الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **
قال في مواد البيان: إذا نقض معاهد عهده أو نفض من شروط الهدنة يده فالرسم أن يصدر ما يكتب به بالحمد لله تعالى موهبته في إظهار الدين وإعزاز المسلمين وما تكفله من النصر على الباغين ووعد به أهل العدل من الإدالة والتمكين والصلاة على سيدنا محمد النبي صلى الله عليه وعلى آله أجمعين وإيراد طرف من معجزاته وفضائله وآياته ومناقبه التي تنخرط في هذا النظام وتليق بهذا النمط من الكلام ثم يتبع ذلك بمقدمة تدل على متانة البصائر في الدين ووثاقه العقائد في إذالة المحادين ومضاء العزائم في مجاهدة المعتدين والاستطالة على المعاندين مع ما تضمنه الله تعالى من نصره وإظفاره ووعد من تأييده وإقراره وسهله من إهواء الأهوية إليه وجمع الكلمة عليه بما خوله من بأس وشدة وعديد وعدة وما يليق بذلك مما يعرب به عن علو السلطان ووفور الإخوان واتساع القوة والأيد وصدق العزم والجد. ثم يذكر الحال التي انعقدت الهدنة عليها وأن الإجابة إليها لم تقع قصوراً عن غزوهم في عقر دارهم وتشريدهم بالغارات المبثوثة براً وبحراً عن قرارهم وإنما قبولاً لمساءلتهم وامتثالاً لأمر الله تعالى فيها عليهم والمعاقل المنتزعة من أيديهم وأن تلك العزائم مضطرمة متوقدة وتلك السيوف مشحذة مهندة وأن الله تعالى قد أباح حرم من نقض عهده ونفض من الذمام يده وأن كتائب الله موجفة وراء هذا الكتاب في جيش يلحق الخبت بالهضاب ما لم يكن منهم مبادرة إلى الإقلاع والإنابة ومكاتبة في الصفح والاستتابة وأنه قد قدم الأعذار وبدأ قل الإقدام بالإنذار وما تقتضيه الحال من هذا ومثله. وقال: فإن كان الكتاب جواباً عن ورد أجيب بما ينقضه وبني الأمر فيه على ما يبسط الهيبة ويدعو إلى النزول على أحكام الطاعة. ويختلف الحال في ذلك باختلاف الأمور الحادثة والأسباب العارضة فينبغي للكاتب أن يحتاط فيما يطلق به قلمه من هذه المعاني الخطيرة لأنها مزاحمة بالدول والملك وحجج تحصل من كل دولة عند الآخرين ودرك ما يقع قيها عائد عليه ومنسوب إليه. وهذه النسخة كتاب كتب به عن الحافظ لدين الله الخليفة الفاطمي بالديار المصرية إلى النصراني الأرمني الذي كان استوزره ثم خرج عليه رضوان بن ولخشي ارتغاماً للدين لتحكم نصراني في أهل الملة وولي الوزارة مكانه ففر هارباً على الشام ناقضاً للعهد كتب إلى الحافظ يطلب أهله وجماعته من الأرمن الذين كانوا معه في جملة جند الديار المصرية مظهراً للطاعة والرغبة إلى التخلي عن الدنيا والانقطاع في بعض الديرة للتعبد مكراً وخديعة فكتب له بذلك جواباً عن كتابه الوارد منه ونص ما كتب إليه: عرض بحضرة أمير المؤمنين الكتاب الوارد منك أيها الأمير المقدم المؤيد المنصور عز الخلافة وشميها تاج المملكة ونظامها فخر الأمراء شيخ الدولة وعمادها ذو المجدين مصطفى أمير المؤمنين. ووقف على جميعه واستولى بحكمه على مضمونه. فأما ما وسعت القول فيه وبسطته وتفسحت فيما أوردته منه ذكرته مما فحواه ومحصوله ما أنت عليه من الطاعة والولاء والمشايعة والاعتراف بنعم الدولة عليك والإقرار بإحسانها إليك فلعمر أمير المؤمنين إن هذا الذي يليق بك ويحسن منك ويحسن أن يرد عنك ويجب أن يعرف لك وقد كانت الدولة أسلفتك من حسن الظن قديماً ونقلتك في درجة التنويه حديثاً حتى رفعك إلى أعلى المراتب وبلغك ما لم تسم إليه همة طالب وأوطأت الرجال عقبك وجعلت أهل الدولة تبعك مما أغنى اعترافك به عن الإطالة بشرحه والإطناب في ذكره. وأما ما ذكرته مما كان أمير المؤمنين أعطاك التوثقة عليه فأجابك منه إلى ما رغبت فيه فاستقر بينه وبينك في معناه ما اطمأننت إليه فلم يزل أمير المؤمنين على الوفاء باطناً وظاهراً ونية وعلانية واعتقاده أن لا يرجع عنه ولا تغير ما أحكمه منه وإنما حال بينه وبين هذا المراد أن كافة المسلمين في البعد والقرب غضبوا لملتهم وامتعضوا مما لم يجربه عادة في شريعتهم ونفرت نفوسهم مما يعتقدون أن الصبر عليه قادح في دينهم ومضاعف لآلامهم وانه ذنب لا يغفر ووزر لا يتجاوز ولا صفح عنه حتى إن أهل المشرق أخذوا في ذلك وأعطوا وعزموا على ما اتفقوا عليه مما صرفه الله وكفى مؤونته والاشتغال به. وأما ما التمسته من تسيير من الباب من طائفتك إليك فهذا أمر لا يسوغ ولا يمكن فعله ولو جاز أن يؤمر به لمنع المسلمون منه فلم يفسحوا فيه. والآن فلن يخلو حالك من أحد القسمين إما أن تكون متعلقاً بأمور الدنيا وغير منفصل عنها فأمير المؤمنين يخيرك في ولاية أحد ثلاثة مواضع إما قوص أو خميم أو أسيوط فأيها اخترت ولاك إياه ورد أمره والنظر فيه إليك على أن تقتصر من الذين معك على خمسين أو ستين فارساً وتسير الباقين إلى الباب ليجروا على عادتهم ورسومهم في واجباتهم وإقطاعاتهم إذ كانوا عبيد الدولة ومتقلبين في فضلها وأكثرهم متولدون في ظلها. وإما أن تكون على القضية التي ما زالت تذكر رغبتك فيها وإيثار لها من التخلي عن الدنيا ولزوم أحد الديرة والانقطاع إلى العبادة فإن كنت مقيماً على نحو ذلك فتخير ضيعة من أي الضياع شئت يكون فيها دير تقيم فيه وتنقطع إليه فتعين الضيعة ليجعلها أمير المؤمنين تسويغاً لك مؤبداً وإقطاعاً دائماً مخلداً وتجري مجرى الملك ويكتب لك بذلك ما جرت العادة بمثله مما يطمئن إليه وتستحكم ثقتك به. وإن أبيت القسمين المذكورين ولم يرضك الأول منها ولا رغبت في الثاني فتحقق أن المسلمين بأجمعهم وكافتهم وأسرهم وكل من يقول بالشهادتين من قاص ودان وقريب وبعيد وكبير وصغير ينفرون إليك ويتفقون على القصد لك ولا يختلفون في التوجه نحوك وهو عمل ديني لا يرثيه أمر دنيوي فتأمل ما تضمنته هذه الإجابة من الأقسام وطالع بما عندك في ذلك. قلت: وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية لا وجود له في زماننا لعدم وقوع الهدن المترتب عليها هذا الصنف من المكاتبات فإن احتيج إلى ذلك مشاه الكاتب على القاعدة القديمة المتقدمة. الصنف السادس من الكتب السلطانية الكتب على من خلع الطاعة قال في مواد البيان: وهذه الكتب تختلف رسومها بحسب اختلاف أقدار المكاتبين وأحوالهم في الخروج عن الطاعة. قال: وجمع أوضاعها كلها في قانون كلي عسير المرام إلا أننا نرسم فيها مرسوماً يمكن الزيادة فيها والنقص منها ثم قال: والعادة أن تنفذ هذه الكتب إلى من ترجى إنابته وتؤمل مراجعته. فأما من وقع الإياس من استصلاحه ودعت الضرورة إلى كفاحه فلا قال: والرسم فيها أن تفتتح المكاتبة بالتحميد المناسب لمعنى الكتاب والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بما يدعو إلى إيناسه ويزيل أسباب استيحاشه ويعود بثبات جاشه ويبعثه على مراجعة فكره ومعاودة النظر في أمره ويذكره ما أسدي من العوارف إليه وأفيض من النعم عليه وأنه لا ينفر سربها بجحدها وكفرها 0 ويوحش ربعها بإهمال حمدها وشكرها ويربطها بحسن الطاعة ويسترهنها بالتأدب في التباعة ولا يجر الوبال إلى نفسه بالخروج عن العصمة في عاجل ذميم الوصمة وفي آجل أليم النقمة ويبصره بعاقبته ومن يليه من ذوي الجند بما يقتضي رب الإنعام لديهم وإقرار الفضل عليهم وأن يسلبهم ملبس الظل الظليل وأن يعطلهم من خلي الرأي الجميل ويتدرع في أثناء ذلك بشعار النفاق ويتسم بميسم الشقاق ويتعجل من داره وبعده من قراره وهدم ما شيده الإخلاص م نذكره وتقويض ما رفعته الطاعة من قدره ويعود بعد أن كان مجاهداً عن الحوزة مجاهداً بمحتدها وبعد أن كان مرامياً عن السدة مرمياً بيدها ويضيع ما أسدى إليه وأفيض من الإحسان عليه وما ذهب من اليقين في تدريجه إلى مراقي السيادة ومن الرغائب في إلحاقه بأهل السعادة ويغتر بمن يزين له عاجل الآجل ويتقرب إليه بخدع الباطل ويجعل أقوالهم دبر سمعه ويبعد أشخاصهم عن نظره ناظراً في عاقبته وحارساً مهجته وراغباً في حقن دمه وصيانة حرمه وليرجع إلى الفناء الذي لم يزل يحرزه والكنف الذي لم يزل يعزه ولا يجعل مسالمه بالعنود منازعاً ومواصله بالجحود مقاطعاً وواهبه بالكفر سالباً ومطلع النعمة بضياعه حقها مغرباً وقد بقي في الحبل ممسك وفي الأمر مستدرك لأن يهب من رقدته ويستبدل من لقاء أمير المؤمنين بلقاء حضرته. ثم يقول: فإن كان ما جناه قد هد سربه وكدر شربه وأحس في نفسه سوء الظن وأخافه بعد الأمن فليبعث رسوله يستوثق ويعاقد ويتوكد ويعاهد فإذا عاد إليه بما يملأ فؤاده أمناً ويكون عليه حصناً سارع إلى الامتثال المراسم وجرى في الطاعة على سننه المتقادم ولا يستمر على المدافعة والمطاولة ويقتصر على المغايظة والمماطلة. ثم يقال بعد ذلك: وقد قدم أمير المؤمنين كتابه هذا إليك نائباً عنه في استصلاحك وقائداً يقودك إلى طريق نجاحك قبل تجريد مواضيه وإلحاق مستأنفه في الحرب بماضيه وخيوله تجاذب الأعنة وذوابله مشرعة الأسنة ولم يبق إلا قصدك في عقر دارك التي بوأكها وانتزاع نعمته التي أعطاكها لتذوق مرارة المخالفة وتزنها بحلاوة الموافقة فكن على نفسك لنفسك حاكماً ولا تكن لها ظالماً ونحو ذلك مما يليق به. وإن كانت المكاتبة إلى رجل قد سبقت له سابقة بخلع الطاعة ثم سأل الإقالة فأقيل بعد الإحاطة به والنكاية فيه ثم