الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***
تمرّ على ما تستمرّ وقد شفت *** غلائل عبد القيس منها صدروها على أنّ الفصل بين المتضايقين بغير الظرف نادر، كما هنا، والأصل: وقد شفت غلائل صدروها عبد القيس منها، ففصل بين المضاف والمضاف إليه بالفاعل وبالجارّ والمجرور. والفاعل، وهو عبد القيس، في نية التقديم على المفعول وهو غلائل صدروها، لأنّ فيه ضمير الفاعل. وعبد القيس: قبيلة. والغلائل: جمع غليلة، وهو الضغن والحقد. وشفت: مجاز من شفى الله المريض. إذا أذهب عنه ما يشكو. وتمر: من المرور. وتستمر: من الاستمرار. وهذا البيت مصنوع، وقائله مجهول، كذا في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف لأبي البركات عبد الرحمن بن محمد الشهير بابن الأنباريّ. وقال ابن السيد في أبيات المعاني: هذا البيت أنشده الأخفش، وتوجيه إعرابه أنه فصل بين المضاف والمضاف إليه بما ليس بظرف، وهو أفحش ما جاء في الشعر ودعت إليه ضرورة، وتقدير الكلام: وقد شفت غلائل صدورها. والغلائل: جمع غليلة مثل عظيمة وعظائم، وكريمة وكرائم. وقال أبو الحسن الأخفش: إن كان الشعر لم يوثق بعربيّته فيجوز أن يكون أخرج غلائل غير مضافة وقدّر فيها التنوين لأنّها لا تنصرف، ثم جاء بالصدرو مجرورة على نيّة إعادتها، كما قال الآخر: الخفيف رحم الله أعظما دفنوه *** بسجستان طلحة الطّلحات أي: أعظم طلحة الطّلحات. فكذلك هنا يريد غلائل عبد القيس منها غلائل صدورها، وقد حذف الثاني اجتزاءً بالأوّل. وهذا التأويل حسن، لأنّه مخرج الكلام، وفيه ضعف من حيث إضمار الجار. انتهى. وأنشد بعده: وهو فزججتها بمزجّة *** زجّ القلوص أبي مزاده على أنّه فصل بين المضاف وهو زجّ ، وبين المضاف إليه وهو أبي مزاده ، بالمفعول، وهو القلوص . يقال زججته زجّاً: إذا طعنته بالزّجّ، بضم الزاء، وهي الحديدة التي في أسفل الرمح. وزجّ القلوص مفعول مطلق، أي: زجّاً مثل زجّ. والقلوص بفتح القاف: الناقة الشابة. وأبو مزاده: كنية رجل، قال صاحب الصحاح المزجّ بكسر الميم: رمح قصير كالمزراق قال ابن خلف: هذا البيت يروى لبعض المدنيّين المولّدين، وقيل هو لبعض المؤنّثين ممن لا يحتج بشعره. ومزجّه ، يروى بفتح الميم وهو موضع الزّجّ يعني أنّه زجّ راحلته لتسرع كما يفعل أبو مزادة بالقلوص. ويجوز أن تكون الميم مكسورة، فيكون المعنى فزّججتها يعني الناقة وغيرها، أي: رميتها بشيء في طرفه زجّ كالحربة، والمزجة ما يزجّ به. وأراد كزجّ أبي مزادة بالقلوص أي: كما يزجّها. انتهى. وقول العينيّ: الأظهر أن الضمير ف يزججتها يرجع إلى المرأة، لأنّه يخبر أنه زجّ امرأته بالمزجّة كما زجّ أبو مزادة القلوص ، كلام يحتاج في تصديقه إلى وحي. وقد انعكس عليه الضبط في مزجّه فقال: هي بكسر الميم، والناس يلحنون فيها فيفتحون ميمها. وقد أنشد ثعلب في أماليه الثالثة هذا البيت كذا: فزججتها متمكّن *** زجّ الصّعاب أبو مزاده وأنشد بعضهم: زجّ الصّعاب أبي مزاده أراد: زجّ أبي مزادة الصّعاب، ثم اعترض بالصّعاب. فلا شاهد في البيت على روايته الأولى. والصّعاب: جمع صعب، وهو نقيض الذلّول. وهذا البيت لم يعتمد عليه متقنو كتاب سيبويه، حتى قال السيرافيّ: لم يثبته أحدٌ من أهل الرواية، وهو من زيادات أبي الحسن الأخفش في حواشي كتاب سيبويه، فأدخله بعض النّسّاخ في بعض النسخ، حتّى شرحه الأعلم وابن خلف في جملة أبياته. والأخفش هذا هو أبو الحسن سعيد بن مسعدة صاحب سيبويه، لا الأخفش أبو الخطّاب فإنّه شيخ سيبويه. قال الزمخشريّ في مفصّله وما يقع في بعض نسخ الكتاب من قوله: فزججتها بمزجة، البيت: فسيبويه بريء من عهدته. أراد أن سيبويه لم يورد هذا البيت في كتابه، بل زاده غيره في كتابه. وإنّما برّأ سيبويه من هذا، لأنّ سيبويه لا يرى الفصل بغير الظرف؛ وإذا كان هذا مذهبه، فكيف يورد بيتاً على خلاف مذهبه. ومنه يظهر لك سقوط قول الجعبريّ في شرح الشاطبيّة فإنه بعد أن زعم أن البيت من أبيات الكتاب قال: فإن قلت: فما معنى قول المفصّل: بريء من عهدته؟ قلت: معناه من عهدة هذه الرواية، لأنّه يرويه: زجّ القلوص أبو مزاده بجرّ القلوص بالإضافة، ورفع أبو مزاده فاعل المصدر. هذا كلامه. ثم قوله: إن هذا البيت أنشده الأخفش والفرّاء، أقول: نقل الفرّاء لهذا البيت ليس لتأييد قراءة ابن عامر الآتية، وإنما نقله للطعن فيه بأنه كلام من لا يوثق به، كما يظره لك من كلام الفرّاء الآتي. قال ابن جنّي في الخصائص: قد فصل بالمفعول به مع قدرته أن يقول: زجّ القلوص أبو مزاده. وفيه عندي دليل على قوّة إضافة المصدر إلى الفاعل عندهم وأنه في نفوسهم أقوى من إضافته إلى المفعول. ألا تراه ارتكب هاهنا الضرورة مع تمكنّه من ترك ارتكابها، لا لشيء غير الرغبة في إضافة المصدر إلى الفاعل دون المفعول. وهذا في النثر وحال السّعة صعبٌ جدّاً، لا سيّما والمفصول به مفعول لا ظرف. وبقوله: لا لشيء غير الرغبة الخ ، يعلم أنّ قول العينيّ: إنّ قائله ليس له عذر في هذا إلاّ مسّ الضرورة لإقامة الوزن، صادرٌ من غير رويّة وفكر. ونقل جماعة عن ابن جنّي في توجيهه: أنّه يقدّر في الأول مضاف إليه وفي الثاني مضاف، والتقدير: زجّ أبي مزاده القلوص قلوص أبي مزادة، على أن يكون قلوص بدلاً من القوص، وتعسّفه ظاهر. ونقل ابن المستوفى عن الزمخشريّ في حواشيه أنّه قال: الوجه أن يجرّ القلوص ويجعل أبي مزادة بعده مجروراً بمضاف محذوف، تقديره: قلوص أبي مزادة، كما في: المتقارب ونارٍ توقّد باللّيل نارا. وقد نقل الخلاف ابن الأنباريّ في هذه المسألة في كتابه الإنصاف، في مسائل الخلاف فقال: ذهب الكوفيّون إلى أنّه يجوز الفصل بين المضاف والمضاف إليه بغير الظرف وحرف الخفض، لضرورة الشعر، وذهب البصريّون إلى أنّه لا يجوز ذلك