب. السنة الخامسة: الرملان وفي (الكتاب): إن رمل في جميع سعيه أساء وأجزأه، وإن لم يرمل في بطن المسيل فلا شيء عليه قال سند: من نسيه من جميع سعيه كمن نسيه في جميع طوافه، وقال مالك أيضا: إن أهدى لترك الرملان فحسن، وقال أيضا: يعيد إلا أن يفوت، وقال أشهب: يعيد ما كان في مكة فإن فات أهدى، وقال عبد الملك: لا يعيد وعليه دم. المقصد الخامس: الوقوف بعرفة قال سند: خطب الحج ثلاثة: الأولى: إذا كان سابع ذي الحجة صلى الإمام الظهر وخطب في المسجد الحرام، وقال ابن المواز: قبل الزوال وعلى الأول الجمهور؛ لأنه في حديث جابر ويأمرهم بالغدو يوم الثامن إلى منى وهو يوم التروية، سمي بذلك؛ لأنهم يعدون الماء له، وأن قريشا كانت تحمل الماء من مكة إلى منى لحاج العرب. ويعلمهم مناسكهم وخروجهم إلى منى؛ ليصلوا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، ثم يغدون إذا بزغت الشمس إلى عرفة، قال ابن المواز: ولا يجلس في وسط هذه الخطبة قال مطرف: يجلس ويفتتحها بالتكبير كخطبة العيد، ويكبر في خلالها وكذلك خطب الحج كلها وهو موافق للمدونة. والثانية بعرفة يوم عرفة، فيعلم الناس مناسكهم من صلاتهم بعرفة، ووقوفهم بها ودفعهم، ونزولهم بمزدلفة وصلاتهم بها، ووقوفهم بالمشعر الحرام والدفع منه، ورمي الجمرة والحلاق والنحر والإفاضة. والثالثة بعد يوم النحر بيوم في أول أيام الرمي يخطب في جميعها قائما يظهر للناس نفسه على منبر أو غيره، واختلف في خطبته عليه السلام، ففي أبي داود (أنه خطب على بعير أحمر) وحديث جابر المتقدم يشعر أنه خطب على القصوى، وفي أبي داود أنه خطب على منبر أيضا. فروع خمسة: الأول في (الكتاب): من أحرم بالحج من مكة وأخر الخروج يوم التروية والليلة المقبلة، ولم يبت بمنى، وغدا من مكة إلى عرفات فقد أساء ولا شيء عليه قال ابن القاسم: كره ترك المبيت بمنى كما كره تركه بها بعد عرفات وقال: على من ترك ليلة كاملة أو جلها دم. ولم ير فيه قبل عرفة دما. ويكره التقدم على منى قبل التروية أو إلى عرفة، ولا يتقدم الناس بأقبيتهم إليها بل يقتدي به، وكره البنيان الذي اتخذه الناس بمنى وبنيان مسجد عرفة؛ لأنه محدث بعد بني هاشم بعشرين سنة، قال سند: المبيت قبل عرفة بمنى للاستراحة، لا لإقامة نسك بها وبعدها لإقامة النسك فيكون نسكا فيتعلق بترك الدم، وإذا حضرت الجمعة يوم التروية وجبت على المقيمين، والأفضل للمسافر شهودها عند أصبغ، وتركها لإدراك الظهر والعصر بمنى عند محمد، قال ابن عبد الحكم: ولو أنه صلى الظهر في الطريق، ولم يكره أشهب تقديم الأثقال قبل التروية؛ لتعلق المناسك بالأبدان دون الأثقال، وكراهة البناء بمنى؛ لأنها حرام لا ملك فيها فلا تحجر، لما في الترمذي قلنا يا رسول الله: ألا نبني لك بيتا يظلك بمنى؟ قال: لا، منى مناخ من سبق. وقال مالك: يقدم الإمام والناس يوم عرفة قبل الشمس، ومن دابته ضعيفة قبل ذلك قال مالك: ويستحب الذهاب راكبا لفعله عليه السلام. الثاني: في (الكتاب) موضع الخطبة به اليوم حيث كان قديما، ويخطب متكئا على شيء، ويصلي بالناس ثمت، ويؤذن المؤذن إن شاء والإمام يخطب أو بعد فراغه، قال سند: يستحب للإمام وغيره النزول بنمرة وهو موضع بعرفة فيضرب الإمام خباء أو قبة بها كفعله عليه السلام، فإذا زالت الشمس اغتسل الناس للوقوف، وذهبوا للمسجد ذاكرين الله تعالى وهذا المسجد اليوم هو موضع خطابته، والمذهب: أنه لا يخطب قبل الزوال. وجوزه ابن حبيب قبله بيسير، إلا أنها ليست للصلاة حتى يقف على وقتها، وإنما هي للتعليم، والأول أظهر تأسيا به عليه السلام وتأخير الأذان بعد الخطبة أحسن؛ لحديث جابر، ولنفي التخليط، وقال الشافعية: إذا قام الإمام من الجلسة، ويستحب تطويل الدعاء لقوله عليه السلام: (أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة) وفي مسلم قال عليه السلام: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء). وفي (الجلاب): يجمع بين الظهر والعصر بأذانين وإقامتين، وقيل: بإقامتين بلا أذان قال سند: قال مالك: من فاته الإمام جمع في رحله، وقال أيضا: له الجمع في رحله وربما صلى مع الإمام، وقال ابن حبيب و(ش) و(ح): لا يترك الجمع مع الإمام البتة للسنة. (تنبيه): جمع الرشيد مالكا وأبا يوسف - رضي الله عنهما - فسأل أبو يوسف مالكا عن إقامة الجمعة بعرفة؟ فقال مالك: لا يجوز؛ لأنه عليه السلام وافق الجمعة بعرفة في حجة الوداع ولم يصلها، فقال أبو يوسف: قد صلاها؛ لأنه خطب خطبتين وصلى بعدهما ركعتين وهذا هو الجمعة فقال مالك: أجهر فيهما بالقراءة كما يجهر بالجمعة؟ فسكت أبو يوسف وسلم لمالك. الثالث: في (الكتاب): إذا فرغ الإمام من الصلاة دفع إلى عرفات والناس بعده، والنزول بعرفات ومنى والمشعر الحرام حيث شئت؛ لما في حديث جابر قال عليه السلام: (نحرت ههنا ومنى كلها منحر، ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف) وقاله الجميع، وقال سند: قال ابن حبيب: إذا تمت الصلاة بعرفة فخذ في التهليل والتحميد والتكبير، ثم استند إلى القصبات بسفح الجبل، وحيث يقف الإمام أفضل لحديث جابر قال مالك: لا أحب الوقوف على جبال عرفة ولكن مع الناس، وليس في موضع من ذلك فضل إذا وقف مع الناس، واتفق الجميع على أن وادي عرفة ليس من عرفة، ولا يجزئ الوقوف به. واختلفوا في مسجد عرفة قال مالك: لم يصب من وقف به، قيل: فإن فعل؟ قال: لا أدري، وقال أصبغ: لا يجزئ، واختار محمد الإجزاء؛ لما في أبي داود (أنه عليه السلام صلى الظهر والعصر بأذان واحد بعرفة) والظاهر أن موضع الصلاة موضع الخطبة وهو خطب مكان المسجد اليوم، والركوب أفضل عند مالك وابن حنبل، خلافا ل (ش) للسنة. ولما فيه من الاستعانة على الدعاء، ولذلك يستحب ترك الصوم فمن وقف قائما فلا يجلس إلا إذا أعيى. الرابع: في (الكتاب): من وقف به مغمى عليه حتى دفع أجزأه، ولا دم عليه خلافا ل (ش) لأن الإغماء إذا طرأ على الإحرام لا يفسده إجماعا. وقد دخلت نية الوقوف في نية الإحرام. ولذلك يجزئ النائم، وفي أبي داود قال عروة بن مضرس الطائي: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بالموقف يعني: بجمع فقلت يا رسول الله: أهلكت مطيتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج؟ فقال عليه السلام: (من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى قبل ذلك عرفات ليلا أو نهارا فقد تم حجه، وقضى تفثه) وفي (الجواهر): روي عن مالك أن من أغمي عليه قبل الزوال لم يجزئه أو بعده، قبل أن يقف أجزأه، وإن اتصل به الإغماء حتى دفع وليس عليه أن يقف ثانية إن أفاق بقية الليل. كالذي يغمى عليه في رمضان قبل الفجر أو بعده، وروي عنه: إن وقف مفيقا، ثم أغمي عليه أجزأه فإن وقف مغمى عليه فلم يقف حتى طلع الفجر لم يجزئه؛ لأن الإغماء ينافي التقرب والنية الفعلية، فأولى الحكمية التي هي أضعف منها، والفرق بين الحج والصوم: أن الصوم ترك، والترك لا يتوقف الخروج عن عهدتها على الشعور بها، ولا القصد إليها بدليل الخروج عن عهدة كل قتل في العالم، وشرب الخمر وإن لم تشعر بذلك النفوس ولا بذلك الخمور، وإنما يكون الصوم فعلا عند ابتداء الدخول فيه لا جرم إذا أغمي عليه حينئذ بطل، والحج فعل حقيقي فيتعين فيه الشعور والقصد، ولاحظ مالك في المشهور قوة انعقاد الإحرام مع أعظم مفسداته كالجماع وغيره، وأشار إلى الزوال؛ لأنه ابتدأ الدخول في هذا الركن، فكأنه وقت النية الفعلية وهو كالفجر مع الصوم. الخامس: قال ابن القاسم في (الكتاب): من تعمد ترك الوقوف حتى دفع الإمام أجزأه أن يقف ليلا، وأساء ويهدي، ومن مر بعرفة مارا بعد دفع الإمام أجزأه إن كان قبل الفجر. والأفضل في الوقف الطهارة، وروى الأبهري بإسناده قال عليه السلام: (من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج فليحل بعمرة) وهو نص في اشتراط الليل، قال سند: إذا غم على الناس ليلة تسع وعشرين من ذي القعدة فأكملوا ووقفوا التاسع فثبت أنه العاشر قال مالك وابن القاسم و(ش) و(ح): يجزئهم لقوله عليه السلام: (حجكم يوم تحجون) أي: يوم يحجون فيه اجتهادا، ولعظم مشقة الحج، وقال ابن القصار: لا يجزئهم كما لو أخطوا المكان، وقال الشافعية: لو ثبت أنه العاشر قبل وقوفهم ووقفوا أجزأهم وهو باطل؛ لتيقن الخطأ حالة المباشرة، وإنما الرخصة إذا وقفوا معتقدين، ولذلك صحت الصلاة مع اعتقاد جهة الكعبة، وبطلت مع اعتقاد خطئها. وفي (تهذيب الطالب) قال ابن القاسم: إذا ثبت أن وقوفهم يوم النحر مضوا على عملهم تبين ذلك في يومهم أو بعده، ويتأخر النحر وعمل الحج كله كحال من لم يحط، وقال (ح): إن تبين أنه يوم التروية أجزأه؛ لأنه عليه السلام بعث أبا بكر سنة ثمان أميرا على الحج وألحقه علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - بسورة (براءة) يقرؤها على المشركين بعرفة موضع اجتماعهم، ويأمرهم أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. وكان حج الجميع في ذي القعدة؛ لأن الجاهلية كانت تحج في كل شهر سنتين فصادف تلك السنة ذا القعدة، وتأخر عليه السلام حتى أتى سنة تسع فحج في ذي الحجة فإذا صح الحج قبل عرفة بشهر فأولى بيوم، وفي (الجواهر): لو