راجع العصيان فالرسم أن تفتتح بحمد الله عاجل العافية للمتقين والعدوان على الظالمين والعزة لحزبه والذلة لحربه والإظهار لأهل طاعته والخسار لأهل معصيته ودائرة السوء على الخالعين طاعة خلفائه القائمين بحجته. ثم يقال: أمير المؤمنين على ما يراك تتخوله به من تصديق آماله وتوفيق أفعاله وتسديد مراميه وهداية مساعيه وإجابة دعوته وتحقيق رغبته بإدالة مواليه وإذالة معاديه وعونته على ما ولاه وتمكينه ممن ناواه ويسأله الصلاة على سيدنا محمد نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ثم يؤتى بمقدمة تدل على جميل عاقبة الطاعة وذميم مغبة المعصية يبسط القول عليها ويتوسع فيها لتكون فراشاً لما يتلوها. ثم يقال بعدها: وإنما يحمل ذلك أهل الغرارة الذين لم يوكلوا شكائم التجارب ولم يمارسوا ضرائب النوائب وأنت فقد تذوقت من كراهة المعصية ومرارتها وعذوبة الطاعة وحلاوتها ما يرجو أمير المؤمنين أن يكون قد وعظك بأدبك وقومك وهذبك وكشف لك عن عاقبتهما وعرفك بغايتهما فدعتك الطاعة إليها بما أسبغه عليك من لباس شرفها ومجدها واستخدمته لك من أنصار إقبالها وسعدها ونهتك المعصية عنها بما بلوته من نوائبها وصنائعها وجربته من مرمض مراميها ومواقعها لأنها أقلت عددك ومزقت مطرفك ومتلدك حتى تداركك من عطف أمير المؤمنين ما أنبتك بعد الحصد وراشك بعد الحص وانتهى إلى أمير المؤمنين أنك حنيت إلى أتباع الضلالة الذين غروك وملت إلى أشياع الفتنة الذين استهووك فأصغيت إلى أقوالهم التي ظاهرها نصح وباطنها غش وآرائهم التي موردها صلاح ومصادرها فساد وملت إلى معاودة الشقاق والارتكاس في العصيان ومقابلة النعمى بالكفران فقدم كتابه إليك مذكراً ومنحك خطابه معذراً منذراً ليعرفك حظك ويهديك من مراجعة ما قارفته وأن تنزل عن المنزلة التي رقاك إليها وتجدب رباعك من النعمة التي أرتعك فيها وتتخلى عن مرابع الدعة التي أوردك عليها فانظر لنفسك حسناً وكن إليها محسناً وانتفع بمراشد أمير المؤمنين ولا تفسدن بخلافك عن أمره نصيبك من الدنيا والدين فارجع إليه مسترغماً فإنه يقتدي بالله في الرحمة للمحسنين ما دام مؤثراً لرب النعمة لديك وإقرارها عليك فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى. قال: وإن كانت المكاتبة على رعية قد خرجت عن الطاعة كتب إليها بما مثاله: أما بعد وفقكم الله تعالى لطاعته وعصمكم من معصيته فإن الشيطان يدلي الإنسان بغروره ويقيم له الضلال في صورة الهدى ببهتانه وزوره مستخفاً لطائشي الألباب ومستزلاً للأقدام عن موقف الصواب ومحسناً بكيده لاعتقاده الأباطيل مزيناً بغيه اتباع الأضاليل صارفاً بمكره عن سواء السبيل مصوراً للحق في صورة المين مغطياً على القلوب بشغاف الرين والحازم اليقظ من تحرز من أشراكه وحبائله وتحفظ من مخايله وغوائله واتهم هواجس فكره واستراب بوساوس صدره وعرض ما يعرضه له على عقله وكرر فيه النظر متحرزاً من مكر الشيطان وختله فإن ألفاه عادلاً عن الهوى مائلاً إلى التقوى بريئاً من خدع الشيطان آمناً من عوادي الافتتان أمضاه واثقاً بسلامة مغبته وعاقبته وشمول الأمن في أولاه وأخراه. وانتهى إلى أمير المؤمنين أن الشيطان المريد استخف أحلام جماعة من جهالكم واستولى على أفهام عدة من أراذلكم وحسن لهم شق عصا الإسلام ومعصية الإمام ومفارقة الجماعة والانسلاخ عن الطاعة التي فرضها الله تعالى على الجمهور وجعلها نظام الأمور فقال جل قائلاً: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " واختار الفرقة التي نهى الله عنها. فقال: وقد علمتم أن من أقدم على تأثير مثل هذه الآثار فقد استنزل في هذه الدار سخط الجبار وتبوأ في الآخرة مقعده من النار وجرى على غير الواجب في إقامة الفروض والصلوات وتأدية العبادات والزكوات وعقد العقود والمناكحات لأن هذه الأحوال إنما ترضى وترفع وتجاب وتسمع إذا تولاها أمير المؤمنين أو من يستخلفه من صلحاء المسلمين فأما إذا استبددتم فيها بأنفسكم واقتديتم في تأديبها بناكب عن سبيله مجانب لدليله فقد تسكعتم في الضلالة وتطابقتم على الجهالة وكل راض منكم بذلك عاص لله ورسوله وللإمام. ولما اطلع أمير المؤمنين على ما ذهبتم إليه بسوء الاختيار وركبتموه من مراكب الاغترار لم ير أن يلغيكم ويهجركم ويغفلكم ولا يبصركم فقدم مكاتبتكم معذراً ومنذراً ومخوفاً ومحذراً وبدأكم بوعظه مشفقاً عليكم من زلة القدم وموقف الندم وجاذباً لكم من مضال الغواية إلى مراشد الهداية وافتتحكم باللفظ الأحسن والقول الألين وهداكم إلى السبيل الأوضح والمتجر الأربح واختار أن يهديكم الله تعالى إلى طريق الرشاد ويدلكم على مقاصد السداد ويعيدكم إلى الأولى ويبعثكم على الطريقة المثلى وأن تعرفوا الحق فتعتصموا في أيديكم من بيعته وتقوموا بما فرض عليكم من طاعته وترجعوا إلى إجماع المسلمين وما اتفقت عليه كلمة إخوانكم في الدين وتتبعوا مذاهب أهل السلامة وأولي الاستقامة فإن وقع ما ألقاه إليكم الموقع الذي قدره فيكم وسألتم الإقالة فالتوبة تنفعكم والعفو يسعكم وإن تماديتم في غيكم وباطلكم وغروركم وجهلكم تقدمت إليكم جيوش أمير المؤمنين مقومة ومن عصاتكم منتقمة وذلك مقام لا يتميز فيه البريء من السقيم ولا الجاهل من العليم ألا تسمعون الله تعالى يقول: وهذه نسخة ما كتب به عبد الحميد إلى بعض من خرج عن الطاعة وهو: أما بعد: بلغني كتابك تذكر أنك تحمل المرد على الجرد فسترد عليك جنود الله المقربون وأولياؤه الغالبون ويرد عليك من ذلك حزبه مع ذلك حزبه المنصور من الكهول على الفحول كأنها الوعول تخوض الوحول طوال السبال تختضب بالجربال وهو رجال هم الرجال بين رامح وناشب ليس معهم إلا كلب محارب ولا ينكلون عن الأصحاب قد ضروا بضرب الهام واعتادوا الكر والإقدام ليسوا بذوي هينة ولا لإحجام يقضون بالسيوف ويخالطون الزحوف في أعنتهم الحتوف يزأرون زئير الأسود ويثبون وثوب الفهود وليس فيهم إلا شاك محتبك في الحروب مجرب قد شرب على ناجذ الحرب وأكل ذو شقشقة وكلكل كأنما أشرب وجهه نقيع الحناء قد رئم الحرب ورضعها وغذته وألفها فهي أمه وهو ابنها يسكن إليها ويأنس بقربها فهو بطلبها أرب وعلى أهلها حرب ولا يروعه ما يروع ولا يزيغه ما يزيغ الغمر الجبان حين يشتد الوغى ويخطر القنا وتقلص الشفاه وتسفر الكماه فعند ذلك تسلمك المرد وتكشف عن الجرد. فتأهب لذلك أهبتك واخطب له خطبتك من المساكين والحولة ثم كيدوني جميعاً فلا تنظرون فما أسرنا إكثارك الجموع وحشدك الخيول فإنك لا تكثف جميعاً ولا تسرب خيلاً إلا وثقنا بأن سيمدنا الله من ملائكته ويزيدنا من نصره بما قد جرت به سنته وسلفت به عادته نحن نجري من ذلك على نقمات من الله ونكال وسطوات مهلكة فرأيتم ذلك في المنازل وعرفتموه في المواطن التي يجمعها الحق والباطل فأبشر منا بما ساءك ضجراً ومشاك تقاد كما يقلد الجمل المخشوش. ومن أحسن الكتب في المكاتبة في هذا الباب ما كتب به قوام الدين يحيى بن زيادة وزير أمير المؤمنين الناصر لدين الله الخليفة ببغداد إلى طغرل مقطع البصرة بأمر الخليفة له في ذلك وقد بلغه أنه نزح عنها قاصداً بعض الأطراف مفارقاً لطاعة الخليفة عندما طلب من ديوانه شيء من المال فأوجب ذلك انثناءه عن عزمه وتوجهه إلى بغداد داخلاً تحت الطاعة ومقابلته بالصفح وتلقيه بالقبول. وهذه نسخته: أصدرت هذه الخدمة إلى الجناب الكريم الأميري الاسفهسلاري الأجلي الكبيري العمادي الركني الظهيري المحترمي العزي الجمالي أمير الجيوش أطال الله بقاءه وأدام علوه ونعمته وأنا أوقع الأقوال المتواترة والأموال المنتاصرة مستغرباً لها متعجباً منها كأني أسمعها في المنام وتخاطبني بها أضغاث أحلام فلولا أن الأيام صحائف العجائب ولا يأنس بمتجدداتها إلا من حنكته التجارب ولم أصدق هذه الحركة المباركة التي وقعت منه بسعادته فإني ما أراها إلا عثرة من جواد وعورة من كماله وإلا فمن أين يدخل الزلل على ذلك الرأي السديد والعقل الراجح والفكر الصائب الذي يعلم الآراء كيف تنير ويعرف النجوم كيف تسير ويهدي غيره في المشكلات إلى صواب التدبير. والفائت لا كلام فيه غير أن العقل يقضي باستدراك الممكن وتلافيه بالانحراف عن الهوى إلى الرأي الصادق والرجوع عن تأويل النفس إلى مراجعة الفكر الناضج فالعود إلى الحق أولى من التمادي على الباطل وأحب أن تسمع ما أقول بإذن واعية وقلب حاضر وحوشي أن تستدفعه الكواذب عن تدبر الحقائق وعرفان النصائح فإن من القول ما برهانه لا يحتاج إلى شاهد من غيره. قبل كل شيء ما الذي أحوج إلى هذه الحال القبيحة السمعة وركوب الخطر في هذه الحركة واحتمال هذه المشاق والانزعاج من غير أن تدعو إليه حاجة هل هو إلا شيء جرت العادة بمثله وبمطالبة ديوانه بما كان يندفع الأمر ببعضه كما جرت عادة الدواوين وخدم السلاطين ثم إنه عمد - أدام الله نعمته - بأول خاطره وبادأ رأيه في هذه العجلة من غير تثبت ولا روية لم لا راجع فكره الكريم ويقول لنفسه: إلى أين أمضي ولمن أخدم وعلى أي باب أقف وتحت أي لواء أسير وبأي غبار أكتحل وفضل من أطلب وعلى حكم من أنزل بعد أن ربيت في عرصة الخلافة ودار النبوة وحضن