الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **
أحسن ما رأيت من ذلك قول بعض الشّعراء مما كتب به إلى بعض أصحابه وقد ولد له ذكرٌ وأنثى من جاريةٍ سوداء وهو قوله " طويل ": وخصّك ربّ العرش منها بتوءم ومن ظلمات البحر تستخرج الدّرر وأثرك أضحى وارثاً علم جابر فأعطاك من ألقبه الشّمس والقمر الأجوبة عن التهنئة بالأولاد. قال في " موادّ البيان ": أجوبة هذه الرّقاع يجب أن تبنى على شكر اهتمام المهنّيء ورعايته والاعتداد بعنايته وأنّ الزيادة في تجدّد المهنّى به زيادةٌ في عدده وأن نصيبه من تحرّك السرور فيما يخلص إليه من المواهب كنصيبه لتناسبهما في الإخاء وتوافيهما في الصّفاء وأن تراعى مع وهذا مثالٌ من ذلك: زهر الربيع: وينهي ورود الكتاب الذي تشرّف المملوك بوروده وأشرقت الأيّام بكمال سعوده وأرغم ببلاغته معطس مناويه وحسوده فشكر أيادي من أنعم بإرساله واكتسى بالوقوف عليه حلّة من حلل فخره وجماله وبالغ في إكماله حتّى وقف إجلالاً له بين يديه ثم تلا آيات حسنه على أذنيه فوجده مشتملاً على إحسانٍ لم يسبقه إلى مثله أحد ومننٍ أودعها فيه فلا يحصيها حصر ولا عدد فهيّج بوروده رسيس الأشواق وتقلّد بإنعام مرسله كما قلّدت الحمائم بالأطواق ووجد لوعةً لا يحسن وصفها لسان اليراع في الأوراق وعلم ما أشار إليه المولى من التهنئة بالولد الجديد بل بأصغر الخدم والعبيد وما أبداه من الابتهاج لميلاده وأظهره من التفضّل المعروف من آبائه الكرام وأجداده ولم لا يكون الأمر كذلك والوالد مملوكه وهو مملوك السادة الأجلاّء أولاده حرس الله مجده ومتّعه بثوب مكارمه وخفض قدر محاربه ورفع كلمة مسالمه ولا زال مماليكه تتزيد تزيّد الأيّام وسعادته باقيةً بقاء الأعوام وعين العناية تحرسه في حالتي السفر والمقام إن شاء الله تعالى. الضرب الثامن من التهاني والعافية من السّقم فمن ذلك: وينهي أنّه ما زالت أجسام أهل التّصافي تشترك في الأسقام والعوافي كما تشترك أنفسهم في التخلّص والتّوافي ولمّا ألمّ بمولانا هذا الألم الذي تفضّل الله تعالى بإماطته ومنّ فيه على السؤدد بحراسة مولانا وحياطته فرأيته حالاًّ في جوارحي محرقاً لجوانحي ممازجاً لأعضائي مملّكاً لأنوائي. ولئن كنت قد تحمّلت من ذلك عبّاً وارتقيت من تحملّه مرتقىً صعباً فلقد فخرت بمماسّته وأحمدت طبعي على مشاكلته وشكرت الله تعالى إذ جعلني شعبة من سرحته وجبلّة من طينته وعلى ما سرّ به من إقالته وإنعاشه ومصافاته وإبشاشه وسألت الله تعالى أن يبقيه نوراً يوضّح مغرب الدّهر ومشرقه ودرّاً يرصّع فود المجد ومفرقه ويحسن الدّفاع عن حوبائه وهو سبحانه وتعالى ذلك ويتقبّله ويرفعه ويسمعه إن شاء الله تعالى. وله في مثله: المملوك يهنّيء مولاه خاصّةً إذ جعله الله تعالى من صفوة أوليائه وخالصة أحبّائه الذين يبتليهم اختباراً وينتابهم اختياراً ليجمع لهم بين تمحيص وزرهم ومضاعفة أجرهم والحضّ على طاعته والانصراف عن معصيته ويهنّيء الكافّة عامّة بالموهبة في نوره المطلعة لأمل الإقبال المروية لماحل الآمال ثم أعطف على حمد الله على ما منّ به من إبلاله ويسّره من استقلاله والرًغبة إليه في أن يمنحه صحّةً تخلّد وتقيم وعافية ترهن ولا تريم وأن يحميه من عوارض الأسقام ويصونه من حوادث الأيّام بفضله وجوده إن شاء الله تعالى. أبو الفرج الببغاء: أفضل ما يفزع إليه العبد المخلص والمولى المتخصّص فيما ينوب سيّده ويهمّ وليّ نعمته الدعاء المقترن بصدق النية وصفاء الطويّة فالحمد لله الذي منّ بالصحّة وتصدّق بالإقالة وتدارك بجميل المدافعة وعمّ سائر خدمه أيّده الله بالنّعمة وأعاده إلى أجمل عاداته من السلامة والصّحّة فائزاً بمدّخر الأجر متعبّداً بمستأنف الشّكر فلا أخلاه الله من زيادةٍ فيما يوليه ولا قصدنا بسماع سوءٍ فيه وحرس من الغير مهجته ومن المحذور نعمته. وله في مثله: ما كنت أعلم أنّ عافيتي مقرونةٌ بعافيتك ولا سلامتي مضافةٌ لسلامتك إلى أن تحقّقت ذلك من مشاركتي إيّاك في حالتي الألم والصحّة والمرض والمحنة فالحمد لله الذي شرّف طبعي بمناسبتك وجمّل خلقي بملاءمتك فيما ساء وسرّ وإيّاه تعالى أشكر على ما خصّني به من كمال عافيتك وسبوغ سلامتك وسرعة إقالتك وبه - جلّ اسمه - أثق في مزيدك من تظاهر النّعم وتوفّر القسم. وله في مثله: ولولا أنّ متضّمن كتابك قرن ذكر المرض الهاجم عليك بذكر ما وهبه الله لك من عود السلامة إليك لما اقتصر بي القلق على ما دون المسير نحوك والمبادرة لمشاهدتك غير أنّ السّكون إلى ما أدّاه كتابك سابق الجزع والطّمأنينة إلى ما وهبه الله من كفايتك حالت دون الهلع فالحمد لله الذي منّ بالإقالة وتصدّق بالسّلامة وعمّ الكفاية وهو وليّ حراستك وحراستي فيك. وله في مثله: سيّدنا في سائر ما يذكّره الله من هجوم ألمٍ مؤذن بصّحّة واعتراض محنةٍ مؤدّية إلى منحة مرموقٌ بالعافية محروسٍ من الله جلّ اسمه بالحفظ والكلاءة فهو مع العلة فائزٌ بذخائر الأجر ومع العافية موفّقٌ لاستزادة الشّكر فالحمد لله الذي عقد الكرم ببقائه وشفى مرض الآمال بشفائه وكفاه اعتراض المخوف وعوارض الصّروف. وله في مثله: ما انفرد جسمك بالعلّة دون قلبي ولا اختصّت نفسك - حرسها الله تعالى - بمعاناة المرض دون نفسي ولم أزل بالقلب تالياً وفي سائر ما شكوته بالنّيّة مساوياً إلى أن كشف الله الغمّة وأقال العثرة ونفّس الكربة ومنّ بالسلامة وتصدّق بالكفاية وأوجب بالعافية علينا جميعاً فروض الشكر بعد ما ادّخره لك بالألم من كثرة الأجر فالحمد لله على ذلك حمداً يؤدّي إلى حراسة ما خوّلك ويؤذن بالمزيد فيما منحك. ومن كلام المتأخرين: أعلى الله قدر الجناب الفلاني ولا زالت شموس أيامه لا تخاف كسوفاً ولا أفولاً وأقمار لياليه تغرس في قلوب أوليائه ومحبّيه فروعاً وأصولاً. المملوك يخدم خدمة من تحّمل جميلاً ونال من تفضّل الجناب الكريم جزيلاً. وينهي ما حصل له من السّرور بعافية مولانا فالشكر لله على ما جدّد من النّعمة التامّة وسمح به من الكرامة العامّة حين أعاد البدر إلى كماله. والسّرور إلى أتمّ أحواله وما كانت إلاّ غلطةٌ من الدّهر فاستدركها وصفقةٌ خارجةٌ عن يده فملّكها فقرّت بذلك العيون وتحقّقت في بلوغ الأمل الظّنون وانجبر قلبه بعدما وهن وعاد جفنه بعد الأرق إلى الوسن وقال: ولقد كان يتمّنى المملوك لو فاز من الرّؤية الشريفة بحظّ السمع والبصر وتملّى بمشاهدة وجهه والمملوك فما يعدّ نفسه إلا من المحبين الذين بذلوا نفوسهم لمحبته وأعدّوها والله تعالى يسرّ الأولياء بتضاعف سعوده ويديم بهجة الأيّام بميمون وجوده ويطيل في مدّته ويحرسها من الغير ويحرس أحوال مزاجه الكريم على القانون المعتبر ويكفي أولياءه ومحبّيه فيه كلّ مكروهٍ وحذر إن شاء الله تعالى. من زهر الربيع " متقارب ": ولمّا شكوت اشتكى كلّ ما على الأرض واهتزّ شرقٌ وغرب لأنّك قلبٌ لجسم الزّمان وما صحّ جسمٌ إذا اعتلّ قلب حرس الله جنابه وأسبل عليه رداء السعد وأثوابه ومتّعه ببرود العافية وجلبابها وفتح له إلى نيل السعادة سائر أبوابها ومنحه الكفاية والأمن في سربه والعافية في جسمه من قلق كلّ مرضٍ وكربه وجمع له بين الثّواب والأجر وجازاه بجزيل الغفران عن جميل الصّبر. المملوك يبشّر نفسه ومولاه بما منّ الله به من صحّة مزاجه الكريم والإبلال من مرضٍ كاد يدير كؤوس الحمام على كلّ صديقٍ حميم ويحمد الله على عافيته حمداً جزيلاً ويشكره عليها بكرةً وأصيلاً فإنّه قد عوفي لعافيته المجد والكرم وزال عنه إلى أعدائه الألم فالمولى حفظ الله صحّته من السّقم وحماه من ألم ألمّ وجعل سعادته تتزايد على ممرّ الأنفاس وجسده سالماً من الأذى الشيخ جمال الدين بن نباتة: وقى الله من الأسواء شخصه الكريم وشمله النّظيم وقلب محبّه الذي هو في كلّ وادٍ من أودية الإشفاق يهيم. ولا زالت الصحة قرينه حتّى لا يعتلّ في منازله غير مرور النّسيم ويصف شوقاً يزيد بالأنفاس وقداً ويجدّد للأحشاء وجداً ويباشر القلب المغرم فيمدّ له من عذاب الانتظار مدّاً. وينهي أنّه جهّز هذه الخدمة نائبةً عنه في استجلاء وجه أكرم الأحبّة وتصافح اليد التي أقلام كتبها في شكوى البعاد أطبّة مبدية إلى العلم الكريم أنّه مع ما كان يكابده من الأشواق ويعالجه من خواطر الإشفاق بلغه ضعف الجسد الموقّى وعارض الألم الذي استطار من جوانح المحبّين برقاً فلا يسأل الجناب الكريم عن قلبٍ تألّم وصدرٍ صامتٍ بالهموم ولكنّه بجراح الأشجان تكلّم ولسانٍ أنشد " طويل ": ألا ليتني حمّلت ما بك من ضنىً على أنّ لي منه الأذى ولك الأجر ثم لطف الله تعالى وعجّل خبر العافية المأمولة والصحة المقبلة عقيب الدّعوات المقبولة فيا لها مسرّة شملت ومبرّة كملت وتهنئة جمعت قلوب الأودّاء وجملت وأعضاء فدتها عيون المها فنقلت عنها صفات السّقام وحملت وعافية حوّلت إلى قلوب الأعداء المرض وجوهر جسدٍ طاهرٍ زال عنه بأس العرض فهنيئأ له بهذه الصحة المتوافرة الوافية والحمد لله ثم الحمد لله على أن جمع بين حصول الأجر ووصول العافيه وعلى أن حفظ ذاته الكريمة وحفظها هو المقدمة الكافية الشافيه: وتقاسم الناس المسرة بينهم قسماً فكن أجلهم قسما أنا! والله تعالى يسبغ عليه ظلال نعمهو ويحفظه حيث كان في نفسه وأهله وخدمه وكما سر الأحباب بخبر عافيته كذلك يسرهم بعيان مقدمه. أجوبة التهنئة بالإبلال من المرض والعافية. قال في " موادّ البيان ": أجوبة هذه الرّقاع يجب أن تكون مبنيّةً على وصف الألم وصورته وما تفضّل الله تعالى به من إماطته وشكر المهنّي باهتمامه وعنايته. وهذه أمثلة من ذلك: من زهر الربيع: أدام الله نعمته وشكر منّته وأدال دولته وأعلى قدره وكلمته وحتّم على الألسنة شكره والقلوب محبّته ولا زالت التهاني من جهته وافدة والبشائر واردة. وينهي ورود الكتاب الذي أعدّته يد المعالي فعاد كريماً وشاهد حسن منظره فصار وجهه وسيماً وأنه وقف عليه وأحاط علماً بكّل ما أشار المولى إليه فذكّره أنساً كان بخدمته لم ينسه وجدّد له وجداً ما زال يجد في قلبه ونفسه عينه ونفسه ونشر من مآثره المأثورة وفضائله المرقومة في صفائح الصّحائف المسطورة ما شنّف به وشرّف وشوّق إلى لقائه وشوّف وأقام البرهان على ذكيّ فطنته وزكيّ فطرته وعلم ما أنعم به وتفضّل وأحسن وتطوّل من تهنئة المملوك بالإبلال من مرضه والبرء من سقمه والتخلّص من يدي وجعه وألمه وسرّ بورود كريم مشرّفته أعظم من سروره بلباس ثوب عافيته وبداوم مجده وسعادته أكثر من صحّة مزاجه واستقلمته فإنّ مكارم المولى كالحدائق النّاضرة ومنزلته أعز في القلوب من الأحداق الناظرة. فالحمد لله الذي منّ بالعافية من ذلك المرض والداء الذي ألمّ بعرضيه فاحتوى منهما على الجوهر والعرض وطال حتّى أسأمه من نفسه وعوّاده وآيسه من الحياة لولا لطف الله والله لطيفٌ بعباده وهذا ببركة المولى ودعائه الذي كان يرفعه والخواطر والأسماع مع بعد الشّقّة تشهد به وتسمعه جعل الله التهاني مع الأبد واردةً منه وإليه وشكر إنعامه وأتمّ نعمته عليه إن شاء الله تعالى. قلت: وكتبت للمقرّ العلائيّ علاء الدين الكركيّ وهو يومئذ كاتب السّرّ الشريف في الدولة الظاهرية برقوق في سلطنته الثانية وقد برأ من مرض نظماً " بسيط ". فاستبشرت بعليّ القوم شيعته ومات حاسده بالسّقم والمرض الضرب التاسع التهنئة بقرب المزار الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي: قرّب الله مزاره وأدنى جواره وأعان أعوانه ونصر أنصاره ولا زالت الأنفس لقربه مسرورة ورايات مجده في الملأ الأعلى وأحزاب الإسلام بهيبته على أعداء الدّين منصوره. المملوك يقبّل الباسطة العالية بسط الله ظلّها وشكر على الأولياء فضلها وينهي أنه اتّصل به طيّب أخباره وقرب مزاره فتضاعف شوقه وتزايد توقه وهيّجت صبابته لاعجه وسهّلت إلى نيل المسرّة طرقه ومناهجه " وافر ": وأبرح ما يكون الشّوق يوماً إذا دنت الدّيار من الدّيار فالله يقرّب من أمد التّلاقي بعيداً ويجعل رداء الاجتماع بخدمته قشيباً جديداً. الضرب العاشر التهنئة بنزول المنازل المستجدّة فمن ذلك من إنشاء عليّ بن خلف أشرف المنازل رقعة وأترفها بقعة وأرفعها رفعة ما اتّخذه مولانا لنفسه موطناً وجعله بنزوله فيه حرماً آمناً وصيّره بمخصب مكارمه للعفاة مراداً ومقصداً وبمعذب نوافله للظّماة مشرعاً ومورداً وللسّؤدد بمجده معقلاً وللرّياسة بشرفه منزلاً والله تعالى يجعل هذه الدار التي تديّرها وحلّها وحطّ بها رحله ونزلها مأهولةً ببقائه آنسةً بسبوغ نعمائه عامرةً بسعادته مشيدةً بتناصر عزّه وزيادته لا تخطئها حوائم الآمال ولا تتخطّاها ديم الإقبال ويعرّفه من بركتها ويمن عتبتها ما يقضي بامتداد الأجل وانفساح الأمل وبلوغ الأماني واتّصالا التّهاني بمنّه وكرمه إن شاء الله تعالى. ومن ذلك: وينهي أنه قد اتّصل بالمملوك تحوّل مولانا إلى المنزل المنشأ الجديد ذي الطالع السعيد والطائر الحميد فسألت الله تعالى أن يبوّئه منه المبوّأ الكريم ويمتّعه فيه بالدّعة والنّعيم والنّماء والمزيد والعيش الرّغيد ويجعله واصلاً لحبله مأهولاً بأهله ويعرّفه بركة عتبته ويملّيه ببهائه ونضارته وحصل للمملوك السّرور بأن بلّغه الله الوطر في سكنى ما عمر وأناله الأمل والالتذاذ بخدمته والسّرور بافتضاض عذرته إن شاء الله تعالى. ومن ذلك: مولانا - أمتع الله بوجوده - غنيّ عن الهناء بمنزلٍ ينزله ومحلٍّ يحلّه إذ الله سبحانه وتعالى قد كثّر أوطانه وأدره وبلّغه في تمام عمارتها وانفساحها وطره وخصّه بأفضلها معاناً وأشرفها مكاناً والمستوجب في الحقيقة للهناء هو الموضع الذي اختاره داراً وارتضاه مستقرّاً وعرف المملوك انتقاله - لا زال يتنقّل في بروج السّعد ويأوي إلى ظلٍّ ظليلٍ من المجد - إلى الدار الفلانية لا زالت جامعةً لشمله مأنوسةً بأهله فعدل عن خدمته بالهناء إلى إخلاص الدّعاء بأن يعرّفه الله تعالى يمنها وبركتها ويريه إقبالها وسعادتها ويقرن تحوّله إليها بأيمن طائر وأبرك طالع فإنّ للحركات أوقاتاً محمودة ومذمومة فإذا اعتنى الله تعالى بعبدٍ من عبيده وفرض له نصيباً من تأييده وفّقه للحركة في الزّمن السعيد والوقت الحميد لتكون مصايره مشاكلةً لمباديه وأعجازه مشابهةً لهواديه والله تعالى يجعل بابها محطّاً للقصّاد ومناخاً للوفّاد ومزاراً للعفاة وملاذاً للعناة ويصل بها حبله و ينشي بها طفله ويضاعف باستيطانها أنسه ويسر بتبوّئها نفسه إن شاء الله تعالى. أبو الفرج الببغاء: أسعد المنازل وأشرف المواطن ما استوطنه أيّده الله وتبوّاه وتخيّره لنفسه وارتضاه فغدا بشخصه وطن الإقبال وبفائض كرمه حرم الآمال وبشرفه للسّؤدد معقلاً وبنبله للرّياسة منزلاً فعرّفه الله يمن هذه الدار المعمورة بحلول البركات المحفوفة بتناصر السّعادات وجعلها وكلّ ربع يقطنه ومحلٍّ يسكنه مبشّراً بامتداد بقائه وآهلاً بالزّيادة في نعمائه. وله في مثله: كلّ وطن يحلّه - أيّده الله - ويقطنه ومحلٍّ يتخيّره ويسكنه مقصودٌ بالشّكر والثناء آهلٌ بالحمد والدّعاء لا يتخطاه متوارد الآمال ولا تنقطع عنه موادّ الإقبال ولذلك صار هذا المنزل السعيد من فضائل الأرض ومحاسنها ونجع الآمال ومعادنها فعرّفه الله يمنه وبركته وإقباله وسعادته وقرن انتقاله إليه بأسبغ نعمة وأكمل سلامة وأبسط قدرة وأعلى رتبة. وله في مثله: عرّفه الله من بركة هذا المنزل المورود والفناء المقصود ما يوفي على سالف ما أولاه من تكامل البركات وتناصر السّعادات وجعل مستقرّه فيه مقروناً بنموّ الحال وتتابع الإقبال في أفسح المدد أطولها وأنجح المطالب وأفضلها وعمر أوطان المكارم بإقباله وعضّد الأمانيّ باتّساع نعمائه. أجوبة التهنئة بقرب المزار ونزول المنازل المستجدّة. قال في " موادّ البيان ": أجوبة هذه الرّقاع يجب أن تبنى على الاعتداد للمهنّي بتعهّده والشكر له على تودّده والابتهاج بهنائه والتبرّك بدعائه وأن المستجدّ غير مباينٍ لمنزله ولا خارجٍ عن أحكام محله وأنّ تمام بركته أن يؤنس فيه بزيارته وما يشابه هذا. الضرب الحادي عشر نوادر التهاني وهي خمسة أصناف الصنف الأوّل: تهنئة الذمّي بإسلامه. فمن ذلك ما رواه أبو الحسين بن سعد في ترسّله وهو: وما زالت حالك ممثّلةً لنا جميل ما وهب الله فيك حتّى كأنّك لم تزل بالإسلام موسوماً وإن كنت على غيره مقيماً وقد كنّا مؤمّلين لما صرت إليه ومشفقين لك مما كنت عليه حتّى إذا كاد إشفاقنا يستعلي على رجائنا أتت السعادة فيك بما لم تزل الأنفس تعد منك ونسأل الله الذي نوّر لك في رأيك وأضاء لك سبيل رشدك أن يؤهّلك لصالح الأعمال وأن يؤتيك في الدنيا حسنةً ويقيك عذاب النار. ومن ذلك من كلام أبي العيناء: ولتهنئتك نعمة الله عليك في أخوّة المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان والحمد لله الذي فوّز قدحك وأعلى كعبك وأنقذ من النار شلوك وخلّصك من لبس الشّك وحيرة الشّرك فأصبحت قد استبدلت بالأديار المساجد وبالآحاد الجمع وبقبلة الشام البيت الحرام وبتحريف الإنجيل صحّة التنزيل وبأوثان المشركين قبلة الموحّدين وبحكم الأسقفّ رأس الملحدين حكم أمير المؤمنين وسيّد المرسلين فهنأك الله ما أنعم به عليك وأحسن فيه إليك وذكّرك شكره وزادك بالشّكر من فضله. أجوبة التهنئة بإسلام ذمّي. قال في " موادّ البيان ": أجوبة هذه الرّقاع يجب أن تكون مبنيّة على شكر المهنّأ للمهنّيء واعترافه بنعمة الله تعالى عنده وابتهاجه بممازجته في الدّين الذي جعل الله أهله إخواناً متصافين وخلاّناً متوافين ومنّ عليهم به وبإماطة الحسائف من قلوبهم ونحو هذا. الصنف الثاني: التهنئة بالختان وخروج اللّحية. فمن ذلك تهنئةٌ لأميرٍ بختان ولديه: فمن خصائص ما حباه الله بعد الذي قدّم له في نفسه نفّس الله مدّتها ووسّع مهلتها وأفنى الأعداد دون فنائها والأعمار دون تصرّمها وانتهائها من الفضائل المشهورة والمحاسن المذكورة والمناقب المأثورة وأقسام الفضل الذي ينتهي دون تصرّم منزله وصف الواصف إذا أفرط وينتهي دون أيسرها أمل الآمل إذا اشتطّ ما وهب الله له من أولادٍ سادةٍ فضّلهم في الأخلاق والصّور وأكملهم في الأجساد والمرر وقدّمهم في العقول والأفهام والقرائح والألباب ولم يجعل للمعيب فيهم سيمة ولا للإناث بينهم شركة حتّى يكون مسلّماً لهم قصب العلا والمفاخر وصدور الأسرّة والمنابر من غير منازع ولا مقارع ولا مساهم ولا مقاسم وزادهم من النّماء في النّشء والبركة واليمن بما يؤذن الحاضر منه بالغابر ويدلّ البادي على الآخر وعداً من الله تعالى ذكره لهم بأوفى السعادات وأكمل الخيرات وأعلى الدرجات أرجو أن يجعل الله النّجح قرينه والنجاة ذريعته وما أولاه فيهم في هذه الحال الحادثة التي يعدق الله بها أداء الفريضة وكمال الشريعة ويقع التطيّر بالختان الذي جعله الله من شروط الإيمان وفرضه على جميع الأديان من السّلامة على عظم الخطر وشدّة الغرر في إمضاء الحديد على أعضاءٍ ناعمة وإيصال الألم إلى قلوبٍ وادعة لم تقارع نصباً ولم تعان وصباً واجتمع فيه إلى رقّة الصّبا وضعف الأسر والقوى اعتياد الرحمة ومخالفة الترّفه والتنقّل بين الشهوات على أن كلّ واحد من الأميرين شهد المعركة أعزل حاسراً وباشر الحرب مغرّراً مخاطراً فثبت لوقع السّلاح وصبر على ألم الجراح وأبلى بلاء الفارس المدجّج