وقفوا الثامن لم يجزئهم ووجب القضاء، وحكي الإجزاء عن ابن القاسم وسحنون والقاضي أبي بكر قال سند: من ردت شهادته في الهلال يلزمه الوقوف كالصوم، وقاله الجمهور، وقال محمد بن الحسن: لا يجزئه حتى يقف مع الناس يوم العاشر، وقد سلم الصوم فيكون حجة عليه. وأول الوقوف عند الجمهور زوال الشمس، وعند ابن حنبل من طلوع الفجر لحديث عروة السابق، وقياسا لجميع النهار على جميع الليل، وجوابه: أنه فعله عليه السلام واتفاق أهل الأعصار على ذلك، وآخر الوقت طلوع الفجر يوم العاشر، ولا يجب استيعاب الوقت إجماعا، وقد دفع عليه السلام أول الليل. وأجمعت الأمة على إجزاء جزء من الليل، فإن وقف نهارا دون الليل يجزئه عند مالك، ويجزئه عند (ح) و(ش) وعليه دم، لحديث عروة السابق، وقياسا للنهار على الليل، بل النهار أفضل؛ لأنه يقال يوم عرفة، ولذلك قال عليه السلام: (أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة) فالمشهور اليوم دون الليل، ولأنه عليه السلام وقف نهارا وانصرف عند إقبال الليل. لنا حديث جابر: أنه عليه السلام لم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة. وحديث الأبهري المتقدم ونقول: الليل أولى لكونه مجمعا عليه، وإن من فاته النهار لا دم عليه، ومن فاته الليل بطل حجه، وعليه دم وعندهم، وما رووه لا حجة فيه؛ لأن أبا داود أشار إلى أن: (ليلا أو نهارا) من قول الراوي فلو دفع قبل الغروب ورجع قبل الفجر قال ابن القاسم في (الكتاب): يجزئه ويستحب الهدي، وأوجبه ابن حنبل؛ لأنه وجب بالدفع فلا يسقط بالعود كمجاوزة الميقات. وجوابه: أنه كمن رجع للميقات قبل الإحرام، ولو دفع حين الغروب أجزأه عند ابن القاسم، فلو دفع قبل الغروب ولم يخرج من عرفة حتى غربت الشمس قال مالك: أجزأه وعليه دم لعزمه على ترك الليل، ومن أتى قبل الفجر وعليه صلاة إن اشتغل بها طلع الفجر، قال أبو محمد: إن كان قريبا من جبال عرفة وقف وصلى، وإلا ابتدأ بالصلاة وإن فاته الحج، وقال ابن عبد الحكم: إن كان مكيا بدأ بالصلاة أو آفاقيا بدأ بالحج. واختار اللخمي تقديم الحج مطلقا عند خوف الفوات. قاعدة: المضيق في الشرع مقدم على ما وسع في تأخيره، وما وسع فيه في زمان محصور كالصلاة مقدم على ما غياه بالعمر كالكفارات، وما رتب على تاركيه القتل مقدم على ما ليس كذلك فتقدم الصلاة على الحج إجماعا، غير أن فضل الصلاة قد عورض ههنا بالدخول في الحج وما في فواته من المشاق، فأمكن أن يلاحظ ذلك وفي (الجواهر): من أدرك الإحرام ليلة العيد صح لبقاء الوقت؛ لأن الحج عرفة ووقته باق قال سند: إن مر بعرفة وعرفها أجزأه، وإن لم يعرفها فقال محمد: لا يجزئه والأشهر الإجزاء؛ لأن تخصيص أركان الحج بالنية ليس شرطا. المقصد السادس: الدفع إلى المزدلفة، وفي (الكتاب): أكره لمن انصرف من عرفة المرور في غير طريق المأزمين، والسنة: الدفع مع الإمام وقبله يجزئ، ومن لم يكن له عذر ولا بدابته علة فلا يصلي المغرب والعشاء إلا بمزدلفة، فإن صلى قبلها أعاد إذا أتاها لقوله عليه السلام: (الصلاة أمامك). ومن لم يستطع المضي مع الناس جمع بين الصلاتين عند مغيب الشفق حيث كان، وأجزأه، قال سند: إذا غربت الشمس دفع الإمام بالسكينة والوقار، فإذا وجد فجوة أسرع لما في الصحاح، كان - عليه السلام - حين دفع يسير العنق فإذا وجد فرجة نص. والعنق: السير الرفيق، والنص، رفع السير من قولك: نصصت الحديث إذا رفعته إلى قائله، ونصصت العروس إذا رفعته فوق المنصة، والفجوة: الفرجة بين المكانين، ففعل ذلك الراكب والماشي ويكثر من ذكر الله تعالى وتحميده وتمجيده وتهليله في السير لمزدلفة ومقامة بمنى؛ لقوله تعالى: (فاذكروا الله عند المشعر الحرام) [البقرة: 198] وقوله: (فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا) [البقرة: 200] (واذكروا الله في أيام معدودات) [البقرة: 203] وهي أيام منى، والمأزمان: جبلان يمر الناس بينهما، ومنهما عبر عليه السلام. فائدة: من التنبيهات: المأزمان تثنية مأزم، والمأزم والمأزن: المضيق، وهما مضيق جبلين بمنى، وهو مهموز مكسور الزاي مفتوح الميم، قال سند: قال مالك: من دفع لا ينزل ببعض تلك المياه لعشاء أو استراحة، ويجمع بين العشائين بمزدلفة، قال ابن حبيب: من شاء في رحله أو مع الإمام، وهو أفضل، والكلام فيه كالجمع بعرفة، وكذلك تكرر الأذان، قال مالك: يجمع إذا وصل قبل حط الرواحل. وقال أشهب: يحط رحله أولا، ويقدم العشاء، ومن صلى المغرب عند الغروب والعشاء عند مغيب الشفق، وهو يسير مع الناس قال ابن القاسم: يعيد بمزدلفة استحسانا، وقال أشهب: و(ش) وابن حنبل: أساء ولا يعيد، وقال ابن حبيب: هو كمن صلى قبل الوقوف، فعلى هذا يعيد أبدا، وهو قول (ح) نظرا لاتباعه عليه السلام، فلو وقف بعد دفع الناس وهو يطمع بلحوق الإمام إذا أسرع أخر الصلاة ليصليها مع الإمام، وإلا لم يجمع قاله محمد وقال ابن قاسم: إن طمع في وصول مزدلفة ثلث الليل أخر الصلاة، وإلا صلى كل صلاة في وقتها، قال ابن القاسم في (الكتاب): إذا أدرك الإمام المزدلفة قبل الشفق فلا يجمع حتى يغيب الشفق مع أنه يعيد، أما التأخير فلأن العشاء لا تقدم على وقتها، والسنة إنما وردت بالجمع بينهما وقت الآخرة. وأما الاستيعاد فليعد ما بين عرفة ومزدلفة، ولا يكبر عقيب المغرب والعشاء والصبح بالمشعر الحرام؛ لأن افتتاح التكبير عند مالك من الظهر، وعند (ح) من الصبح يوم عرفة. و(ش) ثلاثة أقوال: الظهر يوم النحر، والصبح يوم عرفة، وصلاة المغرب ليلة النحر، وقد تقدم توجيه ذلك في صلاة العيد قال مالك في (الكتاب): ومن بات بالمشعر الحرام فلا يتخلف عن الإمام؛ لأن الإمام يقيم بها حتى يصبح، فإن أدركه قبل الصبح أو بعده وقف معه، قال اللخمي قال ابن القاسم و(ح): لا دم عليه لترك المبيت، وقال أشهب: عليه، قياسا على من دفع مع الإمام وترك المبيت، وفي (الكتاب): الوقوف بالمشعر بعد صلاة الصبح فمن وقف بعد الفجر وقبل الصلاة فهو كمن لم يقف؛ لسقوط الوجوب بالفجر كفوات الوقوف مع الإمام بعرفة، ولأنه في حديث جابر المتقدم. والمشعر الحرام: جبل المزدلفة يقال له: (قزح) ومن أتي به المزدلفة مغمى عليه أجزأه، ومن مر بها ولم ينزل فعليه دم، وإن نزل ودفع آخر الليل أو وسطه أو أوله ولم يدفع مع الإمام أجزأه. ويستحب الدفع مع الإمام، ولا يتعجل قبله وواسع للنساء والصبيان التقديم والتأخير، ولا يقف أحد بالمشعر الحرام إلى الإسفار. بل يدفعوا قبل ذلك، وإذا أسفر ولم يدفع الإمام دفع الناس وتركوه، ومن لم يدفع حتى طلعت الشمس أساء، ولا شيء عليه، قال سند: الوقوف بالمشعر الحرام مستحب؛ لقوله تعالى: (فاذكروا الله عند المشعر الحرام) [البقرة: 198] ومزدلفة كلها موقف، ومن فاته الوقوف به فلا دم عليه عند مالك و(ح) و(ش) لأنه إنما أحل بدعاء في تربص، ووافق أشهب ابن القاسم هاهنا في المغمى عليه يمر به بمزدلفة، وخالفه في عرفة؛ لأنها ركن، وأما النزول بالمزدلفة: فالمشهور وجوبه، ومن تركه من غير عذر فعليه دم، وقاله الأئمة خلافا لعبد الملك، والفرق بينه وبين المبيت: أن المبيت للاستراحة غير نسك، والنزول الواجب يحصل بحط الرحل. والتمكن من المبيت، ولا يشترط استغراق النصف الأول من الليل خلافا ل (ش) لما في مسلم: أن سودة استأذنته - عليه السلام - ليلة المزدلفة أن تدفع قبل حط الناس فأذن لها، ولم يبين لها وقتا مخصوصا. وقال (ح): يقف بالمشعر حتى يسفر، لأنه في حديث جابر، لنا ما في البخاري: كان أهل الجاهلية لا يفيضون حتى يروا الشمس على (ثبير) فخالفهم النبي - عليه السلام - فدفع قبل طلوع الشمس، وكانوا يقولون: أشرق ثبير، كيما نغير، قال ابن حبيب: ويفعل في الدفع من المشعر من السكينة والوقار مثل الدفع من عرفة، ويهرول في بطن (محسر) قدر رمية الحجر، لأنه في حديث جابر. المقصد السابع: جمرة العقبة، وفي (الكتاب): يرمي جمرة العقبة يوم النحر صبحا سبع حصيات راكبا، وفي غير يوم النحر ماشيا، وإن مشى فلا شيء عليه، ويجزئ قبل الشمس، وبعد الفجر وبطلوع الفجر يحل الرمي والنحر بمنى، وقبله لا يجزئ ويعيد، وتكون الجمار أكثر من حصى الخذف قليلا، ويأخذها من حيث شاء، ولا يرمي بحصى الجمار؛ لأنها قد رمي بها، والرجال والنساء والصبيان في ذلك سواء، قال سند: كان القاسم بن محمد يرمي بأكبر من حصى الخذف، واختلف في حصى الخذف: فقيل: مثل الباقي، وقيل: مثل النواة، وقيل: دون الأنملة طولا وعرضا، ويكره الكبير؛ لئلا يؤذي الناس، والصغير مثل الحمصة والقمحة لا يرمى به؛ لأنه في حكم العدم، وأكبر من حصى الخذف أبرأ للذمة؛ لأن فيه الواجب وزيادة، والحجر الكبير يجزئ عند الجميع؛ لوقوع الاسم عليه، لكنه مخالف للسنة، والمستحب - عند الجمهور - أخذها من المزدلفة، فإن النبي - عليه السلام - قال للفضل بن عباس غداة العقبة، وهو عند راحلته: هات التقط لي، فالتقط حصيات مثل حصى الخذف، واستحب مالك لقطها على كسرها للسنة، ويستحب تقديم الرمي على غير إذا أتى منى؛ لأنه تحية الحرم، ولا يختص بجنس، بل ما يسمى حصى حجرا أو رخاما أو ترابا، وظاهر المذهب: منع الطين والمعادن المتطرقة كالحديد، وغير المتطرقة كالزرنيخ قاله (ش) وابن حنبل، وقال (ح): يجوز بكل ما