المملكة أنشأني نعيمها صغيراً وقدمني كبيراً وكنت مأموراً فجعلني أميراً وطار صيتي في الدنيا ولم أكن شيئاً مذكوراً فأنا خير من ملك أقصده وأمثل من كل أرجوه وأستنجده أفأنزل من السماء إلى الحضيض وأهدم ما بنى الإنعام عندي في الزمن الطويل العريض هذا هو المكروه الأعظم الذي تعوذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: " اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور " ومن يكون حضين الخلافة كيف يرضى أن يكون تابع إمارة ولو لم يكن ما هجم إلا عليه إلا هذا لكفى. ثم لم لا يلتفت في هذه الحال التي هو عليها التي صحبته بوفائها ويسمع خطابها بلسان حال ثم ثقول له يا عماد الدين أما هذه خيام الإنعام عليك أما هذه الخيول المسومة تحتك أما هذه الملابس الفاخرة مفاضة عليك أما هذه مماليكه حافة بك أليس الاصطناع رفع قدرك إلى المنزلة التي ثقل عليك بعض الانحطاط عنها ووهب لك الهمة التي أبيت الضيم بها فحوشيت أن تكون ممن تواترت عليه النعم فملها وتكاثرت عليه فضعف عن حملها فياليت شعري! ماذا يكون جوابها والله إنني أقول له بسعادته ولا أعقب ولو أنه قد تحقق - والعياذ بالله - وقوع كل محذور وحلول كل مكروه لك يكن في هذه الحالة معذوراً فكيف بظن مرجم وقول مسوف متوهم ورأي فطير غير مختمر. ولقد كان استسلامه لمالك الرق - صلوات الله عليه وسلامه - أحسن في الدنيا وأعقب في العقبى واقعاً ذلك من أحواله حيث وقع. والآن فالوقت ضاق في إصدار هذه المكاتبة عن استقصاء العتاب والمحاققة وإيراد كل ما تلزم به الحجة لكني أقول على سبيل الجملة: إنني أخاف على سديد ذلك الرأي إجابة داعي الهوى فإن اللجاج من أوسع مداخل الشيطان على الإنسان وحوشي كماله من هذا القسم. والثاني استشعاره بسعادته من بادرته واستيحاشه من عجلته وهذا أيضاً من أدق مكايد النفس الأمارة بالسوء فإنها تؤمن من الخوف وتخوف المأمون وتسحر العقل بالتحير والشك فلا تصح له عزيمة ولا تصفو له فكرة وهذا النوع إذا عرض في الصدر يجب دفعه بالنظر إلى الحق وشجاعة القلب والإخلاد إلى مناظرة النفس فإن الإنسان ليس بمعصوم والزلل في الرأي ليس من أوصاف الجماد بل من الأوصاف اللازمة للبشرية وليس الكمال لأحد إلا الواحد الصمد. فإذا عرض له بسعادته هذا الاستشعار دفعه عن نفسه فليس سلطان الوسواس الخناس وإلا في صدور الناس فلهذا لا ينبغي لمذنب أن يقنط ولا لمسيء أن يستوحش لا سيما إذا أتبع الذنب بالاستقالة والاستغفار والاعتذار والإقلاع وعلى الخصوص إذا كانت الخيانة عند من لا يتعاظمه عفوها ولا يضيق حلمه عنها فإن كل كبيرة توجب المخالفة وتغرق في بحر عفو الخلافة فيجب أن يقرر بسعادته ذلك في نفسه ويخرج سوء الظن والاستشعار من خياله فإن مثله من خلصان المماليك لا يسمح به ولا يشغب عليه عند هفوة بادرة. والثالث الاهباض والحياء. فإنه ربما يقول في نفسه: بأي وجه ألقى مولاي وبأي أعين أبصر الدار العزيزة رباني وأنشأني وهذا أيضاً لا يصلح خطوره بباله في هذا المقام فإنه في ضعف النحيزة والميل من خوادع الطبع عن نصائح العقل والشرع فإن الحياء إتباع زلة القدم بالندم والاعتذار لا التهوك في اللجاج والإضرار. فقد قال بعض الملوك لخصيص من خواصه عصاه في شيء من أمره: بأي عين تلقاني وقد عصيت أمري فقال: بالعين التي ألقى بها ربي في الصلوات الخمسة وهو سبحانه يراني على فواضح المعاصي. وقد أثنى الله سبحانه على ما يقتضي فرط الاستشعار. هل هو إلا عبد خاف بادرة مولاه فتنحى من مكانه إلى من يعطف عليه برحمته وليس هذا ببديع ولا من الصفح ببعيد على أنه بسعادته لو أنصف من نفسه لما استشعر. فكم أخرجت الخزائن الشريفة عليه من الأموال حتى نبت عرقه وأورق غصنه وكبر شأنه وجميع ضمان البصرة عشر معشار ذلك. والرابع إصغاؤه - والعياذ بالله - إلى قول من لا ينصحه ويغويه لا يرشده ويتقرب إليه بمتابعة هواه وهذا ما لا يخفى عنه لمحة الناقث ولا يحتاج الإعراض عنه إلى الباعث فقديماً قيل: صديقك من نهاك وعدوك من أغراك. والله تعالى يوفقه لتحقيقه النظر في هذه الأقسام الربعة التي أحذرها عليه وأحذره منها وييسره لليسرى. وبع ذلك فأنا أنصفه من نفسي وأقول الحق: إن نفساً رباها خليفة الله في أرضه - صلوات الله عليه وسلامه - بإنعامه وأعلى همتها باختصاصه وشرفها بنسب عبوديته لا يحتمل الهوان ولا يقر على الابتذال فغالب ظني أن نفوره بسعادته إنما هو من ديوان الزمام المعمور. والآن فأنا وهو بسعادته عبدان ولكني أنفرد عنه بالسن والتجريب وطريقتي هو بسعادته يعرفها وإنني لا أدخر عن أحد نصحاً. فالصواب أن يقبل قولي ويتحقق صحة مقصدي في نصيحته ومقصده فإني أوجب ذلك له على نفسي وأراه من واجبات خدم مالك الرق - صلوات الله عليه وقد علم الله تعالى أني قد أوضحت من عذره وأحسنت المناب بسعادته ما لو حضره وتولاه بنفسه لما زاد عليه ورأيت الإنعام يستغني عن كل شرط ولا يحتاج إليه وتقررت قاعدته بسعادته أن لا يكون له مع ديوان الزمام المعمور حديث ولامع غيره ممن لا يعرف حقه ولا يكون من الاحترام واجبه فإن أمر أن أتولى وساطته فأنا أعتمد ذلك في مراضيه وتمشية أمره أكثر مما في نفسه. وإن اختار بسعادته أن يكون غيري وسيطه وسفيره فيعين من يختاره ليكون حديثه معه. وقد أسلفت من وظائف إحسان المناب أنني تنجزت له بسعادته أماناً متوجاً بالقلم الأشرف المقدس على نفسه الكريمة وماله وأولاده - والأمان المذكور طي كتابي هذا - مقروناً بخاتم أمان ثان فيجب أن يكون هو بسعادته جواب ذلك. إذ لا يجوز أن يكون الجواب إلا هو بنفسه الكريمة فلا يشعر به أحد إلا وهو مقابل التاج الشريف ملقياً نفسه بين يدي مالكها الذي هو أرحم لها وألطف بها وأشفق عليها منها تالياً ما حكاه القرآن المجيد عن يونس عليه السلام إذ نادى وهو مكظوم: وأنا أستسرع وصوله عن استعراض مهماته ولرأيه كرمه إن شاء الله تعالى. قلت: فإن اتفقت المكاتبة في معنى ذلك في زماننا راعى الكاتب فيه صورة الحال وجرى في ذلك على ما يلائم حاله ويناسب ما هو فيه مع النظر في كلام من سبقه إلى شيء من لك والنسخ على منوال المجيد والاقتداء بالمحسن في إيراده وإصداره. الصنف السابع الكتب في الفتوحات والظفر بأعداء الدولة وأعداء الملة واسترجاع المعاقل والحصون والاستيلاء على المدن. وأصلها في فتح الأقفال ودخول الأبواب كأن المدينة أو الحصن كان مقفلاً ممتنعاً بالإغلاق على مقاصده حتى يفتح له فيدخل. قال في مواد البيان: وهو من أعظم المكاتبات خطراً وأجلها قدراً لاستمال أغراضها على إنجاز وعد الله تعالى الذي وعد به أهل الطاعة إظهار دينهم على كل دين وتوفير حظهم من التأييد والتمكين وما يمر فيها من الأساليب المختلفة التي تشتمل هذا القانون عليها. قال: والكاتب يحتاج إلى تصريف فكره فيها وتهذيب معانيها لأنها تتلى من فوق المنابر على أسماع السامعين وتجعل نصب عيون المتصفحين. ثم قال: والرسم فيها أن تفتتح بحمد الله العفو الحليم الغفور الرحيم العليم الحكيم ذي البرهان المبين والفضل الجسيم والقوة المتين والعقاب الأليم مبيد الظالمين ومبير القاسطين ومؤيد العادلين وجاعل العاقبة للمتقين والمملي إمهالاً وإنذاراً والمعاقب تنبيهاً وإذكاراً الذي لا ينجي منه مهرب ولا يبعد عليه مطلب وكيف يعتصم منه وهو أقرب من حبل الوريد وله على كل لافظ رقيب عتيد. والصلاة والسلام على رسوله الأمين الذي ختم به النبيين وفضله على المرسلين وأيده بأوليائه التائبين الذين قاموا في نصرته وإعزاز رايته المقام الذي فازوا فيه بالخصل فاستولوا على قصبات الفضل فشركهم معه الوصف والثناء فقال جل قائلاً: ثم تؤتى بمقدمة تشتمل على التحدث بنعمة الله في شحذ العزائم لنصرته وتثبيت الأقدام لقاء عدوه ومجاهدته وإنجاز وعده في الإعزاز والإظهار والظفر والإظفار والاستبشار بموقع النعمة في الفتح الجليل والإشادة بإبقاء هذا الأثر الجميل. ثم يفيض بما جرت العادة به في مقاربة العدو ومداناته وبث الطلائع لتنفيذ السرايا في مبادي ملاقاته وما أفضى إليه الأمر في التقابل والمواثبة والتواشح في المطاعنة والمضاربة وذكر مواقف الشجعان في الكفاح والمجاهدة والذب والمجالدة وثبوت الأقدام والجود بالنفوس واشتداد الأيدي وقوة الشكائم واستصحاب العزائم وتفخيم أمر العدو بوصفه بكثرة الرجال والأجناد والقوة والاستعداد لأن توقع الظفر بمن هذه صفته أعظم خطراً وأوقع في النفوس أثراً. ثم يذكر ما جال بين الفريقين من قراع ومصاع ومصاولة ومناضلة ومناهدة ومكافحة وحماية ومنافحة وثبات ومصاففة ومقاومة وموافقة ومخادعة ومطامعة وينعت المواكب والكتائب والخيول والأسلحة والجرحى والمجادلين والأسرى والمقتلين. واستعمال التشبيهات الفائقة والاستعارات الرائقة وإرداف المعاني في الإبانة عن لمعان أسنة الذوابل وبريق صفحات المناصل وإعمال المقاصل في القمم وظهور نجوم السيوف من ليل الحرب في دياجي الظلم وينعت الدماء المنبعثة من الجراح على متون الرماح والصفاح. ويذكر ما أظهره الله تعالى من تكامل النصر ودلائل الظفر ما انجلت عنه الحرب من قتل من قتل وأسر من أسر وهزيمة من