والكميّة المقنّع ثم خرج خروج شبل الليث وفرخ العقاب كالقدح المعلّى والشّهاب الساطع والنّجم الثاقب وكان فلان أكثرهما تغيّراً في وجه قرنه وسطوةً على منازله وكلٌّ قد حصّل فوق الخصل وحوى فضيلة السّبق واسحقّ اسم البأس والشّدة وحلية البسالة والنّجدة. ومن ذلك ما أورده أبو الحسين بن سعد في كتابه: الحمد لله الذي كساك باللّحية حلّة الوقار وردّاك رداء ذي السّمت من الأبرار والأخيار وصانك عن ميسم الصّبا ومطامع أهل الهوى بما جلّلك من اللحية البهيّة وألبسك من لباس ذوي اللّبّ والرّويّة وألحقك في متصرّفاته بمن يستقلّ بنفسه ساعياً ويستغني عمّن صحبه حافظاً وجعل ما جمّل من صورتك وكمّل من أداتك وآلتك قرنا ًلمن جاء بسدادك وجارياً مجرى كملة الرجال على الجملة إلى أن يكشف الله مخابرك بالمحنة وتعطى المهابة من الدّاعر العادي ومن السّبع الضاري ولو كان عارياً من هذه الكسوة الشريفة والحلية الملحوظة لسيقت إلى الازدراء بالأعين والاستصغار بالقلوب والألسن أصناف الحيوان من البهيمة والإنسان ثم لا يحسّ من نفسه قوّةً على الدّفع عنها ولا من صرعته ثباتاً على يدها فيه. وتلك نعمةٌ من الله جل وعزّ حباك بمرتبتها في جمال غشاك وكمالٍ أتاك فليصدّق بها اعترافك وشكرك وليحسن ثناؤك ونشرك قضاءً لحق الله عليك واستدراراً في المزيد من إحسانه إليك. أبو الفرج الببغاء: في ذكر الله سيدي بهذا العارض - أماطه الله وصرفه وجعل صحة الأبد خلفه - ما دلّ على ملاحظته إيّاه بالعناية إيقاظاً له من سنة الغفلة إذ كان تعالى لا يذكّر بطروق الآلام وتنبيه العظات غير الصّفوة من عباده الخيرة من أوليائه فهنأه الله الفوز بأجر ما يعانيه وحمل عنه بألطافه ثقل ما هو فيه وأعقب ما اختصّه من ذخائر المثوبة والأجر بعافيةٍ تقتضيه ولا سلب الدنيا جمال بقائه ولا نقل ظلّه عن كافّة خدمه وأوليائه. الصنف الرابع: التهنئة بالصّرف عن الولاية. أبو الفرج الببغاء: من حلّ محلّه - أيّده الله تعالى - من رتب الرّياسة والنّبل كان معظّماً في حالتي الولاية والعزل لا يقدح في قدره تغيّر الأحوال ولا ينقله عن موضعه من الفضل تنقّل الأعمال إذ كان استيحاشها للفائت من بركات نظره بحسب أنسها كان بما أفادته من محمود أثره فهنأه الله نعمة الكفاية وأوزعه شكر ما احتازه من النزاهة والصيانة ولا أخلاه من التوفيق في سائر متصرّفاته والخيرة الضامنة لعواقب إرادته. وله في مثله: لو كان لمستحدث الأعمال ومستجدّ الولايات زيادةٌ على ما اختصّك به من كمال الفضل ومأثور النّبل لحاذرنا انتقال ذلك بانتقال ما كنت تتولاّه بمحمود كفايتك وتحوطه بنواظر نزاهتك وصيانتك غير أنّ الله تعالى جعلك بالفضل متقمّصاً وبالمحاحد متخصصاً فالأسف فيما تنظر فيه عليك لا منك والفائدة فيما تتقلّده بك لا لك ولذلك كنت بالصّرف مهنّأ مسروراً كما كنت في الولاية محموداً مشكوراً فلا أخلاك الله من تواصل آلائه وتظاهر نعمائه في سائر ما تبرمه وتمضيه وتعتمده وترتئيه. أبو الحسين بن سعد عمّن تولّى عملاً إلى من صرف عنه: قد قلّدت العمل بناحيتك فهنأك الله تجديد ولايتك وأنفذت خليفتي لخلافتك فلا تخليه من تبصيرك وهدايتك إلى أن يمنّ الله بزيارتك. تهنئة بصرف عن ولاية: لو كانت رياسة سيّدي مجنيّةً من عروش الولايات وسيادته خارجةً عن سانح التصرّفات لأشفق أولياؤه من زوالهما بمزايلتهما وحذروا من انتقالهما بنقلهما لكن ما وسم به من الكمال وعلا به من رتب الجلال موجودٌ في غريزته وجود الفرند في السيف المأثور واللألاء في النور وإذا تصرّف أورد الله الرعيّة من مشارعها نطافاً وأسبغ عليهم من ظلّها عطافاً وإذا انصرف فخيرٌ مسبلٌ تقلّص وعيشٌ رائعٌ تنغّص والأسف على العمل السليب من حلل سياسته الفاضلة العاطل من حلى سيرته العادلة ولهذا أصبح - أيّده الله - بالعزل مبتهجاً مسروراً كما كان في الولاية محموداً مشكوراً وانطلقت ألسنة أوليائه في هنائه بما وهبه الله من الرّفاهية والدّعة وحطّه عنه من الأثقال المقلقة ولا سيّما وقد علم الخاصّ والعامّ أنّ العمال إذا ردّت إليه وعوّل فيها عليه تسلّم المودع وديعته والناشد ضالّته وإذا عدل فيها إلى غيره تناولها تناول الغاصب واستولى عليها استيلاء السّالب فلا تزال نازعةً إلى ربّها متطلّعةً إلى خطبها حتّى تعود إلى محلّها وترجع إلى نصلها والله تعالى أسأل أن يقضي لمولانا ببلوغ الأوطار إن أجوبة التهنئة بالصرف عن الولاية والخدمة. قال في " موادّ البيان ": يجب أن تكون أجوبتها مبنيّة على شكر الاهتمام والاعتداد بالمشاركة في الأحوال مع وقوع ما ورد من الخطاب الموقع اللطيف وما ينتظم في هذا السلك. جواب من ورد عليه كتابٌ من ولي مكانه في معنى ذلك. فمن ذلك: ما انصرفت عنّي نعمةٌ أعديت إليك ولا خلوت من كرامةٍ اشتملت عليك وإنّي لأجد صرفي بك ولايةً ثانية وحلّة من الوزر واقية لما آمله بمكانك من حميد العاقبة وحسن الخاتمة. الصنف الخامس: تهنئة من تزوجت أمّه بزواجها. قد تقدّم في أوّل المقالة الأولى في حكاية حائك الكلام مع عمرو بن مسعدة وزير المأمون أنه قال: يكتب إليه: أما بعد فإنّ الأمور تجري على خلاف محابّ المخلوقين والله يختار لعباده فخار الله لك في قبضها إليه فإن القبور أكرم الأكفاء والسلام. أبو الفرج الببغاء: وقد أمره سيف الدولة بن حمدان بالكتابة في معنى ذلك امتحاناً له: من سلك إليك - أعزّك الله - سبيل الانبساط لم يستوعر مسلكاً من المخاطبة فيما يحسن واتّصل بي ما كان من خبر الواجبة الحقّ عليك المنسوبة بعد نسبتك إليها إليك - وفّر الله صيانتها - في اختيارها ما لولا أنّ الأنفس تتناكره وشرع المروءة يحظره لكنت في مثله بالرضا أولى وبالاعتداد بما جدّده الله في صيانتها أحرى فلا يسخطنّك من ذلك ما رضيه وجوب الشّرع وحسّنه أدب الدّيانة ومباح الله أحقّ أن يتّبع وإيّاك أن تكون ممن لمّا عدم اختياره تسخّط اختيار القدر له والسلام. النوع الثاني من مقاصد المكاتبات التّعازي قال في " موادّ البيان ": المكاتبة في التعزية بالأحداث العارضة في هذه الدنيا واسعة المجال لما تتضمّنه من الإرشاد إلى الصّبر والتسليم إلى الله جلّت قدرته وتسلية المعزّى عما يسلبه بمشاركة السابقين فيه ووعده بحسن العوض في الجزاء عنه إلى غير ذلك مما ينتظم في هذا المعنى. قال: والكاتب إذا كان جيّد الغريزة حسن التأتّي فيها بلغ المراد. ثم قال: وحكمها حكم التّهاني من الرئيس إلى المرؤوس ومن المرؤوس إلى الرئيس ومن النظير ثم التعزية على أضرب: الضرب الأوّل التعزية بالابن أبلغ ما كتب به في ذلك ما كتب به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى معاذ بن جبل معزّياً بابنٍ له مات فيما ذكره أبو الحسين بن سعد في ترسّله وأبو جعفر النّحاس في صناعة الكتّاب وهو: " من محمد رسول الله إلى معاذ بن جبل: سلامٌ عليك فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو. أما بعد فعظّم الله لك الأجر وألهمك الصّبر ورزقنا وإيّاك الشّكر ثم إنّ أنفسنا وأهلينا وموالينا من مواهب الله السنيّة وعوارفه المستودعة تمتّع بها إلى أجلٍ معدود وتقبض لوقتٍ معلوم ثم افترض علينا الشّكر إذا أعطى والصبر إذا ابتلى وكان ابنك من مواهب الله الهنيّة وعوارفه المستودعة متّعك به في غبطةٍ وسرور وقبضه منك بأجرٍ كثير: الصلاة والرحمة والهدى إن صبرت واحتسبت فلا تجمعنّ عليك يا معاذ خصلتين: أن يحبط جزعك صبرك فتندم على ما فاتك فلو قدمت على ثواب مصيبتك قد أطعت ربّك وتنجّزت موعده عرفت أنّ المصيبة قد قصرت عنه. واعلم أنّ الجزع لا يردّ ميّتاً ولا يدفع حزناً فأحسن الجزاء وتنجّز الموعود وليذهب أسفك ما هو نازلٌ بك فكأن قد ". من كلام المتأخرين: تعزيةٌ بولد من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة وهي بعد الألقاب. وأحسن عزاءه بأعزّ فقيد وأحبّ حبيبٍ ووليد وعوّض بجميل الصبر جوانحه التي سئلت عن الأسى فقالت: ثابتٌ ويزيد. صدرت هذه المفاوضة تهدي إليه سلاماً يعزّ عليه أن يتبع بالتعزية وثناءً يشقّ عليه أن يطارح حمائم سجعه المطربة بحمائم الشّجو المبكية المنكية وتوّضح لعلمه ورود مكاتبته المؤلمة فوقفنا عليها إلا أنّ الدمعة ما وقفت وخواطر الإشفاق عليه وعلى من عنده طفت حرقها وما انطفت وعلمنا ما شرحه ولم يشرح الصّدر على العادة من وفاة الولد فلان سقى الله عهده ولحده ونضّر وجهه وتغمّد بالرضوان خاله وخدّه وما بقي إلاّ التمسّك بأسباب الصبر والتفويض إلى من له الأمر والدّنيا طريقٌ والآخرة دارٌ ودهليزها القبر وللمرء من تثبّته وازع والاجتماع بالأحبّة الراحلين واقع أن لم يصيروا إلينا صرنا إليهم وإن لم يقدموا في الدار الفانية علينا قدمنا في الدار الباقية عليهم نسأل الله تعالى أن يجمعنا في مستقرّ رحمته ويحضرنا مع الأطفال أو مع المتطفّلين ولائم جنّته والله تعالى يدارك بالصبر الجميل قلبه ولا يجمع عليه فقد الثواب وفقد الأحبّة. الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي: رزقه الله تعالى ثباتاً على رزيّته وصبراً وجعل له مع كلّ عسرٍ يسراً وأبقاه مفدّىً بالأنفس والنّفائس وكان له أعظم حافظٍ من نوب الدهر وأجلّ حارس. المملوك ينهي علمه بهذه النازلة التي فتّتت القلوب والأكباد وكادت أن تفرّق بين الأرواح والأجساد وأزالت ذخائر العيون وابتذلت من المدامع كلّ مصون وأذابت المهج تحرّقاً وتلهّباً وجعلت كلّ قلب في ناري الأسى والأسف متقّلباً وهي وفاة ولده الذي صغر سنّه وتزايد لفقده همّ المملوك وحزنه " طويل ". ونجلك لا يبكى على قدر سنّه ولكن على قدر المخيلة والأصل وكان الأمل يحدّث بأنه يشدّ للمولى أزره ويشرح ببرّه صدره ويؤصّل مجده ويبقي الذكر الجميل بعده ففقد من بين أترابه وذوى عندما أينع غصن شبابه وغيّب منظره الوسيم في لحده وترابه وسيّدنا يعلم أنّ الموت منهل لابدّ من ورده وابن آدم زرع لابدّ من حصده وأنّ المنية تشمل الصغير والكبير والجليل والحقير والغنيّ والفقير فينبغي له استعمال صبره والاستبشار بمضاعفة أجره والله يمتّعه بأهله وطول عمره. وله " كامل ": لهفي وما لهفي عليك بنافع! كلاّ ولا وجدي ولا حرقاتي يا من قضى فقضى سروري بعده وتحدّرت أسفاً له عبراتي عقد التجلّد حلّها فرط الأسى والقلب موقوفٌ على الحسرات لو كنت ممّن يشترى أو يفتدى لفديت بالأرواح والمهجات كنت المعدّ لنصرتي في شدّتي فقضى الحمام بفرقةٍ وشتات والله لا أنسيت ندبك والبكا أبداً مدى الأنفاس واللّحظات ويسوءني أن عشت بعدك ساعة أسفاً لفقدك ميّتاً وحياتي أعظم الله أجر مولانا ومنحه صبراً جميلاً وأجراً جزيلاً وثناءً عريض الشقّة لثباته على هذه الفادحة طويلاً وجعل هذه الرزيّة خاتمة الرّزايا وممحّصة جميع الذنوب والخطايا ولا فجعه بعدها في قرّة عين ولا أورد محبوباً شغف به قلبه الكريم منهل الحمام ولا سقاه كأس الحين. وينهي إلى العلم الشريف علمه بهذه المصيبة التي أصابت فؤاد كلّ محبٍّ فأصمته وطرقت سمع كلّ وليّ فأصمّته وولجت كلّ قلبٍ فأحرقته صبابةً وحزناً ومرّت على الصّلد فصدّعته ولو كان حزناً وهي وفاة فلان سقى الله عهده وأسكن الرحمة ثراه ولحده فشّق أسفاً على المفقود جيب كلّ جنان وطوى الأكباد على جراحها وحسّر الأجساد على أرواحها " طويل ". وما هي إلاّ نكبةٌ أيّ نكبةٍ أهاجت سعيراً في الحشا يتلهّب! فلا جسم إلاّ بالتحرّق ذائبٌ زاد عذّالي العتاب وأطنبوا ولهذا أصدر المملوك هذه المطالعة يدعو لمولانا فيها ويعزّيه ويندب فقيده بألسنة الأقلام ويبكيه ويبشّره بما وعد الله الصابرين على مثل هذه الرّزية ويسّليه فيا لها نازلةٌ فجعت بغصنٍ رطيب وقمرٍ يرفل من الشّبيبة في ثوبٍ قشيب وصدعت القلوب بفقد حبيبٍ وأيّ حبيب " سريع ". والموت نقّادٌ على كفّه جواهر يختار منها الجياد وبعد فللمملوك في هذه الرزيّة مشاركة كادت تباين بين روحه والجسد وهو المصيب لهذه المصيبة ما تجده الوالهة على فقد الولد لا يستقرّ به قرار ولا ينجيه من يد الحزن فرار دأبه البكاء والعويل وحزنه العريض الطّويل فواضعفاه عن حمل هذا المصاب وواأسفاه على مسافرٍلا ينتظر له قدومٌ ولا إياب وواعجباه لضدّين اجتمعا لوالده الكريم الجناب " طويل ". تخون المنايا عهده في سليله وتنصره بين الفوارس والرّجل وعلى كلّ حالٍ فهو أجدر من استعان على هذه الحادثة بصبره وشرح لما قد قدّر فسيح صدره وشكر الله على حلو القضاء ومرّه فما كان إلاّ أحد العمرين فقد فخلفه عمر وثاني القمرين أفل فقام مقامه هلالٌ قدم من سفر وفي بقاء المولى ما يوجب التسليم للقدر والقضاء والشكر لله تعالى في حالتي الشّدّة والرّخاء جعله الله في حرز لا يزال حريزاً مكيناً وحصن على ممرّ الأيام حصيناً. وله: أعظم الله أجره وأطال عمره وشرح صدره وأجزل صبره وسخّر له دهره. المملوك ينهي أنه اتّصل به خبرٌ صدع قلبه وسرق رقاده ولبّه وضاعف أسفه وكربه وهو موت فلان تغمّده الله برحمته وأهمى عليه سحائب مغفرته وعامله بلطفه وجعل الخيرة له في حتفه فشّق ذلك قلبه وعظم عليه وقارب لشديد حزنه أن يصل إلى ما وصل المرحوم إليه لكنّه ثبّت نفسه وثبّطها ورفع يده بالدعاء للمولى وبسطها وسأل الله أن يطيل بقاءه ويحسن عزاءه ويحرسه من أزمات الزمان فإنه إذا سلم كان الناس في السّلامة والأمان ويجعله عن كل فائتٍ عوضاً كما أصاره جوهراً وجعل غيره من الأنام عرضاً ولقد جلّت هذه الرزيّة على كلّ جناب ودخل حزنها إلى كلّ قلبٍ من كلّ باب جعل الله أجره للمولى من أعظم الذّخائر ومنحه الحياة الأبديّة التي لا تنتهي إلى أمدٍ ولا آخر إن شاء الله تعالى. الضرب الثاني التعزية بالبنت من كلام المتقدّمين ابن أبي الخصال المغربي: الشيخ فلان عزّاه الله على احتسابه وجعل الثواب المرتقب أفضل اقتنائه واكتسابه. معزّيه عن فلذة كبده ومساهمه في أرقه وسهده والفاتّ في عضد صبره الجميل وجلده فلان: فإنّي كتبته - كتب الله لكم خيراً يذهب جزعكم وحسّن منجاكم بالتفدّي الجميل ومنزعكم - عندما وصلني وفاة ابنتكم المرحومة نفعها الله بإيمانها وتلقّاها بروح الجنّة وريحانها وهي: - أعزّك الله - وإن آلمك فقدها وأوجعك أن استأثر بها لحدها فليعزّك عنها مصابنا بنبينا عليه السلام وعلمك بأنّا جميعاً بمدرجة الحمام أفتجد على الأرض خالداً وقديماً ثكلنا ولداً نجيباً ووالداً فمن خلق للفناء واختلس بمرّ الساعات والآناء جديرٌ أن يتّعظ بنفسه ولا يحزن لذهاب من ذهب من ذوي أنسه فاحمد الله عزّ وجلّ إذ رجّحت ميزانك وضمنت لك يوم المعاد جنابك والله عزّ وجلّ يرزقنا احتساباً جميلاً وصبراً ويؤنسك وقد اختار لك الصّهر قبراّ ويعظّم لك ثواباً جزيلاً على مصابك وأجراً ويعمّ فقيدتك بالرّحمى ويسكب على جدثها مزنها الأوكف الأهمى ويؤويك إلى كنفه الأعظم الأحمى بمنّه ورحمته لا ربّ غيره والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. الضرب الثالث التعزية بالأب من كلام المتقدمين ابن أبي الخصال معزّياً بوزير: يا سيّدي وواحدي ومحلّ الابن المبرور والأخ المشكور عندي أعزّك الله بالتقوى ورضّاك بما قضى وأمدّك بالنّعمى وشملك بالحسنى. كتبته - أعزك الله - وقد وصل كتابك الكريم بما نفذ به القدر الذي هو في العباد حتم وله في كلّ عنق ختم في الوزير الفقيه الشهيد أبيك كان رحمه الله وأكرم مثواه وجعل الحسنى التي أعدها لأوليائه مقرّه ومأواه فأسفت كلّ الأسف لفقدانه وقد كان عين زمانه وعمدة إخوانه تغمّده الله بغفرانه ونقله إلى رضوانه وتلك - أعزك الله - غاية الأحياء وسبيل الأعداء والأحبّاء كان على ربّنا - جلّ وعلا - حتماً مقضّياً ووعداً مأتياً والأسوة - أعزك الله - في غمرة الفضفاض وبرّه الفيّاض وأنه ختم له بالخير والانقباض وكان آخر ذلك الحسب القديم والجيل الكريم وقد أمرك الخير فافعل ما أمرت به وكن كما ظنّك وقدّرك وتركك وإنك بفضل الله تسدّ مسدّه وتبلغ في كلّ فضيلةٍ حضره السابق وشدّه وتعدّ للأيام في الجدّ والاعتزام ما أعدّه وإخوتك - أعزك الله - لك أظهارٌ وأعضاد وفيهم غزو مضادّ فاشتمل عليهم وارفق بهم فإنهم ينزلونك منزلة أبيهم وتجد أخلاقه وعونه فيهم. وأما ما أعتقده من تكريمك وأراه من تفضيلك وتقديمك فشيء تشهد به نفسك ويدركه يقينك وحدسك أشدّ به اعتناء وأجمل له استواء وأوفى عنك ردءاً وغناء جعلنا الله من المتحابّين في خلاله والمتقلّبين في ظلاله وأمنّنا من الزمان واختلاف أحواله بمنّه والسلام. الضرب الرابع: التعزية بالأم أبو محمد بن عبد البر المغربي " منسرح ". ما مات من أنت بعده خلفٌ والكلّ في البعض غير ممتنع كتب عبده القنّ من الأسى لأجله بعض مايجنّ المنطوي على قلبٍ تطمئن القلوب سلوّاً ولا يطمئن فلانٌ: بعد وصول كتابه الكريم بصدعٍ يصمي القلوب ويقدّ أقوياء الجيوب ويترك الأحباب مصرّعين على الجنوب فوقف العبد عليه مترقرق المدامع منحرق الأضالع رائياً سامعاً سجا الأبصار وأسى المسامع فيا أسفي لخطب ضعضع ركن الجدّ وكان وثيقاً وصوّح روض الفضل واكن وريقاً ونغّص حسن الصبر ولم يزل صديقاً وترك العبد خليقاً بهذا القول ومثله معه حقيقاً فآه لدين ومروءة فقدا في قرن وعلى صونٍ وعفاف أدرجا في كفن وحصانٍ رزانٍ لا تعرف بوصمة ولا تزنّ لقد أصمّ بها الناعي وإن كان أسمع وأرقّ ما شاء الفؤاد وأراق المدمع ولم يبق قلباً للصبر إلا صدعه ولا أنفاً للسّلوّ إلا جدعه ولا باباً للتعزّي إلا أرتجه ولا عقيماً للتأسف إلا أنتجه ولو قبل في الموت فداً وصحّ أن يؤخذ فيه فداءٌ لما خلص إليكم ولا ألمّ ولا عداكم في صروف المنايا المخيفة سلم لكن أبى الله إلا أن تعمّ الحرقة وتستولي على الوقت الفرقة. الضرب الخامس التعزية بالأخ أبو محمد بن عبد البر: وكتبت والأنفس مرتمضة والعين غير مغتمضة والأنفاس تتصعّد والأحزان تتأكّد أسفاً للمصاب الذي عمّ وغمّ وأسمع نعيه فأصمّ وقال للفرح: كفّ من عنانك وللتّرح انتظر لأوانك بوفاة الفرد الذي في رأسه نور وسداد الآراء المختلفة وسداد الثّغور والفذّ الذي شهد الرجال بفضله وعقم النساء فما تجيء بمثله أبي فلان صنوكم السابق الذي لا يجارى والشارق الذي لا يسارى والغيث الذي عمّ المنيل والمستنيل والليث الذي ورد الفرات زئيره والنّيل فإنّا لله وإنّا إليه راجعون! تسليماً للقدر وإن ساء وشمل المرؤوسين والرّؤساء فيا له مصاباً ترك كلّ رأس أميماً وأودع صميم كلّ فؤاد ثكلاً صميماً لقد أنصل السّمر اللّهاذم وأغمد البيض الصّوارم وعطّل الكتائب والمقانب وأوحش المفاوز والسّباسب ولم يبق مشيد علاً إلا هدّه ولا مديد ثناءٍ إلا صدّه. ولم لا وهو الشخص يموت بموته بشر كثير ويبكيه قلمٌ وحسام ومنيرٌ وسرير وعند الله نحتسبه جميعاً ونوسعه بمحض الصّفاء وصفو الثناء توديعاً وتشييعاً ونفارقه فراق الصّدر خلده والمصاب جلده فوا أسفي لرزئه ما أفظعه موقعاً! ووا حربا ليومه ما أظلمه مطلعاً! ووا حزنا لنعيه ما أشنعه مرأًى ومسمعا!!! فلئن جرت الدموع له دما وأضمرت الضلوع به مضطرما لما أدّت حقّه ولا كربت ولا دانت بعض الواجب فيه ولا اقتربت ولولا أنّ المنيّة منهلٌ لا يحلأّ وارده ومعلم يهدي إليه على أهدى سمتٍ مباعده لم يبق في أنسٍ مطمع ولا لحزن مستدفع ولكان الثاكل غير ما ترى وتسمع وما أنتم أيّها الشيخ المكرّم ممن ينبّه على ذخر من