الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النهاية في غريب الحديث **
المجلد الأول بسم الله الرحمن الرحيم أحْمدُ اللّه على نعمه بجميع مَحامده، وأُثني عليه بآلائه في بادئ الأمر وعائِدِه، وأشكره على وافر عطائه ورافِدِه، وأعترف بلُطْفه في مَصادر التوفيق ومَوارده. وأَشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا عبده ورسوله، شهادَةَ مُتَحَلٍّ بقلائد الإخلاص وفرائِدِه، مستقل بإحكام قواعد التوحيدِ ومَعَاقدِهِ. وأصلي على رسوله جامعِ نَوافر الإيمان وشَوارِدِه، ورافع أعلام الإسلام ومَطارِدِه (المطارد جمع مطرد - على وزن منبر -: الرمح القصير)، وشارع نَهْج الهُدى لقاصِدِه، وهادي سبيل الحق وماَهِدِه، وعلى آله وأصحابه حُماة معالم الدين ومَعاهِدِه، ورَادَةِ مَشْرَعِهِ السائغ لوارِدِه. أما بعد، فلا خلاف بين أُولي الألباب والعقول، ولا ارتياب عند ذَوِي المعارف والمحصول، أنّ علم الحديث والآثار من أشرف العلوم الإسلامية قَدْرا، وأحسنِها ذكرا، وأكملها نفْعا وأعظمها أجرا. وأنه أحَدُ أَقطاب الأسلام التي يَدُورُ عليها، ومعاقِدِهِ التي أضيفَ إليها، وأنه فَرْضٌ من فروض الكفايات يجب التزامُه، وحق من حقوق الدين يتعين إحكامه واعْتزَامُه. وهو على هذه الحال - من الاهتمام البيِّن والالتزام المُتعيِّن - ينقسم قسمين: أحدُهما معرفة ألفاظه، والثاني معرفة معانيه. ولاشك أن معرفَةَ ألفاظه مُقَدّمةٌ في الرتبة؛ لأنها الأصل في الخطاب وبها يحْصُل التفاهم، فإذا عُرِفَتْ تَرتَّبتِ المعاني عليها، فكان الإهتمام ببيانها أوْلَى. ثم الألفاظ تنقَسم إلى مفردة ومركبة، ومعرفة المفردة مقَّدمة على معرفة المركبة؛ لأنّ التركيب فَرْعٌ عن الإفراد. والألفاظ المفردة تنقسم قسمين: أحدهما خاصٌّ والآخر عامٌّ. أما العام فهو ما يَشْتَرِك في معرفته جُمهور أهل اللسان العربي مما يَدُورُ بَينَهم في الخطاب، فهم في معرفته شَرَعٌ سَوَاءٌ أو قريبٌ من السَّواء، تَناقَلوه فيما بينهم وتَداوَلوه، وتَلقَّفُوه من حال الصِّغَر لضرورة التَّفاهُم وتَعَلموه. وأما الخاصُّ فهو ما يدور فيه من الألفاظ اللُّغَوية، والكلمات الغريبة الحشويَّة، التي لا يعرفها إلا من عُنِيَ بها، وحافَظَ عليها واستخرَجَها من مظانّها - وقليلٌ ماَ هُمْ - فكان الاهتمام بمعرفة هذا النوع الخاصّ من الألفاظ أهمَّ مما سواه، وأولى بالبيان مما عداه، ومُقَدَّماً في الرتبة على غيره، ومَبدُوًّا في التعريف بذكره؛ إذ الحاجة إليه ضرورية في البيان، لازمة في الإيضاح والعِرْفان. ثم معرفته تنقسم إلى معرفة ذاته وصفاته: أما ذاته فهي معرفة وَزْن الكلمة وبنائها، وتأليف حروفها وضَبْطها، لئلاّ يتبدّل حرفٌ بحرف أو بناءٌ ببناء. وأما صفاته فهي معرفة حركاتِه وإعرابِه، لئَلا يَخْتَلَّ فاعل بمفعول، أو خبر بأمر، أو غير ذلك من المعاني التي مَبْنَى فَهْمِ الحديث عليها، فمعرفة الذات استقل بها علماءُ اللغة والاشتقاق، ومعرفة الصفات استقل بها علماء النحو والتَّصريف، وإن كان الفريقان لا يكادان يَفْتَرِقاَنِ لاضْطِرارِ كلّ منهما إلى صاحبه في البيان. وقد عَرفْت - أيّدك اللّه وإيّانا بلُطفه وتوفيقه -: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان أفصح العرب لسانا، وأوضَحَهُمْ بيانا. وأعذَبَهم نُطقا، وأسَدَّهم لفظا. وأبيَنَهم لَهجَة، وأقومَهم حُجة. وأعرَفَهُم بمواقع الخطاب، وأهدَاهم إلى طُرق الصواب. تأييداً إلهِياً، ولُطفا سماويا. وعنايَةً رَبَّانية، ورعايَةً رُوحانية، حتى لقد قال له عليُّ بنُ أبي طالب كرم اللّه وجهه - وسَمِعَهُ يخاطبُ وَفْد بَني نَهْد -: يا رسول اللّه نحن بنو أب واحد، ونراك تكلم وفود العرب بما لا نفهم أكثره! فقال <أدَّبني رَبّي فأحْسَنَ تَأديبي، وَرُبِّيتُ في بني سَعْد>. فكان صلى اللّه عليه وسلم يُخَاطب العرب على اختلاف شُعُوبهم وقبائلهم، وتَبَاين بُطونهم وأفخاذهم وفصائِلِهم، كلاًّ منهم بما يفهمون، ويُحادثُهم بما يعلمون. ولهذا قال - صَدَّق اللّه قَولَه -: <أُمرْتُ أن أخاطبَ الناسَ على قَدْر عُقُولهم>، فكأنّ اللّه عزّ وجل قد أعْلَمه ما لم يكن يَعْلَمُه غيرُه من بني أبِيه، وجمع فيه من المعارف ما تفرَّق ولم يوجد في قَاصِي العَرَب ودَانِيه. وكان أصحابُه رضي اللّه عنهم ومن يَفِدُ عليه من الْعَرَب يعرفون أكثرَ ما يقوله، وما جَهِلوه سألوه عنه فيوضحه لهم. واسْتمرَّ عصره صلى اللّه عليه وسلم إلى حين وفاته على هذا السَّنَن المستقيم. وجاء العصر الثاني - وهو عصر الصحابة - جاريا على هذا النَّمط سالكا هذا المَنهج. فكان اللسان العربي عندهم صحيحا مَحْرُوسا لا يَتَدَاخَلُهُ الخَلل، ولا يَتَطرَّقُ إليه الزَّلَل، إلى أن فُتحت الأمصار، وخالطَ العربُ غيرَ جنسهم من الروم والفرس والحبش والنَّبَط، وغيرهم من أنواع الأمم الذين فتح اللّه على المسلمين بلادَهم، وأفاَءَ عليهم أموالَهم ورقابَهُم، فاختلطتِ الفرق وامتزجت الألسُن، وتداخَلتِ اللغاتُ ونشأ بينهم الأولاد، فتعلموا من اللسان العربي ما لا بدّ لهم في الخطاب منه، وحفظوا من اللغة ماَلاَ غِنًى لهم في المحاوَرَةِ عنه، وتركو ما عداه لعدم الحاجة