هزم وما فاز به الرجال من الأسلاب والأموال والدواب والرجال وما جرت عليه الحال من انفلال العدو عند المقاتلة أو أسر العدو إن أسر أو اعتصامه بمعقل لا يحصنه أو امتناعه بحث يحتاج إلى منازلته باستنزاله قسراً أو حيازة المعقل الذي كان بيده وما اعتمد فيه من حسن السيرة وتخفيف الوطأة عن الرعية وحسم أسباب الفتنة أو رغبته في المسالمة وسؤاله في المهانة لخوف أظله وهلع احتله وما تردد من رسائل وتقرر من شروط وعقود وإنفاذ الأمر في ذلك كما أوجبه الحزم واقتضاه صواب الرأي. وإن كان السلم قد وقع والتنازع قد ارتفع ذكر اتفاق الحزبين واتحاد الكلمة وشمول النعمة. وإن كان لم يجبه من المهانة حذراً من المكر والمخادعة ذكر ما مر في ذلك من رأي وتدبير وإن كان طلب المهانة ليجد فسحة المهل فيكثر عدده ويجم عدده وتتم حيلته فاطلع منه على ذلك فبادره مفللاً لكيده ومكره مذيقاً له وبال أمره شرح الحال على نصها وما انتهى إليه آخرها. قال: وقد وقع في هذه الأمور ما لا يحتسب وسبيل جمعه هذا السبيل. ثم قال: ويختم الكتاب بحمد الله القاضي لأوليائه بالإدالة ولأعدائه بالإذالة الذي يستدرج بحلمه إمهالاً ولا يلقى العادل عن حكمه إهمالاً والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله. وقد تقدم في الكلام على مقدمة المكاتبات في أوائل المقالة الرابعة من الكتب أن هذه الكتب مما يجب بسطها والإطناب فيها وأن ما وقع في كتاب المهلب بن أبي صفرة من كتابه إلى الحجاج في فتح الأزارقة من الخوارج على نظم الفتح وبعد صيته على سبيل الإيجاز والاختصار حيث قال فيه: أما بعد فالحمد لله الذي لا تنقطع مواد نعمه عن خلقه حتى تنقطع منهم مواد الشكر. وإنا وعدونا كنا على حال يسرنا منهم أكثر مما يسوءنا ويسوءهم منا أكثر مما يسرهم ولم يزل الله جل ثناؤه يزيدنا وينقصهم ويعزنا ويذلهم ويؤيدنا ويخذلهم ويمحصنا ويمحقهم حتى بلغ الكتاب أجله. واعلم أن الكتابة في فتوحات بلاد الكفر ومعاقلهم والاستيلاء على بلاد البغاة تكاد أن تكون في الكتابة على نسق واحد إلا أن مجال الكاتب في الفتوحات بلاد الكفر أوسع من حيث عزة الإسلام على الكفر وظهور دينه على سائر الأديان. وهذه نسخة كتاب بفتح فتحه الخليفة وعاد منه وهي: الحمد لله مديل الحق ومنيره ومذل الباطل ومبيره مؤيد الإسلام بباهر الإعجاز ومتمم وعده في الإظهار بوشيك الإنجاز وأخمد كل دين وأعلاه ورفض كل شرع واجتباه وجعله نوره اللامع وظله الماتع وانتعث به السراج المنير والبشير النذير فأوضح مناهجه وبين مدارجه وأناب أعلامه وفصل أحكامه وسن حلاله وحرامه وبين خاصه وعامه ودعا إلى الله بإذنه وحض على التمسك بعصم دينه وشمر في نصره مجاهداً من ند عن سبيله وعند عن دليله حتى قصد الأنصاب والأصنام وأبطل الميسر والأزلام وكشف غيابات الإظلام وانتعلت خيل الله بقبائل الهام. يحمده أمير المؤمنين أن جعله من ولاة أمره ووفقه لاتباع سنة رسوله واقتفاء أثره وأعانه على تمكين الدين وتوهين المشركين وشفاء صدور المؤمنين وأنهضه بالمراماة عن الملة والمحاماة عن الحوزة وإعزاز أهل الإيمان وإذلال حزب الكفران. ويسأله الصلاة على خيرته المجتبى وصفوته المنتصى محمد أفضل من ذب وكافح وجاهد ونافح وحمى الذمار وغزا الكفار صلى الله عليه وابن عمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سيفه القاطع ومجنه المدافع وسهمه الصادر وناصره المعاضد فارس الوقائع ومفرق الجمائع ومبيد الأقران ومبدد الشجعان وعلى الطهرة من عترته أئمة الأزمان وخالصة الله من الإنس والجان. وإن أولي النعم بأن يرفل في لباسها ويتوصل بالشكر إلى إيناسها ويتهادى طيب خبرها ويتفاوض بحسن أثرها نعمة الله تعالى في التوفيق لمجاهدة أهل الإلحاد والشرك وغزو أولي الباطل والإفك والهجوم عليهم في عقر دارهم واجتثات أصلهم والجد في دمارهم واستنزالهم من معاقلهم وتشريدهم عن منازلهم وتغميض نواظرهم الشوس وإلباسهم لباس البوس لما في ذلك من ظهور التوحيد وعزه وخمود الإلحاد وعره وعلو ملة المسلمين وانخفاض دولة المشركين وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك وقد انكفأ عن ديار الفلانيين المشركين إلى دست خلافته ومقر إقامته بعد أن غزاهم براً وبحراً وشردهم سهلاً ووعراً وجرعهم من عواقب كفراً مراً وفرق جمائعهم التي تطبق سهوب الفضاء خيلاً ورجالاً وتضيق بها المهامه حزناً وسهلاً ومزق كتائبهم التي تلحق الوهاد بالنجاد وتختطف الأبصار ببوارق الأغماد وتجعل رعود سنابكها في السماء وسبى الذراري والأطفال وأسر البطاريق والأقيال وافتتح المعاقل والأعمال وحاز الأسلاب والموال واستولى من الحصون على حصن كذا وحصن كذا ومحا منها رسوم الشرك وعفاها وأثبت سنن التوحيد بها وأمضاها وغنم أولياء أمير المؤمنين ومتطوعة المسلمين من الغنائم ما أقر العيون وحقق الظنون وانفصلوا وقد زادت بصائرهم نفاذاً في الدين وسرائرهم إخلاصاً في طاعة أمير المؤمنين بما أولاهم الله من النصر والإظفار والإعزاز والإظهار ووضح للمشركين بما أنزل الله عليهم من الخذلان وأنالهم إياه من الهوان أنهم على مضلة من الغي والعمى ومنحاة من الرشد والهدى فضرعوا إلى أمير المؤمنين في السم والموادعة وتحملوا بذلاً بذلوه تفادياً من الكفاح والمقارعة فأجابهم إلى ذلك متوكلاً إلى الله تعالى وامتثالاً لقوله إذ يقول: أشعرك أمير المؤمنين ذلك لتأخذ من هذه النعمة بنصيب مثلك من المخلصين وتعرف موقع ما تفضل الله تعالى به على الإسلام والمسلمين فيحسن ظنك وتقر عينك وتشكر الله تعالى شكر المستمد من فضله المعتد بطوله وتتلو كتاب أمير المؤمنين على كافة من قبلك من المسلمين ليعلموا ما تولاهم الله به من نصره وتمكينه وإذلال عدوهم وتوهينه فاعلم ذلك وأعمل به إن شاء الله تعالى. ثم الفتوح إما فتح لبعض بلاد الكفر وإما فتح لما استولى عليه البغاة من المسلمين. فأما فتح بلاد الكفار فكان سبيلهم فيه أن يصدر الكتاب بحمد الله تعالى على علو دين الإسلام ورفعته وإظهاره على كل دين ثم على بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالهداية إلى الدين القويم والصراط المستقيم ويذكر ما كان أمره صلى الله عليه وسلم من جهاد الكفار. ثم على إقامة الخلفاء في الأرض حفظاً للرعية وحياطة للبرية وصوناً للبيضة ويخص خليفة زمانه من ذلك بما فيه تفضيله ورفعة شأنه ثم يؤخذ في تعظيم شأن العدو وتهويل أمره وكثرة عدده ووفور مدده ثم في وصف جيوش المسلمين بالقوة والاستعداد والاشتداد في الله تعالى والقيام في نصرة دينه ثم يذكر الملحمة وما كان من الوقيعة والتحام القاتل وما انجلت عنه الملحمة من النصرة على عدو الدين وخذلانه والإمكان منه وقتل من قتل منهم وأسر من أسر وتفريق وهذه نسخة كتاب كتب به إلى الديوان العزيز أيام الناصر لدين الله عن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بفتح القدس الشريف وإنقاذه من يد الكفر في آخر شعبان سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة من إنشاء القاضي الفاضل وهو: أدام الله أيام الديوان العزيز النبوي الناصري ولا زال الجد بكل جاحد وغني التوفيق عن رأي كل رائد موقوف المساعي على اقتناء مطلقات المحامد مستيقظ النصر والسيف في جفنه راقد وارد الجود والسحاب على الأرض غير وارد متعدد مساعي الفضل وإن كان لا يلقى إلا بشكر واحد ماضي حكم العدل بعزم لا يمضي إلا بنبل غوي وريش راشد ولا زالت غيوث فضله إلى الأولياء أنواء إلى المرابع وأنواراً إلى المساجد وبعوث رعبه إلى الأعداء خيلاً إلى المراقب وخيالاً إلى المراقد. كتب الخادم هذه الخدمة تلو ما صدر عنه مما كان يجري مجرى التباشير لصبح هذه الخدمة والعنوان لكتاب وصف هذه النعمة فإنها بحر للأقلام فيه سبح طويل ولطف تحمل الشكر فيه عبء ثقيل وبشرى للخواطر في شرحها مآرب ويسرى للأسرار في إظهارها مسارب ولله في إعادة شكره رضا وللنعمة الراهنة به دوام لا يقال معه: هذا مضى. وقد صارت أمور الإسلام إلى أحسن مصايرها واستتبت عقائد أهله على أبين بصائرها وتقلص ظل رجاء الكافر المبسوط وصدق الله أهل دينه فلما وقع الشرط حصل المشروط وكان الدين غريباً فهو الآن في وطنه والفوز معروضاً فقد بذلت الأنفس في ثمنه وأمر أمر الحق وكان مستضعفاً وأهل ربعه وكان قد عيف حين عفا وجاء أمر الله وأنوف أهل الشرك راغمة فأدلجت السيوف إلى الآجال وهي نائمة وصدق وعد الله في إظهار دينه على كل دين واستطارت له أنوار أبانت أن الصباح عندها حيان الحين واسترد المسلمون تراثاً كان عنهم آبقاً وظفروا يقظة بما لم يصدقوا أنهم يظفرون به طيفاً على النأي طارقاً واستقرت على الأعلى أقدامهم وخففت على الأقصى أعلامهم وتلاقت على الصخرة قبلهم وشفيت بها وإن كانت صخرة كما تشفى بالماء غللهم. ولما كتب الذين عليها عرف منها سويداء قلبه وهنأ كفؤها الحجر الأسود ببت عصمتها من الكافر بحربه. وكان الخادم لا يسعى سعيه إلا لهذه العظمى ولا يقاسي تلك البؤسى إلا رجاء لهذه النعمى ولا يناجز من يستمطله في حربه ولا يعاتب بأطراف القنا من يتمادى في عتبه إلا لتكون الكلمة مجموعة