الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***
الوافر متى ما تلقني فردين ترجف *** روانف أليتيك وتستطارا على أن يجوز اتفاقاً أن يقال: أليتان بتاء التأنيث، إلى آخر ما نقله عن أبي علي. وقد نقل عنه ابن الشجري في المجلس الثالث من أماليه خلاف هذا، قال: قال أبو علي الحسن بن أحمد الفارسي: قد جاء من المؤنث بالتاء حرفان لم يلحق في تثنيتهما التاء، وذلك قولهم: خصيان وأليان، فإذا أفردوا، قالوا: خصية وألية. وأنشد أبو زيد: الرجز يرتج ألياه ارتجاج الوطب وأنشد سيبويه: الرجز كأن خصييه من التدلدل *** ظرف عجوزٍ فيه ثنتا حنظل انتهى. وقد جاءت في قوله: روانف أليتيك تاء التأنيث كما ترى، فالعرب إذن مختلفةٌ في ذلك. انتهى كلام ابن الشجري. وهذا كلام الصحاح، قال: الألية، بالفتح: ألية الشاة. فإذا ثنيت، قلت: أليان، فلا تلحقه التاء. وأنشده الزمخشري في المفصل على أن الحال قد تجيء من الفاعل والمفعول معاً، كفردين فإنه حالٌ منهما في تلقني. وكذا أنشده في الكشاف عند قوله تعالى: {أن لا تكلم الناس ثلاثة أيامٍ إلا رمزاً} في قراءة من قرأ: رمزاً بضمتين، وهو جمع رموز كرسل جمع رسول. ورمزاً بفتحتين، وهو جمع رامز كخدم جمع خادم. قال: هو حالٌ منه ومن الناس دفعة كما في البيت، بمعنى إلا مترامزين، كما يكلم الناس الأخرس بالإشارة ويكلمهم. ومتى: جازمة، وتلقني: شرطها، وترجف: جزاؤها. وروي: ترعد: بالبناء للمفعول. وروانف: فاعل ترجف. قال أبو علي في المسائل البصرية: وتستطارا جزمٌ عطف على ترعد، فحملته على الأليتين، وعلى معنى الروانف، لأنهما اثنان في الحقيقة. وهذا أحسن من أن تحمله على أن في، وتستطاروا ضمير الروانف، وتجعل الألف بدلاً من النون الخفيفة، لأن الجزاء واجب. وقد جاء: ومهما تشأ منه فزارة تمنعا إلا أن هذا إن لم يضطر إليه وزن كان بمنزلته في الكلام. انتهى. وتبعه ابن السيد في أبيات المعاني قال: تستطارا جزمٌ بالعطف على ترعد بحمله على الأليتين، وعلى معنى الروانف، لأنهما اثنتان في الحقيقة، وإنما جمعهما اتساعاً. وقال قوم: تستطار محمولٌ على الروانف، وفيه ضميرها، وكان الوجه أن يقول: تستطر، إلا أنه أتى بالنون الخفيفة فانفتحت الراء، فلم تسقط الألف التي هي عين الفعل، وأبدل من النون ألفاً. ومثله قول الآخر: الطويل ومهما تشأ منه فزارة تمنعا يريد: تمنعن. والقول الأول اختيار أبي علي، لأنه اضطر في البيت الثاني، ولم يضطر في تستطار، لأنه له حمله على معنى التثنية، فهو بمنزلته في الكلام. انتهى. وزاد ابن الشجري في أماليه، وقال: معنى تستطار تستخف. ويحتمل وجهين من الإعراب، أحدهما: أن يكون مجزوماً معطوفاً على جواب الشرط، وأصله تستطاران، فسقطت نونه للجزم. فالألف على هذا ضميرٌ عائد على الروانف، وعاد إليها وهي جمعٌ ضمير تثنية، لأنها من الجموع الواقعة في مواقع التثنية، نحو قولك: وجوه الرجلين، فعاد الضمير على معناها دون لفظها، إذ المعنى رانفتا أليتيك. كما أن معنى الوجوه من قولك: حيا الله وجوهكما، معنى الوجهين؛ لأنه لا يكون لواحدٍ أكثر من وجه، كما أنه ليس للألية إلارانفة واحدة. والجواب الثاني: أن يكون نصباً على الجواب بالواو، بتقدير: وأن تستطار، فالألف على هذا لإطلاق القافية، والتاء للخطاب، وهي في الوجه الأول للتأنيث. ويجوز أن تجعل التاء في هذا الوجه أيضاً لتأنيث الروانف، وجاء الجواب بعد الشرط والجزاء كما يجيء بعد الكلام الذي ليس بواجب، كالنهي والنفي. ومثله في انتصاب الجواب بالواو بعد الشرط والجزاء قوله عز وجل: {إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره} ثم قال: ويوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير ويعلم الذين يجادلون . ومن قرأ: ويعلم رفعاً استأنفه. ومقله قول النابغة: الوافر فإن يهلك أبو قابوس يهلك *** ربيع الناس والشهر الحرام ونأخذ بعده بذناب عيشٍ *** أجب الظهر ليس له سنام قد روي: ونأخذ جزماً بالعطف على جواب الشرط، وروي نصباً على الجواب، وروي رفعاً أيضاً على الاستئناف. انتهى. وقال ابن الحاجب في أماليه: يجوز أن يكون معطوفاً على ترجف، وألحقت به نون التوكيد الخفيفة فقلبت ألفاً في الوقف، إلا أن إلحاق نون التوكيد في جواب الشرط ضعيف. ويجوز أن يكون منصوباً على أحد الوجهين: أحدهما: مذهب الكوفيين بالواو التي يسمونها واو الصرف، مثلها عندهم في قوله تعالى: {ويعف عن كثيرٍ ويعلم} في قراءة الأكثرين. والثاني: مذهب البصريين، وهو أن يكون معطوفاً على مقدر مثلها عندهم في قوله ويعلم، أي: لينتقم ويعلم. إلا أنه لا يمكن التقدير لفعل منصوب، لأنه في المعنى سبب، ولو قدر فعل منصوب لكان مسبباً، فينبغي أن يكون التقدير لاسمٍ منصوب مفعول من أجله، كأنه قيل: ترجف روانف أليتيك خوفاً واستطارة. فلما أتى بالفعل موضع استطارةً وعطف على المقدر، وجب أن يكون منصوباً مثله في قولك: أريد إتيانك وتحدثني. والروانف: أطراف الأليتين، واحدته رانفة. وتستطار بمعنى يطلب منك أن تطير خوفاً وجبناً. والعرب تقول لمن اشتد به الخوف: طارت نفسه خوفاً. ومنه قوله: الوافر أقول