اليه، وأهمَلوه لقلّة الرَّغبة في الباعث عليه، فصار بعد كونه من أهمّ المعارف مُطّرَحاً مهجوراً، وبعد فَرْضِيَّتهِ اللازمة كأن لم يكن شيئا مذكورا. وتمادتِ الأيامُ والحالة هذه على ما فيها من التَّماسُك والثَّبَات، واسْتَمرَّت على سَنَنٍ من الاستقامة والصلاح، إلى أن انقرض عصرُ الصحابة والشأنُ قريب، والقائمُ بواجب هذا الأمر لقلّته غريب. وجاء التابعون لهم بإحسان فسلكوا سبيلهم لكنهم قلُّوا في الإتقان عددا، واقْتَفَوْا هديَهُمْ وإن كانوا مَدُّوا في البيان يَدَا، فما انقضى زمانُهم على إحسانهم إلاّ واللسانُ العربيُّ قد استحال أعجميا أو كَاد، فلا ترى المُسْتَقِلَّ به والمحافِظَ عليه إلاّ الآحاد. هذا والعصرُ ذلك العصرُ القديم، والعَهدُ ذلك العهدُ الكريم، فجهِل الناس من هذا المُهِمّ ما كان يلزمُهم معرفَتُه، وأخّروا منه ما كان يجب تَقْدِمَتُه، واتخذوه وراءَهم ظِهْرِيًّا فصار نِسْياً منسياً، والمشتغل به عندهم بعيدا قصيّاً، فلما أعضَلَ الدَّاء وعزَّ الدَّواء، ألهمَ اللّه عز وجل جماعة من أولِي المعارف والنُّهَى، وذوي البصائر والحِجَى، أن صرفوا إلى هذا الشأن طَرَفاً مِن عنَايتهم، وجانبا من رِعايَتهم، فشَرَّعوا فيه للناس مواردا، ومهَّدوا فيه لهم معاَهدا، حراسةً لهذا العلم الشريف من الضياَع، وحفظا لهذا المهِم العزيز من الاختلال. فقيل إن أوّلَ من جَمعَ في هذا الفنّ شيئاَ وألَّف أبو عبيدة مَعْمَر بن المثنّى التميمي، فجمع من ألفاظ غريب الحديث والأثر كتابا صغيرا ذا أوراق معدودات، ولم تكن قِلَّتُهُ لجهله بغيره من غريب الحديث، وإنما كان ذلك لأمرين: أحدهما أن كل مُبْتَدِئ لشىء لم يُسْبَق إليه، وَمُبْتَدِعٍ لأمر لم يُتَقَدَّم فيه عليه، فإنه يكون قليلا ثم يكثر، وصغيرا ثم يكبر. والثاني أنَّ الناسَ يومئذ كان فيهم بَقِيةٌ وعندهم معرفة، فلم يكن الجهلُ قد عَمّ، ولا الخطبُ قد طَمّ. ثم جَمَع أبو الحسن النَّضْر بن شُميل المازنيّ بعده كتابا في غريب الحديث أكبر من كتاب أبي عُبيدة، وشرح فيه وبَسَطَ على صغر حجمه ولُطفه. ثم جمع عبدُ الملك بن قُرَيب الأصمعيّ - وكان في عصر أبي عُبيدة وتأخر عنه - كتابا أحسن فيه الصُّنْعَ وأجاد، ونيَّف على كتابه وزاد، وكذلك محمد بن المُسْتَنير المعروف بِقُطْرُب، وغيره من أئمة اللغة والفقه جمعوا أحاديث تَكَلموا على لغتها ومعناها في أوراق ذواتِ عِدد، ولم يَكَدْ أحدُهم ينفردُ عن غيره بكبير حديث لم يذكره الآخر. واستَمَرَّتْ الحال إلى زمن أبي عُبيد القاسم بن سلاّم وذلك بعد المائتين، فجمع كتابه المشهور َفي غريب الحديث والآثار الذي صار - وإن كان أخيراً - أوّلا، لما حواه من الأحاديث والآثار الكثيرة، والمعاني اللطيفة، والفوائد الجمَّة، فصار هو القدوةَ في هذا الشأن فإنه أفْنى فيه عمره وأطاب به ذكره، حتى لقد قال فيما يروى عنه: <إني جَمَعْتُ كتابي هذا في أربعين سنة، وهو كان خُلاصة عمري>. ولقد صدق رحمه اللّه فإنه احتاج إلى تَتَبُّع أحاديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على كَثْرتها وآثار الصحابة والتابعين على تَفَرُّقها وتعدُّدِها، حتى جمع منها ما احتاج إلى بيانه بطرق أسانيدها وحفظ رُوَتها، وهذا فن عزيز شريف لا يوفّقُ له إلا السعداء. وظنَّ رحمه اللّه - على كَثرة تعبه وطول نَصَبه - أنه قد أتى على معظم غريب الحديث وأكثرِ الآثار، وما علم أن الشّوْطَ بَطِين (أي بعيد) والمنهل مَعِين. وبقي على ذلك كتابه في أيدي الناس يرجعون إليه، ويعتمدون في غريب الحديث عليه، إلى عصر أبي محمد عبد اللّه بن مسلم بن قتَيْبَة الدِّيَنوَرِي رحمه اللّه، فصنف كتابه المشهور في غريب الحديث والآثار، حذا فيه حَذْوَ أبي عبيد ولم يُودعْه شيئا من الأحاديث المودعةِ في كتاب أبي عبيد إلا ما دَعَتْ إليه حاجةٌ من زيادة وبيان أو استدراك أو اعتراض، فجاء كتابه مثل كتاب أبي عبيد أو أكبر منه. وقال في مقدِّمة كتابه: <وقد كنتُ زمانا أرى أن كتاب أبي عبيد قد جمع تفسير غريب الحديث، وأن النظر فيه مُسْتَغْنٍ به. ثم تَعَقبتُ ذلك بالنظر والتفتيش والمذاكرة فوجدت ما ترك نَحْوا مما ذكر، فتتبَّعْتُ ما أغفل وفَسرتُه على نَحْو مما فَسَّر، وأرجو أن لا يكون بقي بعد هذين الكتابين من غريب الحديث ما يكون لأحدٍ فيه مقال>. وقد كان في زمانه الإمام إبراهيم بن إسحاق الحَرْبيّ رحمه اللّه، وجمع كتابه المشهور في غريب الحديث، وهو كتاب كبير ذو مجلدات عِدَّةٍ، جم ثمَّ صَنّف الناس غيرُ من ذكَرنا في هذا الفنِّ تصانيف كثيرة، منهم شَمِرُ بن حَمْدَوَيه، وأبو العباس أحمد بن يحي اللغوي المعروف بثعلب. وأبو العباس محمد بن يزيد الثُّمالي المعروف بالمبرَّد. وأبو بكر محمد بن القاسم الأنباري، وأحمد بن الحسن الكنْدي. وأبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد صاحب ثعلب. وغير هؤلاء من أئمة اللغة والنحو والفقه والحديث. ولم يَخْلُ زمانٌ وعصْرٌ ممن جمع في هذا الفن شيئا وانفرد فيه بتأليف، واستبدَّ فيه بتصنيف. واستمرَّتِ الحال إلى عهد الإمام أبي سليمان أحمد بن محمد بن أحمد الخطَابي الْبُسْتي رحمه اللّه، وكان بعد الثلثمائة والستين وقبلها، فألف كتابه