والدعوة إلى مسامعها مرفوعة فتكون كلمة الله هي العليا وليفوز بجوهرة الآخرة لا بالعرض الأدنى من الدنيا وكانت الألسنة ربما سلقته فأنضج قلوبها بالاحتقار وكانت الخواطر ربما غلت عليه مراجلها فأطفأها بالاحتمال والاصطبار ومن طلب خطيراً خاطر ومن رام صفقة رابحة تجاسر ومن سما لأن يجلي غمرة غامر وإلا فإن القعود يلين تحت نيوب الأعداء المعاجم فتعضها ويضعف بأيديها مهز القوائم فتقضها هذا إلى كون القعود لا يقضي فرض الله في الجهاد ولا يرعى به حق الله في العباد ولا يوفى به واجب التقليد الذي تطوقه الخادم من أئمة قضوا بالحق ةبه كانوا يعدلون وخلفاء الله كانوا مثل هذه اليوم لله يسألون لا جرم أنهم أورثوا سرهم وسريرهم خلفهم الأطهر ونجلهم الأكبر وبقيتهم الشريفة وطلعتهم المنيفة وعنوان صحيفة فضلهم لا عدم سواد العلم وبياض الصحيفة فما غابوا لما حضر ولا غضوا لما نظر بل وصلهم الأجر لما كان به موصولاً وشاطروه العمل لما كان عنه منقولاً ومنه مقبولاً وخلص إليهم على المضاجع ما اطمأنت به جنوبها وإلى الصحائف ما عبقت به جيوبها وفاز منها بذكر لا يزال الليل به سميراً والنهار به بصيراً والشرق يهتدي بأنواره بل إن أبدى نوراً من ذاته هتف به الغرب بأن وراه فإنه نور لا تكنه أغساق السدف وذكر لا تواريه أوراق الصحف. وكتاب الخدم هذا وقد ظفر الله بالعدو الذي تشظت قناته شفقاً وطارت فرقه فرقاً وفل سيفه فصار عصا وصدعت حصاته وكان الأكثر عدداً وحصا وكلت حملاته وكانت قدرة الله تصرف فيه العيان بالعنان عقوبة من الله تعالى ليس لصاحب يد بها يدان وعثرت قدمه وكانت الأرض لها خليفة وغضت عينه وكانت عيون السيوف دونها كسيفة ونام جفن سيفه وكانت يقظته تريق نطف الكرى من الجفون وجدعت أنوف رماحه وطالما كانت شامخة بالمنى أو راعفة بالمنون وأوضحت الأرض المقدسة الطاهرة وكانت الكامث والرب المعبود الواحد وكان عندهم الثالث فبيوت الشرك مهدومة ونيوب الكفر مهتومة وطوائفه المحامية مجتمعة على تسليم البلاد الحامية وشجعانه المتوافية مذعنة لبذل المطامع الوافية لا يرون في ماء الحديد لهم عصرة ولا فناء الأفنية لهم نصرة وقد ضربت عليهم الذلة والمسكنة وبدل الله مكان السيئة الحسنة ونقل بيت عبادته من أيدي أصحاب المشأمة إلى أيدي أصحاب الميمنة. وقد كان الخادم لقيهم اللقاة الأولى فأمده الله بمداركته وأنجده بملائكته فكرهم كسرة ما بعدها جير وصرعهم صرعة لا ينتعش بعدها بمشيئة الله كفر وأسر منهم من أسرت به السلاسل وقتل منهم من فتكت به المناصل وأجلت المعركة عن صرعى من الخيل والسلاح والكفار وعن أصناف يخيل بأنه قتلهم بالسيوف الأفلاق والرماح والأكسار فنيلوا بثأر من السلاح ونالوه أيضاً بثار فكم أهل سيوف تقارض الضراب حتى صارت كالعراجين ثم أنجم أسنة تبادلت الطعان حتى صارت كالمطاعين وكم فارسية ركض عليها فارسها الشهم إلى أجل فاختلسه وفغرت تلك القوس فاها فإذا فوها قد نهش القرن على بعد مسافة فافترسه وكان اليوم مشهوداً وكانت الملائكة شهوداً وكان الكفر مفقوداً والإسلام مولوداً وجعل الله ضلوع الكفار لنار جهنم وقوداً. وأسر الملك بيده أوثق وثاقه وآكد وصله بالدين وعلائقه وهو صليب الصلبوت وقائد أهل الجبروت وما دهموا قط بأمر إلا قام بين دهمائهم يبسط لهم باعه ويحرضهم وكان مد اليدين في هذه ظل ظلامه خشاشهم ويقاتلون تحت ذلك الصليب أصلب قتال وأصدقه ويرونه ميثاقاً يبنون عليه أشد عقد وأوثقه ويعدونه سوراً تحفر حوافر الخيل خندقه. وفي هذا اليوم أسرت سراتهم وذهبت دهاتهم ولم يفلت منهم معروف إلا القومص وكان لعنه الله ملياً يوم الظفر بالقتال وملياً يوم الخذلان بالاحتيال فنجا وكان كيف وطار خوفاً من أن يلحقه منسر الرمح أو جناح السيف ثم أخذه الله تعالى بعد أيام بيده وأهلكه لموعده فكان لعدتهم فذالك وانتقل من ملك الموت على مالك. وبعد الكسرة مر الخادم على البلاد فطواها بما نشر عليها من الراية العباسية السوداء صبغاً والبيضاء صنعاً الخافقة هي وقلوب أعدائها الغالبة هي وعزائم أوليائها المستضاء بأنوارها إذا فتح عينها البشر وأشارت بأنامل العذبات إلى وجه النصر فافتتح بلد كذا وكذا وهذه كلها أمصار ومدن وقد تسمى البلاد بلاداً وهي مزارع وفدن وكل هذه ذوات معاقيل ومعاقر وبحار وجزائر وجوامع ومنابر وجموع وعساكر يتجاوزها الخادم بعد أن يحرزها ويتركها وراءه بعد أن ينتهزها ويحصد منها كفراً ويزرع إيماناً ويحط من منائر جوامعها صلباناً ويرفع أذاناً ويبدل امذابح منابر والكنائس مساجد ويبوئ بعد أهل الصلبان أهل القآن للذب عن دين الله مقاعد ويقر عينه وعيون أهل الإسلام أن تعلق النصر منه ومن عسكره بجار ومجرور وأن ظفر بكل سور ما كان يخاف زلزاله وزياله إلى يوم النفخ في الصور ولما لم يبق إلا القدس وقد اجتمع إليها كل شريد منهم وطريد واعتصم بمنعتها كل قريب منهم وبعيد وظنوا أنها من الله مانعتهم وأن كنيستها إلى الله شافعتهم فلما نازلها الخادم رأى بلداً كبلاد وجمعاً كيوم التناد وعزائم قد تألبت وتألفت على الموت فنزلت بعرصته وهان عليها مورد السيف وأن تموت بغصته فزوال البلد من جانب فإذا أودية عميقة ولجج وعرة غريقة وسور قد انعطف عطف السوار وأبرجة قد نزلت مكان الواسطة من عقد الدار فعدل إلى جهة أخرى كان للمطامع عليها معرج وللخيل فيها متولج فنزل عليها وأحاط بها وقرب منها وضرب خيمته بحيث يناله السلاح بأطرافه ويزاحمه السور بأكنافه وقابلها ثم قاتلها ونزلها ثم نازلها وبرز إليها ثم بارزها وحاجزها ثم ناجزها فضمها ضمة ارتقاب بعدها الفتح وصدعأهلها فإذا هم لا يبصرون على عبودية الخد عن عتق الصفح فراسلوه ببذل قطيعة إلى مدة وقصدوا نظرة من شدة وانتظاراً لنجدة فعرفهم الخادم في لحن القول وأجابهم بلسان الطول وقدم المنجنيقات التي تتولى عقوبات الحصون عصيها وحبالها وأوتر لهم قسيها التي تضرب فلا تفارقها سهامها ولا يفارق سهامها نصالها فصافحت السور بأكنافه فإذا سهمها في ثنايا شرفاتها سواك وقدم النصر نسراً من المنجنيق يخلد إخلاده إلى الأرض ويعلو علوه إلى السماك فشج مرادع أبراجها وأسمع صوت عجيجها صم أعلاجها ورفع مثار عجاجها فأخلى السور من السيارة والحرب من النظارة فأمكن النقاب أن يسفر للحرب النقاب أن يعيد الحجر إلى سيرته الأولى من التراب فتقدم إلى الصخر فمضغ سرده بأنياب معوله وحل عقده بضربه الأخرق الدال على لطافة أنمله وأسمع الصخرة الشريفة حنينه واستغاثته إلى أن كادت ترق لمقبله وتبرأ بعض الحجارة من بعض وأخذ الخراب عليها موثقاً فلن تبرح الأرض وفتح في السور باباً سد من نجاتهم أبواباً وأخذ ينقب في حجره فقال عنده الكافر: وفي الحال خرج طاغية كفرهم وزمام أمرهم ابن بارزان سائلاً أن يؤخذ البلد بالسلام لا بالعنوة وبالأمان لا بالسطوة وألقى بيده إلى التهلكة وعلاه ذل الملكة بعد عز المملكة وطرح جبينه في التراب وكان جبيناً لا يتعاطاه طارح وبذل مبلغاً من القطيعة لا يطمح إليه طرق آمل طامح وقال: هاهنا أسارى مؤمنون يتجاوزون الألوف وقد تعاقد الفرنج على أنهم إن هجمت عليهم الدار وحملت الحرب على ظهورهم الأوزار بدئ بهم فعجلوا وثني بنساء الفرنج وأطفالهم فقتلوا ثم استقلوا بعد ذلك فلم يقتل خصم إلا بعد أن ينتصف ولم يسل سيف من يد إلا بعد أن تنقطع أو ينقصف وأشار الأمراء بالأخذ بالميسور فإنه إن أخذ حرباً فلا بد أن تقتحم الرجال الأنجاد وتبذل أنفسها في آخر أمر قد نيل من أوله المراد. وكانت الجراح في العساكر قد تقدم منها ما اعتقل الفتكات واعتاق الحركات فقبل منهم المبذول عن يد وهم صاغرون وانصف أهل الحرب عن قدرة وهم ظاهرون وملك الإسلام خطة كان عهده بها دمنة سكان فخدمها الكفر إلى أن صارت روضة جنان لا جرم أن الله أخرجهم منها وأهبطهم وأرضى أهل الحق وأسخطهم فإنهم خذلهم الله حموها بالأسل والصفاح وبنوها بالعمد والصفاح وأودعوا الكنائس بها وبيوت الديوية والاستبارية منها كل غريبة من الرخام الذي يطرد ماؤه ولا يطرد لألاؤه وقد لطف الحديد في تجزيعه وتفنن في توشيعه إلى أن صار الحديد الذي فيه بأس شديد كالذهب الذي فيه نعيم عتيد فما ترى إلا مقاعد كالرياض لها من بياض الترخيم رقراق وعمداً كالأشجار لها من التنبيت أوراق. وأعز الخادم برد الأقصى إلى عهده المعهود وأقام له من الأئمة من يوفيه ورده المورود وأقيمت الخطبة يوم الجمعة رابع شهر شعبان فكادت السموات يتفطرن للسجوم لا للوجوم والكواكب منها ينثرن للطرب لا للرجوم ورفعت إلى الله كلمة التوحيد وكانت طرائقها مسدودة وظهرت قبور الأنبياء وكانت بالنجاسات مكدودة وأقيمت الخمس وكان التثليث يقعدها وجهرت الألسنة بالله أكبر وكان سحر الكفر يعقدها وجهر باسم أمير المؤمنين في وطنه الأشرف من المنبر فرحب به ترحيب من بر بمن بر وخفق علماه في حفافيه فلو طار سروراً لطار بجناحيه. وكتاب الخادم وهو مجد في استفتاح بقية الثغور واستشراح ما ضاق بتمادي الحرب في الصدور فإن قوى العساكر قد استنفذت مواردها وأيام الشقاء قد دمرت مواردها والبلاد المأخوذة المشار إليها قد جاست العساكر خلالها ونهبت ذخائرها وأكلت