بغيرهما. أما الكوفيّون فاحتجوا بأن قالوا: إنّما قلنا ذلك لأنّ العرب قد استعملته كثيراً في أشعارها، قال الشاعر: فزججتها بمزجةٍ ***.......... البيت وقال الآخر: تمرّ على ما تستمرّ وقد شفت ***.......... البيت وقال الآخر: الطويل يطفن بحوزيّ المراتع لم يرع *** بواديه من قرع القسيّ الكنائن والتقدير من قرع الكنائن القسيّ. وقال: المنسرح وأصبحت بعد خطّ بهجته *** كأنّ قفراً رسومها قلما والتقدير بعد بهجتها، ففصل بين المضاف الذي هو بعد والمضاف إليه الذي هو بهجتها، بالفعل الذي هو خطّ. وتقدير البيت: فأصبحت قفراً بعد بهجتها كأن قلماً خطّ رسومها. وقد حكى الكسائيّ عن العرب: هذا غلام والله زيدٍ. وحكى أبو عبيدة سماعاً عن العرب: إنّ الشاة لتجترّ فتسمع صوت والله ربّها. وإذا جاء هذا في الكلام، ففي الشعر أولى. وأمّا البصريون فاحتجوا بأن قالوا إنّما قلنا لا يحوز ذلك لأن ّالمضاف والمضاف إليه بمنزلة شيء واحد، فلا يجوز أن يفصل بينهما. وإنّما جاز الفصل بالظرف وحرف الجرّ كما قال ابن قميئة: لله درّ اليوم من لامها وقال أبو حيّة النميريّ: الوافر كما خطّ الكتاب بكفّ يوم *** يهوديّ يقارب ويزيل وقال ذو الرمّة: كأن أصوات من إيغالهنّ بنا لآنّ الظرف وحرف الجر يتّسع فيهما ما لا يتسع في غيرهما. وأمّا الجواب عن كلمات الكوفيّين: أما قوله: فزججته بمزجّة البيت، فيروى لبض المدنيّين المولّدين، فلا يكون فيه حجّة. وأما سائر ما أنشدوه، فهو مع قلّته لا يعرف قائله، فلا يجوز الاحتجاج به. وأما ما حكاه الكسائيّ وأبو عبيدة فإنّما جاء في اليمين لأنها تدخل في أحبارهم للتوكيد، فكأنهم لما جازوا بها موضعها استدركوا ذلك بوضع اليمين حيث أدركوا من الكلام. والذي يدلّ على صحّة هذا أنا أجمعنا وإيّاكم على أنّه لم يجيء الفصل بغير اليمين في اختيار الكلام. وأما قراءة ابن عامر، فلا يسوغ لكم الاحتجاج بها، لأنّكم لا تقولون بموجبها، لأنّ الإجماع واقعٌ على امتناع الفصل بالمفعول في غير ضرورة الشعر، والقرآن ليس فيه ضرورة. وإذا وقع الغجماع على امتناع الفصل بينهما في حالة الاختيار، سقط الاحتجاج بها على حالة الاضطرار. والبصريون يذهبون إلى أن هذه القراءة وهم من القارئ. إذ لو كانت صحيحة لكان من أفصح الكلام، وفي وقوع الإجماع على خلافه دليلٌ على أنّه وهمٌ في القراءة. وإنّما دعا ابن عامر إلى هذه القراءة، أنّه رأى في مصاحف أهل الشام شركائهم مكتوباً بالياء، ووجه إثبات الياء جرّ شركائهم على البدل من أولادهم وجعل الأولاد هم الشركاء، لأنّ أولاد الناس شركاء آبائهم في احوالهم وأموالهم. وهذا تخريج خطّ مصحف أهل الشام. فأمّا قراءة ابن عامر فلا وجه لها في القياس، ومصاحف أهل الحجاز والعراق شركاؤهم بالواو، فدلّ على صحّ ما ذهبنا إليه، والله أعلم. انتهى كلام ابن الأنباريّ. وفيه أمران: الأول: أنّ نسبه جواز الفصل في الشعر بنحو المفعول إلى الكوفيّين، لم يعترف به الفرّاء وهو من أجلّ أئمة الكوفيّين، قال في تفسيره المعروف بعاني القرآن: في سورة الأانعام، عند قفراءة ابن عامر ما نصه: وفي بعض مصاحف أهل الشام شركائهم ، فإن تكن مثبتة عن الأوّلين فينبغي أن يقرأ زيّن أي: بالبناء للمفعول ويكون اللشركاء هم الأولاد، لأنّهم منهم في النسب والميراث. فإن كانوا يقرؤون زيّن أي: بالبناء للفاعل، فلست أعرف جهتها إلاّ أن يكونوا آخذين بلغة قومٍ يقولون: أتيتها عشاياً ثم يقولون في تثنية الحمراء حمريان. فهذا وجه أن يكونوا قالوا: زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركايهم. وإن شئت جعلت زيّن، إذا فتحته، فعلاً لإبليس ثم تخفض الشركاء بإتباع الأولاد. وليس قول من قال إنّما أرادوا مثل قول الشاعر: فزججتها متمكّن *** زجّ القلوص أبي مزاده بشيء. وهذا مما كان يقوله نحويّو أهل الحجاز، ولم نجد مثله في العربية. انتهى. وقال أيضاً في سورة إبراهيم عليه السلام: وليس قول من قال: مخلف وعده رسله بشيء، ولا: زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم، بشيء. قال الفرّاء: هذا باطل، ونحويّو أهل المدينة ينشدون قوله: زجّ القلوص أبي يمزاده والصواب: زجّ القلوص أبو مزاده انتهى الأمر الثاني: أنّ ابن خلف في شرح أبيات الكتاب ، وأبا شامة في شرح الشاطبيّة ، وتبعه في شرحها بعده الجعبريّ والسمين في إعراب القرآن ، نقلوا عن الإنصاف لابن الأنباريّ ما يؤيد قراءة ابن عامر. قال ابن خلف: قد احتجّ ابن الأنباريّ في كتاب الإنصاف عن الكسائيّ عن العرب: هو غلام إن شاء الله أخيك، ففصل بالجملة الشرطيّة. وقال السّمين: قال ابن الأنباريّ: هذه قراءة صحيحة، وإذا كانت العرب قد فصلت بيت المتضايفين بالجملة في قولهم: هو غلام إن شاء الله أخيك، فأن تفصل بالمفرد أسهل. هذا كلامهم، وأنت ترى هذا النقل لا أصل له، وإنّما نقل ابن الأنباريّ عن الكسائيّ عن العرب، هو قولهم: هذا غلام والله زيد. وليس في كلامه أيضاً ما يؤيد القراءة، وإنّما هو طاعنّ فيها تبعاً للزمخشريّ وغيره. وكنت أظن أنّ صاحب الكشّاف مسبوق بابن الأنباريّ، فراجعت ترجمتهما فرأيت الأمر بالعكس، فإنّ الزمخشريّ توفيّ يوم عرفة سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وابن الأنباريّ مات ليلة الجمعة تاسع شعبان سنة سبع وسبعين وخمسمائة وهو تلميذ الجواليقي صاحب المعرّبات وابن الشجريّ صاحب الأمالي ، والزمخشريّ من أقران ابن الشجريّ، فابن الأنباريّ متأخر عن الزمخشريّ بأربع طبقات. والزمخشريّ في طعنه على هذه القراءة مسبوقٌ ايضاً بالفرّاء، فكان ينبغي الردّ على الفرّاء، فإنّه هو الذي فتح ابتداء باب القدح على قراءة ابن عامر. قال السّمين: قراءة ابن عامر متواترة صحيحة، وقد تجرأ كثير من الناس على قارئها بما لا ينبغي، وهو