الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
تنبيه: قال العارف ابن عربي: لا يحجبنك أيها الناظر في العلم النبوي الموروث إذا وقفت على مسألة من مسائله ذكرها فيلسوف أو متكلم أن تنقلها وتعمل بها لكون قائلها لا دين له فإن هذا قول من لا تحصيل له إذ الفيلسوف ليس كل علمه باطلاً فإذا وجدنا شرعنا لا يأباها قبناها سيما فيما وصفوه من الحكم والتبرئ من الشهوات ومكائد النفوس وما تنطوي عليه من سوء الضمائر. - (ت) في العلم (ه) في الزهد كلاهما عن إبراهيم بن المفضل عن سعيد المقبري (عن أبي هريرة، ابن عساكر) في تاريخه وكذا القضاعي (عن علي) أمير المؤمنين قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإبراهيم بن المفضل مضعف اهـ. وقال في العلل: قال يحيى: إبراهيم ليس حديثه بشيء رمز المصنف لحسنه وقال العامري: غريب. 6463 - (الكمأة) بفتح الكاف وسكون الميم وبعدها همزة شيء أبيض كالشحم ينبت بنفسه (من المن) الذي نزل على بني إسرائيل أي مما خلقه اللّه لهم في التيه كان ينزل عليهم في شجرهم مثل السكر أو هو الترنجبين أو من شيء يشبهه طبعاً [ص 66] أو طعماً أو نفعاً أو من حيث حصولها بلا تعب لكونه ينبت بنفسه بغير استنبات أو أراد بالمن النعمة وزعم أن المراد به مما منَّ اللّه به على عباده يأباه ظاهر السبب وهو أن جمعاً من الصحب قالوا: ما نرى الكمأة إلا الشجرة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار واللّه ما نرى لها أصلاً في الأرض ولا فرعاً في السماء وقال قوم: هي جدوى الأرض فلا نأكلها فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم فذكره (وماءها شفاء للعين) إذا خلط بالدواء كالتوتيا لا مفرداً فإنه يؤذيها وقال النووي: بل مطلقاً وقيل إن كان الرمد حاراً فماؤها البحت شفاء وإلا فمخلوطاً قال الديلمي: أنا جربت ذلك أمرت أن تقطر عين جارية بمائها وقد أعيي الأطباء علاجها فبرأت وقال ابن القيم: اعترف فضلاء الأطباء كالمسيحي وابن سينا بأن الكمأة تجلو العين. - (حم ق ت عن سعيد بن زيد حم ن ه عن أبي سعيد) الخدري (وجابر) بن عبد اللّه (أبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (عن ابن عباس وعن عائشة). 6464 - (الكمأة من المن) مصدر بمعنى المفعول أي الممنون به (والمن من الجنة وماؤها شفاء للعين) أي شفاء من داء العين إذا خلط مع أدوية لا مفرداً ذكره الزمخشري قال ابن جرير: وإنما خص الكمأة مع مشاركة الكشوت في حدوثه في العراق بلا أصل لأنه يقتني ثم يربي وينمو فينمو بخلاف الكمأة وقال بعضهم: أشار بإدخال من على المن إلى أنها فرد من أفراده فالترنجبين فرد من أفراد المن وإن غلب استعمال المن عليه عرفاً والمن أنواع من النبات الذي يؤخذ عفوا بلا علاج وماؤها شفاء للعين أي شفاء لداء العين إذا خلط بغيره من الأدوية اللائقة لا مفرداً ذكره الزمخشري وحكى إبراهيم بن الحرث عن صالح وعبد اللّه بن أحمد بن حنبل أنهما اشتكيا أعينهما فأخذا الكمأة وعصراها واكتحلا بمائها فهاجت أعينهما ورمدا قال ابن الجوزي: وحكى شيخنا ابن عبد الباقي أن رجلاً عصر ماءها واكتحل به فذهبت عينه قال ابن حجر: والذي يزيل الإشكال عن هذا الاختلاف أن الكمأة كغيرها خلق في الأصل سليماً من المضار ثم عرضت له آفات من نحو جوار وامتزاج فالكمأة في الأصل نافع وإنما عرض له المضار بالمجاورة واستعمال كل ما وردت به السنة بصدق ينفع مستعمله ويدفع عنه الضرر لنيته والعكس بالعكس. - (أبو نعيم) في الطب (عن أبي سعيد) الخدري. 6465 - (الكنود) بفتح الكاف وضم النون مخففاً الكافر والعاصي والمراد به في القرآن (الذي يأكل وحده) تيهاً وتكبراً وترفعاً على غيره واستحقاراً له (ويمنع رقده) بكسر فسكون عطاءه وصلته (ويضرب عبده) أو أمته أو زوجته حيث لا يجوز الضرب وهذا قاله لما سئل عن تفسير الآية. - (طب) وكذا الديلمي (عن أبي أمامة) وفيه الوليد بن مسلم وقد سبق. 6466 - (الكوثر) فوعل من الكثرة المفرطة (نهر في الجنة حافتاه) أي جانباه (من ذهب) يحتمل مثل الذهب في النضارة والضياء ويحتمل الحقيقة وأخذ بها جمع مفسرون فرجحوا أنه نهر في الجنة ورجح آخرون أنه حوض في القيامة لخبر مسلم - (حم ت ه عن ابن عمر) [ص 67] ابن الخطاب رمز المصنف لحسنه، وروى ابن أبي الدنيا عن ابن عباس موقوفاً في قوله تعالى 6467 - (الكوثر نهر أعطانيه اللّه في الجنة) وهو النهر الذي يصب في الحوض فهو مادة الحوض كما جاء صريحاً في البخاري (ترابه مسك أبيض من اللبن وأحلى من العسل ترده طير أعناقها مثل أعناق الجزر وآكلها أنعم منها) قال القرطبي في التذكرة: ذهب صاحب القوت وغيره إلى أن الحوض يكون بعد الصراط وعكس آخرون والصحيح أن له حوضين أحدهما في الموقف قبل الصراط والآخر داخل في الجنة وكل منهما يسمى كوثراً قال ابن حجر: وفيه نظر لأن الكوثر داخل الجنة كما في هذا الحديث وماؤه يصب في الحوض ويطلق على الحوض كوثر لأنه يمد منه. - (ك عن أنس) بن مالك. 6468 - (الكيس) أي العاقل قال الزمخشري: الكيس حسن التأني في الأمور والكيس المنسوب إلى الكيس المعروف به وقال ابن الأثير: الكيس في الأمور يجري مجرى الرفق فيها وقال الراغب: الكيس القدرة على جودة استنباط ما هو أصلح في بلوغ الخير وتسميتهم الغادر كيساً إما على طريق التهكم أو تنبيهاً على أن الغادر يعد ذلك كيساً (من دان نفسه) أي حاسبها وأذلها واستعبدها وقهرها يعني جعل نفسه مطيعة منقادة لأوامر ربها قال أبو عبيد: الدين الدأب وهو أن يداوم على الطاعة والدين الحساب قال ابن عربي: كان أشياخنا يحاسبون أنفسهم على ما يتكلمون به وما يفعلونه ويقيدونه في دفتر فإذا كان بعد العشاء حاسبوا نفوسهم وأحضروا دفترهم ونظروا فيما صدر منهم من قول وعمل وقابلوا كلاً بما يستحقه إن استحق استغفاراً استغفروا أو التوبة تابوا أو شكراً شكروا ثم ينامون فزدنا عليهم في هذا الباب الخواطر فكنا نقيد ما نحدث به نفوسنا ونهم به ونحاسبها عليه (وعمل لما بعد الموت) قبل نزوله ليصير على نور من ربه فالموت عاقبة أمور الدنيا فالكيس من أبصر العاقبة والأحمق من عمي عنها وحجبته الشهوات والغفلات (والعاجز) المقصر في الأمور وهذا ما وقفت عليه في النسخ ورواه العسكري بلفظ الفاجر بالفاء (من أتبع نفسه هواها) فلم يكفها عن الشهوات ولم يمنعها عن مقارفة المحرمات واللذات (وتمنى على