الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية لأحاديث الهداية **
بسم اللّه الرحمن الرحيم وبه نستعين، وصلى اللّه على سيدنا محمد، وآله وصحبه وسلم. - الحديث الاول: روى المغيرة بن شعبة: - أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أتى سباطة قوم، فبال قائمًا وتوضأ، ومسح على ناصيته وخفيه، قلت: هذا حديث مركب من حديثين، رواهما المغيرة بن شعبة، جعلهما المصنف حديثًا واحدًا، فحديث المسح على الناصية والخفين، أخرجه مسلم [في باب المسح على الخفين" ص 134 - ج 1] عن عروة بن المغيرة عن أبيه المغيرة بن شعبة: أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ توضأ، ومسح بناصيته، وعلى العمامة، وعلى الخفين، انتهى. ورواه الطبراني في معجمه" بهذا الإسناد، ولم يذكر فيه العمامة، ووَهمَ ابن الجوزي في "كتاب التحقيق" فعزا هذا الحديث إلى الصحيحين، وليس كذلك، بل انفرد به مسلم [أي بذكر الناصية التي هي محل الاستدلال، وإلا فأصل الحديث أخرجه البخاري في "صحيحه" في تسعة مواضع: منها في الوضوء في "باب الرجل يوضئ صاحبه" ص 30، ولفظه: ومسح برأسه، ومسح على الخفين، اهـ] وتعقبه عليه صاحب "التنقيح"، وروى أبو داود، في "سننه" [في باب المسح على العمامة" ص 22 - ج 1] من حديث أبي معقل عن أنس، قال: رأيت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، يتوضأ، وعليه عمامة قِطرية، فأدخل يده من تحت العمامة، فمسح مقدمة رأسه، ولم ينقض العمامة، انتهى. وسكت عنه أبو داود، ثم المنذري في "مختصره"، ورواه الحاكم في "المستدرك [ص 169 - ج 1]" وسكت عنه، ثم قال: وهذا الحديث، وإن لم يكن إسناده على شرط الكتاب، فإن فيه لفظة غريبة، وهي: أنه مسح بعض رأسه، ولم ينقض العمامة، انتهى. وحديث السباطة. والبول قائما،ً رواه ابن ماجه في "سننه" [ص 26، وأحمد بن حنبل في "مسنده" ص 246 - ج 4 من حديث عثمان، قال: حدثنا حماد بن سلمة أنا عاصم بن بهدلة، وحماد بن أبي سليمان عن أبي وائل عن المغيرة بن شعبة أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أتى على سباطة بني فلان، فبال قائمًا] حدثنا إسحاق بن منصور ثنا أبو داود ثنا شعبة عن عاصم عن أبي وائل بن المغيرة بن شعبة [هذا هو الحديث الثاني] أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أتى سباطة قوم فبال قائمًا. قال شعبة: قال عاصم: يومئذ، وهذا الأعمش يرويه عن أبي وائل عن حذيفة، وما حفظه، فسألت عنه منصورًا، فحدثنيه عن أبي وائل عن حذيفة، انتهى. - وحديث حذيفة هذا أخرجه البخاري [ص 35]، ومسلم [ص 133] عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أتى سباطة [وفي نسخة "بسباطة" بالباء] قوم، فبال قائمًا، ثم دعا بماء فجئته به، ثم توضأ، زاد مسلم: ومسح على خفيه، انتهى. ووقع لشيخنا العلامة علاء الدين في هذا الحديث وهم من وجهين: أحدهما أنه قال في حديث حذيفة بعد أن حكاه بلفظ البخاري. وزيادة مسلم: أخرجاه، وقد بيَّنا أن مسلمًا انفرد فيه بالمسح على الخفين. وقد صرح بذلك عبد الحق في "الجمع بين الصحيحين" فقال: لم يذكر البخاري فيه المسح على الخفين. الوهم الثاني،: أنه جعل حديث الكتاب مركبًا من حديث المغيرة، أنه عليه السلام مسح بناصيته وخفيه، ومن حديث حذيفة، في السباطة، والبول قائمًا وهذا عجب منه، لأن المصنف جعلهما من رواية المغيرة، وقد بيَّنا أن حديث السباطة. والبول قائمًا أيضًا. رواه المغيرة بن شعبة، كما أخرجه عنه ابن ماجه [وأحمد] وكان من الواجب أن يذكرهما من رواية المغيرة ليطابق عزو المصنف، وهذا الوهم الثاني لم يستبد به الشيخ، وإنما قلد فيه غيره، واللّه أعلم. - الحديث الثاني: عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ انه قال: - إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسنَّ يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا، فإنه لا يدري أين باتت يده. قلت: أخرجه الأئمة الستة في "كتبهم"، فرواه البخاري [ص 28] من طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قال: "إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً، ثم لينتثر، ومن استجمر، فليوتر، وإذا استيقظ أحدكم من نومه، فليغسل يده قبل أن يدخلها في الإِناء، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده، النتهى. ورواه مسلم [ص 136] من حديث عبد اللّه بن شقيق عن أبي هريرة أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قال: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا، فإنه لا يدري أين باتت يده"، انتهى. ورواه أيضًا من حديث أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا: "إذا قام أحدكم من الليل فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات، فإنه لا يدري أين باتت يده"، انتهى. ورواه ابن ماجه في "سننه" [ص 32] من حديث أبي الزبير عن جابر مرفوعًا: إذا قام أحدكم من النوم، فأراد أن يتوضأ، فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها، فإنه لا يدري أين باتت يده، ولا على مَ [في الدارقطني. وابن ماجه "على ما وضعها] وضعها. انتهى. ووقع في لفظ المصنف، وغيره من أصحابنا: "فلا يغمسن" بثوت نون التوكيد المشددة، ولم أجدها فيه إلا عند البزار في "مسنده"، فإنه رواه من حديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعًا "إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في طهوره حتى يفرغ عليها"، الحديث. - الحديث الثالث: قال عليه السلام: - "لا وضوء لمن لم يسم اللّه تعالى" [ليس هذا القدر في نسخة "الهداية" المطبوعة في "الهند"، ولكن في النسخة التي طبعت في - بولاق مصر مع الفتح فيها: "لا وضوء لمن لم يسم اللّه".] قلت: روي من حديث أبي هريرة، ومن حديث سعيد بن زيد، ومن حديث الخدري، ومن حديث سهل بن سعد الساعدي، ومن حديث أبي سبرة. - أما حديث أبي هريرة، فرواه أبي داود، وابن ماجه من حديث يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن يذكر اسم اللّه عليه"، انتهى. ورواه الحاكم في المستدرك [ص 146 - ج 1]، فقال فيه: عن يعقوب بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة فذكره، ثم قال: حديث صحيح الإِسناد، ولم يخرجاه، وقد احتج مسلم بيعقوب بن أبي سلمة الماجشون، واسم أبي سلمة "دينار"، انتهى كلامه. قال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في كتاب الإمام"، نقل عن الحاكم أنه أخرج هذا الحديث في "كتابه المستدرك" من جهة ابن أبي فديك [والصحيح عن محمد بن موسى عن يعقوب اهـ، كذا في "المستدرك - وابن ماجه] عن يعقوب بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة، وأنه قال صحيح الإسناد، وقد احتج مسلم بيعقوب بن أبي سلمة، وهذا إن صح عنه، فهو انتقال ذهني من يعقوب بن سلمة، إلى يعقوب بن أبي سلمة، ويعقوب بن أبي سلمة الماجشون احتج به مسلم، ويعقوب بن سلمة الليثي هذا لم يحتج به مسلم، وقد أخرجه ابن ماجه، والدارقطني من رواية ابن أبي فديك لم يقولا: إلا يعقوب بن سلمة، انتهى كلامه. وهذا الكلام مشعر بأن الشيخ تقي الدين لم ير "المستدرك"، وقد صرح في "الإمام - في باب مواقيت الصلاة" أنه رآه، فقال بعد أن نقل منه كلامًا طويلًا: هكذا رأيته في نسخته عتيقة [قلت: ولعله كانت نسخة "المستدرك" عنده ناقصة، ولم تكن من هذا المقام، ويستأنس لهذا من كلامه الذي نقله صاحب الكتاب أيضًا "حاشية الطبع القديم". ] من المستدرك. وقال في "كتاب الزكاة" بعد أن نقل فيه حديثًا في زكاة التجارة: فيه. وفي البُر صدقة، هكذا وجدته في أصل من "المستدرك" بضم الباء [ولعل وجه التصريح "بضم الباء"، لتعيين الراء المهملة "بعد الباء" إشارة إلى رد ما في بعض النسخ "البز" بالزاء المعجمة، كما في بعض نسخ دار الكتب المصرية أيضًا، فإذا تعين "ضم الباء" فلا يكون بعدها إلا - راء مهملة - فإن "البز" بضم الباء، ويكون بعدها - زاي معجمة - مما لا معنى له، نعم - بفتح الباء - له معنى معروف "من البنوري المصحح".]، وقد نقلت كلامه. وقال البخاري في "تاريخه الكبير": لا يعرف لسلمة سماع من أبي هريرة، ولا ليعقوب من أبيه، انتهى. ذكره في "ترجمة سلمة". ورواه الدارقطني في "سننه" [ص 26] من حديث أيوب بن النجار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "ما توضأ من لم يذكر اسم اللّه عليه، وما صلى من لم يتوضأ، انتهى. وأيوب بن النجار، وثقه جماعة، لكن البيهقي [ص 44] رواه، وأعله بأن فيه انقطاعًا، قال: كان أيوب بن النجار يقول: لم أسمع من يحيى بن أبي كثير إلا حديثًا واحدًا، وهو حديث: الْتقى آدم. وموسى، ذكر ذلك يحيى بن معين فيما رواه عنه ابن أبي مريم، انتهى. - وأما حديث سعيد بن زيد، فرواه الترمذي. وابن ماجه [والطحاوي: ص 15.(يتبع...) (تابع... 1): - الحديث الثالث: قال عليه السلام:... ...] من حديث أبي ثفال [اسمه "ثمامة بن وائل بن حصين بن حمام أبو ثفال المري، الشاعر" ذكره ابن حبان في الثقات في الرابعة "تهذيب،. مقبول من الخامسة "تقريب".] عن رباح بن عبد الرحمن أنه سمع جدته بنت سعيد بن زيد [اسمها أسماء] تحدث أنها سمعت أباها سعيد بن زيد يقول: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "لا صلاة" بلفظ أبي داود، قال الترمذي: قال أحمد: لا أعلم في هذا الباب حديثًا له إسناد جيد، وقال محمد بن إسماعيل "يعني البخاري": أحسن شيء في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن، انتهى. ورواه الحاكم في "المستدرك" [قلت: هذا الحديث رواه الحاكم في الربع الرابع من "المستدرك" ص 60، وليس في النسخة المطبوعة - التصحيح، بل السكوت عنه فقط] أيضًا، وصححه. وأعله ابن القطان في "كتاب الوهم والإيهام" وقال: فيه ثلاثة مجاهيل الأحوال: جدة رباح لا يعرف [قلت سماها البيهقي: ص 43، فقال: هي أسماء بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، اهـ، وفي "اللسان" ص 853 - ج 6 يقال: إن لها صحبة، اهـ، وكذا سماها الحاكم في "المستدرك" ص 60 ج 4، وفيه عن جدتي أسماء أنها سمعت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وكذا في "الطحاوي" ص 15] لها اسم ولا حال، ولا تعرف بغير هذا. ورباح أيضًا مجهول الحال. وأبو ثفال [وقال البيهقي ص 43: اسمه ثمامة بن وائل، وقيل: ثمامة بن حصين "بالمهملة" اهـ] مجهول الحال أيضًا، مع أنه أشهرهم لرواية جماعة عنه: منهم الدراوردي، انتهى. وذكره ابن أبي حاتم في "كتاب العلل" [ص 52] وقال هذا الحديث ليس عندنا بذاك الصحيح: أبو ثفال مجهول، ورباح مجهول، انتهى. وقال الترمذي في "علله الكبير": سألت محمد بن إسماعيل عن اسم أبي ثقال، فلم يعرفه، ثم سألت الحسن بن علي الخلال، فقال: اسمه "ثمامة بن حصين"، انتهى. - وأما حديث أبي سعيد، فرواه بن ماجه في "سننه [ص 32، والبيهقي: ص 43]" من حديث كثير بن زيد عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي سعيد أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم اللّه عليه" انتهى. ورواه الحاكم في "المستدرك" [ص 147 - ج 1، ولم أر فيه التصحيح، وانتهى قول أحمد إلى قوله: حديث كثير بن زيد] أيضًا، وصححه. وأسند إلى الأثرم [هو أبو بكر الأثرم] أنه قال: سألت أحمد بن حنبل عن التسمية في الوضوء، فقال: أحسن ما فيها حديث كثير بن زيد، ولا أعلم فيها حديثًا ثابتًا، وأرجو أن يجزئه الوضوء، لأنه ليس فيه حديث أحكم به، انتهى. وقال الترمذي في "علله الكبير": قال محمد بن إسماعيل: ربيح بن عبد الرحمن منكر الحديث، انتهى. - وأما حديث سهل بن سعد، فرواه ابن ماجه [ص 32] أيضًا من حديث عبد المهيمن بن عباس ابن سهل بن سعد الساعدي عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم اللّه عليه". - وأما حديث أبي سبرة، فرواه الطبراني في "معجمه" حدثنا محمد بن عبد اللّه الحضرمي ثنا شعيب ابن سلمة الأنصاري ثنا يحيى بن يزيد بن عبد اللّه بن أنيس عن عبد اللّه بن سبرة عن جده أبي سبرة، قال: قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: "لا صلاة إلا بوضوء، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم اللّه عليه"، مختصر. - حديث يشكل على أحاديث التسمية: أخرجه أبو داود [ص 12]، والنسائي [لم أجده في "النسائي" من طريق سعيد، بل هو من طريق شعبة بدون زيادة، ولا في "أبي داود" بلفظ - يتوضأ - بل فيه: يبول، مكان: يتوضأ]، وابن ماجه [ص 29] عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن حضين بن المنذر عن المهاجر بن قنفذ، قال، أتيت النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وهو يتوضأ، فسلمت عليه، فلم يرد عليّ، فلما فرغ قال: "إنه لم يمنعني ان أرد عليك، إلا أني كنت على غير وضوء"، انتهى. ورواه ابن حبان في "صحيحه" في النوع الأول، من القسم الرابع عن ابن خزيمة بسنده، ورواه الحاكم في "المستدرك" [ص 479 - ج 3]، وقال: إنه صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه انتهى. والجواب عنه من وجهين: أحدهما أنه معلول. والآخر: أنه معارض، أما كونه معلولًا فقال ابن دقيق العيد في "الإمام": سعيد بن أبي عروبة، قد اختلط بآخره، فيراعى فيه سماع من سمع منه قبل الاختلاط [هذا الحديث رواه الطحاوي. وأحمد بطريق عبد الوهاب بن عطاء، وأبو داود من طريق عبد الأعلى، وابن ماجه. وأحمد من طريق روح بن عبادة، والحاكم من طريق يزيد بن زريع، كلهم عن سعيد، وهؤلاء كلهم من أصحاب سعيد، سمعوا منه في حال الصحة، كما في "فتح المغيث" ص 488]، قال ابن عدي: قال أحمد بن حنبل: يزيد بن زريع سمع منه قديمًا، قال: وقد رواه النسائي من حديث شعبة عن قتادة به، وليس فيه: "إنه لم يمنعني" إلى آخره، ورواه حماد بن سلمة [كما في "مسند أحمد" ص 80 ج 5، والطحاوي: ص 51] عن حميد، وغيره عن الحسن عن المهاجر منقطعًا، فصار فيه ثلاث علل، وروى أبو داود في "سننه" [ص 200] من حديث محمد بن ثابت العبدي ثنا نلفع، قال: انطلقت مع عبد اللّه بن عمر في حاجة إلى ابن عباس، فلما قضى حاجته، كان من حديثه، قال مرّ النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في سكة من سكك المدينة، وقد خرج من غائط، أو بول، إذ سلم عليه رجل، فلم يرد عليه السلام، ثم إنه ضرب بيده الحائط، فمسح وجهه مسحًا، ثم ضرب ضربة، فمسح ذراعيه إلى المرفقين، ثم كفه، وقال إنه لم يمنعني أن أرد عليك، إلا أني لم أكن على طهارة انتهى. وقال النووي في "الخلاصة" [وقال أبو داود - بعد ذكره - سمعت أحمد بن حنبل يقول: روى محمد بن ثابت حديثًا منكرًا في التيمم، قال ابن داسة: قال أبو داود: لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، ورووه فعلًا من عمر، اهـ. وراجع له البيهقي: ص 206 - ج 1]: محمد بن ثابت العبدي ليس بالقوي عند أكثر المحدثين، وقد أنكر عليه البخاري. وغيره رفع هذا الحديث، وقالوا: الصحيح أنه موقوف على ابن عمر، انتهى. وأما كونه معارضًا، فروى البخاري. ومسلم من حديث كريب عن ابن عباس، قال: بتُّ ليلة عند خالتي ميمونة زوج النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في طولها، فنام عليه السلام حتى انتصف الليل - أو قبله، أو بعده بقليل - استيقظ فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الخواتيم من سورة "آل عمران" ثم قام إلى شن معلقة، فتوضأ منه، فأحسن وضوءه، ثم قام فصلى، الحديث هذا ما يدل على جواز ذكر اسم اللّه، وقراءة القرآن مع الحدث، ولكن وقع في "الصحيح [أي البخاري في "باب التيمم في الحضر" ص 48]" أبي حنيفة ابخاريأ أنه عليه السلام تيمم لرد السلام، أخرجاه عن أبي الجهيم، قال: أقبل رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ من نحو بئر جمل، فلقيه رجل، فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى أقبل على الجدار، فمسح وجهه ويديه، ثم رد عليه السلام، انتهى. ولم يصل مسلم [بل علقه عن الليث في "باب التيمم ص 161 - ج 1] بسنده به، ولكنه روى من حديث الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر أن رجلًا مرّ، ورسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يبول، فسلم، فلم يرد عليه، لم يذكر فيه [وأخرج الطحاوي في باب "ذكر الجنب والحائض" ص 51 من طريق سفيان بسند مسلم، وزاد فيه: حتى أتى حائطًا فتيمم]: التيمم، ورواه البزار "في مسنده" [وابن جارود في "المنقى" ص 27] من حديث أبي بكر، رجل من آل عمر بن الخطاب عن نافع عن ابن عمر في هذه القصة، وقال: فرد عليه السلام، وقال: "إنما رددت عليك خشية أن تقول: سلمت عليه، فلم يرد عليّ فإذا رأيتني هكذا، فلا تسلم عليّ، فإني لا أرد عليك"، انتهى. وذكره عبد الحق في "أحكامه" من جهة البزار، ثم قال: وأبو بكر هذا فيما أعلم [قلت: في المنتقى" ص 27 حدثنا محمد بن يحيى ثنا عبد اللّه بن رجاء ثنا سعيد "يعني ابن أبي سلمة" ثني أبو بكر، وهو ابن عمر بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب عن نافع عن عبد اللّه، فذكر الحديث] هو "ابن عمر بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب"، روى عنه مالك، وغيره، لا بأس به، ولكن حديث الضحاك بن عثمان أصح، فإن الضحاك أوثق من أبي بكر هذا، ولعل ذلك كان في موطنين، انتهى كلامه. وتعقبه ابن القطان في "كتابه" فقال: من أين له أنه هو، ولم يصرح في الحديث باسمه واسم أبيه وجده؟، انتهى. قلت: قد جاء ذلك مصرحًا في "مسند السراج [هو أبو العباس السراج]" فقال: حدثنا محمد بن إدريس ثنا عبد اللّه بن رجاء ثنا سعيد بن سلمة حدثني أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب عن نافع عن ابن عمر، فذكره، وروى ابن ماجه في "سننه" من حديث عبد اللّه بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد اللّه أن رجلًا مرعلى النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ وهو يبول، فسلم عليه فقال عليه السلام: إذا رأيتني على هذه الحالة، فلا تسلم عليّ، فإنك إن فعلت ذلك، لم أرد عليك"، انتهى. ورواه البزار، وقال فيه: فلم يرد عليه، وينظر في التوفيق بين هذه الأحاديث، فإنها متعارضة جدًا، وتراجع الأصول أيضًا، واستدل البيهقي [ص 44 - ج 1] على عدم وجوب التسمية بما رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع - في المسيء صلاته - قال له النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: إذا قمت فتوضأ كما أمرك اللّه"، وفي لفظ لهم: "إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره اللّه، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين، ثم يكبر اللّه عز وجل ويحمده، ثم يقرأ من القرآن ما تيسر، ثم يكبر ويسجد، فيمكن وجهه - أو قال: جبهته - من الأرض حتى تطمئن مفاصله، ثم يكبر فيستوي قاعدًا على معقده، فيقيم صلبه، فوصف الصلاة هكذا: أربع ركعات حتى فرغ، لا يتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك"، انتهى. قال الترمذي: حديث حسن. وذكر ابن القطان أن يحيى [وهو يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد، قال الحافظ: مقبول من السادسة، وقال: قال ابن حبان في "أتباع التابعين من الثقات": يحيى بن خلاد، مات سنة تسع وعشرين - أي بعد مائتين - .] بن علي بن خلاد لا يعرف له حال، وأبوه عليّ ثقة، وجده يحيى بن خلاد، أخرج له البخاري. قال البيهقي: احتج أصحابنا بهذا الحديث في "نفي وجوب التسمية" وحديث: المسيء صلاته في "الصحيحين" عن أبي هريرة، وليس في هذا اللفظ، وإنما فيه: "إذا قمت إلى الصلاة، فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" الحديث، قال: واحتجوا أيضًا بحديث يحيى بن هاشم السمسار، ثنا الأعمش عن شقيق بن سلمة عن عبد اللّه بن مسعود، قال: سمعت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يقول: إذا تطهر أحدكم فليذكر اسم اللّه، فإنه يطهر جسده كله، فإن لم يذكر اسم اللّه على طهوره لم يطهر إلا ما مر عليه الماء". قال: وهذا ضعيف، لا أعلم رواه عن الأعمش غير يحيى بن هاشم، وهو متروك الحديث، ورماه ابن عدي بالوضع، ثم أخرج نحوه عن أبي هريرة. وعن ابن عمر، وضعفهما. قال ابن الجوزي في "التحقيق": وربما قال الخصم في هذا الحديث: إنه حجة له، لأنه حكم بطهارة الأعضاء مع عدم التسمية، قال: وجوابه: أنا نقول: البدن محدث بدليل أنه لا يجوز مس المصحف بصدره، ومع بقاء الحدث في بعض البدن لا تصح الصلاة. وقال في "الإمام": واستدل على وجوب التسمية، بما رواه معمر عن ثابت، وقتادة عن أنس، قال: طلب بعض أصحاب النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ وضوءً، فقال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ: هل مع أحد منكم ماء؟ فوضع يده في الماء، وقال: توضئوا باسم اللّه" قال: فرأيت الماء يخرج من بين أصابعه حتى توضئوا من عند آخرهم، قال: قلت لأنس: كم تراهم؟ قال: نحو من سبعين، انتهى. رواه ابن خزيمة. والنسائي. والدارقطني، ثم البيهقي، وقال: هذا أصح ما في التسمية. وأصل الحديث عن أنس متفق عليه، وإنما المقصود برواية معمر، هذه اللفظة التي ذكر فيها التسمية، والحديث ليس فيه حجة، فتأمله. والنسائي، والبيهقي بوَّبا عليه "باب التسمية عند الوضوء" ومما استدل به من السنة على أن الوضوء لا يجب قبل وقت الصلاة ما رواه أبو داود. والترمذي في "كتاب الأطعمة". والنسائي في "الطهارة" من حديث عبد اللّه بن أبي مليكة عن ابن عباس أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ خرج من الخلاء، فقرب إليه طعام، فقالوا: ألا نأتيك بوضوء؟ قال: "إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة"، قال الترمذي: حديث حسن. ورواه ابن خزيمة في "صحيحه". والحديث عند مسلم من رواية سعيد بن الحويرث عن ابن عباس، لكن بغير لفظة - إنما - المفيدة للمطلوب من الحديث. وبها استدل ابن خزيمة على ذلك، ورواه البيهقي في "سننه" من طريق أبي داود بلفظة - إنما - .
|