المشهور في غريب الحديث، سلك فيه نهج أبي عبيد وابن قُتَيْبة، واقتفى هَدْيَهُما، وقال في مقدمة كتابه - بعد أن ذكر كتابَيْهما وأَثْنى عليهما -: <وبقيت ْبعدهما صُبَابةٌ للقول فيها مُتَبَرَّض توليتُ جمعها وتفسيرها، مُسْتَرْسلا بحسن هدايتهما وفضل إرشادهما، بعد أن مضى عليّ زمان وأنا أحْسِب أنه لم يبقَ في هذا الباب لأحدٍ مُتكلَّم، وأن الأوّلَ لم يترُكْ للآخر شيئا وأتّكلُ على قول ابن قُتَيْبَةَ في خطْبَةِ كتابه: إنه لم يبقَ لأحد في غريب الحديث مقال>. وقال الخَطابي ايضا بعد أن ذكر جماعة من مُصَنفي الغريب وأثْنى عليهم: <إلا أن هذه الكُتُبَ على كثرة عَدَدِها إذا حَصَلت كان مآلُها كالكتاب الواحد. إذ كانَ مصنفوها إنما سبيلهم فيها أن يتوالوْا على الحديث الواحد فَيَعْتَوِروه فيما بينهم، ثم يتَبَارَوْا في تفسيره ويدخل بعضهم على بعض، ولم يكن من شرط المسبوق أن يُفَرِّج للسابق عما أحْرَزَه، وأن يقْتَضِب الكلام في شيء لم يُفَسَّرْ قبله على شاَكلة ابن قُتَيْبَة وصنيعه في كتابه الذي عَقَّبَبه كتاب أبي عبيد، ثم إنه ليس لواحد من هذه الكتب التي ذكرناها أن يكون شيئا منها على مِنْهاج كتاب أبي عبيد في بيان اللفظ وصحة المعنى وجَوْدَة الاستنباط وكثرة الفقه، ولا أن يكون من جنس كتاب ابن قتيبة في إشباع التفسير وإيراد الحُجة وذكر النظائر وتخليص المعاني، وإنما هي أو عامَتُها إذا تقسمت وقعت بين مُقَصِّر لا يورد في كتابه إلا أطْرَافاً وسَواقطَ من الحديث، ثم لا يوفِّيها حقها من إشباع التفسير وإيضاح المعنى، وبين مُطِيل يسرُدُ الأحاديث المشهورة التي لا يكاد يُشْكل منها شيء، ثم يتكلفُ تفسيرها ويُطْنبُ فيها. وفي الكتابين غنى ومَنْدُوحَةٌ عن كلِّ كتاب ذكرناه قبلُ؛ إذ كانا قد أتَيَا على جماع ما تضمنتِ الأحاديث المودعة فيهما من تفسير وتأويل، وزادا عليه فصارا أحق به وأملك له، ولعل الشيءَ بعد الشيء منها قد يَفُوتُهَما. ل الخطابي: وأما كتابنا هذا فإني ذكرت فيه ما لم يرد في كتابيهما، فصرفْتُ إلى جمعه عِنايتي، ولم أزل أتتبع مظانّها وألتقط آحادها، حتى اجتمع منها ما أحب اللّه أن يُوَفِّقَ له، واتسق الكتاب فصار كنحوٍ من كتاب أبي عبيد أو كتاب صاحبه. قال: وبلغني أن أبي عبيد مكث في تصنيف كتابه أربعين سنة يسأل العلماء عما أودعه من تفسير الحديث والأثر، والناس إذ ذاك متوافرون، والروضة أُنُف، والحوضُ ملآن. ثم قد غادر الكثيرَ منه لمن بعده. ثم سعى له أبو محمد سَعْيَ الجَواد، فأسأر القَدر الذي جمعناه في كتابنا، وقد بقي من وراء ذلك أحاديث ذواتُ عددٍ لم أتيسر لتفسيرها تركتها ليفتحها اللّه على من يشاء من عباده، ولكل وقت قوم، ولكل نشئٍ علم. قال اللّه تعالى قلتُ: لقد أحسنَ الخطابي رحمة اللّه عليه وأنصف، عرفَ الحق فقاله، وتحرَّى الصدق فنطق به، فكانت هذه الكتب الثلاثة في غريب الحديث والأثر أمَّهاتِ الكتب، وهي الدائرة في أيدي الناس والتي يُعَوِّلُ عليها علماء الأمصار، إلا أنها وغيرها من الكتب المصنفة التي ذكرتاها أو لم نذكرها لم يكن فيها كتاب صنف مرتَّباً ومُقفَّى يرجع الإنسان عند طلب الحديث إليه إلا كتاب الحربي، وهو على طوله وعسر ترتيبه لا يوجد الحديث فيه إلا بعد تعبٍ وعناء، ولاخفاء لما في ذلك من المشقة والنَّصَب مع كون الحديث المطلوب لا يُعرف في أيّ واحد من الكتب هو، فيحتاج طالبُ غريب حديث إلى اعتبار جميع الكتب أو أكثرِها حتى يجد غرضه من بعضها. فلما كان زمنُ أبي عبيد أحمد بن محمد الهَروي صاحب الإمام أبي منصور الأزْهَرِي اللغوي، وكان في زمن الخطابي وبعده وفي طبقته، صنَّف كتابه المشهور السئر في الجمع بين غريبي القرآن العزيز والحديث، ورتبه مقفى على حروف المعجم على وضع لم يُسْبَقْ في غريب القرآن والحديث إليه. فاستخرَجَ الكلمات اللغويةَ الغريبة من أماكنها وأثبتها في حروفها وذكر معانيها؛ إذ كان الغرضُ والمقصد من هذا التصنيف معرفةَ الكلمة الغريبة لغةً وإعراباً ومعنًى، لا معرفةَ مُتُون الأحاديث والأحاديث والآثار وَطُرق أسانيدها وأسماء رُوَاتها، فإن ذلك علم مستقبل بنفسه مشهور بين أهله. ثم إنه جمع فيه من غريب الحديث ما في كتاب أبي عُبيد وابن قتيبةَ وغيرهما ممن تَقَدَّمه عصرهُ من مُصَنِّفي الغريب، مع ما أضاف إليه مما تتبعه من كلمات لم تكن في واحد من الكتب المصنَّفة قَبله، فجاء كتابهُ جامعا في الحُسن بين الإحاطة والوضع. فإذا أراد الإنسانُ كلمةً غريبةً وجَدَها في حرفها بغير تَعب، إلا أنه جاء الحديث مُفَرَّقاً في حروف كلماته حيث كان هو المقصودَ والغرضَ، فانتشر كتابهُ بهذا التسهيل والتيسير في البلاد والأمصار، وصار هو العمدة في غريب الحديث والآثار. وما زال الناس بعده يَقْتَفُون هَدْيَه، ويَتْبَعُون أَثَره، ويَشكُرون له سَعَيه، ويَسْتَدرِكُون ماَ فَاتَه من غريب الحديث والآثار، ويجمعون فيه مجاميعَ. والأيامُ تَنْقَضِى، والأعمارُ تَفْنَى ولا تنقضى إلا عن تصنيفٍ في هذا الفن إلى عهد الإِمام أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخُوارَزمي رحمه اللَّه، فصنف كتابه المشهور في غريب الحديث وسماه <الفائق (طبع بمطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بالقاهرة 