لها وقد طارت شعاعاً وقال ها هنا: وتستطارا، كأنه طلب منه أن يطير من الخوف. والضمير في وتستطارا للمخاطب لا للروانف، إذ لا تطلب من الروانف استطارة، وإنما المقصود طلبه من المخاطب. انتهى. وقوله: كأنه قيل ترجف روانف أليتيك خوفاً واستطارة ، هو أجود مما نقله العيني، بأن نصبه بأن في تقدير مصدر مرفوع بالعطف على مصدر ترجف، تقديره: ليكن منك رجف الروانف والاستطارة. وقال ابن يعيش: قوله: وتستطارا يحتمل وجوهاً: أحدها: أن يكون مجزوماً بحذف النون، فالضمير للروانف، وعاد إليها الضمير بلفظ التثنية لأنها تثنية في المعنى. والثاني: أن يكون عائداً إلى الأليتين. والآخر: أن يكون الضمير مفرداً عائداً إلى المخاطب، والألف بدلٌ من نون التوكيد. انتهى مختصراً. ونقله العيني بحروفه ولم يعزه. ولا يخفى اختلاله، فإنه قال: فيه وجوه. ولم يذكر غير الجزم، وكان يجب أن يقابله بالنصب كما فعله غيره، ويقول بعده: والضمير للمخاطب والألف للإطلاق، ويدرج عود الضمير إلى الأليتين في صورة الجزم. ويقول: وتستطاروا مجزوم، في مرجع ضميره أوجه ثلاثة. وجعله تعدد احتمال مرجع الضمير وجوهاً مقابلة للجزم فاسد، فإن الثلاثة محتملة في صورة الجزم. فتأمل. وزاد العيني بعد هذا: ويقال الضمير المفرد عائد إلى الروانف، تقديره: تستطاران هي. انتهى. وهذا هو الأول مما ذكره ابن يعيش بعينه، فذكره تكرارٌ له. والبيت من أبياتٍ عدتها ثلاثة عشر بيتاً لعنترة العبسي، خاطب بها عمارة بن زيادٍ العبسي. قال الأعلم في شرح شعره في الأشعار الستة، وابن الشجري في أماليه: كان عمارة يحسد عنترة على شجاعته، إلا أنه كان يظهر تحقيره، ويقول لقومه: إنكم قد أكثرتم من ذكره، ولوددت أني لقيته خالياً حتى أريحكم منه، وحتى أعلمكم أنه عبد. وكان عمارة مع كثرة جوده كثير المال، وكان عنترة لا يكاد يمسك إبلاً، ولكن يعطيها إخوته ويقسمها فيهم، فبلغه ما يقول عمارة فقال الأبيات. وهذه أبياتٌ ستة منها ويأتي إن شاء الله تعالى بقيتها في أفعل التفضيل: الوافر أحولي تنفض استك مذرويه *** لتقتلني فها أنا ذا عمارا متى ما تلقني فردين ترجف *** روانف أليتيك وتستطارا وسيفي صارمٌ قبضت عليه *** أشاجع لا ترى فيها انتشارا حسامٌ كالعقيقة فهو كمعي *** سلاحي لا أفل ولا فطارا وكالورق الخفاف وذات غربٍ *** ترى فيها عن الشرع ازورارا ومطرد الكعوب أحص صدقٌ *** تخال سنانه بالليل نارا وقوله: أحولي تنفض إلخ، الهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي. وحولي: ظرف لتنفض، واستك: فاعل تنفض، ومذرويها: مفعوله. والمعنى: أتتوعدني وتهددني واستك تضيق عن ذلك. وتنفض مذرويها مثلٌ لخفته بالوعيد وطيشه. يقال: جاء فلانٌ ينفض مذرويه، إذا جاء يتهدد. وقد شرح السيد المرتضى، قدس الله روحه، هذه الكلمة في أماليه أحسن شرح، في كلامٍ نقله للحسن البصري، وقع فيه: ترى أحدهم يملخ في الباطل ملخاً، ينفض مذرويه، ويقول: ها أنا ذا فاعرفوني . قال: الملخ هو التثني والتكسر، يقال: ملخ الفرس، إذا لعب. والمذروان: فرعا الأليتين. هذا قول أبي عبيدة، وأنشد بيت عنترة. وقال ابن قتيبة راداً عليه: ليس المذروان فرعي الأليتين بل هما الجانبان من كل شيء، تقول العرب: جاء فلانٌ يضرب أصدريه، ويضرب عطفيه، وينفض مذرويه، وهما منكباه. وذكر أنه سمع رجلاً من نصحاء العرب، يقول: قنع مذرويه، يريد جانبي رأسه، وهما فوداه. وإنما سميا بذلك لأنهما يذريان، أي: يشيبان. والذرى: الشيب. قال: وهذا أصل الحرف، ثم استعير للمنكبين والأليتين والطرفين من كل شيء. وقال أمية بن أبي عائذٍ الهذلي يذكر قوساً: المتقارب على عجس هتافة المذروي *** ن زوراء مضجعةٍ في الشمال أراد: قوساً ينبض طرفاها. قال: فلا معنى لوصف الرجل الذي كره الحسن، بأن يحرك أليتيه، ولا من شأن من يبذخ وينبه على نفسه، يقول: ها أنا ذا فاعرفوني، أن يحرك أليتيه. وإنما أراد أنه يضرب عطفيه، وهذا مما يوصف به المرح المختال. وربما قالوا: جاءنا ينفض مذرويه، إذا تهدد وتوعد، لأنه إذا تكلم وحرك رأسه نفض قرون فوديه، وهما مذرواه. قال المرتضى قدس الله روحه: وليس الذي ذكره أبو عبيدة ببعيد، لأن من شأن المختال الذي يزهى بنفسه أن يهتز ويتثنى، فتتحرك أعطافه وأعضاؤه. ومذرواه من جملة ما يهتز ويتحرك، لأنهما بارزان من جسمه، فيظهر فيهما الاهتزاز. وإنما خص المذروان بالذكر مع أن غيرهما يتحرك أيضاً على طريق التقبيح على هذا المختال، والتهجين لفعله. وقول ابن قتيبة: ليس من شأن من يبذخ أن يحرك أليتيه، ليس بشيء، لأن الأغلب من شأن البذاخ المختال الاهتزاز وتحريك الأعطاف. على أن هذا يلزمه فيما قاله، لأنه ليس من شأن كل متوعد، أن يحرك رأسه، وينفض مذرويه. فإذا قال إن ذلك في الأكثر قيل له مثله. هذا ما أورده السيد المرتضى رحمه الله. وقوله: جاء فلانٌ يضرب أصدريه، قال ابن السكيت في إصلاح المنطق بدله: جاء يضرب أزدريه، إذا جاء فارغاً. قال شارحه ابن السيد: قوله: يضرب أزدريه، إنما أصله أصدريه، فأبدلوا مكان الصاد حرفاً يطابق الدال في الجهر وعدم الإطباق، وهي الزاي. والأصدران: عرقان