غلالها في بلاد ترفد ولا تسترفد وتجم ولا تستنفذ وينفق عليها ولا ينفق منها وتجهز الأساطيل لبحرها وتقام المرابط لبرها ويدأب في عمارة أسوارها ومرمات معاقلها وكل شقة فهي بالإضافة إلى نعمة الله الفتح محتملة وأطماع الفرنج فيما بعد ذلك مذاهبها غير مرجئة ولا معتزلة فلن يدعو دعوة يرجو الخادم من الله أنها لا تسمع ولن تزول أيديهم من أطواق البلاد حتى تقطع. وهذه البشائر لها تفاصيل لا تكاد من غير الألسنة تتشخص ولا بما سوى المشافهة تتلخص. فلذلك نفذنا لساناً شارحاً ومبشراً صادحاً ينشر الخبر على سياقته ويعرض جيش المسرة من طليعته إلى ساقته. قلت: وقد وقفت على نسخة كتاب كتب به عن المكتفي بالله عندما بعث محمد بن سليمان الكاتب إلى الديار المصرية فانتزعها من يد بني طولون واستولى عليها الخليفة في نحو كراسة تاريخها سنة اثنتين وتسعين ومائتين أولها: أما بعد فالحمد لله العلي الكبير العزيز القدير وأضربت عن ذكرها لطولها. الصنف الثامن المكاتبة بالاعتذار عن السلطان في الهزيمة قال في مواد البيان: من أخلاق العامة تقبيح سيرة السلطان إذا زل في بعض آرائه والإزراء على تدبيره في جيش يجهزه فيكسر ونحو ذلك مما لا يسلم من مثله والإضافة فيه والتشنيع به فيحتاج إلى مكاتبتهم بما يتلاقى الوهن ويقيم العذر كما يكاتبهم بتفخيم المنح وتعظيم الفتوحات والتحدث بمواقع المواهب وشكر الله تعالى على إسباغ النعم والإظفار بأعداء الدين والدولة ليقوي بذلك منتهم ويرهف بصائرهم ويستخلص طاعتهم ويملأ صدورهم رهبة. قال: وليست لهذه الكتب رسوم ينتظم كل ما وقع فيها لاختلاف ما يلام فيه ويعتذر. ثم قال: ونحن نرسم في أصوله قولاً وجيزاً وهو أن يقتضب الكاتب له المعاذير التي تحسن أحدوثته وتستر زلته والحجج التي تعيد اللائم عاذراً والذام شاكراً وتوجب التقريظ من حيث يجب التأنيب والإحماد من حيث يستحق التذنيب. مثل أن يعتذر عن هزيمة جيش فيقول: وقد علمتم أم الحرب سجال والدنيا دول تدال وقد تهب ريح النصر للقاسطين على المقسطين امتحاناً من الله وبلوى ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى من غير أن يصرح بباطل ولا يطلق كذباً محضاً ولا يختلق زوراً يعلم الناس خلافه فتتضاعف الهجنة وتتكاثف المحنة فإنه لا شيء أقبح على السلطان وأقدح من جلالة الشان من أن يعثر في كتبه على إفك قد يعلمه بعض من يقف عليه بل ينبغي أن يعتمد في ذلك حسن التخلص والتورية عن الغرض واستعمال الألفاظ التي تدل على أطراف الحال ولا تفصح بحقائقها. وهذه نسخة لله الذي ساس الأمور بحكمته وأبان فيها مواقع قدرته وسلك فيها طريق مشيئته وصرفها على ما رآه عدلاً بين العباد في أقسام نعمته ومحنته وأحوال بلواه وعافيته وجعل الأيام فيهم نوباً والأحوال بينهم عقباً فخص أولياءه وأهل طاعته بالنصر في المحاكمة والصلح عند المخاصمة والظهور على من شاقهم وعاداهم والقهر لمن ضادهم وناواهم وإنجازاً لما وعد به الصابرين المحتسبين وإعزازاً للدين وأنصاره من المؤمنين ولم يخبل أعداءه من دولة أدالها لهم وجولة على الحق زادها في طغيانهم ووصل الإملاء لهم فيها بخذلانهم ليجب الثواب للمحسنين ويحق العذاب على الكافرين. فقال في محكم كتابه - وقد ظهر المشركون على المسلمين - وقال: وإذا كان الحال بين الفريقين المتلاقيين والفئتين المتجاورتين والحزبين المتحاكمين في تعاور الغلبة وتعاقب الدولة جارياً على تقدير الله ومتصرفاً على حكمه ومستوسقاً على ما سبق في علمه فليس يغني في ذلك زيادة عدد ولا اتصال مدد ولا قوة أيد ولا لطف كيد ولا اختيار وقت محمود للقتال ولا الانتخاب لأهل البسالة والنجدة من الرجال ولا يجب أن يستريث النصر من أبطأ عنه ويستشعر الجزع من نال خصمه منه بعد تحصيله السلامة في نفسه وقيام العذر له بعنايته وجده وقد جمع الله للأمير من المناقب التي ورثها عن آبائه وحازها في صدره والحيازة فيما بان من فضل بأسه وثبات جأشه وأصالة رأيه وصحة تدبيره وإيفائه الحرب شروطها والهيجاء حقوقها من الحزم والتؤدة والإقدام عند الفرصة والإصابة في التقدير والتعبير والاحتياط في سد موقع الخلل والعورة وإعمال النظر والروية لولا اعتراض القضاء الذي هو مالك نواصي العباد وغير مدفوع بمحال ولا جلاد ولا قوة ولا عدة ولا عتاد ما أوفى حسنه على مزية الظفر وزاد عظمه في السناء والخطر إلى ما شمل عسكره في منقلبه بمراعاته لهم ومدافعته من ورائهم حتى توافى الجمع موفورين وآبوا سالمين غانمين وبالله الحول والقوة وعليه ضمان الإدالة على ما جرى به وعده الصادق وأخبر عنه كتابه الناطق وهو حسب أمير المؤمنين وكافيه وناصره وواليه ونعم الوكيل والظهير والمولى والنصير وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين وإمام المتقين وآله الطيبين أجمعين وسلم تسليما. وفي مثله من إنشاء أحمد بن سعيد: أحكام الله جل جلاله جارية على سبل جامعة لوجوده الحكمة منتظمة لأسباب الصلاح والمعدلة. فمنها ما عرف الله أولياءه والمندوبين بطاعته والمجموعين بهدايته طريق المراد منه وسبب الداعي إليه والعلة فيما قضي من ذلك لحينه والصورة المقتضية له. ومنها ما استأثر بعلمه وطوى عن الخلق معرفة حاله فهو وإن أشكل عليهم موضع الحاجة إليه وموقع العائدة به ورؤي بهم اضطراباً في ظاهرة عند تأملهم إياه بمقادير عقولهم ومبالغ أفهامهم فبني على أوثق أساس الحكمة وأثبت أركان الصواب على الجملة وكيف لا يكون كذلك والله خالق الأشياء كلها وعالم بها قبل كونها في أحوال تكوينه إياها وبعده في منزع غاياتها ومقضي عواقبها فليس تخفى عليه خافية ولا تعزب عنه دانية ولا قاضية ولا يسقط عن معرفته فصل ما بين الخاطرين والوهمين في الخير والشر وما بين الجبلين والدربين في الوفور والغمور فكيف بما يبرزه الظهور ويخبر فيه عن موضع التدبير المحتاج فيه إلى إحكام الصنعة وإتقان التقدير ومن ظن أن شيئاً من ذلك يخرج عن نهج الصواب ويخالف طريق الصلاح فقد ضل من حيث ضلل وغلط من حيث غلط واتصل سوء ظنه وفساد فكره بالزراية على فعل ربه تعالى عن قول المبطلين ورجم الشياطين. ثم إن لله جل جلاله عادة في الجيشين المتحاربين والحزبين المتحاكمين من عباده المؤمنين وأضدادهم المفسدين الملحدين في المداولة بينهما والمعاقبة بين الفئتين منهما في العجز والظهور والوفاء والقصور والمعافاة والامتحان والنصر والخذلان والإعلاء لراية الحق في حال والإملاء للباطل في أخرى بتضمين الخيرة لأوليائه والدائرة على أعدائه عاجلاً بالتمحيص لهؤلاء وبالمحق لأولئك بما يصل إليهم من مصيبته وينوبهم في حاضر الدنيا من رغبته ويحل العادين من المشركين دار الفاسقين ويجعل العاقبة للمتقين ومن سعد بقسم من التوفيق وحظ من فائدة الإرشاد فليس في هذه الحالة بزيادة أنصار وعدة وفضل عتاد وعدة وبسالة ونجدة وأيد وقوة وسعة وبسطة ولا يعدو أن يسلم لله تعالى قاضياً له وعليه ويوفى بإحدى الحسنيين من علوه أو غلبه عدوه أو يتوكل عليه وهو حسبه منعماً وممتحناً ومعافياً ومسلماً ونعم الوكيل. قلت: وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية مستعمل بين الكتاب دائر في مصطلحاتهم إلى الآن. وللشيخ شهاب الدين محمود الحلبي في ذلك تفننات كثيرة أورد بعضها في كتابة حسن التوسل. فمن ذلك. ما شاء أنشأه فيمن هزم هو وجيشه يتضمن إقامة عذره ووصف اجتهاده ويحث على معاودة عدوه والطلب بثاره وهو: هذه المكاتبة إلى فلان: لازال مأمون الغرة مأمول الكرة مجتنياً حلو الظفر من أكمام تلك المرة المرة راجياً من عواقب الصبر أن يسفر له مساء تلك المساءة عن صبح المسرة واثقاً من عوائد نصر الله بإعادته ومن معه في القوة والاستظهار كما بدأهم أول مرة. أصدرناها وقد أتصل بنا نبأ ذلك المقام الذي أوضحت فيه السيوف عذرها وأبدت به الكماة صبرها وأظهرت فيه الحماة من الوثبات والثبات ما يجب عليها وبذلت فيه الأبطال من الجلاد جهدها ولكن لم يكن الظفر إليها وكان عليهم الإقدام على غمرات المنون والاصطلاء بجمرات الحرب الزبون ولم يكن عليهم إتمام ما قدر أنه لا يكون فكابرت رقاب الأعداء في ذلك الموقف السيوف وكاثرت أعدادهم الحتوف وتدفقت بحارهم على جداول من معه ولولا حكم القدر لانتصفت تلك الآحاد من تلك الألوف فضاق بازدحام الصفوف على رجاله المجال وزاد العدد على الجلد فلم يفد له الإقدام على الأوجال مع قدوم الآجال وأملي للكافرين بما قدر لهم من الإنظار وحصل لهم من الاستظهار وعوضوا بما لم يعرفوه من الإقدام عما ألفوه من الفرار. " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض " وقد ورد أنهم ينصرون كما ننصر وإذا كانت الحروب سجالاً فلا ينسب إلى من كانت عليه وبالا إذا اجتهد ولم يساعده القدر أنه قصر مع أنه قد أشتهر بما فعله في مجاله من الذب عن رجاله وما أبداه في قتاله من الضرب الذي ما تروى فيه خصمه إلا بدره بارتجاله وأن الرماح التي امتدت إليه أخرس سيفه ألسنة أسنتها والجياد التي أقدمت عليه جعل طعنة أكفالها مكان أعنتها فأثبت في مستنقع الموت رجله ووقف وما في الموت شك لواقف ليحمي خيله ورجله حتى تحيز أصحابه