الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **
والديار المصرية في كل زمن من صدر الإسلام وهلم جراً إلى زماننا وفيه ستة فصول وفيه ثلاثة أطراف الطرف الأول في ذكر ترتيب كتبه صلى الله عليه وسلم في الرسائل على سبيل الإجمال كان صلى الله عليه وسلم يفتتح اكثر كتبه بلفظ من محمد رسول الله إلى فلان وربما افتتحها بلفظ أما بعد وربما افتتحها بلفظ هذا كتابٌ وربما افتتحها بلفظ سلم أنت. وكان يصرح في الغالب باسم المكتوب إليه في أول المكاتبات وربما اكتفى بشهرته. فإن كان المكتوب إليه ملكاً كتب بعد ذكره اسمه عظيم القوم الفلانيين وربما كتب ملك القوم الفلانيين وربما كتب صاحب مملكة كذا. وكـان يعبـر عـن نفسـه صلـى الله عليه وسلم في أثناء كتبه بلفظ الإفراد. مثل: أنا ولي وجاءني وفد علي وما أشبه ذلك وربما أتى بلفظ الجمع مثل بلغنا وجاءنا ونحو ذلك. وكان يخاطب المكتوب إليه عند الإفراد بكاف الخطاب. مثل: لك وعليك وتاء المخاطب. مثـل: أنـت قلـت كـذا وفعلـت كـذا. وعنـد التثنيـة بلفظهـا مثل: أنتما ولكما وعليكما. وعند الجمع بلفظه. مثل: أنتم ولكم وعليكم وما أشبه ذلك. وكان يأتي في صدور كتبه بالسلام. فيقول في خطاب المسلم سلامٌ عليك وربما قال: السلام علـى مـن آمـن باللـه ورسوله وفي خطاب الكافر: سلامٌ على من اتبع الهدى وربما أسقط السلام من صدر الكتاب. وكان يأتي في صدور الكتب بالتحميد بعد السلام. فيقول: فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وربما تركه وقد يأتي بعد التحميد بالتشهد وقد لا يأتي به. وكان يتخلص من صدر الكتاب إلى المقصود تارةً بأما بعد وتارة بغيرها. وكان يختم كتبه بالسلام تارة فيقول في خطاب المسلم: والسلام عليك ورحمة اللـه وبركاتـه وربمـا اقتصـر علـى السلـام. ويقـول في خطاب الكافر: والسلام على من اتبع الهدى وربما أسقط السلام من آخر كتبه. أما عنونة كتبه صلى الله عليه وسلم فلم أقف فيها على نص صريح والذي يظهر أنه صلى اللـه عليـه وسلـم كان يعنون كتبه بلفظ: من محمد رسول الله إلى فلان على نحو ما في الصدر وتكون كتابته من محمد رسول الله عن يمين الكتاب وإلى فلان عن يساره وعليه يدل ما تقدم مـن كلـام صاحـب مواد البيان في الأصل الثاني عشر من أصول المكاتبات حيث ذكر في الكلام على العنوان أن الأصل أن يبتدأ باسم المكتوب عنه ويثنى باسم المكتوب إليه ثم قال: وعلى هذا كانت كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم. الطرف الثاني في كتبه صلى الله عليه وسلم إلى أهل الإسلام كتب النبي إلى اهل الاسلام وهو على ثلاثة أساليب الأسلوب الأول رسول الله إلى فلان فمـن ذلـك كتابـه صلـى اللـه عليـه وسلـم إلى خالد بن الوليد في جواب كتابه إليه صلى الله عليه وسلم بإسلام بني الحارث وهو على ما ذكره ابن إسحاق في سيرته: من محمدٍ رسول الله إلى خالد بن الوليد: " سلامٌ عليك فإني أحمد إليك اللـه الـذي لا إلـه إلا هـو. أمـا بعـد فـإن كتابـك جاءنـي مـع رسولك يخبرني أن بني الحارث قد أسلموا قبل أن تقاتلهم وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه مـن الإسلام وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن قد هداهم الله بهداه فبشرهم وأنذرهم وأقبل وليقبل معك وفدهم والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. ومن ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين من جهة الفرس في جواب كتابه إليه صلى الله عليه وسلم. ونسخته على ما ذكره السهيلي في الروض الأنف: من محمدٍ رسول الله إلى المنذر بن ساوى. " سلامٌ عليك فإني أحمد إليك اللـه الـذي لا إلـه إلا هـو وأشهـد أن لا إلـه إلا اللـه وأن محمـداً عبده ورسوله. أما بعد فإني أذكرك الله عز وجل فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه وإنه من يطـع رسلـي ويتبـع أمرهـم فقـد أطاعني ومن نصح لهم فقد نصح لي وإن رسلي قد أثنوا عليك خيراً وإني قد شفعتك في قومك فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل لهم وإنك مهما تصلح فلن نعزلك ومن أقام على مجوسيته فعليه الجزية ". ومن ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم إلى فروة بن عمرو الجذامي ونسخته على ما ذكره ابن الجوزي في كتاب الوفاء: " من محمد رسول الله إلى فروة بن عمرو. أما بعد فقد قدم علينا رسولك وبلغ ما أرسلت به وخبر عما قبلكم خيراً وأتانا بإسلامك وأن الله هداك بهداه. ومـن ذلـك كتابـه صلـى الله عليه وسلم إلى طهفة النهدي وقومه. ونسخته فيما حكاه ابن الأثير في المثل السائر: " من محمدٍ رسول الله إلى بني نهدٍ. السلام على من آمن بالله ورسوله. لكـم يـا بنـي نهـدٍ فـي الوظيفـة الفريضـة ولكـم الفـارض والفريـش وذو العنـان الركـوب والفلـو الضبيـس لا يمنـع سرحكـم ولا يعضـد طلحكـم ولا يحس دركم ما لم تضمروا الإماق وتأكلوا الرباق. من أقر بما في هذا الكتاب فله من رسول الله وهذا الكتاب مما يحتاج إلى شرح غريبه ليفهم. فالوظيفة النصاب في الزكاة وأصله الشيء الراتب. والفريضة الهرمة المسنة والمراد أنها لا تؤخذ منهم في الزكاة بل تكون لهم. والفريش بالفاء والشين المعجمة ما انبسط من النبات وفرش على وجه الأرض ولم يقم على ساقٍ وقد يطلق على الفرس إذا حمل عليها بعد النتاج أيضاً. وذو العنان الركوب الفرس الذلول والفلو المهر الصغير وقيل الفطيم من جميع أولاد الحافر. والضبيس بالضاد المعجمة والباء الموحدة والسين المهملة العسير الصعب الذي لم يرض. والسرح السارحة وهي المواشي والمعنى أنها لا تمنع من المرعى. والعضد القطع. والطلح شجرٌ عظام من شجر العضاه. والدر اللبـن والمـراد ذوات الـدر من المواشي أراد أنها لا تحشر إلى المصدق وتمنع المرعى إلى أن تجتمع الماشية ثم تعد لما في ذلك من الإضرار. والإماق مخفف من أمأق الرجل إذا صار ذا مأقة وهي الحمية والأنفة وقيل مأخوذ من الموق وهو الحمق والمراد إضمار النكث والغدر إو إضمار الكفر. والرباق بالـراء المهملـة والبـاء الموحـدة والقـاف جمـع ربقـة وهـي فـي الأصـل اسـمٌ لعـروة تجعـل في الحبل وتكون في عنق البهيمة أو يدها تمسكها والمراد هنا نقض العهد واستعار الأكل لذلك لأن البهيمة إذا أكلت الربقة خلصت من الشد. والربوة بكسر الـراء الزيـادة والمـراد هنـا الزيـادة فـي الفريضـة الواجبة عليه كالعقوبة له. من محمد رسول الله لأكيدر دومة حين أجاب إلى الإسلام وخلع الأنداد والأصنام مع خالد بن الوليد سيف الله في دومة الجندل وأكنافها: إن لنا الضاحية من الضحل والبور والمعامي وأغفـال الـأرض والحلقة والسلاح والحافر والحصن. ولكم الضامنة من النخل. والمعين من المعمور لا تعدل سارحتكم ولا تعد فاردتكم ولا يحظر عليكم النبات تقيمـون الصلـاة لوقتهـا وتؤتـون الزكاة بحقها عليكم بذلك عهد الله والميثاق. وهـذا الكتـاب أيضـاً ممـا يحتـاج إلـى المعرفـة غريبه: فالأنداد جمع ند بكسر النون وهو ضد الشيء الذي يخالفه في أموره ويناده أي يخالفه والمـراد مـا كانـوا يتخذونـه آلهـةً مـن دون اللـه تعالـى. والأصنام جمع صنم: وهو ما اتخذ إلها من دون الله وقيل: ما كان له جسمٌ أو صورةٌ فإن لم يكـن لـه جسـمٌ ولا صـورةٌ فهـو وثـنٌ. والأكنـاف بالنون جمع كنف بالتحريك وهو الجانب والناحية. والضاحية بالضاد المعجمة والحاء المهملة الناحية البارزة التي لا حائل دونها والمراد هنا أطراف الأرض والضحل بفتح الضاد المعجمة وسكون الحاء المهملة القليل من الماء وقيل الماء القريب من المكان وبالتحريك مكان الضحل والبور الأرض التي لم تزرع وهو بالفتح مصدرٌ وصف بـه وبالضـم جمـع بـوار وهـو الـأرض الخراب التي لم تزرع. والمعامي المجهولة من الأرض التي ليس فيهـا أثـر عمـارةٍ واحدهـا معمًـى. وأغفـال الـأرض بالغين المعجمة والفاء الأرض التي ليس فيها أثرٌ يعرف كأنها مغفول عنها. والحلقة بسكون اللام السلاح عاماً وقيل الدروع خاصاً والسلاح ما أعد للحرب من آلة الحديد مما يقاتل به والسيف وحده يسمى سلاحاً. والضامنة من النخل بالضـاد المعجمة والنون ما كان داخلاً في العمارة من النخيل وتضمنته أمصارهم وقراهم وقيل سميت ضامنةً لأن أربابها ضمنوا عمارتها وحفظها فهي ذات ضمانٍ كعيشةٍ راضيـة بمعنـى ذات رضـاً. والمعيـن مـن المعمـور المـاء الذي ينبع من العين في العامر من الأرض. وقوله: لا تعدل سارحتكم بالذال المعجمة أي لا تصرف ماشيتكم وتمال عن الرعي ولا تمنع. وقوله: ولا تعد فاردتكم أي لا تضم إلى غيرها وتحشر إلى الصدقة حتى تعد مع غيرها وتحسب. والفاردة الزائدة على الفريضة. وقوله: ولا يحظر عليكم النبات بالظاء المعجمة أي لا تمنعون من الزرع والمرعى حيث شئتم والحظر المنع. ومن ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم إلى وائل بن حجر وأهل حضرموت وهو: من محمدٍ رسول الله إلى الأقيال العباهلة من أهل حضرموت بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. على التيعة الشاة والتيمة لصاحبها وفي السيوب الخمس لا خلاط ولا وراط ولا شنـاق ولا شغـار ومن أجبى فقد أربى وكل مسكرٍ حرامٌ. وذكر القاضي عياضٌ في الشفاء أن كتابه لهم: إلى الأقيال العباهلة والأرواع المشايب. وفي التيعة شاةٌ لا مقورة الألياط ولا ضناك وأنطوا الثبجة وفي السيوب الخمس ومن زنى مم بكر فاصقعوه مائةً واستوفضوه عاماً ومن زنى مم ثيب فضرجوه بالأضاميم ولا توصيم في الدين ولا غمة في فرائض الله تعالى وكل مسكر حرامٌ ووائل بن حجر يترفل على الأقيال. وهـذا الكتـاب فـي معنـى مـا تقـدم مـن الاحتيـاج إلـى شـرح غريبـه. الأقبـال بالقـاف واليـاء المثناة تحت جمـع قيـل: وهـو الملـك. والعباهلـة الذيـن أقـروا علـى ملكهـم لا يزالـون عنـه وحضرموت بلدةٌ في اليمن فـي أقصاها وقيل هي أحد مخاليفها. والتيعة بالمثناة من فوق ثم المثناة من تحت والعين المهملة اسـم لأدنـى مـا تجـب فيـه الزكـاة مـن الحيـوان كالخمـس مـن الإبـل والأربعيـن من الغنم. قال ابن الأثير: وكأنها الجملة التي للسعاة عليها سبيلٌ من تاع يتيع إذا ذهب إليه. والتيمة بالكسر الشاة الزائدة علـى الأربعيـن حتـى تبلغ الفريضة الأخرى وقيل هي الشاة التي تكون لصاحبها في منزله يحلبها وليست بسائمةٍ وهي بمعنى الداجن والسيوب الركاز أخذاً من السيب وهو العطاء قاله أبو عبيدة وقيل هي عروق الذهب والفضة التي تسيب في المعدن بمعنى تتلون وتظهر. وقال الزمخشـري: هـي جمـع سيـب يريـد بـه المـال المدفـون في الجاهلية أو المعدن لأنه من فضل الله تعالى لمن أصابه. والخلاط بالكسر مصدر خالط يقال: خالطه يخالطه خلاطـاً ومخالطـةً والمـراد أن يخلط الرجل إبله بإبل غيره أو بقره أو غنمه ليمنع حق الله تعالى منها ويبخس المصدق فيما يجب له. والوراط بالكسر أيضاً أن تجعل الغنم في وهدة من الأرض لتخفى على المصدق مأخـوذٌ مـن الورطـة وهـي الهـوة مـن الـأرض. والشنـاق بكسـر الشيـن المشاركـة في الشنق بفتح النون وهـو مـا بيـن الفريضتين من كل ما تجب فيه الزكاة وهو ما زاد من الإبل على الخمس إلى التسع وما زاد على العشر إلى أربع عشرة والمراد أن لا تؤخذ الزيادة على الفريضة. قال ابن الأثير: ويجوز أن يكون معناه المشاركة في الشنق والشنقين وهو بمعنى الخلاط المتقدم ذكره لكن حمله علـى الـأول أولـى لتعـدد المعنـى. والشغـار بكسـر الشيـن وبالغيـن المعجمـة نكـاحٌ معـروف في الجاهلية وهو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته على أن يزوجه بنته أو أخته ويكون بضع كل منهما صداقاً للأخرى. والأرواع جمع رائع: وهم الحسان الوجوه من الناس. وقيل: الذين يروعون الناس أي يفزعونهم بشـدة الهيبـة. قـال ابـن الأثيـر: والـأول أوجـه. وقولـه: ومـن أجبـى هـو بالجيـم والبـاء الموحـدة: وهو بيع الزرع قبل بدو صلاحه. وقيل هو أن يغيب إبله عن المصدق أخذاً من أجبأته إذا واريتـه. وقيـل هـو أن يبيـع مـن الرجـل سلعـةً بثمـن معلـوم إلـى أجل معلوم ثم يشتريها منه بالنقد بأقل من الثمن الذي باعها به ومعنى أربى وقع في الربا. والمشايب السادة الرؤوس الزهر الألوان الحسان المناظر واحدها مشبوب. والمقورة الألياط المسترخية الجلود لهزالها والاقورار الاسترخاء في الجلود. والألياط جمع ليط: وهو قشر العود شبه به الجلد لالتزاقه باللحم. والضناك بالكسر الكثير اللحم ويقال الذكر والأنثى فيه سواء والمراد أنه لا تؤخذ المفرطة في السمـن كمـا لا تؤخـذ الهزيلـة. وقوله: وأنطوا هو بلغة أهل اليمن بمعنى أعطوا خاطبهم صلى الله عليه وسلم بلغتهم. والثبجة بثاء مثلثة بعدها باء موحدة ثم جيم هي الوسط من المال التي ليست من خياره ولا رذالته أخذاً من ثبجة الناقة وهو ما بين الكاهل إلى الظهر. وقوله مم بكر جرى فيه على لغة أهل اليمن حيث يبدلون لام التعريف ميماً. قال ابن الأثير: وعلى هذا فتكون راء بكر مكسورةً من غير تنوين لأن أصله من البكر فلما أبدلت الألف واللام ميماً بقيت الحركة بحالها ويكون قد استعمل البكر موضع الأبكار. قال: والأشبه أن تكـون بكـرٌ منونـةً وقـد أبدلـت نـون مـن ميمـاً لأن النون الساكنة إذا كان بعدها باء قلبت في اللفظ ميماً نحو عنبر ومنبر ويكون التقدير ومن زنى من بكرٍ. وقوله فاصقعوه هو بالصاد المهملة والقاف أي اضربوه وأصل الصقـع الضـرب علـى الـرأس وقيـل الضـرب ببطـن الكـف. وقولـه: واستوفضوه هو بالفاء والضاد المعجمة أي انفوه أخذاً من قولهم: استوفضت الإبل إذا تفرقت فـي رعيها وقوله: فضرجوه بالضاد المعجمة والجيم أي أدموه بالضرب ويطلق الضرج على الشق أيضـاً. والأضاميم بالضاد المعجمة الحجارة واحدها إضمامةٌ والمراد ارجموه بالحجارة. والتوصيـم بالصـاد المهملـة الفتـرة والتوانـي أي لا تفتـروا في إقامة الحدود ولا تتوانوا فيها. وقوله: ولا غمة في فرائض الله أصل الغمة الستر أي لا تستر فرائض الله ولا تخفى بل تظهر ويجهر بها وتعلـن. وقولـه: يترفـل أي يسـود ويتـرأس استعـارة مـن ترفيـل الثـوب وهو إسباغه وإرساله والأقيال الملوك وقد تقدم الكلام عليه. الأسلوب الثاني أن تفتتح المكاتبة بلفظ هذا كتاب ويذكر المقصد فيما بعد وهو قليل الوقوع في المكاتبات ومـن ذلك كتابة صلى الله عليه وسلم لقبيلة همدان من اليمن فيما ذكره ابن هشام وهو: هذا كتابٌ من محمدٍ رسول الله لمخلاف خارفٍ وأهل الجناب الهضب وحقاف الرمل مع وافدها ذي المشعار لمالك بن نمطٍ ولمن أسلم من قومه على أن لهـم فراعهـا ووهاطهـا وعزازهـا مـا أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة يأكلون علافها ويرعون عافيها لكـم بذلـك عهـد اللـه وذمـام رسولـه وشاهدكم المهاجرون والأنصار. وذكر القاضي عياضٌ في الشفاء أن في كتابه إليهم: إن لكم فراعها ووهاطها وعزازها تأكلون علافها وترعون عفاءها لنا من دفئهم وصرامهم ما سلموا بالميثاق والأمانة ولهم من الصدقة وهـذا مـن نسبـة مـا تقـدم ممـا يحتـاج إلـى شرح غريبه: فالفراع بالكسر جمع فرعة وهو ما ارتفع من الـأرض. والوهاط جمع وهطة وهي ما اطمأن من الأرض. والعلاف بالكسر جمع علف كجبل وجبال والمراد ما تعتلفه الدواب مـن نبـات الـأرض. والعـزاز مـا صلـب مـن الـأرض واشتـد وخشـن ويكـون ذلك في أطرافها. والعفاء العافي وهو ما ليس لأحد فيه ملكٌ من قولهم: عفا الأثر إذا درس. والدفء نتاج الإبل وما ينتفع به منها سمي دفئاً لأنه يتخذ من أوبارها ما يستدفـأ بـه والمـراد هنا الإبل والغنم. والصرام النخل وأصله قطع الثمرة. والثلب من ذكور الإبل الـذي هـرم وتكسـرت أسنانه. والناب المسنة من إناثها. والفصيل من أولاد الإبل الذي فصل عن أمه من الرضاع. والفارض المسن من الإبل والمراد أنه لا يؤخذ منهم في الزكاة. والداجن الشاة التـي يعلفهـا النـاس فـي منازلهم والكبش الحوري منسوب إلى الحور وهي جلود تتخذ من جلود الضـأن وقيـل: هـو مـا دبـغ مـن الجلود بغير القرظ. والصالغ بالصاد المهملة والغين المعجمة وهو من البقر والغنم الذي كمل وانتهى ويكون ذلك في السنة السادسة ويقال: بالسين بدل الصاد. والقارح الفرس الذي دخل في السنة الخامسة. الأسلوب الثالث فمـن ذلـك كتابـه صلـى اللـه عليـه وسلـم إلـى المنـذر بـن سـاوى. وهـو فيمـا ذكـره أبـو عبيـدة فـي كتاب الأموال: سلم أنت فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإن من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم له ذمة الله وذمة الرسول فمن أحب ذلك من المجوس فإنه آمنٌ ومن أبى فإن عليه الجزية. الطرف الثالث في كتبه صلى الله عليه وسلم إلى أهل الكفر للدعاية إلى الإسلام وهو على ثلاثة أساليب