يضربان تحت الصدغين، لا يفرد له واحد. ومعناه أنه جاء فارغاً نادماً خائباً، يلطم صدغيه، ويضرب أعلاهما إلى أسفلهما، ندماً وتحسراً، خديه. انتهى. واعلم أن لاكم ابن قتيبة مأخوذٌ من كلام أبي مالك نقله عنه أبو القاسم علي ابن حمزة البصري فيما كتبه على الغريب المصنف لأبي عبيد القاسم بن سلام من تبيين غلطاته فيه. قال أبو القاسم: وروي عن أبي عبيدة: المذرى: طرف الألية. والرانفة: ناحيتها. ثم قال إخباراً عن نفسه: يقال: المذروان أطراف الأليتين، وليس لهما واحد، وهذا أجود القولين، لأنه لو كان لهما واحدٌ، فقيل: مذرًى لكان في التثنية مذريان بالياء. وما كانت في التثنية بالواو. قال أبو القاسم: كان يجب عليه إذ سمت به نفسه إلى الرد على أبي عبيدة معمرٍ ابن المثنى، أن يضبط ما يروي أولاً، وإلا فهو كالذي لم يتم. والمذروان والرانفان بمعنًى واحد، وقد فرق بينهما فجعل المذروين الطرفين، وعبر عنهما بالأطراف، وجعل الرانفة الناحية، وليس كذلك قال أبو عبيدة وغيره. وكلام أبي مالك أحكا، لأنه أتم. المذروان: أعالي الأليتين وأعالي القرنين أيضاً، وكذلك أعالي المنكبين. وكذلك الروانف، الواحدة رانفة. وأنشد بيت عنترة. ففي هذا القول دليلٌ على أن المذروين ليس باسمٍ لشيءٍ واحد. ومع هذا فقد قال أبو يوسف بن السكيت في باب المثنى: جاء ينفض مذرويه، إذا جاء يتوعد. وجاء يضرب أزدريه، إذا جاء فارغاً، ويقال بالصاد أيضاً. وهذا وإن كان غير ما قال أبو مالك فإليه يرجع، لأن تحريك المنكبين من فعال المتوعد، فيريد أنه متوعدٌ هذا فعاله، ومحركٌ منكبيه، إنما تتحرك له فروعهما وأعاليهما، كما قال أبو مالك. وما حكاه في واحد المذروين كلام أبي عمرٍو الشيباني، فلم ينسبه إليه. انتهى كلامه. قال ابن الشجري: وهذا الحرف مما شذ عن قياس نظائره، وكان حقه أن تصير واوه إلى الياء، كما صارت إلى الياء في قولهم: ملهيان ومغزيان، لأن الواو متى وقع في هذا النحو طرفاً رابعاً فصاعداً استحق الانقلاب إلى الياء، حملاً على انقلابه في الفعل، نحو: يلهي ويغزي. وإنما انقلبت الواو ياء في قولك: ملهيان ومغزيان، وإن لم تكن طرفاً لأنها في تقدير الطرف، من حيث كان حرف التثنية لا يحصن ما اتصل به، لأن دخوله كخروجه. وصحت الواو في المذروين لأنهم بنوه على التثنية، فلم يفردوا، فيقولوا: مذرًى كما قالوا: ملهًى، فصحت لذلك، كما صحت الواو والياء في العلاوة والنهاية، فلم يقلبا إلى الهمزة لأنهم بنوا الاسمين على التأنيث. وكما صحت الياء في الثنايين من قولهم: عقلته بثنايين، إذا عقلت يديه جميعاً بطرفي حبل، لأنهم صاغوه مثنى. ولو أنهم تكلموا بواحده. لقالوا: ثناء مهموز، كرداء، ولقالوا في تثنيته: ثناءين، كردائين. انتهى. وقوله: فها أنا ذا عمارا أراد: يا عمارة، فرخم وألحق ألف الإطلاق. وعمارة هو أحد بني زياد العبسي، وهم: الربيع، وعمارة، وقيسٌ، وأنس، كل واحد منهم قد رأس في الجاهلية وقاد جيشاً. وأمهم فاطمة بنت الخرشب الأنمارية، وكانت إحدى المنجبات. وهي التي سئلت: أي بنيك أفضل؟ فقالت: الربيع، بل عمارة، بل قيس، بل أنس. ثم قالت: ثكلتهم إن كنت أدري أيهم أفضل، هم كالحلقة المفرغة، لا يدرى أين طرفاها . وكان لكل واحد منهم لقبٌ، فكان عمارة، يقال له: الوهاب، وكان الربيع، يقال له: الكامل، وقيسٌ، يقال له: الجواد، وأنس، يقال له: أنس الحفاظ. وكان عمارة آلى على نفسه أن لا يسمع صوت أسيرٍ ينادي في الليل إلا افتكه. وقوله: متى ما تلقني فردين ، أي: منفردين أنا وأنت خاصة، ليس معي معين، وليس معك معين. وما: زائدة. قال ابن الشجري: والرانفة: طرف الألية الذي يلي الأرض، إذا كان الإنسان قائماً. وروى بدل فردين: خلوين بالكسر، أي: خاليين. وروى أيضاً: برزين بالكسر، أي: بارزين. وسيفي صارم إلخ، الصارم: القاطع. والأشاجع: عصب ظاهر الكف، واحدها أشجع. قال ابن الشجري: هي عروق ظاهر الكف، واحدها أشجع، وبه سمي الرجل. وهو قبل التسمية مصروفٌ، كما ينصرف أفكلٌ. ويقال: رجل عاري الأشاجع، إذا كان قليل لحم الكف. انتهى. وقوله: لا ترى فيها انتشارا ، قال الأعلم: يصف أنه سليم العصب شديد الخلق. والانتشار: انتشار العصب، وهو انتفاخها، كانتشار الفرس في يديه. وقوله: حسمٌ كالعقيقة إلخ، يقول: هو صافٍ براق كالقطعة من البرق، وهي العقيقة. ويقال العقيقة: السحابة تنشق عن البرق. والكمع، بكسر الكاف وسكون الميم، الضجيج. يقول: هو ملازمٌ لي، وإن كنت مضطجعاً. وقوله: لا أفل أراد سلاحي لا فل فيه، ولا فطارا. والأفل: الذي فيه فلول. والفطارا، بضم الفاء: المشقق. يقول: هو حديد السلاح تامها. وقال ابن الشجري: العقيقة الشقة من البرق، وهي ما تنعق منه. وانعقاقه: تشققه. والكمع والكميع: الضجيج، وجاء في الحديث النهي عن المكامعة، والمكاعمة. والمكامعة: أن يضطجع الرجلان في ثوب واحد ليس بينهما حاجز. والمكاعمة: أن يقبل الرجل الرجل على فيه. وقوله: لا أفل ولا فطارا ، أي: لا فل فيه ولا فطر. والفل: الثلم. والفطر: الشق. وموضع قوله: كالعقيقة، وصفٌ لحسام، ففي الكاف ضمير عائد على الموصوف. وانتصاب أفل على