1366 ه - 1947 م) >. ولقد صادف هذا الاسمُ مُسَمَّى، وكشف من غريب الحديث كل مُعَمَّى، ورتَّبه على وضعٍ اخْتارَه مُقَفَّى على حروف المعجم، ولكن في العُثُور على طلب الحديث منه كُلْفَةً ومشقة، وإن كانت دون غيره من مُتَقدم الكتب لأنه جَمعَ في التَقْفِيةِ بين إيراد الحديث مَسْرُوداً جميعه أو أكثره أو أقله، ثم شَرَحَ ما فيه من غريب فيجيء شرحُ كل كلمة غريبة يشتمل عليها ذلك الحديث في حرف واحد من حروف المعجم، فترِدُ الكلمة في غير حرفها، وإذا تَطَلَّبها الإِنسان تَعِب حتى يَجدها، فكان كتابُ الهروي أقرب مُتَنَاولا وأسهل مأخذاً، وإن كانت كلماته متفرقة في حروفها، وكان النفع به أتمَّ والفائدة منه أعمَّ. فلما كان زمنُ الحافظ أبي موسى محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى المديني الأصفهاني، وكان إماما في عصره حافظا متقنا تُشدُّ إليه الرحال، وتُناط به من الطلبة الآمال، قد صنف كتابا جمع فيه ما فات الهروي من غريب القرآن والحديث ينُاسبهُ قَدْراً وفائدة، ويُماَثلهِ حجمْاً وعائدة، وسلك في وضعه مَسْلَكه، وذهب فيه مَذهَبه، ورتَّبَه كما رتّبَه، ثم قال: <واعلم أنه سيبقى بعد كتابي أشياء لم تقع لي ولا وقفتُ عليها؛ لأن كلام العرب لا ينحصر>. ولقد صدق رحمه اللَّه فإن الذي فَاتَه من الغريب كثيرٌ، ومات سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. وكان في زماننا أيضا معاصرُ أبي موسى الإمامُ أبو الفرج عبدُ الرحمن بن علي ابن الجوْزِي البغدادي رحمه اللَّه، كان مُتَفنّناً في علومه مُتَنَوِّعا في معارفه، فاضلا، لكنه كان يَغْلِبُ عليه الوعظ. وقد صَنَّفَ كتابا في غريب الحديث خاصَّة نَهَج فيه طريق الهَرَوي في كتابه، وسلك فيه محَجَّته مجردا من غريب القرآن. وهذا لفظه في مقدمته بعد أن ذكر مُصَنَّفي الغريب: قال: <فَقَوِيت الظُّنون أنه لم يَبْقَ شيء، وإذاً قد فاتَهُمْ أشْياء فرأيت أن أبذلَ الوُسع في جمع غريب حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه وتابعيهم، وأرجو ألاّ يَشذَّ عني مهِمّ من ذلك، وأن يُغْنِيَ كتابي عن جميع ما صُنّف في ذلك>. هذا قوله. ولقد تتبعت كتابه فرأيتُه مخْتَصراً من كتاب الهروي، مُنْتَزَعا من أبوابه شيئاً فشيئاً ووَضعاً فوَضْعاً، ولم يزد عليه إلا الكلمة الشّاذّةَ واللفظَة الفاذّة. ولقد قايَسْتُ مازاد في كتابه على ما أخَذَه من كتاب الهروي فلم يكن إلا جزءاً يسيرا من أجزاءٍ كثيرة. وأما أبو موسى الأصفهاني رحمه اللّه فإنه لم يذكر قي كتابه مما ذكره الهروي إلا كلمة اضطر إلى ذكرها إما لخَلل فيها، أو زيادة في شرحها، أو وَجْهٍ آخرَ في معناه، ومع ذلك فإن كتابَهُ يُضَاهي كتاب الهروي كما سبق؛ لأن وضعَ كتابه استدراكُ ما فات الهَروي. ولما وقفت على كتابه الذي جعله مُكمّلا لكتاب الهروي ومُتَمِمّا وهو في غاية من الحسن والكمال، وكان الإنسان إذا أراد كلمة غريبة يَحْتَاجُ إلى أن يَتَطلّبها في أحد الكتابين فإن وجدها فيه وإلا طَلَبها من الكتاب الآخر، وهما كتابان كبيران ذَوَا مجلدات عٍدَّة، ولا خفاء بما في ذلك من الكلفة، فرأيتُ أن أجمع ما فيهما من غريب الحديث مُجرَّدا من غريب القرآن، وأضِيف كل كلمة إلى أختها في بابها تسهيلا لكُلْفة الطلب، وتمادت بي الأيام في ذلك أُقدِّم رجلا وأُؤخِّر أخرى، إلى أن قَوٍيت العزيمة وخلَصت النية، وتحقّقت في إظهار ما في القوة إلى الفعل، ويسَّر اللّه الأمر وسهَّله، وسنّاه ووفق إليه، فحينئذ أمْعَنْتُ النظر وأَنْعَمْتُ الفِكر في اعتبار الكتابين والجمع بين ألفاظهما، وإضافة كل منهما إلى نظيره في بابه، فَوَجَدْتُهما - على كثرة ما أُدع فيهما من غريب الحديث والأثر - قد فَاتَهُما الكثير الوافرُ، فإني في بادِئ الأمر وأوَّل النظر مرّ بِذكري كلماتٌ غريبة من غرائب أحاديث الكتب الصّحاح كالبخاري ومسلم - وكفاك بهما شُهْرَةً في كتب الحديث - لم يَرِدْ شيء منهما في هذين الكتابين، فحيث عرفتُ ذلك تنبهتُ لاعتبار غير هذين الكتابين من كتب الحديث المدَوَّنة المصنفة في أول الزمان وأوسطه وآخره. فتتبعتها واسْتَقْرَيْتُ ما حَضَرَني منها، واسْتَقْصَيْتُ مُطالَعتها من المَسَانيد والمجاميع وكتب السُّنَن والغرائبِ قديمها وحديثها، وكتب اللغة على اختلافها، فرأيتُ فيها من الكلمات الغريبة مما فات الكتابين كثيرا، فَصَدَفْتُ حينئذ عن الاقتصار على الجمع بين كتابَيْهما، وأضفت ما عَثَرتُ عليه ووَجدتُه من الغرائب إلى ما في كتابيهما في حروفها مع نظائرها وأمثالها. وما أحْسَنَ ما قال الخطّابي وأبو موسى رحمة اللّه عليهما في مُقَدّمَتَيْ كتابَيْهما، وأنا أقول أيضا مُقْتَدياً بهما: كم يكونُ قد فَاتَنِي من الكلمات الغريبة التي تشتملُ عليها أحاديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وأصحابِه وتابِعيهم رضي اللّه عنهم، جَعَلَها اللّه سبحانه ذَخِيرة لغيري يُظْهِرُها على يده ليُذْكر بها. ولقد صَدَق القائل الثَّاني: كم ترك الأوَّل للآخر، فحيث حقق اللّه سبحانه النية في ذلك سَلَكْتُ طريقة الكتابين في التَّرتيب الذي اشتملا عليه، والوَضْع الذي حَوياه من