اللّه) زاد في رواية الأماني بتشديد الياء جمع أمنية أي فهو مع تقصيره في طاعة ربه واتبع شهوات نفسه لا يستعد ولا يعتذر ولا يرجع بل يتمنى على اللّه العفو والعافية والجنة مع الإصرار وترك التوبة والاستغفار قال الطيبي: والعاجز الذي غلبت عليه نفسه وقهرته فأعطاها ما تشتهيه، قوبل الكيس بالعاجز والمقابل الحقيقي للكيس السفيه الرأي وللعاجز القادر إيذاناً بأن الكيس هو القادر والعاجز هو السفيه واصل الأمنية ما يقدره الإنسان في نفسه من منى إذا قدر ولذلك يطلق على الكذب وعلى ما يتمنى قال الحسن: إن قوماً ألهتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا وما لهم حسنة ويقول أحدهم إني أحسن الظن بربي وكذب لو أحسن الظن لأحسن العمل تنبيه: قال الزمخشري: الأماني جمع أمنية وهي تقدير الوقوع فيما يترامى إليه الأمل اهـ. وقال غيره: التمني طلب ما لا مطمع فيه أو ما فيه عسر فالأول نحو قول الهرم: * ألا ليت الشباب يعود يوماً * الثاني نحو قول العادم ليت لي مالاً فأحج منه فإن حصول المال ممكن لكن يعسر، والحاصل أن التمني يكون في الممتنع والممكن لا الواجب كمجيء الغد. - (حم ت ه) في الزهد (ك) في الإيمان من حديث أبي بكر بن أبي مريم الغساني عن ضمرة (عن شداد بن أوس) قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري قال الذهبي: لا واللّه أبو بكر واه قال ابن طاهر: مدار الحديث عليه وهو ضعيف جداً. 6469 - (الكيس من عمل لما بعد الموت) من حيث إنه لا خير يصل إليه الإنسان أفضل مما بعد الموت لأن عاجل الحال يشترك في درك ضره ونفعه وجميع الحيوانات بالطبع وإنما الشأن في العمل للآجل فجدير بمن الموت مصرعه والتراب مضجعه والدود أنسه ومنكر ونكير جليسه والقبر مقره وبطن الأرض مستقره والقيامة موعده والجنة أو النار مورده أن لا يكون له ذكر إلا الموت وما بعده ولا ذكر إلا له ولا استعداد إلا لأجله ولا تدبير إلا فيه ولا مطلع إلا إليه ولا تعريج إلا عليه ولا اهتمام إلا به ولا حوم إلا حوله ولا انتظار وتربص إلا له وحقيق بأن يعدّ نفسه من الموتى ويراها في أصحاب القبور فإن كل ما هو آت قريب والبعيد ما ليس بآت فلذلك كان الكيس من عمل لما بعد الموت ولا يتيسر الاستعداد للشيء إلا عند تجدّد ذكره على القلب ولا يتجدد ذكره إلا عند التذكر بالإصغاء إلى المذكرات والنظر في المنهيات (والعاري العاري من الدين) بكسر الدال بضبط المصنف، وذلك لأن الإنسان إذا بلغ وقع في حومة الحرب بين داعي العقل والهوى وداعي الطبع والهوى، فإن غلب باعث الدين ردّ جيش الهوى خاسئا أو داعي الهوى سقط نزاع داعي الدين رأسا فاستلبه الشيطان لباس الإيمان فيمسي ويصبح وهو عريان (اللّهم لا عيش إلا عيش الآخرة) فهو العيش الكامل وما سواه ظل زائل وحال حائل. - (هب) من حديث عون بن عمارة عن هشام بن حسان بن ثابت (عن أنس) قال أعني البيهقي: وعون ضعيف اهـ. وممن ضعفه أيضاً أبو حاتم وغيره. قال الراغب: هي عبارة عما مضى من الزمان، وفي كثير من وصف اللّه تنبئ عن معنى الأزلية نحو 6470 - (كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أبيض مليحاً مقصداً) بالتشديد أي مقتصداً يعني ليس بجسيم ولا نحيف ولا طويل ولا قصير كأنه نحى به القصد من الأمور. قال البيضاوي: المقصد المقتصد يريد به المتوسط بين الطويل والقصير والناحل والجسيم، وقال القرطبي: الملاحة أصلها في العينين والمقصد المقتصد في جسمه وطوله يعني كان غير ضئيل ولا ضخم ولا طويل ذاهباً ولا قصيراً بل كان وسطاً. - (م) في صفة النبي صلى اللّه عليه وسلم (ت في) كتاب (الشمائل) النبوية من حديث الجريري (عن أبي الطفيل) عامر بن واثلة، ورواه عنه أيضاً أبو داود في الأدب فما أوهمه كلامه من تفرد ذينك به عن الأربعة غير جيد. قال: رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وما على وجه الأرض رجل رآه غيري قال: فقلت كيف رأيته؟ فذكره، وفي رواية لمسلم عنه أيضاً كان أبيض مليح الوجه. 6471 - (كان أبيض كأنما صيغ) أي خلق من الصوغ يعني الإيجاد أي الخلق. قال الزمخشري: من المجاز فلان حسن الصيفة وهي الخلقة وصاغه اللّه صيغة حسنة، وفلان بين صيغة كريمة من أصل كريم (من فضة) باعتبار ما كان يعلو بياضه من الإضاءة ولمعان الأنوار والبريق الساطع فلا تدافع بينه وبين ما يأتي عقبه من أنه كان مشرباً بحمرة، وآثره لتضمنه نعته بتناسب التركيب وتماسك الأجزاء فلا اتجاه لجعله من الصوغ بمعنى سبك الفضة، وقد نعته عمه أبو طالب بقوله: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل وفي رواية لأحمد فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة، وفي أخرى للبزار ويعقوب بن أبي سفيان بإسناد قال ابن حجر: قوي عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصفه فقال: كان شديد البياض، وفي رواية لأبي الطفيل عن الطبراني، ما أنسى شدة بياض وجهه مع شدة سواد شعره (رجل الشعر) بكسر الجيم ومنهم من سكنها أي مسرح الشعر كذا في الفتح وفسر بما فيه تثن قليل، وما في المواهب أنه روى أنه شعر بين شعرين، لا رجل ولا سبط فالمراد به المبالغة في قلة التثني. - (ت فيها) أي الشمائل (عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته. 6473 - (كان أبيض مشرباً بياضه بحمرة) بالتخفيف من الإشراب. قال الحرالي: وهو مداخلة نافذة سابغة كالشراب وهو الماء الداخل كلية الجسم للطافته ونفوذه، وقال البيهقي: يقال إن المشرب منه حمرة إلى السمرة ما ضحى منه للشمس والريح وأما ما تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر، وروي مشرباً بالتشديد اسم مفعول من التشرب يقال بياض مشرب بالتخفيف فإذا شدّد كان للتكثير والمبالغة فهو هنا للمبالغة في شدة البياض المائل إلى الحمرة (وكان أسود الحدقة) بفتحات أي شديد سواد العين قال في المصباح وغيره: حدقة العين سوادها جمعه حدق وحدقات كقصب وقصبات وربما قيل حداق كرقبة ورقاب (أهدب الأشفار) جمع شفر بالضم ويفتح حروف الأجفان التي ينبت عليها الشعر وهي الهدب بالضم [ص 70] والأهدب كثيرة ويقال لطويله أيضاً وما أوهمه ظاهر هذا التركيب من أن الأشفار هي الأهداب غير مراد ففي المصباح عن ابن قتيبة العامة تجعل أشفار العين الشعر وهو غلط وفي المغرب لم يذكر أحد من الثقات أن الأشفار الأهداب فهو إما على حذف