الحال من المضمر في الكاف، والعامل في الحال ما في الكاف من معنى التشبيه، والتقدير: حسامٌ يشبه العقيقة غير منفل ولا منفطر. انتهى. وقوله: وكالورق الخفاف إلخ، يعني سهاماً جعل نصالها بمنزلة الورق في خفتها. وأراد: بعض سلاحي سهامٌ مثل الورق الخفاف بكسر الخاء، جمع خفيف ضد الثقيل. وقوله: وذات غرب يعني قوساً. وغربها: حدها، بفتح الغين المعجمة وسكون المهملة. والشرع، بكسر الشين المعجمة وفتح الراء المهملة: جمع شرعة بكسر فسكون، وهي الأوتار. والازورار: الميلان. يقول: هي محنية ففيها ميلٌ عن وترها. وكلما مالت عنه وبعدت كان أمضى لسهمها وأنفذ. وقوله: ومطرد الكعوب يعني رمحاً طويلاً. وكعوبه: رؤوس أنابيبه. واطرادها: تتابعها واستقامتها. والأحص، بمهملتين: الأملس الذي لا لحاء عليه ولا عقدة. والصدق، بفتح الصاد، وهو الصلب المستقيم. وشبه سنانه بالنار لصفائه وحدته. يقول: إذا نظرت إليه ليلاً أضاء لك الظلام، فكأنه نار. وقد تقدمت ترجمة عنترة في الشاهد الثاني عشر من أوائل الكتاب. وأنشد بعده: الوافر بلى أير الحمار وخصيتاه *** أحب إلى فزارة من فزار لما تقدم قبله، وسيأتي ما يتعلق به قريباً. والبيت من أبياتٍ ثلاثة للكميت بن ثعلبة، وهي: نشدتك يا فزار وأنت شيخٌ *** إذا خيرت تخطئ في الخيار أصيحانيةٌ أدمت بسمنٍ *** أحب إليك أم أدير الحمار بلى أير الحمار وخصيتاه *** أحب إلى فزارة من فزار وقوله: نشدتك، أراد: نشدتك بالله، أي: ذكرتك به واستعطفتك به، لتخبرني عما أسألك. ويقال أيضاً: نشدتك الله من باب نصر. وجملة: تخطئ في محل رفعٍ صفة لشيخ، من الخطأ ضد الصواب. وإذا: ظرف له. والخيار: هو الاختيار. وقوله: أصيحانية أدمت إلخ، الهمزة للاستفهام، وصيحانية: صفة لموصوف محذوف، أي: أتمرة صيحانية. والصيحاني: تمرٌ معروف بالمدينة. ويقال: كان كبشٌ، اسمه صيحان بمهملتين، شد بنخلةٍ فنسبت إليه، وقيل: صيحانية. وأدمت: بالبناء للمفعول من الإدام، يقال: أدمت الخبز، إذا أصلحت إساغته بالإدام، وهو ما يؤتدم به، مائعاً كان وجامداً. وقوله: بلى أير الحمار قد وقعت بلى هنا جواباً للاستفهام المجرد من النفي وشبهه. وهذا يشكل على اتفاقهم بأنها لا يجاب بها الإيجاب. وقد وقع مثله في أحاديث من صحيحي البخاري ومسلم، نقلها ابن هشام في المغني. وبنو فزارة يرمون بأكل أير الحمار. وقد بين مثله الجاحظ في مساوي البخل من كتاب المحاسن والمساوي قال: المثل السائر: هو أبخل من مادرٍ ، وهو رجلٌ من بني هلال. وبلغ من بخله أنه كان يسقي أبله فبقي في أسفل الحوض ماءٌ قليل، فسلح فيه ومدر الحوض به، فسمي مادراً. وذكروا أن بني فزارة وبني هلال تنافروا إلى أنس بن مدرك، وتراضوا به، فقالت بنو هلال: يا بني فزارة أكلتم أير الحمار. فقال بنو فزارة: لم نعرفه. وكان سبب ذلك أن ثلاثة اصطحبوا: فزاريٌّ، وتغلبيٌّ، وكلابيٌّ، فصادفوا حمار وحش، ومضى الفزاري في بعض حوائجه، فطبخا وأكلا وخبئا للفزاري أير الحمار، فلما رجع قالا له: قد خبأنا لك حصتك فكل. وأقبل يأكل ولا يسيغه، فجعلا يضحكان، ففطن وأخذ السيف وقام إليهما، وقال: لتأكلان منه وإلا قتلتكما فامتنعا فضرب أحدهما فقتله، وتناوله الآخر فأكل منه فقالت بنو فزارة: منكم يا بني هلال من سقى إبله فلما رويت سلح في الحوض ومدره بخلاً. فنفرهم أنس بن مدرك على الهلاليين، فأخذ الفزاريون منهم مائة بعير، وكانوا تراهنوا عليها. وفي بني هلال، يقول الشاعر: الطويل لقد جللت خزياً هلال بن عامر *** بني عامرٍ طراً لسلحة مادر فأفٍّ لكم لا تذكروا الفخر بعده *** بني عامر أنتم شرار العشائر هذا ما أورده الجاحظ، ونقله حمزة الأصفهاني، والميداني، والزمخشري في أمثالهم. والكميت بن ثعلبة: شاعر إسلاميٌّ فقعسي أسدي. ويقال له: الكميت الأكبر. وهو ابن ثعلبة بن نوفل بن نضلة بن الأشتر بن حجوان بن فقعس الأسدي. وه جد الكميت بن معروف بن الكميت الأكبر. وهو القائل في قصة ابن دارة، وقتله: الطويل فلا تكثروا فيها الضجاج فإنه *** محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا ومن شعر الكميت ابن ابنه - وله ديوان مفرد، ولم يذكر الجمحي في طبقات الشعراء غيره ممن اسمه كميت -: الطويل فقلت له تالله يدري مسافرٌ *** إذا أضمرته الأرض ما الله صانع أسلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجتمع معه، وقد أورده ابن حجر في قسم المخضرمين من الإصابة عن أبي عبيدة والمرزباني. وأما الكميت بن زيد مادح آل البيت فقد تقدمت ترجمته في الشاهد السادس عشر من أوائل الكتاب. وهو أسديٌّ أيضاً. وأما أنس بن مدركة الخثعمي فهو من الصحابة رضي الله عنهم. وأنشد بعده: يرتج ألياه ارتجاج الوطب على أنه قيل: أليان في تثنية ألية، من ضرورة الشعر، والقياس أليتان. قال القالي في المقصور والممدود: قال أبو حاتم: ربما حذفت العرب هاء التأنيث من ألية في الاثنين، فقالوا: أليتان وأليان. وأنشدونا: الرجز كأنما عطية بن كعب *** ظعينةٌ واقفةٌ في ركب يرتج ألياه ارتجاج الوطب وأورد أبو زيد في نوادره هذه الأبيات الثلاثة ولم يزد عليها شيئاً. قال الجواليقي