التَّقْفِيَةِ على حروف المعجم بالتزام الحرف الأوّل والثَّاني من كلِّ كلمة، وإتْبَاعِهما بالحرف الثالث منهما على سِياق الحروف، إلا أنّي وجدتُ في الحديث كلماتٍ كثيرةً في أوائلها حروف زائدة قد بُنِيتِ الكلمةُ عليها حتى صارت كأنها من نفسها، وكان يَلْتَبِسُ مَوْضِعها الأصْلي على طالبها، لا سِيَّما وأكْثَرُ طَلَبةِ غريب الحديث لا يَكادُون يَفْرِقُون بين الأصلي والزائد، فرأيتُ أن أثبتَهما في باب الحرف الذي هو في أوّلها وإن لم يكن أصليّاً ونَبَّهتُ عند ذكره على زيادته لئَلاَّ يَرَاها أحد في غير بابها فيظنّ أني وضعتُها فيه للجهل بها فلا أُنْسَبُ إلى ذلك، ولا أكون قد عَرَّضتُ الواقف عليها لِلغيِبَة وسوء الظن، ومع هذا فإن المُصِيبَ بالقول والفِعْل قليل بل عَدِيم. ومَن الذي يأمَن الغلطَ والسهوَ والزَّلل؟ نسأل اللّه العصمةَ والتوفيق. وأنا أسأل مَن وَقَف على كتابي هذا وَرَأى خطأ أو خللا إن يُصْلِحه ويُنَبّه عليه ويُوضّحَه ويُشيرَ إليه حائزا بذلك مني شكرا جميلا، ومن اللّه تعالى أجرا جزيلا. وجعلتُ على ما فيه من كتاب الهروي (هاء) بالحمرة، وعلى ما فيه من كتاب أبي موسى (سينا) وما أضفتهُ من غيرهما مهملا بغير علامة ليتميز ما فيها عما ليس فيها. وجميع ما في هذا الكتاب من غريب الحديث والآثار ينقسم قسمين: أحدهما مُضاف إلى مُسمًّى، والآخَر غير مُضاف، فما كان غيرَ مضاف فإن أكثره والغالبَ عليه أنه من أحاديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلا الشيء القليل الذي لا تُعْرف حقيقتُه هل هو من حديثه أو حديث غيره، وقد نبَّهْنَا عليه في مواضعه. وأما ما كان مضافا إلى مسمى فلا يخلو إما أن يكون ذلك المسمّى هو صاحبَ الحديث واللفظُ له، وإما أن يكون راويا للحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أو غيره، وإما أن يكون سببا في ذكر ذلك الحديث أضيفَ إليه، وإما أن يكون له فيه ذكرٌ عَرف الحديث به واشتهر بالنسبة إليه، وقد سميتُه: "النهايةَ في غريب الحديث والأثر" وأنا أرغب إلى كرم اللّه تعالى أن يجعل سعيي فيه خالصا لوجهه الكريم، وأن يتقبلَهُ ويجعله ذخيرةً لي عنده يَجْزِيني بها في الدار الآخرة، فهو العالم بمُودَعَاتِ السَّرَائر وخَفيَّات الضَّمائر. وأن يَتَغَمَّدَني بفضله ورحمته، ويَتَجاوز عنّي بسَعَة مغفرته. إنه سميع قريب. وعليه أتوكل وإليه أنيبُ. {أبَبَ} (في حديث أنَس) أن عمر بن الخطاب قَرَأ قولَ اللّه تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} وقال: <فما الأَبُّ؟ ثم قال: ما كُلّفْنَا أو ما أُمرْنا بهذا>. الأَبُّ: المرْعى المُتَهيّئُ للرَعْيِ والقطع: وقيل الأبُّ من المرْعَى للدوَّاب كالفاكهة للإنسان. ومنه حديث قُسِّ بن سَاعِدَة: فجعل يرتع أبًّا، وَأَصِيدُ ضَبًّا. {أَبَدَ} [ه] قال رافع بن خَدِيجٍ: أَصَبْنَا نَهْبَ إبِلٍ فَنَدَّ منها بَعير فرماه رجل بسهم فحبسه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: <إن لهذه الإبل (في الهروي: البهائم) أوَابِدَ كَأوَابد الوحش، فإذا غلبكم منها شيء فافعلوا به هكذا> اَلأَواَبِدُ جمع آبِدةٍ وهي التي قد تَأبَّدَتْ أي تَوَحَّشَتْ ونَفَرَتْ من الإنس. وقد أبَدَتْ تَأبِدُ وتَأْبُدُ. ومنه حديث أم زَرْع <فَأَرَاحَ عَلَيَّ من كُلّ سَائِمَةٍ زَوْجَيْنِ، ومن كل آبِدة اثنتين> تريد أنواعا من ضروب الوحش. ومنه قولهم: جاء بآبِدةٍ: أي بأمر عظيم يُنْفَر منه ويُسْتَوْحَشُ. وفي حديث الحج <قال له سُرَاقَةُ بن مالك: أرأيت مُتْعَتَنَا هذه أَلِعامِنَا أم للأبَد؟ فقال: بل هي للأبَد> وفي رواية <ألِعَامنَا هذا أم لأبَدٍ؟ فقال: بل لأبَدِ أبَد> وفي أخرى <لابدِ الأبَد> والأبَدُ: الدَّهْرُ، أي هي لآخر الدهر. {أَبَرَ} (ه) فيه <خير المال مٌهْرَة مَأمُورَةٌ، وسِكَّةٌ مَأبُورَة> السّكَّةُ: الطريقة المُصْطَفَّةُ من النخل، والمأبُورَةُ المُلقَّحَة، يقال: أبَرْتُ النَّخْلَةَ وأبَّرْتُها فهي مأبُورَةٌ ومُؤَبَّرَةٌ، والاسم الإبَارُ. وقيل السِّكَّةُ: سِكَّةُ الحرْثِ، والمأبُورَةُ المُصْلَحَة ُله، أراد: خيرُ المال نتاجٌ أو زرعٌ. (ه) ومنه الحديث <من باع نخلا قد أُبِّرَيْ فَثَمَرَتُهَا للبائع إلا أن يَشْتَرطَ المُبْتَاعُ> ومنه حديث علي بن أبي طالب في دعائه على الخوارج <أصابكم حاصبٌ ولا بَقي منكم آبرٌ> أي رجل يقوم بتَأبِير النخل وإصلاحها، فهو اسم فاعل من أبَر المخففة، ويروى بالثاء المثلثة، وسيُذْكر في موضعه. ومنه قول مالك بن أنس <يَشْترط صاحب الأرض على المُسَاقي كذا وكذا وإبَارَ النخل>. (س) وفي حديث أسماءَ بنت عُمَيْسٍ <قيل لعلي: ألا تَتَزَوّجُ ابنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فقال: ما لي صفراء ولا بيضاء، ولست بمأبُور في ديني فَيُوَرّي بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عني، إني لأوَّلُ من أَسْلَم> المأبُورُ: من أبرَتْه العقربُ: أي لَسَعَتْهُ بِإبْرَتهَا، يعني: لستُ غير الصحيح الدين، ولا المتَّهَمَ في الإسلام فيتألَّفني عليه بتزويجها إيّاي. ويُروى بالثاء المثلثة، وسيذكر. ولو رُوِي: لستُ بمأبُون - بالنون - أي مُتَّهَم لكان