مضاف أي الطويل شعر الأجفان وسمي النابت باسم المنبت للملابسة. - (البيهقي في) كتاب (الدلائل) أي دلائل النبوة (عن علي) أمير المؤمنين ورواه عنه الترمذي أيضاً لكن قال: أدعج العينين بدل أسود الحدقة (كان أبيض مشرباً بحمرة) أي مخالط بياضه حمرة كأنه سقي بها (ضخم الهامة) بالتخفيف أي عظيم الرأس وعظمه ممدوح محبوب لأنه أعون الادراكات ونيل الكمالات (أغر) أي صبيح (أبلج) أي مشرق مضيء وقيل الأبلج من نقي ما بين حاجبيه من الشعر فلم يقترنا والاسم البلج بالتحريك والعرب تحب البلج وتكره القرن (أهدب الأشفار) قد سمعت ما قيل فيه وحذف العاطف فيه وفيما قبله ليكون أدعى إلى الإصغاء إليه وأبعث للقلوب على تفهم خطابه فإن اللفظ إذا كان فيه نوع غرابة وعدم ألفة أصغى السمع إلى تدبره والفكر فيه فجاءت المعاني مسرودة على نمط التعديد إشعاراً بأن كلاً منها مستقل بنفسه قائم برأسه صالح لانفراده بالغرض (البيهقي) في الدلائل (عن علي) أمير المؤمنين. 6474 - (كان أحسن الناس وجهاً) حتى من يوسف قال المؤلف: من خصائصه أنه أوتي كل الحسن ولم يؤت يوسف إلا شطره (وأحسنهم خلقاً) بضم المعجمة على الأرجح فالأول إشارة إلى الحسن الحسي والثاني إشارة إلى الحسن المعنوي ذكره ابن حجر وما رجحه ممنوع فقد جزم القرطبي بخلافه فقال: الرواية بفتح الخاء وسكون اللام قال: أراد حسن الجسم بدليل قوله بعده ليس بالطويل إلخ قال: وأما ما في حديث أنس الآني فروايته بضم الخاء واللام فإنه عنى به حسن المعاشرة بدليل بقية الخبر وفي رواية وأحسنه بالإفراد والقياس الأول قال أبو حاتم: لا يكادون يتكلمون به إلا مفرداً وقال غيره: جرى على لسانهم بالإفراد ومنه حديث ابن عباس في قول أبي سفيان عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بالإفراد في الثاني (ليس بالطويل البائن) بالهمز وجعله بالياء وهم أي الظاهر قوله من باب ظهر أو المفرط طولاً الذي بعد عن حد الاعتدال وفاق سواه من الرجال (ولا بالقصير) بل كان إلى الطول أقرب كما أفاده وصف الطويل بالبائن دون القصير بمقابله وجاء مصرحاً به في رواية البيهقي وزعم أن تقييد القصير بالمتردد في رواية لوجوب جمل المطلق على المقيد يدفعه أن حمله عليه في النفي لا يجب وفي الإثبات تفصيل. - (ق عن البراء) بن عازب ورواه عنه أيضاً جمع منهم الخرائطي. 6475 - (كان أحسن الناس قدماً) بفتح القاف والدال وهي من الإنسان معروفة وهي أنثى وتصغيرها قديمة والجمع أقدام وقد روى ابن صاعد عن سراقة قال: دنوت من المصطفى صلى اللّه عليه وسلم وهو على ناقته فرأيت ساقه في غرزه كأنها جهارة أي في شدة البياض فلا ينافيه ما ورد أنه كان في ساقه حموشة. - (ابن سعد) في الطبقات (عن عبد اللّه بن بريدة مرسلاً) هو قاضي مرو، قال الذهبي: ثقة ولد سنة 15 وعاش مئة سنة. 6476 - (كان أحسن) لفظ رواية الترمذي من أحسن (الناس خلقاً) بالضم لحيازته جميع المحاسن والمكارم وتكاملها فيه ولما اجتمع فيه من خصال الكمال وصفات الجلال والجمال ما لا يحصره حد ولا يحيط به عد: أثنى اللّه عليه به في كتابه بقوله [ص 71] فائدة: روى أبو موسى بإسناد مظلم كما في الإصابة إلى هدية عن حماد عن ثابت عن أنس قال: وفدَ وفدٌ من اليمن وفيهم رجل يقال له ذؤالة بن عوقلة الثمالي فوقف بين يدي النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول اللّه من أحسن الناس خلقاً وخلقاً قال: أنا يا ذؤالة ولا فخر فذكر حديثاً ركيك الألفاظ. - (م د عن أنس) بن مالك تمامه في بعض الروايات قال أي أنس: وكان لي أخ يقال له أبو عمير قال: أحسبه كان فطيماً فكان إذا جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرآه قال: يا أبا عمير ما فعل النفير قال: فكان يلعب به هكذا هو عند مسلم وفيه أيضاً عنه كان من أحسن الناس خلقاً فأرسلني يوماً لحاجة فقلت: واللّه لا أذهب فخرجت حتى أمر على صبيان يلعبون في السوق فإذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبض بقفاي من ورائي فنظرت إليه وهو يضحك فقال: أنيس ذهبت حيث أمرتك قلت: نعم أنا ذاهب. 6477 - (كان أحسن الناس) صورة وسيرة (وأجود الناس) بكل ما ينفع حذف للتعميم أو لفوت إحصائه كثرة لأن من كان أكملهم شرفاً وأيقظهم قلباً وألطفهم طبعاً وأعدلهم مزاجاً جدير بأن يكون أسمحهم صلة وأنداهم يداً ولأنه مستغن عن الغانيات بالباقيات الصالحات ولأنه تخلق بصفات اللّه تعالى التي منها الجود (وأشجع الناس) أي أقواهم قلباً وأجودهم في حال البأس فكان الشجاع منهم الذي يلوذ بجانبه عند التحام الحرب وما ولى قط منهزماً ولا تحدث أحد عنه بفرار وقد ثبتت أشجعيته بالتواتر النقلي قال المصنف: بل يؤخذ ذلك من النص القرآني لقوله - (ق ت ه عن أنس) بن مالك وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل بقيته في البخاري ولقد فزع أهل المدينة أي ليلاً فكان النبي صلى اللّه عليه وسلم سبقهم على فرس أي استعاره من أبي طلحة وقال: وجدناه بحراً هكذا ساقه في باب مدح الشجاعة في الحرب وفي مسلم في باب صفة النبي صلى اللّه عليه وسلم عقب ما ذكر وقد قرع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم راجعاً وقد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لأبي طلحة عرى في عنقه السيف وهو يقول لن تراعوا قال: وجدناه بحراً أو إنه لبحر انتهى. 6478 - (كان أحسن الناس صفة وأجملها) لما منحه اللّه من الصفات الحميدة الجليلة (كان ربعة إلى الطول ما هو بعيد ما بين المنكبين أسيل الخدين) في رواية الترمذي سهل الخدين أي ليس في خديه نتوء ولا ارتفاع وأراد أن خديه أسيلان قليلاً اللحم رقيقاً الجلد (شديد سواد الشعر أكحل العينين) أي شديد سواد أجفانهما (أهداب الأشفار) [ص 72] قال ابن حجر: وكأن قوله أسيل الخدين هو الحامل على من سأل كأن وجهه مثل السيف (إذا وطئ بقدمه وطئ بكلها ليس له أخمص) أي لا يلصق القدم بالأرض عند الوطء قال المصنف وغيره: وذكر كثير أنه كان إذا مشى على الصخر غاصت قدماه فيه ولم أقف له على أصل (إذا وضع رداءه عن منكبيه فكأنه سبيكة فضة وإذا ضحك يتلألأ) أي يلمع ويضيء ولا يخفى ما في تعدد هذه الصفات من الحسن وذلك لأنها بالتعاطف تصير كأنها جملة واحدة قالوا: ومن تمام الإيمان به الإيمان بأنه سبحانه خلق جسده على وجه لم يظهر قبله ولا بعده مثله، وفي الأثر أن خالد بن الوليد خرج في سرية فنزل بحي فقال سيد الحي: صف لنا محمداً صلى اللّه عليه وسلم فقال: أما إني أفصل فلا، فقال: أجمل فقال: الرسول على قدر المرسل، كذا في أسرار الإسراء لابن المنير. - (البيهقي) في الدلائل (عن أبي هريرة). 