في شرح أدب الكاتب: الظعينة: المرأة. والركب: أصحاب الإبل. والارتجاج: الاضطراب. والوطب: سقاء اللبن. قال ابن السيد في شرحه أيضاً: وصفه بأن كفله عظيم رخوٌ يرتج، لعظمه ورخاوته، ارتجاج الوطب، وهو زق اللبن. وارتجاجه: اضطرابه. وهذا كقول الآخر: الطويل فأما الصدور لا صدور لجعفرٍ *** ولكن أعجازاً شديداً ضريرها يقول: قوتهم ليست في صدورهم، إنما هي في أكفالهم، فهم يلقون منها ضريراً، أي: ضرراً ومشقة. والظعينة: المرأة، سميت بذلك لأنه يظعن بها. وكان يجب أن يقال: ظعين بغير هاء، لأنها في تأويل مظعون بها. وفعيل إذا كان صفة للمؤنث في تأويل مفعول كان بغير هاء، نحو: امرأة قتيل وجريح، ولكنها جرت مجرى الأسماء حتى صارت غير جاريةٍ على موصوف، كالذبيحة والنطيحة. ووصفها بأنها واقفةٌ في ركب لأنها تتبختر إذا كانت كذلك وتعظم عجيزتها لتري حسنها. ألا ترى إلى قول الآخر: المتقارب تخطط حاجبها بالمداد *** وتربط في عجزها مرفقه قوله: وفعيل إذا كان صفة للمؤنث في تأويل مفعول كان بغير هاء، أقول: هذا إذا كان جارياً على موصوفه كما مثل. فأما إذا كان لموصوف غير مذكور فيجب التأنيث لئلا يلتبس بالمذكر. فظعينة هنا واردةٌ على القياس. وهذا الرجز مع كثرة الاستشهاد به لم يعلم قائله. والله أعلم. وأنشد بعده: الرجز كأن خصييه من التدلدل *** ظرف عجوزٍ فيه ثنتا حنظل لما تقدم قبله. ومثله، قال سيبويه: من قال خصيان لم يثنه على الواحد المستعمل في الكلام، يعني أن خصيين تثنية خصي لا يستعمل في الكلام. ومثله قول ثعلب، قال في فصيحه: وتقول: هما الخصيان، فإذا أفردت أدخلت الهاء، فقلت: خصية. وهو في نوادر أبي زيد. ومن أبيات أدب الكاتب: الرجز قد حلفت بالله لا أحبه *** أن طال خصياه وقصر زبه أراد: قصر، بضم الصاد، فسكنه. ونقل الإمام المرزوقي في شرح الفصيح عن الخليل، أنه قال: الخصية تؤنث ما دامت مفردة، فإذا ثنوها أنثوا وذكروا. ونقل اللبلي في شرحه أيضاً عن ابن خالويه، قال: أجمعت العرب على إثبات الهاء في واحدها، فقالوا: خصية، فإذا ثنوا، فمنهم من يقول: الخصيان بغير هاء، وهي المختارة. ومنهم من يقول: خصيتان. قال: فمن أثبت الهاء في الاثنين فلا سؤال معه في الفرع على الأصل. ومن قال: هما الخصيان، بناه على لفظ من قال: هما الأنثيان، لأن الأنثيين لا واحد لهما من لفظهما، فلما لم تلحق العلامة في الأنثيين في ذلك أسقطها من هذه. وقال القالي في المقصور والممدود: قال أبو حاتم: وربما حذفت العرب هاء التأنيث في الاثنين من الخصية، فقالوا: خصيتان وخصيان. وأنشد هذين البيتين عن أبي زيد. ثم قال: قال أبو زيد: لا يقال للواحد خصي بغير هاء. وكذا قال أبو عثمان المازني في تصريف الملوكي، قال: وأما الصلابة والعباية، فلم يجيئوا بهما على الصلاء والعباء، كما أنهم حين قالوا: خصيان لم يجئ على الواحد، ولو جاء على الواحد، لقالوا: خصيتان. وقال ابن جني في شرحه: العباية والصلاية بنيت في أول أحوالها على التأنيث ولم تجئ على المذكر، ولو جاءت عليه، لقالوا: عباءة وصلاءة، كما أن خصيان لو جاء على خصية، لقيل: خصيتان، ولكنه بني على التثنية، في أول أحواله، وإن كانت فرعاً، كما بنيت العباية على التأنيث في أول أحوالها، وإن كانت فرعاً. قال أبو العباس: يقال: خصية وخصيٌ. فمن قال: خصية، قال: خصيتان. ومن قال: خصيٌ، قال: خصيان. ومثله ألية وألي. فمن قال: ألية، قال: أليتان. ومن قال: ألي، قال: أليان. قال الراجز: يرتج ألياه ارتجاج الوطب وقال آخر: الطويل أخصيي حمارٍ بات يكدم نجمةً *** أتؤخذ جاراتي وجارك سالم وقال آخر: الرجز يا بأبي خصياك من خصًى وزب وقال آخر: كأن خصييه من التدلدل ***.............. البيت فتثنى الخصي على خصيين. وإلى هذا ذهب أبو القاسم علي بن حمزة البصري فيما كتبه على إصلاح المنطق. قال ابن السكيت في إصلاحه: تقول: ما أعظم خصيته خصيتيه، ولا تكسر الخاء. قال الراجز: كأن خصييه من التدلدل الواحدة خصية. وقالت امرأة من العرب: الرجز لست أبالي أن أكون محمقه *** إذا رأيت خصيةً معلقه وقال أبو القاسم المذكور: هذا قولٌ أصاب في بعضه وسها في بعضه. الواحدة من الخصيتين خصية، ومن الخصيين خصي. قال الراجز: يا بأبي أنت ويا فوق البيب *** يا بأبي خصياك من خصًى وزب وقال الفرزدق: الطويل أتاني على القعساء عادل وطبه *** بخصيي لئيمٍ واست عبدٍ تعادله والسابق إلى هذا المذهب أبو الحسن علي اللحياني في نوادره كما نقله عنه اللبلي في شرح الفصيح، قال: حكى اللحياني فيما جاء مثنى من كلام العرب: ألي وخصي، وألية وخصية، وفي التثنية أليان وأليتان، وخصيان وخصيتان، قال: هما لغتان. ونقل ابن السكيت في إصلاح المنطق عن أبي عمرٍو الشيباني أنه قال: الخصيتان: البيضتان. والخصيان: الجلدتان اللتان فيهما البيضتان. وأنشد البيت الشاهد. قال شارح أبياته ابن السيرافي: التدلدل: تحرك الشيء المعلق واضطرابه. وظرف العجوز: الجراب الذي تجعل فيه خبزها وما تحتاج إليه. وظرف العجوز خلقٌ فيه تشنج لقدمه. شبه جلد الخصية به للغضون التي فيه، وشبه الأنثيين في الصفن بحنظلتين في جراب. وكذا