الأسلوب الأول أن يفتتح الكتاب بلفظ من محمدٍ رسول الله إلى فلان كما في الأسلوب الأول من كتبه إلى أهل الإسلام فمن ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هرقل: وهو قيصر وقيل نائبه بالشام. وهـو علـى مـا ثبـت فـي الصحيحيـن: من محمدٍ رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلامٌ على من اتبع الهدى. أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم أسلم يؤتك الله أجرك مرتيـن فـإن توليـت فـإن عليـك إثم الأريسيين ويأهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون. وذكر أبو عبيد في كتاب الأموال: أن كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هرقل كان فيه: مـن محمـدٍ رسـول اللـه إلـى صاحب الروم إني أدعوك إلى الإسلام: فإن أسلمت فلك ما للمسلمين وعليـك ما عليهم وإن لم تدخل في الإسلام فأعط الجزية فإن الله تعالى يقول: قـال أبـو عبيـد: وأراد بالفلاحيـن أهـل مملكته لأن العجم عند العرب كلهم فلاحون لأنهم أهل زرعٍ وحرثٍ. وفـي مسنـد البـزار أنـه صلـى اللـه عليـه وسلـم كتـب إليـه: من محمدٍ رسول الله إلى قيصر صاحب الروم. ومن ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم إلى كسرى أبرويز ملك الفرس فيما ذكره ابن الجوزي من محمدٍ رسول الله إلى كسرى عظيم فارس. سلامٌ على من اتبع الهدى وآمن بالله رسوله وأدعوك بدعاية الله عز وجل فإني أنا رسول الله إلـى النـاس كافةً لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين وأسلم تسلم فإن توليت فإن إثم المجوس عليك. ومن ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس صاحب مصر. وهو فيما ذكره ابن عبد الحكم: " من محمدٍ رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط سلامٌ على من اتبع الهدى. أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام فأسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فعليـك إثـم القبـط. يأهـل الكتـاب تعالـوا إلـى كلمـةٍ سـواءٍ بيننـا وبينكم ألا تعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون " وذكر الواقدي أن كتابه إليه كان بخط أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه وأن فيه: من محمدٍ رسول الله إلى صاحب مصر. أما بعد فإن الله أرسلني رسولاً وأنزل علي قرآناً وأمرني بالإعذار والإنذار ومقاتلة الكفار حتـى يدينـوا ويدخـل النـاس فـي ملتـي وقد دعوتك إلى الإقرار بوحدانيته فإن فعلت سعدت وإن ومن ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ملك الحبشة. وهو فيما ذكره ابن إسحاق: من محمدٍ رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة إني أحمد إليك الله الملك القـدوس السلـام المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى ابن مريم البتول الطيبة الحصينة حملته من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده. وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسـول اللـه وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصحي. وقد بعثت إليكم ابن عمي جعفراً ومعه نفرٌ من المسلمين والسلام على من اتبع الهدى. ومن ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي صاحب اليمامة وكان نصرانياً. وهو فيما ذكره السهيلي: من محمدٍ رسول الله إلى هوذة بن علي. سلامٌ على من اتبع الهدى. واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر فأسلم تسلم وأجعل لك ما تحت يديك. ومن ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم إلى نصارى نجران. وهو فيما ذكره صاحب الهدي المحمدي: بسم الله الرحمن الرحيم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب. أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد فإن أبيتم فالجزية فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب الإسلام. ومن ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم إلى جيفرٍ وعبدٍ ابني الجلندى ملكي عمان. وهو: من محمدٍ رسول الله إلى جيفرٍ وعبد ابني الجلندي سلامٌ على من اتبع الهدى. أما بعد فإني أدعوكما بدعاية الإسلام أسلما تسلما فإني رسول الله إلى الناس كافةً لأنذر من كان حياً ويحـق القـول علـى الكافريـن وإنكمـا إن أقررتمـا بالإسلـام وليتكمـا وإن أبيتمـا وإن إبيتما أن يقرأ بالإسلام فإن ملككما زائلٌ عنكما وخيلي تحل بساحتكمـا وتظهـر نبوتـي فـي ملككما. وكتب أبي بن كعب. وفي رواية ذكرها أبو عبيد في كتاب الأموال أنه كتب إليهما: من محمدٍ رسول الله لعباد الله أسيد بن ملوك عمان وأسيد عمان: من كان منهم بالبحرين إنه إن أمنوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأطاعوا الله ورسوله وأعطوا حق النبي صلى الله عليه وسلم ونسكوا نسك المسلمين فإنهم أمنون وإن لهم ما أسلموا عليه غير أن مال بيت النار ثنيا لله ورسوله وإن عشور تمر صدقة ونصـف عشـور الحـب وإن للمسلميـن نصرهـم ونصحهـم وإن لهـم علـى المسلميـن مثـل ذلك وإن لهم أرحاء يطحنون بها. قال أبو عبيد: وبعضهم يرويه لعباد الله الأسبيين أسماً أعجمياً نسبهم إليه. قال: وإنما سموا بذلـك لأنهـم نسبوا إلى عبادة فرس وهو بالفارسية أسب فنسبوا إليه وهم قومٌ من الفرس وفي رواية من العرب. ومـن ذلـك كتابـه صلـى اللـه عليـه وسلـم إلـى مسيملـة الكـذاب في جواب كتابه إليه صلى الله عليه وسلم أنه جعل له الأمر بعده آمن به. وهو: من محمدٍ رسول الله إلى مسيملة الكذاب: السلام على من اتبع الهدى أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. الأسلوب الثاني أن تفتتح الكتاب بلفظ أما بعد وهو أقل وقوعاً مما قبله فمن ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران ودينهم النصرانية وهو فيما ذكره ابن الجوزي: " بسم الله الرحمن الرحيم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب. أما بعد فإن أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد فإن أبيتم فالجزية فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب الإسلام ". الأسلوب الثالث أن يفتتح الكتاب بلفظ هذا كتاب فمن ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم مع رفاعة بن زيد إلى قومه. وهو فيما ذكـره ابـن إسحاق: " هذا كتابٌ من محمدٍ رسول الله لرفاعة بن زيدٍ إني بعثته إلى قومه عامةً ومن دخل فيهم يدعوهم إلى الله ورسوله فمن أقبل منهم ففي حزب الله وحزب رسوله ومن أدبر فله أمان شهرين ". قلـت: وقـد كتـب صلـى اللـه عليـه وسلـم إلى جماعةٍ غير من تقدم لم أقف على صورة ما كتب إليهم كجبلة بن الأيهم الغساني وذي الكلاع الحميري وغيرهم وستأتي كتبه صلـى اللـه عليـه وسلم في معنى الولايات والإقطاعات والهدن والأمانات في مواضعها إن شاء الله تعالى.
وهي على قسمين القسم الأول المكاتبات إلى أهل الإسلام وفيه عشرة أطراف الطرف الأول في الكتب الصادرة عن الخلفاء من الصحابة رضي الله عنهم وفيه جملتان الجملة الأولى في المكاتبات الصادرة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه مكاتبات ابي بكر الصديق وكانت تتفتح بلفظ: من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فلان وباقي الكتاب من نسبة كتب النبي صلى الله عليه وسلم من التصدير بالسلام والتحميد والتخلص بأما بعد والاختتام بالسلام وما يجري هذا المجرى مع لزوم الخطاب بالكاف وتاء المخاطـب للواحد وبالتثنية للاثنين والجمع الجماعة. وعنونتها من أبي بكرٍ خليفة رسول الله في الجانب الأيمن ثم إلى فلان الفلاني في الجانب الأيسر على ما يقتضيه الترتيب المتقدم. وهـذه نسخـة كتابـه رضـي اللـه عنـه إلـى أهـل الـردة حيـن ارتدوا عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. وهو على ما ذكره صاحب نهاية الأرب: من أبي بكرٍ خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بلغه كتابـي هـذا مـن عامـة وخاصة أقام على الإسلام أو رجع عنه سلامٌ على من اتبع الهدى ولم يرجع بعد الهدى إلى الضلالة والعمى فإني أحمد إليكم الله الذي لا إلـه إلا هـو وأشهـد أن لا إلـه إلا اللـه وحـده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأقر بما جاء به وأكفر من أبى وأجاهده. أما بعد فإن الله أرسل محمداً بالحق من عنده إلى خلقه بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين يهدي الله للحق من أجاب إليه وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذنه من أدبر عنه حتى صار إلى الإسلام طوعاً وكرهـاً ثـم توفـي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نفذ لأمر الله ونصح لأمته وقضى الذي عليه وكان الله قد بين له ذلك ولأهل الإسلام في الكتاب الذي أنزله فقال: فمن هداه الله كان مهدياً ومن أضله كان ضـالاً: " مـن يهـد اللـه فهـو المهتـد ومـن يضلـل فلـن تجـد لـه وليـاً مرشـداً " ولـم يقبـل منـه فـي الدنيا عملٌ حتى يقر به ولم يقبل له في الآخرة صرفٌ ولا عدل. وقـد بلغنـي رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام وعمل به اغتراراً بالله وجهالةً بأمـره وإجابـةً للشيطـان وقـال الله جل ثناؤه: وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كل مجمع لكم والداعية الأذان فإن أذن المسلمون فأذنوا كفوا عنهم وإن لم يؤذنوا عاجلوهم وإن أذنوا سلوهم ما عليهم فإن أبوا عاجلوهم وإن أقروا قبل منهم وحملهم على ما ينبغي لهم. الجملة الثانية في المكاتبات الصادرة عن بقية الخلفاء من الصحابة رضوان الله عليهم مكاتبات بقية الخلفاء وهي على أسلوبين الأسلوب الأول أن يفتتح الكتاب بلفظ من فلان إلى فلان يقال أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما صارت الخلافة إليه بعد أبي بكر كان يكتب فـي كتبـه: مـن عمـر بـن الخطـاب خليفـة خليفـة رسـول اللـه صلـى اللـه عليـه وسلـم إلـى فلـان فلما تلقب بأمير المؤمنين على ما تقدم في المقالة الثالثة أثبت هذا اللقب في كتبه وزاد في ابتدائها لفظ عبد الله قبل اسمه ليكون اسمه نعتاً له فكان يكتب: من عبد الله عمر بن الخطـاب أميـر المؤمنيـن إلـى فلـان وباقـي الكتـاب علـى مـا مـر في كتب النبي صلى الله عليه وسلم والصديـق بعـده فـي التصديـر والتعبيـر عـن نفسـه بلفظ الإفراد مثل أنا ولي وعلي وعن المكتوب له بكاف الخطاب مثل لك وعليك وتاء المخاطب مثل قلت وفعلت وتبعه الخلفاء على ذلك. وعنونتهـا مـن عبـد اللـه فلـانٍ أميـر المؤمنيـن فـي الجانـب الأيمـن ثـم إلـى فلان الفلاني في الجانب الأيسر كما تقدم ترتيبه. فمن ذلك ما كتب به أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص وهو يومئذ أمير مصر وهو: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص سلامٌ عليك. أمـا بعـد فقـد بلغني أنه فشت لك فاشيةٌ من خيلٍ وإبلٍ وبقرٍ وعبيدٍ وعهدي بك قبل ذلك ولا مال لك فاكتب إلي من أين أصل هذا المال. ومـن ذلـك مـا كتـب بـه معاويـة بـن أبـي سفيـان في خلافته إلى ابنه يزيد وقد بلغه مقارفته اللذات وانهماكه على الشهوات وهو: أما بعد فقد أدت ألسنة التصريح إلى أذن العناية بك ما فجع الأمل فيك وباعد الرجاء منك إذ ملأت العيون بهجةً والقلوب هيبةً وترامت إليك آمال الراغبيـن وهمـم المتنافسيـن وسحـت بك فتيان قريشٍ وكهول أهلك فما يسوغ لهم ذكرك إلا على الجرة المهوعة والكـظ الجـشء. اقتحمـت البوائـق وانقـدت للمعايـر واعتضتهـا مـن سمو الفضل ورفيع القدر فليتك يزيد إذ كنت لم تكن. سررت يافعاً ناشئاً وأثكلت كهلاً ضالعاً فواحزناه عليك يزيد! وياحر صدر المثكل بك! ما أشمت فتيان بني هاشم وأذل فتيان بني عبد شمس! عند تفاوض المفاخر ودراسة المناقب! فمن لصلاح ما أفسدت ورتق ما فتقـت! هيهـات خمشـت الدربـة وجـه التصبر بك وأبت الجناية إلا تحدراً على الألسن وحلاوةً على المناطق! ما أربح فائدةً نالوها وفرصةً انتهزوها! انتبه يزيد للفظة وشاور الفكرة ولا تكن إلى سمعك أسرع من معناها إلى عقلك. واعلم أن الذي وطأك وسوسة الشيطان وزخرفة السلطان ممـا حسـن عنـدك قبحـه واحلولى عندك مره أمرٌ شركك فيه السواد ونافسكه الأعبـد لا لأثـرة تدعيهـا أو حبتهـا لـك الإمرة وأضعت بها من قدرك فأمكنت بها من نفسك فكأنك شانيء نفسك فمن لهذا كله اعلم يا يزيد أنك طريد المـوت وأسيـر الحيـاة بلغنـى أنـك اتخـذت المصانـع والمجالـس للملاهـي والمزاميـر كمـا قـال تعالـى: اعلم يا يزيد أن أول ما سلبكه السكر معرفة مواطن الشكر للـه علـى نعمـه المتظاهـرة وآلائـه المتواترة وهي الجرحة العظمى والفجعة الكبرى ترك الصلوات المفروضات في أوقاتها وهو من أعظم ما يحدث مـن آفاتهـا ثـم استحسـان العيـوب وركـوب الذنـوب وإظهـار العـورة وإباحـة السر. فلا تأمن نفسك على سرك ولا تعقد على فعلك. فما خير لذةٍ تعقب الندم وتعفي الكرم وقد توقف أمير المؤمنين بين شطرين مـن أمـرك لمـا يتوقعـه مـن غلبـة الآفـة واستهلـاك الشهـوة. فكـن الحاكـم على نفسك واجعل المحكوم عليه ذهنك ترشد إن شاء الله تعالى. وليبلغ أمير المؤمنين ما يرد شارداً من نومه فقد أصبح نصب الاعتزال من كل مؤانس ودرأة الألسن الشامتة وفقك الله فأحسن. الأسلوب الثاني أن يفتتح الكتاب بلفظ أما بعد وهو على ما تقدم خلا الابتداء والتصدير بالسلام والتحميد ويكون الافتتاح فيه بالمقصد كما كتـب أميـر المؤمنيـن عثمـان بـن عفـان إلـى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حين خرج علي إلى الينبع واختلف الناس على عثمان. أما بعد فقد بلغ السيل الزبى وجاوز الحزام الطبيين وطمع في كل من كان يضعف عن الدفع عن نفسه ولم يغلبك مثل مغلب فأقبل إلي صديقاً كنت أو عدواً: طويل الطرف الثاني في الكتب الصادرة عن خلفاء بني أمية وهي على ما تقدم من الكتب عن الخلفاء من الصحابة في التصدير والتعبير إلا أنه يعبر عن الخليفـة بأميـر المؤمنيـن وربمـا عبـر عنـه بلفـظ الإفـراد مثـل: فعلـت وأفعل وما أشبه ذلك أما الخطاب للمكتوب له فبكاف الخطاب وتاء المخاطب مثل إنك أنت قلت كذا وفعلت كذا وما أشبه ذلـك. وعنوانهـا: مـن عبـد اللـه فلـانٍ أميـر المؤمنيـن فـي الجانـب الأيمـن ثـم إلـى فلـانٍ الفلانـي في الجانب الأيسر. ثم هي على أسلوبين: الأسلوب الأول أن يفتتح الكتاب بلفظ من عبد الله فلانٍ أمير المؤمنين إلى فلان كمـا كتـب عبـد الملـك بـن مروان إلى الحجاج بن يوسف وقد بلغه تعرضه لأنس بن مالك رضي الله عنه من عبد الله عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين إلى الحجاج بن يوسف. أما بعد فإنك عبدٌ علت بك الأمور فطغيت وعلوت فيها حتى جزت حد قدرك وعدوت طورك. وايم الله لأغمزنكم كبعض غمزات الليوث الثعالب ولأركضنك ركضةً تدخل منها في وجعاء أمك! أذكر مكاسب آبائك في الطائف إذ كانوا ينقلون الحجارة على أعناقهم ويحفرون الآبار والمناهر بأيديهم قد نسيت ما كنت عليه أنت وآباؤك من الدناءة واللؤم والضراعة. وقد بلـغ أميـر المؤمنيـن استطالـةٌ منـك علـى أنـس بـن مالـك جـرأة منـك علـى أميـر المؤمنيـن وغـرةً بمعرفـة غيره ونقماته وسطواته على من خالف سبيله وعمد إلى غير محجته ونزل عند سخطته وأظنك أردت أن تروزه. بها فتعلم ما عنده من التغيير والتنكير فيها فإن سوغتها مضيت قدماً وإن غصصت بها وليت دبراً أيها العبد الأخفش العينين الأصك الرجلين الممسوح الجاعرتين ولن يخفى عن أمير المؤمنين نبؤك ولكل نبأ مستقرٌّ وسوف تعلمون. الأسلوب الثاني أن يفتتح الكتاب بلفظ أما بعد ويقع الشروع منه في المقصد كما يكتب يزيد بن معاوية إلى أهل المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام وقد بلغه خلافهم عليه. أما بعد فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من والٍ. إني والله قد لبستكم فأخلقتكم! ورفعتكم على رأسي ثم على عينـي ثـم علـى فمـي ثم على بطني وايم الله لئن وضعتكم تحت قدمي لأطأنكم وطأة أقل بها عددكم وأترككم بها أحاديث تنسخ منها أخباركم كأخبار عادٍ وثمود. وكما يكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة وهو عامله على بعض النواحي: أما بعد فإذا أمكنتك القدرة على المخلوق فاذكر قدرة الخالق عليك! واعلم أن مالك عند الله مثل ما للرعية عندك. وكما يكتب يزيد بن الوليد المعروف بالناقص إلى مروان بن محمد وقد بلغه عنه تلكؤ في بيعته: أما بعد فإني أراك تقدم رجلاً وتؤخـر أخـرى فـإذا أتـاك كتابـي فاعتمـد علـى أيهمـا شئـت والسلام. قلـت: ولـم يـزل الأمـر فـي المكاتبـات فـي الدولـة الأمويـة جارياً على