العمل الصالح يكتسبه وصبرٍ في الرّزء الفادح يحتسبه فصبراً فالمنون غاية الممسين والمصبحين والنبأ الذي يعلم ذوقاً ولو بعد حين وهو تعالى المسؤول أن يرقع بمكانكم هذا الخرق المتّسع ويصل بجنابكم ذلك الشّمل المنصدع. ابن أبي الخصال: الشيخ فلانٌ أبقاه الله يتلقّى الأرزاء يحسن الصبر وجميل الاحتساب ويتقاضى بالتعزي مرتقب الأجر ومنتظر الثّواب معزّيه في أخيه الكريم علينا العظيم مصابه الفادح لدينا فلانٌ: فإني كتبته - كتب الله لكم صبراً تجدون ذخره وأوجب لكم عزاء تحمدون يوم القيامة شأنه وأمره - عندما وصل من وفاة الشيخ أخيكم رحمه الله تعالى ما كدّر العيش ونغّصه وجشّم جرع الحمام المقطوعة وغصصه فإنّا لله وإنّا إليه راجعون!! استسلاماً لقدره وقضائه وأخذاً فيما يدني ويقرّب من إرضائه وما نحن إلا بنو الأموات الذين درجوا وسنخرج من الدّنيا كما قبلنا خرجوا جعلنا الله جميعاً ممن ينظر لمعاده ويجعل التقوى خير ما أوعاه بجداده وسلك بنا نهج هدايته وطريق رشاده. وهو جلّ وعلا يجزل لكم على مصابكم ثواباً عميماً موفوراً ويجعل فقيدكم بين أيديكم في يوم القيامة نوراً ويلقّيه في دار الفردوس ملكاً كبيراً وحبوراً ولولا كذا لسرت إليكم لأعزيكم شفاها وأحدّثكم عن ضلوع أحرق هذا المصاب حشاها لكن امتثال أمره المطاع حمل على االبدار إلى ما أمر به والإسراع والله عزّ وجل يديم لنا بكم الإمتاع بمنّه وكرمه والسلام. الضرب السادس التعزية بالزوجة من كلام المتقدمين أبو محمد بن عبد البر: وقد تقرّر عند ذوي الألباب وثبت ثبوتاً لا يعلّل بالارتياب أنّ الدنيا قنطرةٌ دائرة ومعبرة إلى الآخرة وأنّ ساكنها وإن طال عمره وطار في الخافقين أمره لديغ سمّها وصريع سهمها فما تضحك إلا لتبكي ولا تؤنس إلا لتنكي وقد نفذ القدر الذي ماله ردّ ولا منه بدّ بوفاة فلانة ألحقها الله رضوانه وأسكنها بفضله المرجوّ جنانه فإنّأ لله وإنا إليه راجعون!! تأسيّاً بالسّلف الصالح وتسلّياً عن ماء الدمع السّافح وزند القلب القادح. وعند الله نحتسبها عقيلةً معدومة المثيل مفقودة الدّين والعفّة في هذا الجيل متحلّيةً من دعاء الفقراء وثناء الصّلحاء بالغرّة الشادخة والتحجيل لقد ذهب لذهابها الرّفق والحنان وعدم لعدمها الشّم البرّة والأخلاق الحسان وإنّ فقدها لخرق لا يرقع وغلّة لا تنقع وخطبٌ لا يزال الدّهر يتذكّر فيصدع ولولا العلم بأن اللّحاق بها أمرٌ كائنٌ وأن المخلّف في الدّنيا لا محالة عنها بائن وأن التنقّل للآخرة ما لا ننفكّ نسمعه ونعاين لما بقيت صبابة دمع إلا ارفضّت ولا دعامة صبر إلا انقضّت ولكان الحزن غير ما تسمع وترى والوجد فوق ما يجري وجرى لكن لا معنى لحزن لما يقع فيه الاشتراك ولا وجه لأسف على ما لا يصحّ فيه الاستدراك. وما أنتم بحمد الله ممن يذكّر بما هو فيه أذكر ولا ممن ينبّه على ما هو بالتنبيه والمنزع وأحرى أن يكون الثواب جزيلاً والجزاء حسناً جميلاً والله يبقيكم أتمّ البقاء ويرّقيكم أتمّ الارتقاء. ابن أبي الخصال: الشيخ الأجلّ فلان آنس الله وحشته وجددّ على فقيدته رحمته. معزّيه عن أهله الهالكة وسكنه ومساهمه بأوجب حزنٍ في القلوب وأسكنه. فلان: فإنا كتبناه عن دموع تصوب وتنسرب وضلوع تخفق من وجيبها وتضطرب وأنس يشرد منا ويحتجب بموت فلانة رحمها الله التي أودعت في جوانحنا من الثّكل ما أودعت ورضّت أكبادنا بمصابها وصدعت عزّانا الله جميعاً فيها وأولاها نعيماً في الفردوس الأعلى وترفيها وأعقبنا من الوحشة أنساً وعمر بالرّحمى جدثاّ مباركاً ورمساً وجعلنا كلاًّ ممن يردع عن الانحطاط إلى الدنيا نفساً بمنّه وكرمه. من كلام المتأخرين: الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي: لمّ علم مملوك المجلس السامي أطال الله بقاءه وأعظم أجره وأحسن عزاءه وفاة السيدة المرحومة سقى الله عهدها عهداً يبلّ الثّرى وجعل الرحمة لمن نزلت به لها القرى تألّم لفقدها غاية الألم ووجد حرقةً كسته ثوبي ضنىً وسقم وحزناً لا يعبّر عنه بعبارة بيانه ولا يستوعب وصفه بلسان قلمه وبنانه " وافر ". ولو كان النّساء كمن فقدنا لفضّلت النّساء على الرّجال والمولى أولى من عزّى نفسه واستحسن رداء الصبر ولبسه وعلم أنّ الموت غريمٌ لا ينجي منه كثرة المطال ولا يدافع بالأطلاب والأبطال وأنه إذا طالب بذمة كان ألدّ الخصام وإذا حارب فعل بيده ما لا تفعله الكماة بحدّ الحسام. الضرب السابع التعازي المطلقة من ذلك من ترسّل أبي الحسين بن سعد: من صحب الأيام وتقلّب في آنائها اعتورته أحداثها واختلفت عليه أحكامها بين مسرّة ومساءة يعتقبان وفرحةٍ وترحة يتناوبان وكان فيما تأتيه من محبوبها على غير ثقةٍ من دوامه واتّصاله ولا أمنٍ من تغيره وانتقاله حتّى تعقب السلامة حسرة وتستيحل النعمة محنة والسعيد من وفّق في كلّ حالٍ لحظّه وأعين على ما فيه سلامة دينه من الشّكر على الموهبة والصبر على النازلة وتقديم حقّ الله تعالى في الغبطة والرّزيّة. ولم تكن بالفجيعة به مفرداً عنّي وإن كان النّسب يقرّبه منك والرّحم تصله بك لما كنت أوجبه من حقّه وأرعاه من مودّته وأختصّه بالاعتداد فيه دون أداني أهلي والثّقة من إخواني فمضى رحمه الله أقوى ما كان الأمل فيه وأكمل ما كان عليه في لبّه وأدبه واجتماع فهمه وكمال هديه وانتظام أسباب الخير وأدوات الفضل فيه. ومنه: لا ينكر للعبد أن يتناول مولاه عند وقوع المحنة في أهل خاصّته وتخوّن ريب المنون من حاشيته بالتعزية عن مصيبته والإخبار عما يخصّه من ألم فجيعته وعظم رزيّته لا سيّما إذا كان بحيث لا يرى شخصه في الباكين ولا تسمع صرخته بين المتفجّعين ولو سعيت على حدقتي. إنّ الله تعالى أمر أهل طاعته بتنزيل هذه الدنيا بمنزلتها من إهانته وسوّى بين البرّ والفاجر في رغائبها ومصائبها ولم يجعل العطيّة دليلاً على رضاه ولا الرزيّة دليلاً على سخطه ولكنّه ألزم كلّ واحد من أهل الرّضا والسّخط من نعمها بنصيب وسقاهم من حوادثها بذنوب ليبتلي أهل رضاه في أهون الدارين عليه ويحسن لهم الجزاء في أكرمهما لديه ولذلك حبّب إليهم الزّهادة في زهيد فائدتها وممنوح زهرتها وسمّاها لعباً ولهواً لئلاّ يعلقوا بحطامها وينغمسوا في آثامها وختمها بالموت الذي كتبه على خليقته وسوّى بينهم في سكرته: " ليجزي الّذين أساءوا بما عملوا ويجزي الّذين أحسنوا بالحسنى " ويقرّبهم بدار يفنى الموت ويبقون فيها بعده كما فنوا في هذه الدار وبقي الموت بعدهم فإن تأخّر الأجل فإلى غاية وإن تطاول الأمد فإلى نهاية. ولا بدّ أن يلحق التالي الماضي والآنف بالسالف وهذه حالٌ نصب الأفكار وتلقاء الأبصار لا تحتاج أن يرتاض الصبر على آلامها والتحمل لمعضلات سهامها والجزع عند وقوعها قادحٌ في البصائر والأفهام دالٌّ على الجهل بالليالي والأيام وقد طرق المملوك ناعي فلان فهدّ جلدي وفتّت كبدي لا ارتياعاً للحادثة لأنّها لو لم تكن فيه لكانت في المملوك ولو لم تتطرّق إليه لتطرّقت إلى المدرك ولكن الأسف على عطل الزمان من حيلة فضله وتعرّيه من حلّة نبله وخلوّا عراصه من الأنس بمثله وما نال سيّدي لفقده وتحمّله من بعده وإلى الله تعالى يرغب المملوك أن يربط على قلبه بالصبر ويوفّقه لتنجّز ما وعد به الصابرين من الأجر إن شاء الله تعالى. عليّ بن خلف: رقعة: ليس عند المصيبة - أطال الله بقاء سيّدي - خيرٌ من التسليم إلى الله والرّضا بقضائه والصبر على بلائه فإنه تعالى مدح الصابرين في كتابه ووعدهم بصلواته فقال جلّ قائلاً: وقال جلّ قائلاً: ولم تزل الأولياء من القدماء يحضّون على الصبر وهم لا يرجون عليه ثواباً وينهون عن الجزع ولا يخافون عليه عقاباً. ومن عرف الأيّام وتداولها والأحوال وتحوّلها وسّع صدره للنوائب وصبر على تجرّع المصائب ومن اغترّ بطول السّلامة وطمع في الاستمرار والإقامة. رقعة: وقد اتّصل بالمملوك خبر الفجيعة بفلان فأفيضت المدامع وتضعضت الأضالع وزفرت الأنفاس وهمدت الحواسّ وأذاب الطرف سواده على الوجنات بدلاً من الأنقاس وخلعت القلوب سويداءها على الأجساد عوضاً عن جلابيب الحداد وعضّت الأنامل جزعاً ومزّقت الثياب تفجّعاً وتوجّعاً وكل هذا وإن فارق حميد التّماسك ووافق ذميم التّهالك غير موفٍ بحقّ ذلك الدارج الذي بلغ المعالي وهو في مهده وشدّ عائم الفضل ولم يبلغ أوان رشده وعلم سيدي أنّ غاية الجازع وأن صدعت المصيبة قلبه وأطاشت الفجيعة لبّه الصبر والسّلوّ وأنّ نهاية القلق وأن هجمت عليه الحرقة بما لا تتوفّر عليه الأضالع ولا تتماسك معه المدامع القرار والهدوّ والله تعالى لا يريه بعد هذا الرّزء رزءاً بفنائه وينقل ذلك عنه إلى حاسديه وأعدائه. رقعة: من علم أنّ الأقضية لا تخطيء سهامها والأقدار لا تردّ أحكامها سلّم الأمر في السّرّاء والضّرّاء ورضي بما مناه في البلاء والابتلاء ولا سيّما في مصيبة الموت التي سوّى بين الخليقة في تجريع مصابها واقتحام عقابها وقد اتّصل بالمملوك خبر الحادث الفاصم لعرى الجلد البارح في الجلد فاستحالت في عين المملوك الأحوال ومالت عنه الآمال ورأى السماء وقد تكدّر جوّها والشمس وقد تعكّر ضوّها والسّحائب وقد أخلف نوّها والنّهار وقد أظلم والليل وقد ادلهمّ والنسيم وقد ركد والمعين وقد جمد والزمان وقد سهمت وجنته وسلبت حليته وأفرجت قبضته عن التماسك وقبضت على التهالك وعدلت عن التجلّد إلى التبلّد ثم أفاق من غمرة فجيعته وهبيب سنة روّيته فسلّم لله راضياً بأقضيته راغباً في مثوبته. إذا كان أيّده الله أهدى في النّعم إلى سبل الشكر وأعرف في المحن بطرق الصبر فكيف نحاذر عليه من المصائب ونذكّره التسليم لمحتوم النّوائب والمصيبة بفلان أعظم من أن نهتدي فيها إلى سلوةٍ غير مستفادةٍ منه أو نقتدي في العزاء بغير ما نأخذه عنه إذا كانت قلوبنا تبع قلبه - سرّه الله - في طروق السّرّاء والضّرّاء وحالتي الشّدّة والرّخاء. وأحسن الله عن الفجيعة عزاءه وأجزل من المثوبة عطاءه ولا شغله عن حلاوة شكر النّعم بمرارة الصبر على ورود المحن وجعل ما نقل الماضي إليه أنفع له ولسيّدي من الجزع عليه. وله في مثله: اتّصل بي خبر المصيبة فجدّد الحسرة وسكب العبرة وأضرم الحرقة وضاعف اللّوعة وكان الأسف عليه بقدر تشوّف الآمال كانت إليه فإنّا لله وإنّا إليه راجعون!! أخذاً بأمره وتسليماً لحكمه ورضاً بمواقع أقضيته وأحسن الله في العزاء هدايته وحرس من فتن المصائب بصيرته وحمل عن قلبه ما أظلّه من ثقل المصيبة وعظم الرزيّة. ولا أزال على جملةٍ من القلق إلى أن يرد عليّ كتابه - أيّده الله - بما أكون فيه بأدبه مقتدياً وبهدايته إلى سبيل العزاء والصبر مهتدياً فإن رأى إجرائي من تشريفه بذلك على مشكور العادة فعل إن شاء الله تعالى. اشتراك القلوب فيما ألمّ بقلب سيّدي بحسب تساويها في المسرّة بما سرّه إذ كان لا يختصّ دون أوليائه بنعمة ولا ينفرد دون مؤمّليه بحلول موهبة والمصيبة بفلان وإن جلّ موقعها وعظمت الفجيعة بها جلل مع سقوط الأقدار دونه وتجاوزها عنه ومسامحتها به فلا شغل الله قلبه بعدها بمرارة الصبر عمّا توجبه النّعم من حلاوة الشّكر ولا جاوره برزيّة في حميم ولا نعمة. وله في مثله: بصيرتك إلى العزاء تهديك واغتباطك بثواب الله يسلّيك وعلمك بقلّة الغناء عن الجزع يثنيك وجمعنا بك في الصبر مقتدون ولرأيك في الرّضا بما اختاره الله تعالى متّبعون فحمل الله عن قلبك ثقل المصيبة وحرس يقينك من اعتراض الشبهة وأحسن إلى جميل الصبر هدايتك وتولّى من فتن المحن رعايتك وجعل ما نقل الماضي إليه أنفع لك وله من الأسف عليه. وله في مثله: اتّصل بي خبر المصيبة فأضرم الحسرة وسكب العبرة وقدح اللّوعة وامترى الدّمعة وكانت مشاركتي إيّاك في المصيبة به والفجيعة لفقده بحسب اختصاصي بمواهب الله عندك واغتباطي بمنحه لديك فإنّا لله وإنّا إليه راجعون!! تسليماً لأمره وانقياداً لحكمه ورضاً بمواقع أقداره وأحسن الله على العزاء توفيقك وإلى السّلوة إرشادك ولا أخلاك فيما تطرقك به مصيبةٌ من مصاحبة الصبر وفيما تفد به عليك نعمةٌ من الاستزادة بالشّكر وحرسك في نفسك وأحبّتك وذوي عنايتك ونعمتك. وله في مثله: قدرك أكبر وبصيرتك أنور وثقتك بالله تعالى أعظم من اعتراض الشّكوك عليك فيما يطرقك من عظاته بالحوادث وإن عظمت والمحن وإن جلّت اختباراً بالمصائب لصبرك وبما يظاهره عليك من النّعم لشكرك ومثلك أيّدك الله من قابل الفجيعة بفلان - إذ كانت من الواجب المحتوم - بأحسن عزاءٍ وأفضل تسليم غير مرتابٍ بما اختاره الله له ولك فيه فعظّم الله به أجرك وحرسك وحرس فيك. الأجوبة عن التعازي. قال في " موادّ البيان ": أجوبة التّعازي يجب أن تبنى على وقوف المعزّى على كتاب المعزّي وأنّ إرشاده نقع غلّته ووعظ نفع علّته وتبصيره سكّن أواره وتذكيره أخمد ناره وتنبيهه أيقظ منه بحسن العزاء غافلاً وهدى إلى الصبر ذاهلاً وحسّن عنده الرزيّة بعد جهامتها ودمّث نفسه للمصيبة بعد فدامتها فسلّم لله تعالى متأدّباً بأدبه وعمل بالحكم مقتدياً بمذهبه وغالب الرّزء بالعزم وأخذ فيه بالحزم وسأل الله تعالى أن يحسن له العوض في ردّه ويجعله له خلفاً ممن جواب عن تعزية: من زهر الربيع: أعزّ الله سيدنا وأسعده وسهّل له طريق المسرّة ومهّده وصان عن حوادث الأيّام حجابه وعن طوارق الحدثان جنابه وجعله في حمىً عن عوارض الغير والغرر وأصار أيّامه محسّنة لوجوه الأيّام كالغرر. ورد الكتاب الذي أنعم بإرساله بل المشرّف الذي كسته اليد العالية حلّةً من حلل جماله فوقف عليه وفهمه وتذكّر به إحسانه الذي لا ينساه وتفضّله الذي لا يعرف سواه فأما التعزية بفلان فإنّه ردّ بعذب لفظها قوّته وبلّ بماء حسنها غلّته وصبّره على حادثته بفلان بعد أن عزّ عليه العزاء وأعوزه وطلب وعده من صبره فما أنجزه لأنه كان وجد لموت المذكور حزناً ما استطاع له تركاً وفقد لموته خلاًّ مثله يناح عليه ويبكى وفي بقاء مولانا مسرّةٌ تطرد كلّ حزن وفي بهاء طلعته عوضٌ عن كلّ منظر حسن جعله الله سامياً على أترابه مقدّماً على أضرابه ما سمت الأسماء على الأفعال وتقدّم الحال على الاستقبال. آخر: ضاعف الله بقاءه وأطال عمره وشرح لإسداء المكارم صدره وأنفذ نهيه وأمره ولا زال إلى أوليائه محسناً وفضله يحصّل لمحبّيه غاية السّول والمنى ورد مشرّفه المعزّي بوفاة فلان سقى الله عهده عهاد رضوانه وأسكنه في غرف غفرانه فجبر مصاباً وفتح إلى الصّبر أبواباً وهدى إلى طريق الخير وقال صواباً وسكّن نفسه وذكّره إحسانه الذي لم ينسه وأزال الوحشة وزاد أنسه بعد أن كان فقد المذكور قد هدّ ركنه وفتّ عضده وأوصله إلى أمد الحزن وضاعف على الأيّام أمده وألبسه رداء الاكتئاب على تربه الذي أصبح تحت التّراب وصديقه الموصوف بالصدق الذي فاق سناه ذلك الأفق جعله الله أصلاً في تحصيل المسرّة إذا ذوت الفروع وسيفاً يقهر به وليّه الحوادث التي تروع إن شاء الله تعالى. آخر: جعل الله أجره عظيماً كقدره والقلوب مجمعةً على حبّه كإجماع الألسنة على شكره. المملوك يعلمه بورود كتابه الكريم المعزّي بفلان - قدّس الله روحه وأمطر سحائب الرحمة ضريحه - عليه وعنده من شديد الحزن ما أعدمه لذيذ الوسن ومن زائد الاكتئاب ما كاد يحرمه التقمّص بثوب الثّواب بحيث إنّه عوّض بالزّمن الأسود عن العيش الأخضر وذاق من موجب لبس الأبيض طعم الموت الأحمر وأنّه ضمّه إليه ضمّ المحبوب وابتهج به ابتهاج من ظفر بغاية السّول والمطلوب فأغمدت الكآبة خوفاً من قلمه سيفها وأزالت الدنيا الدنيّة عنه حيفها وعزّى نفسه وسلاّها وشغله إحسانه عن محاسن محا الموت سناها فرفض من توجّعه ما فرضته حادثته وسلك منهجاً غير المنهج الذي فتّتت فيه حشاه ومهجته فالله تعالى يكفينا ما نحاذره في المجلس ويحرس سناه ويديم سعده وعلاه. التّهادي والملاطفة قال في " موادّ البيان ": رقع التّهادي يجب أن تودع من الألفاظ المستحسنة ما يمهّد لقبول الملاطفة والمبرّة التي تتميز في المودّة. قال: وينبغي أن يطرف الكاتب إذا كان مهدياً أو مستهدياً وقد جرت العادة أن تودع هذه الرقاع من أوصاف الشيء المهدى ما يحسّنه في نفس المهدى إليه. قال: وينبغي لمن ذهب هذا المذهب أن لا يعتمد تفخيم هديّته ولا الإشارة إلى جلالة خطرها فإنّ ذلك يخلّ بشروط المروءة ويتحاماه الكرماء. ثم هي على ثلاثة أضرب: الضرب الأول ما يكتب مع التّقادم إلى الملوك من أهل مملكتهم إلى القائمين بإيصال التّقدمة إلى الملك وكاتب السّرّ ونحوهما. الشيخ جمال الدين بن نباتة: إلى كاتب السّرّ بالأبواب السلطانية صحبة تقدمة من نائب الشام إلى السلطان: لا زالت أقلامها لنتائج الفضل مقدّمة ولمراكض الكرم والبأس جياداً مسوّمة ولكتائب الملك من كتبه أعلاماً بشعارها العبّاسيّة معلمة وفي يد صاحبها من أصحاب الميمنة والذين كفروا بآيات الله ونعمها من أصحاب المشأمة تقبيل محبٍّ لا تفسخ عقود ولائه المحكمة ولا تنسخ إلاّ في الكتب عقود ثنائه المنظّمة ولا تطوف الأشواق ببيت قلبه إلاّ وهي من ملابس السّلوان المحرّم محرمة. وينهي أنّه قد اختار من عناية مولانا بمقاصده أحسن الخير وبورك له في قصدها " ومن بورك له في شيء فليلزمه " كما جاء الخبر وقد جهّر فلاناً إلى الأبواب الشريفة خلّد الله سلطانها بتقدمته على العادة في كلّ سنة واتبع سفارة مولانا بين يدي المواقف الشريفة فاتّبع من القول أحسنه وسأل حسن نظر مولانا الذي إذا لاحظ قصداً أعلنه وسعداً عيّنه وقد جهّز المملوك برسم مولانا ما هو بمقتدى الورقة المجهّزة عطفها المؤمّلة وإن كانت ورقةً قطفها وسأل مقابلتها بالجبر الذي يحسب الأمل حسابه ويستفتح ببنان القلم بابه والإصغاء لما يملى من رسائل الشّوق فإنّها من رسائل إخوان الصّفا المستطابة لا برح القاصدون مرحين بأيّام مولانا وحقّ لهم أن يمرحوا تالين نسبة بيته ورحمى الله على يده: وله إليه أيضاً مع الجهاز الشريف السلطاني: أمتعها الله من خيري الدنيا والآخرة بكرم الأمرين وبشرف الذّكرين وسرّها بما يجهّز في الثناء والثّواب من الوفرين وأعلى منارها المحلّق إلى السماء على وكر النّسرين. ولا زالت الآمال لا تبرح حتّى تبلغ من تلك اليدين مجمع البحرين تقبيل مخلصٍ في الولاء والدّعاء مستشهدٍ بالخواطر الكريمة على ثبوت الإدّعاء واردٍ لموارد النّعم قبل صدور بل قبل ورود الرّعاء. وينهي أنّه ليس للملوك فيما يؤمّله ويتأمّله ويفصّله من عقود المطالب ويجمله غير إحسان مولانا الذي لا يملّ على طول الإيناس والإلباس وعوارف بيته المستجدة تالية: وقد جهّز المملوك الولد فلاناً بالجهاز المبارك إلى الأبواب الشريفة خلّد الله سلطانها وملأ به جواهر حبّات القلوب وريحانها وهو على قدر المملوك ومقداره لا على قدر مراده واختياره ولو أنّ المراد مما يحمله العبد إلى سيّده ويقدّمه من سبد الحال ولبده على قدر المحمول إليه والمقدّم بين يديه لضعفت قوى أكثر العبيد عن ذلك ويأس من الرّضوان جهدهم المالك وإنّما على العبيد أن تنصب على قدرتها الحال وعلى السادات أن تصرّف بعوامل الخبر مستقبل الأفعال. وعلم مولانا الكريم محيطٌ بتنقّل المملوك في هذه السّنين من بلدٍ إلى بلد ومن أمد كلّفه إلى أمدٍ وبما حصل في ذلك من التمحّق في إقطاعاتٍ كاد أن يخني عليها الذي أخنى على لبد. وكان المملوك يودّ لو كان هذا المحمول من الجهاز من جواهر النّجوم المنثورة