وجها. (س) ومنه حديث مالك [بن دينار] (الزيادة من ا) <مَثَلُ المؤمِنِ مَثَلُ الشاة المأبُورة> إي التي أكَلَت الإبْرَةَ في عَلَفهَا فَنَشِبَتْ في جوفها، فهي لا تأكل شيئا، وإن أكلت لم يَنْجَعْ فيها. (س) ومنه حديث علي <والذي فلق الحبّة وبَرَأ النَّسَمَة لتُخْضَبَنَّ هذه من هذه، وأشار إلى لحيته ورأسه> فقال الناس: لو عرفناه أَبَرْنَا عِتْرَتَه: أي أهلكناه، وهو من أَبَرْتُ الكَلْبَ إذا أطعمتَه الإبْرَةَ في الخُبْزِ، هكذا أخرجه الحافظ أبو موسى الأصفهاني في حرف الهمزة، وعاد أخرجه في حرف الباء، وجعله من البَوَارِ: الهلاكِ، فالهمزة في الأوّل إصلية، وفي الثاني زائدة، وسيجيء في موضعه (زاد الهروي في المادة, وهو أيضا في اللسان: وفي حديث الثوري: <لا تؤبروا آثاركم> قال الرياشي: أي تعفو عليها. ليس شيء من الدواب يؤبر أثره حتى لا يعرف طريقه إلا التفة. وهو عناق الأرض) . {أَبْرَدَ} (س) فيه <إنّ البطيخ يقلع (في ا واللسان: <يقطع> ) الإبْرِدَة> الإبْرِدَةُ - بكسر الهمزة والراء - علة معروفة من غلبة البرد والرطوبة تُفَتّرُ عن الجماع، وهمزتها زائدة، أوردناها ها هنا حَمْلا على ظاهر لفظها. {أَبْرَزَ} (ه) فيه <ومنه ما يَخْرُجُ كالذهب الإبْرِيز> أي الخالصِ، وهو الإبْرِيزِيُّ أيضا، والهمزة والياء زائدتان. {أبَسَ} (س) في حديث جُبَيْر بن مُطْعِم قال: <جاء رجل إلى قُريش من فتح خَيْبَر فقال: إنّ أهل خيبر أسَرُوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ويريدون أن يُرْسِلوا به إلى قومه ليقتلوه، فجعل المشركون يُؤَبِّسون به العباسَ> أي يُعَيّرُبَه. وقيل يخوّفونه. وقيل يُرْغِمونه. وقيل يُغْضبُوبه ويحملونه على إغْلاظ القول له. يقال: أبَسْتُه أبْساً وأبَّسْتُه تَأْبيساً. {أبض} (س) فيه <أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بَالَ قاءما لعلَّة بِمَأْبِضَيْهِ> المأبِضُ: باطنُ الركبة ها هنا، وهو من الإباض. الحبل الذي يُشَدُّ به رسغُ البعير إلى عضده. والمَأبِضُ مَفْعِلٌ مِنه: أي موضع الإباض. والعرب تقول: إن الْبَوْلَ قائما يَشْفي من تلك العلَّة. وسيجيء في حرف الميم. {أبَطَ} * فيه <أمَا واللّه إن أحَدَكم ليَخْرُجَ بمسألته من عندي يتأبَّطُها> أي يجعلها تحت إبطه. (ه) ومنه حديث أبي هريرة <كانت رِدْيَتُه التَّأبُط> وهو إن يُدخِل الثوب تحت يده اليمنى فَيُلْقيَه على مَنْكِبه الأيسر. (ه) ومنه حديث عمرو بن العاص <أنه قال لعمر: إني واللّه ما تأبَّطَتْني الإماء> أي لم يَحْضنَّني ويَتَوَلَّيْنَ تَرْبِيَتي. {أبقَ} * فيه <أن عبدا لابن عمر أبَقَ فلحق بالروم> أبَقَ العبد يَأبَقُ ويأبِقُ إبَاقاً إذا هرب، وتأبَّقَ إذا استتر. وقيل احتبس. ومنه حديث شُرَيح <كان يَرُدّ العبدَ من الإبَاق البَاتّ> اي القاطع الذي لا شبهة فيه. وقد تكرر ذكر الإباق في الحديث. {أبل} (س) فيه <لاتبع الثمرة حتى تأمن عليها الأُبْلَة> الأُبْلَةُ بوزن العُهدة (جاء في اللسان: رأيت نسخة من نسخ النهاية، وفيها حاشية، قال: <قول أبي موسى: الأبلة - بوزن العهدة -: وهم، وصوابه <الأبلة - بفتح الهمزة والباء - كما جاء في آخر الحديث>. ) : العاهة والآفة. وفي حديث يحي بن يَعْمَر <كل ما أُدِّيَتْ زكاته فقد ذهبت أبَلَتُهُ> ويروى <وبَلَتُهُ> الأبَلَةُ - بفتح الهمزة والباء - الثّقل والطّلِبة. وقيل هو من الوبال، فإن كان من الأوّل فقد قُلِبَتْ همزته في الرواية الثانية واوا، وإن كان من الثاني فقد قلبت واوه في الرواية الأولى همزة. (س) وفيه <الناس كإبِلٍٍ مائةٍ لا تجد فيها راحلَةً> يعني أن المَرْضِيَّ الْمنتَجَب من الناس في عزة وجوده كالنّجِيبِ من الإبِلِ القويّ على الأحمال والأسفار الذي لا يوجد في كثير من الإبل. قال الأزهري: الذي عندي فيه أن اللّه ذمّ الدنيا وحذّر العباد سوءَ مَغبَّتِها، وضرب لهم فيها الأمثال ليعتبروا وَيَحْذَروا، كقوله تعالى <إنما مثلُ الحياة الدنيا كماءٍ أنزلناه> الآية. وما أشبهها من الآي. وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم يُحَذِّرهم ما حَذَّرهم اللّه ويزهّدهم فيها، فرغِب أصحابه بعده فيها وتنافسوا عليها حتى كان الزهد في النادر القليل منهم، فقال: تَجِدون الناس بعدي كأِبِلٍ مائةٍ ليس فيها راحلة، أي أن الكامل في الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة قليل كقلَّةِ الراحلة في الإبل. والراحلة هي البَعيرُ القويّ على الأسفار والأحمال، النَّجِيبُ التام الخَلْقِ الْحَسَنُ المنظرِ. ويَقَعُ على الذكر والأنثى. والهاء فيه للمبالغة. ومنه حديث ضَوَالّ الإبل <أنها كانت في زمن عمر إبلاً مُؤَبَّلةً لا يمسها أحد> إذا كانت الإِبل مهملةً قيل إبل أُبَّل، فإذا كانت لِلقُنية قيل إبلٌ مُؤَبَّلةٌٌ، أراد أنها كانت لكثرتها مجتمعةً حيث لا يُتَعَرَّضُ إليها. (ه) وفي حديث وَهْبٍ <تَأَبَّلَ آدم عليه السلام على حوَّاء بعد مقتل ابنه كذا وكذا عاما> أي توحّش عنها وترك غِشْيَانَها. (س) ومنه الحديث <كان عيسى عليه السلام يسمَّى أبيلَ الأبيلينَ> الأبيلُ - بوزن الأمير - : الراهبُ، سمي به لِتَأَبُّلِهِ عن النساء وترك غِشْيَانِهِنّ، والفعل منه أبلَ يَأْبُلُ إبَالَةً إذا تَنَسَّك وَتَرهَّبَ. قال الشاعر: وَمَا سَبَّحَ الرُّهْبَانُ في كل بَلْدَة ** أبيلَ الأبِيلِنَ المسِيحَ بْنَ مَرْيَمَا (نسبه في اللسان إلى ابن عبد الجن. وروايته فيه هكذا: وما قدّس الرهبانُ في كُلّ هيكل**... البيت وهو في تاج العروس لعمرو بن عبد الحق) ويروى: أبيلَ الأبِيلِيِّينَ عيسى بْنَ مَرْيَمَا** على النسب (س) وفي حديث الاستسقاء <فَألَّفَ اللّه بين السحاب فأُبِلنَا> أي مُطِرْنَا وابِلاً، وهو المطر الكثير القَطْرِ، والهمزة فيه بدل من الواو، مثل أكَّد ووكَّد. وقد جاء في بعض الروايات <فألف اللّه بين السحاب فَوَبَلَتْنَا> جاء به على الأصل. وفيه ذكر <الأبُلَّة> وهي بضم الهمزة والباء وتشديد اللام: البلد المعروف قُربَ البصرة من جانبها البحري. وقيل هو اسم نَبَطِيُّ وفيه ذكر <أُبلى> - هو بوزن حُبْلَى - موضع بأرض بني سُلَيْم بين مكة والمدينة بعث إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قوما. وفيه ذكر <آبِل> - وهو بالمد وكسر الباء - موضع له ذكر في جيش أسامة، يقال له آبل الزَّيت. {أبْلَم} (س) في حديث السقيفة <الأمر بيننا وبينكم كقَدّ الأُبْلُمَة> الأُبلمة بضم الهمزة والام وفتحهما وكسرهما: خُوصَةُ الْمُقْلِ، وهمزتها زائدة. وإنما ذكرناها ها هنا حملا على ظاهر لفظها. يقول: نحن وإياكم في الحكم سواء، لا فَضْل َلأَمِير على مأمور، كالخُصَة إذا شُقّت باثنتين متساويتين. {أبَنَ} (ه) في وصف مجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم <لاتُؤْبَنُ فيه الحُرَمُ> أي لا يُذْكَرْنَ بقبيح، كان يصان مجلسه عن رَفَثِ القول. يقال أبَنْتُ الرجل آبِنُهً وآبُنُه إذا رميْتَه بخَلَّةِ سوء، فهو مأبُنٌ، وهو مأخوذ من الأُبَنِ (في الهروي: الواحدة <أبنة> بضم الهمزة وسكون الباء وفتح النون)، وهي العُقَدُ تكون في القِسِيِّ تُفْسِدُها وتُعاب بها (ه) ومنه الحديث <أنه نهى عن الشِّعر إذا أُبِّنَتْ فيه النساء> (ه) ومنه حديث الإفك <أشيرُوا عَلَيَّ في أُنَاس أَبَنُو أَهْلي> أي اتهموها. والأَبْنُ التهمة (ه) ومنه حديث أبي الدرداء <أنْ نُؤْبَنَ بما ليس فينا فربما زُكِّينَا بما ليس فينا>. ومنه حديث أبي سعيد <ما كنا نَأْبِنُهُ بُرقْيَةٍ> أي ما كنا نعلم أنه يَرْقى فَنَعيبَهُ بذلك (س) ومن حديث أبي ذرّ <أنه دخل على عثمان بن عفان فما سَبَّهُ ولا أَبَّنَهُ> أي ما عابه. وقيل هو أنَّبَهُ بتقديم النون على الباء من التأنيب: اللومِ والتوبيخ. (س) وفي حديث المبعث <هذا إبَّانُ نُجُومِه> أي وقت ظهوره، والنون أصلية فيكون فِعَّالاً. وقيل هي زائدة، وهو فِعْلان من أبَّ الشيء إذا تَهيَّأ للذهاب. وقد تكرر ذكره في الحديث (س) وفي حديث ابن عباس <فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: أُبَيْنَى لا ترموا الجَمْرَةَ حتى تطلع الشمسُ> من حَقِّ هذه اللفظة أن تجيء في حرف الباء، لأن همزتها زائدة. وأوردناها ها هنا حملا على ظاهرها. وقد اختُلف في صيغتها ومعناها: فقيل إنه تصغير أبنى، كأعمى وأُعَيْمَى، وهو اسم مفرد يدل على الجمع. وقيل إنّ ابْناً يُجمع على أبْنَا مقصورا وممدودا. وقيل هو تصغير ابن، وفيه نظر. وقال أبو عُبيد: هو تصغير بَنِيَّ جمع ابن مضافا إلى النفس، فهذا يُوجب أن تكون صيغة اللفظ في الحديث أُبَيْنِيّ بوزن سُرَيْجِيّ. وهذه التقديرات على اختلاف الروايات. وفي الحديث <وكان من الأبْنَاء> الأبْناَءُ في الأصل جمع ابن، ويقال لأولاد فارس الأبناء، وهم الذين أرسلهم كسرى مع سيف ابن ذي يَزَن لما جاء يَسْتَنْجِدُه على الحبشة فنصروه وملكو اليمن وتَدَيَّرُوها وتزوّجوا في العرب، فقيل لأولادهم الأبناء، وغلب عليهم هذا الاسم لأن أمهاتهم من غير جنس آبائهم. وفي حديث أسامة قال له النبي صلى اللّه عليه وسلم لما أرسله إلى الروم <أَغِرْ على أُبْنَى صباحا> هي بضم الهمزة والقصر: اسم موضع من فِلَسْطِين بين عَسْقَلان والرَّمْلة، ويقال لها يُبْنَى بالياء. {أبَهَ} (ه) فيه <رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرين لا يُؤْبَهُ له> أي لا يُحْتَفَلُ به لحقارته. يقال أبَهْتُ له آبَهُ. (س) ومنه حديث عائشة في التعوّذ من عذاب القبر <أشيءٌ أَوْهَمْتُه (أوهمت الشيء: تركته) لم آبَه له، أو شيء ذَكَّرْتُهُ [إياه] (الزيادة من اللسان) > أي لاأدري أهو شيء ذكره النبي صلى اللّه علليه وسلم وكنت غفلت عنه فلم آبَهْ له، أم شيء ذكَّرتُه إياه وكان يذكرُه بعد. وفي كلام علي <كم من ذي أُُبَّهَةٍ قد جعلته حقيرا> الأُُبَّهَةُ بالضم وتشديد الباء: العظمة والبهاء (س) ومنه حديث معاوية <إذا لم يكن المخزوميُّ ذا بأوٍ وأُبَّهةٍ لم يُشبه قومه> يريد بني مَخْزُومٍ أكثرهم يكون هكذا. {أبْهَرَ} (س) فيه <ما زالت أكْلَةُ خيبر تُعادُّني فهذا أوانُ قَطَعَتْ أَبْهَرِي> الأبْهَرُ عِرْقٌ في الظهر، وهما أبْهَرَانِ. وقيل هما الأكحلانِ الذانِ في الذراعين. وقيل هو عرقُ مُسْتَبْطِنُ القلب فإذا انقطع لم تبقى معه حياة. وقيل الأبْهَرُ عرق منشؤه الرأس ويمتد إلى القدم، وله شرايينُ تَتَّصِلُ بأكثر الأطراف والبدن، فالذي في الرأس منه يسمى النّأمَةَ، ومنه