سنن السلف إلى أن ولي الوليد بن عبد الملك فجود القراطيس وجلل الخطوط وفخم المكاتبات وتبعه من بعده من الخلفاء على ذلك إلا عمر بن عبد العزيز ويزيد بن الوليد المقدم ذكره فإنهمـا جريـا فـي ذلـك علـى طريقـة السلـف. ثـم جـرى الأمـر بعدهمـا علـى مـا سنـه الوليـد بـن عبـد الملـك إلى أن صار الأمر إلى مـروان بـن محمـد آخر خلفائهم وكتب له عبد الحميد بن يحيى وكان من اللسن والبلاغة على ما اشتهـر ذكـره فأطـال الكتب وأطنب فيها حيث اقتضى الحال تطويلها والإطناب فيها حتى يقال: إنه كتب كتاباً عن الخليفة جاء وقر جملٍ واستمر ذلك فيما بعده. الطرف الثالث في الكتب الصادرة عن خلفاء بني العباس ببغداد وولاة العهد بالخلافة وفيه ثلاث جمل الجملة الأولى في بيان ترتيب كتبهم في الرسائل على سبيل الإجمال كانوا يفتتحون أكثر كتبهم بلفظ من فلانٍ إلى فلانٍ وتارةً بأما بعد وربما افتتحوها بغير ذلك. فأما افتتاحها بلفظ من فلان إلى فلان فكان يكتب عنهم في أول دولتهم كما كان يكتب عن خلفـاء بنـي أمية وهو من عبد الله فلان أمير المؤمنين سلامٌ عليك فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ثم يتخلص إلى المقصود بلفظ أما بعد. إلا أنهم زادوا بعد اسم الخليفة لفظ الإمام الفلاني بلقب الخلافة فكان يقال: من عبد الله الإمام الفلاني أمير المؤمنيـن فلمـا صـارت الخلافـة إلـى الرشيـد زاد بعـد التحميد ويسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم فلما ولي ابنه الأمين اكتنى في كتبه وتبعه من بعده من الخلفاء على ذلك. وقد اختلف في تقديم الاسم والكنية واللقب والذي رتبه أبو جعفر النحاس في صناعـة الكتـاب تقديـم الاسـم علـى الكنيـة وتقديـم الكنيـة علـى اللقب مثل أن يقال: من عبد الله فلانٍ أبي فلانٍ الإمام الفلاني أمير المؤمنين ثم قال: وهذه المكاتبة هي التي اصطلح عليها في الأمور السلطانية التي تنشأ بها الكتب من الدواوين إلا أن بعض العلماء قد خالفهم في هذا وقال: الأولى أن يبدأ باللقب مثل أن يقال من الراضي أو المتوكل وما أشبه ذلك كما قـال اللـه جـل وعز: وترتيـب المكاتبـة علـى مـا ذكـره فـي صناعـة الكتاب أن يكتب: من عبد الله فلانٍ أبي فلانٍ الإمام الفلاني أمير المؤمنين سلامٌ عليك فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلـي علـى محمـد عبـده ورسولـه. ثـم يفصل ببياض يسير ويكتب أما بعد فإن كذا وكذا ثم يأتـي علـى المعنى فإذ فرغ من ذلك وأراد أن يأمر بأمر فصل ببياض يسير ثم يكتب: وقد أمير المؤمنين بكذا ورأى أن يكتب إليك بكذا فيؤمر بامتثال ما أمر به والعمل بحسبه ثم يفصـل ببياض ويكتب: فاعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين واعمل به إن شاء الله تعالى. وكتب فلان بن فلان باسم الوزير واسم أبيه يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا. وقد يكتب في أواخر المكاتبة بعد استيفاء المقصد: هذه مناجاة أمير المؤمنين لك أو هذه مفاوضة أمير المؤمنين لك. ويقال في السلام على أعلى الطبقات من المكتوب إليهم والسلام عليك ورحمة الله وربما قيل: ورحمة الله وبركاته. وأما افتتاحها بلفظ أما بعد فغالب ما يقع في الكتب المطلقة كالبشرى بالفتوح وغيرها. ثم تـارة يعقـب البعديـة بالحمـد للـه إمـا مـرةً أو أكثـر وغالـب مـا يكـون ثلـاث وتـارة يعقـب بغير الحمد. وأما الافتتاح بغير هذين الافتتاحين فتارةً يكون بالدعاء وتارةً يكون بغيره ويكون التعبير عن الخليفة في كتبه الصادرة عنه بأمير المؤمنين على ما تقدم في خلافة بني أمية. ثـم إن كـان المكتـوب إليـه معينـاً فالـذي كان عليه الحال في أول دولتهم أن يكتب إليه باسمه ثم لما تغلب بنو بويه على الخلفاء وغلبوا عليهم وعلت كلمتهم في الدولة وتلقبوا بفلان الدولة وفلان الملـة فكـان يكتـب إليهـم بذلـك فـي الكتـب إليهـم. ثـم لما كانت الدولة السلجوقية في أواخر الدولة العباسية ببغداد استعملوا كثرة الألقاب للمكتوب إليه عن الخليفة في صدر المكاتبة. قال في مواد البيان: ولا يخاطب أحدٌ عن الخليفة إلا بالكاف. وقد يخاطب الإمام وزيره في المكاتبة الخاصـة بمـا يرفعـه فيـه عن خطاب المكاتبة العامة الديوانية ويتصرف في ذلك ويزاد وينقص على حسب لطافة محل الوزير ومنزلته من الفضل والجلالة. قـال فـي ذخيـرة الكتـاب: ويكـون الدعـاء مـن الخليفـة لمـن يكاتبـه علـى قـدر موضعـه فـي خدمتـه ومحله عنده وقد تقدم أن أعلى الدعاء كان عندهم بإطالة البقاء ولذلك كان يدعى لملوك بني بويه فمن بعدهم بلفظ: أطال الله بقاءك. وقد تقدم في المقالة الثالثة في الكلام على مقادير قطع الورق وما يناسب كل قطع من الأقلام أنه إن كانت المكاتبة عن الخليفة ترك الكاتب من رأس الدرج قدر ذراع بياضاً ثم يكتب بسم الله الرحمن الرحيم ثم يكتب في سطر ثانٍ يلاصقها ويخـرج يسيراً من عبد الله إلى آخر التصدير الذي يليه أما بعد وأن التصدير يكون في سطرين بينها فضاءٌ قدر شبر لا يزيد عن ذلك ولا ينقص ثم يترك بعد هذين السطرين فضاءً بنصف مـا بيـن الأوليـن فيمـا ذكـره فـي مـواد البيـان: وبقـدره فيمـا ذكـره فـي ذخيـرة الكتاب ثم يقول: أما بعد ويأتي على المكاتبة إلى آخرها على هذا النحو. أما عنونة كتبهم فكانت في أول دولتهم: من عبد الله فلانٍ الإمام الفلاني أمير المؤمنين في الجانب الأيمن وفي الجانب الأيسر إلى فلان بن فلان. ثم زاد المأمون في أول عنواناته بسم الله الرحمـن الرحيـم. ولمـا تكنـى الأميـن فـي كتبـه بعـد ذلـك زيـدت الكنية في العنوان فكان يكتب في الجانب الأيمن بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله فلان أبي فلان الإمام الفلاي وفي الجانب الأيسر إلى فلان بن فلان. وقد تقدم في الكلام على ترتيب المكاتبات أن البسملة بقيت في العنونة إلى زمن النحاس في خلافة الراضي وأن صاحب مواد البيان ذكر أنها بطلت منه بعد ذلك. قـال النحـاس: فـإن كـان المكتـوب إليه من موالي بني هاشم نسب إلى ذلك. وإن لم يكن ينسب إليهم ترك. الجملة الثانية في الكتب العامة وهي على أسلوبين الأسلوب الأول أن يفتتح الكتاب بلفظ من فلان إلى فلان بأن يكتب من عبد الله فلانٍ أبي فلان الإمام الفلاني أمير المؤمنين إلى آخر المكاتبة على ما تقدم ترتيبه. وهـذه نسخـة كتـاب مـن ذلـك كتب به إبو إسحاق الصابي عن الطائع لله إلى صمصام الدولة بن من عبد الله عبد الكريم الإمام الطائع لله أمير المؤمنين إلى صمصام الدولة وشمس الملة أبي كاليجار بن عضد الدولة وتاج الملة مولى أمير المؤمنين. سلام عليك فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. أمـا بعد أطال الله بقاءك فإن أمير المؤمنين وإن كان قد بوأك المنزلة العليا وأنالك من أثرته الغاية القصوى وجعل لك ما كان لأبيك عضد الدولة وتاج الملة رحمة الله عليه من القدر والمحل والموضع الأرفع الأجل فإنه يوجب لك عند بذلك أثراً يكون لك في الخدمة ومقام حمدٍ تقومه في حماية البيضة إنعاماً يظاهره وإكراماً يتابعه ويواتره. والله يؤيدك من توفيقه وتسديده ويمدك بمعونته وتأييده ويخير لأمير المؤمنين فيما رأيه مستمرٌّ عليه من مزيدك وتمكينك والإبقاء بك وتعظيمك وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله عليه يتوكل وإليه ينيب. وقد عرفت أدام الله عزك ما كان من أمر كردويه كافر نعمة أمير المؤمنين ونعمتك وجاحـد صنيعتـه وصنيعتـك فـي الوثبة التي وثبها والكبيرة التي ارتكبها وتقريره أن ينتهز الفرصة التي لم يمكنه الله منها بل كان من وراء ذلك دفعه ورده عنها ومعاجلتك إياه الحرب التي أصلاه الله نارها وقنعه عارها وشنارها حتى انهزم والأوغاد الذين شركوه في إثارة الفتنة على أقبح أحوال الذلة والقلة بعد القتل الذريع والإثخان الوجيع فالحمد لله على هذه النعمة التي جل موقعها وبان على الخاصة والعامة أثرها ولزم أمير المؤمنين خصوصاً والمسلمين عموماً نشرها والحديث بها وهو المسؤول إقامتها وإدامتها برحمته. وقـد رأى أميـر المؤمنيـن أن يجازيـك عـن هـذا القبـح العظيـم والمقـام المجيـد الكريـم بخلـع تامة ودابتين ومركبين ذهباً من مراكبـه وسيـفٍ وطـوق وسـوارٍ مرصـع فتلـق ذلـك بالشكـر عليـه والاعتداد بنعمته فيه وآلبس خلع أمير المؤمنين وتكرمته وسر من بابه على حملاته وأظهر ما حباك به لأهل حضرته ليعز الله بذلك وليه ووليك ويذل عدوه وعدوك إن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وكتب أحمد بن محمد لثمان إن بقين من شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وثلثمائة أطال الله بقاءك وأدام عزك وأحسن حفضك وحياطتـك وأمتـع أمير المؤمنين بك وبالنعمة فيك وعندك. وهذه نسخة كتابٍ آخر من ذلك أيضاً كتب به عن المقتفي لأمر الله إلى السلطان مسعود بن محمـد بـن ملكشـاه السلجوقـي فـي تعزيـةٍ بولـدٍ مـات لـه وفيـه تكنيـة الخليفـة وتقديـم الكنيـة على الاسم وكثرة الألقاب للمكتوب إليه وهو. مـن عبـد اللـه أبـي عبـد اللـه محمـدٍ المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين إلى شاهنشاه المعظم مولى الأمم مالك رقاب العرب والعجم جلال دين الله ظهير عباد الله حافظ بلاد الله معين خليفة الله غياث الدنيا والدين ناصر الإسلام والمسلمين محيي الدولة القاهرة معز الملة الزاهرة عماد الملة الباهرة أبي الفتح مسعود بن محمد ملكشاه قسيم أمير المؤمنين. سلام عليك فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله ويسلم تسليماً. أما بعد أطال الله بقاءك! وأدام عزك وتأييدك وسعادتك ونعمتك وأحسن حفظك وكلاءتك ورعايتك وأمتع أمير المؤمنين بك وبالنعمة الجليلة والموهبة الجزيلة والمنحة النفسية فيك وعندك ولا أخلـاه منـك! فـإن أولى من ادرع للحوادث جبة الاصطبار ونظر أحوال الدنيا في تقلبها بعين الاعتبـار ورجـع إلـى اللـه تعالـى فـي قـدره وقضائه وسلم لأمره الذي لاراد له في امتحانه وابتلائه وعرف أن له سبحانه في كل ما يجريه على عباده حكمةً باطنة ومصلحةً كامنه من خيـرٍ عاجل ينشره وثوابٍ آجل يؤخره لهم إلى يوم الجزاء ويدخره وفائدةٍ هو أدرى بها وأعلم وفعله فيها أتقن وأحكم من خصه بما خصـك اللـه بـه مـن الديـن الراجـح والخلـق الصالـح والمعتقـد الواضح والنعم التي جادك في كل يوم مقامٍ سحابها واتسعت بن يديك عند مضايق الأمور رحابها وأنست إذا استوحشت من العاجزين عـن ارتباطهـا بالشكـر صحابهـا والمناقـب التـي فرعت بها صهوات المجد وتملكت رق الثناء والحمد وعلوت فيها عن المساجل والمطاول وبعد ما حضر لك منها عن أن تناله يد القائم المحاول. وتأدى إلى حضرة أمير المؤمنين أمتعه الله ببقائك ودافع له عن حوبائك نبأ الحادثة بسليلك الذي اختار الله له كريم جواره فأحب له الانتقـال إلـى محـل الفـوز ومـداره فوجـد لذلـك وجوماً موفراً وهماً للسكون منفراً وتوزعاً تقتضيـه المشاركـة لـك فيمـا ساويتـه والمساهمـة الحاصلـة فـي كـل ما حلا من الأمور وأمر وأمر عند ورود هذا الخبر بالتصدي للعزاء وإعلان ما يعلن عن مقاسمتك في الضراء دفعها الله عنك والسراء وندب جمعاً من الخدم المطيفين بشريف سدته المختصين بعزيز خدمته بتعز يتصونه لباس التعزية ويستدني بتقمصه عازب التسلية إبانةً عن انصراف الهمـم الإماميـة إليـك فيمـا خـص وعـم مـن حالك واستجلابه لك دواعي المسار في حلك وترحالك وكون الأفكار الشريفة موكلةً بكل ما حمى من الروائع قلبك وأعذب شربك وأنت حقيقٌ بمعرفة هذه الحال من طويته لك ونيته ورأيه فيك وشفقته ورعاية مصلحتك منه بعين كالية ورجوعه مـن المحافظـة فـي حقك إلى ألفة بالصفاء حالية وتلقـي الرزيـة التـي أرادهـا اللـه وقضاهـا وأنفـذ مشيئتـه فيهـا وأمضاها بالصبر المأمور به والاحتساب والتسليم الموعود عليه بجزيل الثواب علماً أن الأقدار لا تغالب وغريمها لا يطالب وإن الله تعالى إذ قال لنبيه صلى الله عليه وسلم وهو سيد البشر هذه مناجاة أمير المؤمنين لك أدام الله تأييدك! وأمتع بك! إن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمة الله. الأسلوب الثاني أن يكون الافتتاح بلفظ أما بعد وهو على نوعين النوع الأول أن يعقب البعدية الحمد لله وهو على ضربين الضرب الأول أن يتعدد الحمد في أول الكتاب ويكون ذلك في الكتب المؤذنة بحصول نعمةٍ ظاهرة كالفتوح ونحوها. ويقع التعدد فيها بحسب ما يقتضيه النعمة وغالب ما يكون ثلاث مرات وربما وقع التحميد في أول الكتاب وآخره. وهـذه نسخـة كتـابٍ مـن هـذا النـوع كتـب بهـا عـن المعتصـم إلـى ملـوك الآفاق من المسلمين عند قبض أما بعد فالحمد لله الذي جعـل العاقبـة لدينـه والعصمـة لأوليائـه والعـز لمـن نصـره والفلـج لمـن أطاعه والحق لمن عرف حقه وجعل دائرة السوء على من عصاه وصدف عنه ورغب عن ربوبيتـه وآبتغـى إلهـاً غيـره لا إلـه إلا هـو وحده لا شريك له. يحمده أمير المؤمنين حمد من لا يعبد غيـره ولا يتوكـل إلا عليـه ولا يفـوض أمـره إلا إليـه ولا يرجـو الخيـر إلا مـن عنـده والمزيـد إلا من سعة فضله ولا يستعين في أحواله كلها إلا به. ويسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله وصفوته من عباده الذي آرتضاه لنبوته وآتبعه بوحيه وآختصه بكرامته فأرسله بالحق شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً. والحمد لله الذي توجه لأميـر المؤمنيـن بصنعه فيسر له أمره وصدق له ظنه وأنجح له طلبته وأنفذ له حيلته وبلغ له محتبه وأدرك المسلمون بثأرهم على يده وقتل عدوهـم وأسكـن روعتهـم ورحـم فاقتهـم وآنـس وحشتهـم فأصبحـوا آمنيـن مطمئنيـن مقيميـن فـي ديارهـم متمكنين في أوطانهم بعد القتل والخوف والتشريد وطـول العنـاء وتتابـع البـلاء منأ من الله عز وجل على أمير المؤمنين بما خصه به وصنعاً له فيما وفقـه لطلبـه وكرامـةً زادهـا فيمـا أجـرى على يده. فالحمد لله كثيراً كما هو أهله ونرغب إلى الله في تمام نعمه ودوام صنعه وسعة ما عنده بمنه ولطفه. ولا يعلم أمير المؤمنين مع كثرة أعداء المسلمين وتكنفهم إياه من أقطاره والضغائن التـي فـي قلوبهـم علـى أهلـه ومـا يترصدونـه مـن العداوة وينطوون عليه من المكايدة إذ كان هو الظاهر عليهم والآخذ منهم عدواً كان أعظم بليةً ولا أجل خطباً ولا أشد كلباً ولا أبلغ مكايدة ولا أرمى بمكـروه مـن هـؤلاء الكفـرة الذيـن يغزوهم المسلمون فيستعلون عليهم ويضعون أيديهم حيث شاءوا منهم ولا يقبلون لهم صلحاً ولا يميلون معهم إلى موادعة وإن كان لهم على طول الأيام وتصرف الحالات وبعض ما لا يزال يكون من فترات ولاة الثغور أدنى دولة من دولات الظفر وخلسة من خلس الحرب كان بما لهم من خوف العاقبة في ذلك منغصاً لما تعجلوا من سروره وما يتوقعون من الدوائر بعد مكدراً لما وصل إليهم من فرحةٍ. فأما اللعين بابك وكفرته فإنهم كانوا يغزون أكثر مما يغزون وينالون أكثر مما ينال منهـم ومنهـم المنحرفون عن الموادعة المتوحشون عن المراسلة ومن أديلوا من تتابع الدول ولم يخافوا عاقبةً تدركهـم ولا دائـرةً تـدور عليهـم. وكـان ممـا وطـأ ذلك ومكنه لهم أنهم قومٌ ابتدؤا أمرهم على حال تشاغل السلطـان وتتابـع مـن الفتـن واضطـرابٍ مـن الحبـل فاستقبلـوا أمرهـم بغـزة مـن أنفسهـم وضعفٍ واستثارة ممن باراهم فأجلوا من حولهم لتخلـص البلـاد لهـم ثـم أخربـوا البلـاد ليعـز مطلبهم وتشتد المؤونة وتعظم الكلفة ويقووا في ذات أيديهم فلم يتواف إليهم قواد السلطان إلا وقد توافت إليهم القوة من كل جانب فاستفحل أمرهم وعظمت شوكتهم واشتدت ضروراتهم واستجمع لهم كيدهم وكثر عددهم واعتدادهم وتمكنت الهيبة في صدور الناس منهـم وتحقـق في نفوسهم أن كل ما يعدهم الكافر ويمينهم أخذٌ باليد. وكان الذي بقي عندهم منه كالذي مضى وبدون هذا لا يختدع الأريب ويستنزل العاقل ويعتقل الفطن فكيف بمن لا فكرة له ولا روية عنده هذا مع كل ما يقوم في قلوبهم من حسد أهل النعم ومنافستهم على ما في أيديهم وتقطعهم حسراتٍ في إثر ما خصوا به وأنهم إن لا يكونوا يرون أنفسهم أحق بذلك فإنهم يرون أنهم فيه سواء. ولم يزل أمير المؤمنين قبل أن تفضي إليه الخلافة ماداً عنقه موجهاً همته إلى أن يوليه الله أمر هؤلاء الكفرة ويملكه حربهم ويجعله المقارع لهم عن دينه والمناجز لهم عن حقه فلم يكن يألو فـي ذلـك حرصـاً وطلبـاً واحتيـالاً فكـان أميـر المؤمنيـن رضـي الله عنه يأبى ذلك لضنه به وصيانته بقربه مع الأمر الذي أعده الله له وآثره به ورأى أن شيئاً لا يفي بقوام الدين وصلاح الأمر. فلمـا أفضـى اللـه إلـى أميـر المؤمنيـن بخلافتـه وأطلـق الأمـر فـي يده لم يكن شيءٌ أحب إليه ولا آخذ بقلبه من المعاجلة للكافر وكفرته فأعزه الله وأعانه الله فلله الحمد على ذلك وتيسره فأعد من أمواله أخطرها ومن قواد جيشه أعلمهم بالحرب وأنهضهم بالمعضلات ومن أوليائه وأبناء دعوته ودعوة آبائه صلوات الله عليهم أحسنهم طاعة وأشدهم نكاية وأكثرهم عدة. ثم أتبع الأموال بالأموال والرجال بالرجال من خاصة مواليه وعدد غلمانه وقبل ذلك ما اتكل عليه من صنع الله جل وعز ووجه إليه من رعيته. فكيف رأى الكافر اللعين وأصحابه الملاعين ألم يكذب الله ظنونهم ويشف صـدور أوليائـه منهـم يقتلونهـم كيـف شـاءوا فـي كـل موطـن ومعتـرك مـا دامت عند أنفسهم مقاومةً. فلما ذلوا وقلوا وكرهوا الموت صاروا لا يتراءون إلا في رؤوس الجبال ومضايق الطرق وخلف الأودية ومـن وراء الأنهـار وحيـث لا تنالهـم الخيـل حصنـاً للمطاولـة وانتظـاراً للدوائـر فكادهـم الله عند ذلك وهو خير الكائدين واستدرجهم حتى جمعهم إلى حصنهم معتصمين فيه عند أنفسهم فجعلوا اعتصامهم لحين لهم وصنع لأوليائه وإحاطةٍ منه به تبـارك وتعالـى فجمعهـم وحصرهم لكي لا تبقى منهم بقيةٌ ولا ترجى لهم عاقبة ولا يكون الدين إلا لله ولا العاقبة إلا لأوليائه ولا التعس والنكس إلا لمن خذله. فلمـا حصرهم الله وحبسهم عليهم ودانتهم مصارعهم سلطهم الله عليهم كيدٍ واحدةٍ يختطفونهم بسيوفهم وينتظمونهم برماحهم فلا يجدون ملجأ ولا مهرباً. ثم أمكنهم من أهاليهم وأولادهم ونسائهم وحرمهم وصيروا الدار دارهم والمحلة محلتهم والأموال قسماً بينهم والأهل إمـاءً وعبيـداً. وفـوق ذلك كله ما فعل بهؤلاء وأعطاهم من الرحمة والثواب وما أعد لأولئك من الخزي والعقاب وصار الكافر بابك لا فيمن قتل فسلم من ذل الغلبة ولا فيمن نجا فعاين في الحياة بعض العوض ولا فيمن أصيب فيشتغـل بنفسـه عـن المصيبـة بمـا سـواه لكنـه سبحانـه وتعالى أطلقه وسد مذاهبه وتركه ملدداً بين الذل والخـوف والغصـة والحسـرة حتـى إذا ذاق طعم ذلك كله وفهمه وعرف موقع المصيبة وظن مـع ذلـك كلـه أنـه علـى طريـق مـن النجـاة فأضرب الله وجهه وأعمى بصره وسد سبيله وأخذ بسمعه وبصره وحازه إلى من لا يرق له ولا يرثي لمصرعه فامتثل ما أمر به الأفشين حيدر بن طاوس مولى أمير المؤمنين في أمره فبـث لـه الحبائـل ووضع عليه الأرصاد ونصب له الأشراك حتى أظفره الله به أسيراً ذليلاً موثقاً فـي الحديـد يـراه فـي تلـك الحالـة مـن كـان يراه رباً ويرى الدائرة عليه من كان يظن أنها ستكون له. فالحمد لله الذي أعز دينه وأظهر حجته ونصر أولياءه وأهلك أعداءه حمداً يقضى به الحق وتتم به النعمة وتتصل به الزيادة. والحمد لله الذي فتح على أمير المؤمنين وحقق ظنه وأنجح سعيه وحاز له أجر هذا الفتح وذخره وشرفه وجعلـه خالصـاً لتمامـه وكمالـه بأكمـل الصنـع وأحسن الكفاية ولم ير بوساً فيه ما يقذي عينه ولا خلا من سرور يراه وبشارةٍ تتجدد له عنه فما يدري أمير المؤمنين ما متع فيه من الأمل أو ما ختم له من الظفر. فالحمد لله أولاً! والحمد لله آخراً! والحمد لله على عطاياه التي لا تحصى ونعمه التي لا تنسى إن شاء الله تعالى. وهـذه نسخـة كتـاب من هذا الضرب كتب به أبو سعيد العلاء بن موصلايا عن القائم بالله إلى عضد الدولة ألب أرسلان إلى مسعود بن محمود صاحب غزنة من أوائل بلاد الهند بالبشارة بالنصر على البساسيري وهو: أما بعـد فالحمـد للـه منثـر الحـق ومبديـه ومبيـر الباطـل ومرديـه الكافـل بإعـزاز حزبـه وإذلـال حربه المؤيد في نصرة دينه خصب الدهر بعد إمحاله وجدبه الناظم شمل الشرع بعد شتات وتفرقه الحاسم داعي الفساد بعد استيلائه وتطرقه ذي المشيئة النافذة الماضية والعزة الكاملة الوافرة والعظمة الظاهرة الباديـة والبراهيـن الرائعـة الرائقـة والدلائـل الشاهـدة بواحدانيتـه الناطقـة حمداً لا انتهاء لأمده ولا إحصاء لعدده. والحمد لله الذي اختص محمداً صلى الله عليه وسلم برسالته وحباه وأولاه من كرامتـه مـا حـاز لـه بـه الفضـل وحـواه وبعثـه علـى حيـن فتـرة مـن الرسل وخلاء من واضح السبل فجاهد بمن أطاعه من عصاه وبلغ في الإرشاد أقصى غايته ومداه ولم يزل مبدياً أعلام الإعجاز وملحقاً الهوادي بالأعجاز إلى أن دخل الناس في الدين أفواجاً وسلكوا في نصرتـه جـدداً واضحـاً ومنهاجـاً وغـدت أنـوار الشـرع ضاحكـة المباسـم وآثـار الشرك واهية الدعائم ومناهل الهدى عذبةً صافية. فصلى الله عليه وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتخبين وخلفائه الأثمة الراشدين وسلم تسليماً. والحمد لله الذي أصار إلى أمير المؤمنين من تراث النبوة ما استوجبه واستحقه وأنار لديه من مطالع الجلال ما تملك به الفخر واسترقه ومنحه من حسن التمكيـن والإظفـار وإجـراء الأقضيـة علـى مـراده والأقـدار مـا رد صرف الدهر عن حوزته مفلول الحد ومد باع مجده إلى أقصى الغاية والحد وحمى سرب إمامتـه من دواعي الخوف والحذر ووقى مشرب خلافته من عوداي الرنق والكدر وجعل معالم العدل في أيامه مشرقة الأوضاح والحجول مفترةً النواجذ عن الكمال الضافي الأهداب والذيول مؤذنةً باستقرار أمداد السعادة واستمرار الأحوال على أفضل الرسم والعادة وهو يستديمه من لطيف الصنع وجميله ووافي الطول وجزيله ما يزيد آراءه سداداً ورشاداً وأرومة عزه اتساعاً وامتداداً ومجاري الأمور لديه اتساقاً على المراد واطراداً وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله عليه يتوكل وإليه ينيب! ومعلومٌ ما اعتمده شاهنشاه المعظم بعد مسيره إلى العراق في الجيوش التي يضيق بها الفضاء ويجري على مرادها القضـاء قاصـداً تلبيـة الدعـوة وخاضـداً شـوك كـل مـن سـد عـن الديـن أسباب المضرة والمعرة ومعتمداً ما حمى حـوزة أميـر المؤمنيـن مـن الشوائـب المعترضـة وحـوى أقسام الفخار في اتباع شروط الخدمة الملتزمة المفترضة من المبادرة للكع اللعين البساسيري ولفيفه المخاذيل مدرعاً من الاعتضاد بالله تعالى أقوى الجنن وأسبغ السرابيل ليطهر الأرض من دنس كفرهم ويوفر الجد في فصم حدهم وحسم كيدهم فأطل على بلاد الشام متطلباً من ألجـأه حـذره إلـى الإمعان في الهرب وقطع كل أاخية وسبب ومعتزماً الائتمام إلى مصر لانتزاعها وبقية الأعمال من أيدي أحلاف الغواية والضلال وقرب الأمر فيما حاوله من ذلك ورامه اعتماه فيه صنوف التجدد وأقسامه فاعترضه من عصيان إبراهيم اينال وعقوقه وخروجه عن زمرة أبناء الطاعة ومروقه بإفساد اللعين إياه وإحالته بمكره عن مناهج هداه ما أحوجه إلى ترك ما هو بصدده واللحاق بأثره حذاراً من استفحال خطبه وبداراً إلى فل حده وغربه فعاد ذلك بتجمـع الأعـداء واحتشادهـم وسلوكهـم المحجـة التـي خصـوا فيهـا بعدم توفيقهم ورشادهم وإقدامهم على فضل الإمامة المكرمة بالمحاربة واطراحهم في منابذتها حكم الاحتشام والمراقبة ووقوع التظافر على المجاهرة بخلافها والتظاهر بشعار أشياع الغواية وأحلافها جرأةً على الله تعالى واستنزالاً لعقابه واطراحاً لما توجبه الجناية العظمى من توقع العذاب وارتقابه وادراعاً لملابـس الخـزي فـي الدنيـا والآخـرة واتباعـاً لداعـي الضلالـة المغويـة فـي البدء والخاتمة فاقتضى حكم الاستظهـار الانتقـال مـن دار الخلافـة بمدينـة السلـام إلى حديثة عانة لما هي عليه من امتناع الجانب وشدة الحصانة إلى أن أسفر خطب شاهنشـاه ركـن الديـن أمتـع اللـه بـه عـن إدراك المطالـب وتيسر المصاعب فعاد بنصرة الدولة العباسية الإمامية القائمية مستنفداً في ذلك أقسام الوسع والاجتهـاد ومستنجـداً بمعونـة اللـه تعالـى على إبادة الكفر بصنوف القراع والجهاد. ولم يزل ساعياً في إزالة العار وانتزاع المغتصب وارتجـاع المستعـار إلـى أن صـدق اللـه تعالـى الأمـل وحققـه وأصفى منهل العز من كل ما شابه ورنقه وأطلع شمس الحق بعد غروبها ومن بخضد شوكة الباطل وفل غروبها. وعاد أمير المؤمنين إلى دار ملكه ومقر مجده في يوم كذا ضافيةً على راياته جلابيب النصر والظفـر جاريـةً علـى إرادتـه تصاريـف القضـاء والقـدر بيمـن نقيبـة شاهنشـاه الـذي أدى في الطاعة الفرض والواجب وتمسك من المشايعة بأفضل ما تضـم عليـه الرواحـب وغـدا للدولـة عضداً موفياً على الأمثال في دفعه عن الإسلام وذبه ومتقمصاً للجلال بحسن إخلاصه في حالتي بعـده وقربـه. ومـا زالـت ثقـة أميـر المؤمنيـن مستحكمـةً باللـه تعالـى عندمـا ألـم بـه مـن تلـك الحـال ودهم من الخطب المحتف به سطوة الاشتداج والاستفحال في إجرائه على ما ألفه من النصر والإعزاز وإظهار آلائه في تأييده والإعجاز إذ لم يكن مـا عـراه استعـادةً للحـق المسلـم إليـه والموهبة التي ضفت جلابيبها عليه بل جعل الله ذاك إلى امتحان صبره سبيلاً وعلى وفور أجره دليلاً وبإبادة كل ناعقٍ في الفتنة كفيلاً لتزداد أنوار علاه نضارةً وحسناً وأعلام جلاله سعـادةً ويمنـاً وربـاع عـزه سكونـاً وأمنـاً لطفـاً منـه جلـت آلاؤه في ذلك ومناً. وتلا هذه النعمة التي جددت عهود الشرع وافية النضارة وأزالت عن الدين مفاسـده العارضـة ومصـاره مـا سهلـه الله وهناه وأجزل به صنيعه الجزيل وأسناه من ظفـر السرايـا التـي توردهـا لاصطلـام اللعنـاء واجتياحهـم وحسـم فسادهـم وهـدم عراصهـم وإخماد ما أضرموه من نار الشرك وشبوه وإبطـال مـا أحدثـوه مـن رسـم الجور وسنوه وأفضى الحال إلى النصر على الأعداء من كل جانب وقهـر كـل منحـرف عـن الرشـاد ومجانـب وحلـول التأييد على الرايات المنصورة العباسية التي لم تزل مكنوفـةً علـى صـرف الدهـر أشياعهـا وأنصارهـا وإجـلاء الحرب عن قتل اللعين البساسيري وأخذ راسه وتكذيب ظنه في احرازه من طوارق الغير واحتراسه وإراحة الأرض وأهلها من دنسه وعدوانه وكون من ضامه من طبقات العرب والأكراد والأتراك البغداديين والعوام بين قتيلٍ مرمل بدمه وأسير تلقى المنون بغصة أسفه وندمه وصريع في بقيةٍ من ذمائه وهاربٍ والطلب واقعٌ مـن ورائـه. فأنجـز الله وعده في هذا المارق والعبد الآبق الذي غره إمهال الله تعالى إياه فنسي عواقـب الإهمـال فـي الغوايـة والإمهـال فـي الطغيان إلى أقصى الحد والغاية وحمل رأسه إلى الباب العزيز فتقدم بالتطواف به في جانبي مدينة السلام وشهره إبانةً عن حاله وإيضاحاً لجلية أمره وكفـي مـا يوجبـه إقدامـه علـى العظائـم التـي علم الله تعالى سوء مصيرها ومآلها وحرم الرشد في التمسك والتشبث بأذيالها وتلك عاقبة من بغى واعتدى وأتزر بالغدر وارتدى وأمعن فـي الضلة واعتدى. والجد واقع من بعد في المسير للاحتواء على بلاد المخالفين الدانية والقاصية والأخذ مع مشيئة الله تعالى بنواصي كل فئةٍ طاغيةٍ عاصية. فالحمد لله على المنحة التي بشرت الإسلام بجبر كسره وأنقذت الهدى من ضيق الكفر وأسره وأبدت نجوم العدل بعد أن أفلت وغارت وأردت شيعة الباطـل بعـد أن اعتـدت علـى الحـق وأغـارت. وهـو المسـؤول صلتهـا بأمـداد لهـا تقضـي إذ ذاك سائـر الأغـراض وبلوغهـا وتقضـي بكمال رائق الآلاء وسبوغها. اقتضى مكانك أمت الله بك من رأي أمير المؤمنين الذي وطأ لك معاقد العز وهضابه وكمل لديك دواعي الفخر وأسبابه ونحلك من إيجابه الذي وصلت به إلى ذروة العلاء وصلت على الأمثال والنظراء إشعارك بما جدده الله تعالى من هذه النعمة التي غدت السعود بها جمـة المناهل سامية المراتب والمنازل لتأخذ من حظه بها والشكر لله تعالى على ما تفضل به فيها بالقسـم الأوفـى كفـاء مـا يوجبـه ولاءك الـذي امتطيـت بـه كاهـل المجـد واصطفيت به كامل السعد وكونك لدولة أمير المؤمنين شهابها المشـرق فـي الحنـادس وصفيهـا الرافـل مـن إخلـاص مشايعتها في أفخر الحلل والملابس والله تعالى لا يخليك من كل ما تستدر به أخلاف معاليك ولا يعدم أمير المؤمنين منك الوالـي الحميـد السيـرة الرشيـد العقيـدة والسريـرة الشديـد الشاكلـة والوتيرة. هذه مناجاة أمير المؤمنين لك أجراك فيها على ما دعوك من التجمل والإكرام وحباك فيها بما هـو مبشـر لك بالسعادة الوافية الأصناف والأقسام فتلقها بالجذل والاسبتشار وواصل شكر الله تعالى على ما تضمنته من حسن مجاري الأقضية والأقدار وطالع حضرة أمير المؤمنين بأنبائك وتابع إنهاء ما يتشوف نحوه من تلقائك إن شاء الله تعالى. الضرب الثاني أن يتخذ التحميد في أول الكتاب وهو أقل وقوعاً من الضرب الذي قبله وهذه نسخة كتاب من ذلك كتب به أبو إسحـاق الصابـي عـن المطيـع للـه إلـى بعـض ولـاة الأطراف عند طاعة عبد الملك بن نوحٍ أحد ملوك بني ساسان وهي: أما بعد فالحمد لله الولي بالاستحماد المستحق لكنه الاعتباد القدير على تأليـف الأجسـاد البصير بسبل خفايا الأحقاد ذي الحكمة في تبديـل الضغـن والسخيمـة ذمـة والمنابـذة عصمـة والقطيعة وصلة والشحناء خلة والحرج فرجـة والشعـث نضـارةً وبهجـة. الـذي جعـل الصلـح فتحاً هنيت والسلم منجاً بهياً والموادعة مناً جزيـلاً والإرعـاء أمنـاً جميـلاً والإقالـة حرمـاً لا يضل هداه ولا تحل قواه ولا تخيب عواقبه ولا تخفى مآثره ومناقبه رأفةً منـه بالخلـق وصيانـةً لأهل الحق وإمهالاً في العهد ورخصةً في الاختصار دون الحد ليقرب فيئـة المتأمـل ويسهـل رجعة المتحصل وتسرع رفاهية المستبصر ويخف اجتهاد المـزاول المشمـر وقـد قـال اللـه عـز وجل " والصلح خيـرٌ " وهـو المسـؤول عمـارة الإسلـام بالسلامـة والأنـام بالاستقامـة والسلطـان بالطاعة والملك ببخوع الجماعة حتى تزال الفتنة مهيضة الجناح مريشة الاجتياح فليلة الشباة قليلـة الـأدوات فتكـون النفـوس واحدة والأيدي مترافدة والمودات صافية والمآرب متكافية متضاهية في الشكر الذي يذاد به عن النفوس ويحمى به حريم الدين ويرجى معـه التأييـد ويبتغـى بوسيلته المزيد فقد قال الله وقوله الحق: " لئن شكرتم لأزيدنكم " والله سميع مجيب. وحسب أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل! وقد علمت ما فرط من نوح بن نصر في السهو ونقم منه في الهفو الذي ألهاه عن التقوى وأنساه شيمـة الرقبـى فعـدل عـن سنـن القصـد وزاغ عنـه علـى عمـد وحـال عـن آداب آبائـه رحمهم الله وهم القدوة وسجاياهم وبهم الأسوة وما كان ينتمي به من الولاء ويعتزي إليه من الوفاء وصار أدنى معنًى ممن يحسده على كرم الأصل وينافسه في شرف المحل ويدخل على عقله مدخل النصيحة ويطلع بظاهرها على آرائه الصريحة وكل ذلك إلحادٌ في أمير المؤمنين وعهدته ومروق عن أزمته وعقوقٌ بالبرية يشقى به الباقي ولـن يشقـى بـن النـازح الماضـي. فإن أمير المؤمنين ما زال واعياً لأوامر سلفه عارفاً بمآثر خلفه متجافياً لأولئك عما ابتدعه متنويـاً لهـذا التجـاوز عمـا صنعـه فقـد كـان نمي إلى أمير المؤمنين أن عبد الملك بن نوح مولى أمير المؤمنين سليم السريرة سديد البصيرة يرجـع إلـى رأيـه وتدبيـره ولـم يجـد وشمكيـر بـن زنـار عاجلـه بالبـوار مساغـاً إلـى خلتـه ولا احتيالاً في ليه وفتله وكان لعبد الملك ركن الدولة بن مالك مولى أمير المؤمنين ظهيـر صـدق إن وسـن أيقظـه وإن مـاد أيـده خلـة فضـل فطـره اللـه عليهـا وغريـزة تمييـز أحسـن الله إليه فيها فإنه لو قال أمير المؤمنين: إنه لا مثل له استحق هذا الوصف ولأمـن أميـر المؤمنيـن فيـه الخلف. ترك لباس أبيه فنزعه واعتاض منه وخلعه وتنصل مما كان منه منتهكـاً فعـاد عليـه محتنكاً وأتى الأمر من طريقه ولجأ فيه إلى فريقه ركن الدولة أبي علي مولى أمير المؤمنين أحسن الله ولايته ومعز الدولة أبي الحسين تولى الله معونته واستصلحهما وكفى استخلصهما وغنى وراسل في الإنابة وإن لم يكن حائداً والاستقالة وإن لم يكن جانباً فما ترك ركن الدولة ومعز الدولة كلأهما الله إكبار قـدره وإجلـال أمـره والقيـام بخلاصـه والنطـق عـن أميـر المؤمنيـن بلسـان مشاركتـه وإذكـار أميـر المؤمنيـن بمـا لـم ينسـه مـن تلـك الوثائـق التي صدر بها كتابـه والعلائـق التي وشح بها خطابه إلى أن أجل أبا محمد نوحاً وترحم عليه وقبل عبد الملك وأحسن إليه وواصل رسله واستمع رسائله وقلده خراسان ونواحيها وسائر الأعمال الجارية فيها وعهد إليه في ذلك عهداً وميزه باللواء والخلع والحباء بعد أن كناه بلسانه ووفاه حدود إحسانه وألحقه في ذلك بآبائه ولم يقصر فيه بشأوه. وكتاب أمير المؤمنين هذا وقد اطردت الحال واستوثقت وامتزجت الأهواء واتفقت وخلا المشرق من الاضطراب الذي طال أمده ولم يكد يرى أثره وصارت العساكر الدانية والنائية فوضى لا تمتاز ولا تنفرد وتنحاز وذلك صنع الله أمير المؤمنين في جم الشتات وتلافي الهنات ولم خلل التخاذل ومداواة نغل الدخائل لتتم الكلمة في ولايته وتعم النعم في طاعته ولا يكون للشيطان سبيلٌ على شيعته ولا طريق إلى مكيدة أبناء دعوتهن والله ذو الفضل العظيم. فاحمد الله على هذا