أعلى القرّء السبعة سنداً،واقدمهم هجرة، وإنّما ذكرنا هذا تنبيهاً على خطأ من ردّ قراءته، ونسبه إلى لحن واتباع مجرّد المرسوم. وقال أبو عليّ الفارسيّ: هذا قبيح قليل الاستعمال، ولو عدل عنها كان أولى، لأنهم لم يفصلوا بين المتضايقين بالظرف في الكلام مع اتساعهم في الظروف، وإنما أجازوه في الشعر. وقال أبو عبيد: لا أحب قراءة ابن عامر لما فيها من الاستكراه، والقراءة عندنا هي الأولى لصحتها في العربية مع إجماع أهل المصرين بالعراق عليها. وقال الزمخشريّ - وأساء في عبارته -: وأما قراءة ابن عامر فشيءٌ لو كان في مكان الضرورة لكان سمجاً مردوداً كما سمج وردّ: زجّ القلوص أبي مزده فكيف به في الكلام المنثور، فكيف به في القرآن المعجمز بحسن نطمه وجزالته. والذي حمله على ذلك، أنّه رأى في بعض المصاحف شركائهم مكتوباُ بالياء. ولو قرأ بجرّ الأولاد والشركاء لأن الأولاد شركاؤهم في أموالهم، لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب. وهذه الأقوال كلّها لا ينبغي أن يلتفت إليها، لأنّها طعنٌ في المتواتر، وإن كانت صادرة عن ائمة أكابر.وأيضاً فقد انتصر لها من يقابلهم، وجاء في الحديث: هل أنتم تاركو لي صاحبي . وقال ابن جنّي في الخصائص باب ما يرد عن العربيّ مخالفاً للجمهور: إذا اتفق شيء من ذلك العربيّ وفيما جاء به، فإن كان فصيحاً وكان ما جاء به يقبله القياس فيحسن الظن به، لأنّه يمكن أن يكون قد وقع إليه ذلك من لغة قديمة قد طال عهدها - وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصحّ منه في الإسلام . فجاء الإسلام فتشاغلت عنه العرب بالجهاد ولهت عن الشعر وروايته، فلما كثر الإسلام، وجاءت الفتوح واطمأنت العرب بالأمصار ، راجعوا رواية الشعر فلم يؤولوا إلى ديوان مدوّن، طولا كتاب مكتوب، وألفو ذلك ، وقد هلك من هلك، فحفظوا أقلّ ذلك، وذهب عنهم كثيره. فإذا كان الأمر كذلك لم يقطع على الفصيح يسمع منه ما يخالف الجمهور، بالخطأ إذا كان القياس يعضده. وقال ابن ذكوان: سألني الكسائيّ عن هذا الحرف وما بلغه من قراءتنا، فرأيته كأنه أعجبه ونزع بهذا البيت: نفي الدّراهيم تنقاد الصّياريف بنصب الدراهيم وجرّ تنقاد. وأمّا ورد في النظم من الفصل بين المتضايقين بالظرف وبغيره، فكثير. ثم بعد أن سرد غالب ما ورد في الشعر قال: وإذا قد عرفت هذا، قراءة ابن عامر صحيحةٌ من حيث اللغة، كما هي صحيحة من حيث النقل، فلا التفات إلأى قول من قال: إنّه اعتمد على الرسم لأنّه لم يوجد فيه إلاّ كتابة شركائهم بالياء، وهذا وإن كان كافياً في الدلالة على جر شركائهم فليس فيه ما يدلّ على نصب أولادهم، إذ المصحف مهمل من شكل ونقط، فلم يبق به حجّة في نصب الأولاد إلاّ النقل المحض. وقال أبو شامة: ولا بعد فيما استبعده أهل النحو من جهة المعنى، وذلك أنّه قد عهد تقدّم المفعول على الفاعل المرفوع لفظاً، فاستمرّت له هذه المرتبة مع الفاعل تقديراً؛ فإن المصدر لو كان منوّناً لجاز تقديم المفعول على فاعله، نحو أعجبني ضرب عمراً زيد، فكذا في الإضافة. وقد ثبت جواز الفصل بين حرف الجرّ ومجروره مع شدة الاتصال بينهما أكثر من شدته بين المتضايفين، كقوله تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم ، فبما رحمةٍ والمفعول المقدّم هو في غير موضعه معنى، فكأنه مؤخر لفظاً. ولا التفات إلى قول من زعم أنه لم يأت في الكلام المنثور مثله. لأنّه نافٍ، ومن أسند هذه القراءة مثبتٌ، والإثبات مرجّح على النفي بإجماع. ولو نقل إلى هذا الزاعم عن بعض العرب أنه استعمله في النثر، لرجع إليه، فماباله لا يكتفي بناقل القراءة من التابعين عن الصحابة! هذا زبدة ما أورده السّمين، ومثله كلام الجعبريّ في شرح الشاطبيّة والله أعلم. وأنشد بعده: وهو وهو من أبيات سيبويه: تنفي يداها الحصى في كلّ هاجرة *** نفي الدّراهيم تنقاد الصّياريف على أن ّفيه الفصل بالمفعول أيضاً بين المتضايفين، فإن أصله: نفي تنقاد الصياريف الدراهيم، ففصل بالمفعول وهو الدراهيم، بين المتضايفين. وإضافة نفي إلى تنقاد، من إضافة المصدر إلى فاعله. وروي أيضاً بغضافة نفي إلى الدراهيم ورفع تنقاد، فيكون من إضافة المصدر. وعلى هذه الرواية أنشده ابن الناظم وابن عقيل في شرح الألفيّة . قال العينيّ: وفي شرح الكتاب: ويجوز نصب التّنقاد ورفع الدراهيم في العمل، على القلب، من حيث أمن اللبس، يعني أنّه روي بجرّ الدراهيم بإضافة نفي إليه ونصب تنقاد، فيكون من قبيل إضافة المصدر إلى فاعله على تقدير القلب بجعل الفاعل مفعولاً والمفعول فاعلاً. وأورده سيبويه في اوائل كتابه، في باب ما يحتمل الشعر قال: وربّما مدّوا فقالوا: مساجيد ومنابير، شبّهوه بما جمع على غير واحدة في الكلام كما قال الفرزدق: نفي الدنانير تنقاد الصّياريف وينشد: نفي الدراهيم. انتهى كلامه ومحلّ الشاهد فيه عند أبي جعفر النحاس، الدنانير والدراهيم، قال: من روى الدنابير فلا ضرورة عنده فيه، لأنّ الأصل في دينار دنّار فلما جمعت رددته إلى أصله فقلت دنانير. ومن روى الدراهيم فذكر أبو الحسن بن كيسان أنه قد قيل في بعض اللغات درهام، قال: فيكون هذا على تصحيح الجمع. قال: ويكون على أنه زاده للمد. قال: ويكون على الوجه الذي قال سيبويه أنّه بنى الجمع على غير لفظ الواحد، كما، قولهم: مذاكير ليس على لفظ ذكر، إنما هو على لفظ مذكار، وهو جمع لذكر على غير بناء واحده. قال: ولم ينكر أن يكون الجمع على غير بناء الواحد، فلذلك زاد الياء في دراهيم. وقال لي علي بن سليمان: واحد الصياريف صيرف، وكان يجب أن يقول صيارف انتهى كلامه. وعند الشنتمري الشاهد في الصياريف، قال: زاد الياء في الصياريف صرورة تشبيهاً لها بما جمع في الكلام على غير واحد، نحو ذكر ومذاكير، وسمح ومساميح. ولم يتعرض