قولهم: أسكَتَ اللّه نأمته أي أماته، ويمتدّ إلى الحلق فيسمى فيه الوريد، ويمتد إلى الصدر فيسمَّى الأبْهَرَ، ويمتد إلى الظهر فيسمَّى الوَتِينَ، والفُؤَادُ معلَّقٌ به، ويمتدُّ إلى الفخذ فيسمَّى النَّسَا، ويمتد إلى الساق فيسمَّى الصَّافِنَ، والهمزة في الأبهر زائدة. وأوردناه ها هنا لأجل اللفظ. ويجوز في <أوان> الضم والفتح: فالضم لأنه خبر المبتدأ، والفتح على البناء لأضافته إلى مبني، كقوله: عَلَي حينَ عاتبْتُ المشيبَ عَلَى الصِّباَ ** وَقُلْتُ ألمَّا تَصْحُ وَالشَّيْبُ وَازِعُ ومنه حديث علي <فيُلقَى بالقضاء منقطِعاُ أبْهَراهُ> {أَبَا} * قد تكررت في الحديث <لاَ أبَا لَكَ> وهو أكْثَر ما يُذْكَر في المدح: أي لا كافي لك غَيْرُ نَفْسك. وقد يذكر في معرضِ الذَّم كما يقال لا أمَّ لك، وقد يذكر في معرض التعَجُّب ودَفْعاً للعين، كقولهم للّه دَرُّكَ، وقد يذكر بمعنى جِدَّ في أمْرِك وشَمّرْ؛ لأن من له أبٌ اتَّكل عليه في بعض شأنه، وقد تحذف اللام فيقال لا أباَكَ بمعناه. وسمع سليمان بن عبد الملك؛ رجلا من الأعراب في سنة مُجْدِبةٍ يقول: رَبَّ العبَاد مَا لنَا وَمَا لَك ** قَدْ كُنْتَ تَسقِينَا فَمَا بدا لَك أنْزِلْ عَلَيْنَا الغَيْثَ لاَ أَبَا لَك* فحمله سليمان أحسنَ مَحْمِل فقال: أشهد أن لا أَبَا له ولا صاحبة ولا ولد. (س) وفي الحديث <للّه أبوك> إذا أضيف الشيء إلى عظيم شريف اكتسى عِظما وشرفا، كما قيل: بيتُ اللّه وناقةُ اللّه، فأذا وُجِد من الولد ما يَحسنُ مَوْقعُهُ ويُحْمَدُ، قيل للّه أبوك في معرض المدح والتعجب: أي أبوك للّه خالصاً حيث أَبْحَبَ بك وأتى بمثلك. وفي حديث الأعرابي الذي جاء يسأل عن شرائع الإسلام، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: <أَفْلَحَ وَأبِيهِ إن صدق>، هذه كلمة جارية على أَلْسُن العرب تستعملها كثيرا في خطابها وتريد بها التأكيد. وقد نهى النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يحلف الرجل بِأَبيه، فَيحتمل أن يكون هذا القولُ قَبْلَ النهي. ويَحتمل أن يكون جرى منه على عادة الكلام الجاري عَلَى الألسن ولا يقصد به القسم كاليمين المَعْفُوّ عنها من قَبِيل اللّغْوِ، أو أراد به توكيد الكلام لا اليمينَ، فإن هذه اللفظةَ تجري في كلام العرب على ضَرْبين: للتعظيم وهو المراد بالقسم المنهيّ عنه، وللتوكيد كقول الشاعر: لَعَمْرُ أبِي الوَاشِينَ لا عَمْرُ غَيْرِهم ** لقد كَلَّفَتنِي خُطَّةً لا أُرِيدُها فهذا توكيد لا قسم؛ لأنه لا يَقْصد أن يحلف بأبي الواشين، وهو في كلامهم كثير. (س) وفي حديث أم عطية <كانت إذا ذَكّرت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قالت: بأبَاه، أصله بِأبِي هُو>، يقال بَأْبَتُ الصبيَّ إذا قلتَ له بأبي أنت وأمّي، فلما سكنتِ الياء قُلِبَتْ ألفا، كما قيل في يا وَيْلَتِي يا ويْلَتَا، وفيها ثلاث لغات: بهمزة مفتوحة بين الباءين، وبقلب الهمزة ياء مفتوحة، وبإبدال الياء الآخرة ألفا وهي هذه، والباء الأولى في بأبي أنت وأمي متعلقة بمحذوف، قيل هو اسم فيكون ما بعده مرفوعا تقديره: أنت مُفَدَّى بأبي أنت وأمّي. وقيل هو فعل وما بعده منصوب: أي فَديتُك بابي وأمّي، وحُذِفَ هذا المقدر تخفيفا لكثرة الاستعمال وعِلْم المخاطب به. (س) وفي حديث رُقَيْقَةَ <هَنِيئاً لك أبا البَطْحَاء> أنما سمّوه أبا البطحاء لأنهم شَرُفُوا به وعُظّموا بدعائه وهدايته، كما يقال لِلْمِطْعِام ابو الأضياف. وفي حديث وائلِ بن حُجْر <من محمد رسول اللّه إلى المُهَاجر بن أبو أَميَّة> حَقُّهُ أن يقول ابن أبي أمية، ولكنه لاشتهاره بالكُنية ولم يكن له اسم معروف غيره لم يُجرّ، كما قيل على ابن أبو طالب. وفي حديث عائشة قالت حَفْصَة <وكانت بنْتَ أبيها> أي إنها شبيهة به في قوّة النّفس وحدّة الخُلق والمبادرة إلى الأشياء. (س) وفي الحديث <كُلُّكم في الجنة إلاّ من أبى وشَرَد> أي إلا من تَرك طَاعَةَ اللّه التي يَسْتَو جِبُ بها الجنة؛ لأنّ من ترك التسبب إلى شيء لا يُجَد بغيره فقد أباه. والإباءُ أشَدُّ الامتناع. وفي حديث أبي هريرة <يَنْزِلُ المَهْدِي فَيَبْقَى في الأرض أربعين فقيل أربعين سنة؟ فقال أبَيْتَ. فقيل شهرا؟ فقال أبَيْتَ. فقيل يوما؟ فقال أبَيْتَ>: أي أبيت أن تعرفَه فإنه غَيْبٌ لم يرد الخبر ببيانه، وإن رُوي أبَيْتُ بالرفع فمعناه أبَيْتُ أن أقول في الخبر ما لم أسْمَعْه. وقد جاء عنه مثلُه في حديث العَدْوَى والطّيَرَة. وفي حديث ابن ذي يَزَن <قال له عبدُ المطلب لما دخل عليه: أبَيْتَ اللّعْنَ> كان هذا مِن تَحَايا الملوك في الجاهلية والدعاء لهم، ومعناه أبيت أن تفعل فعلا تُلْعَنُ بسبه وتُذَمُّ. وفيه ذكر <أَبَّا>: هي بفتح الهمزة وتشديد الباء: بئر من بئار بني قُرَيْظَةَ وأموالِهم يقال لها بئر أبّا، نزلها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما أتى بني قُرَيْظَةَ. وفيه ذكر <الأبواء> هو بفتح الهمزة وسكون الباء والمد: جبل بين مكة والمدينة، وعنده بلد يُنْسَبُ إليه. {أبين} *فيه <من كذا وكذا إلى عدنِ أبْيَنَ> أبيَنُ - بوزن أحمر -: قرية على جانب البحر ناحية اليمن. وقيل هو اسم مدينة عدن.
|