وأخبية السّعود المأثورة وجميع ما زيّن للناس من الشّهوات المذكورة أضعاف أضعافه الآن بل أضعاف أضعاف ما حمل الأوّلون من فلانٍ وفلان كالحسن بن سهل مع الجهة المأمونيّة التي حلا ذكرها وابن طولون مع المعتضديّة التي كاثر هذا الغيث قطرها والسّامانيّ وما أدراك والسّلجوقيّ وما أسراك وجميع ما تضمّنته التواريخ التي لو عاينت تاريخ هذه الدولة الشريفة عنت في الحال لمجده وكان كلّ مجلّد منها يموت للهيبة في جلده لما خلّدته أيّامها الشريفة من أخبار حكمها وخيرها وكرمها وبرّها وعطفها على مماليك بيتها الشريف تتقبّل ميسورهم وتكمّل سرورهم ويملأ بجيوش الانشراح صدورهم وتبلّغهم من همم مطلوبهم وتقبل على زاهرات نجاياهم ورياحين قلوبهم " متقارب ". ولو لم تطعه نيات القلوب لما قبل الله أعمالها والمملوك يسأل من إحسان مولانا الذي ألفه ومعروفه الذي عرفه ملاحظة الولد فلان بين يدي المواقف الشريفة خلّد الله سلطانها وإقامة عذر المملوك بعبارته التي أحلّ الله سحرها وبيانها. فما للمملوك في مقاصده مثل مودّة مولانا الوافية المتوافية ومقدّمة عبارته الكافية الشافية والله تعالى يعين على شكر مننه والقيام بفرائض حمده وسننه والنهوض بأوصاف أياديه التي يغرّد بها قلم الكتّاب كما يغرّد القمريّ على فننه. الضرب الثاني ما يكتب مع الهديّة عند بعثها وهو على عشرة أصناف الصنف الأول: ما يكتب مع إهداء الخيل. علي بن خلف: في إهداء جوادٍ أدهم أغرّ محجّل. وقد خدم المملوك ركابه الأكرم بجوادٍ أدهم مطهّم قد سلب الليل غياهبه وكواكبه فاشتمل بأديمه وتحلّى بنجومه وأطلع من غرّته السّاذجة قمراً متّصلاً بالمجرّة وتحلّى من رثمته بالثّريّا أو النّثر صافي القميص ممحوض الفصوص حديد الناظر صليب الحافر وثيق القصب نقيّ العصب قصير المطا جعد النّسا كأنما انتعلت بالرّياح الأربع أربعه وأصغى لاستراق السّمع مسمعه إن ترك سار وإن غمز طار وإن ثني انحرف وإن استوقف وقف أديب نجيب متينٍ صليب صبورٍ شكور والله تعالى يجعل السعادة مطلع غرّته والإقبال معقد ناصيته. كتاب عن نائب الشام إلى الملك الصالح: شمس الدين صاحب ماردين قرين خيل منعم بها إليه عن السلطان الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون من إنشاء الشيخ جمال الدين ابن نباتة وهو بعد الألقاب: وأجرى بالنّصر جياده وبالظّفر مراده وعلى عوائد السّعد مطالع شمسه التي يسمّيها عرف المملكة بلاده ولا زالت منيرةً بسعادة شمسه الأحلاك نظيمةً بدرّ محامده الأسلاك ماثلةً خيول سعده حتى حمر السّوابق من البروق والشّهب السّوانح في الأفلاك. المملوك يقبّل اليد التي إذا بسطت فلأن تجود و تستلم وإذا قبضت فعلى سيف أو قلم. وينهي بعد ولاءٍ وثناءٍ للإخلاص شارحين وفي الضمائر والآفاق سانحين واشتياقٍ و عهدٍ كانا أحقّ بالانتماء لاسمه و نعته وكانا أبواهما صالحين أن المرسوم الشريف زاده الله تعالى شرفاً وردّ يتضمن تشريف مولانا على العادة وإعظامه واستقرار مكانته من الخواطر الشريفة في دار مقامه واستمرار كرامته من الآراء المعظّمة ولا ينكر بين الصالح والصّالح استمرار الكرامة وأنّ الصّدقات الشريفة أنعمت على مولانا بثلاثة أرؤس من الخيل كثلاثة الراح إلا أن حبابها عرق سبقها وثلاثة الشجر كما قال الطائي: تساوي شرف ثمرها وزهرها وعرفها ما منها إلا من تقصر الرّياح أن تسلك فجّه والبروق أن تتبع نهجه. ومن تودّ الثريّا أن تكون لجامه و الهلال أن يكون سرجه. ومن يتمطّر كالغمام ويركض كالسّيل. ومن كملت حلاه ولبس حلّه الفخار فمشى على الحالتين في الحلّتين مسبل الذّيل. ومن عقد بناصيته كلّ الخير وعقد له لواء الفخار على كل الخيل من كل خضراء معجبة فهي على المجاز حديقة وكل أحمر سابقٍ فهو البرقيّ على الحقيقة وكلّ أصفر شفقيٍّ إلا أنّ الرياح من مجاراته على نفسها شفيقة. وكيف لا يشبّه بالشّفق وهو من الأصائل وكيف لا يفتخر العسكريّ بهذه الخيل وخناصر عددها في الحسن أوائل قد صرفت وجوهها المقبّلة لباب مولانا أحسن المصارف وكتبت عوارف الفضل في معارفه المسبلة فناهيك منها بكتاب عوارف المعارف ووصل لمولانا بذلك مثالٌ شريف ورسم للمملوك بتجهيزها مع من يراه وقد جهّز المملوك لخدمة مولانا الخيل المذكورة مع المثال الشريف صحبة فلان ومولانا أدرى بنفحات رياض الحمد بهذه الدّيم المطلّة وبالتقبيل بالأرض التي هي سماء حوافر هذه الخيل التي هي أهلّة وأولى أن يشرّف المملوك بمهمّاته ويؤنس لحظه بطيف اليقظة من مشرّفاته والله تعالى يجدّد لمعاليه في كل قصد نجحاً ويعلي لمجده في كل حال قدحاً ويروّع الأعداء من خطوات خيله في بلادهم بالمغيرات صبحاً ومن خطرات ذكره في قلوبهم بالموريات قدحاً. يقبّل الباسطة الشريفة أعلى الله شانها وجمّل ببقائها زمانها وضاعف على الأولياء برّها وإحسانها. وينهي: أنه ابتاع جواداً أعجبه وطرفاً انتخبه وقد قدّمه لوليّ نعمته ومالك عهدته لأنّ الكرام لا تكون إلا عند سيّد الكرام والذي يصلح للمولى على بعينه التي لا تنام آمين. الأجوبة بوصول الخيل جوابٌ عن نائب الشام إلى أميرآخور بالأبواب الشريفة عن وصول خيلٍ إليه من الإنعام الشريف من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة وهو بعد الألقاب: لازالت مبشّرةً بأعظم الخير وكرام الخيل ميسّرة النعماء بسوابق السّير كدوافق السيل مسفرةً عن إيجاد سوابح إلا أنها في الفخار و الشّية ضافية الذّيل سفيرة في الجواد بكل جوادٍ تبتسم غرّته ابتسام النهار ويدرك طلبه إدراك الليل تقبيلاً يستبق استباق الجياد ويتّسق على الدّرج اتّساق العقود على الأجياد. وينهي بعد ثناءٍ وولاءٍ: هذا يهيم في كل واد وهذا يهيم بمثله كلّ وادّ ورود مشرّفة مولانا الكريمة بما ملأ القلب مسرة والعين قرّة ودرج عام الفيل من نجب الخيل السيارة مستهلّ وغرّة فقابلها المملوك بتقبيله وقام لها على قدم تبجيله ثم قام إلى الخيل الشريفة المنعم بها عليه فقبّل من حوافرها أهلّةً ثم من غررها نجوماً وتأمّل شياتها البرقيّة واستمطر من السّعود غيوماّ فأدنت له من الإقبال أمد قاصيها وظلّ بمنزله الخير المعقود بنواصيها وتضاعفت أدعيته الصالحة لهذه الدولة القاهرة الصالحيّة زادها الله من فضله والوقت الذي ملأ الدنيا بسحاب جوده ورياح جياده ورياض عدله والملك الذي لا ينبغي لأحدٍ من بعده ولولا شهود العهد الشهيدي لقال: ولا لأحدٍ من قبله وأعدّ المملوك هذه الثلاثة من الخيل ليفني عليها بالقتال أهل التعطيل والتثّليث ويستخفّ بها آجال الأعداء بين يدي مالكه فإنها من ذوات العزّ والعزم الحثيث وما هي إلاّ كواكب سعد تمددها أسنتّها الوقّادة وزهرات حسن حيّت بها على البعد سفارته المعتادة لا برح مولانا يقلّد بعنايته وإعانته المنن الجسام وينصر بعزائمه القاطعة وكيف لا ينصر ويقطع وهو الحسام وله في جواب وصول أكديشٍ وبازٍ وكوهيّةٍ: لا زال جزيلاً سماحه جميلاً من الحمد رباحه جليلاً برّه الذي يشهد به طائر الخير ويمنّه وطائل الخيل ونجاحه. هذه المفاوضة تهدي إليه سلاماً يخفق جناحه وثناءً تشرق غرره وأوضاحه وتوّضح لعلمه الكريم ورود مكاتبته سريعة الاحتثاث طائرةً بيمن طرسها وهديّتها بأجنحةٍ مثنى وثلاث فحصل الوقوف عليها وتجدّد عهد الارتياح لديها وفهمنا ما لم نزل نفهمه من ودّ الجناب العالي وبرّه المتعالي ووفاء عهده الذي تتلقّاه المحامد بأمالي المحبّ لا بأمالي القالي ووصل الأكديش الايكر ظاهراً حسنه وسافراً عن وفق المراد يمنه تتجمّل به المواكب وتمشيه الرّياح وبعضها من خلفه جنائب وكذلك وصل البازي والكوهيّة وكلاهما بديع الأوصاف سريع الاقتطاف لأزاهر الطير والاختطاف يسبق الطّرف بجناحه اللّموح ويستعجل من الأفق وارد الرّزق الممنوح ويواصل الخير والمير إلى المطبخ فكأنّ حوائج كاش تغدو إليه وتروح لا برح إحسان الجناب العالي واصلاً وذكره في ضمير الاعتداد حاصلاً وحكم سماحته وشجاعته باستحقاق الثناء حاصلاً. جواب بوصول جوارح: كتب به عن نائب الشام جواباً لمطالعةٍ وردت على نائب الشام من الصالح صاحب ماردين من بقايا بني أرتق صحبة سناقر هديّةٍ للصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية. من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة: وأيّد هممه السّوابح ونعمه السوافح وشيمه التي تنتظم منها عليه درر المحامد والممادح وشكر هداياه التي منها جوارح الطير تخفق لفرط استحسانها الجوارح ولا زال من أجنحة نصره حتّى السّماك الرامح ومن جنود سعده للأولياء سعد السّعود وفي الأعداء سعد الذابح ومن جياد ركابه الشهب إلاّ أنّها شهب الأفلاك السّوابح ولا برح سلطان البسيطة مكافئاً عمل قلبه الوفيّ ولا ينكر العمل بالقلوب بين الصالح والصّالح. المملوك يقبّل الأرض التي تستمدّ السّحب من سمائها وتستعدّ منازل الأنجم للتعلّم من أنوائها تقبيلاً يودع ورق الرسائل أزاهره ويطلع في ليالي السّطور زواهره ويدّخر في أيدي الحروف إلى أن تصل إلى أجياد المنابر جواهره. وينهي - بعد دعاءٍ صالح إذ جدّد تجدّد وولاءٍ ناجح إذا انعطف تأكّد وثناء سانح إذا سرى لا يتوقّف إلا أنّ نسميه في الآفاق يتردّد وارتياحٍ لما يرد من أخبار دياره السارّة إذا شافه سروره سمع الوليّ شهد وسمع الحاسد تشهّد حيث يتلقّى ببلاده النّجح والمقاصد وصلات البرّ والعوائد ووفود الآمال من كل أوب فديار بكر ديار زيدٍ وعمرو وخالد - ورود المشرّف الكريم بل الغيث السائر بخصب المقيم على يد فلان ونعم اليد العائلة لأيادي البرّ العميم ونعم المشرّف الوارد عن مقرٍّ هذا للأمل كهف وهذا للتأميل رقيم ففضّه المملوك عن علامة اسم لحسنها رسوم ولها رسوم واستجلى مواقع تلك الأنامل المضيّة وأقسم على فضلها بمواقع النّجوم وانتهى إلى الإشارات العالية وعلم ما كان القلب يعلمه من ضمائر الودّ الحاليّة لا الخالية وقابل كل أمرٍ حسنٍ بما يجب من مذاهب الودّ المتواليه ووصلت السّناقر المنير سنا فضلها المبير في معارك الصيد شبا نصلها القائمة في كواسر الطير مقام الملوك الأكاسرة إلا في حكمها وعدلها لا جرم أنها إذا دخلت آفاق طيرٍ أفسدتها وجعلت أعزّة أهلها أذّلة وإذا انقضّت على سرب وحشٍ جذبتها من دم الأوردة بأرسانٍ حيث كستها من قوادم الأجنحة أجلّة لا يسأل كاسرها في الطّيور بأيّ ذنبٍ قتلت ولا يحملها جانب الطير والوحش إذا عاندته فيا عجباً لها على أيدي البشر كيف حملت تظلّ الصيد فلا عجب أن يفزع بها من ظلّه وتكتب علائم اليمن والظّفر بما في لونها من شبه الخطّ وشكله نعم الجالبة للخير والمير والسائرة بما يخيف المتصيّدات وكيف لا وعلى رؤوسها الطير أزاهر حسنٍ لا بدع أن يكون لها كمائم وبوارق العزم لا جرم أنّ أجنحتها عمائم ونواقل البأس والكرم عن مرسلها فمهما جمعته الشّجاعة فرّقته المكارم. استجلاها المملوك بعد ألفاظ المشرّف الكريم فقال: تلك الرياض وهذه السّحب وتلك الأنوار الهادية وهذه في أفق مطارها الشّهب وجهّز المملوك المطالعة المحضرة للأبواب الشريفة أعلاها الله وشرّفها على يد فلان المذكور فقوبل بالإكرام والكرم ومثل بالمواقف الشريفة مثولاً رقى بهمّته إلى الكواكب لا جرم وذكّر بصالح بيت الارتقاء صالح بيت فهل درى البيت أنّي بعد فرقته ما سرت من حرمٍ إلاً إلى حرم وقد عاد معلماً من البشر بما يراه مولانا عليه معلماً بما تقدّم من نجوى الإنعام بين يديه حاملاً من كرمٍ وجاهٍ يعدّان للأولياء في يوم نزل وللأعداء في يوم نزال قائلاً برجاء سعيه المؤمّن: يا صالح قد كنت فينا مرجوّاً قبل هذا ولن تزال والله تعالى يجري كرم مولانا على عوائد إسعاده ويحرس بعينه وملائكته نفاسه نفسه وبلاده ويدخله باسمه ومسمّاه لدى الدّنيا والآخرة في الصّالحين من عباده. وله جوابٌ بوصول بازيين: ولا زالت بزاة كرمه على الحمد مطلّة وسحائبه مستهلّة وهممه مستقلّة بأعباء المكارم وإن كانت لكثير ما يهديه مستقلّة. هذه المفاوضة تهدي إليه من السلام أجلّه وتوضّح لعلمه الكريم وصول مكاتبته العالية فوقفنا عليها وعوّذناها بكلمات الثناء التامّة من خلفها ومن بين يديها وعلمنا ما لم نزل نعلمه من موالاته وآلائه المسند في الشكر عنها والمستند في الولاء إليها ووصل كلا البازيين الحسنين المحسنين كأنّهما فرقدا سماءٍ قد اجتمعا وقمرا حسنٍ طلعا وعلى محاسن الصيد اطّلعا يسرّان القلوب والأبصار ويحمل كلٌّ منهما على اليمين فيحصل به اليسار وما هما بأول إحسانه الأسنى وبرّه الأهنى وأياديه التي أبى الكرم إلا أن ترد مثنى مثنى وعلم اعتزاره عن الكوهيّة التي كان ادّخرها فنفقت ولو أقيمت بها أسواق الصيد نفقت وأرسل بروايتها تحقيقاً لدعوى المكارم التي من زمانٍ تحقّقت والله تعالى يشكر برّه ويملأ بذكره بحر الثناء وبرّه. وله جوابٌ بوصول كوهيّتين على يد شخصٍ اسمه باشق. لا زالت المحامد من مصايد إنعامه وفوائد أيّامه وثمرات البأس والكرم من قضب سيوفه وأقلامه تقبيل معترفٍ بإحسانها مغترفٍ من موارد امتنانها متحفٍ منها بعالي تحفٍ تدلّ على مكانها في الفضل وإمكانها. وينهي ورود مشرّف مولانا الكريم على يد الولد باشق فياله باشقٌ جاء بكوهيّتين جميلتين وطار للسّرعة وهو حاملٌ منّتين جليلتين وقد وصلتا وكلتاهما حسنة الخبر والخبر حميدة الورد والصدر يحسن مسرى كلٍّ منهما وسيره ويتجمّل بهما باب الشّكر خاناه وصدرها ويكثر خير المطبخ وميره فمدّ المملوك إليهما اليد المتحمّلة الحاملة وإلى المشرّف الكريم اليد المتولّية المتناولة وعلم ما تضمنه من الحسن والإحسان وذكر الموالاة التي يحكم بها القلب العالم قبل شهادة اللّسان واعتذار مولانا عن تعذّر وجود الشاهين وكلّ إحسان مولانا شهيّ كافي وكلّ موارد نعمه هنيّ صافي وما فات مقصدٌ وإنعام مولانا وراء طلبه وإن طال الأمد ولا فرّ مطلوبٌ حتّى يأتي به سعد مولانا مقروناً في صفد والله تعالى يشكر عوائد فضله ولا يضحي الآمال الملتجئة إليه من ظلّه. جواب بوصول طيور من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة: وشكر هداياه المتقبّلة وسجاياه التي هي بأفواه المحامد مقبلّة ولا زال بدر سعادته المأمولة وطائر هديّته المتأمّلة. صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي تهدي إليه من السلام أتمّه ومن الثناء أنمّه وتوضّح لعلمه الكريم ورود مكاتبته الكريمة ومكارمه العميمة وطيور هديّته التي كلٌّ منها في الحسن بدر تمّ وظهرت ظهور البدر لتمامه فأبت محاسنها أن تنكتم فحسن ورودها ورعي بفضل التلطّف والتودّد مقصودها وأقبلت تلك الطيور التمّيّة تامّة الإنعام دالّةً بيمن طائرها على بركة عامّة وكيف لا وقد جاءت بيضاء عدد شهور العام والله تعالى يزيده من فضله ويجري الأقدار بالسّعود الشاملة لجمعه الجامعة لشمله إن شاء الله تعالى. جواب في المعنى من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة أيضاً: لا زالت الجوارح شاهدةً ببرّه والجوانح حائمة الجناح على شريف ذكره والمحامد من مصايد أقلامه ورماحه في السّلم والحرب فإمّا بقوادم سمره وإمّا بمناسر حمره تقبيلاً يبعثه على أجنحة وينهي بعد دعاءٍ تحلّق إلى السماء كلماته الحسنة وولاءٍ وثناء: هذا تخفق بتشوّقه أجنحة القلوب وهذا تخفق بذكره أجنحة الألسنة أنّ كتاب مولانا ورد على المملوك فأورد عليه المسارّ وملأ يده بالمبارّ ومصايده بالمير ومنازله بالخير وآماله بآمالي الكرم لذي السرحات المنشرح بآية " وعلّمنا منطق الطّير " فقابله المملوك بتقبيله وواصل فضل الاعتداد بتفضيله وحصل من هداياها وهداها على جملة الإحسان وتفصيله وانتهى إلى الإشارات العالية التي زكت على العيان وتأمّله وأربت على الجنان وتأميله. فأمّا الإنعام بالكوهيّتين اللتين ما قذف البحر إلى الساحل أبهى من دررهما المكنونة وأزهر من وجوههما المباركة الميمونة فقد وصل كلا الطائرين بيمنه والسابقين بمنّه والغائبين في جوّ السماء الآتيين من الصّيود بأوفى من قطرات مونه واستقبل المملوك منهما وجوه المسارّ وحملت يمينه الثّروة وحملت على اليسار وتناولت يده يدي إحسانٍ يسرّ الناظرين والسامعين واستخدما للشّكر خاناه ولحفظ مطبخ يملأ عيون المشبعين والجائعين وقال صنع الله لصناعتهما: ائتيا بصيود الٍسّماء طوعاً أو كرهاً " قالتا أتينا طائعين " قد كتبت باليمن في مطاوي ريشها أشباه الحروف وقضى الجود لتلك الأحرف أن تقري ما تقتري عواصي الطير له بطاقةٍ تقيّد السابح في طلقه ويعود مطلقها وقد ألزم نجاح الطير طائره في عنقه فشكر الله إحسان مولانا الذي ألحف الأمل جناحه والقصد نجاحه وبرّه الذي أحمد في سوانح الطير وبوارحه مساءه وصباحه وعلم ما أشار مولانا إليه في أمر فلان وأمره علم الله تعالى في الخاطر حاضره وما يؤخّر شغله عن إهمالٍ وعائب الإمهال غادر وما أشار إليه في أمر فلان أمير شكاره وأمير شكر المملوك وتقدّم بخلاص حقّه واستنزل بهديّته قضاء الشّغل من أفقه لا برح مولانا ممتثل الأوامر هامي سحب البرّ الهوامر مجدّداً في كلّ وقتٍ نعمى مالئاً بهداياه قلوب محبّيه وبيوتهم شحماً ولحماً إن شاء الله تعالى. وله جوابٌ في وصول طيور العقعق: لا زالت متّصلةً منن إرفادها وإرفاقها نازلةً على حكمها الأشياء حتّى الطّير العاقّة من آفاقها خافقةً أعلام نصرها بالأجنحة مؤمّنةً لظنون القاصدين من إخفاقها تقبيل مطلقٍ لسان الحمد على عوائد إطلاقها مجتنٍ لثمرات الإحسان من غصون أقلامها وغصون أوراقها. وينهي ورود مشرّف مولانا العالي على يد الولد فلانٍ فوقف المملوك عليه وعلم من جميل الاحتفال ما أشار إليه وأنه موقّع على المقصود من طيور العقعق فأوقعها من مطارها واستنزلها من أوكار أفقها وأفق أوكارها وأرسلها قرين مشرّفه الكريم وقلد عنق الأمل بعقدها النّظيم ووصلت سبعةً كعدد أيّام الجمعة الكاملة والكواكب الماثلة والسّموات لا جرم أن سحب يمنها هاملة حسنة الشّكل الموصوف والوصف وإن كان مع عقوقه المألوف طائعةً لأوامر توقيعه فما عقّ منها شيءٌ غير تضعّف اسمها المعروف لا برح إحسان مولانا متنوعاً وبره الجزيل متبرعاً وغصن قلمه بأنواع المكارم متفرعاً. وله جواب بوصول تماتٍ وإوزٍ صينيٍ وطلب إمرة عشرة: حمى الله تلك النعمة من الغير وأطلعها عليه بأيمن الغرر ولا برح طائر منه كوصفه أبيض الخبر والخبر. هذه المفاوضة إلى الجناب الكريم تهدي إليه سلاماً يشوق الصباح وثناءً خفاق الجناح وتوضح لعلمه الكريم ورود مكاتبته الكريمة جميلة الفوائد جليلة المصايد تمية البدور المتناولة من منال الفراقد فوقفنا بالأشواق عليها وعطفنا على العادة بتأكيد الولاء إليها ووصلت تلك التمات واضحة الأنوار لائحةً كبياض النوار تامة تمام ميقات موسى عليه السلام إلا أنها لبياضها كأربعين نهار وكذلك البط الصيني كأيام الحج عشرة كاملة مفترضاً على عشرتها ولاء القلوب المتأملة الآملة صينيةٌ مملوءةٌ بمحاسن الألوان التي هي بغير مثلٍ ماثلة وحصل الاعتداد ببره والازدياد لحمده وشكره وفهمنا ما ذكره من إمرة العشرة التي انحلت عن فلان وقد طالعنا بأمرها وعجلنا بذكرها ونرجو أن يعجل بأمانيها المنتظرة وأن يقابل بخوافق أعلامها خوافق بطه فتقابل عشرةٌ بعشرة والله تعالى يعجل لمعاليه الصعود ويؤكد لمساعيه السعود إن الأجوبة عن وصول الصيود ولحومها جوابٌ عن نائب الشام إلى نائب حلب بوصول لحم طير صيد قديد وصحبته بطيخ أخضر من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة. وهو بعد الألقاب: لا زالت تقتنص المحامد بعاطاياه المكررة وأوابد الصيد برماياه المقررة ورقاب الإنس والوحش إما بسهام نعمه المتواترة وإما بسهام قسيه الموترة ولا برحت نفحات مكارمه تشهد أن المسك بعض دم الغزال وسرحات عزائمه تمتد في صيد الوحش لقرى نزيل أو في صيد الأعداء لتقرير نزال تقبيلاً تتعطف أجياد الظباء لمحاولة عقوده وتزدحم أفواه الأولياء على مشافهة وروده. وينهي بعد ولاءٍ تقوم الخواطر الكريمة في دعواه مقام شهوده وشوقٍ لا تزال النسمات الشمالية قاضيةً باستمرار وفوده - أن مشرف مولانا الكريم ورد على المملوك على يد فلان وصحبته الإنعام المتجدد وإن كان قديماً في المعنى واللحم القديد وإن كان أطرى من الروض النضير حسناً والسمين المحبوب وإن كان كحال عداه الذين تقدد جسومهم في الحياة قبل الممات حزناً فقابل المملوك المشرف الكريم بتقبيل أحرفه والإنعام العميم بقبول مسعده ومسعفه وعانقهما بجوانح آماله وأخذ الكتاب والبر كما يقال بيمينه وشماله فيا لها من ظباءٍ تعشق وإن بليت محاسنها وغزلانٍ تغازل وإن بادت عيونها إلا أنه ما باد حب من يعاينها وصيودٍ توصف وإن قصدتها قصد السهام بطعن ويتقى بقرونها القتال والقسي تالية: سلكت خيول مولانا لقنصها المصاعب واتخذها الآكلون سهلاً وتصيدها من الفلاة وأصطادها القاعدون من المقلى ووصل معه البطيخ الأخضر فشبهه بثمار الجنة المشبهون وقيل: هكذا ترتيب مآكل الجنة لهم فيها فاكهةٌ ولحم طيرٍ مما يشتهون لا زالت منن مولانا مشروحةً مشروعة وثمرات نعمه من الدنيا كثمرات أهل الجنة غير مقطوعة ولا ممنوعة بمنه وكرمه. أجوبة هدايا الفواكه وما في معناها الشيخ جمال الدين بن نباتة: جواب وصول مشمش لؤلؤي ودغميشي من حماة. بسط الله ظلها ونداها وأطلع باليمن نجوم هديتها وهداها ولا زالت مواهب بحرها لؤلؤية وشواهد يمنها كوكبية وثمرات جودها فضية الأعيان ذهبية تقبيلاً حلت مواقعه وجلت مطالعه. وينهي بعد ولاءٍ وحمدٍ: هذا قد ثبتت في القلب شريعته وهذا قد عذبت في السمع مشارعه أن مشرفة مولانا الكريمة وردت على المملوك تتضمن الحسن والإحسان ويمين البر الشامل لكل إنسان وعهد المحبة التي حكمت فيه بعلمها القلوب فما تحتاج إلى بينة لسان فقابلها المملوك مقبلاً واستجلى وجه الود والإحسان مقبلاً ووصل المشمش الذي شفى لؤلؤيه نظر الناظرين ونوعه الآخر الدغميشي الذي هو الشهد بحسنه ولا يدغمش باسمه على الحاضرين فتناول المملوك عوارف بره المعروف والمبتكر واستضاء نجومه المترددة منشداً قول المعري: كم درن وكم يدرن هذه الأكر وقال: شكر الله هذه المنن الحلوة الثمرات المتصلة الخطرات وهذه المجاني التي طابت أصولها وفروعها فلا أبعدهن الله من شجرات وحيا حماة وما جلبت وجنبات ذلك الوادي وما أنجبت وحدائق ذلك العاصي الذي أطاع ببركة مولانا فأنبت أحلى وأحل ما نبت وقد جهز المملوك هذه الخدمة منطويةً على وظائف الحمد المستجادة ولطائف الحب المستفادة وحمد المنن التي لا تزال من مولانا عادة ومن المحبين شهادة لا برحت يد مولانا الكريمة إن بسطت فبعوائد إنعامها وإن قبضت فعلى سيوفها لمصالح الدول وأقلامها وإن زهت فروع المكارم تساقطت ثمرات برها من زهرات أكمامها. جواب بوصول مشمش وبطيخ حلبي من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة. وينهي بعد ولاءٍ وثناءٍ: لهذا في الأسماع أزهى وأزهر ثمرة ولهذا في القلوب أرسى وأرسخ شجرة - ورود المشرف الكريم على يد فلان بما ملأ السمع من أخبار مولانا المرتقبة سروراً والعين من آثار يده الكريمة نوراً والفم من هدايا المشمش الحموي كؤوس لذة كان مزاجها كافوراً فقبل المملوك أسطره مستحلياً مواقع رشفاته وقابله بعوائد المحامد مستجلياً عوائد افتقاداته وصلاته ومد يده وفكره فالتقط النجوم المشرقة من هداياه وكلماته وتقلد جواهر المبرات الحسنة والمحسنة والثمرات التي جاءت بدرية القدوم وإن كانت نجومية الهيئات المكونة واستصوب نتائج الغيث فقال: لعل هذه بنادق قوس السماء الملونة وصفا وطاب ظاهرها وقلبها وكذا تكون صفات ذوي القلوب المؤمنة والمؤمن حلوي لا جرم والحموي على عجمه الخراساني أولى بفصاحة الفخار والكرم لا زالت فعلات منن مولانا مستجادة ونعمه لا سيما المشمشية مستزادة وافتقاداته المشهورة لدى مماليكه ومحبيه منه عادةً ومنهم شهادة وجاءت فاكهة البطيخ الحلبي وقد رضع حلب الغمام فأنجب واستوى باطنه وظاهره في الحسن فأعجب من حين أعشب واستطاب الذوق والشم مطعمه وأنفاسه ووصف بالرؤوس فضمه كل متلقٍ وقبل راسه وقال: نعم الهدية السرية والفاكهة التي طلعت حزز ها هلالية وثمرتها بدرية. جوابٌ عن وصول بطيخ حلبي من إنشائه أيضاً وهو بعد الألقاب: وشكر سجاياه التي علت وهداياه التي تكررت فحلت وافتقاداته التي طاب ظاهرها وباطنها فكأنها من أخلاقه الجميلة نقلت أصدرناها تهدي إليه سلاماً يتقدم كهديته نسيمه العاطر وثناءً ينتج أطايب الثمر مقدمات غيثه الماطر وتوضح لعلمه الكريم أن مكاتبته الكريمة وردت فحسنت بالود مشافهتها وأقرت في الأسماع فاكهتها ومفاكهتها ووصل البطيخ فلله در حلبه ودر جلبه لقد حسنت في ملاذ المطاعم طريقته المرضية ولقد أشبه القناديل بتكوينه وفتيلة عرقه فلا جرم أن قناديله عند الشكر مضية ولقد ملأ خبره وخبره عين البصر وأذن المصيخ ولقد خلق دواءً للأجسام حتى صح قول الحلبيين للأرمد: دواؤك البطيخ فشكر الله إحسان الجناب العالي وبره المتوالي وعلى الوالد والولد ومن عندهما سلام المحب المتغالي والله تعالى يحفظ عليهم من الفضل ما وهب ويرزقهم بغير حساب ويرزق الظن فيهم ما حسب إن شاء الله تعالى. وله أيضاً جواب بوصول بطيخ حلبي وهو بعد الألقاب: وشكر إحسانه الذي حلا مذاقه وزكت أعراقه وحيا على البعد تحيةً طيبةً نفحت بها أزهار الكتاب وأثمرت أوراقه هذه المفاوضة تهدي إليه سلاماً طيباً كهديته وثناءً زاكياً كطويته وتوضح لعلمه الكريم ورود مكاتبته الجامعة حسن الأقوال والأفعال المطلعة بوارد غمامها أطيب الثمر في الحال فأحيت ولاءً حاشى لوجوده من العدم وجددت عهد البشر - وما بالعهد من قدم - ووصل البطيخ الحلبي أصله الحموي فصله الدمشقي ضمه وشمه وأكله الفلكي ولا سيما من الأهلة المجتمعة شكله فكرم مطلعاً وحسن من الأفواه موقعاً وعم الحاضرين نوالاً واشتملهم بعطف الإحسان اشتمالاً وأخذ الغلام السكين: متقارب. فقطّع بالبرق شمس الضّحى وناول كلّ هلالٍ هلالا لا بل أهلة كثر تعدادها وكرر تردادها ورصد قربها ولا نقول كما يقول أصحاب الهيئة أبعادها فشكر الله إحسان الجناب العالي حاضراً وغائباً وبره الذي يطلع كل وقت من هداياه وكتبه أهلةً وكواكباً ومرباه الذي نقل عن ملوكٍ كانت منازلهم للمحامد روضاً وكانت أيديهم للكرم سحائباً إن شاء الله تعالى. وله جوابٌ بوصول قصب سكر وأتروجٍ وقلقاس: لا زالت أوصاف شيمها تطرب كما يطرب القصب وألطاف كرمها مما يغذي الحسد وينعش الروح ويشفي الوصب وأصناف نعمها من الحلو إلى الحامض مما يعدي الأيدي المتناولة فهي على الأعداء تنتصب تقبيل محبٍ حلت له المنن فتناولها ومواقع اللثم فعاج إليها وعاجلها. وينهي ورود مشرف مولانا الكريم على يد فلانٍ يتضمن الحسن والإحسان والبر المأثور بكل فمٍ المشكور بكل لسان فقابله المملوك بما يجب من الخدمة لمثله ولاقاه بعوائد تحمد عوائد فضله ووصل قرينه الإنعام الذي تنوع فنوناً وأفناناً وملأ فم الشراب خاناه سكراً ويد المطبخ إحساناً وذكر نباته الطرابلسي عهود الديار المصرية وأوقات الأنس بخدمة مولانا السنية سقياً لها من أوقاتٍ وعهود وشكراً لجود مولانا الذي هو في كل وادٍ موجود ولتدبيره الشمسي الذي أحيا الله به على عباده عناصر هذا الوجود ولا برحت مكارمه متنوعة ونعم أياديه متفرعة فمنها ما حلا فرعه فأصبح لكل حلو أصلاً ومنها ما طاب ريحه وطعمه فكان للمؤمن مثلاً ومنها ما لذ طعامه الشهي فما هو مما يهجر وإن كان مما يقلى. وله جواب بوصول باكورة خيار وملوخية: لا زالت تشرح بمكارمها الصدور وتفتح بركات الأعوام والشهور وتمنح من لطائف مننها كل جماعةٍ السرور وتلمح في هداياها المستبقة إلى الأولياء خيار الأمور تقبيل محبٍ لا تغير ولاءه الدهور ماشٍ من طريق المصافاة والموافاة في نورٍ على نور. وينهي ورود مشرفة مولانا على يد فلانٍ تتضمن المعهود من ولائه وآلائه والمشهود المشهور من إحسان نداه قبل ندائه فقابلها المملوك مقابلة الشيق إلى قرب الديار الممضي في المحبة قلبه لمولاه قبل شرط الخيار ووصلت لطائف هديته الخضرة النضرة وطرائف الفضل الباكرة كمعاني اللفظ المبتكرة فتنجز المملوك الفاكهة قبل أوانها البديع ورصد من أفلاك العلب في ذي الحجة غرة ربيع وتفاءل بالهدية المجمعة الأحباب في أن يعود الشمل وهو جميع وقد عاد فلانٌ حاملاً من رسائل الشوق والشكر ما يؤديه بين أيدي مولانا الكريمة ويجدد بذكراه عهود الأنس القديمة لا برح مولانا سابق الكرم مخضر المرابع ببيض النعم. قلت: وكتبت جواباً لبعض الأصحاب وقد أهدى لي سمكاً بسيط: أهدى لنا سمكاً قد طاب مطعمه أكرم به سمكاً لم يسكن البركا! لا شكّ أنّ له بالبحر شاكلةً والبحر عادته أن يهدي السّمكا وأعلم أن كل ما يكتب مع إهدائه قد يكتب مع استهدائه إلا أن الغالب مما جرت به عادة الكتاب في الاستهداء طلب الأشياء المستظرفة الخفيفة المنة دون ما يعظم خطره اللهم إلا أن يكون الاستهداء من الملوك ونحوهم فيطلب فيه ما جل وعظم. والذي جرت عادة الكتاب بالكتابة في استهدائه على أصناف: الصنف الأول - آلات الكتابة: من الأدوية والمداد والأقلام: مما تقدم ذكره في الإهداء. أنفس الذخائر وأشرف الآمال ما كان للفضل نسباً وللصناعة والحظوة سبباً وبالدوي تجتنى ثمرة الصناعة ويحتلب در الكتابة وقد أوحش المملوك الدهر مما كنت أقتنيه من نفائسها وضايقه في وجود الرضي على الحقيقة منها فإن رأى مولانا أن يميط ببعض ما يستخدمه من حاليها أو عاطلها سمة عطلة المملوك ويسمح بإهدائها إلى أهل تصريفه ويقابل بالنجح والتقبل رغبته فعل إن شاء الله تعالى. وله في استهداء مداد: التنافس - أيدك الله - في أدوات الكتابة وآلات الصناعة بحسب التفاخر في ظهور النعمة والتخير لبيان الإمكان والقدرة وإلا فسائر الدوي سواءٌ فيما تصدره الأقلام عنها وتستمده بطون الكتب منها وأولى آلاتها بأن تتوفر العناية عيه وينصرف التخير بالضرورة إليه المداد الذي هو ينبوع الآداب وعتاد الكتاب ومادة الأفهام وشرب الأقلام فجعلها الله بواجب القضية والحكم في خير وصفه من الحمد والذم وما زلت لنفائس الأخلاق موطناً ولنجع الإخوان في المحل معدناً ولا معدل بي عن استماحة خزائنك عمرها الله الممكن من جيده فإن رأيت أن تستنقذ دواتي من خمول العطلة وتنزه قلمي عن ظمأ الغلة وتكشف عنها سمة النقصان والخلة فعلت إن شاء الله تعالى. أولى ما أنبسط في استهدائه وتسمح نفسي في استماحته واستجدائه ما كان ناقعاً لغلة الأقلام مقيداً لشوارد الأفهام محبراً لبرود البيان حالياً في معارض الحسن والإحسان وكتبت هذه الشكوى أطال الله بقاء سيدي. الصنف الثاني - الشراب. في استهداء مشروب. أبو الفرج الببغاء: أنا - أيد الله سيدي - ومن سامحني الدهر بزيارته من إخواني وأوليائه عضد الله جمعنا ببقائه وقوف بحيث يقف بنا اختياره من القبول والانبساط ويرتضيه لنا إيثاره من الهم والسرور لأن الأمر في ذلك مما يوليناه من المساعدة بالممكن من المشروب إليه والاعتماد دون كل أحد في اجتماع شمل المسرة لنا به عليه فإن رأى أن يكلني إلى أولى الظنين به وأحقهما بمأثور فتوته فعل. وله في مثله: ألطف المنن موضعاً وأجلها من الأنفس موقعاً ما عمر أوطان المسرة وطرد عوارض الهم والفكرة وجمع شمل المودة والألفة وأدى إلى اجتناء ثمرة اللذة وبذخائرك من المشروب مع هذه الأوصاف ما يسترق حر الشكر ويحرز قصب السبق إلى الثناء وجميل الذكر فإن رأيت أن تنجد بالممكن منه مروتي على قضاء حق من أوجب المنة علي بزيارتي فعلت. وله في مثله: من كان للفضل نسباً ولفلك الفتوة قطباً لم تفزع القلوب من الهم إلا إليه ولم تعول الأنفس في استماحة المسار إلا عليه وقد طرقني من إخواني من كان الدهر يماطلني بزيارته وينفس علي بقربه ومشاهدته فصادفني من المشروب معسراً ووجدت الانبساط في التماسه من غيرك علي متعذراً وإلى تفضلك تفزع مروءتي في الإسعاف منه بما يلم شعث الألفة ويجمع شمل المسرة ويجعلنا لك في رق الاعتداد بالمنة ويقضي عني بتفضلك حقوق المودة. علي بن خلف: قد انتظم لنا - أطال الله بقاء سيدي - مجلسٌ واقفٌ بين النشاط والفتور والكآبة والسرور لغروب نجوم الخمر عن سمائه وعطله من حلي نوره ولألائه وقد عولنا في إطلاقه إلى إحدى الجهتين عليه وجعلنا زمامه بيديه فإن رأى أن يروح أفكارنا بشيءٍ من راحه المشابهة عبقاً وعتقاً لأخلاقه وأعراقه فعل إن شاء الله تعالى. وله في مثله: أفضل ما أهدى سيدي ما أهدى السرور إلى أحبته ونظم شمل المتحققين بخدمته وحسم عنهم هواجس الفكر وأعداهم على الدهر وقد جمعنا مجلسٌ وهبناه للثناء عليه وزفت عرائس الخمر إليه فإن رأى إيثارنا بما يكمل نشاطنا ويتمم انبساطنا فليعقر همومنا بشيءٍ من عقاره وينظم جمعنا في سلك أياديه ومباره إن شاء الله تعالى. النوع الرابع الشافعات والعنايات قال في مواد البيان: وهذه الكتب إنما تصدر عن ذوي الرتب والأخطار والمنازل والأقدار الذين يتوسل بجاههم إلى نيل المطلوب ودرك الرغائب. قال: والملتمس فيها ممن تنفذ إليه أحد ثلاثة أنواع إما بذلك ماله ولا يبذل ماله إلا ذو مروءة يفرض على نفسه حقاً فيه لقاصديه وإما بذل جاهه وفي بذل الجاه إراقة ماء الوجه والتعرض لموقف الرد وإما الاستنزال عن سخيمةٍ وموجدة في النزول عنهما كف حد الغضب وغض طرف الحنق وهما صعبان إلا على من فضل حلمه ولطف فهمه. ثم قال: والكاتب يحتاج إلى التلطف فيهما وإيداعهما من الخطاب ما يخرج به الشافع عن صورة المثقل على المشفوع إليه بما كلفه إياه ويؤدي إلى بلوغ غرض المشفوع له ونجاح مطلبه ثم أتبع ذلك أن قال: وسبيل ما كان في استماحة المال أن يبنى على الإبانة عن موقع الإفضال وفضيلة النوال واغتنام فرص الاقتدار في معونة الأحرار وما جارى هذا - وسبيل ما كان منهما في طلب الانتفاع بالجاه أن يبنى على الأريحية لاصطناع الصنائع وتحمل المشاق في تقليد المنن وادخار الفعل الحسن واغتنام الأجر والشكر - وسبيل ما كان منهما في الاستنزال عن السخائم أن يبنى على الملاطفة والإشارة إلى فضيلة الحلم والصفح عن الخاطئ وما في ذلك من حسن السمعة في العاجلة ومتوفر المثوبة في الآجلة ونحو ذلك. وذكر أن أحسن ما قصد في هذا الفن مسلك الإيجاز والاختصار وأن يسلك به مسلك الرقاع القصار المجملة لا الكتب الطوال المفصلة وأن يرجع فيما يودعه إلى قدر الشافع والمشفوع فيه والكاتب إذا كان مرتاضاً ماهراً لم يضل عن تنزيل كل شيء في منزلته وترتيبه في مرتبته. قلت: ومن أحسن ما يطابق هذا النوع ما رأيته في بعض المصنفات أن عمرو بن مسعدة وزير المأمون كتب إلى المأمون في رقعة: أما بعد فإن فلاناً سألني أن أشفع له إلى أمير المؤمنين فأخبرته أني لم أبلغ عند أمير المؤمنين مبلغ الشفاعة - فلما وصلت الرقعة إلى المأمون وقع عليها بخطه: قد فهمنا تصريحك به وتعريضك من كلام المتقدمين: الحسن بن سهل: كتابي إليك كتاب معتنٍ بمن كتب له واثقٍ بمن كتب إليه ولن يضيع حامله بين عناية وثقةٍ والسلام. أبو الحسين بن سعد: وقد توجه إليك فلانٌ بقصدٍ فيه مستجمع وأملٍ فيما قبلك منبسط وليس بعد إصابتك عنده موضعاً وعندنا متجملاً لليد الحسنة إلا افتراض ذلك منه ومنا في أمره على يسر في حاجته وتخفيفٍ من مؤونته فإن رأيت أن تأتي في ذلك بما يشبه أمله وظنه وتوجب عليه الحق به ونشكر لك منه ما يبقى عندنا بأنك بحيث تأتي الفضل وتتوخى الصلة فعلت إن شاء الله تعالى. آخر: معرفتي بأنك لا تتجاوز في العقوبة سبيلها من مواقع الأدب تحملني على مساءلتك ما أنت موجبٌ له والذكرى تنفع المؤمنين ولولا ذلك لاستغنى صاحب كتابي عنه فإن كان ذنبه صغيراً فالصغير يخرجه من حبسه وإن كان كبيراً فالعفو يسعه. وكتابي متقاضٍ لك تقديم العفو على العقوبة والحسنة على السيئة والاستصلاح على القوة في التأديب. وأحق من يعطف على أهل البيوتات ويجود لهم بما يبقى ذكره ويحسن به ذخره مثلك وقد وجهت إليك فلاناً وهو من ذوي قراباتي وذوي الهيئة من أسرتي وعرضته لمعروفك وأحببت أن تلبسه نعمتك وتصرفه إلي وقد أودعتني وإياه ما تجده باقياً على البشر الجميل في الغيب والحضر. ولغيره: وقد جعلك الله غياثاً وجعل عندك لمؤمليك وراجي رفدك أبلغ ذريعةٍ من كرمك وفضلك وقد اصبحت مفزع كل ذي همٍ وملجأ كل ذي أربٍ وموضع كل أمل وأصبحت ملتقى السبل ومجمع الأصناف المختلفة والطوائف المتصرفة. أبو مسلم محمد بن بحر: قد شهرتني باصطناعك حتى تكافأ في معرفة خبرها أهل بلدان المشرق والمغرب والذين عرفوني فصديقي منهم مغتبط بذلك لي وشريكٌ في النعمة به علي وقوي الظهر بما منحنيه الله من رأيك وإذا نابت بعضهم نائبةٌ يرجوك لكشفها ولم يكن له إليك طريقٌ يدنيه ولا حرمةٌ تقربه وتعطفك عليه سألني الشفاعة له إليك ففعلت ذلك مدلاً بما أعتقده من الشكر على نعمتك عندي والإخلاص في طاعتك المفروضة علي واثقاً بتسويغك إياي ما رقيت إليه من درجة الشافع لغيره والسائل في طريقه وذوي الحق عليه لتكون قد أكملت علي النعمة ووكدت لدي العارفة واستتممت عندي الصنيعة. أبو الخطاب بن الصابي: أبسط الشفاعة وجهاً وأقربها نجحاً وأوقعها في القلوب وأسرعها إلى القبول ما وقع من أقسام ثلاثة من إدلال السائل بحسن الظن وارتياح المسؤول إلى فعل الخير واستحقاق المسؤول فيه لقضاء الحق فإذا اجتمع لها ذلك كانت الثقة بها زائدة والفتوة لها رائدة والفضل عليها قائماً والنجح بها قادماً وكان الشكر من أقل موجوداتها والمنة من أجل مذخوراتها. وله: إن دل المملوك فبصدق المودة أو عول فعلى حسن النية أو استظهر فبقديم الحرمة أو استنصر فبكريم الرعاية ووراء ذلك همةٌ من مولانا بعيدة المرامي طويلة المساعي شامخة الأنف سابقة الطرف توجد الآمال سراحاً وتوسعها نجاحاً وتأخذها خماصاً وتردها بطاناً وتوردها هزالاً وتصدرها سماناً وثقةٌ مني قد أحكم عقدها الزمان وأوثق شدها الامتحان فصارت لأعراض المملوك رائدة وفي قوة نفسه زائدة فالمملوك من اجتماع هذه الأقسام ووجوب ما تقتضيه من الأحكام بين ظنٍ جميلٍ لا مجال للشك عليه ويقينٍ صحيح لا وصول للارتياب إليه. آخر: ولئن كان المملوك أسرف في مجالي التثقيل على مولانا فإن المملوك لم يرد بعضاً من دواعي الأمل فيه فإن المظنون من فتوة مولانا رائد الثقة بجميل نيته ولن يعدم النجاح من اعتمد على الفتوة والثقة. آخر: وينهي أن المملوك إن أدل فبحقٍ لدى مولانا أكده أو استرسل فبفضلٍ منه عوده وبين الدالة من المملوك والعادة من مولانا موضعٌ لنجاح الحاجة وبلوغ الإفادة وقد فعل المملوك ما تعلق به واثقاً بالكرم من مولانا فليفعل مولانا ما يتعلق به محققاً للأمل فيه. آخر: وينهي أن