النبإ الذي تطوع به المقدار والخبر الذي دلت عليه الأخبار من الفتح الذي لم ينغصه تعب ولم يكدره عناء ولا نصب فإنه تأتى سهلاً وأتى رسلاً وابتدأ عفواً وانتهى خالصاً صفواً فقد قمع الله به العندة وجمع بتهيئة العبدة وآذن عقباه بالسعادة وبشرفي سيماه باتصال المادة وأنزل أبا الفوارس عبد الملك بن نوح مولى أمير المؤمنين منزلة من رآه أمير المؤمنين أهلاً للوديعة وآمنه على الصنيعة ورتبه مرتبة المسبحة واستحفظ الله حسن الموهبة به وما قد تجدد بين أبي الفوارس وبينهما من الاتحاد المتولد عن الاغتباط والاعتداد فقل من شاقهما فلم يندم وتمرد عليهما فلم يكلم وتمسك بهما فلم يسعد وارتبع أكنافهما فلم يوعد وأجب عـن هـذا الكتـاب بوصولـه إليكـن وموقـع متضمنـه لديـك ومـا يحدثـه لـك مـن الجـذل وانفساح الأمل موفقاً إن شاء الله تعالى. النوع الثاني أن لا يعقب البعدية تحميدٌ بل يقع الشروع عقبها في المقصود وهذه النسخة كتاب من ذلك كتب به أبو إسحاق الصابي عن الطائع لله إلى من بصحار وسوادها وجبال عمان وأعمالها وحاضرتها وباديتها بالأمر بالاجتماع على الطاعة وهي: أما بعد فإن أمير المؤمنين للذي حمله اللـه مـن أعبـاء الإمامـة وأهلـه لـه مـن شـرف الخلافـة واستودعـه مـن الأمانـة فـي حياطـة المسلميـن والاجتهـاد لهم في مصالح الدنيا والدين يرى أن يراعي من بعد منهم ونأى كما يراعي من قرب ودنا وأنا يلاحظ جماعتهم بالعيـن الكاليـة ويطلبهـم بالعيـن الوافيـة ويتصفـح ظواهـر أمورهـم وبواطـن دواخلهـم فيحمـد من سلك نهج السلامة ويرشد من عدل عن الاستقامة وينظم شمل الجماعة على الألفة التي أمر الله بها وحض عليها ويزيلهم عن الفرقة التي ذمها ونهى عنها إذ يقول جـل مـن قائـل: فلا يزال أمير المؤمنين يعرفهم ما افترض الله عليهم من طاعة الأئمة وأولي الأمر الذين لا عصمة لمخالفهم ولا ذمة لمعاندهم ولا عذر لمسلم ولا معاهدٍ نأى بجانبه عنهم وضل بوجهه عن سبيلهم إذ كان الإمام حجة الله على خلقه وخليفته في أرضه وكانت الطاعة واجبةً له ولمن قلده أزمة أموره واستنابه في حمل الأعباء عنه فمن آنس منه الهداية أحمده ومن أنكر منـه الغوايـة أرشـده بالوعظ ما اكتفى به أو بالبسط إن أحوج إليه. وإن أميـر المؤمنيـن يسـأل اللـه أن يوفقـه للـرأي السديد ويمده بالصنع والتأييد ويتولاه بالمعونة على كل ما لم الشعث وسد الخلل وقوم الأود وعدل الميل وأحسن العائدة على المسلمين جميعاً فيشرق الأرض وغربها وسهلها وحزنها إنه بذلك جدير وعليه قدير وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله عليه يتوكل وإليه ينيب. وقـد علمتـم أن أميـر المؤمنيـن أحسـن إلـى الرعية بما كان فوضه إلى عضد الدولة وتاج الملة رحمة الله عليه من سياستهم بادياً ثم أحسن باستخلاف عديله وسليله صمصام الدولة وشمس الملة ثانيـاً إذ كـان خيـرة أميـر المؤمنين وصفوته وحسامه ومجنه والمورد المصدر عنه بالعهدين المستمرين من أمير المؤمنين بالنص عليه ومن الوالد رحمه الله بالوصية إليه. وإن هذه العقود المؤكدة والعهود المشددة موجبة على الكافة طاعة من حصلت له أو استقرت بوثائقها في يده إذ لا يصح مـن حاكـم حكـم ولا مـن عاقـدٍ عقـد ولا مـن والٍ إقامـة حـد ولا مـن مسلـمٍ تأديـة فرضٍ حتى يكون ذلك مبنياً على هذا الأصل ومداراً على هـذا القطـب وإن كـان خـارجٌ عنهما وراضٍ بخلافهما خرج عن دينه أثم بربه بريء من عصمته وأنتم من بين الرعية فقد خصصتم سالفاً بحسن النظـر لكـم وعرفـت الطاعـة الحسنـة منكـم فتقابلـت النعمـة والشكـر تقابلاً طاب به الذكر وانتظم به الأمر. ثم حدثت الهفوة المعترضة قبيل فكان أمير المؤمنين موجباً للمعاقبة الموجبة على الجاهل الموضع في الفتنة والمعاتبة الممضة على الحكيـم منكـم القاعد عن النصرة إلى أن وردت كتب أستادهرمز بن الحسن حاجب صمصام الدولة باستمراركم على كلمةٍ سواء في نصرة الأولياء والمحاماة دونهم ومدافعة الأعداء والمراماة لهم. فوقع ذلك من أمير المؤمنين أحسن مواقعة ونزل لديه ألطف منازله وأوجب لكم بـه رضـاه المقترن برضا الله سبحانه الموجب للقربة والزلفى عنده وأمير المؤمنين يأمركم بالدوام على ما أنتم والثبات على ما استأنفتم المبادرة إلى كل ما يأمركم به فلان الوالي عليكم من صمصام الدولـة بالاستخلـاف والتفويـض ومن أمير المؤمنين بالإمضاء لما أمضاه والرضا بما يرضاه فاعلموا ذلك من رأي أمير المؤمنين وأمره وانتهوا فيه إلى حده ورسمه وكونوا لفلان الوالي خير رعية يكن لكم خير راعٍ فقد أمر فيكم بحسن السيرة وإجمال المعاملة وتخفيف الوطأة ورفع المؤونـة وجعـل إليـه عقـاب المسـيء وثـواب المحسـن ومسالمـة المسالـم ومحاربة المحارب وأمان الجملة الثالثة في الكتب الخاصة مما يصدر عن الخلفاء وهي على ضربين الضرب الأول ما يكتب عن الخلفاء إلى وزرائهم قال في صناعة الكتاب: ويكاتب الإمام الوزير أو من حل محله أمتعني الله بك وبدوام النعمة عندي بك وبقاء الموهبة لي فيك وما جرى هذا المجرى. وذكـر فـي ذخيـرة الكتـاب: أن الدعاء للوزير أمتعنا اللهبك وبدوام النعمة لنا فيك وتجديد الموهبة عندنـا بـك. ثـم قـال: ودعـا المكتفـي باللـه للقاسـم بـن عبـد الله لما أمر بتكنيته وكان الكتاب بخطه أمتعنـي اللـه بـك وبالنعمـة فيـك ووقـع المستنصـر إلـى وزيره أحمد بن الخصيب مد الله في عمرك. وهـو قريـب ممـا ذكـره ممـا ذكـره فـي صناعـة الكتـاب فـي ذلـك كلـه والـذي رأيتـه فـي مكاتبـات العلاء بن موصلايـا عـن القائـم بأمـر الله التصدير بما فيه تعظيم الوزير وتقريظه من غير ضابط في الابتداء والدعاء في أثناء ذلك بالحياطة ثم التوصل إلى المقصد. وهذه نسخة كتاب كتب به العلاء بن موصلايا عن القائم إلى وزيره: لما خص الله تعالى الدولة القاهرة العباسية بامتداد الرواق في العز واتساع النطاق وأجرى لها الأقـدار بما يجمع شمل الحق ويمنع من نفاق النفاق وأفرد أيامها بالبهاء المنير الأعلام والانتهاء في قوة الأمر إلى ما يتأدى في طاعتها بين اليقظات والأحلام وجعل الزمان واقفاً عند حدها في النقض والإبرام ومتصرفاً على حكمها في كل ما حاول من حالٍ ورام ومكن لها في الأرض حتـى أذلـت نواصـي الأعداء قهراً وقسراً وحسرت عن قناع القدرة على رد الطامعين في إدراك مداها ظلعاً حسرى فإن الله تعالى لم يخلها كل وقتٍ من قائلٍ في نصرتها فاعل وقائم بإقامة حشمتها من كل حافٍ من الأنام وناعل وراغب في الذب عن حوزتها سراً وجهراً وخاطب من خدمتها ما يرجى أن يكون رضا الله في المقابلة عنه أغلى مهراً وناهج جدد الرشد في المناضلة عنها بسيفه وقلمه وفارجٍ للكرب الحادثة فيها بنطق فيه وسعي قدمه. وقد منح أيام أمير المؤمنين من كونك الولي بمواصلة المقامات الغر فيها والخلي من كل ما يباين صحة الموالاة وينافيها والضمين لما عاد عليها باستقامة النظام والضنين بما يوجد للغير الطريق إلى وصول الحتف إليها والاهتضام والمتجرد في إمداد عزها بالإحصـاف والإمـرار والمتفـرد بإعداد أقسام المناضلة دونها في الإعلان والإسرار والباذل وسعه فيما ثنى إليها أعنة السعد ولواها والخاذل كل مستنجدٍ بها فيما يخالف محبتها وهواها ما أوفى على المألوف في أمثالها من قبل وصار لك به على كل من سلفك من الأعضاء التقدم والفضل فهي بآثارك الحميدة فيها وإكبارك الجد في تشييد مبانيها وكونك كافياً أمر المحاماة من ورائها كافاً عنها ما يخشى مـن حـدوث أسبـاب الفسـاد واعترائهـا منيعة الجانب مريعة الجناب سريعةٌ فيها السعود إلى ما يلي نداءها بأحسن التلبية والجواب. ثم إنه وإن كانت زلفك إلى حضرة أمير المؤمنين بادية الحجول والغرر غير محتاجة إلى إقامة الدليل عليها بما اتضح من أمرها واشتهر فإن فلاناً يعيد جلاءها دائماً فـي أبهـى الملابـس وأنضرها ويجيد الجد في الدلالة على تقابل مخبرها في الجمال ومنظرها ويكشف من صفاء السرائـر فيهـا والبواطن وما يطلع عليه منها في كل المحال والمواطن ما يسهب في وصفه ويعجب سماع ذكره ويطرب. وفي هذه النوبة عاد وقد زاد على المعهود من شكرك وجازه وأبان عن صلته بالوعد في ضمـان النجـح منـك نجازه وأوجب على نفسه أن لا يقف عند حد فيما يؤدي إلى نشر محامدك في الأرض وطي الجوانح لك على الإخلاص الصادق المحض. ولمـا مثـل بحضـرة أميـر المؤمنيـن علـى رسمـه الـذي وسـم بالجمـال جبينـه وابتسم ثغر التوفيق فيه عما أصبـح النجـح أليـف سعيـه وقرينـه وبحسـب فوزه من شرف الحظوة برتبةٍ لم ينلها أحد الأقران له في الزمان وفوته شأو أبناء جنسه يوم المضمار والرهان كفاء ما يستوجبه بغلاء قيمته في الكمـال والغنـاء بـه في كل مقام أمن حد مضائه فيه الكلال أشار بذكر مقاصدك التي حزت بها من غنائم الحمد الصفايا وشاد مباني محامدك بفضل الإبانة عن السرائر والخفايا وتابع الثنـاء على كل من أفعالك التي أمسى هلالك فيها مقمراًن ووضح فيها كونك بشروط الإخلاص محباً مضمـراً وشرح من توفرك على كل قربة غراء تغري الألسنة بحمدك وتنبيء عن حسن مقصدك برفع عماد الحق وعمدك ما قامت عليه الأدلة واستقامت به على سنن الرشد الأهواء المضلة وبيـن مـن أمضائـك كـل عـزم فـي تهيئة القربات إلى حضرة أمير المؤمنين حالاً فحالاً وإبطائك خطا الجد فيما يراد بزلفك البالغة أقصى الغايات لديه سابقاً واتصالاً ما يضاهي المظنون في تلك العقيدة التي طالما ألفيت في نصرة الدولة القاهرة صافية المورد والمنهل حاليةً من الحسن بكل حالٍ اتضح فيها ما ألهى عن غيرها من الوصف وأذهل فقوبلت بما تستحقه من إحمادٍ أشيع وأذيـع واتبـع فيه الواجب وأطيع وتضاعف الاعتداد بأفعالك التي أعنت بالعون منها في الجمال والأبكـار وأعـدت بهـا الأمـور في الصلاح إلى ما يؤمن إيضاحه الجحد والإنكار. ومن أحق منك بكل فعالٍ تضيء مصابيح الخير فيه وينتشر جميل الذكر من مطاويه وأنت للدولة الولي الأمين وبحفظ نظام كل أمرٍ يختص بها الكفيل الضمين ومن أولى منك بكل حمدٍ يفد إليك إمداده أرسالاً وتجد منه ضالةً نشدت مثلها آمال سواك فآبت بالخيبة عجالاً فلك من الحقوق ما لا ينسـى ومـا يلـزم أن يرعـى فـي كـل مصبـح وممسـى. فأحسـن اللـه جـزاءك عـن كونـك فـي دولتـه ذابـاً عن الجحد حامياً. فأما ما تحدد في معنى الأعمال على الوصف الذي قضى بزوال الخلف وانحسامه واقتضى رأيك إجراء الأمر على ما استصوب من اتساقه وانتظامه فقد وقفت عليه وأجيز ما أشرت إليـه. فأعـواض الدنيا تهون وتسهل في ضمن ما يلحظ من اعتناقك أحكام مشايعة الدولة التي قمت بأعبائها في كل أوان وغدت آثارك فيها باقية الذكر والأجر على تقضي الأزمان. فأنت المرغوب في الثناء ولايةً وإن شانت الأحوال والمخلص الذي لا عوض عنه في كل مقام ومقال فقد أحاط العلم بتفصيل ذلك وجملته وتحقق أن الخيرة في كل ما تشير إلى سلوك طريقـه وجدده ولذلك أجيب فلان إلى الحضور والمستخدمون معه وأذن في المقابلة بالقوانين القديمة والباقـي والجرائـد والموافقـة على ما رأيته في البوادي والعوائد والتنزه عن كل ما شذ عن الحجة المؤكـدة بتوفيقـك وتوفـر الموجـود لهـذه السنـة فيه عليه وحسم مواد استزادته في كل ما تمسك به وأشار إليه والثقة من بعد مستحكمة بتوفرك على ما يرادف إليك إمداد الحمد وتجديدك كل قربة تنضم إلى سوابقها المتجاوزة حد الإحصاء والعد. فأمـا مـا تضمنتـه إشارتـك فـي حـق الستـر الرفيـع فهـل الصلاح إلا من نتائج أقوالك وهل مساعيك إلا موقوفة على الخير وأفعالك وهل الموافقة إلا لك في جميع آرائك وأبحاثك وبحكم ابتدائك لاستقامة النظام فيما قرب وبعد والسكون إلى إسعافك في كل أمر يحدث ويتجدد ويبعث على ما يعيذ رونق الحشمة من الوهن ويهز طاعتك في كل أمر يحقق التقدير فيها والظن فإذا تصفحت حقوق الوكلاء المجتباة وجدت موفـرة علـى اقتنـاء الأجـر مصروفـةً فـي وجوه البر التي هي أنفع الذخر في غد. وهل الأعواض إلا عند من يظن الدنيا بعينها قيمة تنافس وهل مصيرها إلا إلى انقضاء ولو أسعفت بالرغائـب والنقائـس والبواطـن متـى أعـرب عنها أشمت ذاك كل مجانب للدولة من أهل النفاق. وأنت المعتمد لتدبير مـا يصـون حشمـة الدولـة عـن البذلـة والخلـل والمرجـوع إليـه فـي تحسيـن الأمر فيما وقع الاجتهاد فيه حتى تيسر قدره وتسهل. ولهذا تفصيلٌ قد أوعز إلى فلان باستقصاء شرحه وإطلاعك علـى حقيقـة الأمـر وفصه. فكن بحيث الظن فيك تجد زند جمالك بذلك أورى وتجب لك به صنوف الشكر طوراً إن شاء الله تعالى. الضرب الثاني ما يكتب عن الخلفاء إلى وزراء الملوك وهـي ممـا يؤتـى فـي صدرهـا بحـرف النـداء غالبـاً. كمـا يكتـب عن المسترشد إلى معز الدين الفضل وزير معز الدين سنجر بن ملكشاه. مقامـك يا معز الدين أحسن الله حياطتك وكمل موهبته عندك في خدمة الدار العزيزة التي ما زلت لجهدك فيها باذلاً وفـي جلابيـب المناصحـة رافـلاً لا يقبضنـك أن تواصـل حـالاً فحـالاً بأنبائك وتستديم ما خصصت به من شريف الآداب الموفية بك على أكفائك. وعرض بحضرة أمير المؤمنين ما ورد منـك دالاً علـى طاعتـك المعهـودة وموالاتـك الرائقـة المشهـودة واستمـرارك علـى الجدد والمهيع فيما حاز المراضي الشريفة الإمامية لك وحقق في الفوز بجميل الآراء أملك وناطقاً بحال فلان المارق عن الدين المجاهر بمعصية الله تعالى فـي مخالفـة أميـر المؤمنيـن ومـا اقتضاه الرأي المعزي بحسن سفارتك وسداد مقصدك في الطاعة وصفاء نيتك. وأحاط علماً بمضمونه الذي لا ريب أنه ثمرة مناصحتك ونتيجة سعيك المضاهي نصيحة عقيدتك. ومن أولى منك بهذه الحال وأنت الحول القلب ذو الحنكة المجرب الذي تفرد في الأنام بكماله وقصر أكفاؤه عن درك شأوه في الخير ومثاله. وما زلت حديثاً وقديماً موسوماً بهذه المزية مرقوقاً وبغيـر شـك أنـك تراعـي مـا بـدأت بـه وتعضـد مقالـك فـي مـوارده بما تعمده في مصادره وتحرس ما قدمته من الاحتياط بتحريك في أواخره وتمضي العزيمة لإتمام ما شرعت فيه كفاء ما يوجبه دينك ويقتضيه جرياً على وتيرتك فيما قضى للأحوال بالانتظام والاتساق وآذن لشمس الصلاح بالإضاءة والإشراق. وبعد فقد عرفت مـا تكـرر إليـك فـي أمـر هـذه الطائفـة الخبيثـة المكاشفـة بمذهـب الإلحـاد المبارزة بسوء الاعتقاد بعثاً على جهادها وكف ضررها عن الإسلام وفسادها ورفع ستر المراقبة عنها والانتقام لله ولرسوله منها. وما يقنع من همة معز الدولة والدين أمتع الله ببقائه ومن وافر عقلك ودينك وصدق يقينك إلا بإرهاف العزيمة في مكاشفتها وخوض الغمار في محاربتها والقصد لمضايقة من اعتصم منها بالقلاع وقتل كل من يظفر به في سائر البقاع حميةً وامتعاضاً للدين وأنفاً مما استولى عليه بها من الضرر المبين. فكن من وراء الحب لمعز الدنيا والديـن علـى تيقنـك هـذا المثـال والادكـار بمـا تفوز به مع الامتثال له في المآل وانهض في تنفيذ ما يأمـرك بـه فـي هذا الباب نهضة من أتزر رضا الله وأراده وبذل في ذلاح معاده اجتهاده فإن الله سبحانه لا يرضى منكما للانتصار لدينه بالتقصير وأمير المؤمنين أمركما بالجد فيه والتشمير. وقد شرفك بتحفة أمر بحملها إليك من بين يدي سدته وأعرب بها عن مكانك من حضرته إنافةً على الأمثال بقدرك وإضفاءً لملابس فخرك فاعرف بمكان النعمة في ذلك واسلك في القيـام بشكرهـا أوضـح المسالـك وأدم المواصلـة بمطالعتـك وقـدم التوقـع من إجابتك تفز من المراضي الشريفة بالحظ الأسنى ويجتمع لك منها الاسم والمعنى إن شاء الله تعالى. بعد مصير الخلافة إليها كتب خلفاء بني العباس في مصر وهي على ثلاثة أساليب: الأسلوب الأول أن تفتتح الكتاب بلفظ من فلان إلى فلان والحكم فيها على ما كان الأمر عليه في خلافتهم ببغداد إلا أنه زاد فيه لفظ ووليه بعد لفظ عبـد اللـه فـي أول الكتـاب فيقـال فـي افتتاحـه: مـن عبـد اللـه ووليـه أبـي فلـانٍ فلـان الإمـام الفلانـي. ثم يقال: أما بعد حمد الله ويؤتى على آخر الخطبة ثم يتخلص منها ويختم بالأمر بامتثال ما أمر بـه. ويقـال بعـد ذلـك: موفقـاً إن شـاء الله تعالى. والخطاب فيه بالكاف وربما افتتح الكتاب بآية من القرآن الكريم مناسبةٍ للمعنى. وهذه نسخة كتاب كتب به عن الإمام المستكفي بالله أبي الربيع سليمان ابن الحاكم بأمر الله أحمـد إلـى الملـك المؤيـد هزبـر الديـن داود ابـن الملـك المظفـر صلـاح الدين يوسف بن رسول في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون في سنة سبع وسبعمائة حين منع صاحب اليمن الهدية التي جرت العادة بإرسالها إلى الأبواب الشريفة بالديار المصرية مفتتحاً بآية من القرآن وهو: " يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ". من عبد الله ووليه أبي الربيع سليمان: أما