للدراهيم والدنانير. وقد جمع ابن خلف بينهما فقال: الشاهد فيه على زيادة الياء في جمع الدراهم والصيارف. أقول: الظاهر كلام الأعلم لا غير، وروي الدراهم بلا ياء، وجميعهم لم يتعرضوا إعراب الدراهيم والتنقاد. والنفي بالنون والفاء، قال صاحب المحكم: كلّ ما رددته فقد نفيته، ونفيت الدراهم: أثرتها للانتقاد. وأنشد هذا البيت. ويداه: فاعل تنفي، والضمير لناقة الفرزدق. والحصى: مفعول. والهاجرة: وقت اشتداد الحرّ في وقت الظهر. ونفي الدراهيم: مفعول مطلق تشبيهي، والأصل تنفي يداها الحصى نفياً كنفي الدراهيم. والتنقاد: بالفتح، من نقد الدراهم، وهو التمييز بين جيّدها ورديئها. والصّيارف: مجرور لفظاً بالإضافة مرفوع محلاّ، لأنّه فاعل تنقاد. قال الأعلم: وصف الفرزدق ناقته بسرعة السّير في الهواجر فيقول: إن يديها لشدّة وقعها يف الحصى ينفيانه فيقرع بعضه بعضاً ويسمع له صليل كصليل الدنانير إذا انتقدها الصّيرفيّ فنفى رديئها عن جيّدها، وخصّ الهاجرة لتعذّر السير فيها. وقال ابن خلف: وصف راحلته بالنشاط وسرعة السّير في الهواجر، حين تكلّ المطيّة وتضعف القوى منها، تكون ه يينشيطة قويّة، إذا أصابت مناسمها الحصى انتقى من تحت مناسمها، كما تنتقي الدراهم من يد الصيرفيّ إذا نقدها باصابعه. شبّه خروج الحصى من تحت مناسمها بارتفاع الدراهم عن الأصابع إذا نقدت. وترجمة الفرزدق في الشاهد الثلاثين من أوائل الكتاب. وأنشد بعده: وهو الرجز يا ابن الزّبير طالما عصيك *** وطالما عنّيتنا إليكا لنضربن بسيفنا قفيكا على أنّه جاء في الشعر قلب الألف ياء مع الإضافة إلى كاف الضمير، في قوله: فقيكا ، والأصل قفاكا، فأبدلت الألف ياء. وإنما كان سبيل هذا الشعر لأنه ليس مع ياء المتكلم فإنها تقلب معه ياء نثراً ونظماً، عند هذيل. وإنّما قيد بكاف الضمير لأنّ السماع جاء معه. وظاهر كلام أبي علي في المسائل العسكرية لا يختصّ هذا بالشعر، فإنه قال: وأمّا إبدال الياء من الألف في قفا، في الإضافة، فإنّما أبدل كما أبدلت الألف منها فيمن قال: رأيت هذان، أي: للتقارض. وقالوا أيضاً: عليك، وإليك، وقد اطّرد هذا في بعض اللغات نحو: هويّ، ونويّ، وقفيّ، فأبدلت الياء من ألف هواي، ونواي، وقفاي، كما أبدلت الألف منها في: حاحيت، وعاعيت، حيث أريد إزالة التضعيف فيه. كما أريد من نظيره من الواو وهو: ضوضيت، وقوقيت. هذا كلامه. وأما عصيكا فأصله عصيت، قال ابن جنّي في سرّ الصناعة: أبدل الكاف من التاء لأنها أختها في الهمس، وكان سحيم إذا أنشد شعراً قال: أحسنك والله، يريد أحسنت. انتهى. وقد تقدّم الكلام في هذا الكتاب، في ترجمته سحيم، أنّه كان حبشيّاً وكان في لسانه لكنة. وقال أبو علي في المسائل العسكرية: قال أبو الحسن الأخفش: إن شئت قلت أبدل من التاء الكاف لاجتماعها معها في الهمس، وإن شئت قلت أوقع الكاف موقعها، وإن كان في أكثر الاستعمال للمفعول لا للفاعل، لإقامة القافية، ألا تراهم يقولون: رأيتك أنت، ومررت به هو، فيجعل علامات الضمير المختصّ بها بعض الأنواع في أكثر الأمر، موقع الآخر. ومن ثمّ جاء: لولاك. وإنّما ذلك لأ،ّ الاسم لا يصاغ معرباً، وإنّما يستحق الإعراب بالعامل. انتهى. قال ابن هشام في المعني: ليس هذا من استعارة ضمير النصب مكان ضمير الرفع، كما زعم الأخفش وابن مالك، وإنّما الكاف بدل من التاء بدلاً تصريفيّاً. وهذا الشعر من مشطور السريع، هكذا أورده أبو زيد في نوادره ونسبه لراجز من حمير. وتبعه صاحب الصحاح في مادة السين المهملة. وأمّا الزّجاجيّ فإنّه رواه يف آخر أماليه الكبرى على خلاف هذه الرواية فقال: باب التاء والكاف في المكنّي، يقال: ما فعلت وما فعلك، قال الراجز: ياابن الزّبير طالما عصيك *** وطالما عنّيكنا إليكا لنضربن بسيفنا قفيكا يريد عصيتنا وعنيتنا. فروى: عنيكنا بدل التاء كافاً، مثل عصيكا . وعنينا إليك، بمعنى أتعبتنا بالمسير إليك. والنون الخفيفة في قوله: لنضربن نون التوكيد. وأراد بابن الزّبير عبد الله بن الزّبير حواريّ رسول الله صلّى اله عليه وسلم. وأنشد بعده: وهو قال لها: هل لك ياتا فيّ على أنّ كسر ياء المتكلم من نحو في لغة بني يربوع، لكنّه عند النحاة ضعيف كقراءة حمزة: ما أنتم بمصرخي . وهذا الشعر من أرجوزة للأغلب العجليّ، وهو شاعر حاهليٌّ أسلاميّ، أسلم وهاجر، ثم استشهد في وقعة نهاوند. وقد تقدّمت ترجمته في الشاهد الحادي والعشرين بعد المائة. وأوّل هذه الأرجوزة: أقبل في ثوبٍ معافريّ *** بين اختلاط اللّيل والعشيّ إلى أن قال: ماضٍ إذا همّ بالمضيّ *** قال لها هل تلك ياتا فيّ قالت له ما أنت بالمرضيّ قال في الصحاح: معافر ، بفتح الميم: حيّ من همدان، وإليهم تنسب الثياب المعافريّة، وهو باللعين المهملة. والماضي: الذي لا يتوانى ولا يكسل في أمرٍ همّ به. وقوله: قال لها الخ ، الضمير عائد على امرأة تقدّم ذكرها. ويا حرف نداء، وتا بالثناة الفوقيّة منادى، وهو اسم إشارة يشار به إلى المؤنث. ولك بكسر الكاف، والجارّ والمجرور خبر مبتدأ محذوف وهو متعلق قوله فيّ . يقول: قال لها ذلك الرجل الماضي: يا هذه المرأة: هل لك رغبةٌ فيّ؟ قالت له: لست بالمرضيّ فيكون لي رغبة فيك. واعلم أنّ الفرّاء والزجّاج وغيرهما قد أنكروا هذه القراءة، والشعر. أمّا الفرّاء فقد قال: في تفسيره: الياء من مضرخيّ منصوبةٌ، لأنّ الياء من المتكلّم تسكن إذا تحرّك ما قبلها، وتنصب إرادة الهاء كما قرئ: لكم دينكم ولي دين بنصب الياء وجزمها. فإذا سكن ما قبلها ردّت إلى الفتح الذي كان لها، فالياء من مصرخيّ ساكنة والياء بعدها من المتكلّم ساكنة، فحركت إلى حركةٍ قد كانت لها. فهذا مطّرد في الكلام. وقد خفض الياء من مصرخيّ الأعمش ويحيى بن وثاب جميعاً، حدّثني القاسم ابن معن عن الأعمش عن يحيى أنه خفض الياء، ولعلها من وهم القرّاء طبقة يحيى، لإإنه قلّ من سلم منهم من الوهم، ولعلّه ظنّ الباء من بمصرخيّ خافضة للحرف كله، والياء من المتكلم خارجة من ذلك. ومّما نرى أنّهم وهموا فيه، قولهم: نولة ما تولّى ونصله جهنّم وظّنوا - والله أعلم - أنّ الجزم في الهاء، والهاء في موضع نصب وقد انجزم الفعل بسقوط الياء منه. ومّما وهموا فيه قوله: وما تنزلت به الشياطون ، حدثني مندل بن علي العنزيّ عن الأعمش قال: كنت عند إبراهيم، وطلحة بن مصرّف يقر: قال لمن حوله ألا تستعمون بنصب اللام من حوله فقال لي إبراهيم: ما تزال تأتينا بحرف أشنع، إنما هي: لمن حوله، بخفض اللام. قال: قلت: لا، إنّما هي حوله، فقال إبراهيم: يا طلحة، كيف تقول؟ قال: كما قلت. قال الأعمش قلت: لحنتما، لا أجالسكما اليوم. قال الفرّاء: وقد سمعت بعض العرب ينشد: قال لها: هل لك ياتا فيّ *** قالت له: ما أنت بالمرضيّ فخفض الياء من فيّ: فإن يك ذلك صحيحاً فهو مما يلتقي من الساكنين فيخفض الآخر منهما، وإن كان له أصل في الفتح، ألا ترى أنهم يقولون: لم أره مذ اليوم، والرفع في الذال هو الوجه، لأنه أصل حركة منذ، والخفض جائز. فكذلك الياء من مصرخيّ، خفضت ولها أصلٌ في النصب. انتهى كلام الفرّاء. وأما الزّجاج فقد قال في تفسيره: قرأ حمزة والأعمش بمصرخيّ بكسر الياء، وهذه عند جميع النحويين رديئة مرذولة، ولا وجه لها إلاّ وجيه ضعيف ذكره بعض النحويّين، وذلك أنّ ياء الإضافة إذا لم يكن قبلها كسرة، فإذا كان قبل الياء ساكن حركت إلى الفتح لا غير. ومن أجاز بمصرخيّ بالكسر، لزمه أن يقول: هذه عصاي أتؤكأ عليها . وأجاز الفرّاء على وجهٍ ضعيف الكسر، لأن أصل التقاء الساكنين بالكسر، وأنشد: قال لها هل لك ياتا فيّ الخ وهذا الشعر مّما لا يلتفت إليه، وعمل مثل هذا أسهل، وليس يعرف قائل هذا الشعر من العرب، ولا هو مّما يحتج به في كتاب الله تعالى. انتهى كلام الزجّاج. ونقل أبو شامة في شرح الشاطبيّة عن ابن النحاس: أنّ الأخفش سعيداً قال: ما سمعت هذا من أحد من العرب، ولا من أحد من النحويين. قال أبو جعفر: قد صار هذا بإجماع، ولا يجوز ولا ينبغي أن يحمل كتاب الله على الشذوذ. قال أبو نصر بن القشيريّ في تفسيره: ما ثبت بالتواتر عن النبي صلّى الله عليه وسلم، فلا يجوز أن يقال هو خط وقبيح ورديء، بل في القرآن فصيح وفيه ما هو أفصح، فلعل هؤلاء أرادوا أنّ غير هذا الذي قرأ حمزة أفصح. قال أبو شامة: قلت: يستفاد من كلام أهل اللغة، أنّ هذه لغة، وإن شذّت وقلّ استعمالها. قال أبو عليّ: قال الفرّاء في كتابه التصريف: زعم القاسم بن معن أنّه صواب، قال: وكان ثقة بصيراً، وزعم أنّه لغة بني يربوع. ثمّ بعد أن نقل أبو شامة بعضاً من كلام الفرّاء والزّجاج قال: والزمخشريّ قال: هي قراءة ضعيفة، واستشهدوا لها بيت مجهول فذكره. قلت: ليس بمجهول فقد نسبه غيره إلى الأغلب العجليّ الراجز، ورأيته أنا في أوّلأ ديوانه. وانظر إلى الفرّاء كيف يتوقف في صحة ما أسنده؟ وهذه اللغة باقيةٌ في أفواه الناس إلى اليوم، يقول القائل: ما فيّ أفعل كذا. وفي شرح الشيخ: قال حسين الجعفيّ: سألت أبا عمرو بن العلاء بن كسر الياء فأجازه. وهذه الحكاية تروى على وجود ذكرها ابن مجاهد في كتاب الياءات من طرق قال: قال خلاد، حدّثنا حسين الجعفيّ قال: وقلت لأبي عمرو بن العلاء: إن أصحاب النحو يلحّنوننا فيها. فقال: هي جائزة أيضاً، لا نبالي إلى اسفل حركته وإلى فوق. ثم ذكر بقية الطرق. واعلم أن علماء العربيّة قد وجّهوا قراءة حمزة بوجوه: أحدها: ما ذكره الشارح المحقّق، وهو أن ياء الإضافة سشبّهت بهاء الضمير التي توصل بواوٍ إذا كانت مضمومة وبياء إذا كانت مكسورة، وتكسر بعد الكسر والياء الساكنة. ووجه المشابهة: أنّ الياء ضمير كالهاء، كلاهما على حرف واحد يشترك في لفظه النصب والجر. وقد وقع قبل الياء هنا ياء ساكنة، فكسرت كما تكسر الهاء في عليه. وبنو يربوع يصلونها بياء كما يصل ابن كثير نحو عليه بياء، وحمزة كسر هذه الياء من غير صلة، لأنّ الصلة ليست من مذهبه. وهذا التوجيه هو الذي اعتمد عليه أبو عليّ في الحجّة قال: وجه ذلك من القياس أن الياء ليست تخلو من أن تكون في موضع نصب وجر، فالياء في النصب والجرّ كالهاء فيهما، وكالكاف في أكرمتك وهذا لك، فكما أن الهاء قد لحقتها الزيادة في هذا له وضربه، ولحق الكاف أيضاً الزيادة في قول من قال: أعطيتكاه وأعطيتكيه فيما حكاه سيبويه، وهما أخنا الياء، كذلك ألحقوا الياء، كذلك ألحقوا الياء الزيادة من المدّ فقالوا: فيّ ثم حذفت الياء الزائدة على الياء، كما حذفت الزيادة من الهاء في قول من قال: له أرقان وزعم أبو الحسن أنّها لغة. قلت: نقل الواحديّ في تفسيره الوسيط عن قطرب أنه زعم أن هذا لغة في بني يربوع، يزيدون على ياء الإضافة ياء، نحو: هل لك ياتا في وكان الأصل بمصرخيّ، ثمّ حذفت الياء الزائدة وأقرّت الكسرة على ما كانت عليه. انتهى. وقول أبي علي: له أرقان هو قطعة من بيت وهو: الطويل فبتّ لدى البيت العتيق أربغه *** ومطواي مشتاقان له أرقان ويأتي شرحه إن شاء الله تعالى في باب الضمائر. وقال أبو شامة: ليس التمثيل بقوله: له أرقان، مطابقاً لمقصوده، فإنّ الهاء ساكنة حذفت حركتها مع حذف طلتها، وليس مراده إلاّ حذف الصلة فقط. فالأولى لو كان مثل بنحو: عليه، وفيه. ثم قال أبو علي: وكما حذفت الزيادةٌ من الكاف، فقيل أعطيتكه، كذلك حذفت الياء اللاحقة للياء على هذه اللغة وإن كان غيرها أفشى منها، وعضدة من القياس ما ذكرنا. لم يجز لقائل أن يقول إن القراءة بذلك لحنٌ لاستقامة ذلك في السماع والقياس، وما كان كذلك لا يكون لحناً. الوجه الثاني أن يكون الكسر في بمصرخيّ، لأجل التقاء الساكنين، وهذا هو الوجه الذي نبّه عليه الفرّاء أوّلاً وتبعه