قال المرزوقي: هذا البيت أن يكون شاهداً للصفن أولى، لأنه شبه موضع البيضتين بظرف جراب، والبيضتين بالحنظلتين. وهذا التأويل وإن أمكن حمله في البيت هنا، فلا يمكن حمله في الأبيات السابقة. وقد تقدم في الشاهد الثامن والأربعين بعد الخمسمائة من با العدد أنهما من رجزٍ لخطامٍ المجاشعي. ونسبهما أبو سهل الهروي في شرح الفصيح إلى جندل. وقيل قائلهما دكين. وأنشد قبلهما: رخو يد اليمنى من الترسل *** من الرضا جنعدل التكتل ويقال: مر فلان يتكتل، إذا مر وهو يقارب الخطو ويحرك منكبيه. وقال اللبلبي في شرحه: قال السيرافي: هذان البيتان لشماء الهذلية. وأنشد الشعر هكذا: تقول يا رب ويا رب هل *** هل أنت من هذا مخلٍّ أحبلي إما بتطليقٍ وإلا فاقتل *** وارم في وجعائه بدمل كأن خصييه من التدلدل *** ظرف عجوزٍ فيه ثنتا حنظل شبه خصييه في استرخاء صفنهما، حين شاخ واسترخت جلدة استه بظرف عجوزٍ فيه حنظلتان. وخص العجوز لأنها لا تستعمل الطيب ولا تتزين للرجال فيكون في ظرفها ما تتزين به، ولكنها تدخر الحنظل ونحوه من الأدوية. ويحتمل الشعر أن يكون مدحاً في وصف شجاع، لا يجبن في الحرب فتتقلص خصيتاه. قال: ويحتمل أن يكون هجواً. ووجهه أن يصف شيخاً قد كبر وأسن، ولذلك قال: ظرف عجوز، لأن ظرفها خلقٌ منقبض، فيه تشنج لقدمه، فلذلك شبه جلد الخصية به، للغضون التي فيه. والأولى أن يكون هجواً، لذكره العجوز والحنظلتين، مع تصريحه بذكر الخصيتين. قال التدميري: ويروى: من التهدل، وهو استرخاء جلدة الخصية. قال: وظرف العجوز: مزودها الذي تخزن متاعها فيه. والحنظل: نباتٌ معروف، ويقال: العلقم. وروي عن أبي حاتم أنه قال: الحنظل ها هنا: الثوم. وتقدم ما فيه. وقوله إن الشعر لشماء الهذلية ينافيه أوله: تقول يا رب ويا رب هل وقوله: لست أبالي أن أكون محمقه يقال: أحمقت المرأة، إذا ولدت ولداً أحمق. قال التدميري: معنى الشعر أن هذه المرأة، كانت تلاعب ابناً لها صغيراً وترقصه، وتنظر في أثناء ذلك إلى خصيتيه فتفرح بكونه ذكراً، فقالت: لست أبالي إذا ولدت الذكور، أن يكون أولادي حمقى، وأن أكون أنا محمقة، أي: ألد الحمقى. وذلك كله فراراً من البنات، وكراهيةً لهن. وأنشد بعده: البسيط كأنه وجه تركيين إذ غضبا على أنه إذا أضيف الجزءان لفظاً ومعنًى إلى متضمنيهما المتحدين بلفظ واحد، فلفظ الإفراد في المضاف أولى من لفظ التثنية، كما في البيت، فإن تركيين متضمنان ولفظهما متحد، لجزأيهما، وهما الوجهان، فإن وجه كل أحدٍ جزء منه، فلما أضيف إليهما أضيف بلفظ المفرد، وهو الوجه. وهذا أولى من أن يقول: كأنه وجها تركيين. وجمعه أولى من الإفراد. فلو قال: كأنه وجوه تركيين أولى من وجه تركيين. هذا محصل كلامه. وإيضاحه أن كل ما في الجسد منه شيءٌ واحد، لا ينفصل كالرأس، والأنف واللسان، والظهر، والبطن، والقلب، فإنك إذا ضممت إليه مثله، جاز فيه ثلاثة أوجه: أحدهما: الجمع، وهو الأكثر نحو قوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما}. وإنما عبروا بالجمع، والمراد التثنية لأنها جمع. وهذا لا يلبس. وشبهوا هذا النوع بقولهم: نحن فعلنا. قال سيبويه: وسألت الخليل عن: ما أحسن وجوههما، فقال: لأن الاثنين جميع، وهذا بمنزلة قول الاثنين: نحن فعلنا ذاك، ولكنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما يكون منفرداً، وبين ما يكون شيئاً من شيء. يريد أنهم قد استعملوا في قولهم: ما أحسن وجوه الرجلين الجمع موضع الاثنين، كما يقول الاثنان: نحن فعلنا، ونحن إنما هو ضميرٌ موضوعٌ للجماعة. وإنما استحسنوا ذلك لما بين التثنية والجمع من التقارب، من حيث كانت التثنية عدداً تركب من ضم واحدٍ إلى واحد. وأول الجمع وهو الثلاثة، تركب من ضم واحدٍ إلى اثنين، فلذلك قال: لأن الاثنين جميع. وقوله: ولكنهم أرادوا أن يفرقوا إلخ، معناه أنهم أعطوا المفرد حقه من لفظ التثنية، فقالوا في رجل رجلان، وفي وجهٍ وجهان، ولم يفعل ذلك أهل اللغة العليا في قولهم: ما أحسن وجوه الرجلين، وذلك أن الوجه المضاف إلى صاحبه إنما هو شيءٌ من شيء. فإذا ثنيت الثاني منهما علم السامع ضرورةً أن الأول لا بد أن يكون وفقه في العدة فجمعوا الأول كراهة أن يأتوا بتثنيتين متلاصقتين في مضاف ومضاف إليه. والمتضايفان يجريان مجرى الاسم الواحد، فلما كرهوا أن يقولوا: ما أحسن وجهي الرجلين، فيكونوا كأنهم قد جمعوا في اسم واحد بين تثنيتين، غيروا لفظ التثنية الأولى بلفظ الجمع، إذ العلم محيط بأنه لا يكون للاثنين أكثر من وجهين، فلما أمنوا اللبس في وضع الوجوه موضع الوجهين، استعملوا أسهل اللفظين. كذا في أمالي ابن الشجري. وهذا علة البصريين. وقال الفراء: إنما خص هذا النوع بالجمع، لأن الشيء الواحد منه يقوم مقام الشيئين، حملاً على الأكثر، فإذا ضم إلى ذلك شيءٌ مثله، كان كأنه أربعة، فأتى بلفظ الجمع. وهذا معنًى حسنٌ من معاني الفراء. قال ابن يعيش: وهذا من أصول الكوفيين. ويؤيده أن ما في الجسد منه شيء واحد، ففيه الدية كاملةً كاللسان والرأس. وأما ما فيه شيئان كالعين فإن فيه نصف الدية. وهذه عبارة الفراء، نقلناها