إلى مأمنهم وأقام نفسه دونهم دريئة لمن بدر من سرعان القوم أو ظهر من مكمنهم وهذا هو الموقف الذي قام له مقام النصر إذ فاته النصراء وفاته النصر والمقام الذي أصيب فيه من أصحابه آحاد يدركهم أدنى العدد وفقد فيه من أعدائه مع ظهورهم ألوف لا يدركهم الحصر وكذا فليكن قلب الجيش كالقلب يقوى بقوته الجسد وإذا حق اللقاء فلا يفر عن كناسه إلا الظبي ولا يحمي عرينه إلا الأسد وما بقى إلا أن تعفو الكلوم وتثوب الحلوم وتندمل الجراح وتبرأ من فلول المضارب صدور الصفاح وتنهض لاقتضاء دين الدين من غرمائه المعتدين وتبادر إلى استنجاز وعد الله بأن الله يمحص المؤمنين ويمحق الكافرين والليث إذا جرح كان أشد لثباته وأمد لوثباته والموتور لا يصطلى بناره والثائر لا يرهب الإقدام على المنون في طلب ثاره والدهر ذو دول والزمان متلون إن دجت عليكم منه بالقهر ليلة واحدة فقد أشرقت لكم منه بالنصر ليال أول فالمولى لا يلفت إلى ما فات ويقبل بفكره على تدبير ما هو آت ويعد للحرب عدته ويعجل أمد الاستظهار ومدته ولا يؤخر فرصة الإمكان ولا يعيد ذكر ما مضى فإنه دخل في خبر كان ولا يظهر بما العاجز من ظن أنه يصيب ولا يصاب ولا يتخذ غير ظهر حصانه حصاناً فلا حرز أمنع من صهوة الجواد ولا سلم أسلم من الركاب وليعلم أن العاقبة للمتقين ويدرع جنة الصبر ليكون من النصر على ثقة ومن الظفر على يقين فإن الله مع الصابرين ومن كان الله معه كانت يده الطولى وإذا لقي عدو الله وعدوة فليصبر لحملته فإن الصبر عند الصدمة الأولى والله تعالى يكلؤه بعينه ويمده بعونه ويجعل الظفر بعدوه موقوفاً على مطالبته له بدينه. ومن ذلك ما كتبه على لسان المهزوم يتضمن الاعتذار ويصف الاحتفال بأخذ الثار: هذه المكاتبة إلى فلان: أتبع الله ما ساءه من أمرنا مع العدو بما يسره وبلغه عنا من الانتصاف والانتصار ما يظهر من صدور الصفاح وألسنة الرماح سره وأراه من عواقب صنعه الجميل بنا ما يتحقق به أن كسوف الشمس لا ينال طلعتها وأن سرار القمر لا يضره. توضح لعلمه أنه ربما اتصل به خبر تلك الواقعة التي صدقنا فيها اللقاء وصدمنا العدو صدمة من لا يحب البقاء وأريناه حرباً لو أعانها التأييد فللت جموعه وأذقناه ضرباً لو أن حكم النصر فيه إلى النصل أوجده مصارعه وأعدمه رجوعه. وحين شرعت رياح النصر تهب وسحاب الدماء من مقاتلهم تصوب وتصب وكرعت الصفاح في موارد نحورهم وكشف الرماح خبايا صدورهم وما بقي إلا أن تستكمل سيوفنا الري من دمائهم وتقف صفوفنا على ربوات أشلائهم وتقبض بالكف من صفحت الصفاح عن دمه وتكف بالقبض يد من ألبسته الجراح حلة عندمه أظهروا الخرع في عزائمهم وحكموا الطمع في غنائمهم فحصل لجندنا عجب أعجل سيوفنا أن تتم هدم بنائهم. وطمع منع جيوشنا أن تكف عن النهب إلى تصير من ورائهم فاغتنم العدو تلك الغفلة التي ساقها المهلكان العجب والطمع وانتهز فرصة الإمكان التي أعانه عليها المطمعان إبداء الهلع وتخلية ما جمع فانتثر من جمعنا بعض ذلك العقد المنظم وانتقض من حزبنا ركن ذلك الصف الذي أخذ فيه الزحام بالكظم وثبت الخادم في طائفة من ذوي القوة في يقينهم وأرباب البصائر في دينهم فكسرنا جفون السيوف وحطمنا صدور الرماح في صدور الصفوف وأرينا تلك الألوف كيف تعد الآحاد بالألوف وحلنا بين العدو وبين أصحابنا بضرب يكف أطماعهم ويرد سراعهم ويعمي ويصم عن الآثار والأخبار أبصارهم وأسماعهم إلى أن نفسنا للمنهزم عن خناقه وآيسنا طالبه عن لحاقه ورددناه عنه خائباً بعد أن كادت يده تعتلق بأطواقه وأحجم العدو مع ما يرى من قلتنا عن الإقدام علينا ورأى منا جداً كاد لولا كثرة جمعه يستسلم به إلينا وعادوا ولنا في قلوبهم رعب يثنيهم وهم الغالبون ويدركهم وهم الطالبون ويسلبهم رداء الأمن وهم السالبون وقد لم الخادم شعث رجاله وضم فرقهم بذخائر ماله وأمدهم بنفقات أصلحت أحوالهم وأطلقت في طلب عدو الله أقوالهم وسلاح جدد استطاعتهم وأعان شجاعتهم وخيول تكاد تسابقهم إلى طلب عدوهم وتحضهم على أخذ حظهم من اللقاء كأنها تساهمهم في أجر رواحهم وغدوهم وقد نضوا رداء الإعجاب عن أكتافهم واعتصموا بعون الله وتأييده لا بقوة جلدهم ولا بحد أسيافهم وسيعجلون العدو إن شاء الله تعالى عن اندمال جراحه ويتعجلون إليه بجيوش تسوء طلائعها في مسائه وتصبحه كتائبها في صباحه والله تعالى لا يكلنا إلى جلدنا ولا ينزع أعنة نصره من يدنا. الصنف التاسع المكاتبة بتوبيخ المهزوم وتقريعه والتهكم به وهذا النوع من المكاتبات قليل الوقوع ولذلك لم يتعرض إليه في مواد البيان. والذي ينبغي أن تبنى المكاتبة فيه عليه ذكر هزيمة المهزوم وما استولى عليه من الغلبة والقهر وصورة الحال في النصرة عليه والاستيلاء على بلاده وأمواله وسائر ذات يده وأسر رجاله واسترقاق ذراريهم ونسائهم وما يجري مجرى ذلك مما في إيلام خاطره وتقطيع قلبه حسرات على ما ناله ونحو ذلك مما يدعو المكتوب إليه إلى الطاعة ويوجب الانقياد. وهذه نسخة كتاب من هذه النمط كتب به القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر رحمه الله إلى البولس سمند ملك الفرنج المستولي على طرابلس من الشام وأنطاكية من بلاد العواصم حين غزاه الملك في طرابلس ثم قصد أنطاكية فأخذها في عانيه وهي: قد علم المقوص الجليل المنتقلة مخاطبته - بأخذ أنطاكية منه - من البولسية إلى القومصية ألهمه الله رشده وقرن بالخير قصده وجعل النصيحة محفوظة عنده ما كان من قصدنا طرابلس وغزونا له في عقر الدار وما شاهده بعد رحيلنا من إخراب العمائر وهدم الأعمار وكيف كنست تلك الكنائس من على بساط الأرض ودارت الدوائر على كل دائر وكيف جعلت تلك الجوائز من الأجساد على ساحل البحر كالجزائر وكيف قطرت الرجال واستخدمت الأولاد وتملكت الحائر وكيف قطعت الأشجار ولم يترك إلا ما يصلح لأعواد المجانيق - إن شاء الله تعالى - والستائر وكيف نهبت لك ولرعيتك الأموال والحريم والأولاد والحواشي وكيف استغنى الفقير وتأهل العازب واستخدم الحريم وركب الماشي هذا وأنت تنظر نظر المغشي عليه من الموت وإذا سمعت صوتاً قلت فزعاً: علي هذا الصوت وكيف رحلنا عنك رحيل من لا يعود وأخرناك إلى ما كان تأخيرك إلا لأجل معدود وكيف فارقنا بلادك وما بقيت فيها ماشية إلا وهي لدينا ماشية ولا جارية إلا وهي في ملكنا جارية ولا سارية إلا وهي في أيدي المعاون سارية ولا زرع إلا وهو محصود ولا موجود إلا وهو أنك مفقود وما منعت تلك المغاير التي هي في رؤوس الجبال الشاهقة ولا تلك الأودية التي في الختوم مخترقة وللعقول خارقة وكيف سقنا عنك ولم يسبقنا إلى مدينتك أنطاكية خبر وكيف وصلنا إليها وأنت لا تصدق أننا نبعد عنك وإن بعدنا فسنعود على الأثر وها نحن نعلمك بما تم ونفهمك بالبلاء الذي عم. كان رحيلنا عنك من طرابلس يوم الأربعاء ونزولنا أنطاكية في شهر رمضان وفي حال النزول خرجت عساكرك للمبارزة وتناصروا فما نصروا وأسر من بينهم كيد اسطيل فسأل في مراجعة أصحابك فدخل إلى المدينة وخرج وهو وجماعتك من رهبانك وإن رأيهم في الخير مختلف وقولهم في الشر واحد فلما رأيناهم قد فات فيهم الفوت وأنهم قد قدر الله عليهم الموت رددناهم وقلنا: نحن الساعة لكم نحاصر وهذا الأول في الإنذار والآخر فرجعوا به متشبهين بفعلك ومعتقدين أنك تدركهم بخيلك ورجلك ففي بعض ساعة مرشان المرشان وداخل الرهب والرهبان ولان للبلاء القسطلان وجاءهم الموت من كل مكان وفتحنا بالسيف في الساعة الرابعة من يوم السبت رابع شهر رمضان وقتلنا كل من اخترته لحفظها والمحاماة عنها وما كان أحد منهم إلا وعنده شيء من الدنيا فما بقي أحد منا إلا وعنده شيء منهم ومنها فلو رأيت خيالتك وهي صرعى تحت أرجل الخيول وديارك والنهاية فيها تصول والكسابة فيها تجول وأموالك وهي توزن بالقنطار وإماؤك كل أربع منها تباع فتشترى من مالك بدينار ولو رأيت كنائسك وصلبانها قد كسرت ونثرت وصحائفها من الأناجيل المزورة قد نشرت وقبور البطارقة وقد تغيرت ولو رأيت عدوك المسلم وقد داس مكان القداس والمذابح وقد ذبح فيها الراهب والقسيس والشماس والبطارقة وقد دهموا بطارقة وأبناء المملكة وقد دخلوا في المملكة ولو شاهدت النيران وهي في قصورك تخترق والقتلى بنار الدنيا قبل نار الآخرة تحترق وقصورك وأحوالها قد حالت وكنيسة بونصر وكنيسة القسيان وقد زلت كل منها وزالت لكنت قلت: يا ليتني كنت تراباً ويا ليتني لم أوت بهذا الخبر كتاباً ولكانت نفسك تذهب من حسرتك ولكنت تطفئ تلك النيران بماء عبرتك ولو رأيت مغانيك وقد أقفرت ومراكبك وقد أخذت في السويدية بمراكبك لصارت شوانيك من شوانيك ولتيقنت أن الإله الذي أنطاك النطاكية منك استرجعها والرب الذي أعطاك قلعتها منك قلعها ومن الأرض اقتلعها ولتعلم أنا قد أخذنا - بحمد الله - منك ما كنت أخذته من حصون الإسلام وهو دركوش وشقيف تل منس وشقيف كفردبين وجميع ما كان لك في بلاد أنطاكية في هذه المدة إقامة وكونك ما كنت بها فيكون إما قتيلاً وإما أسيراً وإما جريحاً وإما كسيراً وسرلامة النفس هي التي يفرح بها الحي إذا شاهد الأموات ولعل الله إنما أخرك لأن تستدرك من الطاعة والخدمة ما فات ولما لم