بعد حمد الله مانح القلوب السليمة هداها ومرشد العقول إلى أمر معادها ومبداها وموفق من اختاره إلى محجة صواب لا يضل سالكها ولا تظلم عند إخلاف الأمور العظام مسالكها وملهم من اصطفاه لاقتفاء آثار السنن النبوية والعمل بموجبات القواعد الشرعية والانتظام في سلك من طوقته الخلافة عقودها وأفاضت على سدته الجليلة برودها وملكته أقاصي البلاد وأناطت بأحكامه السديدة أمور العباد وسارت تحت خوافق أعلامه أعلام الملـوك والأكاسـرة وشيـدت بأحكامـه مناجـح الدنيا ومصالح الآخرة وتبختر كل منبرٍ من ذكره في ثوبٍ من السيادة معلم وتهللت من ألقابه الشريفة أسارير كل دينارٍ ودرهم. يحمـده أميـر المؤمنيـن علـى أن جعـل أمـور الخلافـة ببنـي العباس منوطة وجعلها كلمةً باقيةً في عقبه إلـى يـوم القيامـة محوطـة ويصلـي علـى ابـن عمـه محمـدٍ الذي أخمد الله بمبعثه ما ثار من الفتن وأطفأ برسالتـه مـا اضطـرم من نار الإحن صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين حموا حمى الخلافة وذادوا عن مواردها وعمدوا إلى تمهيد المعالم الدينية فأقاموا على قواعدها صلاةً دائمة الغدو والرواح متصلاً أولها بطرة الليل وآخرها بجبين الصباح. هـذا وإن الديـن الـذي فـرض اللـه على الكافة الانضمام إلى شعبه وأطلع فيه شموس هدايةٍ تشرق من مشرقة ولا تغرب في غربه جعل الله حكمه بأمرنا منوطاً وفي سلك أحكامنا مخروطاً وقلدنا في أمر الخلافة المعظمة سيفاً طال نجاده وكثر أعوانه وأنجاده وفوض إلينا أمر الممالك الإسلاميـة وإلـى حرمنـا تجبى ثمراتها ويرفع إلى ديواننا العزيز نفيها وإثباتها يخلف الأسد إن مضى في غابه شبله ويلفى في الخبر والخبر مثله. ولما أفاض الله علينا حلة الخلافة وجعل محلنا الشريف محل الرحمة والرافة وأقعدنا على سدة خلافةٍ أشرقت بالخلائف من آبائنا وابتهجت بالسادة الغطاريف من أسلافنا وألبسنـا خلعـةً هي من سواد السؤدد مصبوغة ومن سواد العيون وسويداوات القلوب مصوغة وأمضينا على سدتنا الشريفة أمر الخاص والعام وقلدنا كل إقليم من عملنا من يصلح سياستها على الدوام واستكفينا بالكفـاة مـن عمالنـا علـى أعمالنـا واتخذنـا مصـر دار مقامنـا وبهـا سـدة مقامنـا لمـا كانت في هذا العصر قبة الإسلام وفيئة الإمام وثانية دار السلام تعين علينا أن نتصفح جرائد عمالنـا ونتأمـل نظـام أعمالنا مكاناً فمكاناً وزماناً فزماناً فتصفحناها فوجدنا قطر اليمن خالياً من ولايتنا في هذا الزمن. عرفنا هذا الأمر من اتخذناه للممالك الإسلامية عيناً وقلباً وصدراً ولباً وفوضنا إليه أمر الممالك الإسلامية فقام فيها مقاماً أقعد الأضداد وأحسن في ترتيب ممالكها نهاية الإصدار وغاية الإيراد وهو السلطان الأجل السيد الملك الناصـر المبجـل لا زالت أسباب المصالح على يديه جارية وسحابة الإحسان من أفق راحته سارية فلم يعد جواباً لما ذكرناه ولا عذراً عما أبديناه إلا بتجهيز شرذمة من جحافله المشهورة وتعيين أناسٍ مـن فوارسـه المذكـورة يقتحمـون الأهـوال ولا يعبـأون بتغيرات الأحوال يرون الموت مغنماً إن صادفوه وشبا المرهف مكسبـاً إن صافحـوه لا يشربـون سـوى المـدام مدامـة ولا يلبسـون غيـر الترانك عمامة ولا يعرفون طرباً إلا ما أصدره صليل الحسام من غنا ولا ينزلون قفراً إلا ونبت ساعة نزولهم من قنا. ولما وثقنا منه بإنفاذهم راجعنا رأينا الشريف فاقتضى أن يكاتب من بسط يده في ممالكها واحتاط على جميع مسالكها واتخذ أهلها خولاً وأبدى في خلال ديارها من عدم سياسته خللاً. برز مرسومنا الشريف النبوي أن يكاتب من قعد على تخت مملكتها وتصـرف في جميع أمور دولتها وطولع بأنه ولد السلطان الملك المظفر يوسف ابن عمر الذي له شبهـة تمسـك بأذيـال المواقـف المستعصيـة وهـو مستصحـب الحـال علـى زعمه أما ما علم الفرق بين الأحياء والأموات أو ما تحقق الحال التي بين النفي والإثبات أصدرناها إلى الرحـاب التعزيـة والمعالم اليمينة تشعر من تولى عنها فاستبد وتولى كبره فلم يعرج على أحد أن أمر اليمن ما برحـت نوابنـا تحكـم فيـه بالآية الصحيحة والتفويضات التي هي غير جريحة وما زالت تحمل إلى بيت المال المعمور وما تمشي به الجمال مشياً وئيداً وتقذفه بطون الجواري إلى ظهور اليعملات وليداً ويطالعنا بأمر مصالحه ومفاسده وبحال دياره ومعاهده. ولـك أسـوة بوالـدك فلـان هـلا اقتفيت ما سنه من آثاره ونقلت ما دونته أيدي الزمن من أخباره واتصل بمواقفنا الشريفة أمور صدرت منك. منها وهي العظمى التي ترتب عليها ما ترتب قطع الميرة عن البيت الحرام وقد علمت أنه وادٍ غير ذي زرع ولا يحل لأحدٍ أن يتطرق إليه بمنع. ومنها انصبابك إلى تفريغ مال بيت المال في شراء لهو الحديث ونقض العهود القديمة بما تبديه من حديث. ومنها تعطيل أجياد المنابر من عقود اسمنا وخلو تلك الأماكن من أمور عقدنا وحلنـا. ولـو أوضحنا لك ما اتصل بنا من أمرك لطال ولاتسعت فيه دائرة المقال رسمنا بها والسيف يود لو سبق القلم حده والعلم المنصور يود لو فات العلم واهتز بتلك الروابي قده والكتائب المنصورة تختـار لـو بـدرت عنـوان الكتـاب وأهـل العـزم والحـزم يـودون إليـك إعمـال الركاب والجواري المنشآت قد تكونت من ليلٍ ونهار وبزرت كصور الأفلية لكنها على وجه الماء كالأطيار وما عمدنا إلى مكاتبتك إلا للإنذار ولا احتجنا إلى مخاطبتك إلا للإعذار فأقلع عما أنت بصدده مـن الخيـلاء والإعجـاب وانتظـم فـي سلـك من استخلفناه فأخذ بيمينه ما أعطي من كتاب وصن بالطاعة من زعمت أنهم مقيمون تحت لواء علمك ومنتظمون في سلك أوامر كلمك وداخلون تحـت طاعـة قلمـك. فلسنـا نشن الغارات على من نطق بالشهادتين لسانه وقلبه وامتثل أوامر الله المطاعة عقله ولبه. ودان بما يجب من الديانة وتقلد عقود الصلاح والتحف مطارف الأمانة. ولسنا ممنا يأمر بتجريد سيفٍ إلا على من علمنا أنه خرج عن طاعتنا ورفض كتاب الله ونزع عن مبايعتنا. فأصدرنا مرسومنا هذا إليه نقص عليه من أنباء حلمنا ما أطـال مـدة دولتـه وشيد قواعد صولته ونستدعي منه رسولاً إلى مواقفنا الشريفة ورحاب ممالكنا المنيفة لينوب عنـه في قبول الولاية مناب نفسه وليجن بعد ذلك ثمار شفقاتنا إن غرس شجر طاعتها. ومن سعادة المرء أن يجني ثمار غرسه بعد أن يصحبه من ذخائر الأموال ما كثر قيمةً وخف حملاً وتعالـى رتبـه وحسـن مثـلاً واشـرط علـى نفسـك فـي كـل سنـة قطيعةً ترفعها إلى بيت المال. وإياك ثـم إيـاك! أن تكـون علـى هـذا الأمر ممن مال ورتب جيشاً مقيماً تحت علم السلطان الأجل الملك الناصر للقاء العدو المخـذول التتـار ألحـق اللـه أولهـم بالهلـاك وآخرهـم بالبـوار. وقـد علمـت تفاصيل أحوالهم المشهورة وتواريخ سيرهم المنكورة فاحرص على أن يخصك من هذا المشرب السائـغ أوفـر نصيـب وأن تكـون ممـن جهـز جيشـاً فـي سبيـل الله فرمى بسهم فله أجرٌ كان مصيباً أو غيـر مصيب شاكراً بر مواقفنا المبرورة. وإن أبى حالك إلا أن استمريت على غيك واستمريت مرعى بغيك فقد منعناك التصرف في البلاد والنظر في أحكام العباد حتى تطأ خيلنا العتاق مشمخـرات حصونك وتعجل حينئذ ساعة منونك. وما علمناك غير ما علمه قلبك ولا فهمناك غير مـا حدسـه لبـك ولا تكـن كالصغيـر يزيـده كثـرة التحريـك نومـاً ولا ممـن غـره الإمهـال يومـاً فيوماً. أعلمناك ذلك فاعمل بمقتضاه موفقاً إن شاء الله تعالى. الأسلوب الثاني أن يفتتح الكتاب بخطبة إما مصدرةً بآية من القرآن الكريم أو دونه كمـا يكتـب عـن الإمـام الحاكـم بأمـر اللـه أبـي العبـاس أحمـد بـن المستكفـي باللـه أبي الربيع سليمان إلى السلطـان الملـك الناصـر أحمـد ابـن الملـك الناصـر محمـد بن قلاوون وهو بالكرك يستدعي حضـوره إلـى قلعـة الجبـل بالقاهرة المحروسة لتقليد السلطنة الشريفة بعد خلع أخيه الملك الأشرف كجك ابن الناصر محمد وإمساك الأمير قوصون ومن معه من الأمراء. وقد ذكر صاحب الدر الملتقط أنه كتبه في قطع البغدادي الكامل بين يدي الأمير قطلوبغا الفخري كافل السلطنة الشريفة وهذه نسخته: " ألـم تـروا أن اللـه سخـر لكـم مـا فـي السمـوات ومـا فـي الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرةً وباطنةً ومن الناس من يجادل في الله بغير علمٍ ولا هدًى ولا كتابٍ منيرٍ ". فالحمد للـه الـذي أسبـغ نعمـه الظاهـرة والباطنـة وألـف قلـوب أوليائـه المتفقـة والمتباينـة وأخـذ بنواصـي أعدائـه المراجعـة والبائنة وأعلى جد هذه الدولة القاهرة وأطلع في أسنة العوالي نجومها الزاهرة وحرك لها العزائم فملكت والأمور بحمد الله ساكنة والبلاد والمنة لله آمنة والرعايا في مكانها قاطنة والسيوف في أغمادها مثل النيران في قلوب حسادها كامنة وأقام أهل الطاعة بالفـرض واستوفـى بهم القرض وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض وأعز أنصار المقام الشريـف العالـي وأعـز نصـره وأعـد لعـدوه حصـره وأتـى بدولتـه الغـراء تسمـو شموسهـا وتثمر غروسها وتظهر في حلل الصباح المشرق عروسها وتجيء منه بخير راع للرعية يسوسها وبشره بالملك الدوام وسره بما اجتمع له من طاعة الأنام وأقدمه على كرسي ملكه تظله الغمام وأراه يوم أعدائه وكان لا يظن أن يرى في المنام ولا يزال مؤيد الههم مؤكد الذمم مجدد البيعة علـى رقـاب الأمـم ولا برحت أيامه المقبلة مقبلةً بالنعم خضر الأكناف على رغم من كاد وغيظ من رغم ولا فتئت عهود سلفه الشريفة تنشأ له كما كانت ورعاياه تدين له بما دانت وجنوده تفديه من النفوس بأعز ما ذخرت وما صانت وسعادة سلطانه تكشف الغمم وتنشر الذمم وتعيد إلى أنوف أهل الأنفة الشمم وتحفظ ما بقي لأوليائه من بياض الوجوه وسواد اللمم. سطرهـا وأصدرهـا وقـد حققـت بعوائـد اللـه الظنـون وصدقـت الخواطـر العيون وأنجز الله وعده وأتم سعدهن وجمع على مقامه الكريم قلوب أوليائـه وفـرق فـرق عـدوه وأباتـه بدائـه ووطـد لرقيه المنابر ورجل لترقيه العساكر وهيأ لمقاتل أعدائه في أيدي أوليائه السيوف البواتر. وأخذ قوصون وأمسك ونهب ماله واستهلـك وهدمـت أبنيتـه وهـدت أفنيتـه وخربـت ديـاره وقلعت آثاره وأخليت خزائنه وأخرجت من بطون الأرض دفائنه وما مانعت عنه تلك الربائب التي ظنها قساور ولا ناضلت تلك القسي التي طبعها أساور ولا أغنى عنه ذلك المال الذي ذهب ولا ذلك الجوهر الذي كان عرضاً لمن نهب. وأعيد إلى المهد ذلك الطفل الذي أكل الدنيا باسمه وقهر أبناءها بحكمه وموه به على الناس وأخلى له الغاب وما خرج من الكناس وغالب به الغلب حتى وطيء الرقاب وداس الأعقاب وخادع ودله الشيطان بغـروره ودلـس عليـه عاقبـة أمـوره فاعتـد بعتـاده واعتـز بقيـاده واغتر بأن الأرض له وما علم أن الأرض لله يورثها مـن يشـاء مـن عبـاده فأمسـك ومعـه رؤوس أشياعـه وجصـرت بالخـوف نفـوس أتباعـه ومنهم الطنبغـا. وقـد أحـاط العلـم الشريـف بكيفيـة وصوله وحقيقة الخبر وما قاساه في طريقه من العبر وداس عليه حتى وصل من وخز الإبر. وكذلك من جاء معه وخلف وراءه الحق وتبعه بعد الهزيمة التي ألجأهم إليها خوف العساكر المنصورة التي قعدت لهم على الطريق وأخذت عليهم بمدارج أنفاسهم في فم المضيق وعبئـت لهـم صفـوف الرجـال وأعـدت لهـم حتـوف الآجـال وحيرتهـم فـي سعـة الفجـاج وأرتهـم بـوارق المـوت فـي سحـب العجـاج. ثـم لـم يصلوا إلا وهم أشلاءٌ ممزقة وأعضاءٌ مفرقة قد فني تحتهم الظهر وقني بيومهم الدهر وساقتهم سعادة سلطان المقام العالي إلى شقاوتهم وهم رقود وعبئت لهم الخيل والخلع إلا أنها ملابس الذل وهي القيود. فأخذوا جميعاً ومـن كانـوا علـى موالاتـه وفارقـوا الجماعـة لمواتاتـه وحملـوا إلـى الحبـس النائـي المكان وأودعوا أحياءً في ملحده إلا أنهم كالأموات وقد نالوا المقصد إلا أنهم ما أمنوا الفوات. ووكل بحفظهم إلى أن يشرف سرير الملك بقعود مقامه وعقود أيامه الحوالي وسعود زمانه الذي لا يحتم بالنجوم إلا خدم الليالي. وهذا النصر إنما تهيأت ولله الحمد أسبابه وهذا الفتح إنما فتحت بمشيئة الله أبوابه بمنة الله ونية المقام العالي لا بمنة أحد ولا بمنة بأس من أقدر ولا يأس من حجر وما قضى الله به من سعادة هذه الأيام ومضى به القدر السابق وعلى الله التمام وبمظافرة الجناب الكريم السيفي قطلوبغا الفخري الساقي الناصري أدام الله نصرته لهذه العصابة المؤيدة. وبمضاء عزائمه التي ماونت وقضاء قواضبه التي ما انثنت وبموازرة من التف عليه من أكابر الأمراء وبما أجمعوا عليه من مظافرة الآراء ونزولهـم علـى النيـة لا يضرهـم مـن خذلهـم ولا يهينهـم مـن بذلهـم ولا يبالون بعساكر دمشق المقيمة على حلب ومن مال إليهم وتمالأ معهم عليهم ومن انضاف إليهم من جنـود البلـاد وجيـوش العنـاد ولا لواهـم مـا كـان يبعـث إليهـم ذلـك الخائـن مـن وعيـده ولا ولاهم ما كاد يخطف أبصارهم من تهديده ولابالوا بما ألب عليهم من جند الشام من كل أوب وصب عليهم سيوله من كـل صـوب وخادعهـم بالرسائـل التـي مـا تزيدهـم عليـه إلا إبـاء ولا تشككهم أن السيف أصدق منه إنباء حتى ولى لا تنفعه الخدع ولا تنصره البدع فما أسعدته تلـك الجموع التي جمعها ولا أجابته تلك الجنود التي سار عليها إلى مكمن أجله ولا وقت تلك السيوف التي لم يظهر له من بوارقها إلا حمرة الخجل حتى أخذ مع طاغيته بل طاغوته بمصر ذلك الأخذ الوبيل وقذف به إلى مهوى هلكة سيل ذلك السبيل وقام من بالديار المصرية قيام رجلٍ واحد وتظافروا على إزالة ذلك الكافر الجاحد ولم يبق من الأمراء إلا من بذلك الجهد وجمـع قلـوب الرعيـة والجنـد وفعـل في الخدمة الشريفة ما لم يكن منه بد حتى حمد الأمر وخمد الجمر وتواترت الكتب بما عمت به البشرى من إقامة البيعة باسمه الكريم وأنه لم يبق إلا من أعطـى اليميـن وأعطـى اليميـن وأتـم الحلـف إتمامـاً لا يقـدر معـه ثميـن وأقيمـت لـه السكة والخطبة فرفع على المنابر اسمه وتهلل به وجوه النقود وظهر على أسارير الوجود وضربت البشائر ونهبت المسـرات السرائـر وتشوقـت أوليـاء هـذه الدولـة القاهـرة أدام اللـه سلطانهـا إلـى حضـور ملكها وسفـور الصبـاح لإذهـاب ما أبقته عقابيل تلك الليلة من حلكها. والمقام العالي ما يزداد علماً ولا يزاد عزماً وهو أدرى بما في التأخير وبما في بعده من الضرر الكبير ومثله لا يعلم ومنه يتعلم فهو أعلم بما يجب من مسابقة قدومه للبشير وما سيعن من معاجلته لامتطاء جواديه ظهر الخمـال وبطـن السريـر فاللـه اللـه! في تعجيل حفظ هذا السوام المشرد وضم هذا الشمل المشتت ونظـم هـذا العقـد المبـدد وجمـع كلمة الإسلام التي طالما افترقت وانتجاع عارض هذه النعمة التي أبرقـت وسرعة المسير فإن صبيحة اليوم المبارك الذي يعرف من أوله قد أشرقت فما بقي ما به يقتدر ولا سوى مقدمه السعيد ينتظر. وقد كتبناها ويدنا ممدودة لمبايعته وقلوب الخلق كلها مستعدة لمتابعته وكرسي الملك قد أزلف له مقعده ومؤمل الظفر قد أنجز له موعده والدهر مطاوعه والزمان مسعده وطوائـف أوليائـه ليوم لقائه ترصده والعهد له قد كتب ولواء الملك عليه قد نصـب والمنبـر باسمـه عليـه قـد خطـب والدينـار والدرهـم هـذا وهـذا لـه مـا قـد ضرب ولم يبق إلا أن يقترب وترى العيون منه ما ترتقب ويجلس على السرير ويزمع المبشر ويعزم على المسير وتزين الأقاليم ويبين لتسيير شهابه ما كان يقرأ له في التقاويم لا زال جيب ملكه على الأقطار مزروراً وذيل فخاره على السماء مجروراً وحبل وليه متصلاً وقلبه مسروراً ومقدمه يحوز له من إرث آبائه نعماً جمة وملكاً كبيراً إن شاء الله تعالى. الأسلوب الثالث ما استقر عليه الحال في زماننا إلى خلافة الإمام المتوكل على الله خليفة العصر افتتاح المكاتبة بالسلام وهـو أن تفتتـح المكاتبة بالسلام ويؤتى في ألقاب المكتوب إليه بما كتب من الألقاب عن السلطان على ما سيأتي ذكره في المكاتبات السلطانيات في الباب الثاني من هذه المقالة إن شاء الله تعالى. مثال ذلك أن تكون المكاتبة إلى نائب الشأم مثلاً فالذي يكتب إليه عن السلطان: أعز ال الطرف الخامس في الكتب الصادرة عن الخلفاء الفاطميين بالديار المصرية كتب الخلفاء الفاطميين وفيه ثلاث جمل في كتيهم على سبيل الاجمال الجملة الثانية في الكتب العامة وعي على اسلوبين الاسلوب الاول ان يفتتح الكتاب بلفظ من عبالله ووليه ابي فلان فلان الامام الفلاني على ما تقدم ترتيبه الاسلوب الثاني ان يفتتح الكتاب بخطبة مفتتحة بالحمد لله الجملة الثالثة في الكتب الخاصة كالمكاتبة الى الوزير ومن في معناه الطرف السادس في الكتب الصادرة عن خلفاء بني امية بالاندلس كتب خلفاء بني امية بالاندلس الطرف السابع في الكتب الصادرة عن الخلفاء الموحدين اتباع المهدي بن تومرت كتب