تبركاً. قال في تفسيره، عند قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}: وفي قراءة عبد الله: والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما وإنما قال أيديهما لأن كل شيءٍ موحد من خلق الإنسان إذا ذكر مضافاً إلى اثنين فصاعداً جمع، فقيل: قد هشمت رؤوسهما، وملأت ظهورهما وبطونهما ضرباً. ومثله: فقد صغت قلوبكما . وإنما اختير الجمع على التثنية لأن أكثر ما تكون عليه الجوارح اثنين في الإنسان: اليدين، والرجلين، والعينين فلما جرى أكثره على هذا ذهب بالواحد منه مذهب التثنية. وقد يجوز هذا فيما ليس من خلق الإنسان، وذلك أن تقول للرجلين: خليتما نساءكما، وأنت تريد امرأتين، وخرقتما قمصكما. وإنما ذكرت ذلك لأن من النحويين من كان لا يجيزه إلا في خلق الإنسان. وكلٌّ سواء. وكذا قال ابن الشجري في هذا، قال: وجروا على هذا السنن في المنفصل عن الجسد، فقالوا: مد الله في أعماركما، ونسأ الله في آجالكما. ومثله في المنفصل فيما حكاه سيبويه: ضع رحالهما. أقول: كذا في الشرح أيضاً. وحكاه سيبويه في أوائل كتابه: وضعا رحالهما بالماضي لا بالأمر. قال: وقالوا: وضعا رحالهما، يريد رحلي راحلتين. وحد الكلام أن يقول: وضعت رحلي الراحلتين. وقال في أواخر كتابه: زعم يونس أنهم يقولون: ضع رحالهما وغلمانهما، وإنما هما اثنان. هذا حكم ما كان منه في الجسد شيءٌ واحد، فإن كان اثنين كاليد والرجل فتثنيته إذا ثنيت المضاف إليه واجبة، لا يجوز غيرها. تقول: فقأت عينيهما، وقطعت أذنيهما، لأنك لو قلت: أعينهما، وآذانهما لالتبس بأنك أوقعت الفعل بالأربع. فإن قيل: فقد جاء في القرآن: فاقطعوا أيديهما فجمع اليد، وفي الجسد يدان، فهذا يوجب بظاهر اللفظ إيقاع القطع بالأربع. فالجواب أن المراد فاقطعوا أيمانهما. وكذلك هي في مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. فلما علم بالدليل الشرعي أن القطع محله اليمين وليس في الجسد إلا يمينٌ واحدة، جرت مجرى آحاد الجسد، فجمعت كما جمع الوجه، والظهر، والبطن. الثاني من الوجوه الثلاثة: الإفراد. ولم يذكر سيبويه هذه المسألة، وذلك نحو قولك: ما أحسن رأسهما، وضربت ظهر الزيدين، وذلك لوضوح المعنى، إذ لكل واحد شيءٌ واحد من هذا النوع، فلا يشكل، فأتي بلفظ الإفراد إذ كان أخف. قال الفراء في تفسير تلك الآية: وقد يجوز أن تقول في الكلام: السارق والسارقة فاقطعوا يمينهما، لأن المعنى اليمين من كل واحدٍ منهما، كما قال الشاعر: الوافر كلوا في نصف بطنكم تعيشو *** فإن زمانكم زمنٌ خميص وقال الآخر: البسيط الواردون وتيمٌ في ذرا سب *** قد عض أعناقهم جلد الجواميس من قال: ذرا بالضم جعل سبأ جبلاً، ومنقال: ذرا بالفتح أراد موضعاً. ويجوز في الكلام أن تقول: ائتني برأس شاتين، ورأسي شاة. فإذا قلت: رأسي شاة فإنما أردت رأس هذا الجنس. وإذا قلت: برأس شاتين فإنك تريد به الرأس من كل شاة. قال الشاعر في ذلك: كأنه وجه تركيين قد غضب *** مستهدفٌ لطعانٍ غير تذبيب وقوله: رأسي شاة هذه مسألة زائدة على ما ذكروا في هذا الباب، استفيد جوازها منه. قال ابن خلف: وقرأ بعض القراء: فبدت لهما سوءتهما بالإفراد. والعجب من ابن الشجري في حمله الإفراد على ضرورة الشعر، فإنه لم يقل أحدٌ إنه من قبيل الضرورة. قال: ولا يكادون يستعملون هذا إلا في الشعر. وأنشدوا شاهداً عليه: كأنه وجه تركيين قد غضب ***............. البيت وقال في آخره: ذب فلانٌ عن فلان: دفع عنه. وذبب في الطعن والدفع، إذا لم يبالغ فيهما. وتبعه ابن عصفور في كتاب ضرائر الشعر، والصحيح أنه غير مختص بالشعر. الثالث: التثنية. وهذا على الأصل وظاهر اللفظ. قال سيبويه: وقد يثنون ما يكون بعضاً لشيء. زعم يونس أن رؤبة كان يقول: ما أحسن رأسيهما. وقال الراجز: الرجز 3ظهراهما مثل ظهور الترسين قال الفراء في تفسير تلك الآية: وقد يجوز تثنيتهما. قال أبو ذوئب الشاعر: الكامل فتخالسا نفسيهما بنوافذٍ *** كنوافذ العبط التي لا ترقع وقال ابن الشجري: ومن العرب من يعطي هذا حقه كله من التثنية، فيقولون: ضربت رأسيهما، وشققت بطنيهما، وعرفت ظهريكما، وحيا الله وجهيكما. فمما ورد بهذه اللغة قول الفرزدق: الطويل بما في فؤادينا من الشوق والهوى وقول أبي ذؤيب: فتخالسا نفسيهما بنوافذٍ ***.............. البيت اراد: بطعناتٍ نوافذ كنوافذ العبط: جمع العبيط، وهو البعير الذي ينحر لغير داء. والجمع في هذا الباب هو الجيد المختار، وبه نزل القرآن العظيم. والبيت الشاهد قافيته رائية لا بائية. وهو من قصيدة عدتها ستة عشر بيتاً للفرزدق، هجا بها جريراً تهكم به وجعله امرأة. وهذه عشرة أبيات بعد ستةٍ من أولها: مما تأمرون عباد الله أسألكم *** بشاعرٍ حوله درجان مختمر لئن طلبتم به شأوي لقد علمت *** أني على العقب خراجٌ من القتر ولا يحامي على الأنساب منفلقٌ *** مقنعٌ حين يلقى فاتر النظر هدرت لما تلقتني بجونته *** وخشخشت أي حفيف الريح في العشر ثم اتقتني بجهمٍ لا سلاح له *** كمنخر الثور معكوساً من البقر معلنكس الكين مجلومٍ مشافره *** ذي ساعدين يسمى دارة القمر كأنه