المملوك إن انبسط فمدلٌ بالحرمة الوكيدة ومعول على النية الكريمة أو انقبض فلهيبة الإقدام على مولانا ومراعاة التخفيف عنه ولفضله فيما بين ذلك مسلك وغلبة تسلطٍ يدعوان إلى حسن الظن بمولانا ويوثقان من وجود النجاح لديه. آخر: بذلك الجاه في إعانة الضعيف وإغاثة الملهوف والترويح عن المضغوط والتفريج عن المكروب المكدود كبذل المال في إسعاف المعسر وإسعاد المقتر ومواساة المحروم والتعطف على المزحوم وما في الحالتين إلا ما الديانة له ضامنة والمروءة له قائمة والحق به مستوجب والأجر به مكتسب والصنيعة به معتقدة والمثوبة به مدخرة. آخر: وينهي أن حرمة الجوار من أوجب الحرمات حقاً وأحكمها عقداً وأخصها بالعناية وأحقها بالرعاية وما رعاها إلا ذو قدرٍ عظيم وخلقٍ كريم وأصلٍ عريق وعهدٍ وثيق. وفلان ممن يضرب بدالتها ويمت بوسيلتها ويتخفر بذمتها ويتعلق بعصمتها ويعتدها وزراً مانعاً وذخراً نافعاً وعدةً موجودةً عند الحاجة وله أمرٌ يذكره مشافهة فإن رأى مولانا أن يحقق من ظنه ما كان جميلاً ويصدق من أمله ما كان فضل مولانا إليه سبيلاً فهو المعهود من إحسانه والمؤمل من فضله. آخر: من سافر إلى سيدي بأمله ورغبته ومت إلى حضرته بوفادته وهجرته فقد استغنى عن الشافع وكفي أمر الوسائل والذرائع وحامل كتابي هذا قد تجشم القدوم إليه وتمسك بذمام الوفادة عليه مع ما يتحقق به من حق المشاركة في الصناعة ويستوجبه بفضيلة الكفاية والأمانة وإنما أصدر المملوك هذه الخدمة عن يده ممهدة لأنسه ومقويةً لنفسه وإذا مثل بحضرته ونظره بعين نباهته فقد غني عن الشفاعة وبلغ الإرادة. آخر: وينهي أن ما يفرضه مولانا لمن أمه بالرجاء ومت له بإخلاص الحمد والثناء من إدرار أخلاف الإفضال وتحقيق الرغبات والآمال يغني قاصديه عن الشفاعات والوسائل ويكفي آميه تحمل الذرائع والمسائل والواصل إليه بهذه الرقعة فلان ومولانا يعرف حقه على المملوك وماله من الموات لديه وقد توجه إلى حضرته راجياً أن يلحفه من ظل سعادته ما يتكفل بمصلحته ويقضي على الزمن بإعدائه ومعونته ومولانا أحق من تولاه بحسن خلافته فيه والتفضل على المملوك بتحقيق ما يرجيه. آخر في معتقل: علم المملوك بأن مولانا لا يتعدى في العقاب موضع الإصلاح والتأديب ولا يتجاوز في الغضب موقع التقويم والتهذيب عملاً بالعدل وتمسكاً بالفضل يبعثه على تنبيهه لما أغفله وانقياده لما أصله وفلانٌ قد تطاول اعتقاله فإن كان جرمه صغيراً فقد ظلم في القصاص وإن كان كبيراً فقد استحق الخلاص والمسؤول من إحسانه أن يعاود جميل عادته ويراجع كريم شيمته فيعمل في أمره بالعدل إذا لم يره أهلاً للفضل وإن كانت حقوقه متأكدة وحرمته مؤكدة فلا يحسن أن يضاع ويخفر ولا ينبغي أن يجحد وينكر وهو حريٌ أن يحقق الظن فيه ويقابل هذا السؤال بما يقتضيه. آخر: على حسب أخطار الودائع يكون الإشفاق عليها والشكر ممن صرف رعايته إليها وقد كان المملوك أودع كنف مروءته وفناء همته فلان وهو درة المحاسن الفريدة ونادرة الدهر الشريدة والجامع لأسباب المحامد بفضائله ومناقبه والناظم لنثار المآثر بخلقه وأدبه مع ما خص به من المعرفة بقدر الصنيعة والتعويض بالشكر عن قليل العارفة والمملوك يرجو أن يكون مولانا قد أحسن خلافته فيه ونزله من حياطته وتوليه بما يوجبه مكانه من المملوك ويقتضيه متعوضاً رقعة - وينهي أن الأيام إذا قعدت بالكرام فأنزلتهم بعد السعة ضيقاً أوجدتهم إلى التثقيل على من يمتون إليه بسالف الخدمة طريقاً وممن تحداه الزمن بنكده وعوضه ببؤسه من رغده فلان وكان قد فزع إلى جماعة من الخلان واثقاً منهم بالامتنان والإحسان فألفى وعداً جميلاً ومطلاً طويلاً فعدل عنهم إلى سيدي وعزل عنهم إليه وتوجه إليه معتمداً بعد الله في مقصده عليه ثقةً بفضل غيره وحسن أثره وتحمل عبودية المملوك هذه ذريعةً تبسط له من مولانا محياه وتوصله إلى ما يرجوه من معروفه ونداه. وما أولى مولانا بأن يحقق ظن المملوك وظنه ويجوز شكره وشكره إن شاء الله تعالى. رقعة - وينهي أن رغبة سيدي في إسداء المعروف وغوث الملهوف تبعث على السفر إليه والتقدم بالرغبات عليه والله تعالى يواصل المنح لديه كما وصلها من يديه وقد سبقت له عوارف لا ينساها المملوك ولا يؤمل جزاءها إلا بمرفوع الدعاء وكريم الثناء حتى تقتضي ضرائرها وتستدعي نظائرها وحامل عبوديتي هذه فلان والمملوك يرضى لمولانا لسان شكره كما يرضاه لتحمل بره وقد ركض ظهر الأمل إلى حضرته ووثق ببلوغ الوطر من جهته وأن ينظم في سلك من أسبغت عليه عوارفه وعمته لطائفه وعزز ذلك باستصحاب كتاب المملوك إلى بابه وتقديمه ذريعةً في التزام حقه وإيجابه. رقعة - من كان سيدي شافعه انبسط في المنى ولم يرض بغير العلا وقد علم مولانا أن للشفاعة أحوالاً ثلاثاً حالاً تخص الشافع وحالاً تخص المستشفع وحالاً تخص المشفوع إليه ولكلٍ حد يجب الانتهاء إليه ولا يجوز التقصير فيه فعلى المستشفع ارتياد أخصب جناب وأسكب سحاب وقصد الجهة التي لا تصد عن البغية سائلاً ولا ترد عن الأمل آملاً وأن ينهض بالشكر على العارفة ويحدث بالنعم عنه في الأحوال الطارفة وعلى الشافع أن يهريق ماء وجهه في السؤال ويجرد رغبته في تسهيل المنال ويعتقد أن ذلك من الدين المقترض والدين المفترض ويتكفل بالقيام بما يستدعي منه من المكافاة ويلتمس من العوض والمجازاة. وعلى المشفوع إليه أن يعلم أن الشافع والمستشفع ما قصداه إلا بعد الثقة بأحديته ولا اعتمداه إلا بعد السكون إلى أريحيته وأنه لا ينبغي أن يخسر متجرهما ولا يضيع سفرهما وقد اجتمعت هذه الأحوال الثلاث للرئيس المشفوع إليه ولسيدي الشافع ولخادمه المستشفع به ولم يبق إلا عزمةٌ منه تهز أفنان الإقبال فتساقط أثمارها وتنشئ عوارض الآمال فيتهافت قطارها. أبو الفرج الببغاء: وموصل كتابي هذا غنيٌ عن شفاعتي له بما يمت من حرمات الرغبة إليك والوقوف دون كل مقصدٍ عليك وبما يشفع ذلك من التقدم في الصناعة والتوصل بوجيه الكفاية وإنما زودته هذه الأحرف لأفتح له باب الأنسة وأسهل السبل إلى التعلق بالخلة وأدل بها على ما تكشف منه المطاولة والخيرة وأنت أيدك الله ولي التطول بالتقدم في إيناسه وبسطه في الخدمة بما يستزيد له محمود الأثر فيها من حسن النظر وجميل الرأي. وله في مثله: وموصل كتابي فيما يؤمله منك ويبلغه بك متمسكٌ من رجائك بأوكد ذمة ومن شفاعتي بأوجب حرمة ومهما مت به بعد ذلك من ظهور كفاية أو تقدم في صناعةٍ كان غير ضائع عند رعايتك ولا مجهولٍ مع تيقظ عنايتك وأرجو أن يحل من تقبلك بحيث أحله حسن النظر بتطولك. وله في مثله: وفي علمك ما آخذ به نفسي وأروض به أخلاقي من الانقباض عن التسرع إلى مسألةٍ والاحتشام من الانبساط في حاجةٍ ما دلك على موضع فلانٍ ومكانه من إيثاري بواجبات حقوقه وسالف مواته ولذلك سمحت بالكتاب له إليك وفارقت رسمي بالتثقيل في قضاء حقة عليك وقد قصد نحوك بأمله واختارك لرجائه وقدر بك بلوغ البغية واختصر بشفاعتي إلى تفضلك السبيل إلى إدراك المحبة فإن رأيت أن تأتي في بابه ما يشبه فضلك ويناسب وكيد آخر متقارب: رأيت المساكين قد أجمعوا على أنّك الوزر المعتمد فأنت لطفلهم والدٌ وأنت لشيخهم كالولد السلام العميم ورحمة الله وبركاته على من جعله الله للمساكين ظلاً يقيهم وطلاً يسقيهم ونعمةً تعمهم ورحمةً تضمهم أبو فلان أبقاه الله في عزةٍ تالدةٍ طارفة وسعادةٍ لا تزال طارقةً بكل عارفة. من أقامه الله مقامك أيها الشيخ المبرور بالترفق بالفقراء والإحسان إلى الضعفاء لم يعدم مريضاً يقصده في الشفاء ولا يعدم فيضاً يعتمده للاكتفاء لا سيما إذا توسل وحده وتشفع بمن لا يضيع عمل عاملٍ عنده ومتحملها فلان قص الفقر جناحه وأخنى عليه الدهر واجتاحه ولما رأى الفقراء ببركم مرتفقين وعلى شكركم متفقين أمكم حسن الظن بالمن ولم يقدم شفيعاً دنيوياً ولا طريقاً واضحاً سوياً وأنت أيها الشيخ الموقر تنزلونه منزلة سواه ممن ثوى مثواه ونوى فيكم من الأجر والشكر ما نواه إن شاء الله تعالى والسلام الكريم العميم يخص جنابكم ورحمة الله وبركاته بسيط: فالله سبحانه يبقيك في دعةٍ وحسن حالٍ وتيسيرٍ وإقبال الشفاعات من كلام المتأخرين: الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي: شفاعةٌ في استخدام كاتب درج: جعل الله تعالى دوره رحبة العراص وسعادته في الازدياد وأعاديه في الانتقاص والدعاء لإحسانه مقروناً بصدق النية والإخلاص طويل: وهذا دعاءٌ لو سكتّ كفيته فإنّي سألت الله فيك وقد فعل صدرت هذه الخدمة تستمطر سحاب كرمه وهامي ديمه وتسأل جميل شيمه في معنى مملوك المولى وداعيه والشاكر لأياديه والملازم على رواية أخبار فضائله وبثها ونشر تفضلاته ونثها فإنه من بيتٍ كريم النجار زائد الفخار وله على مولانا حق خدمه وهو يمت بسالف معرفة ومحبة المملوك له شديدة والصحبة بينهما قديمةٌ وشقة المودة جديدة ولولا ذلك ما ثقل على خدمته وتهجم على المولى بمكاتبته وقد توجه إلى بابه العالي مهاجراً وناداه لسان جوده فلباه وأجابه مبادراً وغرضه أن يكون كاتباً بين يديه ومملوكاً تقع عين العناية عليه وهو من الكرام الكاتبين والراغبين في الانتظام في سلك خدمه والمؤثرين وصفاته بالجميل موصوفة وفصاحته معروفة وقلمه الذي يقلم ظفر المهمات ويكف كف الحدثان ولسانه الذي يغني بشباته عن حد السنان ورأيه المقدم في الهيجاء على شجاعة الشجعان فإذا أنعم المولى باستخدامه وتحقيق مرامه كان قد وضع الشيء في محله وصنع المعروف مع أهله وبيض وجه المملوك وشفاعته وصدق الأمل في إحسانه ومروءته ورأيه العالي إن شاء الله تعالى. وله شفاعة في استخدام جندي: لا زال بره مطلوباً وجوده مخطوباً وذكر إحسانه في الملإ الأعلى مكتوباً ولا برحت رياض جوده أزهر وأنضر من روض الربا ويده البيضاء ترقم له في سواد القلوب سطور حمدٍ أحسن من نور تفتحه الصبا. هذه الخدمة صدرت على يد فلان تهدي إلى المولى سلام المملوك وتحيته ودعاءه الصالح الذي أخلص فيه نيته وتشفع إليه في تنزيله في الحلقة المنصورة واستخدامه وترتيبه في سلك جيشه المؤيد وانتظامه فإنه من الأجناد الجياد وذوي الجلد على الجلاد وهو الغشمشم الذي لا يرد والشهم الذي لا يصد والباسل الذي لا تحصر بسالته بوصف ولا تحد والنقيب الميمون الغرة والنقيبة الموصوف في الهيجاء بحزم الكهول وجهل ذوي الشبيبة والمولى وإن كان بحمد الله غير محتاجٍ إلى مساعد ولا مفتقرٍ إلى معاضد فإن أسنته لا تحتجب عن روج محتجب ونفسه الشريفة تقوم وحدها يوم الكفاح مقام عسكرٍ لجب وقلبه يغنيه عن الأطلاب والأبطال وجيوش سطوته لا تكلفه المقام في منازل النزال فإن المملوك يعلم أن نفسه الشريفة تهوى تزيد عسكره وجنده وترعى حرمة قاصده وقصده فلهذا توسل بشفع وتر الشافعة وتوصل إلى إزالة ضرع حاله بكثرة الضراعة فإذا أنعم بقبول شفاعة المملوك فيه وحقق له من العناية ما يؤمله ويرتجيه كان قد شد للمشار إليه ما أضعفته العطلة من منته وقلد المملوك جميل منته. شفاعة في رد معزول إلى ولايته: يقبل اليد العالية لا زالت مقبلة ولإسداء الخير إلى أهله مؤهلة وبأياديها على الكافة متفضلة. وينهي ملازمته على شكر مواهبه ونشر فضائله الجسيمة ومناقبه وحمده كريم شيمه والاعتذار من تثقيله على خدمة المولى بخدمه وسؤال إنعامه بوجوه مكاتبته ولسان قلمه وما ذاك إلا لما يتحققه من كريم نجاره وشدة تطلبه لإسداء العوارف وإيثاره والموجب لهذه الوسيلة وسؤال مكارمه واستمطار سحائب مراحمه ما بلغه من عزل مملوك المولى وعبده وواصف جميل أوصافه بلسان شكره وحمده فلان أفاض الله عليه إحسان المولى وإنعامه وخلد لنا وله دولته وأيامه فإنه صاحب المملوك وصديقه وشريكه في الدعاء لمولانا ورفيقه وهو من العدول الأمناء والثقات الاتقياء وهو قليل الجدة كثير العيال لا يجد حيلةً إذا بطل بخلاف ما يحكى عن البطال وقد تشفع بالمملوك ومكاتبته في ملاحظة المولى له بعين عنايته والتقدم برده إلى جهة ولايته فلهذا كتب إليه وأكد في معناه السؤال وعلق بتحصيل أمله الآمال يعلم ذلك موفقاً. شفاعة في خلاص مسجون: فسح الله في مدته وسهل أداء ما يجب من شكر نعمته وألزم الألسنة بحمده والقلوب بمحبته وجعله مفرجاً كل كرب ومسهلاً من المقاصد كل صعب. وبعد فإن كافة الأمة قد تحققت رحمة قلب المولى ورأفته وتيقنت إحسانه ومروءته وأنه يؤثر إعانة كل عانٍ وإغاثة كل ملهوف وأنه لا يمسك إلا بالإحسان ولا يسرح إلا بالمعروف بحيث سارت بحسن سيرته الركاب عوضاً عن الركبان ودرأت مكارمه عن الأولياء نوب الزمان وعلا على حاتم فلو تشبه بكرمه لقلنا له: مورعًى ولا كالسعدان. وللملوك من إحسانه أوفر نصيب وهو يرفل من جوده في ثوبٍ قشيب وقد اشتهر ما يعامل به من الإكرام وأن قسمه من العناية أوفر الأقسام وكان يعد من جملة العبيد فأصبح مضافاً إلى الألزام وهذا مما يوجب على المملوك أن يبتهل إلى الله في تخليد دولته ويتضرع وعلى حلم مولانا أنه إذا شفع إليه في مذنب أن يشفع وهو يشفع إليه في مملوكه وعبده والملازم على رفع رايات مجده وتلاوة آيات حمده فلان رزقه الله رضا الخواطر الشريفة وأسبل عليه حلة عفوه المنيفة على الحلل بظلالها الكثيفة فإنه قد طالت مدة حبسه واعترف بأنه الجاني على نفسه والمعترف بذنبه كمن لا أذنب والمغترف من بحر جوده يروى دون أن يشرب والطالب لبره ينال سوله والمطلب فإن حسن في رأيه العالي زاده الله علاءً وضاعف له سناءً المشي على منار جوده ومنهاجه وبروز أمره المطاع بإطلاقه وإخراجه اغتنم أجره وجبر كسره وربح في هذا الشهر المبارك دعاءه الصالح وشكره وكان قد أنعم على المملوك بقبول شفاعته إليه وفعل ما يوجب على كل مسلم الثناء عليه والله الموفق. شفاعة بسبب خلاص حق: يخدم المجلس السامي لافتيء بالتحيات مخدوماً وحبل سعده مبروماً ودر المدائح لجيد جوده منظوماً وعدله بين الأخصام قاضياً فما يترك ظالماً ولا مظلوماً. ولا زالت الآمال متعلقةً بهمته منوطةً بسعيد عزمته راجيةً خلاص كل حقٍ ممن هو في جهته وتوضح لعلمه أن فلاناً أدام الله سعادته وخلد سيادته ذكر أن له ديناً في جهة غريم مماطلٍ مدافع وخصم ممانع وقد جعل هذه الخدمة ذريعةً إلى خلاص حقه وخالها إلى الوصول إلى عناية المولى أقرب طرقه وهو جديرٌ بالتقدم بإحضار غريمه ومحاققته وأخذ ما للمملوك في ذمته وأن لا يفسح له في تأخيره ولا يسمح بقليل الصبر ولا كثيره فإنه يعلم أن المولى المشار إليه واجب الخدمة وافر الحرمة وقد تعلق أمله في خلاص حقه بالمولى ولا يجاوب عن هذه الخدمة بلو ولولا بل يبذل جهده ويطلق في تحصيل الغرض لسان الاجتهاد ويده ويعتمد من الاهتمام ما يليق بأمثاله ويبيض وجه الشافع وسؤاله موفقاً. شعر طويل: ولو كان لي في حاجتي ألف شافع لما كان فيهم مثل جودك شافع شفاعة فيمن أسمه سراج الدين إلى من اسمه جمال الدين: الشيخ جمال الدين بن نباتة: وينهي بعد ولاء يحكم على القلوب شافع جماله وثناءٍ يجر على أكمام الزهر فضل أذياله أن العلوم الكريمة محيطةٌ بإيجاب حق من هاجر إلى بابها وشكا غلة الفاقة إلى منهل منهل سحابها وأن الماثل بهذه الخدمة فلان ذكر احتياجه إلى عاطفةٍ من عواطف مولانا التي شملت وعارفةٍ من عوارفه التي لو استمدت من غررها الليالي لما أظلمت ولا ظلمت وأن بيده وظيفة شهادة بيت لحم بتواقيع شريفةٍ نظرت في حاله ونشرت حال عياله وأطفاله وأن ثم من ينازعه في جهته المعتادة ويقصد نزعه والنزع عن تلك الشهادة المسطرة أخف من نزع الشهادة ومولانا أول من رحم منه ضعفاً واشتمل عليه عطفاً ودارك بكرمه هذا السراج قبل أن يطفى ورعى سيرة مباشرته الحسنة الآثار واغتنم أدعيته وأدعية أولاده الذين هم كقطع الشطرنج صغارٌ وكبار وكف يد التعرض إليه في أيام عدله فإنها أيامٌ لا ضرر فيها ولا ضرار وعلى الجملة فقد تركته الأيام قطعة لحم فمباشرة بيت لحم أولى به ورجاله فرجانية وأخواتها أحق أن يتعلق سببها بأسبابه والله تعالى ينير بمنن مولانا أحوال المضرورين فإنها ظلام وينصرهم على حرب الأيام بسيوفه التي هي أقلام ويمتع بأيام عدله وإحسانه التي تتنافس فيها أعمار الرعايا فإنهم يتبعون أياماً بأعوام. وله إلى شخصٍ اسمه شمس الدين: وينهي بعد قيامٍ بوظائف ثناءٍ يتمسك بنفحاته المتوالية وولاء يتمسك بحباله المتينة وما كل شمسٍ حبالها واهية أنه يرتاد الأوقات لخطاب مولانا بالأقلام حيث حبس البعد خطاب الكلام ويتخير حملة رسائل الشوق وإن أضعف عطف النسيم رسائل السلام ولما حضر من مكان كذا عارض هذه الخدمة فلان وذكر توجهه إلى حمى حماة المحروسة وقصد كتاباً يكون في وحشة الاغتراب أنيسه فوافق ذلك غرض المملوك وسلك طريق مراده ولا ينكر من جهة هذا الرجل الصالح السلوك فأعلمته أن المكارم الحمادية لا تحتاج غير الحمد والأجر شافعاً إليها والمنازل الشمسية لا تفتقر إلى دليلٍ ينبه عليها وطالما جمعت لقاصدها الفعل والقول السخي وطالما قال يوسف رحمه الله أخو مولانا أبقاه الله للقاصد: أنا يوسف وهذا أخي ولكن أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله فإنه من أصحاب وليٍ لله طالما فاض ولي معروفه واستفاضت نسبته المرشدية فكان ولياً مرشداً قامت صفته مقام موصوفه وإن آثار هذه البركات على هذا القادم لائحة وإن على يده تجارة ذكر وأجر وهي في سوق همم مولانا تجارةٌ رابحة والله تعالى يجعل له في كل ثناءٍ وثواب نصيباً ويديم قلمه الكريم مقصد رفد وجاهٍ فطوراً رشاءً وطوراً قليباً. وله: عن نائب الشام إلى نائب حماة شفاعةٌ في شخصٍ اسمه شهاب الدين وهو بعد الألقاب: لا زالت الأقدار تسعده والملائكة تنجده ومواطن النصر تجرد حد بأسه ومواطن الحلم تغمده والجناة تلوذ بظله فأي جاني ذنبٍ ما يعفو عنه وأي جاني بر ما يرق عليه ويرفده تقبيلاً يترادف مدده ولا تنتهي في القرب والبعد مدده. وينهي بعد ولاءٍ وثناء: هذا لا يبلى جديده وهذا لا تخفى جدده وشوق وارتياحٍ كلاهما يروى عن ابن شهاب توقده ويحمل على يد شهاب سنده أن العلوم الكريمة محيطةٌ بمقدار الحلم وفضله والعفو ومحله والتجاوز عن هفوات المخطئين من القوم وطلب العفو من الله غداً بالعفو عن عباده اليوم قال الله تعالى: ولما سمع الصديق رضي الله عنه هذه الآية قال: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي ثم عفا عمن نزلت بسببه ومملوك مولانا أعز الله أنصاره فلان قد اعترف بهفوةٍ بدت منه وزلة نقلت عنه ما يسعها إلا عفو مولانا ومراحمه وقدم على المملوك فكأنه ما خرج عن ظل مولانا ولا فارقته معالمه وسأل سؤال مولانا أن يشمله بالعفو ويتجاوز له عن السهو ويرحم كبر سنه وكبيرة جهله ويرعى قدم هجرته لخدمة هذا الباب الذي نشأ عمراً طويلاً في ظله أهلاً لأن تشمله عواطف أهله وهو - كما عرف المملوك واطلع عليه حيث كان في نيابة حماة - مشكور السيرة بالاعتبار ناهض الخدمة بالاختبار ملازمٌ لثرى الباب بعزمٍ ما عليه غبار وله على المملوك بالأمس حق خدمة وباليوم حق سؤال يشفع بهما في القلوب وهي كبار والمسؤول من صدقات مولانا تجاوزه عن هفوته ورده إلى أمنه ووظيفته وإجراؤه على عادة إقطاعه وحشاه في أيام مولانا أن يقطع بل حاشى المذكور أن يستخبر وأن لا يقطع واستقراره في مكان خدمته وإجابة سؤال المملوك في كل ما يتعلق بنجاح هجرته وعزمته لا برح مولانا مأمول