هو من الأرض قياسا على المنصوص عليه، وجوزه داود بكل شيء حتى بالعصفور الميت، وسلم (ح) منع الدراهم والدنانير فنقيس عليها، ولا يرمي بما رمى به عند الجمهور؛ لأنه لو جاز ذلك لتبادر الناس إلى جماره عليه السلام، فإن رمى بما رمى به هو: قال بعض المتأخرين منا: لا يجزئه بخلاف ما رمى به غيره، ولم يجد هذا الفرق إلا للزموني من الشافعية، وإن رمى بما رمى به غيره أجزأه عند مالك و(ش) خلافا لابن شعبان وابن حنبل محتجين بما روي عن ابن عباس أن ما يقبل يقابل من ذلك يرفع، فلا يتقرب بما لم يقبل، وقياسا على الماء المستعمل في الطهارة. لنا أنه عليه السلام لم يشترط ذلك، ولو كان شرطا لبينه، والقياس على شروط الحدود، والثوب في الصلاة، والطعام في الكفارات، ويمنع الحكم في قياسهم، وقال الشافعية: لو رمى بحجر نجس أجزأه، قال: وليس ببعيد عن المذهب لكنه يكره، وقد قال مالك: ليس عليه غسلها، فإن قدم في غير وقت رمي أخر الرمي حتى تطلع الشمس، وليس عليه أن يركب؛ لأن الرمي راكبا إنما يكون للعجلة، والمشي في القربات أفضل، ودخول الوقت بالنحر عند مالك و(ح) وابن حنبل؛ لأنه منقول في (الموطأ) عن السلف، ومن جهة النظر: أن الليل زمان الوقوف بعرفة، والرمي يحلل، وغير مناسب وقوع التحلل في زمن الإحرام، ولأنها ليلة لا يصلح الرمي في أولها فلا يصلح في آخرها، كيوم عرفة، عكسه يوم النحر، وجوزه (ش) في النصف الثاني من الليل لما في أبي داود: أنه عليه السلام أرسل بأم سلمة ليلة النحر فرمت جمرة العقبة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت، فيحتمل أن يكون المراد بالفجر صلاة الفجر، أو يكون خاصا بها جمعا بين الأدلة، وفي (الكتاب): يكبر مع كل حصاة لحديث جابر، ويستحب رميها من أسفلها فإن رماها من فوقها أجزأه، ففي حديث جابر، رماها - عليه السلام - من بطن الوادي، وقد رماها عمر - رضي الله عنه - من أعلاها؛ لزحام الناس، فإن تركها أو بعضها إلى الليل رماها ليلاً، وإن نسي بعضها رمى عدد ما ترك، ولا يستأنف، قال ابن القاسم: أحب إلي أن يهدي على اختلاف قوله في وجوبه، وفي (الجواهر): للرمي وقت أداء، ووقت قضاء فالأداء من طلوع الفجر إلى غروب الشمس يوم النحر، وتردد أبو الوليد في الليلة التي بعده هل هي أداء أو قضاء؟ والقضاء لكل يوم من أيام الرمي ما بعده، ولا قضاء للرابع، ولا خلاف في وجوب الدم مع الفوات ولا في سقوطه مع الأداء، ويختلف في وجوبه، وسقوطه مع القضاء، ففي (الموطأ): أنه عليه السلام رخص لرعاة الإبل في البيتوتة عند منى يرمون يوم النحر، ثم يرمون من الغد أو بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر. ولولا أن الوقت وقت الرمي لما جاز تأخيرهم؛ لأن العبادة لا تؤخر للضرورة إلا في وقت أدائها كالصلوات، ولا يبطل الحج بفوات شيء من الجمار، وقال عبد الملك: يبطل بفوات جمرة العقبة؛ لقوله عليه السلام: (إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء) فجعلها شرطا، ولأنها عبادة سبع فتكون ركنا كالطواف. لنا قوله عليه السلام: (من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحج) ولأنها لو كانت ركنا لما فاتت بخروج زمانها كالطواف والسعي، وهي تفوت بخروج أيام التشريق فلا تكون ركنا كسائر الجمرات، وقياسها على الجمرات أولى من الطواف. المقصد الثامن: في الحلاق والذبائح وترتيبهما مع الرمي. وفي (الكتاب): إن حلق قبل الجمرة افتدى، ويذبح بعدها، فإن ذبح قبلها أو حلق قبل الذبح فلا شيء عليه؛ لأن الذي يفعل يوم النحر أربعة أشياء ثلاثة بمنى: الرمي والهدي والحلاق، والرابعة الإفاضة، لما في أبي داود أنه عليه السلام رمى جمرة العقبة يوم النحر، ثم رجع إلى منزله بمنى، فدعا بذبح فذبح، ثم دعا بالحلاق. ووافقنا في الفدية (ح) وابن حنبل، وتردد قول الشافعية للاختلاف عندهم: هل هي نسك فلا يجب لأنه أحد ما يتحلل به أو إطلاق محصور فيلزمه الدم؟ وقولنا أبين؛ لأنه وإن كان نسكا فهو من المحظورات في الإحرام، وأما الذبح قبل الرمي فلما في أبي داود عن عبد الله بن عمرو قال: وقف النبي عليه السلام في حجة الوداع للناس، يسألونه، فجاء رجل فقال يا رسول الله: لم أشعر فحلقت قبل أن أنحر، فقال: اذبح ولا حرج، ثم جاء رجل آخر فقال يا رسول الله: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، فقال: ارم ولا حرج، فما سئل عن شيء قدم ولا أخر، إلا قال: افعل ولا حرج. وفي (الجواهر): إن ابتدأ بالحلق قبل الرمي فقولان: في وجوب الدم - وهو المشهور - وسقوطه: وإن ابتدأ بالحلق قبل الذبح فسقوط الفدية لمالك و(ش) ووجوبها لعبد الملك، وقال (ح): إن كان مفردا فلا شيء عليه، أو قارنا أو متمتعا لزمه؛ لقوله تعالى: (ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله) [البقرة: 196] فشرط في جواز الحلق نحر الهدي، وقال ابن حنبل: إن قدم الحلاق على الذبح أو الرمي ساهيا أو جاهلا فلا شيء عليه، أو عامدا فعليه الدم، وجواب (ح): أنه قد بلغ محله، وإنما بقى ذبحه، ولم يقل حتى يذبح. وفي (الكتاب): الذبح ضحوة، فإن ذبح قبل الفجر أعاد، ومن جامع بعد رمي جمرة العقبة قبل الحلاق فحجه تام، وعليه عمرة وبدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة بعد ذلك مفرقة أو مجموعة، وإن جامع يوم النحر أوله أو آخره قبل الرمي والإفاضة فسد حجه، وعليه حج قابل، فإن وطئ بعد يوم النحر قبل الإفاضة والرمي أجزأه الحج ويعتمر ويهدي، وإن وطئ في يوم النحر أو بعده قبل الرمي وبعد الإفاضة فإنما عليه الهدي، وإن وطئ بعد الإفاضة، ثم ذكر شوطا منها أو أكثر كمل الأشواط وركع، ثم يعتمر ويهدي، قال سند: يستحب الهدي بخلاف الأضحية؛ لتعلقها بالصلاة، ولا صلاة عيد على أهل منى، فلذلك جاز نحر الهدي قبل الشمس، ولا خلاف أن الوطئ قبل الوقوف يفسد الحج، وبعد الوقوف وقبل الرمي والحلاق، قال مالك وابن حنبل: لا يفسد الحج ويفسد الطواف إذا وطئ قبل الإفاضة وبعد الرمي، قال عبد الوهاب: وهو أقيس، ومروي عن ابن عمر رضي الله عنهما. وقال (ح): عليه الهدي؛ لأنها حالة أمن فيها الفوات فيؤمن فيها الفساد كبعد الطواف. لنا: أنه قد بقي من الحج ركنان، فحكم الإحرام باق، كما قبل الوقوف، وعند (ح) في الهدي: البدنة، و(ش): الشاة، لنا: أن الوطئ المحرم في الإحرام سبب الهدي وهو يصدق على الجميع فيؤمر بالأعلا لعظيم جنايته، ويجزئه أقل ما يتناوله اسم الهدي، فإن لم يجد انتقل إلى الصوم؛ لأنه بدله في المتعة، وروى عن مالك: إذا جامع يوم النحر قبل الرمي والإفاضة أن حجه تام وعليه الهدي، وبالأول قال (ش) وابن حنبل لقوله تعالى: (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث) [البقرة: 167] والنهي يدل على الفساد، وبالثاني قال (ح) لقوله عليه السلام: (من أدرك عرفة فقد تم حجه). وقال عبد الملك: إذا وطئ في أيام التشريق قبل الرمي فسد حجه، وإذا قلنا بالعمرة فليست خارجة عن إحرامه فيؤمر بتكميل الإحرام الأول ليصح الدخول في إحرام آخر، كمن سلم في صلاته يحرم ليرجع إليها، فإحرامه ههنا العمرة، وفي (الكتاب): أكره الطيب بعد الرمي حتى يفيض، فإن فعل فلا شيء عليه، وإذا رمى العقبة أخذ من أظفاره ولحيته وشاربه، واستحد ولو أطلى بالنورة قبل أن يحلق رأسه فلا بأس بذلك، ويستحب فعل ذلك بعد الإحلال لفعل عمر - رضي الله عنه - ذلك، والحلاق يوم النحر أفضل منه بمكة في أيام التشريق أو بعدها، فإن أخر الحلاق لبلده جاهلا أو ناسيا حلق أو قصر وأهدى، ومن ظفر أو عقص أو لبد فعليه الحلاق؛ لعدم تمكنه من تعميم التقصير لجملة شعره، ومن ضلت بدنته يوم النحر آخر الحلاق وطلبها ما بينه وبين الزوال، فإن أصابها، وإلا حلق وفعل فعل من لم يهد من وطئ النساء وغيره، كان الهدي مما عليه بدله أو لا، قال ابن القاسم: وإن قصرا أو قصرت بعضا وأبقيا بعضا، ثم جامعها عليهما الهدي، وفي البخاري قال عليه السلام: (اللهم ارحم المحلقين، قالوا: والمقصرين، قال: اللهم ارحم المحلقين، قالوا: والمقصرين ثم قال في الرابعة: والمقصرين). وهذا يدل على أفضلية الحلاق على التقصير، وفي أبي داود قال عليه السلام: (ليس على النساء الحلق، وإنما عليهن التقصير) وقال تعالى: (محلقين رءوسكم ومقصرين) [الفتح: 27] وهو يقتضي جملة الرأس، قال سند: الخلاف في استيعاب الرأس حلقا، كالخلاف في استيعابه مسحا في الوضوء، والتحلل يقع في الحج في الجمرة؛ لتقدم الأركان، وفي العمرة بالحلاق؛ لأن السعي ركن فيها، فنظيره الوقوف فيقع التحلل بالحلق، وفي فساد العمرة بالوطئ قبل الحلاق قولان مبنيان على أنه شرط في الإحلال أم لا؟ والتحلل تحللان: رمي جمرة العقبة أو خروج وقتها، والثاني الفراغ من أركان الحج فيحل بالأول كل ما حرم بالإحرام إلا النساء والطيب والصيد، قاله علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ويختلف قبل الإفاضة في الثياب والصيد واللمس وعقد النكاح والطيب. والمذهب: التحريم لبقاء الإحرام، وفي (الجلاب): إن تطيب بعد رمي جمرة العقبة فلا كفارة عليه، وإن صاد فعليه الجزاء، وإن وطئ فحجه تام ويهدي ويعتمر، قال سند: والحلاق يتعلق بزمان الحج لا بموضع معين؛ لأن المقصود: إماطة الشعر إلا أنه من مناسك الحج فلا يخرج به عن أشهره، ويستحب فعله بمنى بعد النحر اقتداء به عليه السلام، وما هو زمان الحلاق الذي يفوت به، فرأى في (الموازية) أنه زمان الرمي، وقال ابن القاسم: إذا تباعد ذلك، قال مالك: ومن لم يقدر على الحلاق والتقصير؛ لمرض فعليه بدنة إن وجد وإلا فبقرة وإلا شاة، وإلا صام ثلاثة أيام وسبعة، وفي (الكتاب): يمر الأقرع الموسى على رأسه ويختلف في وجوبه، وقاله (ح)، وعند (ش): لا يجب؛ لأنه عبادة تتعلق بجزء من البدن فيسقط بذهابه كالطهارة في اليدين، ولأنه لا يوجب فدية قبل التحلل فلا يحصل به التحلل، ولأن القاعدة المتفق عليها أن الوسائل يسقط اعتبارها عند تعذر المقاصد، وامرار الموسى وسيلة؛ لإزالة الشعر، لنا: فعل ابن عمر - رضي الله عنهما - وإنها عبادة تتعلق بالشعر فتنتقل للبشرة عند تعذره كالمسح في الوضوء، قال ابن القاسم: إن حلق بالنورة أجزأه لحصول المقصود، كما يحصل التقصير بالمقراض والفم، وقال بهما الشافعية، ومن قصر من جميع شعر رأسه وما أخذ أجزأه، وكذلك الصبيان، وليس على النساء إلا التقصير في جملة شعورهن، قال ابن أبي زيد: يجز المقصر شعره منة أصوله، وقال (ش): يجزئ النساء حلق ثلث شعورهن، وقال (ح): الرفع بناء على مذهبه في المسح في الوضوء، قال سند: قال مالك: إذا أذى المرأة القمل أو الشعر فلها الحلق، وتقصر المرأة عند مالك قدر الأنملة، وقالته عائشة رضي الله عنها، والصغيرة تفارق المرأة في الحلاق لعدم المثلة، ولا ينبغي للمعتمر تأخير حلاقه بل يصله. المقصد التاسع: طواف الإفاضة، وهو الطواف الذي هو ركن في الحج، وفيه تفريعات أربعة، الأول في (الكتاب): تعجيل طواف الإفاضة يوم النحر أفضل، وإن أخره حتى مضت أيام التشريق، وذهب من منى إلى مكة فلا بأس، خلافا ل (ش): إن أخره مع السعي بعد منى حتى تطاول طاف وسعى وأهدى، وله تأخير السعي إلى وقت تأخير الإفاضة، وكره مالك تسمية طواف الزيارة، وقولهم زرنا قبر النبي - عليه السلام - تعظيما له عليه السلام؛ لأن العادة أن الزائر متفضل على المزور، ولا يحسن أن يقال: زرنا السلطان، لما فيه من إبهام المكافأة والمماثلة. وأصل فريضته حديث جابر المتقدم، قال سند: أما أول وقته فلا يجوز قبل يوم عرفة إجماعا. وتحديد أول الوقت مبني على تحديد أول وقت الرمي، هل هو طلوع الشمس يوم النحر أو طلوع الفجر أو نصف الليل؟ وأما تحديد آخر وقته فالمختار عند أصحابنا: لتمام الشهر، وعليه الدم بدخول المحرم، وقال (ح): آخره اليوم الثاني، فبدخول الثالث من أيام التشريق يجب الدم، وقال (ش) وابن حنبل: ليس لآخر وقته حد؛ لأنه لو كان له حد لما صح فعله بعده كالرمي والوقوف. لنا: قوله تعالى: (الحج أشهر معلومات) [البقرة: 197] فحصره في الأشهر، والفرق بينه وبين الوقوف: أنه إنما يأتي بعد التحليل، وحصول معظم الحج بالوقوف وهو ركن، فلو تعذر فعله لبطل الحج بعد حصول معظمه، وكره مالك أن ينتقل بالطواف بعد الإفاضة؛ لأنه ليس من عمل الناس، وإن سمع الإقامة فله أن يقف حتى يصلي، قال مالك: وإن أفاض يوم الجمعة أحب إلي الرجوع إلى منى، ولا يقيم لصلاة الجمعة، وقال ابن حبيب: لمن أفاض أن ينتقل بالطواف، وفي (الجواهر): لو قدم الإفاضة على جمرة العقبة أجزأته الإفاضة عند مالك وابن القاسم وعليه الهدي، وقال مالك: لا يجزئه واستحب أصبغ الإعادة. الثاني: في (الكتاب): إذا حاضت قبل الإفاضة أو نفست لا تبرح حتى تفيض ويحبس عليها كريها أقصى جلوس النساء في الحيض والاستطهار أو النفاس من غير سقم، لما في الموطأ أنه عليه السلام (ذكر صفية بنت حيي فقيل له: إنها حاضت فقال عليه السلام: أحابستنا هي؟ فقالوا يا رسول الله: إنها قد طافت، فقال عليه السلام: فلا إذا) وفي (الجواهر): قال أشهب: يحبس الكري خمسة عشر يوما. روى غيره ذلك مع الاستطهار بيوم أو يومين، وقال ابن اللباد: هذا في زمن الأمن، أما في هذا الوقت فيفسخ الكراء بينهما، وإذا قلنا برواية ابن القاسم، فيتجاوز الدم مدة الحبس، فهل تطوف أو يفسخ الكراء؟ قولان. قال سند: هذا إن كان الكري يمكنه الانفراد بالسير، أما أهل الآفاق البعيدة الذين لا يروحون الأحمية، فأمره محمول على زمن الحج عادة، ولا يحبس عليها بعد ذلك؛ لأنها لو صرحت له بذلك عند العقد لأباه بخلاف الأول وهي كالمحصورة بالعدو، ولا يلزمها جميع الأجرة، ويحتمل أن يقال عليها؛ لأن الامتناع منها، وروى سحنون أنها تطوف، للخلاف في اشتراط الطهارة في الطواف، ولأنه يستباح للضرورة كقراءة القرآن للحائض لضرورة النسيان. وههنا أعظم قال مالك: وتحبس القافلة إن كانت إقامتها اليومين، قال مالك: فلو شرطنا عليه عمرة في الحرم فحاضت قبلها لا يحبس، ولا يوضع من الكراء شيء؛ لأن المقصود الحج، وفرق مالك مرة بين الحائض والنفساء إذا لم يعلم به الكري فقال: الحيض شأن النساء فهو دخل عليه بخلاف النفاس، وحيث قلنا: تحبسه، فلا يزاد شيئا. الثالث: في (الكتاب): إذا أحرم مكي من مكة بالحج أجزأه الطواف مع السعي بعد الوقوف، ولو عجلهما قبله لم يجزئه، وأعادها بعده فإن لم يعد ورجع إلى بلده أجزأه وأهدى، وفي (الجلاب): إذا أخر غير المراهق الطواف والسعي عامدا حتى خرج إلى منى فليطف، وليسع إذا رجع ويهدي، فإن تركها ناسيا فليسع من طواف الإفاضة ولا دم عليه عند ابن القاسم، والقياس - عندي - في الدم بخلاف المراهق، وقاله الأبهري، ولا بأس بتأخير الإفاضة إلى آخر أيام التشريق، وتعجيلها أفضل، فإن أخرها بعد ذلك إلى المحرم فعليه دم، ومن نسي الإفاضة وقد طاف للوداع أجزأه إذا بعد، إما للمشقة، وإما لأن أركان الحج لا تفتقر إلى النية فيما يعين الطواف الفرض من غيره، قال اللخمي: وقال ابن عبد الحكم: لا يجزئه، قال سند: يرجع للإفاضة إلا أن يكون طاف تطوعا، ولم يعين الوداع. نظائر: يجزئ غير الواجب عن الواجب في المذهب في سبع مسائل على الخلاف فيها: من جدد وضوئه ثم تبين حدثه أو اغتسل للجمعة ناسيا للجنابة، أو نسي لمعة من الغسلة الأولى في وضوئه ثم غسل الثانية بنية السنة، أو من سلم من اثنتين ثم أعقبهما بركعتين نافلة، أو اعتقد السلام ولم يكن سلم، ثم كمل بنية النافلة، أو نسي سجدة من الرابعة وقام إلى خامسة، أو نسي طواف الإفاضة وطاف للوداع. الرابع: في (الكتاب): يجزئ القارن طواف واحد، وقاله (ش) وابن حنبل؛ لقوله عليه السلام في الترمذي: (من أحرم بحج أو عمرة أجزأه طواف واحد). وقال (ح): عليه طوافان وسعيان، لما يروي (أن عليا - رضي الله عنه - حج قارنا وطاف لهما طوافين وسعى لهما سعييين، ثم قال: هكذا رأيته عليه السلام فعل) وجوابه: أنه ضعيف سلمنا صحته، لكن القول مقدم على الفعل، لما تقرر في علم الأصول. ومن دخل مكة مراهقا يخشى فوات الحج وهو مفرد أو قارن: فليدع الطواف بعد الوقوف ولا دم عليه؛ لأن عائشة - رضي الله عنها - أخرته للحيض، فإن كان غير مراهق فعليه دم دخل مكة أو الحرم أم لا، وقال أشهب في (الموازية): لا دم عليه؛ لأن حكمه يتعلق بمكة لا بالحج كطواف الوداع، والمذهب يرى: أنه متعلق بالإحرام، والمفرد إذا طاف الطواف الواجب، وسعى على غير وضوء ثم طاف للإفاضة بعد الوقوف على وضوء، ولم يسع حتى أصاب النساء والصيد والطيب والثياب، فليرجع لابسا للثياب حلالا إلا من النساء والصيد والطيب، فيعتمر ويسعى ثم يعتمر ويهدي، وليس عليه أن يحلق؛ لأنه حلق بمنى ولا دم عليه في الثياب؛ لأن جمرة العقبة أحلتها له بخلاف المعتمر لا تحل له الثياب حتى يفرغ من السعي، وعليه لكل صيد أصابه الجزاء، ولا دم لتأخير الطواف الذي طافه على غير وضوء؛ لأنه لم يتعمد ذلك فهو معذور كالمراهق، والعمرة مع الهدي تجزئه لذلك كله، وأكثر الناس يقولون: لا عمرة عليه، قال سند: قال أشهب: إذا أصاب النساء عليه هديان: للفساد والتفريق، ويختلف في وجوب الدم عليه لطوافه الذي طافه على غير وضوء، كما اختلف فيمن تركه ناسيا، وأما لو طاف المعتمر بغير وضوء أو في طواف الإفاضة: ففي (الكتاب): إن ذكر بعد تحلله بمكة أو بلده فليرجع حراما، فيطوف، وإن حلق افتدى، وعليه لكل صيد جزاء؛ لأنه باق على إحرامه. المقصد العاشر: رمي منى، وفي (المقدمات): يروى في رمي الجمار: أن إبراهيم - عليه السلام - لما أمر ببناء البيت سارت السكينة بين يديه، كأنها قبة، فكان إذا سارت سار، وإذا نزلت نزل، فلما انتهت إلى موضع البيت استقرت عليه، وانطلق إبراهيم مع جبريل - عليهما السلام - حتى أتيا العقبة، فعرض له الشيطان فرماه، ثم مر بالثانية فعرض له فرماه، ثم مر بالثالثة فعرض له فرماه، فكان ذلك سبب رمي الجمار تذكيرا بآثار الخليل، وتعظيما لشأنه ببقاء الذكر الجميل، صلوات الله عليه، ثم مشى معه يريه المناسك حتى انتهى إلى عرفه، فقال له عرفت؟ فقال له: نعم، فسميت عرفة، ثم رجع فبنى البيت على موضع السكينة. ويروى أن الكبش الذي فدي به إسحاق - عليه السلام - هرب من إبراهيم عليه السلام، فاتبعه فأخرجه من الجمرة الأولى فرماه بسبع حصيات فأفلت عندها، فجاء الجمرة الوسطى فأخرجه عنها فرماه بأربع حصيات فأفلت عندها، فجاء الجمرة الكبرى جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات فأخذه عندها فجاء به المنحر فذبحه. فائدة: الجمرة اسم للحصاة، ومنه الاستجمار أي: استعمال الحجارة في إزالة الأذى عن المخرج، وقد تقدم صفة الجمار وقدرها في العقبة. والخص هذه الجمار في تفريعات ستة: الأول: في (الكتاب) يرمي في كل يوم من الأيام الثلاثة التي بعد يوم النحر، في كل مرة سبع حصيات ماشيا بعد الزوال، فإن قدم قبله أعاد بعده، وجوزه (ح) في اليوم الثالث قبله؛ لأنه يجاوره يوم لا رمي فيه، فأشبه يوم نحر. لنا: القياس على ما قبله، وهو أولى من يوم النحر، وفي (الجواهر): للرمي وقت أداء، ووقت قضاء، ووقت فوات: فالأداء من بعد الزوال إلى مغيب الشمس، وتردد أبو الوليد في الليل، والفضيلة تتعلق بعقيب الزوال، والقضاء لكل يوم ما بعده، ولا قضاء للرابع، فإن ترك جمرة أتى بها في يومها إن ذكرها، ولا شيء عليه، إلا أن يكون الأولى أو الوسطى فيعيد ما بعدها للترتيب، وقيل: لا يعيد، وإن ذكرها بعد يومها أعاد ما كان في وقته، وقيل: لا يعيد. الثاني: في (الكتاب): يرمي الجمرتين الأوليين من فوقهما، والعقبة من أسفلها، والجمرة الأولى تلي مسجد الخيف، ثم الوسطى تليها إلى مكة، ثم الثالثة جمرة العقبة، وهي البعيدة إلى منى وأقربها إلى مكة. وترتيب الرمي منقول خلفا عن سلف. وليس في تركه دم عند الجميع؛ لأنه هيئة نسك، وليس نسكا، فإن رمى بسبع حصيات في مرة لم يجزئه، وهي كواحدة لفعله - عليه السلام - ذلك مفرقا، ويوالي بين الرمي، ولا ينتظر بين الحصاتين شيئا، ويكبر مع كل حصاة، وإن ترك التكبير أجزأه، ولا يبدل التكبير بالتسبيح، ويقف عند الجمرتين للدعاء، ولا يقف عند جمرة العقبة، ولا يرفع يديه، وإن لم يقف فلا شيء عليه، قال ابن القاسم: وإن وضع الحصباء أو طرحها لم يجزئه، فإن رمى بحصاة فوقعت قرب الجمرة: فإن وقعت موضع حصاة الجمرة أجزأه وإن لم تبلغ الرأس، وإن سقطت في محمل رجل فنفضها صاحب المحمل فسقطت، لم يجزئه؛ لأنه ليس راميا بها، ولو أصابت المحمل ثم مضت بقوة الرمية أجزأه، وقال ابن حنبل: إذا كان ابتداء الرمي من فعله صح، كما لو صادفت موضعا صلبا. أو عنق بعير، أو رأس إنسان ثم طاحت للرمي، والفرق: أن هذا منسوب إلى فعله بخلاف الأول. قال سند: العقبة جبل معروف، والجمرة اسم للكل، فلو وقعت دون الجمرة وتدحرجت إليها أجزأه؛ لأنه من فعله، فلو شك في وصولها فالظاهر عدم الإجزاء، وعند (ش) قولان نظرا للأصل والغالب، فلو وقعت دون المرمى على حصاة فصارت الثانية في المرمى لم يجزئه، وكذلك إذا رمى لغير الجمرة قصدا فوقعت فيها، لعدم النية، ولو قصد الجمرة فتعدتها لم يجزئه لعدم الاتصال، ولو تدحرجت من مكان عال فرجعت إليها فالظاهر عدم الإجزاء؛ لأن الرجوع ليس من فعله، وللشافعية قولان. الثالث: في (الكتاب): إن فقد حصاة فأخذ مما بقي عليه من حصى الجمرة فرمى به أجزأه، ومن ترك جمرة من هذه حتى غابت الشمس رماها ليلا، واختلف قول مالك في لزوم الدم، وهو أحب إلي، ولو ترك جمرة أو الجمار كلها حتى مضت أيام منى: فعليه بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة، فإن لم يجد صام، وأما في الحصاة فعليه دم، وإذا مضت أيام التشريق فلا رمي؛ لقوله تعالى: (واذكروا الله في أيام معدودات) [البقرة 203] وهي أيام التشريق، والقضاء إنما يكون بأمر جديد، ولم يوجد وإذا رمى الجمار الثلاثة بخمس يوم ثاني النحر، ثم ذكر من يومه رمى الأولى التي تلي مسجد منى بحصاتين، ثم الوسطى بسبع، ثم العقبة بسبع، ولا دم عليه، ولو ذكر من الغد رماها كذلك وأهدى على قولي مالك، ولو رمى من الغد ثم ذكر قبل مغيب الشمس أنه نسي حصاة من الأولى بالأمس فليرم الأولى بحصاة والاثنتين بسبع سبع، ثم يعيد رمي يومه لتفا وقته، وعليه دم للأمس على الخلاف، وإن ذكر ذلك قبل مغيب الشمس من اليوم الثاني رمى عن أمس كما تقدم، وعليه دم ولم يعد رمي يومه، وإن لم يذكر ذلك إلا بعد رمي يومه قبل مغيب الشمس من آخر أيام التشريق رمى الأولى بحصاة الاثنتين بسب، سبع عن أول يوم، وأعاد الرمي ليومه إذ عليه بقية منه، ولا يعيد رمي اليوم الذي بينهما؛ لأن وقت رميه قد مضى عليه دم على الخلاف، وإن ذكر أنه نسي حصاة من أول يوم لا يدري من أي الجمار هي؟ قال مالك: مرة يرمي الأولى بحصاة ثم يرمي الوسطى والعقبة بسبع سبع، قال ابن القاسم: وبه أقول، ثم قال: يرمي كل جمرة بسبع. قال سند: عدد الجمار سبعون حصاة، سبع ليوم النحر في جمرة العقبة، وفي الأيام بعدها ثلاث وستون، كل يوم إحدى وعشرون لكل جمرة سبع، فتارك الأولى كتارك الثلاث لوجوب الترتيب، فإن ترك الآخرة: قال مالك: عليه بقرة، قال عبد الملك: الجمرة الواحدة كالجميع، وعليه بدنة، فرآها نسكا تاما، وعند مالك هي بعض نسك، أما إذا ترك حصاة من يومه الذاهب: فإن كانت من الأولى فقد ترك الأخرتين لوجوب الترتيب، وإن كانت من الأخيرة قال مالك: عليه شاة، وبذلك قال عبد الملك: إلى ست حصيات، وقال (ش) في الحصاة: يطعم مسكينا مدا، وفي الحصاتين: مدين، وفي الثلاث: شاة. وقال مرة: في حصاة درهم، وقال مرة: ثلث شاة، لنا: أن عددها سبع، فما أوجبه كلها أوجه بعضها كالطواف، وكوجوب الترتيب، وقال (ش) وابن حنبل، وقال (ح): مستحب قياسا للجمار على الرمي والحلق والذبح، لنا: القياس على الطواف والسعي. ولذلك إذا رمى الأولى بخمس بطل ما بعدها فيكملها ويعيد ما بعدها إن كان قريبا، وإن طال وقلنا: الفور شرط استأنف، وإن قلنا الفور شرط مع ذكر بني، وإن طال في يومه أو غده ما دامت أيام التشريق. والترتيب واجب في أداء الرمي كالترتيب بين أركان الصلوات في أدائها وبين القضاء والأداء كالصلاة المنسية مع الحاضرة، وفي الأول يجب مع الذكر والسهو كالصلاة، وفي الثاني يجب مع الذكر فقط كترتيب الصلوات، وإذا ذكر في اليوم الثاني أنه ترك حصاة من الجمرة الأولى من اليوم الأول: فعلى اعتبار الفور يعيد الجمرات الثلاث، وعلى المشهور: يرمي للأولى حصاة ويعيد اللتين بعدها، فإن أخذ في ذلك فسها عن حصاة أيضا: اختلف قول مالك فيه، كالاختلاف فيمن رأى في ثوبه نجاسة - وهو في الصلاة - فقطع وذهب ليغسلها فسها وصلى: هل يعيد صلاته كما لو صلى بذلك ابتداء أولا يعيد نظر للسهو؟ ولو شك بعد رمي الثلاث في إكمال الأولى يختلف في ابتداء الجميع أو البناء على التيقن، أو لا شيء عليه، كمن شك في ركعة بعد سلامه، وعلى القول بالبناء في الشك: اختلف قول مالك في الناسي: فروى ابن قاسم الابتداء، وقد كان يقول: يبني، والفرق: أن الناسي مفرط بخلاف الشاك، ويخرج على هذه الأصول: من سها فرمى الجمرة الأخيرة ثم الوسطى ثم الأولى فيعيد الوسطى ثم الأخيرة، وإن لم يذكر ذلك حتى تباعد، أعاد الرمي، ولو رمى الثلاث بحصاة حصاة لكل جمرة، وكرر ذلك حتى كمل كل واحد سبعا: قال محمد: يرمي الثانية ستا، والثالثة سبعا، وهو مؤذن بجواز التفريق، إلا أنه رآه تفريقا يسيرا كما قال ابن الجلاب: من فرق رميه تفريقا فاحشا أعاد رميه، فاشترط التفاحش، وفي (الجلاب): لو بقيت بيده حصاة لا يدري من أي الجمار هي؟ رمى بها الأولى ثم الوسطى ثم الأخيرة، وقيل: يستأنف الجمار كلها. الرابع: في (الكتاب): إذ بات ليلة أو جلها من ليالي منى أو جملتها في غير منى فعليه دم، وبعض ليلة لا شيء فيه لما في أبي داود قالت عائشة رضي الله عنه: (أفاض النبي - عليه السلام - من آخر يوم حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق) وفي الموطأ أرخص عليه السلام لرعاة الإبل في البيتوتة عن منى، والرخصة تقتضي انتقاء الوجوب لقيام المانع، وثبوت الوجوب عند عدمه، واتفق أرباب المذاهب أن من ترك المبيت جميع أيام منى بأن يرمي ويبيت في غير منى: أن الدم لا يتعدد، وقد قال مالك و(ش): عليه دم واحد، وقال (ح): لا شيء عليه؛ لأنه لو كان يوجب دما لما سقط بالعذر كالطيب واللباس، وينتقض عليه بترك الوقف مع الإمام نهارا لعذر، فإنه لا شيء عليه، ومع عدم العذر عليه دم إجماعا، ثم الفرق: أن الطيب محرم فالدم كفارة، والدم ههنا جبر فيسقط بالعذر. الخامس: في (الكتاب): إذا قدر على حمل المريض القادر على الرمي حمل ورمى بيده، وقال ابن القاسم: ولا يرمي الحصاة في كف غيره ليرميها ذلك، وإن عجز عن الرمي والحمل، لم يجد من يحمله رمى عنه غيره، ثم يتحرى المريض وقت الرمي فيكبر لكل حصاة تكبيرة، ويقف الرامي عند الجمرتين للدعاء، ويتحرى المريض ذلك الوقوف فيدعو، وعلى المريض الدم؛ لأنه لم يرم فإن صح ما بينه وبين غروب الشمس من آخر أيام الرمي أعاد ما رمى غيره عنه كله في الأيام الماضية، وعليه الدم، ولورمي عنه جمرة العقبة يوم النحر فصح آخره أعاد الرمي ولا دم عليه، فإن صح ليلا فيلزم ما رمي عنه وعليه الدم، والمغمى عليه كالمريض، ويرمي عن الصبي من رمى عن نفسه كالطواف، والصبي العارف بالرمي يرمي عن نفسه فإن ترك الرمي أو لم يرم عن العاجز فالدم على دم أحجهما؛ لأن النيابة عن الصبي في الإحرام كالميت والدم تابع للإحرام، وفي الترمذي قال جابر: (كنا إذا حججنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نلبي عن النساء ونرمي عن الصبيان) ويريد بالنساء: الأمهات الموتى إن نحج عنهن، قال سند: إذا طمع المريض في القدرة على الرمي في آخر أيام التشريق، قال مالك: ينتظر آخر أيام الرمي وهذا يقتضي أن اليوم الأول لا يفوت بفوات يومه بل يكون أوله زوال الشمس، وآخره آخر أيام التشريق، وعليه يخرج قوله: لا دم عليه إذا تركه حتى خرج يومه، ويشهد له جواز التعجل للرعاة؛ لأن الرخصة في التأخير لا تخرج فيه العبادة عن وقتها، كالجمع بين الصلاتين، وعلى قوله: عليه الدم: يقتضي أن المريض لا يؤخره بعد يوم، وقال أشهب: لا هدي إذا أعاد ما رمي عنه، وهو أحد قولي مالك فيمن أخر رمي يومه إلى غده، وعند (ش): لا هدي، ولا يرمي عن نفسه ما رماه عنه غيره؛ لأن الفعل قد سقط عنه بفعل المناسب. لنا: أن القياس يقتضي أن ذلك الرمي لا يجزئه؛ لأن الأعمال البدنية لا تدخلها النيابة، لكن لما قال بعض السلف: يرمي عنه فعل ذلك استحبابا، ووجب الدم لترك النسك، ويرمي عنه من قد رمى عن نفسه، فإن رمى رميا واحد عنهما فيختلف هل يجزئ عن نفسه أو المرمي عنه أو لا يجزئ عن واحد منهما؟ فلو رمى جمرة العقبة عن نفسه رماها عن المريض، ثم كمل ذلك، قال ابن حبيب: أخطأ وأجزأ عنهما، وقال الشافعية: يستحب له وضع الحصاة في يد النائب عنه؛ لأنه المقدور له، وهو غير مستقيم، فإن الرمي حينئذ لغيره لا له فلم يأت بالواجب، واختلف قول ابن القاسم في الوقت للدعاء: فرأى مرة أن الوقوف لا تدخله النيابة كوقوف عرفة، وقال الشافعية: لا يرمي عن المغمى عليه إلا أن يأذن قبل الإغماء، ولم نفصل نحن؛ لأنه لا يجزئه عندنا بحال، فإن أفاق في أيام الرمي أعاد، أو بعدها أهدى، وإنما الخلاف إذا أفاق فيها هل عليه دم أم لا؟ السادس: في (الجلاب): لأهل الآفاق أن يتعجلوا في اليوم الثالث من يوم النحر فيرمون بعد الزوال، وينفرون بالنهار دون الليل، وإذا أراد أهل مكة التعجل في اليوم الأول فروايتان بالجواز والمنع، والاختيار للإمام أن يقيم إلى النفر الثاني ولا يتعجل في الأول، ومن تعجل نهارا، وكان عمره بمنى بعد تعجله فغربت الشمس عليه بها، فلينفر وليس عليه أن يقيم. وفي (الجواهر): أخذ ابن القاسم بقوله بالتعجيل للمكانين، ومن نفر في اليوم الأول سقط عنه رمي اليوم الآخر، ومبيت تلك الليلة، وقال ابن حبيب: يرمي عنه في الثالث قياسا على رعاة الإبل كما كان يرمي إذا لم يتعجل، قال الشيخ أبو محمد: وليس هذا قول مالك ولا أحد من أصحابه، قال ابن المواز: وإنما يصير رمي المتعجل كله تسعا وأربعين حصاة سبع يوم النحر، واليوم الثاني اثنان وأربعون، وأصل التعجيل: قوله تعالى: (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه) [البقرة 203] وفي (الجلاب): ويجوز لرعاة الإبل إذا رموا جمرة العقبة الخروج عن منى إلى رعيهم، فيقيمون فيه يومهم وليلتهم وغدهم، ثم يأتون في اليوم الثالث من يوم النحر فيرمون ليومهم الذي مضي وليومهم الذي هم فيه، ثم يتعجلون إن شاءوا أو يقيموا. المقصد الحادي عشر: الرجوع من منى، قال ابن القاسم في (الكتاب): لا بأس بتقديم الأثقال إلى مكة؛ لأنه في حكم السفر المباح بخلاف تقديم الأثقال إلى منى قبل يوم التروية، أو إلى عرفة يوم عرفة؛ لأنه ذريعة لتقدم الناس في وقت السنة فيه عدم التقدم، وهي في أثناء النسك، قال مالك: وإذا رجع الناس نزلوا بالأبطح فصلوا به الظهر والعصر والمغرب والعشاء إلا أن يكون رجل أدركه وقت الصلاة قبل إتيانه، والأبطح حيث المقبرة بأعلا مكة تحت عقبة (كدا) وسمي بذلك؛ لانبطاحه، وهو من المحصب، والمحصب ما بين الجبلين إلى المقبرة، وسمي محصبا؛ لكثرة الحصباء فيه من السيل، ونزول الأبطح ليلة الرابع عشر مستحب عند الجمهور، وليس بنسك، وفي الصحيحين أن النبي عليه السلام، وأبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - كانوا ينزلون بالأبطح، ويدل على عدم الوجوب: قول عائشة - رضي الله عنها في الصحيحين: (نزول الأبطح ليس بسنة، إنما هو منزل نزله النبي صلى الله عليه وسلم) وأما الصلوات: فلما رواه ابن حنبل مسندا أنه عليه السلام صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالأبطح، ثم هجع بها هجعة ثم دخل مكة. قال ابن أبي زيد في (النوادر): قال أصحابنا: يستحب لمن قفل من حج أو عمرة أن يكبر على كل شرف ثلاث تكبيرات، ويقول: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آئبون تائبون عابدون سائحون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. رواه مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما. وفي (الجلاب): يستحب المقام بالمعرس لمن قفل إلى المدينة والصلاة فيه، فإن أتاه في غير وقت الصلاة فليقم حتى يصلي إلى أن يتضرر. المقصد الثاني عشر: طواف الوداع وفي (الكتاب): طواف الوداع مستحب، يرجع إليه ما دام قريبا، قال ابن القاسم: وأنا أرى أن يرجع إليه ما لم يخش فوات أصحابه، ولا يؤمر بالوداع أهل مكة ولا من أقام بها من غير أهلها لعدم المفارقة، والوداع شأن المفارق ولا على من فرغ من حجه فخرج ليعتمر من (الجعرانة) أو (التنعيم) لأنه ليس بمفارق، ومن خرج ليعتمر من ميقاته أو حج من (مر الظهران) أو (عرفة) ونحوها بالتطوع، ويؤمر به من حج من النساء والصبيان والعبيد، فإن أراد المكي أو غيره السعي ودع، قاله الفقهاء كافة، لما في مسلم، قال عليه السلام: (لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهد بالبيت) وليس ركنا اتفاقا لحصول التحليل دونه، وقال الأئمة بوجوبه ووجوب الدم فيه لظاهر الحديث. وجوابهم: أن الدم لما في الإحرام من خلل الواجبات، وهذا بعد الإحرام، وإذا ودع ثم باع أو اشترى فلا يرجع، وإن أقام بمكة بعض يوم رجع وطاف، ولو ودع وبرز إلى (ذي طوى) فأقام يوما وليلة فلا يرجع للوداع، وإن كانوا يتمون الصلاة بها؛ لأنها من مكة، ولأنه وداع في العادة، قال سند: ويروى عن مالك: إن ودع وأقام إلى الغد فهو في سعة، ومن خرج إلى المنازل القريبة أو المتردد منها بالحطب ونحوه، لا يودع، وفي (الكتاب) إذا خرج المعتمر أو من فاته الحج بفسخ في عمرة من فوره أجزأه طواف العمرة عن الوداع؛ لأنه كتحية المسجد، وإذا حاضت امرأة بعد الإفاضة خرجت قبل الوداع، وقاله الأئمة لما في الموطأ أن أم سليم بنت ملحان استفتته عليه السلام، وقد حاضت أو ولدت بعدما أفاضت بعد النحر فأذن لها فخرجت، قال سند: فلو طهرت على القرب رجعت كناسي الطواف. وهي أربعة: اللاحقة الأولى: القران، وأخرت الكلام على التمتع والقران؛ لأن المركبات متأخرة عن المفردات، والقران هو اجتماع الحج والعمرة في إحرام واحد أو أكثرها. وفي (الكتاب): الإفراد أفضل من القران والتمتع، لما في الموطأ والبخاري، قالت عائشة رضي الله عنها: خرجنا مع النبي - عليه السلام - عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج، وأهل النبي - عليه السلام - بالحج، زاد أبو داود: لم يخالطه شيء وهو عليه السلام لا يفعل إلا الأفضل، وفي (الموطأ): كان عمر - رضي الله عنه - ينهى عن التمتع، وعثمان بن عفان - رضي الله عنه - ينهى عن القران. واتفقت الأمة على عدم النهي عن الإفراد فهو مجمع عليه، وغيره مختلف فيه، ولأن الدم في غيره جابر الخلل، وهو لا خلل فيه فيكون أفضل. وأول حجة وقعت في الإسلام لثمان من الهجرة، بعث عليه السلام عتاب بن أسيد على الناس، فأفرد، ثم بعث أبا بكر على الناس سنة تسع فأفرد ثم حج صلى الله عليه وسلم سنة عشر فأفرد وأفرد عبد الرحمن عام الردة، وأفرد الصديق السنة الثانية، وأفرد عمر عشر سنين، وأفرد عثمان ثلاث عشرة سنة، وفعله ابن عمر وابن عباس وعائشة - رضي الله عنهم أجمعين - وهذا يقتضي أنه المحفوظ عندهم من فعله عليه السلام، وأنه الأفضل، وقال (ش) وابن حنبل: التمتع أفضل لقوله عليه السلام لعائشة رضي الله عنها: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة). ولأنه مشتمل على عبادتين عظيمتين في وقت شريف، وهو شهور الحج فيكون أفضل، والجواب عن الأول: أنه عليه السلام إنما قال ذلك لتطييب قلوب أصحابه لما أمرهم بفسخ الحج من العمرة، ليظهر جواز العمرة في أشهر الحج، خلافا للجاهلية، وعن الثاني أن العمرة في غير أشهر الحج أفضل، ويؤيده: وجوب الدم على المتمتع، وقال (ح): القران أفضل؛ لما في أبي داود عن أنس، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبي بالحج والعمرة جميعا، ولأن فيه زيادة نسك وهو الدم، فيكون أفضل، والجواب عن الأول: أن رواية أنس اضطربت في الحج وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يذكر له عن أنس في الحج أشياء فيقول: كان أنس يتولج على النساء، أي صغير، وأنا عند شفة ناقة النبي عليه السلام يصيبني لعابها، فلعل أنسا - رضي الله عنه - سمعه عليه السلام يعلم أحدا التلبية في القران، فقال: سمعته يقول، وعن الثاني: أن الدم يدل عن المفضولية لما تقدم، وإذا قلنا بأفضلية الإفراد عليهما، فأيهما أفضل؟ قال مالك في (المجموعة): القران أفضل لشبهه بالإفراد، وقال القاضي في (المعونة) و(التلقين) و(ش): التمتع أفضل لاشتماله على العملين، قال أبو الطاهر: والمذهب أن القران أفضل من التمتع، وفي (الجواهر): التمتع أفضل من القران، قال صاحب (المقدمات)، وقالت طائفة من العلماء: لا يجوز تفضيل بعضها على بعض؛ لأنه عليه السلام شرعها ولم يفضل بينها. سؤال: قالت الملحدة: حج عليه السلام حجة واحدة وأصحابه معه متوافرون مراقبون لأحواله غاية المراقبة. ثم اختلفوا هل كان مفردا أو قارنا أو متمتعا؟ مع حرصهم على الضبط، وذلك يمنع الثقة بصدقهم في نقلهم، جوابه من أربعة أوجه: الأول، أن الكذب إنما يدخل فيما طريقه النقل، ولم يقولوا: أنه عليه السلام قال ذلك، بل استدلوا على معتقده بقرائن أحواله وأفعاله، والاستدلال بذلك يقع فيه الاختلاف، الثاني: أنه عليه السلام أمر بعضهم بالإفراد، وبعضهم بالتمتع، وبعضهم بالقران فأضاف ذلك الرواة إليه عليه السلام؛ لأنه أمر به كما قالوا: رجم ماعزا، وقطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم ولم يباشر ذلك، ونسبة الفعل إلى الآمر به مجاز مشهور. الثالث: أنه عليه السلام أمكن أن يكون قارنا وفرق بين إحرامه بالعمرة وإحرامه بالحج، فسمعت طائفة إحرامه بالعمرة فقالت: اعتمر، وطائفة بالحج، فقالوا: أفرد، وطائفة: الإحرام والتلبية بهما، فقالوا: قارن، وهو يؤكد مذهب الحنفية. الرابع: أن معرفة ذلك لم تكن واجبة عليهم على الأعيان، فلم تتوفر دواعيهم على ضبطه، بخلاف قواعد الشرائع وفروضه وفي (الجواهر): يتحد الميقات، والفعل في القران، وتندرج العمرة في الحج. (تمهيد): يقع التداخل في الشريعة في ستة مواضع: الأول الطهارة، كالوضوء إذا تعددت أسبابه أو تكرر السبب الواحد، والغسل إذا اختلفت أسبابه، أو تكرر السبب الواحد، والوضوء مع الجناية، وفي تداخل طهارة الحدث والخبث خلاف. الثاني: العبادات كسجود السهو إذا تعددت أسبابه، وتحية المسجد مع الفرض، والعمرة مع الحج في القران، الثالث: الكفارات كما لو أفطر في الأول من رمضان مرارا بخلاف اليومين أو أكثر خلافا لـ (ح) في إيجابه كفارة واحدة في جملة رمضان، واختلف قوله في الرمضانين. الرابع: الحدود إذا تماثلت وهي أولى بالتداخل من غيرها لكونها أسبابا مهلكة، وحصول الزجر بواحد منها ألا ترى أن الإيلاج سبب الحد، والغالب: تكرار الإيلاجات، فلولا تداخلها هلك الزاني، وإذا وجب تكرارها إذا تخللت بين أسبابها؛ لأن الأول اقتضاه سببه السابق، فلو اكتفينا به لأهملنا الجناة فيكثر الفساد، ولأنا علمنا أن الأول لم يف بزجره فحسن الثاني. الخامس: العدد تتداخل على تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى، السادس: الأموال كدية الأطراف مع النفس إذا سرت الجراحات، والصدقات في وطئ الشبهات، ويدخل المتقدم في المتأخر، والمتأخر في المتقدم، والطرفان في الوسط، والقليل في الكثير والكثير في القليل، فالأول نحو الأطراف مع النفس، والجنابة مع الحيض، والوضوء مع الغسل، والصداق المتقدم مع المتأخر إذا اتحدت الشبهة، وكان الأخير الأكثر، والثاني للصداق الآخر مع الأول إذا كان الأول أكثر مع أن ظاهر المذهب: أن المعتبر هو الحالة الأولى كيف كانت لحصول الوجوب عندها، فلا تنتقل لغيرها، والانتقال هو مذهب (ش) والحيض مع الجناية المتقدمة عليه، والحدود المتأخرة مع الأول المتماثل، والكفارات، والثالث نحو الموطؤة بالشبهة، وحالها الوسطى أعظم صداقا، والرابع: كالأصبع مع النفس إذا سرى الجرح، والصداق المتقدم أو المتأخر إذا كان أقل، والعمرة مع الحج، والوضوء مع الغسل، الخامس: الأطراف إذا اجتمعت مع النفس، والحدود مع الحد الأول، والكفارات والاغتسال والوضوآت إذا تعددت أسبابها أو اختلفت. تفريعات ثلاثة: الأول في (الكتاب): أجاز الشاة في دم القران على تكره واستجب البقرة؛ لقوله تعالى: (فما استيسر من الهدي) [البقرة 196] وهو يصدق على الشاة، والبدنة أعلا الهدي إجماعا، فالبقرة وسط، فيناسب التيسير، ومن أحرم بالحج لم يضف إليه حجا آخر ولا عمرة، فإن أردف ذلك أول دخوله مكة أو بعرفة أو بأيام التشريق لم يلزمه ويتمادى على حجه، ولا شيء عليه؛ لأنه انتقل من الأعلا إلى الأدنى، والتداخل على خلاف الأصل، فلو أدخل الحج على العمرة كان قارنا؛ لأنه انتقل من الأدنى إلى الأعلا، فإن أدخل العمرة على الحج: قال مالك و(ش) وابن حنبل: لا يكون قارنا، وقال (ح): يكون قارنا، وأشار إليه اللخمي قياسا على إدخال الحج على العمرة؛ لأنه أحد النسكين، وجوابه: ما تقدم من الفرق، وانتفاضه بإدخال الحج على الحج، بل ضم الشيء إلى جنسه أقرب، قال: ولمن أحرم بعمرة أن يردف عليها الحج، ويصير قارنا ما لم يطف بالبيت، فإذا طاف ولم يركع كره الإرداف، ويلزم إن فعل وعليه الدم، وإن أردف في بعض السعي كره، فإن فعل كمل عمرته واستأنف الحج، فإن أردف بعد السعي وقبل الحلاق: لزمه الحج ولم يكن قارنا ويؤخر الحلاق، ولا يطوف ولا يسعى حتى يرجع من منى إلا طواف التطوع، وعليه دم لتأخير حلاق عمرته، ولا دم عليه للمتعة إلا أن يحل منها في أشهر الحج إن كان غير مكي، والأصل في إدخال الحج على العمرة: حديث عائشة رضي الله عنها (أنها أحرمت بعمرة، فلما بلغت سرفا حاضت وهي بقرب مكة، فدخل عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي تبكي فقال لها: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فأهلي بالحج، واصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت) فجوز لها إدخال الحج على العمرة، قال سند: إذا طاف شوطا واحدا ثم أردف صار قارنا عند ابن القاسم؛ لأن للعمرة ركنين: الطواف والسعي، فإذا لم يكمل الطواف بها لم يكمل ركن يمنع من عدم إتمام العمرة، وقال أشهب و(ش) و(ح): لا يصير قارنا؛ لأن المقصود من العمرة الطواف والسعي وإذا طاف شوطا اتصل المقصود بالإحرام، ولأن ذلك الشوط وقع للعمرة فلا ينتقل للقران؛ لأن الرفض لا يدخل في النسك، وزعم اللخمي أن قول القاسم اختلف بعد الطواف وقبل الركوع، وفي (الجلاب) روايتين: إذا أردف قبل السعي أو في أثنائه، وإن قلنا يصير قارنا في بعض الطواف سقط عنه باقي العمرة، ويتم طوافه نافلة، ولا يسعى؛ لأن سعي الحج لابد من اتصاله بطواف واجب، وإن قلنا يصير قارنا في أثناء السعي قطع سعيه؛ لأن السعي لا يتطوع به منفردا، وحيث قلنا: لا يكون قارنا فإن كان الحج حج الإسلام بقي في ذمته، أو تطوعا سقط عنه عند أشهب، كما لو أردف حجا على حج أو عمرة على عمرة أو عمرة على حج، وقيل: يلزمه الإحرام به؛ لأنه التزم شيئين في إحرامه: الحج، وتداخل العمل، بطل الثاني فيبقى الأول، عملا بالاستصحاب. سؤال: مشترك الإلزام، إذا أردف العمرة على الحج، جوابه: الفرق بأنه التزم العمرة في وقت يتعذر عليه فعلها، فكان كناذر صوم النحر، بخلاف الأول، قال: فإن أردف الحج بعد السعي قبل الحلاق وجب تأخير الحلاق، ويهدي لتأخيره، وقال بعض القرويين: يسقط عنه الهدي؛ لأن حلقه حرام، وليس كما قال؛ لأن حلاقه كالصلاة في الدار المغصوبة، واجبة من وجه، حرام من وجه فيجب الدم لتأخيره من حيث هو واجب. الثاني: في (الكتاب): إذا كانت عمرته في أشهر الحج فعليه هدي للمتعة، ويؤخرهما جميعا، يقف بهما عرفة، وينحران بمنى، وجاز تأخير ما وجب بسبب العمرة لارتباطها بالحج، فإن أخرج هدي تأخير الحلاق إلى الحل فيسوقه إلى مكة وينحره بها، وليس على من حلق من أذى وقوف هديه بعرفة؛ لأنه نسك. قال ابن القاسم: لا يحرم أحد بالقران من داخل الحرم؛ لأن العمرة لا يحرم بها إلا من الحل، قال مالك: وإذا أحرم مكي بالعمرة من مكة ثم أردف الحج صار قارنا، وليس عليه دم قران. قال مالك في (الموازية): أكره القران للمكي، فإن فعل فلا هدي عليه وبالصحة، قال (ش)، وقال (ح): لا يصح منهم تمتع ولا قران، فإن تمتع فعليه دم خلافا لنا، وإن قرن ارتفضت عمرته أحرم بهما معا أو متعاقبين؛ لقوله تعالى: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) [البقرة: 196] والإشارة بذلك إلى التمتع، فلذلك إضافة باللام، ولو أراد الهدي لإضافة بعلي؛ لأن اللام لما يرغب، وعلى لما يرهب، ولذلك تقول: وشهد له عليه، والقران مثل التمتع؛ لأنه فيه إسقاط أحد (العملين، كما أنه في التمتع إسقاط أحد السفرين). وجوابه: أن الإشارة بذلك إلى الهدي؛ لأن الإشارة كالضمير يجب عودها إلى أقرب مذكور وهو أقرب، ولما كان حكما شرعيا حسن إضافته باللام، تقديره: ذلك مشروع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، الآية، فيسقط عن المكي، قال أبو الطاهر: قال عبد الملك: على المكي دم القران بخلاف المتمتع؛ لأنه أسقط أحدا العملين مع قيام موجبه، وجوابه: أن موجب الدم نقصان النسكين لعدم الإحرام من الميقاة لهما منفردين، وهو مشترك بين المكي وغيره لإيجاد الإحرام. الثالث: في (الكتاب): إذا دخل مكي العمرة ثم أضاف الحج ثم مرض حتى فاته الحج خرج إلى الحل، ثم رجع وطاف وحل وقضى قابلا الحج والعمرة قارنا، ومن دخل مكة قارنا فطاف وسعى في غير أشهر الحج، ثم حج من عامه فعليه دم القران، وبه قال (ح) وابن حنبل، وقال (ش): يعقد إحرامه بالعمرة لا بالحج بناء على أصله في اشتراط الميقاة الزماني في الانعقاد، وقد سبق جوابه في المواقيت، قال: والذي يسقط عنه دم القران والتمتع: أهل مكة وطوى فقط، بخلاف المناهل التي بين مكة والمواقيت، والمكي إذا خرج إلى مصر أو غيرها لا ينوي الاستيطان، ثم رجع فقرن فلا دم عليه، وقد تقدم أن حاضري المسجد الحرام لا دم عليهم، واختلف فيهم فقال مالك: هم أهل مكة وطوى طرف منها، وقال (ش) وابن حنبل: الحرم ومن كان خارجه بمسافة القصر، وقال (ح): من دون الميقات إلى الحرم، واللفظ أظهر فيما ذكرناه، وفي (النوادر) قال ابن حبيب: يلحق بمكة المناهل التي لا تقصر في مثلها الصلاة، وهو قول مالك وأصحابه، قال ابن أبي زيد: وليس بقول مالك وأصحابه، وفي (الجواهر): وقيل: كل من مسكنه دون المقات. وفي (الجلاب): إذا قتل القارن صيدا فجزاء واحد، وإن لبس أو تطيب ففدية واحدة، ومن أحرم بعمرة وساق هديا تطوعا، ثم أدخل الحج على العمرة: فهل يجزئه هدي عمرته عن قرانه؟ روايتان، نظرا لتعلق الهدي بالعمرة فتجزئ عنه، أو إن التطوع السابق لا يجزئ عن الواجب اللاحق. اللاحقة الثانية: التمتع، وهي مأخوذة من المتاع، وهو ما ينتفع به كيف كان لقول الشاعر: وقفت على قبر غريب بقفرة متاع قليل من حبيب مفارق فجعل وقوف الإنسان بالقبر متاعا، والتمتع فيه إسقاط أحد السفرين، فإن شأن كل واحد من النسكين أن يحرم به من الميقات، وأن يرحل إلى قطره فقد سقط أحدهما، فجعل الشرع الدم جابر لما فاته، ولذلك لم يجب على المكي؛ لأنه ليس من شأنه الميقات ولا السفر، وقال عطاء في (الواضحة): إنما سميت متعة؛ لأنهم يتمتعون بين العمرة والحج بالنساء والطيب، ويرد على الأول أنه لو تحلل من عمرته قبل أشهر الحج فإنه مسقط لأحد السفرين وليس بتمتع، وعلى الثاني أن المكي كذلك وليس بمتمتع، قال سند: ولوجوب الدم فيه شروط أن يكون غير حاضري المسجد الحرام، وأن تكون العمرة والحج في سفر واحد وعام واحد في أشهر الحج، وتقدم العمرة على الحج، والفراغ منها قبل الدخول فيه، وقاله الأئمة، وزاد صاحب (الجواهر): أن يقع النسكان عن شخص واحد، وزاد الشافعية: النية والإحرام بالعمرة من الحل، ويدل على الأول ما تقدم في القران، وعلى الثاني والثالث: قوله تعالى: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) [البقرة: 196] وحرف (إلى) للغاية، فجعل آخر العمرة متصلا بالحج، فإذا رجع إلى بلده أو مثله في البعد فقد فرق بينهما، وقال المغيرة: بل إلى موضع تقصر فيه الصلاة، وقال (ح): بل نفس بلده، فإنه ما لم يلم بأهله فإنه مترفه بسفره الأول عن سفرتين، وجوابه: أن الترفه إنما يحصل بقلة السير والترحال، ولا فرق بين بلده وما يساويه في ذلك، وقال (ش): بل الرجوع إلى ميقاته فيحرم منه بالحج؛ لأن ما بعد عن الميقاة لا يجب الإحرام منه، فلا معنى لاعتبار الخروج إليه، أما الميقاة: فالخروج إليه معتبر شرعا، والنص دل على الدم في حق من وصل العمرة بالحج في سفر، وهذا لم يصل فلا يجب عليه دم، وجوابه: ليس المراد مجرد الاتصال بل الانتفاع بما سقط عنه من السفر، وذلك مقتضى لفظ التمتع فيكون السبب هو الانتفاع بالسقوط، وهذا قد انتفع فيجب الدم، ويتأكد ما ذكرته بأنه محكي عن ابن عمر من غير مخالف، وروي عن مالك: إسقاط الدم عنه برجوعه إلى غير أفقه إلا أن يكون غير الحجاز لوجوب السفر، وقال ابن أبي زيد: إن كان أفقه لا يمكنه الرجوع إليه، والعود منه إلى الحج يكفي دونه مما يخاف فيه الفوات، ولو أفسد عمرته في أشهر الحج فحل منها ثم حج من عامه قبل قضاء عمرته فهو متمتع وعليه قضاء العمرة، قال صاحب (الاستذكار): في التمتع أربعة مذاهب: أحدها: أنه ما تقدم، وعليه جمهور الفقهاء وأنه المراد بالآية، والثاني: أنه القران التمتع فيه بسقوط العمل، والثالث: أنه فسخ الحج في العمرة لتمتعه بإسقاط بقية أعمال الحج، والرابع: أنه الإحصار بالعدو، وفسر ابن الزبير الآية به. ولنمهد الفروع على الشروط فنقول: الشرط الأول: قال في (الكتاب): إذا كان له أهل بمكة وأهل ببعض الآفاق فقدم معتمرا في أشهر الحج فهو من مشكلات الأمور، والهدي أحوط، وفي (الجواهر) قال أشهب: إن كان أكثر إقامته بمكة ويأتي غيرها منتابا فلا هدي عليه، وإن كان يأتي غيرها للسكني فعليه الهدي، قال اللخمي: لا يختلف في ذلك، وإنما تكلم مالك على مساواة إقامته في الموضعين، والمراعي في حضور المسجد وقت فعل التسكين والإهلال بهما، وفي (الكتاب): من دخل مكة في أشهر الحج بعمرة يريد سكناها، وحج من عامه فعليه دم التمتع؛ لأنه لم يتصف بسكناها، وإنما عزم، وقد يبدو له، والعزم على الشيء لا يقوم مقامه، وقال أشهب في (الموازية): إن دخل بالعمرة قبل أشهر الحج فهو متمتع وإلا فلا. الشرط الثاني: اجتماع العمرة والحج في أشهره، وفي (الكتاب): إذا تحلل من عمرته قبل أشهر الحج ثم اعتمر أخرى فيها وتحلل منها ثم حج من عامه فعليه دم المتعة؛ لأنه أسقط أحد السفرين باعتبار العمرة الثانية، وإذا فعل بعض العمرة في رمضان وبعضها في شوال ثم حج فعليه الدم، ولو لم يبق لشوال إلا الحلاق لم يكن متمتعا، وقال (ح): إذا أتى بأكثر أفعال العمرة في أشهر الحج كان متمتعا، وقال (ش) وابن حنبل: إذا لم يقع إحرام العمرة في شوال فليس بتمتع. لنا: أن العمرة إنما تعتبر بكمالها، وقد وقع في أشهر الحج. الشرط الثالث: أن لا يرجع إلى وطنه ولا إلى مثله في المسافة، وفي (الكتاب): إذا تحلل من عمرته وهو من أهل الشام فرجع إلى المدينة فعليه دم المتعة إلا أن يرجع إلى مثل أفقه، وقد تقدم الكلام على بقية الشروط الستة، وأما السابع الذي نقله في (الجواهر): فلم يجد فيه خلافا، وقال سند في (الموازية): متمتع وإن كان التمتع نسكا عن شخصين ولم يجد هو أيضا خلافا أجراه، اللخمي على التكفير قبل الحنث. اللاحقة الثالثة: فوات الحج، وفي (الكتاب): يجب على كل من فاته الحج أن يتم على عمل العمرة بالإهلال الأول، ولا يسمى لها إهلالا، ويقطع التلبية أوائل الحرم، ولا ينتظر قابلا إلا أن يشاء ما لم يدخل مكة فليطف، وليسع ولا يثبت على إحرامه، ويقضي حجه قابلا ويهدي، قال سند: يريد أنه يكره له البقاء على الإحرام خشية ارتكاب المحظورات، ولأنه إحرام بالحج قبل ميقاته الزماني بسنة، وهو مكروه في اليسير، وإذا بقي على إحرامه: فروى ابن القاسم: لا هدي عليه، وروى أشهب: عليه، استحبابا لمخالفته سنة من فاته الحج، وإذا تحلل بعمرة فلا هدي عليه عند (ح) وفي (الكتاب): إذا أراد أن يطوف ويسعى قبل أشهر الحج من قابل، بحج قابل قال: أخاف أن لا يجزئه قبل خوفه، قال سند: لاختلاف الناس في إجزاء السعي قبل أشهر الحج على الحج، وقيل: لم يكن كذلك؛ لأنه قال في (الكتاب): إذا قرن وسعى قبل أشهر الحج أجزأه لحجه، وإنما كرهه ههنا؛ لأن هذا السعي شأنه أن يكون لعمرة التحلل، ويكره جعله ركنا؛ لأن الطواف والسعي لم يتعينا بعد؛ لأنه لو شاء أن يتحلل بعد ذلك تحلل بعمرة، وعنده له التحلل ما لم تدخل أشهر الحج، فكان هذا السعي موقوفا، ليس مجزوما بأنه للحج، وإذا قلنا بالكراهة فيعيد السعي بعد الإضافة وفي (الكتاب): يكره لمن فاته الحج فأقام إلى أشهر الحج من قابل أن يتحلل بعمرة، فإن فعل أجزأه، ثم إن حج من عامه لم يكن متمتعا؛ لأنه لم يبتدئ العمرة في أشهر الحج، وإنما هذه رخصة له لقول عمر - رضي الله عنه - لهبار بن الأسود لما فاته الحج: أحل واقض الحج من قابل وأهد، قال ابن القاسم: إن فسخ حجه في عمرة في أشهر الحج فهو باطل، وقال أيضا: إن جهل ففعل ثم حج من عامه كان متمتعا، ولو ثبت على إحرامه بعد دخوله مكة حتى حج به قابلا أجزأه عن حجة الإسلام، ومن فاته الحج فوطئ أو تطيب فعليه ما على المحرمين، وعليه هدي الفوات وهدي الفساد في حجة القضاء، ويفعل غير ذلك متى شاء، قال سند: روي عن ابن القاسم في القارن يجامع ثم يفوته الحج: عليه أربع هدايا لفواته، ولأنه صار إلى عمل العمرة، فكأنه وطئ فيها، ولقرانه ولقضائه، وروي عنه: ثلاثة هدايا، فإن نحر هدي الفوات والفساد قبل القضاء: قال ابن القاسم: يجزئه؛ لأنه لو مات قبل ذلك أهدي عنه، وهو يدل على تقدم الوجوب، وإنما التأخير مستحب، وقال أصبغ: لا يجزئه وفي (الكتاب): من فاته حج مفرد أو أفسد حجا مفردا لا يقضي قارنا لتعين الإفراد بالإحرام، فإن فعل لم يجزئه، ومن فاته قارنا لا يقضي الحج وحده والعمرة وحدها، بل قارنا، خلافا لـ (ش) وابن حنبل؛ لتعذر القران بالإحرام، قال سند: قال ابن أبي زيد: إن أفسد القارن حجه فعليه في الحج الفاسد هدي واحد، وفي حجة القضاء هديان، وقال ابن أبي زيد: إن أفسد القارن فقضاه مفردا لم يجزئه، وعليه دم القران ودم التمتع، ويقضي قارنا ويهدي في القضاء هديين، قال سند: قال بعض المتأخرين منا: إذا أفسد القران بعد الطواف والسعي أو فاته فتحلل يقضي مفردا؛ لأنه إنما فاته الحج وحده، وقد فرغت عمرته بفراغ سعيه، قال: وهو غلط لعدم تميز فعل العمرة في القران، ولو كان كما قال لوجب الهدي لتأخير الحلاق، ولو تمتع ففسد حجه فقضى قابلا، قال في (الموازية): عليه هديان للمتعة والفساد، يجعل هدي المتعة ويؤخر هدي الفساد إلى القضاء. وقال عبد الملك: يقضي الحج والعمرة قابلا، قال: والأول أبين؛ لأن المتعة نسكان مفترقان فلو تمتع ففاته الحج، قال ابن القاسم: يسقط عنه دم المتعة. وفي (الجلاب): من فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحج، وليس عليه عمل ما بقي من المناسك بعد الوقوف بعرفة، ومن قدم مكة فطاف وسعى عند قدومه ثم مرض فتأخر حتى فاته الوقوف لم يجزئه طوافه وسعيه أولا عن تحلله. اللاحقة الرابعة: حج الصبي، وفيه فصلان:
|