6479 - (كان أزهر اللون) أي نيره وحسنه وفي الصحاح كغيره الأبيض المشرق وبه أو بالأبيض المنير فسره عامة المحدثين حملاً على الأكمل أو لقرينة ولعل من فسره بالأبيض الممزوج بحمرة نظر إلى المراد بقرينة الواقع قال محقق: والأشهر في لونه أن البياض غالب عليه سيما فيما تحت الثياب لكن لم يكن كالجص بل نير ممزوج بحمرة غير صافية بل مع نوع كدر كما في المغرب ولهذا جاء في رواية أسمر وبه يحصل التوفيق بين الروايات (كان عرقه) محركاً يترشح من جلد الحيوان (اللؤلؤ) في الصفاء والبياض وفي خبر البيهقي عن عائشة كان يخصف نعله وكنت أغزل فنظرت إليه فجعل جبينه يعرق وجعل عرقه يتولد نوراً (إذا مشى تكفأ) بالهمز وتركه أي مال يميناً وشمالاً. - (م) في المناقب (عن أنس) بن مالك وروى معناه البخاري. 6480 - (كان أشد حياء) بالمد أي استحياء من ربه ومن الخلق يعني حياؤه أشد (من) حياء (العذراء) البكر لأن عذرتها أي جلدة بكارتها باقية (في خدرها) في محل الحال أي كائنة في خدرها بالكسر سترها الذي يجعل بجانب البيت والعذراء في الخلوة يشتد حياؤها أكثر مما يكون خارجه لكون الخلوة مظنة الفعل بها ومحل حيائه في غير الحدود ولهذا قال بالذي اعترف بالزنا: أنكتها؟ لا يكنى كما بين في الصحيح في كتاب الحدود. - (حم ق) في صفة النبي صلى اللّه عليه وسلم وفي فضائله (ه) في الزهد (عن أبي سعيد) الخدري وفي الباب أنس وغيره. 6481 - (كان أصبر الناس) أي أكثرهم صبراً (على أقذار الناس) أي ما يكون من قبيح فعلهم وسيء قولهم لأنه لانشراح صدره يتسمع لما تضيق عنه صدور العامة فكانت مساوئ أخلاقهم ومدانئ أفعالهم وسوء مسيرهم وقبح سيرتهم في جنب صدره كقطرة دم في قاموس اليم وفيه شرف الصبر. - (ابن سعد) في الطبقات (عن إسماعيل بن عياش) بفتح المهملة وشد المثناة وشين معجمة وهو ابن سليم (مرسلاً) هو العنسي بالنون عالم الشام في عصره صدوق في روايته عن أهل بلده يخلط في غيرهم. 6482 - (كان أفلج الثنيتين) أي بعيد ما بين الثنايا والرباعيات والفلج والفرق فرجة بين الثنيتين كذا في النهاية وزاد الجوهري رجل مفلج الثنايا أي منفرجها قال محقق: فله معيتان قيل أكثر الفلج في العليا وهي صفة جميلة لكن مع القلة لأنه أتم في الفصاحة لاتساع الأسنان فيه (إذا تكلم رىء) كقيل على الأفصح وروي كضرب (كالنور يخرج من بين ثناياه) جمع ثنية بالتشديد وهي الأسنان الأربع التي في مقدم الفم ثنتان من فوق وثنتان من تحت قال الطيبي: ضميره يخرج إلى [ص 73] الكلام فهو تشبيه في الظهور إلى النور فالكاف زائدة وحاصله أنه يخرج كلامه من بين الثنايا الأربع شبيهاً بالنور في الظهور قال محقق: والأنسب بأول الحديث أن المعنى يخرج من الفلج ما يشبه نور النجم أو نحوه فالضمير إلى المشبه المقدر وقيل يخرج من صفاء الثنايا تلألؤ. تنبيه: كانت ذاته الشريفة كلها نوراً ظاهراً وباطناً حتى أنه كان يمنح لمن استحقه من أصحابه سأله الطفيل بن عمرو آية لقومه وقال: اللّهم نور له فسطع له نور بين عينيه فقال: أخاف أن يكون مثلة فتحول إلى طرف سوطه وكان يضيء في الليل المظلم فسمي ذا النور وأعطى قتادة بن النعمان لما صلى معه العشاء في ليلة مظلمة ممطرة عرجوناً وقال: انطلق به فإنه سيضيء له من بين يديك عشراً ومن خلفك عشراً فإذ دخلت بيتك فسترى سواداً فاضربه ليخرج فإنه الشيطان فكان كذلك ومسح وجه رجل فما زال على وجهه نوراً ومسح وجه قتادة بن ملحان فكان لوجهه بريق حتى كان ينظر في وجهه كما ينظر في المرآة إلى غير ذلك. - (ت في) كتاب (الشمائل طب) وكذا في الأوسط (والبيهقي) في الدلائل (عن ابن عباس) قال الهيثمي: وفيه عبد العزيز بن أبي ثابت وهو ضعيف جداً. 6483 - (كان حسن السبلة) بالتحريك ما أسبل من مقدم اللحية على الصدر ذكره الزمخشري وهو الشعرات التي تحت اللحى الأسفل أو الشارب وفي شرح المقامات للشربيني: السبلة مقدم اللحية ورجل مسبل وفلان خفيف العذارين وهما ما اتصل من اللحية بالصدغ وهما العارضان وهما ما نبت في الخدين من الشعر على عوارض الأسنان. - (طب عن العذاه) بفتح العين المهملة وشد الذال المعجمة وآخره مهملة (ابن خالد) بن هودة العامري أسلم يوم حنين هو وأبوه جميعاً قال البيهقي: فيه من لم أعرفهم. 6484 - (كان خاتم النبوة في ظهره بضعة) بفتح الباء قطعة لحم (ناشزة) بمعجمات مرتفعة من اللحم وفي رواية مثل السلعة وأما ما ورد من أنها كانت كأثر محجم أو كالشامة سوداء أو خضراء ومكتوب عليها محمد رسول اللّه أو سر فأنت المنصور ونحو ذلك. قال ابن حجر: فلم يثبت منها شيء. قال القرطبي: اتفقت الأحاديث الثابتة على أن الخاتم كان شيئاً بارزاً أحمر عند كتفه الأيسر قدره إذا قلل كبيضة الحمامة وإذا كثر جمع اليد وفي الخاتم أقوال متقاربة وعد المصنف وغيره جعل خاتم النبوة بظهره بإزاء قلبه حيث يدخل الشيطان من خصائصه على الأنبياء وقال: وسائر الأنبياء كان خاتمهم في يمينهم. - (ت فيها) أي الشمائل (عن أبي سعيد) الخدري. 6485 - (كان خاتمه غدة) بغين معجمة مضمومة ودال مهملة مشددة قال المؤلف: ورأيت من صحفه بالراء وسألني عنه فقلت إنما هو بالدال والغدة كما في القاموس وغيره كل عقدة في الجسد أطاف بها شحم وفي المصباح لحم يحدث بين الجلد واللحم يتحرك بالتحريك (حمراء) أي تميل حمرة فلا تعارض بينه وبين روايته أنه كان لون بدنه قال العصام: وفيه رد لرواية أنها سوداء أو خضراء (مثل بيضة الحمامة) أي قدراً وصورة لا لونها بدليل وصفها بالحمرة قبله وفي رواية لابن حبان مثل البندقة من اللحم وفي رواية للبيهقي مثل السلعة وفي رواية للحاكم والترمذي شعر يجتمع وفي رواية للبيهقي كالتفاحة وكلها متقاربة وأصل التفاوت في نظر الرائي بعد أو قرب. - (ت عن جابر بن سمرة). 6486 - (كان ربعة من القوم) بفتح الراء وكسر الباء على ما ذكره بعضهم لكن الذي رأيته في الفتح لابن حجر بكسر الراء [ص 74] وسكون الموحدة أي مربوعاً قال: والتأنيث باعتبار النفس اهـ. وقال غيره: هو وصف يشترك فيه المذكر والمؤنث ويجمع على ربعات بالتحريك وهو شاذ وفسره بقوله (ليس بالطويل البائن) أي الذي يباين الناس بزيادة طوله وهو المعبر عنه في رواية بالمشيب، وفي رواية أخرى بالممغط أي المتناهي في الطول من بان أي ظهر على غيره أو فارق من سواه (ولا بالقصير) زاد البيهقي عن عليٍّ وهو إلى الطول أقرب ووقع في حديث أبي هريرة عند الهذلي في الزهريات قال ابن حجر: بإسناد حسن كان ربعة وهو إلى الطول أقرب (أزهر اللون) أي مشرقه نيره زاد ابن الجوزي وغيره في الرواية كأن عرقه اللؤلؤ. قال في الروض: الزهرة لغة إشراق في اللون أي لون كان من بياض أو غيره، وقول بعضهم: إن الأزهر الأبيض خاصة والزهر اسم للأبيض من النوار فقط خطأه أبو حنيفة فيه وقال: إنما الزهرة إشراق في الألوان كلها. وفي حديث يوم أحد نظرت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعيناه تزهران تحت المغفر اهـ. وقال ابن حجر: قوله أزهر اللون أي أبيض مشرب بحمرة وقد ورد ذلك صريحاً في روايات أخر صريحة عند الترمذي والحاكم وغيرهما كان أبيض مشرباً بياضه بحمرة (ليس بالأبيض الأمهق) كذا في الأصول ورواية أمهق ليس بأبيض قال القاضي: وهم (ولا بالآدم) بالمد أي ولا شديد السمرة وإنما يخالط بياضه الحمرة لكنها حمرة بصفاء فيصدق عليه أنه أزهر كما ذكره القرطبي، والعرب تطلق على من هو كذلك أسمر والمراد بالسمرة التي تخالط البياض، ولهذا جاء في حديث أنس عند أحمد والبزار قال ابن حجر بإسناد صحيح صححه ابن حبان أنه كان أسمر، وفي الدلائل للبيهقي عن أنس كان أبيض بياضه إلى السمرة، وفي لفظ لأحمد بسند حسن أسمر إلى البياض قال ابن حجر: يمكن توجيه رواية أمهق بالأمهق الأخضر اللون الذي ليس بياضه في الغاية ولا سمرته ولا حمرته، فقد نقل عن رؤية أن المهق خضرة الماء فهذا التوجيه على تقدير ثبوت الرواية (وليس) شعره (بالجعد) بفتح الجيم وسكون العين (القطط) بفتحتين أي الشديد الجعودة الشبيه شعر السودان (ولا بالسبط) بفتح فكسر أو سكون المنبسط المسترسل الذي لا تكسر فيه فهو متوسط بين الجعودة والسبوطة. - (ق د ت عن أنس) بن مالك تبع في عزوه للشيخين ابن الأثير. قال الصدر المناوي: والظاهر أن ما قاله وهم فإني فحصت عن قول أنس كان ربعة من القوم فلم أقف عليها في مسلم بل هي رواية البخاري ولهذا قال عبد الحق: قوله كان ربعة من القوم من زيادة البخاري على مسلم. فالصواب نسبة هذه الرواية للبخاري دونه. 6487 - (كان شبح الذراعين) بشين معجمة فموحدة فحاء مهملة عبلهما عريضهما ممتدهما ففي المجمل شبحت الشيء مددته (بعيد) بفتح فكسر (مابين المنكبين) أي عريض أعلى الظهر وما موصولة أو موصوفة لا زائدة لأن بين من الظروف اللازمة للإضافة فلا وجه لإخراجه عن الظرفية بالحكم بزيادة ما والمنكب مجتمع رأس العضد والكتف وبعد ما بينهما يدل على سعة الصدر وذلك آية النجابة وجاء في رواية بعبد مصغراً تقليلاً للبعد المذكور إيماء إلى أن بعد ما بين منكبيه لم يكن وافياً منافياً للاعتدال (أهدب أشفار العينين) أي طويلهما غزيرهما على ما مر. - (البيهقي) في الدلائل (عن أبي هريرة). 6488 - (كان شعره دون الجمة وفوق الوفرة) وفي حديث الترمذي وغيره فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره أي جعله وفرة، فالمراد أن معظم شعره كان عند شحمة أذنه وما اتصل به مسترسل إلى المنكب، والجمة شعر الرأس المتجاوز شحمة الأذن إذا وصل المنسكب كذا في الصحاح في حرف الميم وفيه في باب الراء المتجاوز من غير وصول وفي النهاية ما سقط على المنكبين ولعل مراده بالسقوط التجاوز، وفي القاموس الوفرة ما سال على الأذن أو جاوز الشحمة قال أبو شامة: [ص 75] وقد دلت صحاح الأخبار على أن شعره إلى أنصاف أذنيه، وفي رواية يبلغ شحمة أذنيه، وفي أخرى بين أذنيه وعاتقه وفي أخرى يضرب منكبيه ولم يبلغنا في طوله أكثر من ذلك، وهذا الاختلاف باعتبار اختلاف أحواله فروى في هذه الأحوال المتعددة بعدما كان حلقه في حج أو عمرة، وأما كونه لم ينقل أنه زاد على كونه يضرب منكبيه فيجوز كون شعره وقف على ذلك الحد كما يقف الشعر في حق كل إنسان على حد ما ويجوز أن يكون كانت عادته أنه كلما بلغ هذا الحد قصره حتى يكون إلى أنصاف أذنيه أو شحمة أذنيه لكن لم ينقل أنه قصر شعره في غير نسك ولا حلقه ولعل ما وصف به شعره من الأوصاف المذكورة كان بعد حلقه له عمرة الحديبية سنة ست فإنه بعد ذلك لم يترك حلقه مدة يطول فيها أكثر من كونه يضرب منكبيه فإنه في سنة سبع اعتمر عمرة القضاء وفي ثمان اعتمر من الجعرانة وفي عشر حج اهـ. - (ت في الشمائل، د عن عائشة). 6489 - (كان شبيه نحو عشرين شعرة) بيضاء في مقدمة هذا بقية الحديث وقد اقتضى حديث ابن بشران شيبه كان لا يزيد على عشر شعرات لإيراده بصيغة جمع القلة لكن خص ذلك بعنفقته فيحتمل أن الزائد على ذلك في صدغيه كما في حديث البراء لكن وقع عند ابن سعد قال ابن حجر بإسناد صحيح عن حميد عن أنس ما عددت في رأسه ولحيته إلا أربع عشرة شعرة وروى الحاكم عنه لو عددت ما أقبل من شيبه في رأسه ولحيته ما كنت أزيدهن على إحدى عشرة شيبة وفي حديث الهيثم بن زهر ثلاثون عدداً وجمع بينهما باختلاف الأزمان وبأن رواية ابن سعد إخبار عن عده وما عداها إخبار عن الواقع فأنس لم يعد أربع عشرة وهو في الواقع سبع عشرة أو ثمان عشرة أو أكثر وذلك كله نحو العشرين. - (ت فيها) أي في الشمائل (ه) كلاهما (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه أيضاً ابن راهويه وابن حبان والبيهقي. 6490 - (كان ضخم الرأس) أي عظيمه وفي رواية ضخم الهامة (واليدين) يعني الذراعين كما جاء مبيناً هكذا في رواية (والقدمين) يعني ما بين الكعب إلى الركبة وجمع بين الرأس واليدين والقدمين في مضاف لشدة تناسبهما إذ هي جميع أطراف الحيوان وهو بدونها لا يسماه. - (خ) في باب اللباس (عن أنس) بن مالك. 6491 - (كان ضليع الفم) بفتح الضاد المعجمة أي عظيمه أو واسعه والعرب تتمدح بعظمه وتذم صغره قال الزمخشري: والضليع في الأصل الذي عظمت أضلاعه ووفرت فأجفر جنباه ثم استعمل في موضع العظيم وإن لم يكن ثم أضلاع وقيل ضليعه مهزولة وذابلة والمراد ذبول شفتيه ورقتهما وحسنهما وقيل هذا كناية عن قوة فصاحته وكونه يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه (أشكل العينين) أي في بياضهما حمرة على الصحيح وذلك محمود قال محقق: وذا ينافيه كونه أدعج (منهوس العقب) بإعجام الشين وإهمالها أي قليل لحم العقب بفتح فكسر مؤخر القدم ففي جامع الأصول رجل منهوس القدمين والعقبين بسين وشين خفيف لحمهما وفي القاموس المنهوس من الرجال قليل اللحم. - (م ت) كلاهما (عن جابر بن سمرة). 