فيه الناس، قال الزمخشريّ: كأنه قدّر ياء الإضافة ساكنة، ولكنّه غير صحيح لأن ياء الإضافة لا تكون إلاّ مفتوحة حيث قبلها ألف في عصاي، فما بالها وقبلها ياء. ومّمن تبع الفرّاء ابن جنّي في المحتسب في سورة طه قال: قرأ الحسن وأبو عمرو بخلافٍ عنهم: هي عصاي بكسر الياء، وكسرها في نحو هذا ضعيف، استقالاً للكسرة فيها وهرباً إلى الفتحة، كهداي وبشراي، إلاّ أنّ للكسر وجهاً ما؛ وذلك أنه قد قرأ حمزة وما أنتم بمصرخيّ وكسر الياء لالتقاء الساكنين مع أنّ قبلها كسرة وياء، والفتحة والألف في عصاي، أخفّ من الكسرة والياء في مصرخيّ. وروينا عن قطرب وجماعةٍ من أصحابنا: قال لها هل لك ياتا فيّ أراد: فيّ، ثم أشبع الكسرة للإطلاق وأنشأ عنها ياء، نحو منزلي وحوملي. وروينا عنه أيض: الطويل عليّ لعمرو نعمةٌ بعد نعمةٍ *** لوالده ليست بذات عقارب وروينا عنه أيض: الرجز إنّ بنيّ صبيةٌ صيفيّون *** أفلح من كان له ربعيون. الوجه الثالث: أنّ الكسر في بمصرخيّ للإتباع للكسرة التي بعدها، وهي كسر همزة إنّي كما قرأ بعضهم: الحمد لله بكسر الدال اتباعاً لكسر اللام بعدها. قال أبو شامة: وهذه الأوجه الثلاثة كلها ضعيفة. والله أعلم. وأنشد بعده: خالط من سلمى خياشم وفا تقدّم شرحه في الشاهد الثالث والأربعين بعد المائتين من باب الاستثناء. وما وجه به الشارح هنا من الوجهين، هما لأبي عليّ في الإيضاح الشعريّ وتقدّم نقلهما عنه هناك بأبسط مّما هنا فليرجع إليه. وقال في البغداديّات أجرى الشاعر في فم الإفراد، مجرى الإضافة في الضرورة، وذلك قوله: خاشيم وفا ، فحكم ألأف فا، أن تكون بدلاًمن التنوين، والمنقلبة من العين سقطت لالتقاء الساكنين، لأنه الساكن الأوّل، وبقي الاسم على حرف واحد. وجاز هذا في الشعر للضرورة، لأنه قد يجوز في الشعر كثيراً ما لا يجوز في الكلام. قال المبّرد: وقد لّحن كثيرٌ من الناس العجّاج في قوله: خياشيم وفا. قال: وليس هو عندي بلاحن، لأنه حيث اضطر أتى به في قافيةٍ غير ملحقة معها التنوين. والقول عندي فيه ما قدّمته: من أنّه أجراه في الإفراد مجراه في الإضافة، فلا يصلح تلحينه ونحن نجد مساغاً إلى تجويزه، ونحن نرى في كلامهم نظيره من استعمالهم في الشعر ما لايجوز مع سواه، كقولهم: ولضفادي جمّه نقانق أي: لضفادع جمّه، فكذلك يجوز فيه استعمال الاسم على حرف واحد وإن لم يسغ في الكلام. فأمّا قول المبّرد: ومن كان يرى تنوين القوافي لم ينوّن هذا، فليس في هذا عنده شيءٌ منع من تنوينه عند من ينوّن. ويفسد ما ذكره من أنّ من نوّن القوافي لم ينوّن هذا، أنّ من ينوّن القافية يلزمه تنوين هذا الاسم، لكونه في موضع النصب، وقد أجاز المبّرد في غير هذا الموع أن يكون الاسم المظهر على حرف مفرد. هذا كلامه ومنه تعلم أنّ نقل الشارح المحقّق عن أبي عليّ خلاف مذهبه. وأنشد بعده: وهو كفي بالنّأي من أسماء كافي على أنّ الوقف على المنصوب بالسكون لغة، فإن كفي مفعول مطلق وهو مصدر مؤكّد لقوله كفى، وكان القياس أن يقول كافياً بالنصب، لكنّه حذف تنوينه ووقف عليه بالسكون، والمنصوب حقّه أن يبدل تنوينه ألفاً. وكاف من المصادر التي جاءت على وزن اسم الفاعل، قال المرزوقيّ في شرح الفصيح: يريد كفى النأي من أسماء كفايةُ، وهو اسم فاعل وضع موضع المصدر كقولهم: قم قائماً، وعوفي عافية، وفلج فالجاً. وكان يجب أن يقول كافياً، لكنّه حذف الفتحة كما تحذف الضمّة والكسرة. انتهى. وكذلك الزمخشريّ أورده في المفصّل في المصادر التي جاءت على صيغة اسم الفاعل. والنأي: البعد، وهو فاعل كفى، والباء زائدة في الفاعل كقوله تعالى: {كفى بالله شهيداً . ومن أسماء متعلّق بالنأي. وأسماء: امرأة، أصله وسماء من الوسامة، وهي الحسن. وهذا صدر وعجزه: وليس لنأيها إذ طال شافي وهذا البيت مطلع قصيدةٍ لبشر بن أبي خازم، مدح بها أوس بن حارثة بن لأم، لّما خلّى سبيله من الأسر والقتل. وشاف: اسم ليس. ولنأيه: متعلّق به، والخبر محذوف أي: عندي وموجود. وفاعل طال ضمير النأي. وإذ تعليليّة متعلّقة بشاف. وجملة وليس لنأيها ، الخ معطوفة على ما قبلها، أي: يكفيني بعدها بلاءً فلا حاجة إلى بلاءٍ آخر، إذ هو الغاية، ولا شفاء لي من مرض بعدها مع طوله. ويجوز أن تكون الواو للحال. وقال معمر بن المثنّى، شارح ديوان بشر، وهو عندي بخطّه، وهو خطٌّ كوفيٌّ: المعنى لا يصيبني بعد هذا شيءٌ الناشئ من بعدها. ويروى أيض: وليس لسقمها أي: السّقم الذي حصل لي منها. هذا كلامه، وليس وراء عبّادان قرية. وروى شرّاح المفصّل المصراع الثاني كذا: وليس لحبّها إذ طال شافي قال شارح أبياته - وهو بعض فضلاء العجم -: قوله: لحبّها، مفعول شافي والخبر محذوف، أي: عندي وموجود، ويجوز أن يكون لحبّها أي: ليس شاف كافي وحاصلاً لحبّها. ورواه المظفّريّ في شرحه: وليس بحبّها بالموحّدة وقال: أي ليس حبّها شافياً إذ طال، يعني يحصل الشفاء من وصلها لا بحبّها. وبشر بن أبي خازم بكسر الموحّدة وسكون الشين المعجمة - وخازم بالخاء والزاي المعجمتين. قال ابن قتيبة في كتاب الشعراء: بشر بن أبي خازم هو من بني أسد، جاهليّ قديم، وشهد حرب أسد وطيّئ، وشهد هو وابنه نوفلٌ الحلف بينهما. قال أبو عمرو بن العلاء: فحلان من فحول الجاهليّة كانا يقويان: بشر بن أبي خازم، والنابغة الذبيانيّ: فأمّا النابغة فدخل يثرب فغنّي بشعره ففطن فلم يعد للإقواء . وأما بشر فقال له أخوه سوادة: إنّك لتقوي! قال: وما الإقواء؟ قال: قولك: الوافر ألم تر أنّ طول الدّهر يسلي *** وينسي مثل ما نسيت جذام ثم قلت: وكانوا قومنا فبغوا علين *** فسقناهم إلى البلد الشّآم فلم يعد للإقواء.. وأورده محمّد بن حبيب في كتاب أسماء من قتل من الشعراء فقال: ومنهم بشر بن أبي خازم الأسديّ، وكان أغار في مقنبٍ من قومه على الأبناء من بني صعصعة بن معاوية - وكلّ بني صعصعة، إلاّ عامر بن صعصعة، يدعون الأبناء، وهم: وائله، ومازن، وسلول - فلما جالت الخيل مرّ بشرٌ بغلامٍ من بني وائلة فقال له بشر: استأسر. فقال له الوائلي: لتذهبن ولأرشقنك بسهمٍ من كنانتي: فأبى بشرٌ إلاّ أسره، فرماه بسهم على ثندوته فاعتنق بشرٌ فرسه وأخذ الغلام فأوثقه، فلمّا كان في الليل أطلقه بشرٌ من وثاقه وخلّى سبيله وقال: أعلم قومك أنّك قتلت بشراً. وهو قوله: الوافر وإنّ الوائليّ أصاب قلبي *** بسهمٍ لم يكن نكساً لغابا في شعر طويل. وكان بشر أوّلاً يهجو أوس بن حارثة بن لأم، وكان أوسٌ نذر لئن ظفر به ليحرّقنه، فلما تمكّن أطلقه وأحسن إليه فمدحه. وهذه القصيدة الفائيّة أول القصائد التي مدحه بها. ولما لم يكن فيها شيء من الشواهد سوى المطلع اكتفينا به وما زدنا عليه شيئاً. وعدّتها اربعة وعشرون بيتاً. وأوسٌ هذا، مّمن يضرب به المثل في الكرم والجود، يقال له ابن سعدى، قال جرير: الوافر وما كعب بن مامة وابن سعدى *** بأجود منك يا عمر الجودا وسبب هجاء بش لأوس، هو ما حكاه أبو العباس المبّرد في الكامل قال: أوس بن حارثة بن لأم الظائيّ كان سيداً مقدّماً، وفد ههو وحاتم بن عبد الله الطائي على عمرو بن هندٍ، وأبوه المنذر بن المنذر بن ماء السماء، فدعا أوساً فقال: أأنت أفضل أم حاتم؟ فقال: أبيت اللّعن، لو ملكني حاتمٌ وولدي ولحمتي لوهبنا في غذاةٍ واحدة! ثم دعا حاتماً فقال: أأنت أفضل أم أوس؟ فقال: أبيت اللّعن إنّما ذكرت بأوس، ولأحد ولده أفضل منّي. وكان النعمان بن المنذر دعا بحلّةٍ وعنده وفود العرب من كلّ حيّ - فقال: احضروا في غدٍ فإي ملبسٌ هذه الحلّة أكرمكم. فحضر القوم جميعاً إلاّ أوساً فقيل له: لم تتخلّف؟ فقال: إن كان المراد غيري فأجمل الأشياء ألا أكون حاضراً، وإ، كنت المراد فسأطلب ويعرف مكاني؟ فلما جلس النعمان لم ير أوساً، فقال: اذهبوا إلى أوس فقولوا له: احضر آمناً مما خفت. فحضر فألبسه الحلّة، فحسده قومٌ من أهله فقالوا للحطيئة: اهجه ولك ثلثمائة ناقة. فقال الحطيئة: كيف أهجو رجلاً لا أرى في بيتي أثاثاً ولا مالاً إلاّ من عنده! ثم قال: البسيط كيف الهجاء وما تنفكّ صالحةٌ *** من آلأ لأم بظهر الغيب تأتيني فقال له بشر بن أبي خازم - أحد بني أسد بن خزيمة -: أنا أهجو لكم. فأخذ الأغبل وفعل، فأغار أوس عليها فاكتسحها، فجعل لا يستجير حيّاً إلاّ قال قد أجرتك إلآّ من أوس. وكان في هجائه قد ذكر أمّه فأتي به، فدخل أوسٌ على أمّه فقال: قد أتينا ببشرٍ الهاجي لك ولي فما ترين فيه؟ ! قالت: وتطيعني فيه ؟ قال: نعم. قالت: أرى أن تردّ عليه ماله وتعفو عنه وتحبوه، وأفعل مثل ذلك، فإنه لا يغسل هجاءه إلاّ مدحه! فخرج فقال: إنّ أمّي سعدى التي كنت تهجوها، قد أمرت فيك بكذا وكذا! فقال: لا جرم، والله لا مدحت حتّى أموت أحداً غيرك. ففيه يقول: الوافر إلى أوس بن حارثة بن لأمٍ *** ليقضي حاجتي فيمن قضاها فما وطئ الثّرى مثل ابن سعدى *** ولا لبس النّعال ولا احتذاها هذا ما أروده المبّرد، ولم يذكر كيف تمكّن منه أوس. وقد حكاه معمر بن المثنّى في شرحه قال: إنّ بشر بن أبي خازم غزا طيئاً ثم بني نبهان، فجرح فأثقل جراحه، وهو يومئذ بحمى أحدٍ أصحابه وإنّما كان في بني والبة، فأسرته بنو نبهان فخبؤوه كراهية أن يبلغ أوساً، فسمع أوسٌ أنه عندهم فقال: والله لا يكون بيني وبينهم خير أبد ويدفعوه! ثم أعطاهم مائتي بعير وأخذه منهم، فجاء به وأوقد له ناراً ليحرّقه - وقال بعض بني أسد: لم تكن نار، ولكنّه أدخله في جلد بعير حين سلخه، ويقال جلد كبش، ثم تركه حتّى جفّ عليه فصار فيه كأنه العصفور - فبلغ ذلك سعدى بنت حصين الطائيّة، وهي سيّدة، فخرجت إليه فقالت: ما تريد أن تصنع؟ فقال: أحرق هذا الي شتمنا. فقالت: قبح الله قوماً يسوّدونك ويقبسون من رأيك، والله لكأنّما أخذت به، أما تعلم منزلته في قومه، خلّ سبيله وأكرمه، فإنه لا يغسل عنك ما صنع غيره. فحبسه عنده وداوى جرحه، وكتمه ما يريد أن يصنع به، وقال: ابعث إلى قومك يفدونك، فإني قد اشتريتك بمائتي بعير. فأرسل بشرٌ إلى قومه فهيّؤوا له الفداء، وبادرهم أوسٌ فأحسن كسوته وحمله على نجيبه الذي كان يركبه، وسار معه، حتّى إذا بلغ أدنى أرض غطفان، جعل بشرٌ يمدح أوساً وأهل بيته. بمكان كلّ قصيدة هجاهم بها قصيدة، فهجاهم بخمسٍ ومدحهم بخمس. وقد قيل: إن بني نبهان لم تأسر بشراً قط، إنّما أسره النعمان بن جبلة بن واثل بن جلاح الكلبي، وكان عند جبلة بنت عبيد بن لأم، فولدت منه عوف بن جبلة، فبعث إليه أوس بن حارثة يتقرّب بهذه القرابة، فبعث ببشر إليه فكان من أمره ما كان. هذه حكايته، وقد نقلتها من خطّه الكوفيّ. وأنشد بعده: وهو إلى المرء قيسٍ أطيل السّرى *** وآخذ من كلّ حيّ عصم على أنه وقف على المنصوب المنوّن بالسكون، ولم يبدل تنوينه ألفاً كالذي قبله. والاستشهاد بهذا البيت كثيرٌ في مؤلفات أبي عليّ وتلميذه ابن جنّي. وكان القياس أن يقول: عصماً، لأنه مفعول آخذ، وهو جمع عصام، ككتب جمع كتاب. قال ابن جنّي في المبهج، وهو شرح أسماء شعراء الحماسة لأبي تمام: عصام القربة: وكاؤها، وعصامها أيضاً: عروتها. وأنشد هذا البيت وقال: هو جمع عصام، يعني عهداً يبلغ به، ويعزّ به. فقضيته أنّه بضمتين. واستشهد به ابن هشام صاحب السيرة النبوية، على أن عصماً فيه بكسرة ففتحة، جمع عصمة، فإنه قال عند تفسير قوله تعالى: {ولا تمسّكوا بعصن الكوافر: واحدة العصم عصمة وهي الحبل والسبب. ثم أنشد هذا البيت. وهو من قصيدة للأعشى ميمون مدح بها قيس بن معد يكرب، مطلعها: أتهجر غانيةً أم تلم *** أم الحبل واهٍ بها منجدم أم الصّبر أحجى فإنّ أمر *** سينفعه علمه إن علم إلى أن قال: ويهماء تعزف جناحه *** مناهلها آجنات سدم