المنن الغائبة والحاضرة والمقيمة والسائرة مأهول الخواطر برفع ذكره وقدره في الدنيا والآخرة. الشيخ جمال الدين بن نباتة: لا زالت المحامد بذكرها متوجة ومقدمات الفضل والفضائل من تلقاء شيمها منتجة ومطالع الكرم والإكرام هاديةً إلى حرمها من اتجه تقبيل مواظبٍ على الدعاء يرفعه والولاء يجمعه والثناء يقول بضاع أرجه لا مما نضيع بل مما نضوعه وينهي أن عارض هذه الخدمة على عارض كرم مولانا الممطر وبابه الذي هو لكبد الحاسد وفم الوارد مفطر فلان لقضاء تعلقاتٍ له أولها التعلق بحبل رجائه المحصد وانتمائه المرصد والتجمل بقصد بابٍ مولانا الذي هو المهم المقدم على كل مقصد وهو من الفضلاء الذين يعرفهم انتقاد مولانا معرفة الخبير وله اتصالٌ بالأكابر الذين سلم منهم زمام المفاخر كل كبير وقصد من المملوك هذه الخدمة لمولانا تؤنس اغترابه وتنشد المقر الذي ما قرع سن الندامة من قرع بابه خفيف: يا غريب الصّفات حقٌّ لمن كا ن غريباً أن يرحم الغرباء والمملوك يسأل من إحسان مولانا ملاحظة المذكور بعين عنايته التي ما أغفت عن القاصدين ولا غفلت وعواطفه التي طالما فتحت أبوابها فأثنت عليها الركائب التي قفلت والله تعالى يديم تقليد الأعناق بكلمه وبره ويمتع الممالك الساحلية بما قذف لها من درر بحره. النوع الخامس التشوق قال في مواد البيان: وينبغي للكاتب أن يجمع لها فكره ويظهر فيها صناعته ويأخذ في نظمها مأخذاً من اللطافة والرقة يدل على تمازج الأرواح وأتلاف القلوب وما يجري هذا المجرى وأن يستخدم لها أعذب لفظٍ وألطف معنًى ويذهب فيها مذهب الإيجاز والاختصار ويعدل عن سبل الإطناب والإكثار لئلا يستغرق جزءاً كبيراً من الكتاب فيمل ويضجر وينتظم في سلك الملق والتكلف اللذين لا يعتادهما المتصافون من الأصدقاء. وهذه نسخٌ من ذلك: أبو الفرج الببغاء: شوق المملوك إلا مولانا بحسب مكانه من تفضله وحظه من جميل نظره واختصاصه بإنعامه واغتباطه بشرف خدمته ومكانه من إيثاره والله يجمع للمملوك شمل السعادة بمشاهدة حضرته وماله من الدهر بالنظر إلى غرته على الحال السارة فيه وبه. وله: شوق المملوك إليه شوق الظمآن إلى القطر والساري إلى غرة الفجر. وله: شوقي إليه شوق من لم يجد مع بعده عوضاً عنه فتقوده الزيادة إلى الانصراف بالرغبة عنه. وله: شوقي إليه شوق من فقد بالكره سكنه وفارق بالضرورة وطنه. وله: لو كان ما يصدره من خطاب ويناجيه به من متضمن كتاب بقدر ما أعانيه من ألم الشوق إلى غرته ومضض الفائت من مشاهدته لما أحاطت بذكره بسطة لسان ولا ناب في إثباته استخدام بنان. وله: أما الدهر فما يستحق من إبعاد المملوك عنه عتباً ولا يعد ما جناه من ذلك ذنباً إذ كان إنما نقل من حشمة المخاطبه إلى انبساط المكاتبة. وله: وقدره - أبقاه الله تعالى - يرتفع عن ذكر الشوق إليه فالمملوك يعبر عنه بذكر الشوق إلى ما فارقه من تفضله وبعد عنه من أوطان تطوله. وله: ولولا أن المملوك يخمد نار الاشتياق ويبرد أوار الفراق بالتخيل الممثل لمن نأت محلته والتفكر المصور لمن بعدت شقته لألهبت أنفاسه وأسعرت حواسه وهمت دموعه وأنقضت ضلوعه والله المحمود على ما وفق له من تمازج الأرواح عند تباين الأشباح. وله: ولا بد أن يكف بالمكاتبات من غرب الاشتياق ويستعين بأنس المراسلات على وحشة الفراق فإنها ألسنٌ ناطقة وعيونٌ على البعد رامقة. وله: عند المملوك لمولانا خيالٌ مقيم لا يبرح ولا يريم يجلو عليه صورته ويطلع على عين فكرته طلعته إن سهر المملوك سامر معيناً على السهاد أو رقد تصور معذباً طعم الرقاد لا يمطله بزيارته ولا يوحشه بغيبته كأنما تصور بصورته في الوفاء وتخلق بخلقه في المحافظة على وله: إن تزايلت الأشباح فقد تواصلت الأرواح وإن نزحت الأشخاص وبعدت فقد دنت الأنفس وتقاربت فلا تمض الفرقة وتؤلم وتنغص النوى وتكلم وقد ينال بتناجي الضمائر وتحاور السرائر ما لا تصل إليه الإشارة ولا تدل عليه العبارة إذ الأنفس البسيطة أرق مسرًى وأبعد من الألسنة مرمًى. التشوق من كلام المتأخرين: نسخة كتاب من ذلك من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة وهو بعد الصدر: لا زال الدهر يقضي خدمه ويمضي رأيه وسيفه وقلمه ويرضي الدول الشاكرة تقديمه فيها وقدمه ولا برحت الأقدار المعربة تجزم أمره وتكسره ضده وترفع علمه تقبيلاً إذا لثم الترب التثمه وإذا أودع القلب في ذلك الترب ختمه. وينهي مواظبته على ولاءٍ لا ينسخ البعد محكمه ودعاءٍ يقابل النجوم ولا تنقطع من القبول إدراراته المنجمة. وينهي أنه سطرها عن شوقٍ يعز عليه أن ينوب فيه سعي القلم عن سعي القدم وارتياح إلى القرب الذي بأنسه يؤنسه أنواراً على أعلى علم وتطلعٍ لمعاودة الأخبار أوفى من تطلع العامري إلى معاودة أيام ذي سلم وتعلل بقول القائل وافر. وهيهات! أين نظرات الحروف المرموقة من نظرات العيون الرامقة وأين منال السلو من شجو يقول بسيط: أعيذها نظراتٍ منك صادقةً. ما يحسب المملوك من النظر إلا ما يملأ العين من ذلك الوجه الكريم ولا يلبس من خلع الأيام إلا ما تخيط الأهداب على شبا ذلك القرب الرقيم وعلى ذلك فقد جهزها المملوك على يد فلان وحمله من رسائل الشوق ما يرجو أن ينهض فيه بأعباء الرسالة ويسأل الإصغاء والملاحظة فيما توجه فيه وإن أدت الأمالي إلى الملالة والله تعالى المسؤول أن يبلغ في امتدادها مولانا الأمنية ويمتع الدول منه بهذه البقية النقية إن شاء الله تعالى. نسخة كتاب في المعنى عن نائب الشام إلى القاضي علاء الدين بن فضل الله كاتب السر بالأبواب السلطانية من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة أيضاً وهو بعد الألقاب: لا زال قلمها مفتاح الرزق لطالبه والجاه لكاسبه والظفر لمستنيب كتبها عن كتائبه والنجح لرائد مطالبة الدهر بعد المطال به ولا برح البأس والكرم يتحدثان عن بحرها ولا حرج عن عجائبه تقبيلاً تغبطه في مرابعها ثغور الأزاهر لا بل تحسده في مطالعها ثغور الزواهر. وينهي بعد دعاءٍ أحسنت فيه الألسنة وأخلصت الضمائر وولاءٍ وثناءٍ لهما مصاعد النجمين إلا أن هذا في القلوب واقعٌ وهذا في الآفاق طائر - أنه جهز هذه الخدمة معربةً عن شوقٍ يتجدد وارتياحٍ لا يتعدى ولا يتعدد ساعيةً عنه بخطوات الأقلام أن منع الوقت خطوات الأقدام نائبةً في تقبيل الأنامل التي تستسقى ديمها على القرب والبعد ولا كيد ولا كرامة للغمام وجهزها على يد فلان بعد أن حمله من رسائل الشوق ما إن حملنا من إحسانه لينضي عقود الأنجم لو تعددت ومفاتيح أبوابه لتنوء بالعصبة أولي القوة لو تجسدت وهو بين يديه يقدم نجواها ويستشهد بالخاطر الكريم قبل حضور دعواها والمسؤول إصغاء السمع الكريم إليه والملاحظة فيما توجه يه متكلاً على الله وعليه وإذا عاد مشمولاً بعناية مولانا المعهودة مكفولاً برعايته المقصورة على نجح الآمال الممدودة فلينعم على المملوك من المشرفات الكريمة بما يسكن على جور البعد خواطره الدهشة ويعينه على الوحشة التي حركها نحوه البعادة فهي الوحشة والله تعالى يشكر همم مولانا غائباً وحاضراً وشافعاً لرسائل خدمه وناظراً ويخص بابه العلوي بسلام كسلام سقيط الطل عن ورق الغصن ناضراً. آخر من كلامه: كتب به إلى بعض رؤساء مصر. وينهي أن سطرها معربةً عن شوقٍ مقيم وعهدٍ لا يبرح على صراطه المستقيم وارتياحٍ لجنابه أو لكتابه ليتلو لإنصات شجوه: وقد جهزها على يد فلان وحمله من رسائل الشوق أوفى وأوفر من رسائل الصفا وسأل الإصغاء والملاحظة من مولًى كجاره النيل معروف المنافع والوفا ولآمال المملوك بمشرفاته وأوامره جمالٌ حين يريح وحين يسرح وحين يقتصر على مقترحات الأيام حين يشرح فينعم مولانا بمواصلتها على هذه المقدمة ويجعل ذلك من إدرارات صلاته المنجمة والله تعالى لا يعدم المملوك في حال كرمه إما أن يفيض في القرب بحره وإما أن يبعث على البعد ديمه. وله إلى كاتب السر: أعلى الله أمر قلمها على الأقلام وأدام بفيض أنامله عليه بسط كلمة الإسلام وراع بكتائب كتبه العدا إذا انتبهوا فإذا أغفوا " سلَّتْ عليهم سيُوفَها الأحلام " ز ولا زالت تلك الأقلام العالية في تلك اليد الكريمة إن لم تكن من المنشئات فإنها من المنشآت في البحر كالأعلام تقبيل مواظب على دعاء يطلع طلوع طرة الصبح تحت ذلك الظلام وولاءٍ إذا وينهي أنه جهز هذه الخدمة مقصورةً على وصف الأشواق الممدودة وجوانح الشجو المعهودة وأنفاس التذكر التي لولا شرف مذكورها لم تكن عنده من الأنفاس المعدودة فيالها مقصورةً على شوقٍ ما فيها غير طيور الجوانح خفاقة الجناح سباقة الارتياح ويا لها أنفاس ذكر أغنت منادمتها عن كيس كأس واقتراح وقت راح ويا لها ورقةً فازت بمشافهة لثم اليد الشريفة فكرمت وصفاً ونأت عن فخار الروض عطفاً واستطابت بشفاه السطور على تلك البنان رشفاً طويل. وسطّرتها والجسم أنحل ما يرى فياليتني أصبحت في طيّها واصلةً إلى الباب الكريم بسلام وصل عبقه قبل ما وصلت واردةً على يد فلان وقد حمل من رسائل الصفاء والود مثل ما حملت وحصلت على القرب ويا أسفي على ما حصل وحصلت. والمملوك يسأل الإصغاء إليها وإليه بفضل النظر والسمع والإنعام على المحب المفارق بمشرفاتٍ تجلو عليه أيام جمع وتعينه على أوقات وحشةٍ إذا وصفها امشتاقون وأقلامهم ولوا وأعينهم تفيض من الدمع لا برح ذكر مولانا عليا وبره بملء الآمال مليا ووصفه بالتقى وسحاب الجود على الحالين وليا سريع. يا منية النّفس ويا مالكي مذ غبت عنّي لم تنم مقلتي لا أوحش الله من طلعته ولا أخلى من كريم مساعدته وجمع شمل الأنس بخدمته. المملوك يشكو من المولى فراقاً أوجب له على نفسه فرقاً وجيش صدود منحه من العزائم طوائف وفرقاً وداء صبابةٍ كلما ترجى الإفراق منه ازداد تلهباً وحرقاً ووجوب قلبٍ لغيبته ووجب ودمع عينٍ يمحو مهما عبر عنه لسان قلمه أو كتب وقد أطال الهجر تألمه وعتبه وأطار سنته ولبه مذ وصل المولى غيره وقطع عنه كتبه والمولى يعلم أن المملوك لفظٌ والمولى معناه وسعده شخص وأنت وجهه الميمون ويمناه فيواتر إرسال مكاتباته ويتحف بمأثوره ولباناته ويعطر بذكره الجميل الأماكن ويشنف المسامع كما شرف بحلوله فيها الأضالع والله يديمه ويمده بالإسعاف والإسعاد وينصره على الأضداد والحساد وافر. أقاسي من بعادك ما أقاسي وقلبك راحمٌ وعليّ قاسي وأحمل من نواك بضعف نفسٍ عناءً يعجز الشمّ الرّواسي وتبعدني وأمرك إن أتاني جعلت محلّه عيني وراسي قرب الله أوبته وعجل رويته وحرس نفسه من الغير والحادثات وصان حجابه المنيع عن الملمات المؤلمات وجمل الأيام بوجوده والأنام بجوده ولا زالت الدنيا به مجملة وأعناق أبنائها لمننه متحملة. صدرت هذه الخدمة إلى خدمته متضمنةً إهداء سلامه وشاكيةً لغيبته جور أيامه ومنهيةً شدة أشواقه التي أفنت بالصبابة التي أفنت بالصبابة قلبه وأذهبت حشاشته ولبه وهي في ذلك نائبةٌ مناب سائر الخدم ومعبرةٌ عن ألسنة الأقاليم بلسان القلم فإن الأعين متطلعة إلى رويته والقلوب متعطشة إلى قفوله ورجعيته كما تتطلع إلى السماء عيون النرجس وتتعطش الرياض إلى الوابل الغدق بعد اليوم المحر المشمس فالمولى يجعل مواصلته بأخباره فرضاً لازماً ويمتنع من إغفاله كما يمتنع من لذة الطعام إذا كان صائماً فإن المولى هو صورة الجود ومعناه وبيته الكريم فناء الخير ومغناه والناس ما لم يروك أشباه حرسه الله وتولاه وضاعف علاه والسلام. رجز. يا أجمل الناس سناءً وسنا جفت جفوني لجفاك الوسنا ثمار آلامٍ إلام أجتني يا ليتني أعلم حظّي ما جنا وأنتم يا أهل بان لعلعٍ مذ بنتم لم أر شيئاً حسنا أقمتم بمنحنى أضالعي وسرتم يا أهل وادي المنحنا في بعدكم منيّتي لا تبعدوا وقربكم غاية والمنا خلد الله سعادته وبلغه من العلياء إرادته وأثل مجده وأدام سعده وأعذب منهله وورده. المملوك يتشوق إلى لقائه ويتشوف إلى أنبائه ويصف شديد أشواقه وصبابته وحنينه إلى مشاهدى المولى ومشافهته وما يجده لذلك من ألمٍ في جوارحه الجريحة وسقمٍ في جوانحه الصحيحة ويلتمس مواصلته بكتبه آناء الليل وأطراف النهار وأخباره السارة ليتضاعف له مزيد الاستبشار فإن القلب بنار الصبابة قد وقد وأما صبره على بعده فقد فقد ومتى ورد كتاب المولى شفي الغليل وأبل العليل ونجع طعم الحياة ونجح التأميل فليصير وتر مكاتباته شفعاً ولا يجعل لوصلهن قطعاً والله يمنح عيشه خفضاً ومكانه رفعاً والسلام. شعر في معنى التشوق بسيط قد كان لي شرفٌ يصفو برؤيتكم فكدّرته يد الأيّام حين صفا غيره طويل. كتبت للكتاب مجلّد على أنّه قبلي بلقياك يسعد النوع السادس في الاستزارة قال في مواد البيان: رقاع الاستزارة إنما تشتمل على وصف حالات الأنس ومجالس اللذات ومشاهد المسرات. قال: ويجب على الكاتب أن يودعها حلو الألفاظ ومؤنق المعاني وبارع التشبيهات ويبالغ في تشويق المستزار إلى الحضور ويتلطف فيه أحسن تلطف. وهذه نسخ من ذلك: علي بن خلف: رقعتي - أطال الله بقاء سيدي - ومجلسي بمن حله من خدمه ونزله من صنائع كرمه فلكٌ مزينٌ بأنجمه فإن رأى أن يطلع فيه بدراً بطلوعه وينقل قدمه إليهم ويكمل نقصهم بتمامه ويضيف ذلك إلى تليد إنعامه فعل إن شاء الله تعالى. وله في مثله: قد انتظم لنا - أطال الله بقاء سيدي - مجلسٌ رقت حواشيه وتبسمت راحه عن حبب كلأليء على ذهب وقامت فيه سوق السرور لا يكسدها إلا تخلفه عن الحضور فإن رأى أن يكمل جذلنا بإطلاع طلعته علينا ويصدق ظننا بنقل قدمه إلينا وأبهج وتمم من الإحسان ما أخدج إن شاء الله تعالى. وله: هذا - أطال الله بقاء مولانا - يومٌ صفيق الظل رقيق غلالة الطل قد ترفعت شمسه ببرج أنسه وافتر جذلاً عن مضاحك برقه وترنم طرباً بزمجرة رعده ووشت مدارج نسيمه بأرج شميمه وقام على منابر السرور يخطب ابنة الكرم لابناء الكرام وينادي بأعلى صوته: حي على المدام فقد وجب على كل موفقٍ لاجتناء ثمار السرور والتحاف عطاف الحبور أن يلبي دعوته وينتهز فرصته ويعوضه من شمسه الآفلة براحٍ لإظهار ما اختفى من شعاعها كافلة ويقفه على التملي بالكاس والندمان ويجعله سلكاً ينتظم فيه الإخوان. ورقعتي هذه صادرةٌ إلى مولاي وقد تهيأ لنا مجلسٌ من مجالس الأنس يبسط تجعد النفس فيه بغم ونغم ومزهر وزهر وخلان قد تراضعوا لبان العقار وتساهموا نقل الوقار وشجعوا في معارك الخمار وأدمنوا على المماساة والابتكار إلا أن هذا المجلس مع تمامه مخدج وعلى كماله مختلج لبعد مولاي الحال منه محل الواسطة من النظام والأرواح من الأجسام فإن رأى أن يكمل منه ما نقص ويميط عنه ما نغص فليجملنا بالمصير إلينا والطلوع علينا وإعفائنا من إضجار الانتظار معتداً بذلك في كريم الأيادي والمبار إن شاء الله تعالى. وله في مثله: هذا اليوم - أطال الله سيدي - يومٌ أعرس فيه الجو بالجارية البيضاء فخدرها وحجبها بسجف الغمام وسترها واختار اختيال المعرس في معرسه بمصندله وممسكه ومورسه واتخذ من ذهب البوارق نثاراً واستنطق من زنار الرواعد أوتاراً ودعا إلى حضور وليمته والسرور بمسرته فإن رأى أن يلبي طلب هذا اليوم الصفيق ويتمتع بعيشه الرافع الرفيق فليطلع علينا طلعته التي تبهر القمر المزهر وتصدع الليل المعتكر لينهض غرة الإصباح بغرة الراح ويقطف ثمار الأنس والمحاضرة ويتملى بالسماع والمذاكرة ويأخذ بحظٍ من لذاذة الفيخة الشبيهة بشمائله ويعد ذلك من مباره وفواضله فعل إن شاء الله تعالى. وله في الاستزارة في بستان: كتبت - أطال الله بقاء سيدي - وقد غدوت في هذا اليوم إلى بستاني والطير في الأوكار والأنداء تهبط كالتيار والليل مشتملٌ على الصباح اشتمال الأدهم على الأوضاح عازماً على مشارفته ومشارفة ما استمددت من عمارته لا للخلوة فيه بمعاطاة المدام ومؤانسة الندام فحين سرحت الطرف في ميادينه وجداوله وأقبلت على تصفح حلاه وحلله رأيت مناظره تعتلق القلوب اعتلاف الأشراك وتعتاق المستوفز عن الحراك وتقيم قاعد المزاج والنشاط وتوقظ هاجد الفرح والانبساط فمن أشجارٍ كالأوانس في ريحاني الملابس حاليةٍ من موشع الزهر والثمر بأنصع من الياقوت والجوهر كأنما تحفلت لاجتلاء عروس أو معاطاة كؤوس ما بين نخيلٍ قد نشرت عذب السندس على ذراها وأطلعت طلعاً كالخناجر غشيها صداها ونارنج يحمل أكبر العقيان أو وجنات القيان وأترجٍ قد استعال ثمرة أشواق العشاق إذا صالت عليهم يد الفراق. ومن ريضان زاهيةٍ بنشرها وقضبها مختالةٌ في ملابس زهرها ونرجسها كعين محبٍ حدق إلى الحبيب وثنى جيده خوف الرقيب إذا عبث به النسيم جمع بين كل قضيب وإلفه وسعى بالاعتناق من شوقه وكلفه ووردها كمداهن ياقوتٍ فيها نضار وشقيقها كمدامات عقيقٍ فيها صوار وبنفسجها فخذٌ تمضي فيه من القرص آثار أو جام لجينٍ عليه من الندى نثار. ومن أنهار قدت حافاتها قد الأديم وحدت على صراطٍ مستقيم بجرة مسجورة كالسيوف سلوخ الأساود يتخرق ذلك كله نسيمٌ رقيق الغلائل حلو الشمائل يسعى بالنميم في المعاطس والشميم انصبت إلى ملجسٍ فسيح البناء ضيق الأقناء موشى الجدران والسماء في صدره شاذروان يرمي بكسر البلور وفي وسطه نهر ينساب ماؤه انسياب الشجاع المذعور وتتوسطه بركةٌ منمنمةٌ ينصب الماء إليها بالدوالي إلى أربع شاذروانات ويخرج عنها من أربع فطيمات يحتفها كل شجرٍ مثمر وروضٍ مزهر فقلت: هذا المراد الذي يحط به الرائد رحله ويوفد إليه أهله ويدعو إلى اختيار من يهب إلى السرور ويساعد على الحضور للمشاركة في التملي ببهجته والتمتع بنضرته فكان مولاي أول من جرى إليه ذكري ووقع عليه طرف فكري لأنه الساكن في فؤادي الحال في محل رقادي فإن رأى أراه الله ما يقر العين أن يكمل مسرتي بنقل قدمه إلي وإطلاع سعد طلعته علي ليتمم محاسن ما وصفته ويكمل الالتذاذ بما شرحته أجوبة رقاع الاستزارة قال في مواد البيان: لا يخلو المستزار من الإجابة إلى الحضور أو التثاقل عنه فإن حضر على الفور فلا جواب لما نفذ إليه وإن وعد الحضور وتلوم ليقضي شغلاً ويحضر فينبغي أن يبني الجواب على سروره بما دعي إليه وحسن موقعه منه وأن تلومه للعائق الذي قطعه عن أن يكون جواباً عما ورد عليه وأن حضوره يشفع رقعته. وإن أيس من الحضور وجب أن يبنى الجواب على ما يمهد عذره ويقرر في نفس مستزيره أنه لم يتأخذ عن المساعدة على الأنس إلا لقواطع صدت عنه يعلم المعتذر إليه صحتها لينحرس ما بينهما من المودة فإن كثيراً ما تتفاسد الخلان من مثل هذه الأحوال. النوع السابع في اختطاب المودة وافتتاح المكاتبة قال في مواد البيان: الرقاع الدائرة بين الإخوان في اختطاب المعاشرة وانتماء المكاثرة وطلب الخلطة والمؤانسة يجب أن يقدر الخطاب فيها على أن يصل المرغوب في عشرته إلى الانخراط في سلك أحبائه والانحياز إلى أهل ولائه ويبعث على قصده في الالتحاق بوده ويدل على المماحصة والصفاء والمخالصة وما جرى هذا المجرى مما يتعامل به أخلاء الصدق ويجعلونه مهراً لما يلتمسونه من الممازجة ويرومونه من الاختلاط والمواشجة. قال: وينبغي أن يذهب الكاتب في هذه الرقاع مذهباً لطيفاً ويحسن التوصل إلى الإفصاح عن أغراضها ليأخذ بمجامع القلوب ويعين على نيل المطلوب. وهذه نسخ من ذلك: رقعة: وينهي أن المملوك لم يزل مذ وقع طرفه على صورته وولج سمعه بعد شيمته يناجي نفسه بافتتاح مكاتبته ومراسلته واختطاب ممازجته ومواصلته رغبةً في الاعتقاد بإخائه واالارتشاف من مشارع صفائه والمقادير تطوي