6492 - (كان ضخم الهامة) كبيرها وعظم الرأس يدل على الرزانة والوقار (عظيم اللحية) غليظها كثيفها هكذا وصفه جمع منهم علي وابن مسعود وغيرهما، وفي رواية حميد عن أنس كانت لحيته قد ملأت من ههنا إلى ههنا ومد بعض الرواة يديه على عارضيه. - (البيهقي) في الدلائل (عن علي) أمير المؤمنين وروى الترمذي نحوه. [ص 76] 6493 - (كان فخماً) بفتح الفاء فمعجمة ساكنة أفصح من كسرها أي عظيماً في نفسه (مفخماً) اسم مفعول أي معظماً في صدور الصدور وعيون العيون لا يستطيع مكابر أن لا يعظمه وإن حرص على ترك تعظيمه كان مخالفاً لما في باطنه فليست الفخامة جسيمة وقيل فخماً عظيم القدر عند صحبه مفخماً معظماً عند من لم يره قط وهو عظيم أبداً ومن ثم كان أصحابه لا يجلسون عنده إلا وهم مطرقون لا يتحرك من أحدهم شعرة ولا يضطرب فيه مفصل كما قيل في قوم هذه حالهم مع سلطانهم: كأنما الطير منهم فوق رؤوسهم * لا خوف ظلم ولكن خوف إجلال وقيل: فخامة وجهه وعظمه وامتلاؤه مع الجمال والمهابة (يتلألأ) أي يضيء ويتوهج (وجهه تلألؤ القمر) أي يتلألأ مثل تلألؤه فأعرب المضاف إليه إعرابه بعد حذفه للمبالغة في التناسي (ليلة البدر) أي ليلة أربعة عشر سمي بدراً لأنه يسبق طلوعه مغيب الشمس فكأنه يبدر بطلوعه والقمر ليلة البدر أحسن ما يكون وأتم ولا يعارضه قول القاضي في تفسير [ص 77] وغزارة شعر جمع حاجب وهو ما فوق العين بلحمه وشعره أو هو الشعر الذي فوق العظم وحده وسمي به لحجبه الشمس عن العين أي منعه لها والحجب المنع وعدل عن الحاجبين إلى الحواجب إشارة إلى المبالغة في امتدادهما حتى صار كعدة حواجب (سوابغ) بالسين أفصح من الصاد جمع سابغة أي كاملات. قال الزمخشري: حال من المجرور وهو الحواجب وهي فاعلة في المعنى إذ تقديره أزج حواجبه أي زجت حواجبه (في غير قون) بالتحريك أي اجتماع يعني أن طرفي حاجبيه قد سبقا أي طالا حتى كادا يلتقيان ولم يلتقيا (بينهما) أي الحاجبين (عرق) بكسر فسكون (يدره) أي يحركه نافراً (الغضب) كان إذا غضب امتلأ ذلك العرق دماً كما يمتلئ الضرع لبناً إذا در فيظهر ويرتفع (أقنى) بقاف فنون مخففة من القنا وهو ارتفاع أعلى الأنف واحد يدأب وسطه (العرنين) أي طويل الأنف مع دقة أرنبته وهو بكسر فسكون الأنف أو ما صلب منه أو أوله حيث يكون الشم والقنا فيه طوله ودقة أرنبته مع حدب في وسطه (له) أي للعرنين أو للنبي صلى اللّه عليه وسلم وهو أقرب (نور) بنون مضمومة (يعلوه) يغلبه من حسنه وبهاء رونقه (يحسبه) بضم السين وكسرها أي النبي أو عرنينه (من لم يتأمله) أي يمعن النظر فيه (أشم) مرتفعاً قصبة الأنف قال محقق: وذا يفيد أن قناه كان قليلاً فمن عكس انعكس عليه ومن قال المشهور كان أشم فالكتب المشهورة تكذبه اهـ. ومراده الدلجي والشمم ارتفاع قصبة الأنف وإشراف الأرنبة (كث اللحية) وفي رواية للحارث عن أم معبد كثيف اللحية بفتح الكاف غير دقيقها ولا طويلها وفيها كثافة كذا في النهاية وفي التنقيح كث اللحية كثير شعرها غير مسبلة وفي القاموس كثت كثرت أصولها وكثفت وقصرت وجعدت ولذا روى كانت ملتفة وفي شرح المقامات للشريشي كثة كثيرة الأصول بغير طول ويقال للحية إذا قص شعرها وكثر إنها لكثة وإذا عظمت وكثر شعرها قيل إنه لذوا عشنون فإذا كانت اللحية قليلة في الذقن ولم يكن في العارضين فذلك السنوط والسناط وإذا لم يكن في وجهه كثير شعر فذلك الشطط واللحية بكسر اللام، وفي الشكاف الفتح لغة الحجاز الشعر النابت على الذقن خاصة (سهل الخدين) ليس فيهما نتوء ولا ارتفاع وهو بمعنى خبر البيهقي وغيره كان أسيل الخدين وذلك أعذب عند العرب (ضليع) بضاد معجمة (الفم) عظيمه أو واسعه (أشنب) أي أبيض الأسنان مع بريق وتحديد فيها أو هو رونقها وماؤها أو بردها وعذوبتها (مفلج الأسنان) أي مفرج ما بين الثنايا (دقيق) بالدال وروي بالراء (المسربة) بضم الراء وتفتح وضم الميم وسكون السين المهملة ما دق من شعر الصدر كالخيط سائلاً إلى السرة (كأن عنقه) بضم المهملة وبضم النون وتسكن (جيد) بكسر فسكون وهما بمعنى وإنما عبر به تفنناً وكراهة للتكرار اللفظي (دمية) كعجمة بمهملة ومثناة تحتية الصورة المنقوشة من نحو رخام أو عاج شبه عنقه بعنقها لأنه يتأنق في صنعتها مبالغة في حسنها وخصها لكونها كانت مألوفة عندهم دون غيرها (في صفاء الفضة) حال مقيدة لتشبيهه به أي كأنه هو حال صفائه قال الزمخشري: وصف عنقه بالدمية في الاستواء والاعتدال وظرف الشكل وحسن الهيئة والكمال وبالفضة في اللون والإشراق والجمال (معتدل الخلق) أي معتدل الصورة الظاهرة يعني متناسب الأعضاء خلقاً وحسناً (بادناً) أي ضخم البدن لكن لا مطلقاً بل بالنسبة لما يأتي من كونه شثن الكفين والقدمين جليل الشماش والكتد ولما كانت البدانة قد تكون من كثرة اللحم وإفراط السمن الموجب لرخاوة البدن وهو مذموم دفعه بقوله (متماسكاً) يمسك بعض أجزائه بعضاً من غير ترزرز قال الغزالي: لحمه متماسك يكاد يكون على الخلق الأول ولم يضره السن أراد أنه في السن الذي من شأنه استرخاء اللحم كان كالشباب ولا يناقض كونه بادناً ما في رواية البيهقي ضرب اللحم لأن القلة والكثرة والخفة والتوسط من [ص 78] الأمور النسبية المتفاوتة فحيث قيل بادن أريد عدم النحولة والهزال وحيث قيل ضرب أريد عدم السمن التام (سواء البطن والصدر) بالإضافة أو التنوين كناية عن كونه خميص البطن والحشاء أي ضامر البطن من قبل طويل النجاد أي القامة (عريض الصدر) في الشفاء واسع الصدر وفي المواهب رحب الصدر والعرض خلاف الطول قال البيهقي: كان بطنه غير مستفيض فهو مساو لصدره وظهره عريض فهو مساو لبطنه أو العريض بمعنى الوسيع أو مجاز عن احتمال الأمور (بعيد ما بين المنكبين) تثنية منكب مجتمع عظم العضد والمنكب وهو لفظ مشترك يطلق على ما ذكر وعلى المحل المرتفع من الأرض وعلى ريشة من أربع في جناح الطير (ضخم الكراديس) أي عظيم الألواح أو العظام أو رؤوس العظام وقال البغوي: الأعضاء وفيه دلالة على المقصود وقال محقق: والمراد عظام تليق بالعظم كالأطراف والجوارح وقد ثبت عظيم الأطراف والجوارح (أنور المتجرد) الرواية بفتح