قطعت برسامةٍ جسرةٍ *** عذافرةٍ كالفنيق القطم تفرّج للمرء من همّه *** ويشفى عليا الفؤاد السّقم إلى المرء قيسٍ أطيل السّرى *** وآخذ من كلّ حيّ عصم فكم دون بابك من معشرٍ *** خفاف الحلوم عداةٍ غشم إذا أنا حيّيت لم يرجعو *** تحيّتهم وهم غير صم إلى أن قال: ولم يود من كنت تسعى له *** كما قيل في الحرب أودى درم إلى أن قال: تقول ابنتي حين جدّ الرّحيل *** أرانا سواءً ومن قد يتم فيا أبتا لا تزل عندن *** فإنّا نخاف بأن نخترم فلا رمت يا أبتا عندن *** فإنّا بخير إذا لم ترم نرانا إذا أضمرتك البل *** د نجفى ويقطع منّا الرّحم الغانية: الجارية التي استغنت بزوجها، وقد تكون التي استغنت بحسنها. والإلمام: النزول، وأراد به هنا الزيارة والمواصلة. والحبل: الوصل. ووهى الحبل ونحوه: تشقّق واسترخى. والانجذام ، بالجيم والذال المعجمة: الانقطاع. وأحجى: أليق، من الحجا وهو العقل. واليهماء ، بفتح المثناة التحتيّة: الفلاة التي لا يهتدى إلى الطريق فيها. وتعزف: تصوّت، وهو بالعين المهملة والزاي المعجمة. والجنّان بكسر الجيم: جمع جانٌ، وهو أبو الجنّ. والمنهل: المورد، وهو عين ماء ترده الإبل. والآجن: الماء المتغيّر الطعم واللون. والسّدم ، بضم السين والدال المهملتين، في الصحاح: ركيّة سدم وسدم، مثل عسر وعسر: إذا ادّفنت. وقوله: قطعت ، جواب ربّ المقدّرة في قوله: ويهماء، وهو العامل في محله. والرسّامة: الناقة التي تؤثر في الأرض من شدّة الوطء. والجسرة ، بفتح الجيم: الناقة القوية الشديدة، ومثلها العذافرة، بضم العين المهملة. والفنيق بفتح الفاء وكسر النون: الفحل العظيم الخلق. والقطم ، بفتح القاف وكسر الطاء: وصفٌ من قطم الفحل بالكسر، أي: اهتاج وأراد الضراب، وهو في هذه الحالة أقوى ما يكون. والهمّ: الغمّ. والفؤاد فاعل يشقى. والسّقم بفتحتين مفعوله. وقوله: إلى المرء قيس الخ أل في المرء لاستغراق خصائص الأفراد، نحو زيد الرجل، أي: الكامل في هذه الصّفة. وقيس بدل من المرء. والسّرى بالضم: جمع سرية، يقال: سرينا سرية من الليل وسرية، بالضم والفتح. قال أبو زيد: ويكون السّرى أول الليل وأوسطه وآخره. وهذه طريقة المتقدّمين في التخلص إلى المديح، وهو أنهم يصفون الفياقي وقطعها بسير النوق، وحكاية ما يعانون في أسفارهم إلى ممدوحهم. وقوله: وآخذ من كلّ الخ ، معطوف على أطيل السرى. وإنما كان يأخذ من كلّ قبيلةٍ عهداً إلى قبيلةٍ أخرى، لأن له في كلّ حيّ أعداء ممن هجاهم، وممن يكره ممدوحه، فيخشى القتل وغيره، فيأخذ عهداً ليصل بالسّلامة إلى ممدوحه، فذكر له ما تجشّمه من المشاق في المسير إليه، ليجزل له العطايا. وقد ذكر الأعداء بقوله: فكم دون بابك من معشر... الخ وخفاف: جمع خفيف، ككرام جمع كريم. والحلوم: جمع حلم بالكسر، وهو الأناة، أراد ظلمه وتجاوز الحدّ عليه. وغشم ، بضمتين: جمع غشوم، من الغشم وهو الظّلم. وقوله: ولم يود من كنت الخ ، أودى فلان أي: هلك فهو مودٍ. ودرم بفتح الدال وكسر الراء، قال في الصحاح: اسم رجل من بني شيبان، قتل فلم يدرك بثأره، وقال المؤرخ: فقد كما فقد الفارظ العنزيّ . وفي ديوان الأعشى: إنه درم من دبّ بن مرّة بن ذهل بن شيبان، كان النعمان يطلبه فظفروا به، فمات في أيديهم قبل أن يصلوا به إلى النعمان، فقيل أودى درم فذهبت مثلاً. وروي: كما قيل في الحيّ أودى درم قال العسكريّ في التصحيف: اجتمع رواة بغداد على أنّ درم مفتوح الدال مكسور الراء إلآّ ابن الروميّ الشاعر، فإنّه ذكر أن روايته درم بكسر الدال وفتح الراء، وكان يغزوه إلى محمّد بن حبيب. وإنّما احتاج إلى أن يجعله هكذا في شعر له هرباً من التوجيه، فقد كان ابتداء قصيدته: أفيضا دماً إنّ الرّزايا لها قيم فبناها على فتح ما قبل الرويّ ثم قال: فطاحت جباراً مثل صاحبها درم وأنشدها عليّ هكذا، فأنكر ذلك عليه أبو العباس ثعلب. ودرمٌ هذا مشهور عند النسّابين، وهو درم دبّ بن مرّة بن ذهل بن شيبان. إنما قالوا: أودى درم، لأنه قتل فلم يود ولم يثأر به، وقال قائل: أودى درم فضرب مثلاً. وقوله: أرانا سواءً الخ ، أي: نرى أنسفنا مثل الأيتام سواء. وقد يتم بالكسر ييتم بالفتح يتماً بالضم والفتح وسكون التاء فيهما. واخترتهم الدهر، وتخرمهم: أي اقتطعهم واستأصلهم. ونخترم، بضم النون. وقوله: فلا رمت الخ رام من مكانه يريم: إذا برح وزال. ونرانا ، بضم النون من الرؤية بمعنى الظنّ. ونجفى بضم النون من الجفوة، أي: نعامل بها. وأنشد بعده: وهو الراجز كالحوت لا يرويه شيءٌ يلقمه *** يصبح ظمآن وفي البحر فمه على أنه قد يقال في غير الأفصح فمي وفم زيد، في جميع حالات الإضافة. وهذا ظاهر فإثبات الميم عند الإضافة فصيح، ويدلّ له الحديث: لخلوف فم الصّائم . ولا التفات إلى قول أبي علي في البغداديات: قد اضطر الشاعر فأبدل من العين الميم في الإضافة، كما أبدلها منها في الإفراد، فقال: وفي البحر فمه. وهذا الإبدال في الكلام إنما هو في الإفراد دون الإضافة، فأجرى الإضافة مجرى المفرد في الشعر للضرورة. هذا كلامه. ويلقمه: مضارع لقمت اللّقمة لقماً من باب طرب: إذا بلغتها، وكذلك التقمتها وتلقّمتها: إذا ابتلعتها. وروي بدله: يلهمه وهو بمعناه، يقال: لهمه لهماً من باب طرب أيضاً. إذا ابتلعته. وظمآن بالنصب خبر يصبح . وجملة: وفي البحر فمه حال من الضمير المستتر يف ظمآن. قال حمزة الأصبهاني في الدرّة الفاخرة: أظمأ من حوت مثلٌ يزعمون دعوى بلا بينةٍ أنه يعطش وفي البحر فمه، واحتجّوا بقول الشاعر: كالحوت لا يرويه شيء الخ. وينقضون هذا بقولهم: أروى من حوت ، فإذا سئلوا عن علّة قولهم قالوا: لأنّه لا يفارق الماء. انتهى. ولم يزد الزمخشريّ في المستقصى في شرح هذا المثل على قوله: يزعمون أنه يعطش في البحر، قال: كالحوت لا يرويه شيء الخ.
|