الطوية على ما فيها والعوائق تمطل النية بنجاز ما تنويه وتلويها إلى أن أذن الله تعالى بإعراض الأعراض وانقباض أسباب الانقباض فأظهر المملوك ما في القوة واثقاً من مولانا بحسن المروة وأنه يوجب القبول بإجابته ويجيب إلى مساعدته ويرضى المملوك أهلاً لاصطفائه ومحلاً لإخائه عالماً بإيجابه للحق والمعرفة بالسبق وأن تلقى هذه الرغبة بالقبول ويسلم إليها مفتاح المأمول. رقعة: لو كانت المودة لا تحصل إلا عن ألفة تالدة ومواصلةٍ سالفة لم يستطرف المرء صفياً ولم يستحدث ولياً. وما زال البعداء يتقاربون والمتناكرون يتعارفون. ولما نمي إلى المملوك من أنباء مولانا ما تضوع عطره وطاب نشره سارف بالأمل إليه وقدم بالرغبة عليه طالباً الانخراط في سلك أوليائه والاختلاط بخاصته وخلصائه ومثل مولانا من أجاب السول وصدق المأمول والمملوك يرجو أن تكشف الأيام لمولانا منه عن خلة صادقة ومودةٍ صحيحة لا تضيع معها إجابته ولا تخسر صفقته. رقعة: وينهي أن المملوك ما زال مذ وقع طرفه على صورته البدرية وأحاط علماً بخلائقه المرضية راغباً في مواشجته باعثاً نفسه على اختطاب مودته وإكباره يقعده وإعظامه يبعده فلما تطاول يراع همته شجعت على إنفاذ عزمته فقدم مكاتبته أمام مشافهته فإن حظي بالإجابة وتنويل الطلبة فقد فاز قدحه وتبلج صبحه ونال مناه وبلغ رضاه وصادف هناه وديداً موثوقاً بوده مسكوناً إلى عقده وعهده يحمده عند الاختبار ويعرف به صحة رأيه عند الاختيار والمملوك يرجو أن يصح ما سأله وكفله إن شاء الله تعالى. رقعة: وينهي أن من عمر الله تعالى بثنائه المحافل وعطر بأنبائه الفضائل وأقام من مساعيه الكرام خطيباً يخطب بسؤدده وفضله ويعرب عن شرف محتده وأصله تطلعت الآمال للانتظام في سلك أحبائه وتشوفت الهمم إلى الامتزاج بخلصائه وأوليائه لما يضفو على المعتصم بعرى مصافاته من لباس جماله ويحلي المعتزي إلى ولائه من خلى جلاله وأحق من أسعفه مولانا بالمودة إذا خطبها وأجابه إلى المصافاة إذا طلبها من بدأه بالرغبة ومت إليه بالمحبة لا لمرغب ولا مرهب واختاره لنفسه على علم بكماله ومعرفةٍ بشرف خلاله. وما زال المملوك مذ أطلعه الله على ما خص به مولانا من المحاسن المتعذرة إلا لديه والفصائل الممتنعة إلا عليه يحوم على مسارع ممازجته ولا يردها ويروم مواقع مواشجته ولا يعتمدها إكباراً لقدره وإعظاماً لخطره وخوفاً من تصفحه ونقده وإبقاءاً على ماء وجهه من رده. والمملوك وإن كان عالماً بأن كرم مولانا يرقع الخلل وفضله يصدق الأمل فإنه لا يعدم مذ رغب في قرب مولانا ما لعله يجده فيه مما يخالف مذهبه وينافيه إذ كان لا يبلغ تضاهيه في التمام وتوافيه إلى أن أذن الله تعالى بأن أبلغ نفسه الأمنية وأظهر ما طويت عليه الطوية فكتب هذه الرقعة مجعلها فيما رامه من الاعتلاق بحبل مودته سفيراً وعلى ما التمسه من الانضمام إلى جملته ظهيراً وقدم بها عليه ظنه يترجح عن الإعراض إلى القبول ثقةً بقرب نيل المأمول فإن رأى أن يجيبه إلى ما سأله ويسره بتنويل ما اقترحه فعل إن شاء الله تعالى. اختطاب المودة ومفاتحة المكاتبة من كلام المتأخرين: الشيخ جمال الدين بن نباتة: وضاعف للممالك ببقائه الانتفاع وبارتقائه الارتفاع وسر بمحاسن نظره وخبره العيان والسماع. ولا زال للمحبين من وده عطف المتلطف وللأعداء من بأسه خطف الشجاع أصدرها المملوك منطويةً على ما عهد من صدق المحبة ووفاء العهود المستتبة ودرر المحامد التي لا تسوى لديها درر العقود حبة مبديةً لعلمه الكريم أن المودات إذا صفت والقلوب إذا تجندت وتعارفت حثت المحبين في البعاد على المفاتحة بكتبهم ورسائلهم والمخاطبة في ظلال الأوراق بألسنة أقلامهم من لهوات أناملهم إيثاراً لتجديد الأنس وإن صح الميثاق وتذكاراً لخواطر الود وإن رسخت منه الأصول ونمت الأعراق ولذلك فاتح بها مخاطباً وارتقب لمناديها بالأخبار السارة مجاوباً نائبةً عنه في مشاهدة الوجه الكريم ومصافحة اليد في حديث برها القديم تستطلع أخباره وتستعرض أوطاره وتحيي بالسلام وجهه وعهده ودياره على يد فلان وقد حمل من المودات والمشافهات ما يعيده على السمع الكريم المنعم بإصغائه المصغي بنعمائه المتحف بالمهمات التي يحصل فوز القيام بها والمشرفات التي كل أسباب السرور متصلٌ بسببها والله تعالى يبهج من تلقائه سمعاً ونظراً ويبقي عيش حاسده هشيماً وعيش محبيه نضراً ويديم رياض ذكره تاليةً على المسامع: قال في مواد الليان: لا يخلو من يرام ذلك منه من أن يجيب أو يعتل فإن أجاب بنى الجواب على وقوع رغبة المختطب أحسن مواقعها وابتهاج المختطب بها ومعرفته بقدر ما رآه أهلاً له ومسارعته إليه وإن اعتل بنى الجواب على أنه قد عرض له ما يقصر عنه ولا ترضى نفسه به وأن العذر ليس بعادةٍ له في المزايلة وطريقةٍ في الانفراد والمجانبة. النوع الثامن في خطبة النساء قال في مواد البيان: الرقاع في التماس الصهر والمواصلة يجب أن تكون مبنيةً على وصف المخطوب إليه بما يقتضي الرغبة ويدل الخاطب عن نفسه بما يؤدي إلى الكفاية والإسعاف بالطلبة. قال: وينبغي للكاتب أن يودعها من ألفاظ المعاني المنتظمة في هذا الباب أوقعها في النفوس وأعودها بتقريب المرام وأدلها على صدق القول فيما تكفله من حسن معاشرةٍ ولين معاملة وأن يذهب بها إلى الاختصار والإيجاز. وهذه نسخٌ من ذلك: وأفضل تلك المواهب موقعاً وألطفها وأحمدها عاقبةً وأرهنها يداً ما يؤلف الله به القربات ويؤكد به الحرمات ويوجب به الصلات ويجدد به المكرمات ويحدث به الأنساب ويقوي به الأسباب ويكثر به من القلة ويجمع به من الفرقة ويؤنس به من الوحشة ويزاد به في الحقوق وجوباً وفي المودات ثبوتاً ثم لا مثل لما كان الله طاعةً ورضاء وبأمره أخذاً واقتداء وبكتابه قدوة واحتذاء فالله نسأل الخيرة في قضائه والبركة فيما يقوم بناؤك عليه. ومنه: تصل رحماً وتعقد سبباً وتحدث نسباً وتجدد وصلة وتؤكد ألفة. رقعة: من خصه الله تعالى بما خص به سيدي من طهارة الأعراق والأنساب وشرف الأخلاق والآداب وأفرده باجتماع خلال الخير المتفرقة في الأنام وعطر بثنائه ملابس الأيام رغب الأحرار في مواصلته وهان عليهم بذل الوجه في اختطاب ممازجته والتماس مواشجته ومناسبته وجديرٌ من رغب إليه وطلب ما لديه واختير للمشابكة في الولد واللحمه والمشاركة في المال والنعمة - أن يجيب ولا يمنع ويصل ولا يقطع مصدقاً لأمل من أفرده بارتياده وتوحده باعتماده عارفاً حق ابتدائه بالثقة التي لا يجوز رد من اعتقدها ولا صد من حسن ظنها وقد علم الله تعالى أن مضى للمملوك مدة طويلة وهو يبحث متطلباً مربعاً للتأهل مؤثراً لعمارة المنزل راغباً في سكنٍ تطمئن النفس إليه وتعتمد في الفواتح والمصاير عليه وكلما عرض للمملوك بيتٌ أباه أو ذكر له جنابٌ قطع عنه رجاه لعدم بعض الشروط التي يريدها فيه وتعذرها عليه فلما قرع سمعه ذكر سيدي علم أنه الغاية التي لا مرقى بعدها والنهاية التي لا مطمح وراءها وأنه قد ظفر بالثقة ووصل إلى الأمنية ووجد من يجمع الخلال المرضية ويزيد ويحوز من الفضل الشأو البعيد وكتب المملوك هذه الرقعة خاطباً كريمته فلانة ليكون لها كالغمد الضامن للمهند والجلد الحافظ للمجلد ويكون لمولانا كالولد البر بأبيه ولأخيها كالصنو الشفيق على أخيه فإن رأى سيدي أن يتدبر ما كتبه المملوك ويتسمع من توكيد رقعته ويجيبه إلى ما سأله فله علو الرأي في ذلك إن شاء الله تعالى. رقعة: وينهي أن مولانا بما تمم الله من محاسنه ومناقبه جديرٌ أن يلقى من خطب الاعتصام بعرى ممازجته وسعى في نيل علقه من مواشجته بالقبول القاضي بنيل المأمول ودرك الرغب والسول ولا سيما إذا كان عارفاً من سمو خطره واعتلاء قدره ما يقضي عليه بخفض الجناح في معاشرته وغض الطرف في معاملته والوقوف دون درجة المساواة والمماثلة والتزحزح عن رتبة المباراة والمطاولة والانتظام في سلك الأتباع والحاشية والخدام والغاشية وكثيراً ما وجد المملوك البركة في مشاركة من هذه صفته أوفر منها في مشاركة النظراء وكانت العاقبة في مشابكة من هذه حاله أجمل منها في مشابكة الأكفاء الذين يصادفون في الحقوق شططاً ولا يغضون عن يسير الواجبات تبسطاً لأنهم يرون أن الوصلة ممن داناهم في الرتبة والمنزلة ليست عائدةً عليهم بشرف ولا مظهرةً لهم من خمول ولأن يستخلص مثل سيدي من الرؤساء مثل المملوك من الأولياء ويختصه بأثره الاجتباء والاصطفاء فيكون مفخره إليه منسوباً وما يرقيه الله تعالى إليه ببركته من درج الفضل في نفسه محسوباً أولى من طلب مماثل يناوئ بقدره ويطاول. على أنه لو طلب ذلك لطلب معوزاً ورام معجزاً لما أفرده الله تعالى به من السيادة التي لا يترامى إلى منزلتها ولا يتسامى إلى مطاولتها وإذاً كان النظير معدوماً والكفؤ مفقوداً ولو وجد لمال متسلطاً ووقع سومه منبسطاً ومولانا يطلب إليه ولا يطلب ويرغب فيما عنده ولا يرغب فقد سهلت السبيل إلى ما يرومه المملوك من جهته ويؤثره من مواصلته واتسع المجال فيما يقدم عليه من الرغبة في تقليده شرف مصاهرته وإضافته بذلك إلى بطانته وأهل خاصته ويخرجه على ما يخرج عليه الوالد ولده والسيد عبده وقد حمل المملوك موصل مطالعته هذه ما لم تسع إيداعه المكاتبة فإن رأى مولانا أن يصغي إيه ويجيب عبده بما يعتمده المملوك في ذلك فله الفضل إن شاء الله تعالى. رقعة: وينهي أن لذوي المناجب الطيبة الأنساب والمناحت الزكية الأحساب والأخلاق الكريمة والآداب بين الأنام لسان صدق يخطب لهم بالمحاسن والمحامد ويعطر بثنائهم الصادر والوارد ويدعو القلوب إلى نيل علقه من ممازجتهم والتمسك بطرف من مواصلتهم وقد جمع الله لمولانا من كريم المتلد والمطرف وقديم وحديث الفضل والشرف ما تفرق في السيادات وتوزع على أهل الرياسات وجعله في طهارة المولد وطيبة المحتد واستكمال المآثر واستتمام المفاخر علماً ظاهراً ونجماً زاهراً فما من رئيس سوى مولانا تعجزه خلة من خلال الرياسة إلا وجدها لديه ولا نفيسٍ تعوزه خصلةٌ من خصال النفاسة إلا استماحها من يديه ولذلك امتدت الأعناق إلى التمسك بحبله وتطلعت الهمم إلى مواجشته في كريم أصله وصار مرغوباً إليه لا راغباً ومطلوباً لديه لا طالباً وهو جديرٌ بما وهبه الله من هذا الفضل الذائع والنبل الشائع أن يجيب سائله ويصدق آمله ولا يتجهم في وجه قاصده ولا يرده عن مقصده ولا سيما إذا كان قد أسلفه الظن الجميل وبدأه بالثقة والتأميل وتعذل عليه قدر العارف بقدره العالم بخطره المرتضي بشرائطه النازل على حكمه المتدبر برأيه وقد علم الله تعالى أن المملوك مذ نشأ وصلح للتأهل مرغوبٌ فيه مخطوبٌ إليه من عدة جهاتٍ جليلة وجنباتٍ رئيسة والمملوك صادٌ عن الإجابة صارفٌ عن المطاوعة لشذوذ بعض الشروط التي يروم أن تكون مجتمعةً في النسب الذي أعده شريكاً في الولد والنشب ومفاوضاً في الحال والسبب مرتادٌ من يقنع بالموافقة ويرتضي بالعشرة والمرافقة حتى أفضى في الانتقاد إلى مولانا فوجد المراد على اشتراط وألفى المقصود على اشتطاط فدعاه ذلك إلى التهجم بعد الإحجام وحمله على التجاسر والإقدام والتوسل إلى مولانا بما يتوسل به الأحرار إلى الأخيار وأمه بصادق الرغبة وصميم المحبة والانبساط في خطبة كريمته فلانة على أن يعاشرها بغاية الأنس ويصحبها صحبة الجسد للنفس ويعرف لها من قدر أبوتها وأمومتها ما تستحق برياستها وقد أصدر هذه الرقعة نائبةً عنه في ذلك فإن رأى مولانا أن يتحفه بالقبول ويجعله أهلاً لإجابة السول فله الفضل في ذلك إن شاء الله تعالى. ومن النادر الغريب ما ذكره الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي في حسن التوسل في الكتابة إلى شخص في تزوج أمه وهو: هذه المكاتبة إلى فلانٍ - جعله الله ممن يؤثر دينه على الهوى وينوي بأفعاله الوقوف مع أحكام الله تعالى فإنها لكل امرئٍ ما نوى ويعلم أن الخير والخيرة فيما يسره الله من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأن الشر والمكروه فيما طوى نعرض له بأمرٍ لا حرج عليه في الإجابة إليه ولا خلل يلحقه به في المروءة وهل أخل بالمروءة من فعل ما حض الشرع المطهر عليه وأظهر الناس مروءةً من أبلغ النفس في مصالح حرمه عذرها ووفى من حقوق أخصهن ببره كل ما علم أن فيه برها وإذا كانت المرأة عورة فإن كمال صونها فيما جعل الله فيه سترها وصلاح حالها فيما أصلح الله به في الحياة أمرها وإذا كانت النساء شقائق الرجال في باطن أمر البشرية وظاهره وكان الأولى تعجيل أسباب العصمة فلا فرق بين أول وقت الاحتياج إلى ذلك وآخره وما جدع الحلال أنف الغيرة إلا ليزول شمم الحمية وتنزل على حكم الله فيما شرع لعباده النفوس الأبية ويعلم أن الفضل في الانقياد لأمر الله لا في اتباع الهوى بعضل الولية وإذا كان بر الوالدة أتم وحقها أعم والنظر في صلاح حالها أهم تعينت الإجابة إلى ما يصلح به حالها ويسكن إليه بالها ويتوفر به مالها ويعمر به فناؤها ويحصل به عن تقلد المنن استغناؤها وتحمل به كلفة خدمها عنها وتدفع به ضروراتٌ لا بد لذوات الحجاب والحجال منها ويصفو به ستر الإحصان والحصانة عليها ويظهر به سر ما أوجبه الله لها من تتبع مواقع الإحسان إليها. وقد تقدم من سادات السلف من تولى ذلك لوالدته بنفسه واعتده من أسباب بر يومه الذي قابل به ما أسلفته إليه في أمسه علماً منهم أن استكمال البر مما يعلي قدر المرء ويغلي وقد أجاب زيد بن زين العابدين هشاماً لما سأله: لم زوجت أمك بعد أبيك فقال: لتبشر بآخر مثلي لا سيما والراغب إلى المولى في ذلك ممن يرغب في قربه ويغبط على ما لديه من نعم ربه ويعظم لاجتماع دنياه ودينه ويكرم ليمن نقيبته وجود يمينه ويعلم أن العقيلة تحل منه في أمنع حرم وتستظل من ذراه بأضفى ستور الكرم مع ارتفاع حسبه واشتهار نسبه وعلو قدره في منصبه وحاله وسببه وأنه ممن يحسن أن يحل من المولى محل والده وأن يتجمل من ذريته بمن يكون في الملمات بناناً ليده وعضداً لساعده فإن المرء كثيرٌ بأخيه وإذا أطلق عليه بحكم المجاز لفظ العمومة فإن عم الرجل صنو أبيه وأنا أتوقع من المولى الجواب بما يجمع شمل التقى ويعلم به أنه تخير من البر أفضل ما ينتقى ويتحقق بفعله أن مثله لا يهمل واجباً ولأمرٍ ما قال الأحنف وقد وصف بالأناة: لكني أتعجل أن لا أرد كفؤاً خاطباً. النوع التاسع في الاسترضاء والاستعطاف والاعتذار قال في مواد البيان: المكاتبة في استعطاف الرؤساء وملاطفة الكبراء تحتاج إلى حسن تأتٍ لما تشتمل عليه من إيجاب حقوق الخدمة وما أسلفوه من مرعي الخدم وما يتبع هذا من التنصل والاعتذار الذي يسل السخائم من القلوب ويستنزل الأوغار من الصدور ويطلع الأنس وقد غرب ولها موقع في تأليف الكلام. قال: وينبغي للكاتب أن يستعمل فيها فكره ويوفيها حقها من جودة الترتيب واستيفاء المعاني وأن يذهب إلى استعمال الألفاظ الجامعة لمعاني العذر الملوحة بالبراءة مما قرف به ولا يخرج لفظه مخرج من يقيم الحجة على براءة الساحة مما رمي به فإن ذلك مما يكرهه الرؤساء لأن عادتهم جاريةٌ بإيثار اعتراف الخدام لهم بالتقصير والتفريط والإخلال بالفروض ليكون لهم في العفو عند الإقرار عارفةٌ توجب شكراً مستأنفاً فأما إذا أقام التابع الحجة على براءته وسلامته مما رفع عنه فلا يوضع الإحسان إلا إليه في إقراره على منزلته والرضا عنه والاستعطاف بل ذلك واجبٌ له في منعه منه ظلم. وهذه نسخٌ من ذلك: لابي الحسين بن سعد: فإن رأيت أن تنظر في أمري نظراً يشبه أخلاقك المرضية ويكون لحسن ظني بك مصدقاً ولعظيم أملي فيك محققاً ولما لم تزل تعدنيه منجزاً ولحق حرمتي بك وقديم اتصالي بأسبابك قاضياً فعلت إن شاء الله تعالى. ومنه: لسليمان بن وهب: من انصرف في الاحتجاج إلى الإقرار بما يلزمه وإن لم يكن لازماً فقد لطف الاستعطاف واستوجب المسامحة والإنصاف. ومنه: وقد نالني من جفوة الأمير بعد الذي كنت أتعرف من بره وألطافه أمرٌ أحلني محل المذنب في نفسي مع البراءة من الذنب وألزمني الإساءة مع الخروج من التقصير وزاده عندي عظماً وشدة أني حاولت الخروج منه بالاعتذار فلم أجد لي إلى الأمير ذنباً أعتذر منه ولا علي فيما ألزمني من معتبته حجةٌ أحاول دفعها والتخلص منها فأصبحت أعالج من ذلك داءً قد خفي دواؤه وأحاول صلاح أمرٍ لم أجن فساده فإن رأيت أن تفعل كذا وكذا فتصل قديم ما أصبح عندي من معروفك بحديثه فليس عندي في مطالبةٍ حجةٌ أنجح من التوجه إلى الأمير بنفسه والثقة عنده بفضله فإن كنت مذنباً عفا وإن كنت بريئاً راجع. ومنه: لأبي علي البصير: وأنا أحد من أسكنته ظلك وأعلقته حبلك وحبوته بلطيف برك وخاص عنايتك وانتصف بك من الزمان واستغنى بإخائك عن الإخوان فهو لا يرغب إلا إليك ولا يعتمد إلا عليك ولا يستنجح طلبه إلا بك وقد كان فرط مني قولٌ: إن تأولته لي أراك أوجه عذري وقام عندك بحجتي فأغناني عن توكيد الأيمان على حسن نيتي وإن تأولته علي أحاق بي لائمتك وحبسني على أسوإ حال عندك وقد أتيتك معترفاً بالزلة مستكيناً للموجدة عائذاً بالصفح والإقالة فإن رأيت أن تقرب عيناً قرت بنعمتك عندي ولا تسلبني منها ما ألبستني وأن تقتصر من عقوبتي على المكروه الذي نالني بسبب عتبك علي وتأمر بتعريفي رأيك بما يطمأن هلعي وتسكن إليه نفسي ويأمن به روعي فعلت إن شاء الله تعالى. ومنه: لأبي الحسين بن أبي البغل: نبو الطرف من الوزير دليلٌ على تغير الحال عنده والجفاء ممن عود الله البر منه شديدٌ وقد استدللت بإزالة الوزير إياي النحل الذي كان نحلنيه بتطوله على ما سؤت له ظناً بنفسي وما أخاف عتباً لأني لم أجن ذنباً فإن رأى الوزير أن يقومني لنفسي ويدلني على ما يريده مني فعل إن شاء الله تعالى. ومنه: لأبي الربيع: أصدق المقال ما حققه الفعال وأفضل الخبر ما صدقه الأثر. ومنه: لمولانا سيرةٌ في الفضل والإحسان ما أملها آمل إلا جادت وسخت ومنحت وعوائد في العفو ما رجاها راجٍ إلا صفحت وسمحت وأحق من تلقاه عند العثار بالإقالة والاغتفار ووقف به عند حد التقويم والإصلاح ولم يعرضه لنقيصة الإقصاة والاطراح من شفع الهفوة بالاعتذار وخطب التغمد بلسان الإقرار ودلت التجارب منه على حسم الأضرار وكان له من سالف الخدم وسائل وذرائع ومن صحيح الإخلاص ممهد وشافع فلا عجب أن المملوك يهفو فيعفو ويظلم فيكظم ويجهل فيحلم ويخطئ فيصيب ويدعو متنصلاً فجيب وقد جعل الله سهمه المعلى ويده الطولى وألهمه التفضل بالإنعام والتغميض عن زلات الكرام وقد حصل للمملوك في هذه النبوة من إزرائه على عقله وتقبيحه لفعله أعظم تجربة وأكبر مأدبة والمملوك يسأل إحسان سيدي أن يعيده إلى رضاه ولطفه ويؤنس منه مستوحش إقباله وعطفه ويصدق رجاءه فيه ويجزل ثواب وفادته عليه إن شاء الله تعالى. رقعة: المملوك يخطب صفح سيده وإقالته بلسان الاغتفار ويستعيد ما عرف من رضاه وعاطفته بوسائل الاعتذار ليكون المتفضل في كل الحالات والمنعم من كل الجهات وقد عرف السهو والنسيان المعترضين للإنسان وأنهما يحولان بينه وبين قلبه ويزوران عليه خطأه في صورة صوابه فيتورط في السقط غير عامد ويتهور في الغلط غير قاصد وقد قال الله تعالى: وما أولى مولانا بأن يحفظ على المملوك جميل آرائه ولا يسلبه ما شمله من ظل آلائه ولا يسمه بميسم العقوق فإنه يجد نفسه بخلاف ذلك في طاعته ومرتبتها بغير هذه الرتبة في خدمته.
|