الراء قال البغوي وغيره: بمعنى نيره قال محقق: ولا حاجة له لأن أفعل التفضيل إذا أضيف فأحد معنييه الفضيل على غير المضاف إليه والإضافة للتوضيح فكأنه قال متجرده أنور من متجرد غيره قال البغوي وغيره: المتجرد ما جرد عنه الثياب وكشف من جسده أي كان مشرف البدن ثم المراد جميع البدن والقول بأن المراد ما يستر غالباً ويجرد أحياناً متعقب بالرد (موصول ما بين اللبة) بفتح اللام المنحر وهي التطامن الذي فوق الصدر وأسفل الحلق من الترقوتين (والسرة) بشعر متعلق بموصول (يجري) يمتد شبهه بجريان الماء وهو امتداده في سيلانه (كالخط) الطريقة المستطيلة في الشيء والخط الطريق وطلبه الاستقامة والاستواء فشبه بالاستواء وروي كالخيط والتشبيه بالخط أبلغ وهذا معنى دقيق المسربة المار (عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك) أي ليس عليهما شعر سوى ذلك وما ذكر من أن اللفظ الثديين تثنية ثدي هو ما في نسخ هذا الجامع لكن في النهاية الثندوتين قال: وهما للرجل كالثديين للمرأة فمن ضم الثاء همز ومن فتحها لم يهمز أراد إن لم يكن على ذلك الموضع كثير لحم اهـ. والأول هو رواية الشفاء وغيره وقول القرطبي ولا شعر تحت إبطيه رده الولي العراقي بأنه لم يثبت والخصوصية لا تثبت بالاحتمال (أشعر) أي كثير شعر (الذراعين) تثنية ذراع ما بين مفصل الكف والمرفق وفي القاموس من طرف المرفق إلى طرف الأصبع الوسطى (والمنكبين وأعالي) جمع أعلى (الصدر) أي كان على هذه الثلاثة شعر غزير (طويل الزندين) بفتح الزاي عظما الذراعين تثنية زند كفلس وهو ما انحسر عنه اللحم من الذراع (رحب الراحة) واسعها حساً وعطاء، ومن قصره على حقيقة التركيب أو جعله كناية عن الجود فحسب فغير مصيب. قال الزمخشري: ورحب الراحة أي الكف دليل الجود وصغرها دليل البخل، قال محقق: وأما سعة القدمين فلم أقف عليه لكنه يفهم مما مرّ أنه ضخمها (سبط القصب) بالقاف أي ليس في ذراعيه وساقيه وفخذيه نتوء ولا تعقد والقصب جمع قصبة كل عظم أجوف فيه مخ (شثن الكفين) أي في أنامله غلظ بلا قصر وذلك يحمد في الرجل لكونه أشد لقبضه ويذم في النساء (والقدمين) وذا لا يعارضه خبر البخاري عن أنس ما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كفه لأن المراد اللين في الجلد والغلظ في العظام فيجتمع له نعومة البدن وقوته ومن ثم قال ابن بطال: كانت كفه ممتلئة لحماً غير أنها مع ضخامتها لينة أو حيث وصف باللين واللطافة حيث لا يعمل بهما شيئاً بل كان بالنسبة لأصل الخلقة وحيث وصف بالغلظ والشثونة فبالنسبة إلى امتهانهن بالعمل فإنه يتعاطى كثيراً من أموره (سائل الأطراف) بسين ولام أي ممتدها كذا في النهاية لكن البيهقي وغيره فسروه بممتد الأصابع طوال غير معقدة ولا متثنية ويؤيده رواية كأن أصابعه قضبان فضة أي أغصانها، والوجه التعميم فقد ورد سبط القصب وفسر بكل عظم ذي مخ والسبوط الامتداد قاله أبو نعيم وروي شائل الأطراف بشين معجمة أي مرتفعها وهو قريب من سائل [ص 79] من قوله شالت الميزان ارتفعت إحدى كفتيه يعني كان مرتفع الأصابع بلا أحد يذاب ولا تقبض، وروي سائن بالنون وهي بمعنى سائل بالسين المهملة وسائر بالراء من السير بمعنى طويلها ومحصول ما وقع الشك فيه في هذه اللفظة سائل بمهملة وبمعجمة وسائن بالنون وسائر براء. قال الزمخشري: ومقصود الكل أنها غير متعقدة (خمصان) بضم المعجمة وفتحها (الأخمصين) مبالغة من الخمص أي شديد تجافي أخمص القدم عن الأرض وهو المحل الذي لا يلصق بها عند الوطء (مسيح القدمين) أملسهما مستويهما لينهما بلا تكسر ولا تشقق جلد (بحيث ينبو عنهما الماء) أي يسيل ويمر سريعاً إذا صب عليهما لاصطحابهما (إذا زال) أي النبي صلى اللّه عليه وسلم (زال تقلعاً) أي إذا ذهب وفارق مكانه رفع رجليه رفعاً بائناً متداركاً إحداهما بالأخرى مشية أهل الجلادة فتقلعاً حال أو مصدر منصوب أي ذهاب قلع والقلع في الأصل انتزاع الشيء من أصله أو تحويله عن محله وكلاهما يصلح أن يراد هنا أي ينزع رجله عن الأرض أو يحولها بقوة (ويخطو) يمشي (تكفؤاً) بالهمز وتركه أي تمايل إلى قدام من قولهم كفأت الإناء إذا قلبته أو إلى يمين وشمال ويؤيد الأول قوله الآتي كأنما ينحط (ويمشي) تفتن حيث عبر عن المشي بعبارتين فراراً من كراهة تكرار اللفظ (هوناً) بفتح فسكون أي حال كونه هيناً أو هو صفة لمصدر محذوف أي مشياً هيناً بلين ورفق والهون الرفق (ذريع) كسريع وزناً ومعنى (المشية) بكسر الميم أي سريعها مع سعة الخطوة فمع كون مشيه بسكينة كان يمد خطوته حتى كأن الأرض تطوى له (إذا مشى كأنما ينحط من صبب) أي منحدر من الأرض وأصله النزول من علو إلى سفل ومنه صببت الماء والمراد التشبيه بالمنحدر من علو إلى سفل بحيث لا إسراع ولا إبطاء. وخير الأمور أوساطها. قال بعضهم: والمشيات عشرة أنواع هذه أعدلها وبما تقرر يعرف أنه لا تعارض بين الهون الذي هو عدم العجلة وبين الانحدار والتقلع الذي هو السرعة فمعنى الهون الذي لا يعجل في مشيته ولا يسعى عن قصد إلا لحادث أمر مهم، وأما الانحدار والقلع فمشيه الخلقي (وإذا التفت التفت جميعاً) وفي رواية جمعاً كضربا أي شيئاً واحداً فلا يسارق النظر ولا يلوي عنقه كالطائش الخفيف بل كان يقبل ويدبر جميعاً. قال القرطبي: ينبغي أن يخص بالفتاته وراءه أما التفاته يمنة أو يسرة فبعنقه (خافض) من الخفض ضد الرفع (الطرف) أي البصر يعني إذا نظر إلى شيء خفض بصره تواضعاً وحياءاً من ربه وذلك هو شأن المتأمل المتفكر المشتغل بربه ثم أردف ذلك بما هو كالتفسير له فقال (نظره إلى الأرض) حال السكوت وعدم التحدث (أطول من نظره إلى السماء) لأنه كان دائم المراقبة متواصل الفكر فنظره إليها ربما فرّق فكره ومزق خشوعه ولأن نظر النفوس إلى ما تحتها أسبق لها من نظرها إلى ما علا عليها أما في غير حال السكوت والسكون فكان ربما نظر إلى السماء بل جاء في أبى داود وكان إذا جلس يتحدث يكثر أن يرفع طرفه إلى السماء وهذا كله في غير الصلاة، أما فيها فكان ينظر إليها أولاً، فلما نزلت فائدة: رأيت بخط الحافظ مغلطاي أن ابن طغر ذكر أن علياً أتاه راهب بكتاب ورثه عن آبائه كتبه أصحاب المسيح فإذا فيه: الحمد للّه الذي قضى فيما قضى وسطر فيما سطر أنه باعث في الأميين رسولاً لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح. أمته الحمادون نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى المساء (جل نظره) بضم الجيم أي معظمه وأكثر (الملاحظة) مفاعلة من اللحظ أي النظر بشق العين مما يلي الصدغ أراد به هنا أنه كان أكثر نظره في حال الخطاب الملاحظة وكثرة الفكر فلا يعارض قوله إذا التفت التفت جميعاً (يسوق أصحابه) أي يقدمهم أمامه ويمشي خلفهم كأنه يسوقهم تواضعاً وإرشاداً إلى ندب مشي كبير القوم وراءهم ولا [ص 80] يدع أحداً يمشي خلفه أو ليختبر حالهم وينظر إليهم حال تصرفهم في معاشهم وملاحظتهم لإخوانهم فيربي من يستحق التربية، ويكمل من يحتاج التكميل، ويعاقب من يليق به المعاقبة، ويؤدب من يناسبه التأديب، وهذا شأن المولى مع رعيته، أو لأن الملائكة كانت تمشي خلف ظهره أو لغير ذلك، وإنما تقدمهم في قصة جابر رضي اللّه تعالى عنه لأنه دعاهم إليه فجاؤوا تبعاً له (ويبدأ) وفي رواية يبدر أي يسبق (من لقيه بالسلام) حتى الصبيان تأديباً لهم وتعليماً لمعالم الدين ورسوم الشريعة وإذا سلم عليه أحد رد عليه كتحيته أو أحسن منها فوراً إلا لعذر كصلاة وبراز قال ابن القيم: ولم يكن يرده بيده ولا برأسه ولا بأصبعه إلا في الصلاة ثبت بذلك عدة أخبار ولم يجيء ما يعارضها إلا شيء باطل. - (ت في الشمائل) النبوية (طب هب عن هند بن أبي هالة) بتخفيف اللام وكان وصافاً لحلية النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو ربيبه إذ هو ابن خديجة ودالة اسم لدارة القمر قتل مع علي يوم الجمل وقيل مات في طاعون عمواس وبقي مدة لم يجد من يدفنه لكثرة الموتى حتى نادى مناد واربيب رسول اللّه فترك الناس موتاهم ورفعوه على الأصابع حتى دفن، رمز المصنف لحسنه ولعله لاعتضاده عنده وإلا ففيه جميع بن عمر العجلي قال أبو داود: أخشى أن يكون كذاباً وتوثيق ابن حبان له متعقب بقول البخاري: إن فيه نظراً ولذلك جزم الذهبي بأنه واه وفيه رجل من تميم مجهول ومن ثم قال بعض الفحول: خبر معلول. 6494 - (كان في ساقيه) روي بالإفراد وبالتثنية (حموشة) بحاء مهملة مفتوحة وشين معجمة أي دقة قال القاضي: حموشة الشاق دقتها يقال حمشت قوائم الدابة إذا دقت هكذا ضبط بعضهم. وقال بعضهم: خموشة بضم أوله المعجمة دقتها وبكسره ليفيد التقليل والمراد نفي غلظها وذلك مما يمتدح به وقد أكثر أهل القيافة من مدحها وفوائدها. - (ت) في المناقب (ك) كلاهما (عن جابر بن سمرة) وقال: حسن غريب صحيح. 6495 - (كان في كلامه) وفي رواية كان في قراءته (ترتيل) أي تأن وتمهل مع تبيين الحروف والحركات بحيث يتمكن السامع من عدها (أو ترسيل) عطف تفسيري أو شك من الراوي وفي الحديث أن الناس دخلوا عليه صلى اللّه عليه وسلم أرسالاً يصلون عليه أي فرقاً مقطعة يتبع بعضهم بعضاً وأخذ بذا جمع ففضلوا قراءة القليل المرتل على الكثير بغير ترتيل لأن القصد من القراءة التدبر والفهم وذهب قوم إلى فضيلة الكثرة واحتجوا بأخبار قال ابن القيم: والصواب أن قراءة الترتيل والتدبر أرفع قدراً وثواب كثرة القراءة أكثر عدداً فالأول كمن تصدق بجوهرة عظيمة والثاني كمن تصدق بدنانير كثيرة. - (د عن جابر) بن عبد اللّه قال الزين العراقي: فيه شيخ لم يسم. 6496 - (كان كثير العرق) محركاً ما يترشح من جلد الحيوان كما سبق وقد يستعار لغيره وكانت أم سليم تجمع عرقه فتجعله في قارورة وتخلطه في الطيب لطيب ريحه والقلب الطاهر الحي يشم منه رائحة الطيب كما أن القلب الخبيث الميت يشم منه رائحة النتن لأن نتن القلب والروح يتصل بباطن البدن أكثر من ظاهره والعرق يفيض من الباطن فالنفس العلية يقوى طيبها ويفوح عرف عرقها حتى يبدو على الجسد والخبيثة بضدها. فائدة: أخرج أبو يعلى عن أبي هريرة مرفوعاً قال: جاء رجل فقال: يا رسول اللّه إني زوجت ابنتي وأنا أحب أن تعينني بشيء قال: ما عندي شيء ولكن إذا كان غداً فأتني بقارورة واسعة الرأس وعود شجرة وآية ما بيني وبينك أن أجيف ناحية الباب فلما كان من الغد أتاه الرجل بقارورة واسعة وعود شجرة فجعل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يسلت العرق عن ذراعيه حتى امتلأت [ص 81] القارورة فقال: خذها وأمر بنتك أن تغمس هذا العود في القارورة فتتطيب فكانت إذا تطيبت شم أهل المدينة رائحة ذلك الطيب فسموا بيت المطيبين قال الذهبي: حديث منكر. - (م عن أنس) قال: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يأتي أم سليم فيقيل عندها فتبسط له نطعاً وكان كثير العرق فكانت تجمعه فتجعله في الطيب. 6497 - (كان كثير شعر اللحية) أي غزيرها مستديرها زاد في رواية قد ملأت ما بين كتفيه قال القرطبي: ولا يفهم منه أنه كان طويلها لما صح أنه كان كث اللحية أي كثير شعرها غير طويله انتهى. قال الغزالي: وفي خبر غريب أنه كان يسرحها في اليوم مرتين. - (م عن جابر بن سمرة). 6498 - (كان كلامه كلاماً فصلاً) أي فاصلاً بين الحق والباطل وآثره عليه لأنه أبلغ أو مفصولاً عن الباطل أو مصوناً عنه فليس في كلامه باطل أصلاً أو مختصاً أو متميزاً في الدلالة على معناه وحاصله أنه بين المعنى لا يلتبس على أحد بل (يفهمه كل من سمعه) من العرب وغيرهم لظهوره وتفاصيل حروفه وكلماته واقتداره لكمال فصاحته على إيضاح الكلام وتبيينه ولهذا تعجب الفاروق من شأنه وقال له: مالك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا قال: كانت لغة إسماعيل قد درست أي متممات فصاحتها فجاءني بها جبرائيل فحفظتها وورد أنه كان يتكلم مع الفرس بالفارسية قال الزمخشري: وقد أعيا أولئك المفلقين المصاقع حتى قعدوا مقهورين ونكبوا فصاروا مبهوتين واستكانوا وأذعنوا وأسهبوا بالاستعجاب وأيقنوا أن اللّه عزت قدرته محض هذا اللسان العربي وألقى على لسانه زبدته فما من خطيب يقاومه إلا نكص متفكك الرجل وما من مصقع يناهزه إلا رجع فارغ السجل وما قرن بمنطقه منطق إلا كان كالبرذون مع الحصان المطهم ولا وقع من كلامه شيء في كلام الناس إلا أشبه الوضح في ثقبة الأدهم وقال ابن القيم: كان أفصح الخلق وأعذبهم كلاماً وأسرعهم أداء وأحلاهم منطقاً حتى كان كلامه يأخذ بالقلوب ويسبي الأرواح وقد شهد له بذا أعداؤه وقد جمعوا من كلامه المفرد الموجز البليغ البديع دواوين لا تكاد تحصى. - (د عن عائشة) ورواه عنها أيضاً الترمذي لكنه قال: يحفظه من جلس إليه وقال النسائي في يوم وليلة يحفظه كل من سمعه قال الزين العراقي: وإسناده حسن.
|