يسلم أحد يخبرك بما جرى خبرناك ولما لم يقدر أحد أن يباشرك بالبشرى بسلامة نفسك وهلاك ما سواك باشرناك بهذه المفاوضة وبشرناك لتتحقق الأمر على ما جرى وبعد هذه المكاتبة لا ينبغي لك أن تكذب لنا خبراً كما أن بعيد هذه المخاطبة يجب أن لا تسأل عما جرى. وهذه نسخة في هذا المعنى من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي وهي: هذه المكاتبة إلى فلان أقاله الله عثرة زلته وأقامه من حفرة ذلته وتجاوز له عن كبير فراره من جمع عدوه على قلته. بلغنا أمر الواقعة التي لقي فيها العدو بجمع قليل غناؤه ضعيف بناؤه كثيف في رأي العين جمعه خفيف في المعنى وقعه ونفعه أسرع في مفارقة المجال من الظل في الانتقال وأشبه في مماثلة الوجود بالعدم من طيف الخيال يمشون إليه بقلب واحد ويهتدون من تخرصه برأي بينه وبين الصواب ألف حاجب ويأتمون منه بمقدم يرى الواحد من عدوه كألف ويتسرعون منه وراء مقدام يمشي إلى الزحف ولكن إلى خلف جناح جيشه مهيض وطرف سنانه غضيض وساقة عسكره طالعة وطلائعه كالنجوم ولكن في حال كونها راجعة تأسف السيوف بيمينه على ضارب وتأسى الجنائب حوله إذ تعد لمحارب فتعد لهارب وأنه حين وقعت العين على العين وأيقن عدوه لما رأى من عدده وعدده معاجلة الحين أعجل نصول العدا عن وصولها وترك غنيمة الظفر لعداه بعد أن أشرف على حصولها تناديه ألسنة أسنته: الكرة الكرة فلا يلوي إلى ندائها وتشكو إليه سيوف الظمأ وقد رأت مورد الوريد فيردها إلى الغمود بدائها فمنح عدوه مقاتل رجاله وأباحهم كرائم مال جنده وماله وخلى لهم خزائن سلاحه التي أعدها لقتالهم فأصبحت معدة لقتاله فنجا منجى الحارث ابن هشام وآب بسلامة أعذب منها - لو عقل - شرب كأس الحمام واتسم بين أوليائه وأعدائه بسمة الفرار وكان يقول: النار لا العار فجمع له فراره من الزحف بين النار والعار وعاد بجمع موفور من الجراح موقر من الإثم والاجتراح لا علم بما جرى عند أسيافهم ولا شاهد بمشاهدتهم الوغى غير مواقع الظبا في أكتافهم فبأي جنان يطمع في معاودة عدوه من هذا قلبه وهؤلاء حزبه وذلك القتال قتاله وتلك الحرب حربه. وبعد فإن كانت له حمية فستظهر آثارها أو أريحية نارها أو أنفة فستحمله على غسل هذه الدنية وتبعثه على طلب غايتين: إما الشهادة مريحة أو حياة هنيئة والله تعالى يوقظ عزمه من سنته ويعجل له الانصاف من عدوه قبل إكمال سنته. الصنف العاشر في المكاتبات بالتضييق على أهل الجرائم قال في مواد البيان: لم يزل السلطان يكتب إلى الولاة عندما كان ينتهي إليه من إقدام الرعايا على ارتكاب الجرائم واستباحة المحارم واقتراف المآثم كالزنا واللواط وشرب الخمر وقطع الطرق والغصب والتظالم وما يجري هذا المجرى بالتضييق عليهم وإقامة حدود الله تعالى فيهم. قال: والرسم فيها أن تفتتح بحمد الله البادئ بنعمته قبل افتراض طاعته الممتن بفضله قبل إيجاب شكره خالق الخلائق جوداً وكرماً وموسعهم مناً ونعماً الذي اختار دين الإسلام وطهره من الأرجاس ونزهه عن الأدناس واختص به صفوته من الناس وابتعث به محمداً سيد المرسلين: ويحده أمير المؤمنين أن فوض إليه إيالة خلفه وأقدره على القيام بخدمته ونصبه لإعزاز دينه والمحافظة على مفروضه ومسنونه وذيادة العباد عن محارمه التي نهى عن التعدي إليها وإقامة الحدود عليهم فيها ويسأله الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم. ثم يقال: إن أمير المؤمنين يرى أن من أعظم نعم الله تعالى عليه توفيق لحفظ ما استحفظه من شريعته ورعاية ما استرعاه من بريته وتوفير القيام على من قلده النظر فيهم واعتماد ما يعود بالصلاح في الدين والدنيا عليهم ومساواته بين قريبهم وبعيدهم في تفقده ومماثلته بين قاصيهم ودانيهم في تعهده فلا ينال القريب فقط نصيباً من رعايته ويعلم جاهلهم ويهدي حائرهم ويشحذ بصائرهم ويثقف مائدهم ويصلح فاسدهم ويتخولهم من مواعظه بما يبرد الغلل ويشفي العلل وينسخ الشك باليقين ويقبس مقابس النور المبين فمن أصغى إلى إرشاده سعد جده وورى زنده وأحمد يومه وغده ومن خالف عن أمره ضل مسعاه وخسر آخرته ودنياه ودعا إلى اتباع أمر الله تعالى في تقويمه وإصلاحه والكف بإقامة الحدود عليه من جماحه. وانتهى إلى أمير المؤمنين ما أقدم عليه الأحداث وأهل الدعارة قبلكم من احتقاب الآثام واستدماث مراكب الحرام واستهتار بمحظور اللذات والإكباب على دنيء الشهوات التي تسلخ من الدين وتخرج عن دائرة المسلمين وتدفع عن تأدية العبادات وإقامة الصلوات وتنظيم في سلك البهائم المرسلة والسوائم المهملة وتقصير مشايخهم وعلمائهم عن كفهم والأخذ على أكفهم وتعريفهم وجوه مراشدهم وتقويم أودهم فامتعض من ذلك وأشفق من نزول القوارع والمثلات وحلول البليات والآيات وارتجاع ما أودعكم الله تعالى من نعمته وانتزاع ما ألبسكم من رحمته وبادر بكتابه موقظاً لغافلكم ومبصراً لذاهلكم وباعثاً لكم على مراضيه الأولى ومعاودة الطريقة المثلى ومبادرة آجالكم بأعمالكم والأخذ لأخراكم من أولاكم ولسقمكم من صحتكم ولنومكم من يقظتكم عالمين بأن الدنيا لعب ولهو وأن الآخرة هي دار القرار وأنكم فيها كسفر شافوا المنزل فاجهدوا عباد الله واحتشدوا وأقلعوا وارجعوا واسمعوا وعوا فأنكم والله قد توضحت خدعها وتصرم متاعها وجل متوقعها والسعيد من وثق بما قدم لنفسه بعد نفاذ أيامه وورود حمامه والشقي من أفرط وفرط وندم حيث لا مندم وأوعز إلى والي الحرب فلان بقراءة ما نص فيه عليكم واختبار سيركم بعد مروره على أسماعكم فمن رغب في التقوى وآثر الآخرة على الدنيا عرف ذلك وتوخاه بتكريمه وتخويله ومن أبى إلا غواية وضلالة وبطالة ومحالاً أقام حد الله تعالى عليه غير مراقب فيه فرحم الله عبداً صان نفسه في هذه الدار عن العار وحماها في الآخرة من عذاب النار وأمير المؤمنين يرجو أن ينفعكم الله بهدايته ويشفي صدوركم بموعظته ويرشدكم إلى ما يفضي بكم إلى الكفاية والحماية. فليعلم فلان بن فلان ذلك من أمير المؤمنين ورسمه وليعمل عليه بجملته إن شاء الله تعالى. الصنف الحادي عشر الكتب في النهي عن التنازع في الدين قال في مواد البيان: من أهم ما صرف إليه السلطان تفقده ووقف عليه تعهده أمر الرعايا في أعماله وتنفيذ الكتب إليهم بالنهي عن التنازع في الدين وحسم أسباب المجادلة والمراء والتحذير من اتباع البدع والأهواء والإخلاد إلى مضل النحل والآراء لأنه متى فسح لهم في هذا الباب صاروا شيعاً متباينين وفرقاً متحاربين وانشقت عصاهم وانقضت حليهم وخرجوا عن أحكام أهل السلامة إلى أحكام أهل الفتنة وعاد ضرر ذلك على الدين والسلطان. ولهذا صرف إليه الساسة الحزمة من الملوك الاهتمام ولم يبخلوا بحسم مادته على تغاير الأيام. ثم قال: والرسم فيها أن تصدر بحمد الله تعالى على نعمه في تأليف كلمة أهل الإسلام وما من به عليهم من الاتفاق والالتئام وشكره على موهبته في نزع الغل من صدورهم والتأليف بين قلوبهم وتصيير إخواناً متصافين وخلاناً متوافين وعونهم بما وفقهم له من إظهار على من شق عصاهم وإقدارهم بما منحهم من الألفة على مراماة من رماهم والصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ثم يشفع هذا بأن أمير المؤمنين بما مكنه الله تعالى من مراضيه ووفقه له من القيام بفرضه والنهوض بحقوق طاعته والعمل بكتابه وسنته ورغبته في الخير العام وشمول الصلاح لكافة الأنام لا يزال يحص رعيته على ما يقضي بسداد دنياهم وحسن المنقلب في أخراهم ويرى أن أنفع ذلك عائدة وأجزله فائدة ما رفع عنهم أسباب التنافر ودعاهم إلى التعاضد والتظافر وحال بينهم وبين الخوض في محدث النحل والآراء والإصغاء إلى مضل البدع والأهواء التي تصد عن سنن الهدى وتلقي في مهاوي الردى وتدعو إلى شق العصا وتقضي بانتثار النظام واختلاف الأنام وانفصام عرى الإسلام وكفهم عن المماراة في الدين والإصغاء إلى سنة المضلين المعطلة للسنن القادحة للفتن الداعية إلى احتقاب الآثام وإراقة الدماء الحرام ونحو ذلك مما يضاهيه. ثم يقول: وانتهى إلى أمير المؤمنين التفاتكم عن معايشكم التي جعلها الله لدنياكم قواماً وعبادتكم التي صيرها لآخرتكم نظاماً وإقبالكم على المماراة والمنازعة والمناظرة والمجادلة إلى شكوك يقيمها من يرغي في الرياسة والتقدم ليفوز بخبيث المطعم الذي يعمي البصائر ويفسد السرائر ويقدح زند الضلال ويشب نار المحال والانتحال فامتعض أمير المؤمنين من ذلك وخاف عليكم أليم عاجله وذميم آجلته وبادركم بكتابه هذا منبهاً لغافلكم ومرشداً لجاهلكم وباعثاً لكم على التشاغل بما أطاب أخباركم وحسن آثاركم من تلاوة كتاب الله الذي آثركم بتلاوته وزيارة بيوت عبادته والتأدب بأدب نبيه وعترته وأوعز إلى النائب في الحرب بتقويم من خرج عن أمره وتثقيف من أصر على غيه وأن يحسم الداء قبل استشرائه ويستدركه دوين استفحاله فأصغوا إلى زواجر أمير المؤمنين ومواعظه واقتدوا بهديه ومراشده لتفوزوا بطاعته وتسعدوا برضاه وتسلموا في الحاضر من مهانة أنتم بغيرها أولى إن سلكتم الطريقة المثلى وفي الغابر مما أعده الله لمن أمره من العقاب في الدار الأخرى فاعلموا هذا واعملوا به إن شاء الله تعالى.
|