وجه تركيين قد غضب *** مستهدفٌ لطعانٍ غير منجحر كأن رمانةً في جوفه انفلقت *** يكاد يوقد ناراً ليلة القرر هل يغلبن بظرها أيري إذا اطعن *** والطاعن الأول الماضي من الظفر إني لقومي سنانٌ يطعنون به *** وأنت أخت كليبٍ عيبة الكمر قوله: ما تأمرون عباد الله إلخ، ما: استفهامية، وعباد الله: منادًى، والباء من قوله: بشاعر متعلق بقوله: تأمرون، وهو بمعنى عن متعلق بأسألكم. وأراد بالشاعر جريراً. ومختمر: صفة ثانية له، اسم فاعل من اختمرت المرأة، أي: لبست الخمار بالكسر، وهو ثوبٌ تغطي به المرأة رأسها. وجملة: حوله درجان صفةٌ أولى لشاعر. نسبه إلى أنه امرأة: والدرج بالضم، وهو وعاء الطيب، كالحقة والعلبة. وقوله: لئن طلبتم به شأوي إلخ، به أي بهذا الشاعر. والشأو، بفتح الشين وسكون الهمزة: الغاية والسبق. يقول: إن أردتم منه أن يبلغ غايتي، ويسبقني. واللام في لئن موطئة للقسم، وجملة: لقد علمت: جواب القسم، وجواب الشرط محذوف يدل عليه جواب القسم. وفاعل علمت ضمير شاعر، والمراد به امرأة. وعلى بمعنى مع. والعقب، بفتح العين وسكون القاف: جري الفرس بعد جريه الأول. والخراج: مبالغة خارج. والقتر، بفتح القاف والمثناة الفوقية: الغبار. يقول: لا يمكن أن تبلغ شأوي فضلاً عن السبق، فإنها تعلم أني كثيراً ما خرجت من الغبار، أي: إذا كان أحدٌ سابقاً، شققت غباره، فسبقته وخرجت من غباره. وهذا بعد التعب والجري الكثير، فكيف أكون في أول جريٍ. وقوله: ولا يحامي على الأحساب ، أراد بالمنفلق: ذاتٌ لها انفلاق، وهو كناية عن ذات الفرج. والانفلاق: الانشقاق. ومقنع: ذات قناع. وحين متعلق بمقنع. ويلقى: بالبناء للمفعول، من اللقي. وفاتر النظر، أي: ضعيف النظر. وهذه الأوصاف الثلاثة من أوصاف النساء. وقوله: هدرت لما تلقتني إلخ، الجونة، بضم الجيم: العلبة، ودرج الطيب. والخشخشة: صوت السلاح ونحوه. وحفيف مفعول مطلق، أي: خشخشته كحفيف الريح. والحفيف، بالحاء المهملة وفاءين، وهو صوت الريح إذا مرت على الأشجار. والعشر، بضم ففتح: شجر عظيمٌ له شوك. والهدير: صوت شقشقة الجمل. يقول: لما برزت لمحاربتي وكان سلاحها جونتها، وكان صوتها مؤنثاً ضعيفاً كصوت الريح المارة بالأشجار، هدرت عليها كالفحل الهائج فأدهشتها. وقوله: ثم اتقتني بجهمٍ لا سلاح له إلخ، الجهم: الغليظ الثخين، وهو هنا كناية عن فرجها. وأراد بالسلاح الشعر النابت حوله، وشبهه بمنخر الثور حالة كونه معكوساً. والعكس: أن يشد حبلٌ في منخره إلى رسغ يديه ليذل، وحينئذ يرى شقه أوسع. وأصله في البعير. وقوله: معلنكس الكين ، المعلنكس: الكثيف المجتمع. وقال شارح ديوانه: هو الكثير اللحم. والكين، بالفتح: لحم الفرج من داخل. والمشافر: جمع شفر بالضم على خلاف القياس، وشفر كل شيء: حرفه. والمجلوم: المقصوص شعره بالجلم بفتح الجيم واللام، وهو المقص ونحوه. ومعلنكس ومجلوم كلاهما بالجر صفتان لجهم، وكذا قوله: ذي ساعدين، وجملة: يسمى إلخ. وأراد بالساعدين الأسكتين، أي: حرفيه، وسماهما ساعدين لغلظهما وطولهما. وقوله: كأنه وجه تركيين إلخ، أي: كأن ذلك الجهم، المراد به الفرج. شبه كل فلقه منه بوجه تركي. والأتراك غلاظ الوجوه، عراضها، حمرها. وإذا: ظرفٌ عامله ما في كأن من معنى التشبيه. وعند غضبهم تشتد وجوههم حمرةً. وروى الفراء وغيره: قد غضبا فتكون الجملة حالاً من تركيين، على طرز قوله تعالى: {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً}. ومستهدف صفة لوجه، وهو اسم فاعل من استهدف. قال صاحب العباب: واستهدف، أي: انتصب. قال النابغة في صفة فرج: الكامل وإذا طعنت طعنت في مستهدفٍ *** رابي المجسة بالعبير مقرمد وشيء مستهدفٍ، أي: عريض. والطعان، بالكسر: مصدر طعنه بالرمح طعناً وطعاناً. وغير بالرفع صفة لمستهدف. والنجحر: اسم فاعل من انجحر، أي: دخل حجره، بضم الجيم وسكون المهملة، يقال: أجحرته، أي: ألجأته إلى أن دخل جحره، فانجحر. وقوله: كأن رمانة إلخ، يريد أن داخل ذلك الفرج محمرٌّ شديد الحرارة. ويوقد: يشعل. والقرر: جمع قرة بالضم: البرد، كغرفة وغرف. وقوله: هل يغلبن بظرها إلخ، يغلبن مؤكد بالنون الخفيفة. والبظر: لحمة بين شفري الفرج تقطعها الخاتنة. والمرأة التي لم يختن بظرها، يقال لها: بظراء. ومنه قولهم في الشتم: يا ابن البظراء واطعنا أصله، تطاعنا، والألف ضمير البظر والأير. وقوله: والطاعن الأول إلخ، أي: من يطعن أولاً هو الذي يذهب بالظفر ويغلب. ومعلوم أن الذكر هو الذي يبدأ بالطعن للأنثى. وقوله: إني لقومي سنانٌ إلخ، يقول: إني لقومي كالسنان يطعنون بي نحور الأعداء. ويطعنون بضم العين. وقوله: وأنت أخت إلخ، هذا التفاتٌ من الغيبة إلى الخطاب. وأنت: مبتدأ، وعيبة: خبره، وأخت: منادًى. لما جعل جريراً امرأة، قال له: يا أخت كليب، أي: يا امرأةً من قبيلة كليب. والعيبة، بالفتح: خرجٌ صغير توضع فيه الثياب. والكمر: جمع كمرةٍ بفتحتين، كقصب جمع قصبة، وهو الذكر والأير، وأصله الحشفة، ويطلق عليه مجازاً، تسمية للكل باسم الجزء. وترجمة الفرزدق قد تقدمت في الشاهد الثلاثين من أوائل الكتاب. وأنشد بعده:
|