الخلفاء الموحدون وهي على اسلوبين الاسلوب الاول ان تفتتح المكاتبة بلفظ من فلان الى فلان ره لما يرضاه سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد فالحمد لله الذي له الاقتدار والاختيار ومنه العون لأوليائه والإقدار وإليه يرجع الأمر كلـه فلا يمنع منه الاستبداد والاستئثار. والصلاة على محمد نبيه الذي ابتعثت بمبعثه الأضواء والأنوار وعمرت بدعوته الأنجاد والأغوار وخصم بحجته الكفر والكفار وعلـى آلـه وصحبـه الذيـن هـم الكرام الأبرار والمهاجرين والأنصار والرضا عن الإمام المعصوم المهدي المعلوم القائم بأمر الله حين غيرته الأغيار وتقدم الامتعاض له والانتصار. وهذا كتابنا كتب الله لكم نظراً يريكم المنهـج ويلفيكـم الأبهـج فالأبهـج وآتاكـم اللـه مـن نعمـة الإيمـان وعصمـة الانقيـاد لـه والإذعان ما تجدون به اليقين والثلج من حضرة مراكش حرسها الله تعالـى ولا استظهـار إلا ولما جعل الله هذا الأمر العظيم رحمةً لخلقه ومطية لرقيه وقرارةً لإقامة حقه وحمـل حملتـه الدعاء إليه والدلالة به عليه والترغيب في عظيم ما عنـده ونعيـم مـا لديـه وجعـل الإنـذار والإعـذار مـن فصوله المستوعبة وأحكامه المرتبة ومنجاته المخلصة من الخطوب المهلكة والأحوال المعطبة رأينا أن نخاطبكم بكتابنا هذا أخذاً بأمر الله تعالى لرسوله في المضاء إلى سبيله والتحريض على اغتتام النجاء وتحصيله وإقامة الحجة في تبليغ القول وتوصيله فأجيبوا رفعكم الله داعي الله تسعدوا وتمسكوا بأمر المهدي رضي الله عنه في اتباع سبيله تهتدوا واصرفـوا أعنـة العنايـة إلـى النظـر في المآل والتفكر في نواشيء التغير والزوال وتدبروا جري هذه الأمـور وتصـرف هـذه الأحـوال واعلمـوا أنـه لا عـزة إلا بإعزاز الله تعالى فهو ذو العزة والجلال. " ولا يغرنكم بالله الغرور " فالدنيا دار الغرور وسوق المحال وليس لكم في قبول النصيحة وابتداء التوبـة الصحيحـة والعمـل بثبـوت الإيمـان فـي هـذه العاجلـة الفسيحة إلا ما تحبونه في ذات الله تعالى من الأمنة والدعة والكرامـة المتسعـة والمكانـة المرفعـة والتنعيـم بنعيـم الراحـة المتصلـة والنفـس الممتنعة. فنحن لا نريد لكم ولسائر من نرجو إنابته ونستدعي قبوله وإجابته إلا الصلاح الأعم والنجاح الأتم. وتأملوا سددكم الله من كان بتلك الجزيرة حرسهـا اللـه مـن أعيانهـا وزعمـاء شانها هل تخلص منهم إلى ما يوده وفاز بما يدخره ويعده إلا من تمسك بهذه العروة الوثقى واستبقى لنفسه من هذا الخير الأدوم الأبقى وتنعم بما لقي من هذا النعيم المقيم ويلقى وأما من أخلد إلى الأرض واتبع هواه ورغب بنفسه عن هذا الأمر العزيز إلى ما سواه فقد علم بضرورتـي المشاهـدة والاستفاضـة سـوء منقلبـه وخسـارة مذهبـه ومطلبـه وتنقـل منـه حـادث الانتقام أخسر ما تنقل به. وحق عليكم وفقكم الله ويسركم لما يرضاه أن تحسنوا الاختيار وتصلوا الادكار والاعتبار وتبتدروا الابتدار. وما حق مـن انقطـع إلـى هـذا الأمـر الموصـول الواصل وأزمع ما يناله من خيـره المحـوز الحاصـل أن ينالـه منكـم شاغـلٌ يشغلـه عـن مقصـوده ويحيـط بـه مـا يصرفـه عـن محبوبـه ومـودوده فقـد كـان منكـم فـي أمـر أهـل بلنسية حين إعلانهم بكلمة التوحيـد وتعلقهـم بهـذا الأمـر السعيد ما كان ثم كان منكم في عقب ذلك ما اعتمدتموه في أمر أهـل لورقـة وفقهم الله حين ظهر اختصاصهم وبان إخلاصهم. وليس لذاك وأمثاله عاقبةٌ تحمد فالخير خير ما يقصد والنجاة فيما ينزح عن الشر ويبعد. وإنا لنرجو أن يكفكم عـن ذلـك وأشباهه إن شاء الله تعالى نظرٌ موفق ومتاعٌ محقق ويجذبكم إلى موالاة هذه الطائفة المباركة جاذبٌ يسعد وسائق يرشد والله يمن عليكم بما ينجيكم ويمكن لكـم فـي طاعتـه أسبـاب تأميلكم وترجيكم بمه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وكتب في السادس عشر مـن جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. أن تفتتح المكاتبة بلفظ أما بعد والأمـر فيـه علـى نحـو مـا تقـدم فـي الأسلـوب قبله بعد البعدية كما كتب أبو الميمون عن المستنصر بالله أحد خلفائهم إلى بعض نوابه وقد نقض العهد على بعض المهادنين من النصارى. أما بعد حمد الله الآمر بالوفاء والعهود والصلـاة علـى سيدنـا محمـد المصطفـى الكريـم سيـد الوجـود وعلـى آلـه وصحبـه ليـوث البـأس وغيـوث الجـود والرضـا عـن الإمـام المعصـوم المهـدي المعلوم الآتي بالنعت الموجود في الزمن المحدود وعن خلفائه الواصلين بأمره إلى التهائم والنجود والدعـاء لسيدنـا الخليفـة الإمـام المستنصر بالله أمير المؤمنين بسعدٍ تذل له النواصي ويهد الأقطار القواصي فكتبناه كتبكم الله ممن إذا همٌ بأمر تدبر عواقبه وإذا عزم على ركوب غررٍ ألفى معاطبـه مـن فلانـة كلأهـا اللـه تعالى. وقد بلغنا ما كان منكم من اكتساح النصارى والزيادة على ذلك باختطاف الأساري ونعوذ بالله من شهوةٍ تغلـب عقـلاً ونخـوةٍ تعقـب هوانـاً وذلاً. وقـد أخطأتم في فعلتكم الشنعاء من ثلاثة أوجه أحدها أنه خلاف ما أمر الله تعالى به من الوفاء بالعهـد والوقـوف مـع العقـد. والثانـي عصيـان الأمـر العزيـز وفيـه التعزيـز بالمهـج وترك السعة للحرج. والثالث أنكم تثيرون على أنفسكم من شر عدوكم قصمه الله شرراً يستعر وضرراً يعدم فيه المنتصر فليتكم إذ تجليتم بالعصيان ورضيتم الغدر المحرم في سائـر الأديـان ثبتـم للعدو إذا دهمكم ولقيتموه بالجانب القوي متى زحمكم بل تتدرعون له الفرار وتتركونـه فـي مخلفيكـم ومـا اختـار. وقـد جربتـم مـراتٍ أنكـم لا ترزؤونهـم ذرة إلا رزؤوكـم ألـف بـدرة ولا تصيبونهم مرة إلا أصابكم ألف مرة. وإلى متى تنهون فلا تنتهون وحتام تنبهون فلا تنتبهون فـإذا وافاكـم كتابنـا هـذا بحـول اللـه وقوتـه فـأدوا من أسرتم إلى مأمنه وردوا ما انتهبتم إلى مسرحه ولا تمسكـوا مـن الأسـارى بشعـرة ولا مـن الماشيـة بوبـرة. ومن سمعنا عنه بعد وصول هذا الكتاب أنه تعدى هذا الرسم وخالف هذا الحكم أنفذنا عليه الواجب وحكمنا فيه المهند القاضب فلتسرع من نومة الغفلة إفاقتكم ولا تتعرضوا من الشر لما تعجز عنه طاقتكم ونحن معترفون ما يكون منكـم مـن تـأنٍّ أو بـدار ومقابلـون لكـم بمـا يصـدر عنكـم مـن إقـرار وإنكـار وهـو يرشدكم بمنه. والسلام عليكم ورحمة الله. قلت: ثم طرأ بعد ذلك الإكثار من ألقاب خلفائهم في المكاتبات الصادرة عنهم والمبالغة في مدحهـم وإطراحهـم علـى مـا سيأتـي ذكره في الكلام على المكاتبات الواردة من ملوك الأقطار إلى الأبواب السلطانية بالديار المصرية فيما بعد إن شاء الله تعالى. الطرف الثامن وهي على ضربين الضرب الأول ما يضاهي الأجوبة في الابتداء وهو على أسلوبين الأسلوب الأول أن يفتتح الجواب بلفظ من فلان إلى فلان مثل أن يكتب من عبد الله ووليه أبي فلان فلان الإمام الفلاني أمير المؤمنين إلى آخر الصدر علـى مـا تقـدم فـي الابتـداءات ثـم يقـال: أمـا بعـد وينسـاق منـه إلـى ذكـر الكتاب الوارد وعرضه على الخليفـة وما اقتضته آراء الخلافة فيه ويكمل على نحو الابتداء. كما كتب عن المقتفي لأمر الله إلـى غيـاث الديـن مسعـود بـن ملكشـاه السلجوقـي فـي جواب كتابه الوارد عليه يخبره بأن بعض من كان خرج عن طاعته دخل فيها وانحاز إليه وهو: من عبد الله أبي عبد الله محمد الإمام المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين إلى فلان بألقابه. أما بعد أطال الله بقاءك فإن كتابك عرض بحضرة أمير المؤمنين معرباً عن أخبار سعادتك وجري الأمور على إرادتك وبلوغ الأغراض من الوجهـة التـي توجهـت إليهـا والأطـراف التـي أشرقت سعادتك عليها بميامن ما تثق به من الطاعة الإمامية وتضمره وتعتقده من الإخلاص وتستشعـره وأن ركـن الديـن محمـداً ومـن انضـم إلى جملته وانتظم في سلك موافقته لما ظفروا منك بذمام اطمأنوا إليه وسكنوا وأمان وثقوا به وركنوا أبصروا الرشد فاتبعوه واستجابوا الداعي إذ سمعوه وأذعنوا لطاعتك مسرعين وانقادوا إلـى متابعتـك مهطعيـن علـى استقـرار مسيرهـم تحت لوائك إلى باب همذان ليكون تقرير القواعد الجامعة للمصالح عند وصولها والتوفر على تحري ما تقر به الخواطر مع حلولها والانفصال إلى من يفد إلى الأبواب العزيز ومؤتنساً بقرب الـدار ومستسعـداً بالخدمـة الشريفـة الإمامية المؤذنة ببلوغ الأوطار. ووقف عليه وعرف مضمونه وجدد ذلـك لديـه مـن الابتهـاج والاغتبـاط الواضـح المنهـاج مـا تقتضيـه ثقتـه بجانبـك واعتقاده وتعويله على جميل معتقـدك واعتمـاده واعتضـاده مـن طاعتـك بحبـلٍ لا تنقـض الأيـام مبرمه وسكونه من ولائك إلى وزر لا تروع المخاوف حرمه وواصل شكر الله تعالى على ما شهدت به هذه النعمة العميمة والموهبة الجسيمة من إجابة الأدعية التي ما زالت جنودها نحوك مجهزة ووعوده جلت عظمته بقبول أمثالها منجزة وإمدادك منها بأمدادس تستدعي لك النصر وتستنزله وتستكمل الحظ من كل خير وتستجزله وتبلغ الأمـل منـك فيمـن هـو العـدة للملمات والحامي لتقرير الأنس من روائع الشتات ومن ببقائه تكف عن الامتداد أكف الخطوب وتطلق وجوه المسار من عقل القطوب ويأبى الله العادل في حكمه وحكمته الرؤوف بعباده وخليقته إلا إعلاء كلمة الحـق بالهمـم الإماميـة والإجـراء علـى عوائـد صنيعتـه الحفيـة الكافلـة بصلاح العباد والرعية وقد أقيمت أسواق التهنئـة بهـذه البشـرى وأفـادت جـذلاً تتابـع وفـوده تترى لا سيما مع الإشارة إلى قرب الأوبة التي تدني كل صالح وتجلبه وتزيل كل خلل أتعب القلوب وتذهبه. وإلى الباري جل اسمه الرغبة في اختصاصك من عنايته بأحسن ما عهدته وأجمله وصلة آخر وقتك في نجح المساعي بأوله وأن لا يخلي الدار العزيزة من إخلاصك في ولائها ورغبتك في تحصيل مراضيها وشريف آرائها. هـذه مناجاة أمير المؤمنين أدام الله تأييدك ابتغى الله جزاءك فيها على عادة تكرمته وأعرب بها عـن اعتقـاده فيـك وطويتـه ومكانك الأثيل في شريف حضرته وابتهاجه بنعمة الله عندك وخيرته فتأملها تأملاً يشاكـل طاعتـك الصافيـة مـن الشوائـب والأقـذاء وتلقهـا بصـدق الاعتمـاد عليهـا وحسن الإصغاء تفز بالإصابة قداحك ويقرن بالتوفيـق مغـداك ومراحـك إن شـاء اللـه تعالـى والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وكما يكتب بعض كتاب الفاطميين عن الحافظ لدين الله أحد خلفائهم إلى شمس الدولة أبي منصور محمد بن ظهير الدين بن نوري بن طغتكين ببعلبك جواباً عن كتابة الوارد عنه على الخليفة ويذكر أنه حسن لفخر الملك رواج وروده علـى الخليفـة بالديـار المصريـة ويذكـر نصرتـه من عبد الله ووليه عبد المجيد أبي الميمون الإمام الحافظ لدين الله أمير المؤمنين إلى أمير فلان. أما بعد فإنه عرض بحضرة أمير المؤمنين كتابك من يد فتاة ووزيره وصفيـه وظهيـره السيـد الأجـل الأفضل الذي بذل نفسه في نصرة الدين تقى ولياناً وأوضح الله الدولة الحافظية بوزارته حجةً وبرهاناً وأسبغ النعمة على أهلها بأن جعله فيهم ناظراً ولهم سلطاناً ووفقه في حسن التدبيـر والعمـل بمـا يقضـي بمصالـح الصغيـر والكبير وبما أعاد المملكة إلى أفضل ما كانت عليه من النضرة والبهجة ولم يخرج المادحون لها إذا اختلفوا عن التحقيق وصدر اللهجة فقد سـاوت سياسته بين البعيد والقريـب وأخـذ كـلٌّ منهمـا بأجـزل حـظ وأوفـر نصيـب وسـارت سيرتـه الفاضلـة فـي الآفـاق مسيـر المثـل واستوجـب مـن خالقـه أجـر من جمع في طاعته بين القول والعمل. وشفع عرضه من وصفك وشكرك والثناء عليك وإطابة ذكرك وأنهى ما أنت عليه من الولاء وشكر الآلاء بما يضاهي ما ذكرته فيه مما علم عند تلاوته وأصغي إليه عند قراءته. وقد استقر بحضرة أمير المؤمنين مكانك من المشايعة وموقعك من المخالصة وكونك من ولاء الدولة على قضية كسبتك شرفاً تفيأت ظلاله وأفاضت عليك ملبساً جررت أذياله وسمت بك إلى محل لا يباهى من بلغه ولا يطاول من ناله وكنت في ذلك سالكاً للمنهج القويم ومعتمداً ما أهل بيتك عليه في القديم ولا جرم أنه عاد عليك من حسن رأي أمير المؤمنين بما تقصر عنه كل أمنيـة ويشهد لك بمخالصةٍ جمعت فيها بين عملٍ ونية والله يضاعف أجرك على اعتصامك من طاعة أمير المؤمنين بالحبل المتين ويوزعك شكر ما منحك من الاستضاءة بنور الحق المبين. فأما الأمير الأسفهسلار فخر الملك رواج وبعثك له على الوصول إلى الباب وحضك إياه على التعلق من الخدمة بمحصد الأسباب فما كان الإذن له في ذلك إلا لأن كتابه وصل بملتمسه وعـرض فيه نفسه وبذلك المناصحة والخدمة ويسأل سؤال من يعرف قدر العارفة بالإجابة إليه وموقـع النعمـة فأجيـب إلـى ذلـك إسعافـاً لـه بمـراده وعملاً برأي الدولة فيمن يرغب إلى التحيز إليها مـن أقطاره وبلاده وإلا فلا حاجة لها إليه ولا إلى غيره لأن الله تعالى وله الحمد وفر حظها من الأوليـاء والأشيـاع والأنصـار والأتبـاع والعساكـر والجيـوش والأجنـاد والأنجـاد والأعـوان الأقويـاء الشـداد وعبيـد الطاعـة الذيـن يتبـارون في النصح ويتنافسون في الاجتهاد والحرص وسعة الأموال وعمارة الأعمال وجمع الرجال في العزائم بين الأفعال والأقوال ولو وصل المذكور لكانت المنة للدولـة عليـه والحاجـة لـه فـي ذلـك لا إليـه قـال اللـه عـز مـن قائـل: " وأمـا توجهـه إلـى طرابلس وظفره بقومصها وقتله إياه مع من بها وعظيم أمره فيها فالله تعالى يعز الإسلام وينشر لواءه ويعلي مناره ويخذل أعداءه وينصر عساكره وأجناده ويبلغه في أحـزاب الكفر والضلال مراده وهو عز وجل يمتعك من الولاء بما منحك وينيلك في دينك ودنياك أملك ومقترحك فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى. الأسلوب الثاني أن يفتتح الجواب بلفظ أما بعد كمـا يكتـب عـن المقتفي إلى السلطان محمود بن محمد السلجوقي جواباً عن كتابه الوارد بإخباره باجتماعه مع عمه سنجر ونسخته: أما بعد فإن كتابك عرض بحضرة أمير المؤمنين ناطقاً بدرك الأوطار وحصول المقاصد على الآثار وما أنهيته من الاجتماع بعز الدنيا والدين جمع الله في طاعته شملكما ووصل بالألفة والتوادد حبلكما! ومن إكرام الوفادة الذي أنت أهله ووليه وحقيقٌ أن يتبع وسميه لديك وليه والموافقـة على كل حال آذنت ببلوغ الأغراض وتيسرها ونجاز المساعي على أتم وفاق وتقررها وانتظام الأمور على أجمل معتاد وأكمل مراد وأحسن اتساق واطراد واستقرار القواعد على الوصف الجامع أشتـات الاتفـاق الـدال علـى صـدق المحافظـة بينكمـا وفـرط الإشفـاق محفوفـاً بالسعادة التي لا تزال مآثرك في الطاعة الإمامية تملك قيادها وتقلدك على الاتصـال نجادهـا فتهللت بهذا النبإ المبهج أسرة البشرى وأصبح الجذل بمكانه أفعم عرفاً وأذكى نشراً وقامت لأجلـه فـي عـراص الدار العزيزة مواسم أضحت المسرة بها مفترة الثغور ضاحكة المباسم وجديرٌ بمن كان له من الهمم الشريفة مددٌ وافٍ ومنجدٌ يدفع في صدر كل خطب موافٍ أن تكتنفه الميامن والسعود ويصدق في كل مرمًى ينحوه من النجح الموعـود وتنقـاد لـه المصاعـب ذلـلاً ويعود بيمن نقيبته كل عافٍ من الصلاح جديداً مقتبلاً ولا ينفك صنع الله جل اسمه لطيفـاً وبرباعه محدقاً مطيفاً والتوفيق مصاحبه أنى حل وثوى أو ثنى عنانه إلى وجهٍ ولوى والله يمتع أمير المؤمنين منك بالعضد الذي يذب عن دولته ويحامي ويناضل دونها بجنود الإخلاص ويرامي ولا يخليـك من رعايته التي لا يزال يستقر فيها إليك ويرغب إليه في إسباغ لباسها عليك حتى تتسنى لك المطالب معا ً ويغدو الزمان فيما ينشأ متبعاً. هذه مفاوضة أمير المؤمنين إليك أدام الله تأييدك أجراك فيها على مألوف العادة وجـدد لـك بها برود الفخار والسعادة فاجر على وتيرتك في إتحاف حضرتـه بطيـب أخبـارك ومجـاري الأمور في إيرادك وإصدارك تهد إليها ابتهاجاً وافراً وابتساماً يظل لثامه عن حمد الله المسند بها سافراً إن شاء الله تعالى. الضرب الثاني أن يكون الافتتاح في الجواب مصدراً بما فيه معنى وصول المكاتبة إلى الخليفة دلالة الافتتاح على وصول المكاتبة فقـد جـرت عـادة المتقدميـن مـن الكتـاب فـي التعبير عن ذلك بلفظ العرض على الخليفة ويؤتى فيه كمـا كتـب العـلاء بـن موصلايا عن القائم بأمر الله إلى أتسز عند ورود كتابه على أبواب الخلافة يتضمن انتظامه في سلك الطاعة وغلبته الأعداء وهو: عرض بحضرة أمير المؤمنين ما ورد منك دالاً على تمسكك من الطاعة الإمامية بما لا تزال تجد فيـه ملابـس التوفيـق حـالاً بعـد حـال وتجد به مرائر السعد محصفة في كل حلٍّ وترحال منبئاً عن توفرك على المقامات التي انتقمت بها للهدى من الضلال واستقمت فيها حتى أجلت عن كل صلاح ممتد الظلال شاهداً بما أنت عليه من موالاةٍ لا تألو جهداً في التزام شروطها بادئاً عائداً ولا تخلو فيها من حسن أثرٍ يكون لدعائم الصواب عامداً وترى فيه قاصداً لاجتلاب الخيـر عائـداً. ووقـف عليـه وقـوف من ارتضى ما يتوالى من قرباتك التي لا تزال في إعذاب ورودها ساعياً. ولما يفضي إلى إعشاب مرعاها في طلب الحمد مراعياً وانتضى منك للخدمة بتلك الأعمال حساماً باتراً آجال بقايا الكفر هناك ماضياً في كل ما يقضي بانفساح مجال آمالك في الدهر ومبارك واعتد لك بما أنهاه عنك رسول الله أمير المؤمنين العائد من قبلك وأوضحه من زلفك التي شفع قولك فيها عملك وطالع به الرسول الذي نفذته معه لقصد بابه والمناب في تأكيد دواعي النجح وتمهيد أسبابه وحل كل ذلك لديه المحل الذي ستجني ثمره كلما يطيب ويحلو ويسلم من كل الاستزادة ويخلو ويعز مهر الفوز به على غيرك ويغلو وتأثل لك من الرتبة بحضرته ما يدني لك كل مطلب إلى مرادك آثل ويدوي قلب كل منحرف عن وفائك مائـل وصـرت مـن أعيـان الخلصـاء الذيـن وسمت الهدى أفعالهم بالحمد وسمت بالطاعة آمالهم إلى توقل هضـاب المجـد فمـا تـم بـك الغيـر إلا وتنقطـع دونـك أعناقهـا وترجـع في جلباب الخيبة وحيصها إليك وإعناقها ولا تمتد نحوك يد ضد إلا ردها عنك جميل الآراء الشريفة فيك وغلها وأوجب نهلها عن موارد القصور وعلها وكيف لا يكون ذاك ولك في الطاعة كل موقفٍ اغتذى بلبان الحمد واعتنى باشتهاره بلوغ المدى في وصفه والحد فأحسن الله توفيقك فيما أنت بإزائه من إخماد لهب الباطل بتلك الشعاب وإجهاد النفس في إخمال المتاعب وإذلال الصعاب وأمدك بالعون على ما بدأت لـه مـن جـب. . . . . . . . . . . فيمـا يليـك وطـب أدواء الفسـاد فـي نواحيـك. ومـع مـا فـزت بـه مـن هـذه المنحـة التـي قـد جاز قدرها التقدير والظن وجاد لك الدهر فيها بما كان شح به على أمثالك وضن فيجب أن تستديمها وتحصن من النغل أديمها بمزيـدٍ مـن الخدمـة تنتهـز الفـرص بالإسراع إليه والبدار وتنتهج أقوم الجدد في مقابلة الإيراد منه بالإصدار وتنفد وسعك فـي كـل مسعًـى ينثنـي إليـك عنـان الثنـاء معـه وتنفـق عمـرك فـي كـل أمرٍ يجمع لك مرأى الرضا عنك ومسمعه لتجد من جدوى ذلك ما ينظم في السعادة شملك ويضحى به القياد فيما يصدق أملـك أملـك وأن تحمـد السيـرة فـي الرعايـا الذيـن غـدوا تحـت كنفـك وتجعـل الاشتمال على مصالحهم معرباً عن فضل شغفك بالخير وكلفك فإنهم ودائع الله تعالى يلزم أن تحمى من ضياع يتسلط عليها في حال وتحيا من در الإحسان برضاعٍ لا يخطر الفطام عنه ببال فلا تقفن عند غايـة في إفاضة الفضل عليهم وإسباغ ظله واعتمادهم بتخفيف ثقل الحيف عنهم أو إزالة كله ليكونوا في أفيـاء الأمـن راتعيـن ولخـرق كـل ملـم بحسـن ملاحظتـك راقعيـن فالـذي يـراه أميـر المؤمنيـن فـي فرضك حتى يزداد باعك طولاً ولا يترك لك على الزمان اقتراحاً ولا سولاً يقتضي أن يتبع كل سابقٍ إليك من الإحسان بلاحق ويمرع جناب النعمى لديك عند ذر كل شارق. وكذلك يرى أن يجدد لك من تشريفه المنور مطالع الفجر المنوه بالذكر في الدهر الذي لا تزال الهمم العالية تصبو إلى الفوز به وتميل وتقف عند حد الرجاء والتأميل ما أصحب رسولك المشار إليه لتـدرع مـن خلالـه مـا الشـرف الأكبـر فـي مطاويه وتمتطي من صهوة العز فيه ما يبعد على النظراء إدراك مراميـه. ويجـب أن تتلقى مقدم ذلك عليك بما ينبيء عن اقتران النعمة الغراء فيه وأقمار أهلة التوفيـق عنـدك بمـا تقصـد فـي المعنـى وتنتحيـه وإذا عـاد رسولـك إلـى بـاب أميـر المؤمنيـن حسـب مـا ذكرت أصدر على يده من ضروب التشريفات ما يقر فيك عيون من يودك ويقر في مغانيك كـل سعد يوري فيه زندك فاسكن إلى حبائك بالمزيد من كل رتبة أهلت لها وكن بحيث الظن فيك توقر عليك أقسام الحمد كلها وثق بمترادف آلاءٍ ينضم لديك شملها ويثقل كل كاهلٍ حملها الطرف التاسع في الكتب الصادرة عن ولاة العهد بالخلافة لم أقف على مكاتبةٍ صريحة التصوير عن ولاة العهد غير أن الإمام أبا جعفـر النحـاس فـي صناعـة الكتـاب بعـد أن ذكـر أن صـورة المكاتبـة عن الخليفة: من عبد الله أبي فلانٍ الإمام الفلاني إلـى فلـان أتبـع ذلـك بـأن قـال: وليـس أحـد مـن الرؤساء يكاتب عنه بالتصدير إلا الإمام وولي العهد ولـم يـزد علـى ذلـك. وقـد فسـر ابـن حاجـب النعمان في ذخيرة الكتاب التصدير بان قال: يكتب من عبد الله أبي فلان فلان باسمه وكنيته ونعته. ويقال: أمير المؤمنين أبي فلان. أما بعد فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو إلى آخره على ما تقدم بيانه. وذكر النحاس في الكلام على العنوان من الرئيس إلى المرؤوس أنه يحذف من الكتاب عن ولي العهد لفظ الإمام ولفظ أمير المؤمنين ويقال فيه: ولي العهد. وظاهر ذلك أن المكاتبة عن ولي العهـد مشابهـةٌ للمكاتبـة عـن الخليفـة وأن لفـظ ولـي العهـد فـي المكاتبـة عنـه يقـوم مقـام أميـر المؤمنين في المكاتبة عن الخليفة نفسه وحينئذ فيتجه أن تكون المكاتبة عنه من عبد الله أبي فلانٍ فلانٍ المعتضد بالله مثلاً ولي عهد المسلمين. سلامٌ عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. أما بعد: فإن كذا وكذا ويؤتـى علـى المقصـد إلـى آخـره. وعلـى ذلـك يـدل كلـام صاحب ذخيرة الكتاب. فإنه قال بعد ذكر المكاتبـة عـن الخليفـة: وكذلـك المكاتبـة عـن ولـي العهـد. على أن المكاتبة عن ولي العهد قد بطلت في زماننا جملةً. الطرف العاشر من المكاتبات عن الخلفاء المكاتبات إلى أهل الكفر وكان الرسم فيها أن يكتب من فلان إلى فلان. ويقع التخلص فيها إلى المقصود بأما بعد. ويختم الكتاب بلفظ والسلام على من اتبع الهدى. فقد حكى أبو هلال العسكري في كتابه الأوائـل أنـه كـان على الروم ملكةٌ وكانت تلاطف الرشيد ولها ابن صغير فلما نشأ فوضت الأمر إليه فعاث وأفسد فخافت أمه على ملك الروم فقتلته فخرج عليها تقفور ملك الروم فقتلها واستولى على ملكها وكتب إلى الرشيد: أما بعد فإن هذه المرأة وضعتك موضع الشاه ووضعت نفسها موضع الرخ وينبغـي أن تعلـم أني أنا الشاه وأنت الرخ. فأد إلي ما كانت المرأة تؤدي إليك. فلما قرأ الكتاب قال لكتابه من عبد الله هارون أمير المؤمنين إلى تقفور كلب الروم. أما بعد فقد فهمت كتابك والجواب ما تراه لا ما تسمعه والسلام على من اتبع الهدى. ويقـال: إنـه كتـاب الجـواب مـا تـراه لا ما تسمعه وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار. ولا يخفى ما في ذلك من البلاغة مع الإيجاز. وكمـا كتـب عن الحافظ لدين الله أحد خلفاء الفاطميين بمصر إلى صاحب صقلية وما معها من ملوك الفرنج: مـن عبـد اللـه ووليـه عبـد المجيـد أبي الميمون الإمام الحافظ لدين الله أمير المؤمنين إلى الملك بجزيرة صقليـة وأنكورية وأنطاكية وقلورية وسترلو وملف وما انضاف إلى ذلك وفقه الله في مقاصده! وأرشده إلى العمل بطاعته في مصادره وموارده. سلامٌ على من اتبع الهدى وأمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلي على جده محمدٍ خاتم النبيين وسيد المرسليـن صلـى اللـه عليـه وعلـى آلـه الطاهريـن الأئمـة المهديين وسلم تسليماً. أما بعد فإنه عرض بحضرة أمير المؤمنين الكتاب الواصل مـن جهتـك ففـض ختامـه واجتلـي وقـريء مضمونـه وتلـي ووقعـت الإصاخـة إلـى فصولـه وحصلـت الإحاطـة بجملـه وتفاصيله. والإجابة تأتي على أجمعه ولا تخل بشيء من مستودعه أما ما افتتحته به من حمد الله تعالى على نعمه وتوسيعك القول فيما أولاك من إحسانه وكرمه فإن مواهب الله تعالى ومننه التي جعـل تواليهـا اختبار شكر العبد وامتحانه على أنه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور عليم وهو القائـل فيمـن أثنـى عليهـم والله تبارك وتعالى يمنح أمير المؤمنين وآباءه الأئمة الراشديـن مـا غـدت مستقدمـات الحمـد والشكـر عنـد لوازمـه مستأخـرة إذ كـان أفردهـم دون الخليفة بأن أعطاهم الدنيا ثم أعطاهم معها الآخرة واختصهم من حبائه بما لا يحصيه عدد وخولهم من آلائه بما لا يقوم بشكره أحد. وأما ما ذكرته من افتتاحك الجزيرة المعروفة بجربة لما شرحته من عدوان أهلها وعدولهم عن طرق الخيرات وسبلها واجترائهم في الطغيان على أسباب لا يجوز التغافل عن مثلها واستعمالهـم الظلـم تمـرداً وتماديهـم فـي الغـي تباهياً في الباطل وغلواً يأساً من الجزاء لما استبطأوه فإن من كانت هذه حالته حقيقٌ أن تكون الرحمة عنه نائية وخليقٌ أن يأخذه الله من مأمنـه أخذةً رابية كما أنه من كان من أهل السلامة وسالكاً سبيل الاستقامة ومقبلاً على صلاح شانه وغير متعد للواجب في سره وإعلانه تعين أن نوفر من الرعاية سهمه ونجزل من العناية نصيبه وقسمه ويؤمن مم يقلقه ويزعجه ويقصد بما يسره ويبهجه ويصان عن أن يناله مكـروه ويحمى من أذىً يلم به ويعروه. وأما شكرك لوزيرك الأمير تأييد الدولة وعضدها عز الملك وفخره نظام الرياسة أمير الأمراء فـإن مـن تهـذب بتهذيبـك وتخلـق بأخلاقـك وتـأدب بتأديبـك لا ينكـر منـه إصابة المرامي ولا يستغرب عنده نجح المساعي. وواجبٌ عليه أن لا يجعـل قلبـه إلا مثـوًى للنصائـح وأن لا يـزال عمره بين غادٍ في المخالصة ورائح. وأما المركب العروس ووصول كتاب وكيله ذاكراً ما اعتمده مقدم أسطولك من صونه وحمايته وحفظه ورعايته وإعادة ما كان أخذ منه قبل المعرفة بأنه جارٍ في الديوان الخاص الحافظي ففعلٌ يجمل عنك صدره ويليق بك أن ينسب إليك ذكره وخبره ويدل على علـم أصحابـك برأيك وإحكام معاقدة المودة ويعرب عن إيثارك إبرازها كلما تقادم عهدها في ملابس بهجة مستجـدة وهذا الفعل من خلائقك الرضية غير مستبدع وقد ذخرت منه عند أمير المؤمنين ما حصل في أعز مقرٍّ وأكرم مستودع. لا جرم أن أوامره خرجت إلى مقدمي أساطيله المظفرة بما يجنيك ثمرة ما غرسته ويعلي منار ثنائك الذي قررته على أقوى أصلٍ وأسسته وقد نفذت مراسيمـه بإجرائـك علـى غلاتـك المستمـرة فـي المسامحة بما وجب للديوان عما وصل برسمك على مراكبـك وبرسـم الأميـر تأييـد الدولـة وزيـرك والرسوليـن الوارديـن عـن حق الورود إلى ثغر الإسكندرية حماه الله تعالى ثم إلى مصر حرسها الله وحق الصدور عنهما وكل ما يتصل من جهتك فعلى هذه القضية. وأما شكرك على الأسرى الذين أمر أمير المؤمنين بإطلاقهم إجابةً لرغبتك ورسم بتسييرهم إليك محافظـةً علـى مـرادك وبغيتـك فأوزعنـا شعارهـم أنهـم عتقـاء شفاعتـك وأرقـاء منتـك فذلـك مـن الدلائـل علـى مـا ينطـوي عليه من جميل الرأي وكريم النية ومن الشواهد بأنه يوجب لك ما لا يوجبه لأحدٍ من ملوك النصرانية. وأما سؤالك الآن في إطلاق من تجدد أسره وإنهاؤك أن ذلك مما يهمك أمره فقد شفعك أمير المؤمنين بالإجابة إليك على ما ألف من كريم شيمته وسير إليك مع رسولك من تضمن الثبت ذكـر عدتـه وقـد علمـت مـا كـان مـن أمر بهرام ووصوله إلى الدولة الفاطمية خلد الله ملكها شريداً طريـداً قـد نبـت بـه أوطانـه وقذفتـه ديـاره لا مـال لـه ولا حـال ولا عشيـرة ولا رجـال فقبلته أحسن قبول وبلغت به في الإحسان ما يزيد على السول وغمرته من الإنعام ما يقصر عن اقتراحـه كـل أمل وجعلته فواضلها يقلب الطرف بين الخيل والخول. وكانت أموره كل يوم في نمو وزيـادة وأحوالـه توفـي علـى البغيـة والـإرادة إلـى أن جرت نوبةٌ اقتضى التدبير في وقتها أن عدقت به الوزارة ونيطت به السفارة فوسوس له خاطره ما زخرفه البطر وزينه وصوره الشيطان وحسنه وأظهر ما ظهرت أماراته ووضحت أدلته وعلاماته فاستدعى قبيله وأسرته وجنسه وعشيرته بمكاتبات منه سرية وخطوط عثـر عليهـا بالأرمنيـة فكانـوا يصلـون أول أول إلى أن اجتمع منهم عشرون ألف رجل من فارسٍ وراجل ومن جملتهم ابنا أخيه وغيرهما من أهله فدلوه بالغرور وحملوه على ما قضى بالاستيحاش منه والنفور وقووا عزمه فيما يؤدي إلى اضطراب الأحوال واختلال الأمور فامتعض العساكر المنصورة مما أساء به سياستهم وأبوا الصبـر علـى مـا غيـر به رسمهم وعادتهم. فلما رأى أمير المؤمنين ذلك استعظم الحال فيه وتيقن أن التغافل عنه يقضي بما يعسر استدراكه وتلافيه فكاتب وليه وصفيه الذي ربي في حجر الخلافة وسما به استحقاقه إلـى أعلـى درج الإنافـة وحصلـت لـه الرياسـة باكتسابـه وانتسابـه وغدا النظر في أمور المملكة لا يصلح لغيره ولا يليق إلا به السيد الأجل الأفضل وهو يومئذ والـي الأعمـال الغريبـة. وصـدرت كتـب أميـر المؤمنيـن تشعره بهذا الأمر الصعب وتستكشف به ما عرا الدولة من هذا الخطب فأجاب دعاءه ولبى نداءه وقام قيام مثله ممن أجزل الله حظه من الإيمان وجعله جل وعز حسنـة هـذا الزمـان واختصـه بعنايـة قويـة وأمـده بمـواد علويـة وأيـده بإعانةٍ سماوية تخرج عن الاستطاعة البشرية. فجمع الناس وقام خطيباً فيهم وباعثاً لهم على ما يزلفهم عند الله ويحظيهم وموضحاً لهم ما يخشى على الدولة من الأمر المنكر فاجتمعوا إليـه كاجتماعهـم يـوم المحشـر وعضـت النجـود والأغـوار وامتلـأت السهول والأوعار وضاقت الأرض على سعتها بالخلائق وارتفعت في توجههم لطلب المذكور الأعذار والعوائق. ولم يبق فضاءٌ إلا وهو بهم شرق ولا أحدٌ إلا وهو منزعجٌ بقصده وعلى تأخر ذلك قلق. وكان بهرام وأصحابه بالإضافة إليهم كالشامة في اللون البسيط وكالقطرة في البحر المحيط وساروا مع السيـد الأجـل الأفضـل نحـوه مسارعيـن وعلـى الانقضـاض عليهم متهافتين. فلما شعر بذلك لم يبق له قرار ولاذ بالهرب والفرار يهجر المناهل ويطوي المراحل ويرى الشرود غنماً ويعد السلامـة حلمـاً. واستقـرت وزارة أميـر المؤمنيـن لهـذا السيـد الأجـل الأفضل الذي لم تزل فيه راغبة وله خاطبة ونحو توليه إياها متطلعة وإلى نظره فيها مبادرةً متسرعة ولم تنفك لزينة دستها مستبطئـة وفي التلهف على تأخر ذلك معيدةً مبدئة فأحسن إلى الكافة قولاً وفعلاً وعمل في حـق الدولـة مـا لـم يجعـل لـه فـي الـوزراء شبهـاً ولا فـي الملـوك العظمـاء مثـلاً وغدا للملة الحنيفة حجةً وبرهاناً وأولى الأولياء إعزازاً وتكريماً والأعداء إذلالاً وإهواناً. وصان الخلافة عن نفاذ حيلة وتمـام غيلـة ومخادعـة ماكـر ومخاتلـة غـادر فلذلـك انتضـاه أميـر المؤمنيـن حسامـاً باتـراً ماضـي الغرار واجتباه هماماً في المصالح لا يطعم جفنه غير الغرار واصطفاه خليلاً وظهيراً لتساوي باطنـه وظاهـره فـي الصفاء واستخلصه لنفسه لمفاخره الجمة التي ليس بها من خفاء. وانتظمت الأمور بكفالته في سلك الوفاق وعمت الخيرات بوزارته عموم الشمس بأنوارها جميع الآفاق فسعدت بنظره الجدود وتظاهرت ببركاته الميامن والسعود. وأصبح غصن المعالي بيمنه مورقاً وعلـى الملـة مـن يمـن آرائـه تمائم من مس الحوادث ورقى فآثاره توفي على ضياء الصباح وعزماته تزري بمضاء المهندة الصفاح ومآثره تفوت شاو الثناء وغاية الامتداح. فالله تعالى يحفظ النعمة على الخلافة الحافظية ويوزع شكره على سبوغها كافة البرية بكرمه وفضله ومنه وطوله. ولما أمعن بهرام في الهرب وجدت العساكر المنصورة وراءه في الطلب وضاقت عليه المسالك وتيقن أنه في كل وجهةٍ يقصدها هالك عاد لمكارم الدولة وعواطفها وسأل أماناً على نفسه من متالفها فشملته الرحمة وكتب له الأمان فعاودته النعمة واختلط برجال العساكر المنصورة وصار حظه بعد أن كان مبخوساً من الحظوظ الموفورة. وأما اعتذار الكاتب عما وجه إليه بأن من الكلام ما إذا نقل من لغةٍ إلى لغةٍ أخرى اضطرب مبناه فاختل معناه ولا سيما إن غرس فيه لفظٌ ليس في إحدى اللغتين سواه فقد أبان فيما نسب إليه السهو فيه عن وضوح سببه وقد قبل عذره ولم تفك يده عن التمسك به. وأمـا مـا سيرتـه إلـى خزائن أمير المؤمنين تحفة وهدية وأبنت به عن همة بدواعي المجد ملية فإنه وصـل وتسلـم كـل صنـف منـه متولـي الخزائـن المختصـة به بعد عرضه على الثبت المعطوف كتابك عليـه وموافقتـه وقـد أجـري رسولـك فـي إكرامـه وملاحظتـه علـى أفضـل ما يعتمد مع مثله بمنزلة من ورد من جهته وعلى قدر من وصل برسالته. وقد سير أمير المؤمنين من أمراء دولته ووجوه المقدمين بحضرته الأمير المؤتمن المنصور المنتخب مجد الخلافة تاج المعالي فخر الملـك موالـي الدولة وشجاعها ذا النجابتين خالصة أمير المؤمنين أبا منصور جعفراً الحافظي رسولاً بهذه الإجابة لما هو معروف من سداده موصوبٌ من مستوفق قصده ومستصوب اعتماده وألقـي إليه ما يذكره ويشرحه وعول عليه فيما يشافه به ويوضحه وأصحبه من سجاياه وألطافه ما تضمنه الثبت الواصل على يده إبانةً لمحلك عنده وموقفك منه ومكانك لديه. وأمير المؤمنين متطلـع إلـى ورود كتبـك متضمنـةً مـن سـار أنبائـك وطيـب أخبـارك ما يسكن إلى معرفته ويثق بعلم حقيقته. فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى.
|